Monday, December 8, 2008

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى الجزء الثالث

مكونات الإيمــــــان
شاع القول بان للإيمان أركان ستة قياسا على أركان الإسلام الخمسـة وهو ما أراه غير صحيح ، فثمة قروق بينهما وفي طبيعتهما تجعل لامكان للتشبيه أو الفياس بينهما كالأتي :
1- أركان الإسلام عبادات مفروضة ، وكل منها مستقل عن الآخر في مواصفاته ومناسكه وطبيعته وموضوعه ، بينما أجزاء الإيمان ليست كذلك ، فهي مثل أعضاء الجسم الواحد التي لا يمكن فصلها عنه . ولذا يمكن وصفها بأنها أجزاء الإيمان وليست أركانه ، ولو أن هذا الوصف يظل غير دقيق أيضا حيث يشير إلى ماهو عضوى أو مادي متعضن ، والايمان ذ و طبيعة روحانية محضة ، وقد يشير إلى أن لكل جزء وظيفته ، والأمر ليس كذلك ، إن الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه ...الخ أشبه بتركيب الذرة ، حيث يقع الإيمان بالله في فلبها ممثلا نواتها التي توجد بداخلها النيوترات بينما تدور الأجزاء الخمسة الأخرى حولها مثل الإليكترونيات . والايمان بالله هو الأصل وهو الغاية والإيمان بباقي الأجزاء مكمل له. وأرى أن الأصوب هو تسميتها بمكونات الإيمان.
2- أركان اإسلام لها مظهر مادي ، ومرتبطة مناسكها بجسم الانسان ، ففي الشهادتين تحريك للسان بها والصلاة قيام وركوع وسجود ، والزكاة أخراج للمال وهو مادة بيد المؤتي لها ، والصيام امتناع عن المأكل والمشرب وهي ماديات والحج انتقال من محل الحاج إلى الكعبة وطواف بها و سعي بين الصفا والمروة ووقوف على جبل عرفات ومبيت في مني وغير ذلك من مناسك كلها حركة . أمـا الإيمان فمناطه القلب والعقل والعاطفة وليس له مناسك محددة الشكل والمواقيت ولا يعبر عنه بحركة.وهو قائم طول الوقت مادام صاحبه حيا.
3- أركان الإسم عبادات مفروضة ، وومازاد فيها من جنسها تكون تطوعا وغير واجبه ، أما الإيمان فيقبل صاحبه عليه من تلقاء نفسه و يسعي إليه حبا في الله و لتحصيل الفضيلة المتأتية من معرفة الحق ، وتذوق حلاوتها ، والإحساس بمتعتها . ويزداد على نحو تراكمي من تلقاء نفسه ، وتكون الزيادة في جوهره وبالتالي ليست ثانوية أو اختيارية ولا حتي جبرية.
4 – يمكن للإسلام وأركانه أن يكون مستقلا عن الإيمان :« قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ، ولما يدخل الأيمان قلوبكم “ (الحجرات 14). بينما لايمكن للإيمان أن يستقل أو ينفصل عن الإسلام فالمؤمن مسلم قبل أن يكون مؤمنا ويظل مسلما بعد إيمانه ، بينما المسلم يمكن ألا يكون مؤمنا على نحو الأية سالفة الذكر الواردة في سورة الحجرات . بل الإيمان أيضا غير منفصل عن الإحسان الذي هو الترجمة العملية له . فإيمان الذي لا يتبعه عمل صالح ، أي إحسان، لاجدوي منه وأحسان ليس دافعه الإيمان لايؤجر صاحبه من الله عليه ،فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله وإن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر له.فالعلاقة بين الإيمان وبين صلاح الحياة علاقة تلازمية، بحيث يكون الملزوم وهو الإيمان مفضياً إلى تحقيق اللازم وهو صلاح الحياة. ويتحقق للإنسـان بالإيمان وجوده، وبغيره يكون في حالة العدم : "أَوَمَـنْ كَـانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ(بالإيمان) وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا” (الأنعام: 122). وقوله تعالي : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الحديد:28).
ولذا يطلب الإيمان ، بما يتضمنه من حكمة وعلم ومعرفة(وهي المعبر عنها في الإيات السابقة بالنور، والتي تقود بدورها إلى الإلتزام بالتقوى وصفاء النفس وتركيتها) لشدة حاجة طالبه اليه ورغبته في الإمتلاء به . وقد يحرص المسلم على أركان الإاٌسلام الخمسة طمعا في الجنة أو خوقا من النارأو تقليدا لغيره أو مراءاة للناس، بينما يقبل المؤمن على الإيمان محبة في خالقه ، ورغبة في التسامي إلى علاه.
والتقوى المترتبة على الإيمان تحول دون الوقوع في المحرمات واجتناب الشبهات، وبدفع نحو الإخلاص لله، والإبقاء على الإخلاص خالصـا لايشوبه ما يفسـده أو يعيبه كالرياء والغرورو الكبر وحب الزعامة وحب الظهور والأنانية وحب الذات، والحقد والحسـد، والعادات الفاسدة ، والعصبيات القبلية والمذهبية المفرقة للجمع والمورثة للبغضاء والصـراعات، وموالاة من غضـب الله عليهم ، وحرم موالاتهم على المؤمنين ،وكل ما يشين علاقته بالله.ولايكفي الإسلام لتحقيق ذلك كله,
5 – للإيمان عباداته وهي مختلفة عن عبادات الإسلام في طبيعتها ونوعيتها وفي مقدمة هذه العبادات : الذكر . قال تعالى :"الَّذِيـنَ آمَنُوا وَتَطْـمَئِنُّ قُلُـوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْـمَئِنُّ الْقُلُـوبُ" (الرعد:28) . وفيه صلاته وزكاته وصيامه وحجه ، وهي عبادات خاصة به ،مغايرة لما في الإسلام . ومفعول عباداته ، ذات الطبيعة الروحية أقوي تأثيرا من العبادات في الأسلام في الحياة المادية ، إذا ما أخذ في الإعتبار تلازمها مع العمل الصالح الذي هو الإحسان. و مجتمع المؤمنين هو مجتمعالإخاءو المحبين والرحماء .إذ تتحقق بالإيمان المودة والمحبة والرحمة والإيثار بين المؤمنين، قال تعالي : “وَالْمُؤْمِنُـونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بَعْضُـهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” (التوبة: الآية71).وقال :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُـونَ إِخْوَة” (الحجرات: ة10)، وقال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم. أفشوا السلام بينكم". ويقول الله تعالي : "وَالَّذِيـنَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَـانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَـنْ يُـوقَ شُـحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُـمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر:9). وقال صلى الله عليه وسلم :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

ولم أتوقف عند أركان الإسلام الخمسة بذكر وتفصيل ،لأنه لا أحد من القراء يجهلها ، فكل من حرص على أن يكون مسلما ،ويعبر عن إسلامه بالإلتزام بأركان الإسلام ،يعرفهانسبيا سواء كان أميا أو متعلما. ولايعني الاهتمام بمكونات الإيمان الستة أنها مجهولة ، ولكن الكثير من الناس يعلمونها على وجه الاجمال ، فلئن سألتهم : ماهو الأيمان أجابوك هو الإيمان بالله وملائكته....الخ وإن سألتهم ماهو الإحسـان أجابوك بأنه أن تعبد الله كانك تراه .... الخ، ولكن هذا لايكفي وبالتالي تستحق استرعاء الاهتمام إليها ، والتفكر فيها ، لتأصيل المعرفة أو إتمامها . و لا أدعي أن هذا هو العلم بالدين ولا علم سواه ، وإنما أعرض علمي أنا بديني كمسلم ومعرفتي به ، والذي اعتمدت فيه على ما فهمته من كتاب الله وسنة رسوله ، واستعنت فيه بما كتبه الفقهاء إستئناسا بها دون أن التزم بأقوالهم وأبني عليها معتقدا، ودون أن أهاب مخالفتهم لو تبين لي ذلك .وقد أخطئ وقد أصيب ، كأي مجتهد ، فإن كانت حجتي قوية ومقنعه ، وقولي سديدا ، كان هذا فضلا من الله ، والله يؤتي فضله من يشاء من عباده ، وإن لم أوفق فليثب الله من يراجعني ويصوب لي ما أخطأت فيه.فأرجع عن الخطأ إن شاء الله.

تتحدد مكونات أو شعب الإيمان في قول الله تعالى: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله, لا نفرق بين أحد من رسله, وقالوا سمعنا وأطعنا, غفرانك ربنا و إليك المصير» (البقرة 285).وهو نفس ما جاء في حديث أو حوار جبريل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم . قعن عمر رضي الله عنه قال : (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثرالسفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، وقال . يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ،وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيــلا، قـال صدقـت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه .
قال : فأخبرني عن الإيمان ،قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشـره . قال صدقت .
قال : فأخبرني عن الإحسان - قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
قال : فأخبرني عن السـاعة ، قال ماالمسؤول عنها بأعلم من السائل .
قال : فأخبرني عن إماراتها. قال أنتلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاةالعراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق... فلبث ملياً ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل ؟ فقلت الله ورسوله أعلم
قال : (فأنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

الإيمــان بالله
إذن أول جزء من أجزاء الإيمان هو الإيمان بالله .وهو جوهر الإيمان ونواته الصلبة . فماهو الإيمان بالله؟
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله :”الإيمان بالله معناه أنك قد آمنت وصدقت بأنه سبحانه الذي خلق الخلق وهو سبحانه منزه عن كل هوىً وغرض، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء، في العلم، والخلق، والرحمة، والانتقام، إلى آخر صفات الله سبحانه وتعالى.(...)الايمان بالله سبحانه وتعالى هو تسليم لقدرة الله التي ليست فوقها قدرة ، ولعلم الله الذي ليس فوقه علم، فالله سبحانه وتعالي ليس كمثله شيء وهذا هو مدخل الإيمان إلى النفس البشرية، وهو مدخل لا يأتي إلا بعد تفكير وتدبر في الكون وآياته، علي أن بعض الناس يسمي ذلك عبودية، ويقول أن الدين عبودية ونحن نقول نعم إن الدين عبودية لله سبحانه وتعالى وفرق كبير بين العبودية لله والعبودية للبشر، فالمخلوق عندما يستعبدك يريد أن يأخذ منك أو من قدرتك، ليضمها إلى قدراته ويحرك من الخير الذي تستطيع أن تحققه ، ليضمه إلى الخير الذي يملكه.فإذا استعبد إنسان مجموعه من البشر فإنه يجعلهم يعملون من أجله، فيزرعون الأرض ويأخذ هو المحصول ويقيمون العمارات ويأخذها هو، أي أن عبودية البشر هي تجريد للعبد من كل خير يستطيع أن يحققه لصالحه، وهذه العبودية، يرفضها الإسلام .أما عبوديتك لله سبحانه وتعالى فهي تزيد من قدراتك وتمنحك الخير والبركة، وتزيد من عطاء الله لك فهي عبودية لصالحك.تستمد الحياة قيمتها وقداستها من مبدأ الإيمان بالله تعالى، وذلك باعتبارها الحقيقة الأولى من حقائق الوجود ولكونها مصدراً لتلك الحقائق كلها.»
إن العقل والمنطق والتفكير في خلق الله وبديع صنعه لابد أن يقود إلى الإيمان بالله ، حكي أن الفيلسـوف الإغريقي سقراط (470-399ق.م)آمن بالله و كان أستاذه ينكر وجود الله سبحانه وتعالى فجادله ليقيم الححة عليه فقال له:يا أستاذي ، هل أعجبت ببعض الناس الذين ابتكروا بعض الصناعات؟ فقال له: نعم. قال: بمن أعجبت؟ فقال له: أعجبت بفلان ، و بفلان ، وأ بفلان. من الصناع. قال له: ما صنع هؤلاء؟ فقال له: هؤلاء صنعوا كذا ، وكذا. قال له: من تُرى أولى بالاعجاب؟ الذي صنع الجسم الذي لا حراك له ، ولا إرادة ، ولا حياة ، أما الذي صنع الإنسان الحي المتكلم ، الذي يعبر عن ارادة ، ويتحرك بارادة ، ويتصرف بإرادة ، وله حياة ، وله مشاعر تحس ، وله عقل يفكر ؟ قال له .لو ثبت عندي أن الإنسان صنيعة صانع ، لكان صانع الإنسان أولى عندي بالإعجاب من الذين صنعوا هذه الأشياء التي ذكرتها لك . قال له : انظر إلى عيني الأنسان كيف تلتقطان الصور المختلفة ذات الألوان المتنوعة ولا تشتبه عليها هذه الصور ، وتميزان بين كل صورة وصورة . وانظر إلى أذني الإنسان اللتين تلتقطان الأصوات مع صغرهما وكثرة الأصوات ، وانظر إلى طعام الإنسان كيف يطعمه ، فإن هذا الخالق الذي خلقه جعل له أسنانا في المقدمة كالسكاكين تقطع هذا الطعام ثم يلقيه الفم إلى الأضراس الخلفية التي هي كالرحى فيطحن هذا الطعام .أما يكفيك شاهدا ذلك الذي ذكرته لك على أن للإنسان خالقا ، ولهذا الكون كله موجدا . فقال له بلى . فسلم بهذا المنطق الذي خاطبه به تلميذه .
والإيمان بالله فطرت عليه النفوس وما الكفر به سوى حجب وتغطية للفطرة ، ومعني الكفر في اللغة هو التغطية ، وعندما يصيب الكافر الفزع لا يجد ما يلجأ اليه سوى الله ، أي ينزع عن فطرته التى فطره الله عليها ماحجبها به من الكفر ، ويبين الله لنا ذلك في كتابه فيقول:"هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" [يونس:22] .
وسأل قوم من غير المسلمين الشافعي -رحمه الله- : ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم (الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فقيل إنهم استحسنوا كلامه وأسلموا على يديه.
وقيل : سأل بعض القدريـة الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسـان أبا حنيفة النعمان ، والذي عرف بالتماس الدليل العقلي في أقواله وفتاويه ،عن وجود الله -عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقال الله تعالى في مثل هذا :”أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون”(الطور: 35-37).
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، يقول الله تعالي في ذلك: “ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون” (الأنبياء: 22).
و قال النبي صلى الله عليه وسلم “أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسـه (البخاري).وفي حديث مماثل قال: “من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) .قال: “منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة»(مسلم). فشرط الإيمان أن يكون صادقا ومخلصـا من القلب .وأن يعلم المسلم أن (لا إله إلا الله) لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، و أن يمتثل لأوامر الله وطاعته، ويلتزم بأحكامه وشرعه وينتهي عن نواهيه.أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي، أي أن يصدق في إيمانه وتوحيده عمله قوله.
وهي أي لا إله الإ الله :القول الثابت. الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى:”يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة” (إبراهيم: 27). ووالايمان بالله وحده هو االعروة الوثقى التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى:”فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” (البقرة: 256).

2.الإيمان بالملائكة:
المقصـود من الإيمان بالملائكة هو الاعتقاد بأن لله ملائكة مخلوقين من نور، وأنهم لا يعصـون الله ما أمرهم، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله القيام بها. وأن نزول الرسالات على الرسل كانت بواسطة الملائكة ولذا فإن الايمان بوجودهم هو إيمان بأن الدين من عنذ الله ، أرسل به ملائكته إلى رسله عليهم السلام ،قال تعالي: “ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون”(النحل: 2).وقد قرن الله عز وجل الكفر بالملائكة بالكفر به، قال تعالى:« ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا “ ( النساء: 136).
والإيمان بالملائكة: مكون من مكونات الإيمان وشعبة من شعبه لايكتمل الإيمان بالله بدونها وأخواتها، قال تعالى:" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " (البقرة: 285). ويزداد إحساس المؤمن بإيمانه وحلاوته عندما يشعر بأنه يوحد الله ولا يشرك به شيئا مثل ملائكته العظام ، حيث يقول تعالي :" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "(آل عمران:18)، حيث الإيمان علم والمؤمنون هم أهل العلم. ومن لم يكن على علم وبينة يمكن أن يكون مسلما كالأعراب ولكنه ليس بمقدوره أن يكون مؤمنا.

الإيمان بالملائكة ليس على درجة واحدة، فهناك المعرفة المجملة بهم ، وهو الاعتقاد بوجودهم، وهو ما اعتبره الفقهاء فرض عين في مبحث الإيمان ، وهناك المعرقة التفصيلية، وذلك بمعرفة ما يتعلق بالملائكة مما ورد بشأنهم في كتاب الله وأحاديث رسوله تفصيلا ، والمقصـد من هذا التفصيل، وقد يكون الأصوب القول أن الإيمان بهم يبدا بالاعتقاد في وجودهم ويصـل غايته بمعرفة ما جاء في كتاب الله وأحاديث الرسول الصحيحة بشأنهم والمراد من ذكرهم فيها، وكذلك المعرفة الكاملة بكل شعب الإيمان الست مطلوبة من جميع المؤمنين ،وكل ما ازدادت المعرفة بها كلما كان ذلك خيرا ، وإن اقتصرت على القليل منها الذي يكفي لتثبيت إيمانهم ،فلا بأس به.

والمعرفة الكلية بهم تشمل المعرفة بصفاتهم ومهامهم ، ودورهم في حياة الإنسان .ومن ذلك مماورد في كتاب الله :فمن صفاتهم كما جاء في سورة عبس أنهم :" كرام بررة "(عبس:16)، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ... ) رواه الترمذي وهو يقصدهم بذلك
ومن صفاتهم: أطاعتنهم المطلقة لله ، قال تعالى:" لا يعصـون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "(التحريم:6). وعبادتهم الدائمة له، قال تعالى: " يسبحون الليل والنهار لا يفترون "(الأنبياء:20).
ومن شيمهم الحياء والصفاء والنقاء وحب الطيب والبعد عن كل ماهو خبيث وكلها صفات مطلوبة في المؤمن.
ومن مهامهم التدبير بإذن الله ، فال تعالى فيهم :" فالمدبرات أمرا " ( النازعات : 5) وفسـرها الحسـن بقوله: "هي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض" ، وقال تعالى :" فالمقسمات أمرا " ( الذاريات : 40) جاء في تفسيرها: هي الملائكة تقسم الأعمال عليها، من الخصـب والجدب والمطر والموت والحوادث .و يقول ابن القيم - على " أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة؛ لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله:" فالمدبرات أمرا " ، ويضيف التدبير إليه، كقوله: " إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر " ، فهو المدبر أمرا وإذنا ومشيئة، والملائكة المدبرات مباشرة " .
ومنها قوله تعالى : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله "( الرعد : 11)، وقد فسرت بأنها الملائكة تحفظ الإنسان من الشرور بأمر الله سبحانه، حتى إذا جاء القدر خلو عنه، وقال سبحانه :" وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "(الأنعام:61) وفسرت الرسل بأنهم الملائكة التي تتولى نزع روحه . ومن أعمالهم أنهم يتوفون الناس عند موتهم . قال سبحانه:« قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثُـمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ..» ( السجدة:11 ) . وتنزع ملائكة الموت أرواح الكافرين بعنف وشدة قال الله تعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" [الأنفال: 50-51].وقال تعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُـونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُـمْ عَنْ آيَـاتِهِ تَسْتَكْبِـرُونَ" [الأنعام: 93].وأما المؤمنون فتتوفاهم ملائكة الموت برحمة وتبشرهم بالجنة قال الله تعالى:"الَّذِيـنَ تَتَوَفَّـاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [النحل: 32].

.ويستغفرون الله للمؤمنين ، حبا لهم وإشفاقا عليهم :، قال تعالى: « ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم »( غافر:7) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما معناه "تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل، وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل، فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون، فاغفر لهم يوم الدين" ..

ومنهم من هو موكل بعذاب القبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا: أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل(1)؟ فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَريْت(لا علمت الحق من الباطل والخير من الـشر ) ولا تليت(تبعت الناجين من عذاب الله)، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". رواه البخاري ومسلم.وفي حديث آخر: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما - المنكر وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسـح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينوَّر له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: ارجع إلى أهلي فأخبرهم! فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي(اجتمعي وضمي) عليه، فتلتئم عليه فتختلف(فتتقرق) أضلاعه فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك". رواه الترمذي ومنهم حاملو عرش الله ، قال تعالى: « الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم "(غافر:7) .
وجاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله وكل ملائكة بتصوير الأجنة في أرحامها، ونفخ الروح فيها، فعن حذيفة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا مرّ بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا فصـورها، وخلق سمعها، وبصـرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها ) رواه مسلم .وفي حديث آخر : "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثمَّ يكون علقة ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. فوالله الذي لا إله إلا غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.

ومن أعمالهم كتابة وإحصاء أعمال المكلفين من خير أو شر، في كتابه الذي يأتي به يوم القيامة في يمينه أو شماله ،قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد «(ق:18)، قال تعالى: "كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون »(الانفطار:11-12). وقال الله تعالـى: "أَمْ يَحْسَـبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُـمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ »(الزخرف: 80) .وقال الله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيـدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" [ق: 16-18]قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للملائكة: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف". رواه البخاري.بينما ترى هذه الأيام أناس يحاكمون على نية نووها قبل عشر سنوات وعدلوا عنها.
و منهم يرصد حضور المسلمين صلاة الجمعة واستماعهم الذكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر(المبكر) كمثل الذي يُهدي بدنه ثم كالذي يُهدي بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر". رواه البخاري ومسلم.

وقد نصر الله بهم المسلمين في بدر(السابع عشر من رمضان). قال تعالى: « إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين » (الأنفال:9)، قال الربيع بن أنس : "كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة – أي الذين قتلتهم الملائكة من الكفـار من قتلى الناس، بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان، مثل: وسم النار " رواه البيهقي .وأكد لي بعض الذين شاركوا في حرب أكتوبر(العاشر من رمضان) عام1973 بأنهم أحسوا بأن الملائكة حاربت معهم الأيام الثلاثة الأولي من الحرب ، ثم انصرفوا عنهم بعدها ولم يشعروا بهم بعد ذلك .
ومنهم خزنة الحنة: قال الله تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ" [الزمر: 73].
ومنهم خزنة النار: قال الله تعالى: " وَسِيقَ الَّذِيـنَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّـمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ" [الزمر: 71-72].ويقول تعالى عن جهنم وعن خزنتها: "وَمَـا أَدْرَاكَ مَـا سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ" [المدثر: 27-31].

و تشفع الملائكة يوم القيامة في المذنبين من المؤمنين الموحدين بالله،الذين كانوا شهودا على فضائلهم وعبادتهم في حياتهم قال تعالى: « وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى »(النجم:26)، ففي الحديث: ( فتشفع الملائكة والنبيون والصديقون ) رواه ابن حبان .
ولا يتسع المجال هنا للمزيد ،ويمكن الاكتفاء هنا بقوله تعالى:" من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " (البقرة:98) .

وتجدر الإشارةهنا أو التذكيربأن مهام الملائكة كانت معروفة للشعوب قبل الإسلام ،وقدروا أن الملائكة بذلك أقرب اليهم من الله ، وأنهم شفعاء لهم عنده ، فعبدوهم عوض عبادة الله سبحانه وتعالي ، ولأنهم لا يرونهم صنعوا تماثيل لهم كما تخيلوهم ، فأشركوا في عبادة الله. وتصوروا بعضهم إناثا ، وليس في الملائكة ذكور وإناث . وفي ذلك يقول المولي : "وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" [الزخرف: 19].

وقد وصفت العربة التي كان يحمل فيها الملك سليمان ألواح النبي موسي حفاطا عليها في رحلته جنوب الجزيرة العربية بأنه كان على جانبيها تماثيل لملائكة مجنحة. وهو ما قد يستنتج منه بأن عمل التماثيل في حد ذاتها ليس محرما وإنما التحريم هو التحول لعبادتها من دون الله بعد أن يغرى الشيطان الناس بذلك دافعا بهم نحو الشرك بالله ، والخشية من ذلك هي التي دعت إلى نبذ التماثيل والصور خاصة بعد أن شاع تزيين الكاثوليك كنائسهم بصور وتماثيل العذراء مريم عليها السلام.وفي حديث لرسول الله ، أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فعن عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسـلم قال: «  إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة “ .وقد يتعلق الأمر بصـور تعبد من دون الله أو يتم إحاطتها بالقداسة وليس كل الصـور. ولكن المتشددون يأخدون بظاهر النص فيضيقون على أنفسهم وعلى الناس دون تفكير في مقاصده والتي تحكم حدود الاستفادة منه.

فوائد الإيمان بالملائكة المكرمين ومقاصده :
1- لله ملك السموات والأرض ، ولكن تدبيره لملكوته يعتمد على العمل الجماعي لكائنات نورانية تم تقسيم العمل عليها ، ولكل ملك أو عدد من الملائكة عمل محدد مكلفة به، على النحو السابق تبيانه. وغير ذلك من شؤون تدبير الكون . ولذا فإن اللأيمان بالملائكة ايمان بأهمية العمل الجماعي وتقسيم العمل وتكامله وتكافله في مجتمع المؤمنين الخاضع لمشيئة الله وحده ووحدة الأمة فيه .
2- الإيمان بالملائكة إيمان بتكريم الله للإنسـان . فقد خلق الله الملائكة ومنحها الله قدرات وإمكانات هائلة يتطلبها إنفاذ ما هي مكلفة به في تدبيرها للكون . ومع ذلك ، كرم الله الإنسان أكثر من الملائكة فعلمه مالم تكن تعلمه الملائكة . ويصب ذلك في الإيمان بالكرامة الإنسانية والمحافظة عليها من مقاصد العقيدة .
3- بالاقتداء بهم في طاعة الله وعبادته دون كبر أو استعلاء ، قال تعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون "(الأعراف:206).وورد في الحديث أن الملائكة تقول لربها يوم القيامة: ( سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )، والمسلم مهما بلغ في عبادته، فلن يبلغ مقدار عبادة الملائكة. ولكن ثمة أمر آخر يتعلق بطاعة الملائكة لله مما يجب أن يستفيد به الإنسان المؤمن ، وهو طاعتهم المطلقة دون تردد أو اتساءل . فقد كان إبليس رئيس الملائكة وهو مخلوق من نار وهم مخلوقون من نور ،أي مخالف لها في جنسها . والنور أفضل من النار التي جعلها الله أداة تعذيب لعصاته ومع ذلك لم تحتج الملائكة على ذلك . واستمر ذلك حتي أمر الله الملائكة ومنهم إبليس أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا آبليس أبي واستكبر وقال كيف أسجد لمن خلقته من طين وقد خلقته من نار. وقيل أن ما منعه وجعل الله يمسك عن عقابه عقابا فوريا وأنظره إلي يوم الدين هو أن امتناعه عن السجود كان سببه أنه أبي أن يسحد لغير الله. وطرد الله ابليس إلى الأرض . ولذا كان تعييين ابليس رئيسا للملائكة ومنهم جبريل الروح القدس الذي حل محله فتنة للملائكة مؤقتة ويعلم الله أنه لن يستمر في ذلك طويلا ، وكان أرساله للأرض مع الإنسان فتنه دائمة للآنسان أيضا، وامتحان لقوة ايمانه وطاعته لخالقه وتقواه.ومن هنا نتعلم بأن اختلاف الجنس لا علاقة له بطاعة الله وعبادته والتي يتساوى فيها العابدون. وأن في المساواة عدل .وهو من مقاصد العقيدة.
4- عندما هبط آدم ‘لى الأرض تزوج من بنات البشـر وصارت له سلالة تحولت من البشرية الجاهلة إلى الإنسانية المؤمنة العالمة ، التي تؤمن بالله ووحدانيته إلا من ضل منهم من بعد هدى. وهبط ابليس فتزوج من بنات طائفة من الجن وأصبح له بالجن المتشيطن مملكة مفسدة خارجة عن طاعة الله في مواجهة ملكوت الله الذي يضم الملائكة وبني الإنسان المؤمنين بالله والمطيعين له فيما عدا من حاطت به شقاوته وخطيئته ، وأسفر ذلك عن وجود حزب الله الذي يجمع الملائكة والمؤمنين من بني الإنسان وحزب الشيطان الذي يجمع المشركين بالله مع الشياطين من بني إبليس. وأصبح أمام الإنسان خيارين أن يكون من حزب الله أو أن ينضم لحزب الشيطان . ولذا اعتبر من تبع الشيطان من الإنس قد تشيطن أيضا . ويتم الاتعاذة بالله من شياطين الإنس مثل الاستعاذة من شياطين الجن تماما . قال تعالى في سورة الإنس : « قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس “ . وهذه الفتنة أو الابتلاء بالشيطان هي التي تحدد صادق الإيمان بالله ووحدانيته وتميزه عمن يشوب اعتقاده كفر أو شرك بالله. ويكون اإيمان الإنسـان المؤمن بوجود الملائكة امتداد لإيمانه بالله ، وبزيادة اعتزازه بوجوده في حزب الله مع الملائكة المكرمين .وأنه ليس وحده في مواجهة الشياطين بل هو مؤيد بمن هو أقوي منهم ، وهم الملائكة ، الذين يحرسونه منهم . وقد أخبرنا الله ورسوله والصحابة كيف قاتلت الملائكة مع المؤمنين في غزوة بدر ومكنت فئة قليلة من المؤمنين من هزيمة فئة كبيرة من المشركين يزيد عددها عشرة أضعاف عدد المؤمنين بإذن الله. وإن لم ينل المؤمنون تأييدا ما ديا من الملائكة لكفي التأييد المعنوي منهم . حيث تحضر الملائكة مجالس الذكر والصلاة وكل عمل تعبدى بما فيه جماع الرجل لزوجته والذي يعد من قبيل العبادات والأعمال الصالحة رغم أن الإقبال عليه يكون غالبا طلبا للمتعة أو النسل. المقصد هنا هو إحساس الإنسان بأنه ليس وحيدا ولاضعيفا وأن لديه من الملائكة سندا وشهيدا ، مما يزيد احساسة بالعزة والكرامة.

5- البعد عما حرمه الله، خوفا من الله وحياء من الملائكة الذين وصفهم الله بانهم كرام بررة، يكتبون ويسجلون أعماله. و قال تعالى:"وإن عليكم لحافظين . كرامًا كاتبين . يعلمون ما تفعلون " ( الانفطار : 10-12). والتمسك بالعدل وعدم الانحراف عنه : قال الله تعالى: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَـه إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران: 18).وعملا بقوله تعالى في الحديث القدسي : «  ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا “ رواه مسلم .

6- الاقتداء بهم في حسن نظامهم، وإتقان أعمالهم: فقد روى مسلم : عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ألا تصفون كما تصـف الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصـف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصـف ) فحـ، وذلك لحسن نظامهم، عند وقوفهم بين يدي ربهم .

7-يعلم الإنسـان سعة علم الله تعالى وعظم قدرته وبديع حكمته، إذ خلق ملائكة كراماً بررة مطهرين لا يحصون عددا ولا يبلغهم مخلوق قوةهم وإمكاناتهم وقدراتهم .

8– الثقة بأن كتاب الله نزل على النبي محمد عن طريق ملك مثل باقي المرسلين . قال تعالى: "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِي" [النحل: 2].

والملائكة بصفاتهم سالفة الذكر مبرءون من كل سوء .ولعل الذين فسـروا الملكين هاروت وماروت بأنهم ملائكة قد أخطأوا ولعلهما كانا نبيان وفي نفس الوقت ملكان (على غرار أنبياء وملوك بني إسرائيل فيما بعد) في بابل تنزل عليهما الملائكة بالوحي ومما كان يتنزل عليهما ، اخذ منه الشياطون ما يستعملونه في السحر وعلموه الناس . وقد يكون هاروت وماروت هما بذاتهما جلجاميش وأنكيدو المذكورين في أسطورة جلجاميش البابلية ، وكانا في زمن النبي نوح عليه السلام ، وقد يكونا غيرهما. وأيا كان الحال على المسلم أن يكون حذرا من بعض التفاسير التي تسيئ إلى إيمانه الملائكة وقد تكون ذات من ضمن الإسرائيليات التي تسربت لللإسلام بعد أن كان قدامي المسلمين يرجعون إلي أهل الكتاب يسألونهم عن بعض الأمور فيضلونهم . وفي كتب التراث خراقات كثيرة من هذا النوع لاتتفق مع ديننا ،نقلت عن اليهود.واستعمل الشياطين السحر في خدمة الملك سليمان بعد ذلك وهو ما يمكن أن يفسر قوله تعالي: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِيـنُ عَلَى مُلْـكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِـنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"(البقرة: 102» . فقوة السحر مستمد من القوة الخفية الموجودة في كلام الله سبحانه وتعالي الذي كانت تنزل به الملائكة على الأنبياء والرسل ، وقد صنع موسي السامري عجلا ليعبده بني إسرائيل له خوار بعد أن أخذ قبضة من أثر جبريل، لم يبصربها قومه ، والتفسير الصحيح هو بعض كلمات نزل بها جبريل على النبي موسي لم يدرك باقي قومه مفعوفها في السحر. واستعمل اليهود عبارات وردت في التوراة بالآرامية في السحر. وقد استعمل مسلمون وغير مسلمين كلمات وردت في القرآن الكريم في السحر ، بل اعتبر بعض رجال الدين المسيحيين في مصـر بأن استعمالها منهم في السحر هودليل على أن القرآن كتاب منزل من عند الله ولكن عنادهم دفعهم إلى إنكار نزوله على رسول الله وادعوا أنه عثر عليه عند وريقة بن نوقل أو بحيرى الراحب وادعي أنه أنزل عليه.


3. الإيمان بالرسل :هو الإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله وأنبيائه, وأنبياء لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا الله تعالى.
لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم خمسة و عشرون من الأنبياء والرسل وهم
:آدم·إدريس-نوح·هود·صالح-ابراهيم·لوط-اسماعيل · اسحاق-يعقوب·يوسف -أيوب-شعيب · موسى ·هارون -ذو الكفل · داود -سليمان · إلياس-اليسع · يونس -زكريا · يحيى عيسى بن مريم · محمد بن عبد الله صلي الله عليهم وسلم جميعا.ولكن يوجد غيرهم ممن لم يرد ذكرهم في القرآن وبالتالي قال الله تعـالى : "وَلَقَدْأَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مّن قَصَصْنَا عَلَيْكَو َمِنْهُمْ مّن لّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ'» وجميعهم بلغ رسالات ربه والتي تتلخص في توحيد الله في العبادة وعدم أشراك أحد في عبادته . قال تعالى: “وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون”(الأنبياء: 25). فالايمان بهم تعزيز لللإيمان بالله وتوحيده وقصر العبادة عليه.
ويستفيد المؤمن من الإيمان بالرسل يما يلي:
1 - الإيمان بـأن رسالتهم حق من الله تعالى فمن كفربرسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع ،كما قال الله تعالى: "كَذّبَـتْ قَوْم ُنُـوحٍ الْمُرْسَلِينَ" أي كذبوا نوحا وكل من سبقه من المرسلين .وقال :"كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ "(الشعراء123)وقال :"كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ "(الشعراء141)وقال :"كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ "(الشعراء160)وقال:"كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ "(الشعراء176)مما يفهم من كل هذه الأيات بأن الايمان بكل الرسل جميعهم دون تفرقة بينهم واجب على المؤمنين .ويؤكد هذا المعني أيضا قوله تعالي:"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِه وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير"(البقرة285),
2 - الإلتزام بالميثاق الذي أخذه الله على بعض الأنبياء والمرسلين ومنهم رسول الله محمد خاتمهم : " محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح " عليهم الصلاة والسلام . قال تعالى : "وَإِذْأَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍوَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ"
3 -التصديق بما ورد في كتاب الله من أخبارهم واستخلاص الدرس والعظة منها.
4 - زيادة الاثمان والثقة في رسالة نبينا خاتم المرسلين والعمل بما جاء به والرجوع إلى كتاب الله وسنته فيما شرعه الله لنا .قال الله تعـالى: "فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَيُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَبَيْنَهُمْ ... »
5 - إدراك رحمة الله تعالى بعباده المتمثلة فيما أرسله لهم من الرسل هدايتهم ونقلهم من الظلام إلى النور وإحيائهم بالإيمان والإحسان
6 - التمكن من التفرقة بين الحق المنزل من عند الله على خاتم النبيين وبين باطل الأديان الأخرى ,
7 - زيادة الوعي بمكانة الرسول صلي الله عليه وسلم كخاتم المرسلين وعمومية رسالته التي لم تخصص لقوم محددين أو أمة من دون الأمم مثل من سبقه من النبيين . قال الله تعـالى: "وَلَقَدْبَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاًأَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ "وأنما أرسل لجميع الناس والأمم ليؤمنوا بها ويعبدون الله على أساسها ،ويتجدون فيها كأمة مسلمة واحدة بعد أن تفرقوا في الدين ومزقتهم العصبية ودفعتهم إلى الظلم والعدوان وسفك الدماء والإقسـاد في الأرض.ولذا فإن توزع الأمة المسلمة اليوم إلى أمم وأقوام وشيع وأحزاب متنازعين هو مخالف لمقاصد الشريعة في وحدة الأمة والإمامة .
8 - التأكذ من أن الله يرسل دائما للناس رسلا من بينهم ومن جنسهم وهو ما بينه الله سبحانه بقوله: "وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُم الْهُدَىَ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أ َبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رّسُولاً *قُل لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزّلْنَاعَلَيْهِم مّنَ السّمَآءِ مَلَكاًرّسُولاً". وإذا الله أعلم أين يضع رسالته ، ويختار لها من هو جدير بحملها ، فإن الرسول المختار لا تغير الرسالة شيئا من طبيعته البشرية .
9 – إن الدين عند الله منذ فجر الإنسانية هو الإسلام وما بعث الله الأنبياء والرسل في أقوامهم إلا ليجدد لهم دينه كلما رثت خيوط نسيحه لديهم وأدخلوا فيه الشرك بالله. وإذ لا نبي أورسول بعد النبي محمد يرتجي، واقتربت الساعة وانشق القمر ، فذلك أدعي للمحافظة على الذين كما جاء به عليه صلاة الله وسلامه.و "تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىَ عْبدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً"

4. الإيمان بالكتب السماوية :
ومعنى هذا أن نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله. ومن هذه الكتب ما سماه الله تعالى في القرآن الكريم, ومنها ما لم يسم، ونذكر فيما يلي الكتب التي سماها الله عز وجل في كتابه العزيز: التوراة، الإنجيل، الزبور، صحف ابراهيم، القرآن.وإذ يعلم المسلم بأن جميع الكتب السماوية التي يتبعها معظم خلق الله قد أجمعت على أن الله موجود، ودل مافيها من حكم وأحكام أنها من لدن إله واحد عزيز قدير ،ا، فإن ذلك يرسخ إيمانه ويقويه ، وهو أيضا بإيمانه بأن القرآن الذي بين يديه هو كما أنزل على الرسول لم يمسه أي تحريف ، وأن التحريف والزيادات جاءت في سواه من كتب أخرى فإنه يمكن أن يعرض ما جاء في الكتب الأخرى على ميزان القرأن ، ليعرف ما هو أصيل فيها وما هو دخيل عليها ، وتزداد لديه المعرفة بدين الله ، والثقة في تدينه وتوحيده لربه ومولاه. قال تعالى: “وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون” [الأنبياء: 25].مع ملاحظة مايلي بالنسبة للتوراة والإنجيل: 1)أنه لا يوجد انجيل وانما أناجيل متعددة كتبت في تواريخ مختلفة بعد المسيح بعد عقود ولا توجد نسخ أصلية وإنما نسخ تراجم متعددة ومختلفة عن بعضها.
2) هذه الكتب قد اختلط فيها كلام الله بكلام الناس، من تفسير و سير الأنبياء والصالحين، و استنباطات كهانهم ، فلا يعرف فيها كلام الله من كلام البشر.
3) ليس لأي من تلك الكتب سند تاريخي موثوق ليؤكد نسبتها إلى الرسول المنسوبه اليه.
و التوراة التي الحقها النصارى بالأناجيل في كتاب واحد باسم أسفار الكتاب المقدس ، مختلفة النسخ التي عثر عليها منها . وتلك التي اعتمدها النصارى مختلفة عن تلك التي بيد اليهود.و قد أخبرنا الله عز و جل عن التحريف الذي أدخله اليهود و النصارى على الكتب التي أرسلت إليهم. وأدان القرآن ما ورد بها من أباطيل . و نذكر في هذا الشأن الآيات التالية:
1- "و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله, ذلك قولهم بأفواههم, يضاهئون قول الذين كفروا من قبل, قاتلهم الله أنى يؤفكون" (التوبة 30).
2- "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" (المائدة, 72).
- "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة, و ما من إله إلا إله واحد" (المائدة 73).
3- "و ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام, انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" (المائدة 75).
وقدجاء في الموسوعة الإسلامية : الكتب المنزلة هي من كلام الله تعالى، فيها هدى ونورأوحي الله به إلى رسول من رسله بواسطة جبريل ليبلغه للناس.وهي تشمل الصحف والألواح وجميع أنواع الوحي اللفظي أو الكتابي التي ينزلها الله تعالى على رسله وبأية لغة من اللغات كانت، قصيراً أم طويلاً، مدوناً كان أم غير مدون، فيه صفة الإعجاز اللفظي للناس أو ليس فيه ذلك.والايمان بها هو هو التصديق الجازم بأن جميع الكتب التي أوحي بها منزلة من عند الله عزَّ وجلَّ.فالمؤمن يؤمن بكتب الله كلِّها إجمالاً فيما يجهل منها، وتفصيلاً فيما يعلم منها - كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن- كما آمن برسل الله وأنبيائه جميعاً إجمالاً فيمن جهل منهم وتفصيلاً فيمن علم.
والإيمان وحدة متماسكة لا تنفك عن بعضها، فمن لم يؤمن بالكتب المنزَّلة فقد نقض إيمانه وخرج عن دائرة الإيمان.أذ قال الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِـينَ آمَنُوا آمِـنُوا بِاللَّهِ وَرَسُـولِهِ وَالْكِتَـابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَـابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا”، (النساء: 136).والكتاب المنزل على رسول لله هو المرجع لأمته، وفيه تبيينُ أوامر الله ونواهيه وسبل السعادة والهداية للناس.والحكم العدل لها في كل ما يختلفون فيه، مما تتناوله أحكام شريعة الله لهم.قال الله تعالى: “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ”، (البقرة - 213).الكتب التي أخبرنا الله بها تشمل صحف ابراهيم حيث قال الله تعالى: “أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى”، (النجم: 36- 37).
والتوراة: وهو كتاب أنزله الله على موسى عليه السلام ويتضمن كتاب التوراة والصحف التي أنزلت على موسى عليه السلام والألواح التي جاء بها بعد مناجاته لربه في جانب الطور، قال الله تعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُور”. (المائدة: 44).والزبور: هو الكتاب الذي أنزله الله على داود عليه السلام، قال الله تعالى: “وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا”. (النساء: 163).والإنجيل: وهو الكتاب الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليه السلام قال الله تعالى: “ثمّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ”. (الحديد: 27).
ما القرآن الكريم فهو خاتم الكتب وهو المهيمن عليها، وقد تكفَّل الله بحفظه من أي تحريف أو تبديل قال الله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”. (الحجر: 9).قال تعالى: “لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ”. (فصلت: 42).
.
ويجب على المسلم الإيمان بأن الرسل قد بلغوا هذه الكتب صحيحة عن ربهم، لهداية أقوامهم إلى توحيد الله وعبادته ومافيه صالح معاشهم ومعادهم قبل أن يدخل عليها من بعدهم التحريف والتعيير والتشوية وإضافة ماه و لي منها وليس من عند الله إليها، كما أمرهم الله سبحانه في قوله تعالى:”وَجَعَلْنَاهُـمْ أَئِمَّةً يَهْـدُونَ بِأَمْرِنَا» ( الأنبياء:75) فقد أخبرا لله تعالى أنه أرسل الرسل، وأنزل عليهم الكتب في قوله تعالى”لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(الحديد : 52.) القرآن وحده الواجب الاتباع ، باعتباره الكتاب الواحد المحفوظ الجامع لكتاب الله منذ نزلت على رسول الله ، ولم يطرأ عليه أي تغيير بالاضافة أو النقص أو التبديل.والإيمان بكل ماجاء فيه . ، قال سبحانه”وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»[ سورة الأعراف :25] .

ويقول الدكتور الريسوني :الرسالة المحمدية قد جاءت لتقويم التدين وتصحيحه وترقيته، أكثر مما جاءت لإنشائه ونشره.وقبل سنين،كان قد لفت انتباهي ما أجده في القرآن الكريم من كثرة الحديث عن أهل الكتاب عامة، وعن بني اسرائيل خاصة، بل نجد أن الله تبارك وتعالى أحيانا يتوجه إليهم مباشرة بالخطاب وبالنداء: يأهل الكتاب ... يابني إسرائيل ...، على نحو ما نرى في هه الأمثلة
- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران/71]
- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [آل عمران/98، 99]
- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [النساء/171]
- وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة/83]
- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة/32]
تساءلت يومها مع نفسي: هذه الخطابات، وهذه النداءات، وهذه الانتقادات، لا يكاد يعرفها أو يقرأها أحد من المعنيين بها من اليهود والنصارى، فهل أصبحت بدون مخاطَب بها؟ وبدون مستفيد منها؟!
ولم أجد جوابا - ولم يبق من جواب - سوى أن المسلمين - أسـاسا - هم المخاطَبون، وهم المنادون و هم المعنيون. وفي شأن هذه الخطابات والنداءات والانتقادات الموجهة إلى بني اسرائيل، روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: "إن بني إسرائيل قد مضَوْا، وأنتم الذين تُعنَون بهذا يا أمة محمد" (المحرر الوجيز لابن عطية 1/176).ما وقع لأهل الكتاب قبل الإسلام، لم يكن هو ترك التدين أو الانسـلاخ من الدين نحو الإلحاد واللادينية، مثلما يقع لهم اليوم، وإنما كان هو رداءة التدين، وسوء التدين،والإخلال بحقيقة التدين. وهذا ما أعنيه الآن بانحطاط التدين. وهو الداء الذي أصاب تدين المسلمين أيضا، ولو ببعض الاختلاف في المجالات أو في الدرجات أو في الأشكال.التدين المنحط، تكمن خطورته في كونه يستشري في عموم المتدينين، وهم أكثر المسلمين. ثم هو أشد قابلية للتجذر والرسوخ؛ لأن أصحابه يرون أنفسهـم - ويراهم مَن حولهم – متدينين ملتزمين، آمنين مطمئنين، بينما غير المتدينين، قد يكون لديهم إحساس بعدم الرضى على حالهم، على نحو ما جاء في الحِكَم العطائية: "لَأنْ تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه، خير من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه"
فآفات التدين المنحط، خفية ملتبسـة، وقد تكـون في نظر النـاس- فضلا عن أصحابها - هي عين الصـلاح والسداد والفلاح. ومن هنا يبدو لي أن المعركة ضدها هي الأكبر والأصعب.
وبداية هذه المعركة هي أن نقتنع بضرورتها وأهميتها وأولويتها. لأن السائد حتى الآن - عند الدعاة والعلماء والحركات الإسلامية - هو أن هذه قضية ثانوية، أو أنها ليسـت قضية بالمرة. والمعارك الحقيقية عندهم، تكاد تنحصر مواجهة التفسخ والانحلال، ومواجهة الغزو والاحتلال.
إذا كان الاحتلال يضرب فلسطين والعراق وأفغانستان، ونقطا أخرى هنا وهناك، فإن الانحطاط يضرب أطنابه في كل مدننا وقرانا، ويخترق بيوتنا ومساجدنا، ويضرب أخلاقنا وعقولنا، وعباداتنا ومعاملاتنا ...
وإذا كانت مواجهة الاحتلال والانحراف من أوجب واجباتنا، فأوجب من ذلك ألف مرة مواجهة الانحطاط، وخاصة منه انحطاط التدين.
وأنا لا أنكر أن الحركة الإسلامية الحديثة، ببعض علمائها ودعاتها، قد أسهمت بنصيب مقدر في تحسين التدين وترقيته في هذا العصر، ولكنَّ ما أعنيه الآن أكبر وأوسع من أن يعالج بهذا الإسهام العفوي والفردي والمحدود. إن المطلوب هو فتح ملف الانحطاط عموما، وانحطاط التدين خصوصا، والقيامُ بكل ما يلزم ، استقصاء وتحليلا وتقويما، ثم وضع هذا القضية في موضعها من الأهمية والأولوية ...
إن التدين المنحط يفرغ الدين من معانيه ومضامينه،ثم يملؤه بالمعاني المحرفة والمزيفة، ثم يحجب الدين الحق عن العقول والأنظار. فالجناية فيه متعددة الأبعاد.
ومن هنا يمكن أن نقول: إن انحطاط التدين، هو أسوأ من نقص التدين. وإن تحسين تدين المتدينين وتجديده وترقيته، هو أولى من كسب متدينين جدد، وأولى من توسيع دائرة التدين المنحط.
وإذا تدبرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجَدِّد لها دينها )، فإننا نجد أن الله تعالى وعدنا وبشرنا ببعث المجددين كل مائة سنة، مما يدل على الحاجة المتكررة لتجديد التدين وإصلاحه والنهوض به، وقد نستفيد منه أننا بحاجة إلى المجددين أكثر من حاجتنا إلى الفاتحين.» انتهي كلام الأستاذ الريسوني.


5. الإيمان باليوم الآخر
ومعناه الإيمان بكل ما أخبرنا به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر والبعث والحشر والصحف والحساب والميزان والحوض والصراط والشفاعة والجنة والنار، وما أعد الله لأهلما جميعا.
لإيمان باليوم الآخر أحد مكونات الإيمان ويتضمن: الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها وبالموت وما بعدهُ من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، وبالنفخ في الصور وبعث الموتي وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع، والحشر والنشر ووضع الموازين وبالصراط، والحوض، والشفاعة لمن أذن الله له وبالجنة ونعيمها وبالنار وعذابها مما ذكر في كتاب الله سبحانه وتعالي وسنة نبيه عليه السلام.
قال الله تعالى: "الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ ، فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" [لبقرة: 1-5]. وقوله:"وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" [الحج: 7]. وقوله: "إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ (بمعني يوم القيامة هنا حيث يسمي أيضا بيوم الدين ، أي اليوم الذي يحاسب فيه الناس على دينهم )لَوَاقِعٌ" [الذاريات: 5-6].
قيام الساعة أو يوم القيامة والدين:
يعد وقتها من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالي ولا يعلمها سواه . قال تعالي : قال الله تعالى: “يَسْـأَلُونَكَ عَـنْ السَّـاعَةِ أَيَّـانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيـكُمْ إِلا بَغْتَةً” [الأعراف: 187].يقول الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63].
الا أن الله أخبرأيضا عن قربها فقال: "اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1-2].وهو قرب نسبي ، فاليوم عند الله بألف سنة مما نعد ، و يوجد يوم قدره خمسون ألف عام كما ورد في كتاب الله.وقد أشاعت طوائف من البروتستانت في الولايات المتحدة قبل بداية القرن الحالي بأن القيامة ستقوم قبل عام 2000 الميلادي ، وفيهم جماعة لجأت إلى الانتحار الجماعي حتي لا تقوم عليهم الساعة . ولهذه النبوءة على مايبدو أصل عند اليهود ، وقد سمعت العامة قبل عقود يقولون : "تؤلف ولا تؤلقان" يقصدون قيام الساعة بمعني أنها تتجاوز العام الألف ولكنها لا تتجاوز الألفين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" مشيراً بإصبعيه: السبابة والوسطى.
ومن معالم يوم القيامة:
لَحشْرُ : يجَمْعُ الأموات بعد بعثهم إلى مكان الموقف العظيم حيث يحشر الناس حتي يتم حسابهم . قال الله تعالى : واتَّقوا الله واعلموا أنكم إليه تُحشرون وقيل إنالحشر على ثلاثة أحوال :
1- يجشرالأتقياء كاسين طاعمين راكبين .
2- ويحشرالعصاة الفساق حفاة عراة .
3-ويحشرالكافرون على وجوههم .. وقال تعالى :”ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُميا وبُكما وصُما” وقال تعالى :« وإذا الوحوش حُشِرت” وقيل بحشـر المتكبرون كأمثال الذرِّ ( النمل) يطأهم الناس بأقدامهم ،وقال تعالى :« وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ».

ومما يجب الإيمـان به في اليوم الأخر مايلي:
الحساب : هو عَرْضُ أعمال العباد عليهم. قال تعالى: “يومئذ تُعرضون لا تَخفى منكم خافِية فأمَّا من أوتيَ كتابه بيمينه فهوفي عيشة راضية ... وأمَّا من أوتيَ كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوتِ كتابيَه ولم أدرِ ما حسابيَه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليَه « .

الثواب والعقاب : الثواب هوالجزاء الذي يُجازاه المؤمن في الآخرة مما يسره وأما العذاب فهوما يسوء العبد ذلك اليوم من دخول النار وما دون ذلك .

الميزان : هو موازنة الأعمال الصالحة مع الأعمال السيئات لمعرفة أيهما ترجح كفته فيهما . قال الله تعالى :« والـوَزْنُ يومئذٍ الحق” .فإن رجحت حسنات المؤمن على سيئاته يدخل الجنة من غير عذاب ، وإن استوت حسناته لا يدخل الجنة مع الأولين إلا أذا شاء الله وشمله برحمته .
وإن رجحت سيئاته فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة بعد ذلك ، قال الله تعالى :« فأما من ثقُلت موازينه فهوفي عيشة راضية وأما من خفَّت موازينه فأمُّه هاوية ».

الصـراط : هو جسرممدود على ظهر جهنم يَـرِدُهُ الناس ، فيسقط في جهنم منهم من غلبت عليه شقوته وكتب من أهلها ويجتازه الى الجنة من كتبت له. والذي لا يمكن دخول الجنة حتى يتم اجتيازه ، والصراط ــ كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ مدحضة مزلة”. وهو وصف يقال للموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر . والمؤمنون الأتقياءالمحسنون عملا يمرون في هوائه طائرين، بينما الباقي ممن هم أقل منهم درجة يعبرون عليه فمنهم من يسقط في جهنم ومنهم من ينجيهم الله جسب عمله في الدنيا.والكفار يتساقطون فيها .مصداقا لقوله تعالى :"وإن مِنكم إلا وارِدُها كان على ربك حتماً مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فبها جثيا " ( مريم : 71 ـ 72 )".والورودعليها : ورود مرور أو وورود دخول .

الشفاعة : هي طلب الخير من الغير للغير ، والشفاعة تكون للمسلمين فقط ، فالأنبياء يشفعون وكذلك العلماء العاملون والشهداء والملائكة . قال عليه الصلاة والسلام : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي . رواه الحاكم.ولا شفاعة لللمشركين يوم القيامة ، قال تعالى :« ولا يَشفعون إلاَّ لِمَنِ ارتضى . ولا يشفع الشفعاء إلا بإذن الله " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ".

الجنة : هي دار السلام ومما قاله الله تعالى عنها : “ وسارِعوا إلى مَغْفِرةٍ من ربكم وجنة عَرْضُها السموات والأرض أُعِدَّت للمتقين ». (آل عمران 133).
ا"وسارعوا"أي بادروا إلى عمل
ما يوجب المغفرة والرحمة من الله عز وجل.وهي بنفس معني:"فاستبقوا الخيرات"[البقرة: 148]وقوله تعالى:"وجنة عرضها السموات والأرض"نجد نظيرها في قوله تعالى أيضا :"وجنة عرضها كعرض السماء والأرض"[الحديد:21].
وقال الكلبي:الجنان أربعة:جنة عدن وجنة المأوى وجنة الفردوس وجنة النعيم،وكل جنة منها كعرض السماء والأرض لو وصل بعضها ببعض.
وفي الصحيح:(إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنى ويتمنى حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى:لك ذلك وعشرة أمثاله)

ونبه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض،والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض.
قال الزهري:إنما وصف عرضها، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله؛وفلاة عريضة، أي واسعة؛ولم تقصد الآية تحديد العرض،ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي : قال الله تعالى :« أعدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” . رواه البخاري .

النار : هي دار العذاب ويساق اليها الكافرين والمشركين حالدين فيها ما شاء الله .قال الله تعالى عن الكافر فيها : "لا يموت فيها ولا يحيا ". وقال الله تعالى : "إن الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليّا ولا نصيرا"وقال الله تعالى :« وما هم بخارجين من النار “.

الحوض : هو مكان أعده الله فيه شرابا لأهل الجنة يشربون منه قبل دخول الجنة فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأ ، إنما يشربون بعد ذلك تلذُّذا .ولكل نبي من أنبياء الله حوض تشرب منه أمَّته ،
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن قدر حوضي كما بين أيلة الى صنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء ) رواه البخاري .

ومن أعظم ما ينعم الله به على المرمنين الصالحين بعد إدخالهم الجنة تمكينهم من رؤيته عز وجل :عن صهيب الرومي – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله - تبارك وتعالى - تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ) رواه مسلم
فوزي منصور .

No comments: