Tuesday, May 18, 2010

بحيرة تشاد التي على وشك الجفاف وكيفية إنقاذها

كانت بحيرة تشاد إحدى أكبر الكُتل المائية في العالم وتعد من قبل سادس أكبر بحيرة في العالم، ورابع بحيرة في أفريقيا قبل تنكمش الى عشرمساحتها السابقة مؤخرا حتى تكاد تصبح اليوم مجرد بركة واسعة مهددة بالفناء .فقد تناقصت مساحة البحيرة من 25000 كم2عام 1963 إلى إلى أقل من 1500 كيلومتر مربّع في عام 2001..وكان معدل عمق هذه البحيرة في حدود ستة أمتار ولكن ما تبقي منها حاليا يقل عمقه عن ثلاثة أمتار. و90 % من مياههاحاليا تأتي من نهر شاري.والباقي من نهر لوغونيه القادم من الكميرون والمتصل بشارى جنوب العاصمة إنجامينا .وقد شهدت موارد النهرين تناقصا مستمرا خلال العقود اﻷربعة اﻷخيرة.ولكن تناقص مساحة البحيرة الحاد تم خلال العقدين الأخيرين فقط. و تطل بحيرة تشاد على أربع دول هي تشاد، الكاميرون، النيجر ونيجيريا.وحوض البحيرة أشبه بصحن مقعر بين أراضي تلك الدول.

وفي الشمال الشرقي للحوض قامت مملكة "كاتم "الإسلامية في القرن الثامن الميلادي والتي اتخذت العربية لغة لها و اتسع نقوذها في القرن لتاسع الميلادي، حتى شمل منطقة السودان الأوسط بأكملها.وجاءت بعدها سلطنة البلالة التي حكمت من عام(1365 حتى 1922وفي غربها قامت مملكة "بورنو " وفي جنوبها قامت مملكة "باجرمي "التي قامت في حوض نهر شاري وتعاقبت الممالك في المنطقة ومنها مملكة عويضي، التي قامت في السادس عشر الميلادي، حتي وصل الاستعمار الفرنسي في أوائل القرن العشرين فقضي عليها كلها.
ويعيش أكثر من 20 مليون نسمة حول بحيرة تشاد، ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد بعد ربع قرن ب، ومن العشرين مليونا يوجد ثمانية ملايين كانوا يعيشون على البحيرة مباشرة في تشاد والكميرون وشمال شرق نيجيريا وشرق النيجر قبل انحسار المياه فيها.
وقد اجتمعت دول الحوض في نيجيريا عام 2009 وكان من مقترحات انقاذها التي تم تداولها : تنفيذ مشروع سد بالمبو على نهر أوبنقى وربط نهر أوبنقي ، المنبثق عن نهر الكونغو، لربطه بمجرى نهر "تشاري" الذي يصبّ في بحيرة تشاد مباشرةً. لكي تتدفق المياه من نهر أوبنقي إلى نهر شارى، ومنه الى موقع البجيرة القديمة.

و حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" في أكتوبر 2009من أن الكارثة الإنسانية التي تلوح في بحيرة تشاد ذات مواردالمياه المتناقِصة باستمرار ، والتي لا بد من مواجهتها على عَجل. وتقدِّر الإدارة الوطنية الأمريكية للأجواء والفضاء "NASA" أن مياه بحيرة تشاد إذا ما واصلت انحسارها بالمعدل الحالي، فمن الممكن أن تختفي رقعة البحيرة كليّاً في نحو عشرين سنة من الآن.
ودعت الفاو إلى تعبئة الأموال لإعادة تكوين الرصيد المائي للبحيرة وتدعيم أركان الأمن الغذائي في الإقليم. وتقدِّر منظمة "فاو" أنه علاوةً على هبوطٍ بمقدار 60 بالمائة في إنتاج الأسماك من البحيرة، فقد شهدت أراضي الرعي تدهوراً أدّى إلى نقص العلف الحيواني بنحو 46.5 بالمائة في بعض مناطق الإقليم منذ عام 2006، مع تَفاقُم أوضاع الثروة الحيوانية والتنوّع الحيوي بطبيعة الحال.

و وافق مجلس إدارة المصرف الإفريقي للتنمية على الإفراج من موارد الصندوق الإفريقي للتنمية عن هبة بقيمة 70ر44 مليون دولار أمريكي.. بهدف تمويل برنامج التنمية المستدامة لحوض بحيرة تشاد .وستستفيد من هذه الهبة الدول الأعضاء في لجنة حوض بحيرة تشاد والمتمثلة في الكاميرون والنيجر ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وتشاد .
وأوضح البيان الصادر عنه أن برنامج التنمية المستدامة لحوض بحيرة تشاد(بروديبالت) يأتي ردا على تعرض بحيرة تشاد ومجمل حوضها لتضاؤل جريان المياه وجودتها وتقلص التنوع الأحيائي مقابل التعرية المائية وزيادة كمية الرمال بها.وأثر التراجع الملموس لمساحة بحيرة تشاد المسجل خلال العقود الأخيرة سلبا على المساحات الزراعيةوأدى إلى إنخفاض إنتاج الموارد السمكية .
وتم إعداد برنامج "بروديبالت" بهدف تنفيذ خطة العمل الإستراتيجية التي وضعتها لجنة حوض بحيرة تشاد .وتتمثل النتائج المنتظرة من هذا المشروع في تأمين الحماية المستدامة لبحيرة تشاد بهدف ضمان الأمن الإقتصادي من موارد النظام البيئي للمياه العذبة وإدارة متكاملة وعقلانية
للحوض النهري لتحقيق التنمية المستدامة وإستعمال عادل للموارد الطبيعية لكل دولة مع المحافظة على الأنظمة البيئية وتنوعها الأحيائي. ويستفيد من هذا البرنامج سكان مقاطعات وأقاليم وولايات الدول الخمس المكونة لحوض بحيرة تشاد .
وستسمح الأنشطة المقررة في البرنامج والمتعلقة بمكافحة مختلف أشكال تدهور الأراضي والإرتقاء بتقنيات إستغلال عقلانية للموارد المائية بتسجيل تحسن بمعدل 67 بالمائة في دخل السكان المستهدفين وخاصة بين النساء وتعزيزالأمن الغذائي .
وستمكن معظم أنشطة البرنامج بإشراك السكان الذين يستهدفهم في تنفيذها بما في ذلك عبر مشاركتهم فيتمويل وإدارة مشاريع ضخمة في التنميةالريفية .
ويستغرق إنجاز المشروع 6 سنوات إعتبارا من 2009 بتكلفة إجمالية قدرها حوالي 8ر94 مليون دولارأمريكي .ويساهم في تمويله أيضافضلا ً عن هذه الهبة من الصندوق الأفريقي للتنمية مانحون آخرون من بينهم المصرف الإسلامي للتنمية والمصرف الدولي والإتحاد الأوروبي والحكومة النيجيرية .

وثمة إجماع بأن سبب تناقص مياه البحيرة هو التغيرات المناخية والجفاف وزيادة سخونة الأرض .و لم يذكر أحد قط احتمال أن يكون سحب المياه من الخزانات الجوفية في الواحات الليبية شمال تشاد قيما يعرف بالنهر الصناعي العظيم قد يكون هو السبب فيما حل بالبحيرة في العشرية اﻷخيرة و
تهديدها بالجفاف.مع أنه احتمال وارد ولايوجد في تصورى ما يستوجب استبعاده.
فقد قامت ليبيا بحفر 1300 بئر يبلغ متوسط عمق البئر 400 متر مغلفة بالفولاذ بواحات الكفرة والسرير في جنوبها الشرقي وحوض فزان وجبل الحساونة في جنوبها الغربي شمال حدودها مع تشاد تضخ مامقداره ستة ملايين ونصف متر مكعب من المياه يومياُ عبر أنابيب ضخمة قطر كل منها أربعة أمتار تتجه شمالا لكي تصب في خمس بحيرات صناعية معلّقة اقلها سعته اربعة ملايين مترا مكعبا وأكبرها سعة اربعة اضعاف هذا الحجم مملؤة بالمياه طوال العام أي أنه يتم سحب من تلك الآبار 2372مليون متر مكعب سنويا.كما أعلنت بأنها تجرى دراسات حاليا لتغذية النهر من بعض انهار القارة الأفريقية. وقيل أنها أرسلت بعثة تقنية الى السودان للحصول على مياه من النيل وأخفقت البعثة بسبب طبيعة الصخور شمال هضبة دارفور وارتقاعها في شمال عر السودان ويبدو أن حكومة الخرطوم لم تبد اهتماما مرضيا لليبيا خاصة في ظروف الخلافات الناشبة حول مياه النيل بين دول المنبع ودولتي المصب فكادت لها القيادة الليبية بإعلانها ترحيبها بانفصال جنوب السودان حسب ما صرح به سلفا كير.وتكلف المشروع حسب الأرقام الرسمية الليبية من 1984 حتي الآن أكثر من 11مليار دولار وكان قد راج عند الإعلان عن تنفيذه بأنه سيتكلف خلال 50عاما مبلغ في حدود 33مليار دولار.
وفي 11سبتمبر 1989 وصلت المياه إلى مدينة اجدابيا، ثم وصلت مياه المشروع إلى خزان قرية سلوق قرب بنغازي في 28أغسطس 1991م ، وبعدها بيومين إلى خزان مدينة سرت في 30/8/1991م ، وفي هذه الآونة بدأت مياه يحيرة تشاد في التناقص على نحو متزايد سنويا إلى أن صارت على ماهي عليه حاليا وزاد هذا التناقص وانحسار المياه عن معظم البحيرة خلال الفترة من 1997 حتي 2009.
والرائج الآن بأنه لم تتم الاستفادة من كامل المياه التي تم نقلها الى الشمال وأنها تعد في حكم المبددة كما أن المياه العذبة المستخرجة بدأ منسوبها يقل في الآبار وبدأت تزيد في المقابل ملوحة المياه وبعد أن كانت ليبيا تقول بأن هذا المشروع سيوقر احتياجاتها من المياه العذبة لآلاف السنين القادمة أتضح أن هذا كان وهما واكتشفت بأن حاجتها للمياه العذبة بعد تنفيذ النهر صارت أكبر مما كانت عليه قبل تنفيذه حتي اضطرت العام الماضي من عقد اتفاقية مع تركيا لتزويدها بمياه الشرب.
والآن يمكن القول بأن حقن البحيرة بمياه من نهر الأوبنجي قد يعيد تغذية الآبار الليبية بالمياه ولكنه قد لا يفلح في أعادتها مياه عذبة من ناحية ولن يوقف تبديدها ولن تستفيد منها الشعوب الأفريقية المحيطة ببحيرة تشاد والتي يقدر عددها بعشرين مليون نسمة بينما تصل بعض التقديرات بالعدد الى 30مليون نسمة.

هل من الضروري أعادةالبحيرة الى ما كانت عليه سابقاأم يكفي توفير المياه في المنطقة؟
وهناك تساؤل أيضا أطرحه وهو لم لايعاد تخطيط منطقة البحيرة لكي تكون الاستفادة منها أكبر لتلك الشعوب دون الإصرار الي عودتها الى ما كانت عليه من قبل؟
في الحالتين يجب تنفيذ مشروع سحب المياه من نهر الأوبنجي وتغذية نهر شاري بها وهذا المشروع سيستغرق وقتا يمكن خلاله تنفيذ مشروع آخر بمنطقة بحيرة تشاد كبديل لتصور أعادة البحيرة الى سابق عهدها ،على النحو التالي:
يتم تحويل المنطقة التي كانت تشغلها البحيرة والمنطقة الصحراوية التي كانت تفصلها عن منخفض جوراب في الشمال ومنخقض جوراب ذاته الى أراض زراعية تتخللها قنوات ري أفقية ورأسية من الشرق الى الغرب في اتجاه النيجر ونيجيريا حول نهر نجادوجو ومن الجنوب الى الشمال في
تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون مبطنة بالأسمنت لمنع تسرب المياه منها إلى باطن الأرض مع الأخذ في الاعتبار أن أراضي النيجر ونيجيريا تنحدر من الغرب الى الشرق في اتجاه تشاد وتنحدر أراضي الكاميرون من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى الشرق مما لايسمح بالتوغل فيها.

وفي نفس الوقت يتم حفر قناة شرق بحر الغزال وعلى امتداده تتجه شمالا نحو منخض موردي شمال شرق منخفض جوراب تجمع من شرقها مياه مجاري السيول المنحدرة من هضبة دارفور ، وستكون الأراض الزراعية المحاطة بتلك القنوات مثل الجزر ، علما بأن البحيرة الأصلية قبل أن يصيبها ما أصابها كانت مليئة بجزر صغيرة غير مستغلة متناثرة قوق سطحها.
والبديل المقترح هنا يتيح زراعة أكثر من 200 ألف كيلومتر مربع داخل تشاد وحدها أي مليوني هيكتار ،ومثل ذلك أو أكثر في الدول الثلاث الأخرى.مع توزيع تلك الأراضي المستصلحة على أسر الفلاحين بالمنطقة بمعدل هيكتارين لكل أسرة مع تخصيص مساحة كمحمية طبيعية يتم زراعتها بأجار الأكاسيا وأنواع أخرى من الأشجار الخاصة بالمنطقة، وترافق تلك القنوات طرقا برية وجسور فوقها تيسر انتقال السكان في المنطقة الى القرى والمدن وربط شبكة الطرق تلك بشبكة طرق الدولة جنوب العاصمة نجامينا. كما يمكن عمل بحيرة صناعية شمال منخفض جوراب جنوب جبال تيبستي وهضاب إنيدي بوركو وتمتد في شعاب الهضاب مثل ألأذرع أو أصابع اليد وتحول دون أي تسلل برى من الجبال يهدد أمن السكان ويتم فيها تصريف مياه الرى الزائدة من تلك القنوات وأخري في منخفض موردي شمال شرق البلاد بين هضبتي إندي وإردي. وعلى أن يتم منع استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية ، حتى تظل البحيرتان الصناعيتان نظيفتين وصالحتين لتكاثر الأسماك بهما، ويتم الاعتماد فقط في تخصيب الأرض على الأسمدة العضوية.كما يمكن أيضا ذلك من تنمية الثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام والماعز وتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية.والقنوات منها الضيقة التي يمكن أن تكون مغطاه والواسعة التي تسمح بتحرك السفن الصغيرة عليها وبالتالي النقل النهري من الشرق الى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.
كما سيتيج المشروع على هذا النحو أيضا أمكانية إقامة حسر معلق فوق منخفض البحيرة للسكك الحديدية يربط أنجامينا عاصمة تشاد بمدن شمال نيجيريا :ميداجوري وداماتوروكانو وثلاثتها تقع على خط عرض 12 درجة توحيث يوجد بها خط سكة حديد يتجه منها جنوبا إلى ميناء لوجوس على خليج غينيا.مما يسهل انتقال السلع والأفراد وينشط التجارة البينية بين بين تشاد ونيجيريا والتي تمثل سوق استهلاكية كبيرة بسبب كثافة السكان بها والذين يصل عددهم حاليا الى قرابة 120 مليون نسمة مما يجعلها أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان وتجد تشاد أيضا منفذا على البحر
لتجارتها الدولية.
وإذا اعتبرنا أن كل أسرة تتكون من أربعة أفراد في المتوسط فإن هذا يعني كفالة العيش لثمانية ملايين نسمة ، أي عدد سكان تشاد حاليا ،وأخراجهم من حد الكفاف والفقر الى حد الكفاية بينما يقل عدد سكان شمال تشاد عن مليوني نسمة بما يعني امكانية ضم سكان اليهم من شرق تشاد ومن جنوبهاوأيضا من دول الجوار.
علما بأن مساحة تشاد = 1284000كيلومتر مربع.وعدد سكانها حاليا فى حدود ثمانية ملايين نسمة وتمثل المنطقة التي سيتم زراعتها فيها وفقا لهذا المشروع حوالي سدس المساحة الكلية للبلاد وهي تكفي لتحسين أوضاع سكان الشمال وتوفير مياه الشرب لهم ولآنعامهم واحتياجات الزراعة من السقي وتعمير الشمال وتحسين ظروفه البيئية.ويتكون سكان الشمال من قبائل البولالا والكوكا والميدوغو من السكان المستقرين، و المابا والتاما بالإضافة الى التوبو ـ الدازاالتي تسكن دير جبال تيبستي وهضاب إيندي ـ بوركو في الشمال الشرقي وشرق بحر الغزال.كما يمكن أن يضاف اليهم قوى بشرية أضافية من داخل تشاد أومن نيجيريا المزدحمة بالسكان ومن النيجر التي يعاني معظم سكانها من الفاقة ومن بعض سكان شمال الكميرون أيضا على نحو ما سبق ذكره.وهو ما يسهم في زيادة إنتاج البلاد من المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية وينهض باقتصاد الدولة كلها ويعود نفعه على كافة سكانها.وقد لا تسمح التضاريس في شمال غرب نيجيريا من مد خط السكة الحديد إلى الشمال الغربي في اتجاه سوكوتو بنيجيريا ونيامى عاصمة النيجر إلا أنه يوجد طريق برى قديم العهد يمتد من كانو شمالا نحو زندر بالنيجر ومنها غربا الى مارادي ثم نيامي في النهاية.ومن نيامي يوجد طريق برى يتجه شمالا إلى الجزائر عبر مالي.
وكان البنك الدولي قد وقع اتفاقاً يلزم حكومة تشاد بانفاق 85% من عوائد وأرباح البترول على مشروعات من شأنها تخفيف حدة الفقر في مجالات البنية الأساسية والتعليم والصحة، و5% لتنمية المناطق المحيطة بحقول إنتاج البترول، و10% تودع في صندوق خاص من أجل الأجيال القادمة. ويوفر هذا الاتفاق 80 مليون دولار سنويا لخزانة الدولة في تشاد على مدار الـ 25 سنة القادمة، تمثل حصتها من دخل البتيول والتي تعادل 50 في المائة منه.و مع وصول أول مبلغ من عوائد البترول ليد الحكومة في تشاد تم توجيهه لشراء أسلحة بمبلغ 4.5 ملايين دولار، اتخذ البنك الدولي قرارا بتجميد القروض المقدمة لحكومة تشاد، وأيضا تجميد نصيبها من عوائد البترول لدى الشركات المنتجة، وانتهت المحادثات إلى تخصيص ما يعادل 70% على التنمية، وتفويض الحكومة في تشاد في ضم 30% إلى الميزانية الحكومية. وهو ما يمكن أنه يمكن للحكومة تخصيص جزء من الأموال المخصصة للتنمية لهذا المشروع بالاضافة الى مصادر تمويل أخرى يمكن تأمينها.
فوزي منصور

Tuesday, May 11, 2010

عنصران متناقضان بينهما برزخ ﻻيبغيان

الشائع أنه عندما تنسلخ الروح من البدن تنتقل إلى عالم البرزخ ،والبرزخ في العربية هو الحاجز بين الشيئين، و المانع من اختلاطهما و امتزاجهما . ولم يقل لنا أحد ما هو؟. ولكن البرزخ ليس من الدنيا وليس من اﻵخرة ، وﻻهو وسط بينهما يتكون من مزيج منهما. ولذا يمكن القول بأنه منظقة محايدة تشكل مع ثنائي الدنيا واﻵخرة ثالوثا كل ركن من أركانه ﻻيماثل اﻵخر في شئ.ووظيفة هذا الركن الثالث الظاهرةهي الفصل بين نقيضين.وهو هنا حاجز بين الدنيا والآخرة، قال تعالى :" ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ".وإذا تعقبنا كل الثنائيات المتناقضة مثل النوروالظلام والتوحيد والشرك والخيروالشر والتقوى والفجور والعدل والظلم واﻷمانة والخيانة، والصدق والكذب...الخ، وجدنا بين كل منها برزخ يعد وجوده بمثابةشرط لوجودهما معا. بحيث أذا ما اختفي البرزخ اختفي واحد منهما أو اختقيا معا.ولكن مع اختفاء الثنائيات أو الثلاثيات يتولد عن اختفائها جديد ، مختلف عن هذا وذاك ، ولو أنه يحمل بعضا منهما . ومثال ذلكالذكر واﻷنثي ان اتحدا فإنهما ينجبان مولودا فيه بعض من الذكر وبعض من اﻷنثي ولكنه ليس طبق اﻷصل ﻷي منهما.
وفيمثال برزخ الموتي فإنه في اليوم اﻷخر تنتهي الحياة البرزخية بعد أ، انتهت الدنيا من قبل ،وﻻيعد هناك سوى العالم اﻷخر وحده.
وﻻيمنع البرزخ من أن يلتقي النقيضان ولكنه يحول دون أن يطغى أحدهما على اﻵخر فيفقده ما يميزه عنه وفي ذلك يقول تعالي: " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { 19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ { 20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . [الرحمن: 21].وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ... [الفرقان: 53].
وفي المثال اﻷخير سنجد أن البجرين يلتقيان وﻻيفترقان وواحد منهما ملح أجاج واﻵخر الذي هو النهر يصب فيه ماء عذب فرات ،وفي اللقاء بينهما يحيط مياه النهر المتدفقة نحو البحر برزخ يمنع اختلاطهما على نحو يفقد أي منهما خصائصه وما يتميز به فيظل ماء البحر مالحا وماء النهر عذبا.وماء النهر ﻻسبيل اليه سوى أعماق النهر وماء البحر في أمس الحاجة الي ماء النهر ﻷنه هو الذي سيقلل من ملوحته في النهاية ويؤمن بالتالي بيئة لﻷحياء البحرية لكي تستطيع مواصلة العيش سواء كانت نباتات أو أسماك وحيوانات بحرية.النقيضان هنا ﻻزمان لحياة الكائنات الحية في البحر وعلى اليابسة وﻻغني عن وحودهما معا.وهما يتدافعان تدافعا تسميه الماركسية صراع اﻻضداد وتعزي اليه حركة المادة في المجتمع وبالتالي لتطور الحياة اﻻجتماعية ولو أنها تركز على التناقض بين القوي المنتجة والعلاقات الإنتاجية ( علاقات الإنتاج) الذي يتجلي في المجتمع الطبقي في صورة تناقضات وصراعات طبقية .وماتقول به الماركسية ينطبق على كل الثنائيات التي تجمع بين متناقضين يتفاعلان معا عندما يلتقيان ولو كان بينهما في البدية برزخ حتي ﻻيبغيان وينتج عن تفاعلهما ثالث فيه من كل منهما ولكنه مغاير لهما وبذلك يتحقق التقدم. هذا الذى تسميه الماركسية صراعا يعبر عنه اﻹسلام بالتدافع والذي يمكن أن يكون عنيفا أحيانا إن تطلب اﻷمر ذلك ولكنه في الغالب يجنح الى السلم طالما كان السلم ميسرا ويعد له اﻷفضلية عما عداه.
وفي هذا التدافع يقول الله عز وجل:: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 ).ويقول أيضا: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41).ويمكن أن يكون التدافع سلميا حتي لو تم فيه التلويح بالعنف في مثل قوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )(لأنفال: من الآية60). فامتلاك مصادر القوى المادية هنا الهدف منه أثارة الرهبة في الطرف اﻵخر حتي ﻻيغريه الضعف بالعدوان . أي أنه بمثابة برزخ يحول دون البغي ويتيح فرص أفضل للتفاعل السلمي من أجل صالح الطرفين. وعندما يقول المولي : وأعدوا لهم ما استطعتم من فوة فإن تلك الفوة يمكن تحصيلها باقتصاد فوى وامتلاك العلم والمعرفة ، وهو ما يعرف بالقوة المعنوية والتي قد يكون لها مفعول قوي يجعل صاحباها مرهوب الجانب حتي ولو لم يكدس أسلحة مدمرة ويتبجح بها. فالباطل - كما يقول سيد قطب رحمه الله - "متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول ، ولا يكفي الحق أنه الحق ليوقف عدوان الباطل عليه ؛ بل لا بد من قوة تحميه وتدفع عنه ؛ وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان " . والحضارات في التاريخ كانت تتدافع أكثر منها تتصارع وعندما كان يتحول تدافها الي صراعات مسلحة كانت تلك الصراعات الدموية بداية ﻻنيهيار العديد منها لما تستهلكه من مواردها المادية والبشرية وما تلحقه بها من دمار.ومن أبرز خصائص الحضارات خاصية اﻻنتشار وهو ﻻيتحقق لها بغير التفاعل البناء مع محيطها الجغرافي.

والتدافع كما يقوم بين الخير والشر أو بين أمة وأمة تتعارض مصالحهما ، يمكن أيضا أن يحدث بين شعب والهيئة الحاكمة له عندما تتعارض مصالحهما معا. ولكن هذا التدافع اﻷخير ﻻ يمكن أن يحدث مالم يكن الشعب كتلة واحدة تختفي فيها الذات الفردية والتمحور حولها وتحل محلها الذات الجماعية . وممن ناقش ذلك أستاذ الفلسفة وعلم اﻻحتماع اﻷلماني : يورغن همبارس . والذي يرى أنه ﻻسبيل لتجاوز هذا التناقض بغير تطهير النفس من شوائبها ونرجسيتها ومختلف امراضها. عن طريق النقد الذاتي والحوار البناء الذي يؤسس لمعرفة صحيحة للنفس والعالم وباستعمال الكلمة الطيبة وليس التنابز باﻷلقاب أو برفع الشعارات وشرذمة المجتمع عوض توحيده حول مصالحه الحيوية. ويكون هدف الحوار ليس ما نمتلكه أنا وانت من حجج وبراهين بل ما نتفق عليه سويا .أي التوصل الى كلمة سواء تجمع وﻻتفرق وتحشد الجهود وﻻتشتتها أو تفتتها. فيكون ما يتم التوصل اليه بمثابة: جذر معرفي جديد،يكون "حقيقة مشتركه"تطبعها ما يسميه بالعقلانية التواصلية و تعتبر الطريق السوي للتوصل الي عقد اجتماعي جديد.

وللفيلسوف وعالم البولوجيا الفرنسي المعاصر أدغار موران إسهامات فكرية لها أهميتهاأيضا في محاولته إعادة قراءة الحضارة الغربية من منظور أنساني وعندما يدعو لدراسة الواقع دراسة علمية متحررة من أسر اﻷيديولوجيات وهوى النفس والمصالح الضيقة واﻷفرازات الناتجة عن السياقات التاريخية التي سارت فيها المجتمعات دون انتباه لفساد تلك اﻹفرازات وأنها سبب اﻷزمات والحروب والمصائب وتلوث البيئة التي تحيق بهاأو تعرضت لها.وبما في ذلك التقدم التقني المنفصم . من كل مرجعية أخلاقية دينية أو انسانية .
... . فهو يدعو الى ادراك ما هو ثقافي في الطبيعي لابراز نقاط الوصل بينها والافكار الناظمة لها جميعا وأن أنسنة الفكر تتطلب تأصيله وأعادته الى أصوله اﻹنسانية والتي سنجد منها لدينا منظومةفكرية مركبة تتكون من «فكر عقلاني تقني وعملي، وفكر سحري وأسطوري ورمزي»، في كل المجتمعات المتحضرة أو البدائية منها.أي أنها جمعت بين تناقضين إستطاعا العايش معا يتمثلان فيما هو عقﻻني وماهو أسطوري أو غيبي ومن الخطأ تفكيك هذه التركيبة.ومن آرائه:« الواقع البسيط يتطلّب فكرا بسيطا، وتعقّد الظواهر يتطلّب فكرا معقّدا. هناك اكتشافات علمية ترتكز بالتأكيد على افتراض الوحدة والبساطة. غير أنّه، كي نفهم الظواهر البيئية والبيولوجية وديناميات التاريخ، لا أمل لنا في العثور على قوانين بسيطة. فالتعقيد هو وحدة البسيط والمعقّد».ولذا فإن الواقع عنما يكون شديد التعقيد يتطلب حلولا شديدة التعقيد ، وتعقيد الحلول هنا ﻻيجب أن يكون مبعثا لليأس أو لقصور الجهد من أجل تغيير الواقع وأنما يجب أن يزيد الجهد والحزم للعمل من أجل التغيير والتوصل اليه.ولذا كان عنوان أحدى محاضرات موران هو : " التحوّل أو السقوط في الهاوية". فاذا كانت الحلول المتاحة شديدة التعقيد وهي بالتالي سيئة فإن البديل عنها هو مواجهة اﻷسوء.وتحدث في محاضرته تلك عام 2008 فقال: تأتي مخاطر الفوضى عندما تغذّي الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعضها البعض في دورات هدّامة.وهو يقصد هنا اﻷزمة المالية اﻷخيرة التي ضربت الوﻻيات المتحدة وامتدت آثارها الي أوروبا ومناطق كثيرة في العالم والتي يجب النظر اليها على أنها ليست أزمة مالية فقط وأنما أزمة مركبة معقدة تعبر عن واقع معقد يحتاج الي تغيير للتخلص من تلك الدورات الهدامة. ثم أضاف في خاتمة محاضرته: " في بعض الأحيان تبرز داخل الفترات الحالكة بذور الأمل. أن نتدرب على التفكير بهذه الطريقة، تلك هي روح منهج التعقيد.
فوزي منصور

Monday, May 3, 2010

مقولة: اﻹسلام دين وسياسة..هل هي صحيحة؟

عبارة : اﻹسلام دين وسياسة ، مقولة أديولوجية روجتها خلال العقود اﻷخيرة بعض الجماعات الدينية المسلمة لتبرير اشتغالها بالسياسة .وقالت أخرى: اﻹسلام دين ودولة . وﻷنه ﻻ يوجد نموذج لهذه الدولة في التاريخ فقد تبنت بعضها ما أسمته : إحياء دولة الخلافة الراشدة ومنها من قال باتباع المنهج النبوي استنادا الى حكم النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة والخلفاءالراشدين اﻷربعة أيضا.
سأحاول هنا مناقشة تلك المقوﻻت .
أوﻻمقولةاﻹسلام دين وسياسة أو دين ودولة:
وهي مقولة تخرج الدين من وحدانيته واكتماله بذاته ألى ثنائية ليست منه أو فيه. والمقولة أيضا تقسم اﻷسلام الي ماهو دين وما هو سياسة. بينما نجد الله سبحانةوتعالى يقول في كتابه الكريم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم دينكم ورضيت لكم اﻹسلام دينا. فاﻹسلام في هذه اﻵية له دﻻلة واحدةوهي الدين وﻻيحتمل معها أية دﻻلة أخرى تدل عليه.
فماهو الدين؟وما هو السياسة وما الفرق بينهما.؟
.الدين هو منهاج حياة يشتمل على أحكام وقيم ومبادىء لكي يهتدي بها الناس في عبادتهم لله ، هذه العبادة التي خلق الله اﻹنس والجن لها. وعبادة اﻹنس في هذا المنهج تشتمل على كل حركاتهم وسكناتهم قى الحياة الدنيا. فسعي المسلم للبحث عن الرزق عباده ، وعونه للمحتاجين عبادة ، وتربيته أوﻻده تربية حسنة عباده ، وأمره بالمعروف ونهية عن المنكر عبادة ، ومعاشرته زوجه بالحسني وبالمودة والرحمة عبادة ، وإزالته حجر عن الطريق حتي ﻻيعثر به أنسان أو دابة عبادة. وتأمله في خلق الله ودكره له قائما وقاعدا وساجدا عبادة..الخ وهذه العبادات كلها ﻻيمكن حصرها ولكن ما يميزها أنها تختلف في الكم والكيف من إنسان وآخر حسب طاقته حيث ﻻيكلف الله نفسا اﻹ وسعها واﻻنسان المسلم له مطلق الحرية فيها مالم يتعد حدود الله الواردة في كتابه وسنة رسوله الشارحة للكتاب الكريم أو المقصلة لما أجمل فيه بإرشاد الوحي حيث الرسول ﻻ ينطق عن الهوى وأنما هو وحي يوحي. وهناك عبادات مفروضه عرفت بأركان اﻹسلام مثل الصلاة خمس مرات في اليوم وإيتاء الزكاة المحددة قيمتها ومصارفها ،وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا.ومن زاد في هذه العبادات المفروضة تطوعا فهو خير له.
وأحكام الدين تضع ضوابط لكل تصرفات الناس تلك والتي اعتبرت ضمن عباداتهم ، سواء كانت تصرفات متعلقة باجتماعهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم ، أي ما يمكن اعتباره يتعلق بعلم اﻻجتماع وعلم السياسة وعلم اﻻقتصاد.فما وافق تلك الضوابط كان من ضمن العبادات وما خالفها أو تعداها الي غيرها صار خارج نطاق العبادة ومن الذنوب واﻵثام . ويوم القيامه يحاسب اﻹنسان وفق ذلك فمن ثقلت موازينه مما آتاه في دنياه من عبادات هي من أعمال الخير واﻹحسان فهو في جنة عالية ومن خقت موازينه من كثرة آثامه وقلة عباداته فأمه هاوية، نار حامية ، يلقي فيها جزاء ماقدمت يداه من سوء.
فيما يتعلق بالسياسة نجد في كتاب الله ثلاثة ضوابط أساسية هي : الشوري والعدل واﻹحسان. وهناك أمور مرتبطة بها مثل عدم مواﻻة أعداء الله واحترام العهود والمعاهدات وعدم النكث بها وما الي ذلك. أما كيف تمارس تلك السياسة وفق تلك الضوابط اﻹلهية الحاكمة لها فذلك يرتبط بالزمان والمكان وظروفهما وإكراهاتهماوﻻيتدخل الدين فيها. فالسياسةتتفق مع متطلبات الدين إن احترمت تلك الضوابط التي هي في حد ذاتها حدود الله ومخالفة للدين إن تعدت حدود الله.وضوابط السياسة شأن الضوابط اﻻجتماعية واﻻقتصادية الواردة في كتاب الله ، وﻻ تتميز عنها في شىء.ويمكن القول فيها بأنها من أمور الدنيا وضوابطها من أمور الدين.
فساد مقولة : اﻹسلام دين وسياسة هو في تداعاتها الضارة بالدين وبالسياسة معا.ضارة بالدين ﻷنه رسخ في وعي الكثيرين ممن يقولون بها بأن الدين يقتصر على العبادات المفروضة وما أحله وما حرمه فقط وأن مازاد عن ذلك يدخل في عداد مكارم الأخلاق ،وبالتالي تجاهلوا باقي العبادات والتي هي من جوهر الدين ، وراح أعداء الدين ومن يريدون ابقاء أمة المسلمين في تخلفها يكرسون هدا المنحي الخاطئ.ووجدوا في تراث المسلمين ما يعزز مثل هذا المعني مثل القول بأنه ﻻ يجوز الخروج على الحاكم ما ترك المسلمين يمارسون شعائر دينهم بحرية ، أي يصلون في المساجد والمنازل ويصومون الشهر ويحجون الي بيت الله من استطاع اليه سبيلا.وخاصة أن القائلين بذلك يتخذهم السلفيون أئمة لهم ، ويحيطون أقوالهم بقدر من القداسة دون اﻷخذ في اﻻعتبار الظروف التاريخية التي اضطرتهم الي القول بذلك اتقاء الفتن في المجتمع المسلم الذي كان يتربص به أعداء خارجيون له ولدينه.
الضرر الثاني هو حصر تفكير المسلمين السياسي في حكم النبي والخلفاء الراشدين دون اﻷخذ في الاعتبار أيضا الظروف التاريخية لهذا الحكم واختلاف الزمان ، وإذا كان النبي والخلفاء الراشدون قد حرصوا على العدل واﻹحسان فإن تطبيق الشوري تم في أضيق الحدود والتي لم تكن تسمح الظروف بأكثر منها. وهو ما دعا فقهاء الي القول بأن الشورى تنحصر في أهل الحل والعقد ، وكان أن قامت بعض اﻷنظمة العلمانية حتي النخاع والتي ﻻ تقيم ﻷحكام الدين وأوامره ونواهيه وزنا تؤلف مجالس وتطلق عليها اسم : مجلس الشورى تجمع فيه من تعتبرهم من أهل الحل والعقد من أتباعهاوالطائعين لها أكثر من طاعتهم لخالقهم.
هل يجوز القياس على حكم النبي وحكم الخلقاء الراشدين؟..
إذا أخذنا في اﻻعتبار الظروف التاريخية لهذا الحكم لو جدنا أنه حكم صاعته الظروف التي أحاطت به ولم تسمح له بأن يكون نظاما سياسيا يتم من خلاله أدارة شؤون الدولة المترامية اﻷطراف في زمن لم تكن فيه وسائل مواصلات واتصاﻻت سوى قوافل التجارة أو الحج.
بدايةبحكم النبي ، فصفة النبوة ﻻيمكن الفصل بينها وبين ذلك الحكم ، ومن أراده فليأت بحاكم نبي ينزل عليه الوحي ليرشده إذا واجه أزمة أو مأزق ﻻيجد منهما مخرجا، وهذا مستحيل ﻷن نبينا هو آخر اﻷنبياء والرسل. ورغم نبوته ونزول الوحي عليه فإن الله قال له: وشاورهم في اﻷمر. واﻷمر هنا هو ما يتعلق بالسياسة وليس بأحكام الدين التي ينفرد بتقريرها الله سبحانه وتعالى وﻻيشرك فيها أحدا من خلقه.المشورة هنا في أمور الناس أو الدنيا الخاضعة للضوابط واﻷحكام الواردة في كتاب الله.واﻷمر فيها للناس ﻷنهم اﻷدرى بمصالحهم.
وهنا أيضا علينا أن نأخد في اﻻعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل هو وأنصاره منذ هاجر للمدينة بالغزوات لنشر الدين في شبه الجزيرة العربية ابتداء من غزوة بدر وانتهاء بغزوات الفتح وحنين ومؤته وأنه بعد انتهاء تلك الغزوات بشهور انتقل الى الرفيق اﻷعلى وكان وقتها يجهز عزوة بقيادة أسامة بن زيد وافته المنية قبل أنفادها فأنفذها من بعده أبوبكر وكانت بداية المعرك مع الروم والفرس التي تمت في عهد عمر.لم يكن حكم النبي في المدينة يختلف عن حكم شيخ القبيلة الذي يتم الرجوع اليه في كل أمر ، ولم تكن الظروف تسمح بأكثر من ذلك ، وبالتالي ﻻيمكن أدارة دولة حديثة في زماننا به. والتي يكفي فيها لكي تتطابق سياستها مع اﻹسلام أن يتحقق فيها الشورىأي ﻻينفرد بتدبير أمورها فرد أو جماعة من الناس دونا عن باقي المسلمين وأن يعبر هذا الحكم عن العدل واﻻحسان وﻻيحل محرما أو يحرم ماأحله الله لعباده ، وأﻻ يكون المال فيها دولة في يد قلة بينما تعاني الكثرة من الحرمان. وكلها ضوابط ورد ذكرها في كتاب الله.أي أن المطلوب هو تديين السياسة بحيث تتفق مع الضوابط الدينية.
بالنسبة للخلقاء الراشدين سنجد أن الخليفة اﻷول انشغل طوال حكمة بحرب الردة وماإن انتهت قتل.والثاني انشغل طوال حكمه بالفتوحات وماإن تحقق النصر فيها حتي قتل. والثالث والذي يحكد له جمعه القرآن في المصحف المتداول بيننا حاليا تفرغ للعبادة وقراءة القرآن وترك الحكم وخاتمه ﻷحد أقاربه من بني أمية فأفسد فيه مما تسبب في مقتل الخليفة .والرابع ما إن بويع حتي واجه فتنة كبرى وكانت واقعة الجمل ثم صفين ثم الخوارج وبعدها قتل ومازالت الفتنة لم ينقشع غبارها.لم يكن أي منهم بقادر على وضع نظام حكم سياسي وﻻترك تراث أو مقررات سياسية نظرية أو عملية حتي يتخذ حكمة قدوة ولم تتعرض الدولة لتنظيم أو يعتبر أن للمسلمين دولة إﻻ على يد خلفاء بني أميةوبني العباس الذين استفادوا من تراث فارس والروم السياسي.
هذه الحقائق التاريخية يتجاهلها القائلون بإحياء الخلاقة الراشدة وبأن اﻹسلام دين وسياسة وفي زمن صارت السياسة علما ﻻأدني علاقة له بالفقه مثل علوم البيولوجيا والفلك واﻻجتماع والنفس والتربية والكيمياء والفيزياء وغيرها . وكل ماهو مطلوب في ما يأخذه المسلمون منها أن تكون منضبطة ﻷحكام وضوابط وحدود القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وﻻتحل ما حرمه الله وﻻتقضي بما يتعارض مع ما حكم به الله ورسوله وما أتانا به رسول الله من لدن ربه.وما لم يتعارض فيها مع تلك اﻷحكام يعد متمتع بالمشروعية الدينية الكاملة.
فوزي منصور