Wednesday, December 10, 2008

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى -الجزء السادس

خامسـا: الحج في الإيمـــــــان: وقوامه محبة الله:
المؤمن في منسك حج دائم الى الله لاينتهي الإ عندما يلقاه يوم القيامة ويتمتع برؤياه ،يتجه طول الوقت إلى علاه، مستغرقا في نجواه ، لبيك اللهم لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . محب لله، مطيع له ، حريص على تقواه. وقوام عبادته له في حجه الدائم إليه هو المحبة. ومحبة الله تفيض عليه ، فيحب مخلوقات الله من بعض حبه لمولاه. والمحب لله هو ولي الله ، إذ ليس أمام الإنسـان المسلم إلا واحد من اثنتين متعارضتين : إما أن يكون ولي لله دون سواه، وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أو ولي لشيطان من الجن أوشيطان من الإنس ،وبالتالي مشركا بالله. ولا توجد منزلة بين المنزلتين أو وسط بين الحدين بالنسبة للمؤمن ، فتوحيد الله والشرك به لا يجتمعان في قلبه أو عقله أو عمله. وإن غلب حبه لنفسه أو لأهله على حبه لله كان ذالك أيضا بمثابة شرك ، وإنما يجب أن يكون حبه لمخلوقات الله امتداد لمحبته لله وليس بديلا عنها. فهو يحبها في الله ويلتمس بحبه لها محبة الله له لعلمه بأن من اسماء الله الحسنى في القرآن أنه الودود وهو الكثير الحب لعباده يقول الله سبحانه وتعالى : " وهو الغفور الودود " وأنه رحمان رحيم بعباده والرحمة بنت المحبة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَّ الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا" (مريم: 96). وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني قد أبغضت فلاناً فينادي في أهل السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض". متفق عليه.
بل إن صادق حبه لغير الله لا يكون مالم يكن في حبه لله صادقا ومخلصـا ، ولذا فإن حبه لغير الله يكون في ذات الوقت هو حب في الله. وحبه لله يمنعه أن يحب غير أولياء الله أو أن يجمع في حبه لهم حب لأعداء الله أو أولياء الشياطين. وقد يتعامل مع غير الله بالحسني ، وبصبر ، ودون أن تطبع معاملته لهم كراهية ، لأن من يمتللأ حبه لله لا يعرف الكراهية. وإنما شأنه معهم شأن عباد الرحمن مع الجاهلين : قال تعالى : وعباد الرحمن الذين يمشون على الإرض هونا ، وإذا خا طبهم الجاهلون قالوا سلاما “ أي التزموا معهم منهج السلم ، ولم يتبادلون معهم فحش القول بمثله ، فالمؤمن الحق ليس فحاشا أو لعانا ، بل هو صائم طول الوقت عن ذلك ، ممتنعا عنه ، وهذا الامتناع عن فعل السوء يثاب عليه. ومن يحب الله يحببه الله ، ويؤازره ويصون عزته فلا يمسها سوء ، إذ “إن العزة لله ولرسوله والمؤمنين”. والعزة هنا معناها ألا يذل نفسـه لغير الله ، أو يلوذ بغير جنابه، إو يطمع في غير محبته ورضوانه .
وقال ابن القيم - رحمه الله - عن محبة الله:" المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عملها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفرنصيب ". وقال ابن القيم عن الاسباب الموجبة لمحبة الله عز وجل قال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين: 1. قراءة القران بالتدبر و التفهم لمعانية وما اريد به. (وهو من الذكر الذي هو صلاة المؤمنين.)
2. التقرب الى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله الى درجة المحبوبية بعد المحبه.(ويذخل ذلك أيضا في الذكر.)
3. دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدرنصيبه من هدا الذكر.
4 - ايثار محبته على محبتك لسواه ،عند غلبات الهوى ،والتسنم الى محبته وإن صعب المرتقى .قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: "ثلاث عشرة سنة كاملة همً رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أن يصنع رجالا لا أن يلقي مواعظ، وأن يصـوغ ضمائر لا أن يدبج خطبا، وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة، فالفكرة والمنهاج تكفل القرآن ببيانها وحفظها، والمطلوب أن يتحول المنهج إلى رجال تلمسهم الأيدي وتراهم الأعين. وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين صاغ الإسلام شخوصا، وطبع من القرآن آلاف النسخ لا بالمداد على صحائف الورق إنما طبعها بالنور على صفحات القلوب، وأطلق جيلا يتعامل مع الناس ويقول بالأفعال والأعمال والأخلاق هذا هو الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى". وهذا النهج النبوى هو الطريق الذي يجب أن يسير فيه أي فرد أو جماعة دينية تروم إعادة بناء أمة المسلمين ، وصنع رجال ونساء يعملون بدافع من حبهم لله ورسوله ، وبنفوس زكية ، نقية ، طاهرة بذكر الله ومحبته .فالبناء عمل شاق ، وجهد مبذول على مستوى العقل والنفس والبدن معا ، ولم يحدث أن أقيم بناء وعلا شاهقا نحو السماء بالخطب والمواعظ والجدل والمهاترات. وتزكية النفوس تحتاج خلق بيئة صالحة مواتية لتربيتها وتهذيبها، ولا غني لهذه البيئة عن نشر العلم والمعرفة والتطبيق العملي لها الذي يتناسب مع متطلبات العصر. محبة الله للمتصف بصفات المؤمنين في القرآن والسنة : وقد وردت أيات كثيرة في كتاب الله المحكم وفي أحاديث رسوله المشرفة تبين حب الله لمن يتصفون بصفات معينه هي بعينها الصفات التي لا يتصـف بها غيرالمؤمن ممن صدق في إيمانه بالله ومحبته له ،على النحو التالي : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة آية 54). *(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران آية31) . * (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ) (البقرة آية 165) كما وردت نفس الفكرة في أحاديث عديدة وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها قوله: "من أحب الله فليحبَّني، ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فليحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد". وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ) (رواه الترمذي- 3412)، وما ورد في الكتاب والسنة كان الأساس الذى بنى عليه كبار الصوفية فكرتهم عن الحب الإلهي. الله يحب الملتزمين بالعدل والقسطاس:جاء في سورة الممتحنة الآية الثامنة : " لا يَنْهَاكُـمُ اللَّهُ عَـنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الـدينِ وَلَـمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِـمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "أي العادلينويقول الله تبارك وتعالى : وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (الحجرات-9.) -الله يحب التوابين والمتطهرين وَيَسْأَلُونَكَ عَـنِ الْمَحِيـضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُـوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُـرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُـمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " سورة البقرة ويقول تبارك وتعالى : " لاَ تَقُـمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُـومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" سورة التوبة . -. الله يحب المتقين :وفي ذلك يقول تعالى : " بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِيـنَ " الآية : 76 من سورة آل عمران . ويقول سبحانه : " إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " الآية : 4 من سورة التوبة . ويقول تبارك وتعالى : "كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " الآية السابعة من سورة التوبة ._ الله يحب المحسسنين :يقول سبحانه وتعالى : " فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " سورة آل عمران . ويقول : " فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " سورة المائدة . ويقول ايضاً : " الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " سورة آل عمران . ويقول سبحانه : " وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ الـلّهَ يُحِـبُّ الْمُحْسِنِينَ " سورة البقرة ويقول سبحانه : " لَيْسَ عَلَى الَّذِيـنَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" سورة المائدة الله يحب المتوكلين : يقول ربنا جل جلاله :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّـنَ اللّـهِ لِنتَ لَهُـمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "" آل عمران
الله يحب المتواضعين :يقول الله سبحانه وتعالى : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا "النساء

ولايحب الله من يتصفون بصفات السوء مثل المعتدين والظالمين والمفسدين والمسرفين والآثمين والمستكبرين
ويقول الله سبحانه وتعالى : (" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِيـنَ " (المائدة :87 ) ويقول الله تبارك وتعالى : " ادْعُـواْ رَبَّكُـمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّـهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " (الأعراف : 55) ، ويقول المولى تبارك وتعالى : " وَأَمَّا الَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيـهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " آل عمران 57. ويقول جل جلاله : " إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّـامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَـعْلَمَ اللّهُ الَّذِيـنَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُـمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " ( آل عمران .140) -و الله يحب الخير وعمله :يقول المولى تبارك وتعالى :" وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ "( الآية : 205) من سورة البقرة . ويقول تعالى : " وَقَالَــتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"( ا المائدة 84.) ويقول : " وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّـاتٍ مَّعْرُوشَـاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَـاتٍ وَالنَّخْلَ وَالـزَّرْعَ مُخْتَلِفًـا أُكُلُـهُ وَالزَّيْتُـونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِـهٍ كُلُواْ مِن ثَمَـرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُـواْ حَقَّـهُ يَـوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّـهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"( الأنعام )ويقول جل جلاله : " يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " الأعراف ،ويقول سبحانه :"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَـنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْـرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِيـنَ " سورة الشورى ويقول كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " سورة القصص . ويقول سبحانه :" سبحانه وتعالى : " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ " سورة العاديات ويقول "يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " البقرة .
.ويقول سبحانه : "لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ "النحل ،ويقول سبحانه : " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُـهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ " (القصص -76) ويقول تبارك وتعالى : " وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " (18-لقمان )
.الله يحب الامناء الموفون بعهودهم :يقول الحق تبارك وتعالى : " وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا " (107) سورة النساء . ويقول جل جلاله : «  وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " (58) سورة الأنفال .
لايرضي الله بالظلم :يقول تبارك وتعالى : " لاَّ يُحِبُّ اللّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَـانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا "(148-النساء ) . ويقول سبحانه : " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " (38) سورة الحـج ويقول تبارك وتعالى : " لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " ( الحديد -23) .
.
وجاء في أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن حب الله والحب في الله:
- قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لاتؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم" (رواه مسلم ) وقال : صلى الله عليه وسلم : " تهادوا تحابوا " . رواه البيهقي وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: "من أحب رجلا لله فقد أحبه الله. فدخلا جميعا الجنة, وكان الذي أحب للهأرفع منزلة, ألحق الذي أحبه لله". رواه الطبراني .و عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حقت محبتي للمتحابين في, حقت محبتي للمتواصين في, حقت محبتي للمتبادلين في. المتحابون في علىمنابر من نور, يغبطهم بمكانتهم النبيون والصديقون والشهداء". رواه الإمام أحمد وفي رواية : "حقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي". رواه الطبراني وأحمد بنحوه .و عن معاذ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىالله عليه و سلم يقول : " قال الله تبارك و تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ و المتزاورين ، و المتباذلين فيّ " (رواه مالك و غيره ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم فيظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم )و قال عليه الصلاة و السلام : " من أحبّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله .عن أبي هريرة رضي الله عنهقال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّالمرء لا يحبه إلا لله" عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجدحلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لايحبه إلا لله ، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن ي قى في النار " (متفق عليه)
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أعطى لله ، و منع لله ، فقد استكمل الإيمان " ( رواه أبو داود بسند حسن )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرسل الله على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل لك عليه من نعمة تربُّها(تسعي في صلاحها)، فقال: لا، غير أني أحبه في الله، قال - الملك -: فإني رسول الله إليك، إن الله قد أحبَّك كما أحببته فيه". رواه مسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله ". رواه مسلم وغيره.
- تبشير الملائكة لمن زار أخاه حباً في الله تعالى بأن الله يحبه:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " ( رواه الشيخان )
عن أنس بن مالك قال : مررجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس ، فقال رجل ممن عنده : إني لأحب هذا لله، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أعلمته؟" قال : لا ، قال : " قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه ، فقال : أحبّك الذي أحببتني له ثم قال ، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أنت مع من أحببت، و لك ما احتسبت " ( رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي )
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يوضح أسباب حبِّ الناس له حيث قال "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضـي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي معأخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، في مسجد المدينة، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" المعجم الصغير".
قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم ،وتراحمهم ، وتعاطفهم ،مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهروالحمى ) رواه مسلم .
و جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال : «  ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس”
- وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، بعَـثَ رَجُلاً عَلَى سرِيَّةٍ ، فَكَـانَ يَقْرأُ لأَصْحابِهِ فيصلاتِهِمْ ، فَيخْتِمُ بــ “ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “ فَلَمَّا رَجَعُوا ،ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم ، فقال : « سَلُوهُلأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ ؟ » فَسَأَلوه ، فَقَالَ : لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه تعالى يُحبُّهُ » متفقٌ عليه

قال صلى الله عليه وسلم : «  من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كرهالله لقاءه قلنا : يا رسول الله ! كلنا يكره الموت ؟ قال : ليس ذلك كراهية الموت ،ولكن المؤمن إذا حضـر جاءه البشير من الله ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقيالله فأحب الله لقاءه ، وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه ماهو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر ، فكره لقاء الله ، فكره الله لقاءه”
قال صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك وتعالى : «  إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه،وإذا كره لقائي كرهت لقاءه “
- قال صلى الله عليه وسلم : » إن رجلا زار أخا له في قرية ، فأرصد الله تعالى علىمدرجته ملكا ، فلما أتى عليه الملك قال : أين تريد ؟ قال : أزور أخا لي في هذه القرية ، قال : هل عليك من نعمة [تربها] ؟ قال : لا ، إلا أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك أن الله عز وجل قد أحبك كما أحببته له
- قال صلى الله عليه وسلم : “ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب؛ إلا كان أحبهماإلى الله أشدهما حباً لصاحبه “ - وقال صلى الله عليه وسلم : «  ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجلأشدهما حبا لصاحبه “ وقال صلى الله عليه وسلم : » إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له ، فإنه خير فيالألفة ، و أبقى في المودة “ و- قال صلى الله عليه وسلم : » أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا “
قال صلى الله عليه وسلم : «  ما أحب عبد عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل “و قال صلى الله عليه وسلم : «  من سره أن يحب الله و رسوله فليقرأ في " المصحف" .
يروى أهل التصوف أن سفيان الثوري قال لرابعة العدوية يوما:
لكل عقد شرطا ولكل إيمان حقيقه فما حقيقة إيمانك؟
قالـت:ما عبدته خوفا من ناره ولا حبا لجنته فأكون كالأجير السوء إن خاف عمل، بل عبدته حبه له وشوقا إليه .
ومن قولها في محبة ألله : إني جعلتك في الفؤاد محدثــي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانــس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيــسي

عشرة أسباب لالتماس محبة الله
ذكر ابن القيم - رحمه الله - ي كتابه ( مدارج السالكين )عشرة اسباب لمن إراد أن يرقى من منزلة المحب لله، إلى منزلة المحبوب من الله
السبب الأول: قراءة القرآن بتدبر والتفهم لمعانيه، وما أريد به، كتدبير الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.
قال الحسـن بن على: ( إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار ).
قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصاله معاني كلامه إلى أفهامهم وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البـشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، بتدبر كلامه ).
الثاني: من تقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين، لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالإجتهاد في نوافل الطاعات، والإنكاف عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال تعالى في الحديث القدسي: «  لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والحظوة عنده ).
والنوافل المتقرب بها إلى الله تعالى أنواع: وهي الزيادات على أنواع الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة.

الثالث: دوام ذكره على كل حال، بالسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.وذلك بإيثار رضى الله على رضى غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن إيثار رضى الله عز وجل على غيره، وهو يريد أن يفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمد
وذا كله لا يكون إلا لثلاثة:
1 ـ قهر هوى النفس.
2 ـ مخالفة هوى النفس.
3 ـ مجاهدة الشيطان وأوليائه.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وأفعاله، أحبه لا محالة.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
ا السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته، بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات.والإنكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
قال تعالى: وَخَشَعَتِ الأَصوَاتُ لِلرّحمَنِ فَلاَ تَسمَعُ إِلاهَمساً [طه:108].
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
قال تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعون ربهم خوفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقُونَ [السجدة:16].
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.
قال رسول الله : «  قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ " [صححه الألباني: مشكاة المصابيح].
قال رسول الله : «  أوثق عرى الإيمان أن تحب في اللّه وتبغض في الله "
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

المحبة في الأناجيل:
. ينقل يوحنا من كلام المسيح في الإصحاح الثالث من إنجيله قوله:"14 نحن نعلم اننا قد انتقلنا من الموت الى الحياة لاننا نحب الاخوة.من لا يحب اخاه يبق في الموت. 15 كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس.وانتم تعلمون ان كل قاتل نفس ليس له حياة ابدية ثابتة فيه. 16 بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لاجلنا فنحن ينبغي لنا ان نضع نفوسنا لاجل الاخوة. 17 واما من كان له معيشة العالم ونظر اخاه محتاجا واغلق احشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه. 18 يا اولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق. 19 وبهذا نعرف اننا من الحق ونسكن قلوبنا قدامه. 20 لانه ان لامتنا قلوبنا فالله اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء 21 ايها الاحباء ان لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله 22 ومهما سألنا ننال منه لاننا نحفظ وصاياه ونعمل الاعمال المرضية امامه. 23 وهذه هي وصيته ان نؤمن باسم (ابنه) يسوع المسيح ونحب بعضنا بعضا كما اعطانا وصية. 24 ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه.وبهذا نعرف انه يثبت فينا من الروح الذي اعطانا "وكان المسيح لأنه ليس له أب : أبانا الذي في السماوات لك المجد يارب، يعني بذلك إن لم يجمعني بكم أبوكم أدم فإن الله ربي وربكم جميعا ، لأن نفخته في رحم أبي مثل نفخة الروح القدس في أرحام أمهاتكم ، فأولها من جاء من بعده بأنه ابن الله وأن الله والروح القدس والمسيح هم ثلاثة أقانيم متجمعة في إله واحد ، وساد الباطل عوض الفهم الصحيح لكلمات المسيح وسببها ومراده منها.ويقول يوحنا في الإصحاح الرابع من أنجيله أيضا : « الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه. 17 بهذا تكملت المحبة فينا ان يكون لنا ثقة في يوم الدين لانه كما هو في هذا العالم هكذا نحن ايضا. 18 لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج لان الخوف له عذاب واما من خاف فلم يتكمل في المحبة. 19 نحن نحبه لانه هو احبنا اولا. 20 ان قال احد اني احب الله وابغض اخاه فهو كاذب.لان من لا يحب اخاه الذي ابصره كيف يقدر ان يحب الله الذي لم يبصره. 21 ولنا هذه الوصية منه ان من يحب الله يحب اخاه ايضا” وهو مثيل لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخية ما يحب لنفسه” . وأرى أن أكثر التحريف فيما ورد فيها من كلام المسيح كان زيادة ألفاظ فيها في محاولة لتثيبت معني بنوة المسنح لله كما أراده المحرفون.
ومن التحريف في الإناجيل ما قد تسببت فيه سوء الترجمة من لغة إلى لغة أخرى ، فالمسيح كان يتكلم بالأرامية والأناجيل لم تكتب بها أول مرة وترجمت من اللغاتالتي كتبت بها إلى السريانية ثم اللآتينية ثم إلى اللغات الأوروبية القديمة ثم إلى اللعات الحديثه في العالم ، ويتضح ذلك من أن في أناجيل متي ولوقا نصوص تبدو على نقيض ما جاء في أنجيل يوحنا. ففي إنجيل متي :" فاني جئت لافرق الانسان ضد ابيه و الابنة ضد امها و الكنة ضد حماتها (10 : 35)" وفي إنجيل لوقا نجد قول المسيح:"ان كان احد ياتي الي و لا يبغض اباه و امه و امراته و اولاده و اخوته و اخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا ( 14: 26)"والمعقول أن يكون قال : أن لايحب أباه وأمه أكثر من حبه لله ولي فتحولت "ألا يحب" إلي أن :"يكره" .قد جاء في القرآن الكريم في هذا المعنى قوله تعالى: « قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره “ (التوبة:24) .
والمسيحي يأخذ من الأناجيل ما يتوافق مع مايريده ، فإذا تكلم عن المحبة ، وحاول أن يخدع بها من على غير دينه ذكر كلام يوحنا، ولم يذكر كلام متي ولوقا المناقضين له ، وكأنه يؤمن ببعض الكتاب حسب هواه ويكفر ببعضه. وتتحقق الخذيعة لآن الذي يقول له ذلك ليس مطلعا على ما جاء ببافي الأناجيل. واحتفاظ القرآن بلغته العربية التي جاء بها من عند الله هي سر عظمته وإعجازه ، ويحب لذلك مراجعة كل ترجمة له للغات أخرى لضمان تعبيرها الصحيح عن معانيه.

ابتلاء الله لمن يحبه:
وقد يبتلي الله المؤمن بالمحن ليرى مدي صبره وإيمانه ، وإن كان سيظل محتفظا بعزة نفسه أم سيفرط فيها أملا في أن ينقذه غير الله من محنته ، فإن صبر صبرا جميلا لا تشوبه شكوى ولا ضجر ، كان جديرا بحب الله له ، لأن “الله يحب الصابرين”.وقال تعالى :" وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " آل عمران .وقال سبحانه وتعالي : "وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصابِرِينَ * الذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مصِيبَةٌ قَالُوا إِنا لِلهِ وَإِنا إِلَيهِ راجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ من ربهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ". (البقرة:155-157) وقال جل ذكره: “أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُـونَ * وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ». ( العنكبوت: 2-3 ).و قال تعالى: "كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشـر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ". ( الأنبياء: 35 ).
و قال صلي الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالى: « من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”(البخاري).والمحبة ذاتها نعمة من نعم الله على بعاده ينعم بها على من شاء منهم ، قال تعالى:"وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَـدُونَ ". قال صلي الله عليه وسلم أيضـا: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" ( رواه مسلم )
وفال الفضيل بن عياض : " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه ".

ويتمثل المؤمن عنذ الابتلاء قول القائل: يا صاحب الهـمِّ إنَّ الهم منفرجٌ أبشِر بخيرٍ فإنَّ الفارج الله ، اليأس يقطع أحياناً بصاحبه لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي الله.
الله يُحدِث بعد العسر ميسرة لا تجزعنَّ فإن القاسم الله ، إذا بُليت فثِقْ بالله وارضَ به إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله . واللهِ ما لكَ غير الله من أحدٍ فحسبُك الله في كلٍ لك الله.
قلا يجزع ولا يقتط ولا بلحق ايمانه نقصان وإنما يزداد ثقة بالله وحبا له ، ويلطف الله به في قضاءه وقدره.فقد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت، ويبتلي الله بعض القوم بالنعم.

ومنزلة المؤمن المحسـن الصابرعند الله لايصـل اليها غيرهم ممن ليسوا على إيمانه وإحسانه. قال تعالي : » أَم حَسِبَ الّذِيـنَ اجتَرَحُوا السّيِئَاتِ أن نّجعَلَهُم كَالّذِيـنَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَوَآءً مّحيَاهُم وَمَمَاتُهُم، سَآءَ مَا يَحكُمُون” (الجاثية: 21) والله يحب المؤمنين ويغفر لهم ذنوبهم حبا ورحمة وكرامة منه لهم. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " الآية : آل عمران31 . ويقول تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " الحـج 38. ويقول تعالى : " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " ا( الروم .31.).

المحبة شرط الإخلاص في التوحيد :
ومحبة الله واجدة من شروط سبعة للإخلاص في التوحيد على نحو ما ورد في موقع وزارة الأوقاف السعودية بأن العلماء حددوا لكلمة الإخلاص سبعة شروط ، لا تصـح إلا بها مجتمعة هي :
1. العلم:والمراد به: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن اللـه عز وجــل هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالم بمعناها، وضد العلم الجهل، بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" (محمد: 19)، وقال تعالى:« إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " (الزخرف: 86)، أي: من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
2. اليقيـن:وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقناً بمدلولها يقيناً جازماً. فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله -تعالى- وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصـرف لغيره شيء من أنواع التأله والتعبد، فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله، كأن يقول: أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره؛ بطلت شهادته، ولم تنفعه، قال تعالى: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا «(الحجرات: 15).
3. القبول:القبول يعني: أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق الأخبار ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئاً، ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد، والتحريف الذي نهى الله عنه، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» (البقرة: 136).
وضد القبول: الرد؛ فإن هناك من يعلم معنى الشهادة، ويوقن بمدلولها، ولكنه يردها كبراً وحسـداً، قال تعالى: "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" (الأنعام: 33). ويدخل في الرد وعدم القبول، من يعترض على بعض الأحكام الشرعية، أو الحدود، أو يكرهها، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة » (البقرة: 208).
4. الانقياد المنافي للشرك:وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص، وهو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى:« وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له »(الزمر:54).
والانقيـاد أيضـاً لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- والرضى به، والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان، وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله، وأيقن بها، وقبلها، ولكنه لم ينقد، ولم يذعن، ولم يستسلم ولم يعمل بمقتضى ما علم؛ فإن ذلك لا ينفعه.
5. الصـدق:وهو الصدق مع الله، وذلك بأن يكون صادقاً في إيمانه، صادقاً في عقيدته، ومتى كان كذلك فإنه سيكون مصدقاً لما جاء من كتاب ربه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فالصدق أساس الأقوال، ومن الصدق أن يصدق في عبادته، وأن يبذل الجهد في طاعة الله، وحفظ حدوده، قال تعالى: » يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين »(التوبة: 119) ، وضد الصدق الكذب، فإن كان العبد كاذباً في إيمانه؛ لا يعد مؤمناً بل هو منافق، وإن نطق بالشهادة بلسانه، فإن هذه الشهادة لا تنجيه.
ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تكذيب بعض ما جاء به؛ لأن الله -سبحانه- أمرنا بطاعته وتصديقه، وقرن ذلك بطاعته -سبحانه وتعالى-.
6. الإخلاص :وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، وذلك بأن تصدر عنه جميع الأقوال والأفعال خالصـة لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء أو سمعة، أو قصد نفع، أو غرض شخصي، أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص أو مذهب أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله، قال تعالى: "ألا لله الدين الخالص «(الزمر: 3). وقال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" (البينة: 5).
وضد الإخلاص: الشرك والرياء ابتغاء غير وجه الله، فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً [الفرقان: 23]، فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً [النساء: 48].
7. المحبة:أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة ولما دلت عليه واقتضته؛ فيحب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، ويقدم محبتهما على كل محبة، ويقوم بشروط المحبة ولوازمها، فيحب الله محبّة مقرونة بالإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، ومن المحبة تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها، ومن المحبة -أيضاً- أن يكره ما يكرهه الله، فيكره الكفار لكفرهم ويبغضهم، ويعاديهم، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، وعلامة هذه المحبة؛ الانقياد لشرع الله، واتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) في كل شـيء، قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم »[آل عمران: 31].
وضد المحبة الكراهية لهذه ا لكلمة، ولما دلت عليه، وما اقتضته، أو محبة غير الله مع الله، قال تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [محمد: 9].
ومما ينافي المحبة: بغض الرسول (صلى الله عليه وسلم) وموالاة أعداء الله، ومعاداة أولياء الله المؤمنين.
(معنى شهادة أنّ محمداً رسول الله):
معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد ا لله إلا بما شرع، فلا بد للمسلم من تحقيق أركان تلك الشهادة، فلا يكون كامل الشهادة له بالرسالة من قالها بلسانه وترك أمره، وارتكب نهيه، وأطاع غيره، أو تعبّد الله بغير شريعته، قال (صلى الله عليه وسلم) : "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم) : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد" .
وهذه الشروط السبعة لا يمكن أن تجتمع في غير المؤمنين الذين انتفلت شهادة لاإله إلا الله محمد رسول الله من كلمات جرت على ألسنتهم كمسلمين ، إلى نور عمرت به قلوبهم كمؤمنين.

المؤمنون في سورة: “المؤمنون”
سورة " المؤمنون " من السـور المكية التي تعالج أصول الدين من التوحيد والرسالة والبعث .وعدد أياتها 118 آية ، ونقل عن عمر بن الخطاب عنه قوله : كان إذا أُنزِلَ الوحي على رسول الله يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تُهِنَّا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا ثم قال لقد أُنْزِلَتْ علينا عشـر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات .

ابتدأت الآيات الأولي بذكر صفات المؤمنين العامة: من آية 1 إلى آية 9، قال تعالي في مطلع السـورة "بسـم الله الرحمن الرحيم ،قد أفلح المؤمنون‏*‏ الذين هم في صلاتهم خاشعون‏*‏ والذين هم عن اللغو معرضون‏*‏ والذين هم للزكاة فاعلون‏*‏ والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏*‏ فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون‏*‏ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون‏* والذين هم علي صلواتهم يحافظون‏* »(المؤمنون من 1-9) ‏ثم انتقلت إلى بيان جزائهم عند الله:« أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون‏*‏"‏(‏المؤمنون‏:10‏ ـ‏11).‏صدق الله العظيم
‏:في منتصـف السـورة جاءت الآيتين 57 إلى 61 بصفات إضافية للمؤمنين:“إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون‏*‏ والذين هم بآيات ربهم يؤمنون‏*‏ والذين هم بربهم لايشركون‏*‏ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون‏*‏ أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون‏* »‏‏(‏المؤمنون‏:57‏ ـ‏61).‏وهي صفات إضافية لمؤمنين بلغوا شأوا عالبا في الإيمان وتنتهي السورة بالدعاء :”وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ “(آية 118) لأن المؤمن ، مهما بلغ إيمانه ، ليس منزها عن الخطأ ولا هو معصوم عن الوقوع في معصية أو ذنب ، وهو ما يجعله في حاجة دائما إلى الدعاء الله عسي أن يغفر له أخظاءه في حق الله أو حق نفسه أو حقوق الناس .
وبين ذكر الصفات الأولي والثانية جاءت الآيات التالية ضمن سياق السورة : « يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ*وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ*فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا (أي تفرقت الأمم في أمر دينهم فرقاً عديدة وأدياناً مختلفة بعدما أُمروا بالاجتماع والوحدة ونبذ الفرقة ) كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(53)فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ*أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ*نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ*"(المؤمنون :51-56).والتي تتحدث بوضوح عن وحدة الأمة والتحذير من تفرقها وتمزقها وتحول وحدتها التي هي امتداد لتوحيد الله إلى أحزاب : « وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ”
 وسنجذ في كتاب الله بعذ ذلك صفات مماثلة أو مكملة لهذه الصفات في سور أخرى وفي مطلع بعضـها أيـضـا مثل سورة الأنفال والتي سنتطرق إليها فيما بعد .

وفي الأيات السابقة يمكن جمع هذه الصفات :

1- الخشوع في الصلاة.
قال ابن عباس: خاشعون: خائفون ساكنون أي هم خائفون متذللون في صلاتهم لجلال الله وعظمته لاستيلاء الهيبة على قلوبهم . ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: الذين هم في صلاتهم خاشعون }.. تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات. ويغشى أرواحهم جلال الله في حضرته، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل، ولا تشتغل بسواه وهم مستغرقون في الشعور به مشغولون بنجواه. ويتوارى عن حسهم في تلك الحضرة القدسية كل ما حولهم وكل ما بهم، فلا يشهدون إلا الله، ولا يحسون إلا إياه، ولا يتذوقون إلا معناه. ويتطهر وجدانهم من كل دنس، وينفضون عنهم كل شائبة؛ فما يضمون جوانحهم على شيء من هذا مع جلال الله.. عندئذ تتصل الذرة التائهة بمصدرها، وتجد الروح الحائرة طريقها، ويعرف القلب الموحش مثواه. وعندئذ تتضاءل القيم والأشياء والأشخاص إلا ما يتصل منها بالله.»

2- الإعراض عن اللغو.
اللغو هو فضول الكلام الذي لاجدوى منه ولا نفع يتحقق به .وقال ابن كثير: اللغو: الباطل وهو يشمل الشرك، والمعاصي، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله :" والذين هم عن اللغو معرضون ».. لغو القول، ولغو الفعل، ولغو الاهتمام والشعور. إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر.. له ما يشغله من ذكر الله، وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق. وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب، ويشغل الفكر، ويحرك الوجدان.. وله ما يشغله من تكاليف العقيدة: تكاليفها في تطهير القلب، وتزكية النفس .وتنقية الضمير. وتكاليفها في السلوك، ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان. وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف. وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها، والسهر عليها من كيد الأعداء.. وهي تكاليف لا تنتهي، ولا يغفل عنها المؤمن، ولا يعفي نفسه منها، وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية. وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر البشري. والطاقة البشرية محدودة. وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها؛ وإما أن تنفق في الهذر واللغو اللهو. والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى إنفاقها في البناء والتعمير والإصلاح.ولا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين. ولكن هذا شيء آخر غير الهذر واللغو والفراغ..»

3- فعل الزكاة.
تحدثنا عن تزكية النفس أو ما تزكية العمل فهو أن يكون خالصـا لوجه الله وتزكية المال يتم بالزكاة المغروضة في الإسلام ، وبالصدقات التي تعد من أنفال الزكاة والتي تزيد عن الزكاة المفروضة وسيأتي تفصيلها في مبحث الإحسان.ويكون المعني هنا :يؤدون زكاة أموالهم للفقراء والمساكين ابتغاء مرضاة الله.
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : "بعد إقبالهم على الله، وانصرافهم عن اللغو في الحياة.. والزكاة طهارة للقلب والمال: طهارة للقلب من الشح، واستعلاء على حب الذات، وانتصارعلى وسوسة الشيطان بالفقر، وثقة بما عند الله من العوض والجزاء. وطهارة للمال تجعل ما بقي منه بعدها طيباً حلالا، لا يتعلق به حق ـ إلا في حالات الضرورة ـ ولا تحول حوله شبهة. وهي صيانة للجماعة من الخلل الذي ينشئه العوز في جانب والترف في جانب، فهي تأمين اجتماعي للأفراد جميعاً، وهي ضمان اجتماعي للعاجزين، وهي وقاية للجماعة كلها من التفكيك والانحلال."

4- العفة.
وقد تحثنا عنها بتفصيل كاف من قبل.ويصف الله المؤمنين هنا بالعفة فهم لايستعملون فروجهم في غير ما أحلة الله لهم في الزواج ولا يقربون الزنا ومن يقربه يكون قد اعتدى على شرع الله وأعراض الناس وتعدى حدود الله . .فتقول الأيات :"وَالَّذِـينَ هُـمْ لِفُرُوجِـهِمْ حَافِظُـونَ*إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِـمْ أوْ مَا مَلَكَـتْ أَيْمَـانُهُمْ فَإِنَّـهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ*"

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله :" وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة. ووقاية النفس والأسرة والمجتمع. بحفظ الفروج من دنس المباشرة في غير حلال، وحفظ القلوب من التطلع إلى غير حلال؛ وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات فيها بغير حساب، ومن فساد البيوت فيها والأنساب.
والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة معرضة للخلل والفساد. لأنه لا أمن فيها للبيت، ولا حرمة فيها للأسرة. والبيت هو الوحدة الأولى في بناء الجماعة، إذ هو المحضن الذي تنشأ فيه الطفولة وتدرج؛ ولا بد له من الأمن والاستقرار والطهارة، ليصلح محضناً ومدرجاً، وليعيش فيه الوالدان مطمئناً كلاهما للآخر، وهما يرعيان ذلك المحضن. ومن فيه من فراخ!
والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة قذرة هابطة في سلم البشرية، فالمقياس الذي لا يخطئ للإرتقاء البشري هو تحكم الإرادة الإنسانية وغلبتها. وتنظيم الدوافع الفطرية في
صورة مثمرة نظيفة، لا يخجل الأطفال معها من الطريقة التي جاءوا بها إلى هذا العالم، لأنها طريقة نظيفة معروفة، يعرف فيها كل طفل أباه. لا كالحيوان الهابط الذي تلقى الأنثى فيه الذكر للقاح، وبدافع اللقاح، ثم لا يعرف الفصيل كيف جاء ولا من أين جاء!.
والقرآن هنا يحدد المواضع النظيفة التي يحل للرجل ان يودعها بذور الحياة: « إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولـئك هم العادون «.. وراء الزوجات وملك اليمين، ولا زيادة بطريقة من الطرق. فمن ابتغى وراء ذلك فقد عدا الدائرة المباحة، ووقع في الحرمات، واعتدى على الأعراض التي لم يستحلها بنكاح ولا بجهاد. وهنا تفسد النفس لشعورها بأنها ترعى في كلأ غير مباح، ويفسد البيت لأنه لا ضمان له ولا اطمئنان؛ وتفسد الجماعة لأن ذئابها تنطلق فتنهش من هنا ومن هناك: وهذا كله هو الذي يتوقاه الإسلام.".

5- يرعون الأمانات والعهود.
قوله تعالي في وصف المؤمنين "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" يعني أنهم قائمون على الأمانة بحفظها والوفاء بها ، وهم أيضـا لا ينقضون عهدهم إِذا عاهدوا , وقال أبو حيان: والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قولٍ وفعلٍ واعتقاد، وما ائتمنه الإِنسان من الودائع والأمانات وقد تم تفصيل ذلك في مبحث الأمانة.
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله :"والأمانات كثيرة في عنق الفرد وفي عنق الجماعة؛ وفي أولها أمانة الفطرة؛ وقد فطرها الله مستقيمة متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه وإليه شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته، بحكم إحساسها الداخلي بوحدة الناموس الذي يحكمها ويحكم الوجود، ووحدة الإرادة المختارة لهذا الناموس المدبرة لهذا الوجود.
والمؤمنون يرعون تلك الأمانة الكبرى فلا يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها، فتظل قائمة بأمانتها شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته. ثم تأتي سائر الأمانات تبعاً لتلك الأمانة الكبرى.
والعهد الأول هو عهد الفطرة كذلك. وهو العهد الذي قطعه الله على فطرة البشر بالإيمان بوجوده وبتوحيده. وعلى هذا العهد الأول تقوم جميع العهود والمواثيق. فكل عهد يقطعه المؤمن يجعل الله شهيداً عليه فيه، ويرجع في الوفاء به إلى تقوى الله وخشيته.والجماعة المسلمة مسؤولة عن أماناتها العامة، مسؤولة عن عهدها مع الله تعالى، وما يترتب على هذا العهد من تبعات. والنص يجمل التعبير ويدعه يشمل كل أمانة وكل عهد. ويصف المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون. فهي صفة دائمة لهم في كل حين. وما تستقيم حياة الجماعة إلا أن تؤدى فيها الأمانات؛ وترعى فيها العهود؛ ويطمئن كل من فيها إلى هذه القاعدة الأساسية للحياة المشتركة، الضرورية لتوفير الثقة والأمن والاطمئنان.".

6- يحافظون على الصلوات.
الصلوات هي كل ما يصل العبد بربه سواء كاتت الصلوات الخمس المفروضة في الإسلام أو صلوات الإيمان والإحسان. وبعد أن بدأت الأيات بالمطالبة بالخشوع في الصلوات عادت لمطلب آخر وهو المحافظة عليها , ويفهم من ذلك بأن الخطاب يتحدث عن مؤمنين يقيمون الصـلاة فعلا ويطالبهم بالحشوع فيها ، ثم بين عدد من الصلوات مثل العفاف والوفاء للحياة الزوجية وعدم التعدي فيها وحفظ الأمانات والوفاء بالعهود وعندما ينتهي ذلك بالمطالبة بالمحافظة على الصلوات فهو حث على الإبقاء على هذا كله والاستمرار فيه لنيل رضى الله ورضوانه.ويرثون الفردوس خالدين فيها أبدا .وأن يظل أداء الصلوات المحافظ على أدائها بالخشوع الواجب على المؤمن ، أي بتواضع وهدوء وسكينة وخضوع لله ومشيئته.

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله :« فلا يفوّتونها كسلاً، ولا يضيعونها إهمالاً؛ ولا يقصرون في إقامتها كما ينبغي أن تقام؛ إنما يؤدونها في أوقاتها كاملة الفرائض والسنن، مستوفية
الأركان والآداب، حية يستغرق فيها القلب، وينفعل بها الوجدان. والصلاة صلة ما بين القلب والرب، فالذي لا يحافظ عليها لا ينتظر أن يحافظ على صلة ما بينه وبين الناس محافظة حقيقية مبعثها صدق الضمير.. ولقد بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة للدلالة على عظيم مكانتها في بناء الإيمان، بوصفها أكمل صورة من صور العبادة والتوجه إلى الله.تلك الخصائص تحدد شخصية المؤمنين المكتوب لهم الفلاح. وهي خصائص ذات أثر حاسم في تحديد خصائص الجماعة المؤمنة ونوع الحياة التي تحياها. الحياة الفاضلة اللائقة بالإنسان الذي كرمه الله؛ وأراد له التدرج في مدارج الكمال. ولم يرد له أن يحيا حياة الحيوان، يستمتع فيها ويأكل كما تأكل الأنعام.»

7- من خشيتهم لربهم مشفقون
أي هم من جلال الله وعظمته خائفون، ومن خوف عذابه حذرون .

8- يؤمنون بأيات الله.
أي يصدِّقون بآيات الله القرآنية، وآياته الكونية وهي الدلائل والبراهين الدالة على وجوده سبحانه وتعالي و تضرب سورة "المؤمنون مثلا ببعض آيات الله والتي منها معجزتي الخلق والبعث للإنـسان فتقول :”ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏*‏ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين‏*‏ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين‏*‏ ثم إنكم بعد ذلك لميتون‏*‏ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون‏*»‏‏(‏المؤمنون‏:12‏ ـ‏16).‏
ويعلق الدكتور زغلول النجار على ما ورد في هذه الأيات وفي ما جاء بكامل الـسورة باعتبار الوجدة البنائية لها فيقول : “ووصف مراحل الجنين في الإنسـان بهذه الدقة العلمية المتناهية‏,‏ وفي أطواره المتتابعة تتابعا دقيقا محكما‏,‏ وهي مراحل وأطوار تتراوح أبعادها بين الأجزاء من الملليمتر إلي أعداد من الملليمترات القليلة‏,‏ وذلك في غيبة كاملة من وسائل التكبير أو التصوير أو الكشـف،(...) يعتـبر ـ بلا منازع ـ صورة من صور الإعجاز العلمي في كتاب الله‏,‏ يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لايمكن أن يكون صناعة بشريةي، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏، في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه حفظا كاملا‏:‏ حرفا حرفا، وكلمة كلمة بكل إشراقاته الربانية‏، وحقائقه النورانية ليبقي حجة علي الناس كافة إلي يوم الدين‏.‏ ولذلك ختمت هذه الآيات الثلاث‏(‏ المؤمنون‏:12‏ ـ‏14)‏ بقول ربنا‏(‏ عز من قائل‏):‏‏...« فتبارك الله أحسن الخالقين‏*‏»

أي أتقن الصانعين صنعا،لأن الخلق يعني إتقان الصنعة‏، وتقديرها التقدير السليم‏,‏ كما يعني الإيجاد من العدم علي غير مثال سابق‏,‏ ويعني إيجاد شئ من شئ آخر بطريق التحويل‏,‏ ومعني الابداع أو الإيجاد من العدم علي غير مثال سابق لايكون إلا لله‏(‏ تعالي‏),‏ أما إتقان الصنعة وحسن التقدير لها‏,‏(...)وبعد الحديث عن خلق الإنسان وعن تقدير الموت والبعث عليه انتقلت السورة الكريمة إلي استعراض عدد من آيات الله في الخلق الدالة علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه‏,‏ والشاهدة لقدرته‏(‏ تعالي‏)‏ كذلك علي بعث خلقه بعد إفنائه وتدميره‏، وعلي ألوهيته وربوبيته ووحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه‏(‏ بغير شريك ولاشبيه ولامنازع ولاصاحبة ولا ولد‏).‏ ومن هذه الآيات خلق السماوات السبع حول الأرض، ورعاية الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهذا الخلق‏,‏ وإنزال الماء من السماء بقدر وإسكانه في الأرض والتأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قادر علي الذهاب بمخزون الماء الأرضي وتدميره بعد إنزاله من السماء بقدر أي بتقدير محكم دقيق وبكميات محسوبة بدقة وإحكام بالغين‏.‏
‏(‏ وهذه هي أول إشارة للإنسان إلي دورة الماء حول الأرض‏,‏ وإلي أن أصل الماء المخزون في صخور الغلاف الصخري للأرض هو ماء المطر‏,‏ وهي حقائق لم تبدأ العلوم المكتسبة في الوصول إليها إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي‏,‏ وإن سبقت لها إرهاصات في أواخر القرن السادس عشر الميلادي يبدو أنها منقولة عن أصول إسلامية‏).‏
ومن آيات الله في الخلق التي استعرضتها سورة المؤمنون ما أنشأ الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بماء السماء من جنات النخيل والأعناب وغيرهما من أشجار الفواكه العديدة‏,‏ والمحاصيل المختلفة اللازمة لحياة كل من الإنسان والحيوان‏,‏ ومنها شجرة الزيتون ـ خاصة ذلك الذي ينبت في طور سيناء‏(‏ جبل المناجاة‏)‏ ـ وهي شجرة تنبت بالدهن‏(‏ زيت الزيتون‏)‏ وصبغ للآكلين‏(‏ وهو الإدام المصاحب لزيت الزيتون والذي يصبغ الخبز المغموس في هذا الزيت‏)‏ وفي ذلك إشارة إلي ما في شجر الزيتون الذي ينبت في طور سيناء من كرامات خاصة يلزم تقصيها ودراستها دراسة علمية منهجية دقيقة‏.‏
ومن هذه الآيات خلق الأنعام وإعطاؤها القدرة علي إنتاج اللبن في بطونها وضروعها‏,‏ وإنتاج اللحم مما تأكل من أعشاب ومالها من منافع أخري عديدة للإنسان مثل حمله في البر كما تحمله الفلك في البحر‏.‏
(...) وكما عرضت هذه السورة الكريمة جانبا من صفات المؤمنين فقد ذكرت في المقابل جانبا من صفات الكفار والمشركين في المجتمع المكي وفي غيره من المجتمعات إلي يوم الدين‏,‏ وصورت جانبا من ذلهم ومهانتهم في الآخرة فتقول‏:‏
“حتي إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون‏*‏ لاتجأروا اليوم إنكم منا لاتنصرون‏*‏ قد كانت آياتي تتلي عليكم فكنتم علي أعقابكم تنكصون‏*‏ مستكبرين به سامرا تهجرون‏*‏ أفلم يدبروا القول أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين‏*‏ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون‏*‏‏(‏ المؤمنون‏:64‏ ـ‏69)‏
وتؤكد الآيات أن النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ دعا قومه والناس جميعا إلي‏.«..‏ صراط مستقيم‏*‏ وإن الذين لايؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون‏*‏‏(‏المؤمنون‏:74,73).‏ولعلم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بهم وبطبائعهم لم يرحمهم وفي ذلك يقول‏(‏ عز من قائل‏):‏”ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون‏*‏ ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم ومايتضرعون‏*‏ حتي إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون‏*‏»‏(‏ المؤمنون‏:75‏ ـ‏77).‏
ثم تنتقل الآيات في سورة المؤمنون إلي ذكر عدد من نعم الله علي عباده منها إنشاء السمع والأبصار والأفئدة مما يستحق الشكر لله‏(‏ تعالي‏).‏ ومنها انتشار الناس في الأرض حتي الوفاة ومن بعدها البعث والحشر إلي الله‏(‏ تعالي‏),‏ ومنها أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يحيي ويميت وأن له اختلاف الليل والنهار‏.‏ وعلي الرغم من ذلك فإن كثيرا من الناس ينكرون البعث‏,‏ ويعتبرون القول به من أساطير الأولين مع اعترافهم بأن الأرض لله‏(‏ تعالي‏)‏ رب السماوات السبع ورب العرش العظيم‏,‏ الذي بيده ملكوت كل شئ‏,‏ وهو يجير ولايجار عليه‏.‏
وفي خواتيم سورة المؤمنون تنفي الايات كل دعاوي الشرك بالله‏(‏ تعالي‏)‏ فتقول‏:‏
“بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون‏*‏ ما اتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون‏*‏ عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون‏*‏ »‏(‏المؤمنون‏:90‏ ـ‏92) . (...)وتختتم السـورة الكريمة بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهو في نفس الوقت أمر إلي كل مسلم ومسلمة إلي يوم الدين بطلب الغفران والرحمة من رب العالمين وفي ذلك يقول‏(‏ تعالي‏):‏”وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين‏*»(‏ المؤمنون‏:118)‏
ومن الإشارات الكونية في سورة” المؤمنون” :
‏(1)‏ الاشارة إلي خلق الإنسان من سلالة من طين‏,‏ ووصف مراحله الجنينية المتتابعة بدقة بالغة حتي إنشائه خلقا آخر‏,‏ وهي مراحل تتراوح في أبعادها بين أجزاء من الملليمتر إلي بضعة ملليمترات قليلة في غيبة تامة لجميع وسائل التكبير والتصوير والكشف‏,‏ وفي زمن سيادة الاعتقاد بتخلق الجنين كاملا دفعة واحدة من دم الحيض وحده‏,‏ أو من ماء الرجل وحده‏.‏
‏(2)‏ الإشارة إلي خلق السماوات السبع‏,‏ وهي من الأمور التي لم تستطع العلوم المكتسبة بعد الوصول إلي معرفة شئ عنها نظرا إلي ضخامة أبعاد الكون‏,‏ وإلي تمدده باستمرار بمعدلات تفوق تطور تقنيات الإنسان بأرقام فلكية وإلي نهاية لايعلمها إلا الله‏(‏ تعالي‏).‏
‏(3)‏ ذكر إنزال الماء من السماء بقدر‏,‏ وإلي إسكان جزء منه في صخور الغلاف الصخري للأرض بتقدير دقيق‏,‏ وحكمة بالغة‏,‏ وهي حقيقة لم تتوصل إليها العلوم المكتسبة إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي‏.‏
‏(4)‏ الربط بين إنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض‏,‏ ووصف شجرة الزيتون بأنها تنبت بالدهن‏(‏ زيت الزيتون‏)‏ وصبغ للآكلين‏(‏ الإدام الذي يصبغ الخبز المغموس في زيت الزيتون‏),‏ والتركيز علي شجر الزيتون الذي ينبت في طور سيناء بصفة خاصة‏.‏
‏(5)‏ الإشارة إلي ما في خلق الأنعام من عبر للمعتبرين من مثل مايخرج من بطونها من لبن‏,‏ ومن أبدانها من لحوم وشحوم‏,‏ ومافيها من غير ذلك من فوائد للإنسان من مثل اتخاذها للركوب والحمل في البر كما تتخذ السفن في البحر‏.‏
‏(6)‏ ذكر حاسة السمع قبل كل من الأبصار والأفئدة‏,‏ وعلم الأجنة‏,‏ يؤكد سبق تكون حاسة السمع لبقية الحواس المذكورة‏,‏ فالمولود يسمع قبل أن يري أو يدرك‏.‏
‏(7)‏ إقرار حقيقتي تكور الأرض‏,‏ ودورانها حول محورها أمام الشمس بالإشارة الضمنية الرقيقة إلي اختلاف الليل والنهار‏.‏
(...) ومن الدلالات العلمية للآية الكريمة:
من نعم الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي خلقه الحواس التي وهبها للإنسان‏,‏ وفي مقدمتها نعم السمع والأبصار والأفئدة والتي يمتن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بإنشائها في هذه الآية الكريمة‏,‏ وفي العديد غيرها من آيات القرآن الكريم وقد جاءت بهذا الترتيب في سبعة مواضع من القرآن الكريم‏(‏ الإسراء‏:37;‏ النحل‏78;‏ المؤمنون‏:78;‏ السجدة‏:9,‏ الأحقاف‏:26‏ مكررة‏;‏ الملك‏:23)‏ كذلك جاء ذكر كلمة‏(‏ السمع‏)‏ بمشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم‏(185)‏ مرة‏,‏ بينما جاء ذكر كلمة‏(‏ البصر‏)‏ بمشتقاتها وتصاريفها‏(148)‏ مرة‏,‏ وجاء ذكر لفظة الفؤاد بمشتقاتها وتصاريفها‏(16)‏ مرة‏.‏ وترافقت كلمتا‏(‏ السميع‏)‏ و‏(‏ البصير‏)‏ في‏(38)‏ آية كريمة‏,‏ كذلك تلازمت كلمتا‏(‏ العمي‏)‏ و‏(‏ الصم‏)‏ في ثماني آيات‏.‏
وفي كل هذه الحالات جاء ذكر‏(‏ السمع‏)‏ قبل‏(‏ البصر‏)‏ كما جاء ذكرهما قبل الفؤاد وذلك فيما عدا عددا قليلا من آيات العذاب أو الإنذار به أو آيات وصف الكفار والمشركين دون إشارة إلي خلق هاتين الحاستين أو وصف لوظيفة كل منهما فتقدم فيها ذكر‏(‏ البصر‏)‏ علي ذكر السمع‏.‏ ولتعليل ذلك قال عدد من المتخصصين منهم الأستاذ الدكتور صادق الهلالي‏,‏ د‏.‏ حسين اللبيدي‏,‏ د‏.‏ عدنان الشريف‏,‏ د‏.‏ محمد علي البار‏,‏ د‏.‏ عبد السلام المحسيري وغيرهم‏.‏ مايلي‏:‏
‏(1)‏ إنه علي الرغم من أن تكون حاستي السمع والبصر متزامن تقريبا في المراحل الجنينية الأولي إلا أن الأذن الداخلية للحميل تصبح قادرة علي السمع في شهره الخامس تقريبا‏,‏ بينما العين لاتفتح‏,‏ ولاتتكون طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع من عمره‏,‏ وحتي في هذا الوقت لايستطيع الحميل أن يري لعدم اكتمال تكون العصب البصري‏,‏ ولكونه غارقا في ظلمات ثلاث‏.‏
‏(2)‏ كذلك يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بعد بضعة أيام من ولادته‏,‏ وذلك بعد امتصاص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطي والمحيطة بعظيماتها‏.‏ أما حاسة البصر فتكون ضعيفة جدا عند الولادة أو معدومة‏,‏ وتتحسن هذه الحاسة بالتدريج في الشهرين الثالث والرابع بعد الولادة وحتي الشهر السادس‏,‏ وتستمر حاسة البصر في النمو عند الوليد حتي سن العاشرة‏.‏
‏(3)‏ إن المنطقة السمعية في المخ تتكامل عضويا قبل المنطقة البصرية في مراحل الحميل وحتي الولادة‏,‏ ولذلك يكتسب الطفل المعارف الصوتية قبل المعارف المرئية‏.‏
‏(4)‏ إنه من الثابت علميا أن الإنسان يفقد حاسة البصر قبل فقدانه حاسة السمع عند بدء النوم أو التخدير أو الاختناق‏,‏ أو عند التسارع الشديد أو عند الاحتضار‏.‏
‏(5)‏ اتساع الساحة السمعية إلي‏360,‏ واقتصار الساحة البصرية علي‏180‏ في المستوي الأفقي‏,145‏ في الاتجاه العمودي‏.‏ وكذلك فإن الموجات الصوتية تسير في جميع الاتجاهات‏,‏ ويمكنها الالتفاف حول الزوايا‏,‏ والانتقال عبر السوائل والأجسام الصلبة‏,‏ بينما أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة أو متعرجة‏,‏ ولكنها لاتستطيع اختراق الجوامد‏,‏ وتتحلل إلي أطيافها في السوائل وتمتص طيفا بعد الآخر‏.‏‏(6)‏ إن مراكز السمع لكل أذن موجودة في جهتي المخ‏,‏ فإذا أصيب الإنسان في أحد نصفي الدماغ فلن يفقد المصاب السمع في أي من أذنيه‏,‏ وعلي العكس من ذلك فإن كل نصف من نصفي العين الواحدة تقع مراكزه علي جهة المخ المعاكسة لها‏,‏ فإذا ما أصيب الدماغ في أحد نصفيه ضعف البصر في نصفي عينيه المعاكسين لجهة الإصابة‏.‏
‏(7)‏ إن المولود الذي يولد فاقدا لحاسة السمع لابد له من أن يصبح أبكم بالإضافة إلي صممه‏,‏ أما الذي يولد فاقدا لحس البصر فإن ذلك لايعوقه عن تعلم النطق‏,‏ ومن هنا كان تلازم الوصف‏:(‏ صم‏,‏ بكم‏)‏ في أكثر من آية قرآنية‏(‏ البقرة‏:171,18).‏
‏(8)‏ إن المولود الفاقد لحاسة البصر يتميز عادة بذاكرة واعية وذلك لأن مراكز الإبصار في المخ ترتبط وظيفيا مع المناطق الارتباطية الأخري فتزيد من قابلية الدماغ علي الحفظ والتحليل والاستنتاج والتذكر‏,‏ ولأسباب غير معروفة لاتقوم مراكز السمع في المخ بعمل ذلك‏,‏ ولذلك نبغ كثيرون ممن فقدوا حاسة البصر‏,‏ ولم ينبغ أحد ممن فقدوا حاسة السمع إلا نادرا‏,‏ مما يدل علي أهمية حاسة السمع‏,‏ وأهمية مراكزها في المخ‏.‏
‏(9)‏ إن الأحاسيس الصوتية تصل مستوي الوعي عند الإنسان بأفضل ما تصله عن طريق حاسة أخري كالبصر‏,‏ وذلك لأن الذاكرة السمعية في الإنسان أرسخ من الذاكرة البصرية‏,‏ وتعطي من المدلولات والمفاهيم مالاتعطيه الذاكرة البصرية ورموزها‏.‏
‏(10)‏ الآيات القرآنية دوما ترتب العين قبل الأذن‏,‏ وذلك للسبق المكاني لكل من العينين للأذنين في موضعهما من وجه الإنسان‏,‏ بينما تقدم الآيات ذكر حس السمع علي حس البصر‏,‏ وذلك لتقدم مركز السمع في مخ الإنسان علي مركز البصر حيث يوجد مركزا السمع في فصين جانبيين من المخ‏,‏ بينما يوجد مركز البصر خلف المخ‏.‏ وبذلك فرق القرآن الكريم بين أعضاء التلقي ومراكز الحس في المخ‏,‏ وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي كالعين والأذن هي نقل المؤثرات الحسية إلي مراكزها في المخ حيث تدرك‏.‏
(11)‏ يستخدم القرآن الكريم حاستي السمع والبصر بمعني مايحملانه إلي العقل ومايترتب عليه من الفهم‏,‏ وتقليب الفكر حتي يصل إلي إدراك مالايمكن إدراكه إلا بذلك‏,‏ ومن هنا كانت الإشارة من بعد السمع والبصر إلي الفؤاد وهو رباط القلب بالعقل‏,‏ مما يعين علي التفهم والتروي والوصول إلي شئ من الحكمة إذا أحسن الاستخدام أو إلي الخلط والارتباك وسوء الاستنتاج إن لم يحسن المرء استخدام ماوهبه الله تعالي من حواس‏.‏
فسواء كان للإنسان أذن تسمع‏,‏ وعين تري أو لم يكن له فإنه قد يكون سميعا مبصرا متي كان له فؤاد يتفأت به أموره‏,‏ وينظر فيها بشئ من التروي والترتيب وحسن الحكم‏.‏ أما إذا فسد قلبه أو تلف عقله فإنه يخرج عن شروط الإنسان المكلف فيسقط عنه التكليف ولو كانت له أذن تتلقي المؤثرات الصوتية‏,‏ وعين تنظر إلي الأشياء‏,‏ ولذلك جاءت كلمة الفؤاد في القرآن الكريم دوما بعد السمع والبصر بينما تأتي الإشارة إلي القلب بغير ترتيب ثابت‏.‏ وتعبير‏(‏ الفؤاد‏)‏ يشير الي عدد من المعاني التي تدور حول العواطف والغرائز والأحاسيس‏,‏ بينما تعبير‏(‏ القلب‏)‏ يشير إلي معاني العقل والتفقه والنظر وتقليب الفكر‏.‏
‏(12)‏ إن الرؤي المنامية يسمع فيها النائم الأصوات‏,‏ ويري المشاهد بغير وسائط الأذنين والعينين‏,‏ مما يشير إلي قوي إدراكية أخري غير أعضاء ومراكز الحس المعروفة‏.‏
(...)ورودها بهذه الدقة وهذا التفصيل مما يثبت لكل ذي بصيرة أن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية ـ ولم يقطعه لرسالة سابقة أبدا ـ وحفظه في نفس لغة وحيه ـ اللغة العربية ـ وحفظه حفظا كاملا‏:‏ كلمة كلمة وحرفا حرفا بكل مافيه من إشراقات نورانية،وعلوم ربانية‏، وحقائق كونية حتي يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏، ويبقي شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين‏.‏ »
ومما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن المعرفة بأيات الله والتي من شأنها تثبيت الإيمان بالله في قلوب المؤمنين والإيمان بوحدانيته ،يقتضي طلب العلم ، سواء العلم يآيات القرآن الكريم أوآيات الله في انفسنا أو في الأرض وفي الكون الفسيح.

9- لايشركون بعبادة ربهم أحدا.
وقد تم تفصيل من قبل ما يتعلق بالتوحيد وعدم الشرك بالله. وقال الرازي في شرح هذه الآية « وليس المراد منه الإِيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله فإِن ذلك داخل في الآية السابقة، بل المراد منه نفيُ الشرك الخفي وذلك بأن يخلص في العبادة لوجه الله وطلباً لرضوانه ».

10- قلوبهم وجلة من لقاء الله في الآخرة.
أي يعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: “وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ” [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).

11- يسارعون في الخيرات.
أي يسرعون ولا يتباطؤون في عمل الطاعات لنيل رضي الله عليهم وحبا في الله ورسوله ولنيل رضي الله عليهم

12- لهم السبق في عمل الخيرات.
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" أي هم الجديرون بها والسابقون إِليها قال قخر الدين الرازي: واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن، فالصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد، الموجب للاحتراز عما ينبغي، والثانية: دلت على التصديق بوحدانية الله، والثالثة: دلت على ترك الرياء في الطاعات، والرابعة: دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصدّيقين رزقنا الله الوصول إِليها"وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا" أي لا نكلّف أحداً من العباد ما لا يطيق تفضلاً منّا ولطفاً. أتى بهذه الآية عقب أوصاف المؤمنين إِشارةً إِلى أن أولئك المخلصين لم يُكلفوا بما ليس في قدرتهم وأن جميع التكاليف في طاقة الإِنسان "وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ" أي وعندنا صحائف أعمال العباد التي سطر فيها ما عملوا من خير أو شر نجازيهم في الآخرة عليها ولهذا قال "وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" أي لا يظلمون من أعمالهم شيئاً بنقص الثواب أو زيادة العقاب .وقال القرطبي: والآية تهديد وتأمين من الحيف والظلم.

فوزي منصـور

No comments: