Thursday, December 25, 2008

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى الجزء السادس

الركن الثـــاني : الاستخلاف :
تتمثل الخلاقة في إنتاج الخيرات وتعمير الأرض وهو ما يدخلها في علم الاقتصاد، سواء ما يتعلق فيه بالتنمية الاقتصادية أو بالمال ، بينما تمثل الولاية في إدارة الدولة للآقتصاد وتزويده بالقوانين المنظمة له والخدمات التي تيسره والسياسات المحققـة له أو المحفزة عليه. والسياسة ليست سوى أدارة الاقتصاد وحمايته أو بصيغة أخرى تدبير معاش الناس ، ولذا قإنه في الدول المتقدمة الواعية تكون سياستها كلها في خدمة أهدافها الاقتصادية ، أما في الدول المتخلقة فهي تعمل العكس، أي تسخر اقتصادها في خدمة سياستها الداخلية والخارجية ، مما يفسد اقتصادها ويدمره وينتج الفقر والتخلف .

وتستمد الخلافة مفهومها الإسلامي من فوله تعالى :”واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة. قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : اني أعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الاسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين.قالوا : سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قال يا آدم انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون” (البقرة: 30 – 33.)

وا لخليفة لغة : من خلف من كان قبله وقام مقامه ،وقيل سمي أدم خليفة لانه خلف مخلوقات اللّه سبحانه في الارض ,وهذه المخلوقات هم آداميون : أفسدوا في الارض وسفكوا فيها الدماء كانوا قبل آدم ا.وقيل :انه سمي خليفة لانه وابناءه يخلف بعضهم بعضاً فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها البعض الآخر. وقد نسب هذا الرأي الى الحسن البصري.
ويتفق الرأي بوجود آداميين قبل آدم عليه السلام مع ما يقول به علماء الأجناس من وجود البشر على سطح الأرض منذ مئات الآلاف من السنين ،ولكن ما يعرف بالإنسان العاقل لم يظهر إلا قبل حوالي عشرة آلاف عام أو أكثر قليلا في منظقة ما شرق البحر المتوسط. ولذا يرجح أن يكون أول إنسان من هذا النوع العاقل هو آدم عليه السلام وزوجته حواء .ويكون آدم وسلالته قد تزاوجا أيضا مع نساء البشر حتي ملأت سلالتهم الأرض ، وخلفوا فيها البشر السابقين عليهم. وبذلك يكون بدأ هذا الاستخلاف من حين أن أهبط الله آدم عليه السلام وزوجته حواء إلى الأرض بعد معصيتهما، كما قال تعالى " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " (البقرة:36) فالخطاب في الآية " اهبطوا " لآدم عليه السلام وحواء , ولإبليس عليه لعنة الله , ولهذا قال بعدها " بعضكم لبعض عدو " أي الشيطان عدو لآدم وحواء.

وفـسر علماء الدين المسلمون الآيات من 30-33 من سورة البقرة سالفة الذكربأنها تكليف الإنسـان بإعمار الأرض ، أو تنظيم استغلال الموارد الطبيعية والاستفادة منها وتوزيعها بالعدل بين المنتجين. أو بلغة السياسة : السياسة المالية والاقتصادية ، أوبلغة الاجتماع والجعرافيا الاقتصادية : الأنشطة الاقتصـادية للسكان. وهذه التفسيرات الشائعة للخلافة لا تمثل الدلالة الدقيقة والكاملة للمصطلح ، وإنما هي توضح فقط بعض ما يترتب على ممارسة الخلافة. دليل ذلك هو أنني إذا ما استخلفت أحدا على ممتلكاتي فإن هذا يعني أن ما استخلفته عليه قائم وتام قبل استخلافه ، وأن دوره لا يتعدى الحراسة والصيانة لكي تظل الممتلكات على الحالة التي تسلمها مني. وفي مواجهة جهوده في الحراسة والصيانة يستحق بموجب عقد الاستخلاف أن يتقاضي أجراأعطيه له من عائدات الملك الذي استخلفته عليه . أو من هذا الملك وغيره مما أملك . ولذا قد يكون المعني الأمثل للخلافة الذي أقترحه هو : “قيام الإنسان بحراسة وصيانة وتنمية ما إئتمنه عليه الرب من ممتلكاته مقابل أجر “ . وقد حدد الله له أجرا منه ما هو عاجل يتمثل في :أن يأكل الإنسان من خيرات الأرض بالمعروف ، وآخر مؤجل يتمثل في :أن يثيب الله الإنسان المؤمن على ما يبذله من جهد صالح في الدنيا ،يكون فيه محسنا في الآخرة.
الاستخلاف في الفرآن الكريم:
وقد ورد لفظ استخلف بصيغة الماضي والمضارع في القرآن الكريم في أربعة مواضع هي:
الآية الأولى : قال تعالى: " وربك الغني ذو الرحمة , إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء , كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين "(الأنعام:133)
فالله غني عن عباده , وهو مع ذلك رحيم بهم ,وقوله " إن يشأ يذهبكم " أي إذا خالفتم أمره " ويستخلف من بعدكم ما يشاء " أي يأت بخلق غيركم وأمم سواكم يخلفونكم في الأرض " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " أي كما أوجدكم بعد خلق آخرين سابقين عليكم , وفي هذا التشبيه بيان قدرة الله عزَّ وجلَّ فالذي أنشأكم من ذرية من كان قبلكم قادر على أن يهلككم ويأت بقوم غيركم يعبدونه ولا يشركون به شيئاً , كما قال سبحانه في آيات أخرى " إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا "(النساء:133) وقال " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " (محمد:38)
وفي قوله تعالى:" فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ "(هود:57).
تفسير الآية:
هذا الخطاب من نبي الله هود عليه السلام إلى قومه يحذرهم فيه قائلاً : إنكم إن أعرضتم عما جئتكم به من عبادة الله وحده فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي رسالة ربي لكم." ويستخلف ربي قوماً غيركم " أي يبدلكم بقوم يعبدونه وحده ولا يشركون به شيئا." ولا تضرونه شيئاً " أي لا تقدرون له على ضرٍ إذا أراد هلاككم أو أهلككم.

وفي : قوله تعالى: " قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " (الأعراف:129)
هذا الخطاب من نبي الله موسى عليه السلام لقومه بني إسرائيل حيث أوصاهم بالاستعانة بالله والصبر على ما أصابهم من فرعون وقومه , فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده , والعاقبة لمن اتقاه واتبع أمره , وبعد أن اشتكى بنوا إسرائيل أمرهم لموسى من أن فرعون قد آذاهم قبل مجيئه وبعده قال لهم على وجه الترجي " عسى ربكم أن يهلك عدوكم " وهو ما حصل حيث أغرق الله فرعون وجنده ." ويستخلفكم في الأرض " أي يجعلكم تخلفونهم في سكنى الأرض من بعد هلاكهم لا تخافون أحداً من الناس. " فينظر كيف تعملون " أي فيرى ربكم ماذا تعملون بعدهم من استجابتكم لأمره ومسارعتكم بطاعته, .
.
الآية الرابعة : قوله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " (النور:55)
هذا وعد من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض والولاة عليها , وقد تحقق هذا الوعد بفضل الله تعالى وكرمه حيث دانت الجزيرة العربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته , ثم لم يمض القرن الأول الهجري إلا وقد مدَّ الله سلطان المسلمين من الصين شرقاً إلى الأطلسي غرباً.
وفي قوله تعالى " ليستخلفنهم في الأرض " أي ليورثنهم أرض الكفار فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها , . وقوله " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " أي أنكم سوف تستقرون في الأرض , وتنتفعون بما أعطاكم الله وسخر لكم من النعم التي عليها , ولكن هذا ليس على وجه الدوام والخلود بل " إلى حين " أي إلى قيام الساعة حيث ينتهي هذا الاستخلاف.

وورد في كتاب الله لفظ مُستخـلَـف وهو اسم مفعول لخلف في آية واحدة هي قوله تعالى " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مُستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير " (الحديد:7).
و الاستخلاف هنا في الأموال وقوله " مُستخلفين فيه " أي ورثتموه عمن كان قبلكم , فالله جلَّ وعلا جعلكم مستخلفين فيه بعدهم ، وفسرت تلك الآية أيضا بأن الأموال ليست ملكاً لللناس وإنما هي ملك لله عزَّ وجلَّ وهم مستخلفين فيها نيابة عنه سببحانه وتعالي لانقافة فيما يرضي عنه.

كما ورد في القرآن أيضا لفظ خلائف : وهي جمع خليفة في أربعة مواضع هي :في قوله تعالى :" وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم " (الأنعام:165). والخلائف هي الأمم التي يخلف بعضها بعضاً . فجيلُ ينقضي فيأتي جيل آخر من بعده وهكذا دواليك حتي تقوم الساعة.
وفي قوله تعالى :" ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين * ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون " ( يونس:13-14) وفسرها الطبري بأن الخطاب فيها موجهٌ للمشركين بأن الله جلَّ وعلا قد أهلك القرون السابقة لما ظلمت ولم تستجب لرسله ، وأن هذا هو جزاء أمثالكم من الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم, فالله جلَّ وعلا يخوف كفار مكة بعذاب الأمم السابقة المكذبة .وقوله " ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم " أي جعلناكم أيها الناس خلائف من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم, تخلفونهم في الأرض وتكونون فيها بعدهم
ونفس الشي ء بالنسبة للآية الكريمة :" وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره , ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً " (فاطر:39).والخطاب فيها موجه للناس كافة بأن الله سبحانه وتعالىجعلهم " خلائف في الأرض " أي خلائف من بعد اأمم سابقة عليهم هلكت .وقيل: أي يخلف بعضكم بعضاً، فكل جيل يهلك يخلفه الجيل الذي بعده.
وأيضا في قوله تعالى :" فكذبوه فأنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين " (يونس:73)
فبعد أن دعى نوح عليه السلام قومه ولم يستجيبوا له بل كذبوه أنجاه الله ومن ركب معه في الفلك وجعلهم " خلائف " أي خلائف في الأرض حيث خلف بهم من كان قبلهم في الأرض وجعلهم أجيالاً يخلف بعضهم بعضاً .
.وجاء لفط " خلفاء " في ثلاية آيات:
هي :في قوله تعالى :" أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون " (النمل:62) .
وقوله تعالى :" أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون " (الأعراف:69)
وا الخطاب هنا على لسان نبي الله هود عليه السلام إلى قومه يذكرهم فيه بأن الله امتن عليهم بأن جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح في تعمير الأرض
وجاء أيضا في قوله تعالى :" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً "(الأعراف:74) فقوله " خلفاء من بعد عاد " أي خلفتموهم في سكنى الأرض من بعد هلاكهم..

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله عن استخلاف الله للإنسان في الأرض : “ هي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود زمام هذه الأرض وتطلق قيها يده . وتكل إليه مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين والتحليل والتركيب والتحوير والتبديل ، وكشف ما قي هذه الأرض من قوى وطاقات وكنوز وخامات . وتسخير هذا كله ، بإذن الله في المهمة الضخمة التي وكلها إليه ...”

وتكريم الله بني آدم إنما هو بالعقل والعلم واعتدال الخلقة وتسخير ما في الأرض لهم , فإن كفر وأشرك بالله فإنه من شر الخليقة كما قال تعالى عن الكفار " أولئك هم شر البرية " (البينة:6) والحقيقة أن الاستخلاف , عامٌ أو خاصٌ , إنما هو فتنة وابتلاء للإنسان, وتكليف لا تشريف , تحمل الأمانة بعد أن ناءت بحملها الأرض والجبال , " وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً "(الأحزاب:72)
ويتضمن الاستخلاف أربعة أركان:
1- المستخلِف: وهو الله عزَّ وجلَّ سواءً في الاستخلاف العام أي للأمة أو الخاص للآقراد والأسر.
2- المستخلَف: وهو الإنسان سواءً في الاستخلاف العام أو الخاص.
3- المستخلَف فيه: وهو الأرض في الاستخلاف العام , والأرض والمال الخاصَّين في الاستخلاف الخاص.
4- المستخلَف عنه: وهو كل من كان قبل المستخلَف من الأمم والأفراد السابقين في ملكية الأرض والمال.

ويؤول الأستاذ اليمني عبده محمد الجندي الحوار الذي كان بين الله وملائكته حول استخلاف أدم في الأرض تأويلا سياسيا لم يعدم فيه الحق فيقول: "ولما كان الانسان اكثر قدرة على التعامل مع الحرية ومع العلم والعمل والانتاج والابداع من الملائكة الذين خلقوا لعبادة خالقهم الاعظم، فقد كان حوار الله مع الملائكة عن عملية الاستخلاف اول لحظة معارضة قضت ارادة الله ان تكون هي المقدمة الاولى للديمقراطية وفي هذا الاطار لا بد ان نعلم بان الديمقراطية ليست القبول بما نحب وعدم القبول بما نكره بقدر ما هي جامعة لما نحب ولما نكره على حد سواء وما تفرضه علينا تجاه الاخر تفرضه على الاخر تجاهنا وهكذا دواليك. حيث قال سبحانه وتعالى مخاطباً الملائكة “واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ,,,”
“ لقد اراد الله من استطلاعه لآراء الملائكة الذي كان على علم مسبق بها في مكنونات عقولهم وقلوبهم، ان يبين لآدم وبنيه ان المعارضة هي الصدق مع النفس ومع الآخر ومع الله وان المعارضة هي الاختلاف والاتفاق في نطاق الوحدة هدفها الدفع قدماً بالحياة الدنيا من السكون الى الحركة ومن الجهل الى العلم ومن التخلف الى التقدم ومن الحاجة الى الكفاية ومن الاستبداد الى الديمقراطية ومن الاستغلال والظلم الى التكامل والعدالة. اساسها الاعتراف بالآخر وانتهاج السياسة الحوارية اسلوباً وحيداً لتحقيق الرقي والتقدم في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعسكرية الموجبة لوحدة الأضداد وصراعها المستمر من اجل البقاء في نطاق التوحيد وما يترتب عليه من العبادات الايمانية.
الملائكة الذين دلت معارضتهم على شعور بالكمال العلمي مقابل الانتقاص من القدرات العلمية والعملية للإنسان ممثلاً بآدم وزوجه حواء في التعامل مع الحاجة والكفاية على الارض أو في التعامل مع التعددية والتداول السلمي للمعارضة والحكم باعتبارهم اصحاب المصلحة الحقيقية في السلطة والثروة والقوة الملازمة لعملية الاستخلاف على الارض.
لم تكن مكاشفتهم بما يتفوق به آدم عليهم من طاقات معرفية تؤهله للاستخلاف وليدة رغبة في احراجهم واشعارهم بما هم عليه من الجهل وما هو عليه من العقل والعلم والارادة الحرة."
و قد اشار الشيخ محمد عبده الى ما يقترب من بعض هذه المعاني ، وذكر أن اللّه سبحانه وتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من اسراره في خلقه.وأنه سبحانه وتعالى لطيف بعباده رحيم بهم يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم على سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجة بعد ان يرشدهم الى واجبهم من الخضوع والتسليم : (اني اعلم ما لا تعلمون وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة....)

وفي شأن هذه الآية يقول الشيخ محمد عبده:"إن الاسم قد يطلق اطلاقاً صحيحاً على صورة المعلوم الذهنية (اي ما به يعلم الشيء عند العالم) فاسم الله مثلاً هو ما به عرفناه في اذهاننا لا نفس اللفظ بحيث يقال : اننا نؤمن بوجوده ونسند اليه صفاته. فالاسماء هي ما يعلم بها الاشياء في الصور الذهنية وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعية. والاسم بهذا المعنى هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة في انه عين المسمى او غيره، الامر الذي يدعونا ان نقول ان للاسم معنى آخر غير اللفظ اذ لا شك بان اللفظ غير المعنى.".
وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالاستخلاف في الأرض والتمكين فيها إذا حصلوا حقيقة الإيمان ومقتضياته ، وأخذوا بأسباب التمكين المادية والمعنوية . فقال تعالى :” وَعَـدَ اللَّـهُ الَّذِيـنَ آَمَنُوا مِنْكُـمْ وَعَمِلُــوا الصَّـالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِـنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُـمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُـونَ بِي شَيْئًا “ (النور: 55 ) وقال تعالى :” الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” (الحج: 41 )وقال تعالي :”عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ “ [الأعراف : 129] وقوله : "ثُمَّ جَعَلْنَاكُـمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ “(يونس: 14 ) وقوله تعالي : " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ “ (مريم: 59). ومثل ذلك قوله جل وعلا: " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ " (الأنعام: 165) وقوله :"وَيَجْعَلُكُـمْ خُلَفَـاءَ الأرْضِ " (النمل: 62).وقوله تعالى :” قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىا كُلّ شَىْء قَدِيرٌ”(آل عمران:26).

وجميع هذه الآيات تبين أيضا بأن الإستخلاف سنة جرت في السابقين ، وهي ليست حكرا على اولئك ، بل تجري فينا أيضا ، و من سيأتي بعدنا من المؤمنين ، اذ ليست هذه السنة حكرا على فئة محددة في زمن محدد ، بل يكفي ان يتحقق شرطا " الايمان و العمل الصالح " لتأخذ هذه السنة مجراها في أي مجتمع .وثمة تفسير للآية الكريمة رقم 55 من سورة النور يقول:"واقع الإستخلاف يعني أمرين :
الاول : ان الله يعطي السلطة للمؤمنين و يمكن لهم تمكينا . الذين يقيمون أحكامه وينفذون أوامرِه، ويحكمون شريعتِه، و يلتزمون بتوحيده وطاعتِه، قال تعالي:"الَّذِيــنَ إِنْ مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَواةَ وَاتَوُاْ الزَّكَـواةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ"[الحج:41]
الثانـــي : ان هذه السلطة لا تكون الا بإذن الله الذي يحققها و يعطيها الشرعية .قال تعالى: " وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم" [محمد:38]،وقوله : “وَرَبُّـكَ الْغَنِـىُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءاخَرِينَ"[الأنعام:133]،وقوله: "إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِـآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذالِكَ قَدِيراً"[النساء:133] .
وقوله تعالي :“ و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم “ فسلطتهـــم ليست كأي سلطة مادية ، بل هي سلطة روحية تهديها القيم الرسالة ." و ليبدلنهم من بعد خوفهم “ فينزع من قلوبهم الخوف ويمللأها إحساسا بالأمان والطمأنينه ويجعل لهم الغلبة على قوى الجور والطغيان بشرط التوحيدوإفراد العبادة لله وحده :." يعبدونني لا يشركون بي شيئا “ . و الشرك لا يكون فقط في عبادة الأوثان ، وانما يتحقق أيضا بعبادة الطاغــوت و الخضوع لسلطته الجائرة ، أو بعبادة المال ، و الارض ، و العنصر ... الخ .و رفــض الشرك انما هو رفض للقيم التي يتغذى منها ، و لعل هذا ما نلاحظه في التعبير القرآنـي ، اذ لم يقــل تعالى : " لا يشركون بي( شخـصا )" مثلا ، و انما اطلق و قال : ( شيئا ) ، ذلـــك لان من يخضع للطاغوت لا يعبد جسده ، و انما يعبد الصولجان الذي بيــده ، و القوة التي تحت سيطرته ، و هكذا من يخضع للأثرياء ، انما يعبد الدينار و الدرهــم .“ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون “ فالذي يخرج عن شرع الله بعد أن مكن للأمة في الأرض يكون قد حكم على نفسه بالفسوق.

وتتحدد واحبات الإنسـان المؤمن في الخلافة في بذل قصارى جهده في الخدمة ، وأن يكون أمينا فيها فلا يغل أو يسرق من مال الله المؤتمن عليه ولا يأخذ منه بأكثر ما تستلزمه متطلبات حياته وخدمته. ولهذا جاءت مقولة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، التي أوردها أبويوسف في كتابه الخراج: “ إني أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة والي اليتيم “ . ويشير في ذلك لقوله تعالي : “ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسـن حتي يبلغ أشده “.وهي الوصية التي تكررت بلفظها في كتاب الله في سورتين : الأنعام :152والإسراء:34 . وهو ما يعني أن عمر لم يكتف بما يأخذه هو المسلمون من مال الله بالحسن وإنما تشدد وألزم نفسه والمسلمين بالأحسن ، وهو اللأقل منه الذي لا يتجاوز حد الكفاية .و مبدا الاستخلاف في المال فينظم علاقة الانسان بالمال حيث يهذب حب التملك لديه ليحسن استثمار الثروات والخيرات المشتركة بين بني البشر.
وقوله تعالي : “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” (هود:61) يعني استخلفكم فيها للمحافظة على عمرانهـاأو عهد أليكم بعمرانها للمحافظة عليها. ويمكن ترجمة هذا المطلب أيضا بأنه يعني المحافظة على البيئة الطبيعية وتوازنها البيئي وعدم الاخلال به والذي يعد بمثابة إفساد في الأرض ويتناقض مع أصلاح مطلوب وإحسان. قال تعالي : “ والأرض مددناها وأيلقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون” أي متناسق . حيث القرآن تكمل أياته بعضها بعض وفق المفهوم الصحيح لوحدته البنائية.
وقوله تعالي للملائكة : “إني جاعل في الأرض خليقة” ، لاتعني أن آدم سيخلف الله في الأرض ، لأن حضور الله الدائم والأبدي لا تجعله في حاجة إلى من يخلفه في ملكه ، وأنما تعني جاعل فيها قوم يخلفون قوم بإذني . ويتفق هذا مع ما قال به ابن تيمية في الفتاوي:"والله لا يجوز له خليفة.., والخليفة أنما يكون عند عدم المستخلف, بموت أو غيبة, ويكون لحاجة المستخلف إلى الاستخلاف، وسمي خليفة لأنه خلف عن الغزو، وهو قائم خلفه, وكل هذه المعانى منتفية في حق الله تعالى، وهو منزه عنها"حيث إ لاتكون الخلافة إلا عن غائب.

والمأساة التي يسببها لنا المفتونون بالغرب ، أو من تربطهم مصالح ومنافع شخصية معه ، هو إصرارهم على إتباع إسلوبه في التنمية رغم ما يلحقة من أضرار بالغة للبيئة ، وإن تنبه لها مؤخرا وبدأ يسعي لتجنبها ، أما من له تبع لدينا فهم لا يجدون حرجا في استجداء الدول الغربية لكي تنقل صناعاتها الملوثة التي ترغب في التخلص منها إلى بلادهم ، ظنا منهم أن هذا هو الطريق الأسرع لحل أزمة التشغيل لديهم أو الحصول على وضعية أقضل في تعاملهم مع أسيادهم في الغرب. وهذا ما يعد منهم جهلا وزيغا وعصيانا لأمر الله ، وتعد لحدوده ، وتحد لحكمه، ولو انهم ابتعوا سبيل الله لأغناهم من فضله .مصداقا لقوله تعالي :” ولو أنهم استقاموا على لأسقيناهم ماء غدقا”(الجن:16) . وقوله : "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض” ”(الأعراف:96) . وهم بتقليدهم الأعمي للغرب لايجلبون الخير لأمتهم وأنما يسعون لهلاكها على نحو ما جاء بحديث رواه البخاري يقول فيه رسول الله :" فوالله ما الفقر أخشي عليكم ، ولكن أخشي أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من فبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلكم كما أهلكتهم” وشتان بين تنمية عادلة يرضى عنها الله وتنشر العدل والإحسان في أرضه ، وأخرى ظالمة فاسدة مفسدة يسخرها الطواغيبت لمصلحتهم . والشيطان يعدكم الفقر والله يعدكم مغفرة منه وفضل.
لقد حعل الله استمرار الخلافة ودوامها والتمكين منها مشروط بإيمان المستخلف وعمله الصالح فيها . فإن أساء وأفسد نزعها الله منها وحرمه من خيرها . إذ يقول الله تعالي : “ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ليستخلفنهم في الأرض ، كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لايشركون بي شيئا ، ومن كفر بعد ذلك ، فأولئك هم الفاسقون”(النور:55) . وقد صدق ما وعدنا الله به في القرآن ، فكانت دولة المسلمين مترامية الأطراف ، عظيمة الصـولة والسلطان ، حتي عمها الفسوق والعصيان ، فكان من أمرها ما كان . وأذاق الله المسلمين بما كسبت أيديهم ، وانتقلت الخلافة لمن هم أفضل منهم رعاية لها ، ومحافظة عليه ، وسعوا لها سعيها ، وجدوا في طلب علومها ، والابداع في تطبيقها ، بما ينفعهم وينفع الانسانية معهم . لقد صدق من قال بعد أن عاد من فرنسا :” دهبت إلى هناك فوجدت الإسلام ولم أجد مسلمين وعدت من هناك فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما “ وأظنه الشيخ محمد عبده أو الطهطاوي قائلها. وطالما لم يسع المسلمون سعي الخلافة لاستعادتها ، فالله يؤخرهم لأجل مسمي مصدافا لقوله : “ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمي . فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون “(النحل: 61).

والإستخلاف فيه استخلاف للآمم واستخلاف للآفراد.

النوع الأول : استخلاف الأمم:
وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالتمكين في الأرض واستخلافهم فيها ، كما مكن واستخلف من كان قبلهم أمم ، قال تعالي :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " (النور:55),

,يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "إن مقياس الرقي الحضاري في نظر الاسلام هو حين يقوم (الانسان) بالخلافة عن (الله) في أرضه على وجهها الصحيح: بأن يخلصَ عبوديته لله ويخلص من العبودية لغيره، وأن يحقق منهج الله وحده، ويرفض الاعتراف بشرعية منهج غيره، وأن يحكم شريعة الله وحدها في حياته وينكر تحكيم شريعة سواها، وأن يعيش بالقيم والأخلاق التي قررها الله له ويسقط القيم والأخلاق المدعاة، ثم بأن يتعرف بعد ذلك كله إلى النواميس الكونية التي أودعها الله هذا الكون المادي، ويستخدمها في ترقية الحياة، وفي استنباط خامات الأرض وأرزاقها وأقواتها التي أودعها الله إياها، وعجل تلك النواميس أختامها، ومنح الانسان القدرة على فضِّ هذه الأختام بالقدر الذي يلزمه له في الخلافة ... أي حين ينهض بالخلافة في الأرض على عهد الله وشروطه، ويصبح يفجر ينابيع الرزق ويصنع المادة الخامة، ويقيم الصناعات المتنوعة، ويستخدم ما تتيحه له كل الخبرات الفنية التي حصل عليها الانسان في تأريخه كله ... حين يصبح وهو يصنع هذا (ربانياً) يقوم بالخلافة عن الله ـ على هذا النحو ـ عبادة لله ... يكون هذا الانسان كامل الحضارة ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة"

النوع الثاني: استخلاف الأفراد :
وهذا النوع يكون في استقلال الفرد في ملكية ما تحت يده من الأموال سواءً كانت أموالاً ثابتة أو منقولة , فهو مستخلف فيها استخلافاً خاصاً.ويأخذ مفهوم الاستخلاف في المال معنى الملكية والتملك ويعد فيما امتللك وكيلا ومستخلفا على المال الذي في حوزته والذي هو أصلا مال الله ويكون حكمه تحت يده حكم الوديعة والاعارة الذي يسأله الله عن تصرفه فيها..وبموجب هذا التصرف المقيد
و لا يكون للانسان وفق ذلك مطلق الحرية في التصرف بما في حوزته من الملك يلتزم بان يخضع في كل تصرفاته المالية لشرع الله ،فلا يكسب مالا الا كما امره وأحله الله تعالى له, ولا ينفقه الا فيما يرضي عنه الله عز وجل.
يركز الخطاب الشرعي على حقيقتين متكاملتين تؤسسان للرؤية الإسلامية للمال:
• المال قوام الحياة الإنسانية: به تنتظم شؤون الحياة:" وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُـمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ..." (النساء.: 5.)، أي لا يؤتمن على المال من يسيئ التصرف فيه ويبدده وقد خصصه الله لكي يقوم بمتطبات معيشة المجتمع . وتبديد المال أو انفاقه فيما لايعود بالخير على صاحبه والمجتمع إخلال بالوظيفة الاجتماعية المحددة للمال ، ويعد المبدد له بمثابة خائن لما أؤتمن عليه ويعد عمله من السفه ويحق هنا للمجتمع أن يحجر عليه لمنعه من التصرف في المال مع عدم حرمانه من أن يأكل منه بالمعروف بالقدر الذي تستقيم به أمور حياته ومتطلبات معاشه.

لذلك شرع الإسلام منظومة من الأحكام الضابطة لوجوه الكسب و الاستثمار و التدبير و الاستهلاك..تتكامل معا مشكلةمعا ضوابط السياسة المالية ، ومثال لذلك:

• المال شهوة و فتنة: و بالتالي يحتاج التعامل معه إلى تربية دينية تعمل على تهذيب غريزة التملك.لكي تلتزم بالرشد سواء في استثمار المال أو إنفاقه بما يرضي الله.
يقول الله تعالى:" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَـامِ وَالْحَـرْثِ ذَلِكَ مَتَـاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِنـدَهُ حُسْنُ الْمَـآبِ “(:آل عمران: 14 )و يقول سبحانه: "وَاعْلَمُـواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُـمْ وَأَوْلاَدُكُـمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " ( الأنفال : 28.) . والتزيين هنا يتمثل يتمثل في غريزة التملك التي فطر الإنسان عليها ، والتي قد تقود الإنسان إلي استعمال ما تزينه له وتخلق عنده الرغبة في الحصول عليه فيما أحله الله وفيما حرمه ، وقيما يعد من قبيل التقوي والفجور، فإن لزم المؤمن فيما متعه الله به في الدنيا سبيل الحل والتقوس كان عند الله له حسن الثواب ، علىنحو ماورد في الأية الأولي ، ولذا يعد تملكه أو تعامله في المال وغيره من متع الحياة الدنيا فتنة له أو بمثابة اختبار له ليرى الله عما إذا كان سيطيعه ويراقبه فيه أم سيتعامل معه وفق هواه وليس وفق ما حدده المنعم به.

ومصدر هذا النوع من الملكية الفردية الذي استخلف عليها الأقراد يكون عادة مما يلي:
1)من الاستخلاف العام: وذلك في حالة كون مصدر ملكية الفرد يعود إلى الملكية العامة المتاحة لكافة الإفراد في المجتمع مثل الصيد أو الأراضي المخصصة للرعي ،أوما قام بتدجينه من حيوانات وطيور أو من انتاج الفرد نفسه عن طريق استغلاله لبعض الأرض في الزراعة والصناعة ونحوهما.
فالأفراد وفقاً لمبدأ استخلافهم العام في الأرض قد جعل الله لهم سلطاناً مباشراً على بعض ما فيها من الخيرات والطيبات ،ومكَّن لهم الانتفاع منها بما أعطاهم ووهبهم من القوى العقلية والجسمية والمعارف المتوارثة مما علم الله أدم في البدء من أسماء أي معارف .قال تعالى " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون " (يس:71) ، وقال " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض " (البقرة:267) .

2) استخلاف خاص: وذلك إذا كان مصدر ملكية الفرد للشـيء من مالك سابق عليه كالإرث أو الوصية أو من عقد يترتب عليه انتقال الملكية . فيكون قد حل محل المستخلِف السابق عليه فيما استُخلِف فيه ، وانتقلت اليه كل الالتزامات المترتبةعلى الملكية شرعا.

وقد أشار الله سبحانه إلى هذا النوع من الاستخلاف في قوله تعالى " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " (الحديد:7) , حيث نسب الاستخلاف إلى الأفراد مباشرة، فهم مستخلفون فيما تحت أيديهم من الأموال . كما أن النصوص التي تثبت الملكية الخاصة تدل عليه.
فكل من ملك مالاً بطريق شرعي فهو مستَخْلَف فيه , سواء كان مسلماً أو كافراً , براً أو فاجراً أو غير ذلك كما قال تعالى " كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً " (الإسراء:20)، أي كلا الفريقين ممن كان يريد الدنيا , أو يريد الآخرة نعطيه من رزقنا , وما كان رزقنا ممنوعاً عن أحد من عبادنا إذا اتخذ الأسباب الموصلة إليه.
وقد بيَّن في آيات أخرى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر الرزق لمن يشاء منهم " الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له " (العنكبوت:62) .
وقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالتمكين في الأرض واستخلافهم فيها كما حصل لمن كان قبلهم " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " [النور:55]

التداول على الاستخلاف بين الأمم:
إنَّ الله تعالى خلال مسيرة التاريخ قد استخلف أمماً كثيرة على الأرض، فمنهم من نجح ومنهم من فشل وقد حان الدور في نهاية المطاف على هذه الأمة، ولم تحسن أمة المسلمين الخلافة و فشلت في تحمل المسؤولية فإنّها ستستبدل كما استبدلت أمم من قبلها.. هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.قال الله تعالي قي قوم صالح عليه السلام : “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَـاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَـوْمِ اعْبُدُواْ اللّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” (هود:61) وقوله تعالى في هذه الآية "واستعمركم فيها" أي جعلكم عُمَّاراً في الأرض مثل فوله تعالي :"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـاجِدَ اللّـهِ مَـنْ آمَـنَ بِاللّهِ وَالْيَـوْمِ الآخِرِ وَأَقَـامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَـمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِـكَ أَن يَكُونُـواْ مِـنَ الْمُهْتَدِينَ" (التوبة:18) فلما أصروا على عصيانهم ولم يمتزج عمارتهم للأرض بالإيمان ليكون إعمارهم لها في عداد الإحسان ،أبادهم الله وأسكن غيرهم مساكنهم وأرضهم.قال تعالي : “أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا” (الروم:9) فالتعمير إن لم يكن دافعه الايمان لم يقبله الله وحرم أصحابه منه مثل قوله تعالي :”مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ”(التوبة:17) .

والطبيعة في القرآن ليـست مصـدر للخيرات المادية فقط ، وإنما هي أيضا مصدر الحكم والمعرفة والبرهان والجمال والأيمان ، والدليل الحي على إعجاز الرحمن ، وأياته العظمي المائلة للعيان ، والتي يستجليها العقل ويرتاح لها الوجدان. وقد تساءل أبي رحم الله :
قـل للريـــاض وما بهــا من خضرة من أين خضرتك التي تتحــــــير؟
الأرض سوداء الأديم فكيف مــــــن هذا السواد بـدا النبــــات الأخضر؟
جمـل الثمــار رقيــــقة وكأنهــــــــا ذهب تعلق بالغصـــــون وجوهــر
والماء يسقيــــها وليس بـــه شـــذى فمن أين يأتيها الشــــذى المعطـــر؟
الله ألبسها الجمــــــــال وصـــاغها لتكـــون آيتــه الـتي لا تكفــــــــــر

الطبيعة والاتخلاف عليها:
فالنبات بقدر ما يشهد على قدرة وإعجاز الخالق ، يقدم للإنسان عبرة الحيــاة في نشأتها الأولي وفي مسيرة نموها وازدهارها ثم بلوغها أجلها وموافاة الموت لها ، ولكنها لا تفني بالموت وإنما تبعث مرة أخرى متجددة حية . وكما يقول في ذلك الخالق المبدع جل شأنه :” إنما مثل الحياة الدنيـــا كماء أنزلنـاه من السمـاء فاختلط به نبـات الأرض مما يأكل الناس والأنعام ، حتي إذا أخـذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها ، أتاها أمرنا ليلا ونهارا ، فجعلناها حصيـدا كأن لم تغن بالأمس . كذلك نفصل الآيــات لقوم يتفكرون ”(يونس :24) . وتتكرر نفس الصورة في آيات أخرى مثل قوله تعالي :” واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السمـاء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيئ مقتدرا “(الكهف : 45) . فالنبات يبعث مرة أخرى بعد موته ،لتحيا به الأرض وتعود إليها خضرتها وزينتها من جديد . وفي هذا المعني يقول الله أيضا : “ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ، إن في ذلك لآية لقوم يسمعون”(النحل: 65) وقوله : “ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج “(الحج :95) وقوله : “ وأية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منه حبا فمنه يأكلون ، وجعلنا فيها جنات من من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ، ليأكلوا من ثمره ، وما عملته أيديهم ، أفلا يشكرون”(ياسين :33-35) وقوله :” ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ، إن الذي أحياها لمحيي الموتي ، إنه على كل شيئء قديـر”(فصلت:39)....الخ.
تكرار هذه الصور البيانية ليس الهدف منه لفت النظر إلى قدرة الخالق أو إثبات وجوده فإن الإنسان بفطرته يعلم أن الله هو الصانع ،” ولئن سألتهم من أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ، ليقولن : الله . قل الحمد لله ، بل أكثرم لا يعقلون “(العنكبوت 63). ولكن الهدف هو إثارة قضية منطقية هامة مؤداها أنه إذا كان الإنسان يخضـع هو والنبات لقانون واحد في بـدايته ونها يته وبعثه وتجدده عبر أجياله . ولما كان النبات لا يتوقف عن العطاء والانتاج في حياته من كل الثمرات ، وكل ما هو حسـن وبهيج في جوهره ومنظره ، إذن : الإنسان ملزم أيضـا أن يكون في حياته منتجا معطاء. وأن يكون كل ما ينتجه متقنا ومقيدا وجميلا وبهيجا ولا يمنعه من هذا الالتزام إدراكه لحقيقة الموت . ففي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لو أن القيامة قامت على أحدكم وهو يغرس فسيلة فليعرسها” . فمهمته في هذه الحياة الدنيا أن يغرس ويعمر ، وسواء استفاد هو وغيره من ثمرات ما غرس ، وعاد عليه ما عمره أم لا . فالعمل الحسـن المنتج عبـادة ، العبادات ملزم بها الإنسان ، لقوله تعالي :” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون “
ومجرد العمل الإنساني كعمل لا يكفي ما لم يكن إلى جانب منفعته جميلا وبهيجا ، أ ي يكون لما ينتجه إلى جانب قيمته الاستعمالية قيمة جمالية أيضا ، وفي هذا المعني يضرب الله الأمثال بالنبات أيضا ، فيقول :” وأنزلنا لكم من السماء ماء ، فأنبتنا به جدائق ذات بهجة “(النمل :60) . وقوله : “ وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج” ق:7) وقوله : “ فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام ، والحب ذو العصف والريحان(الرحمن:11و12) وقوله:” هو الذي أنشـأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله ، والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه ، كلوا من ثمره إذا أثمروأتوا حقه يوم حصاده ، ولا تسرقوا إنه لا يحب المسرفين “(الأنعام: 141)٫
ويتلازم الماء مع النبات في كل آية تتصل بالحياة ، وتوصف الجنة دائما بأنها تجرى من تحتها الأنهار . فوحدة الماء والنبات يمثلان الحياة في تجددها مثلما يمثلان أيضا البهاء والجمال والبهجة . ولم يخطئ من قال : إن الجمال يكتمل عند ما تجتمع الماء والخضرة والوجه الحسن . فهذه المقولة وما تمثله من وحدة الطبيعة والإنسان هي ما يستهدفه القرآن من جعل الطبيعة مرجعية دائمة يضرب بها المثل لكل عمل جميل أو خلق جميل حسن ونبيل . بل سنجد أنه حتي الكلمة الطيبة يضرب لها المثل من الطبيعة فيقول :” ألم تر كيف ضرب الله كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس ، ولعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة اجنثت من فوق الأرض مالها من قرار “(ابراهيم :24و26) .
فالكلمة الطيبة يجب أن تستمد جذورها وأصولها من بيئتها وتاريخ وثقافة وفطرة وتقاليد تلك البيئة الحسنة. وإن تقال فيما يرضي عنه الله في علياء سمائة ، وأن تكون مفيدة ونافعة للناس في حياتهم ودائمة المنفعة بحيث تستقيد منها الأجيال المتعاقبة . أما الكلمة الخبيثة في منبته الصلة بالأرض وبما ينفع الناس عليها . وما ينطبق على لفظ”الكلمة “ ينطبق أيضا على كل فلسفة أو نظرية ليست بنت بيئتها الثقافية ولاتلبي مصالح إناسها . ربماصلحت في وطنها ولكنها تفسد إذا نقلت إلى أى تربة أرض أخرى.
وكما يضرب الله المثل من الطبيعة للعمل الطيب والكلمة الطيبة ، يضرب المثل بها للمجتمع الصالح . فيقول تعالي في وصف المؤمنين : “ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلامن الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ( ما ينبت في أسفل ساقه) فاستغلظ فاستوى على سوقه ، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحاات منهم مغفرة وأجرا عظيما .” (الفتح 29) .
وفي مقدمة الحديث عن الأمم التي أرسل اليها الرسل ليهدونهم سبل الرشاد فكذبوهم فباءوا بغضب من الله وأهلكهم الله بكفرهم ، يشبه الله الرسل بسحب مثقلة بالأمطار تسوقها الرياح ، فإن هبطت الأمطار على بلد طيب ربت أرضه واخضرت (أي أمنت ساكنته واهتدت وأحسنت) وإن أمطرت على بلد خبيث لم تنتج خيرا لأهله وأنما كانت لهم نكذا . يقول تعالي : “ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لايخرج إلا نكدا ، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون “(الأعراف : 58) وهو امتداد لوصف الكلمة الطيبة المستقي من الطبيعة بدوره. فإن وجدت الكلمة الطيبة أرضا طيبة تستقبلها وترحب بها ، أنبتت وأثمرت ، وأبهجت ، وأسعدت . وإن قيلت في بلد خبث أهله ، صموا آذانهم عنها ، أو كانوا بيها يستهزؤون ، فجلبوا على انفسهم التعاسة والنكد.

وإن واصلنا التجوال في إفنان الجنان العامرة بالفرقان ، وجدناه يلح على مقهوم الأسرة ووحدة الزوجين ضاربا الأمثال من الطبيعة أيضا. فيقول : “ وأنبتت من كل زوج بهيج..”(الحج:95) .” وأنبتنا فيها من كل زوج بهيح”(ق:7) فيقرن بين الزوجية والبهجة مرتين . ويقول :” فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى” (طه:53) ويقول “من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين”(الرعد:3) ويقول “ سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرضومن أنفسهم ومما لا يعلمون“(ياسين: 36) فيقرن سبحانه وتعالي هنا بين الطبيعة والانسان في آية واحـدة، ثم يجعلها قانونا عاما فيقول :”ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون”(الذاريات49) ثم يضفي على الزوجية صفة الكرامة مرتين فيقول “ ألم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم” (الشعراء:7) ويعود فيكررها بنفس الألفاظ فيقول :” فأنبتنا فيها كل زوج كريم”(لقمان:10). وهذه المعاني كلها لم يفهمها الأقدمون حق الفهم ويشكلون منها منظومة فكرية وفلسفية إسلامية ، وتطبيقها عمليا في حياة المسلمين.
ماذا يعني هذا كله سوى التأكيد باستمراروإصرار على أن هذا الدين يستمد حكمته وتعاليمه من الفطرة. والتأكيـد أيضا في نفس الوقت بالآيات السابقة ومثيلاتها التي تتخذ من الطبيعة مرجعية لها لبيان الحق ،على أن:
1- خلافة الله في الأرض ترتبط ارتباطا وثيقا بالنبات والماء والتربة ، وبالتالي أولويــــة الزراعــة وانتاج الغذاء في تعمير الأرض بالنسبة لأي نشاط إنساني .
2- التوحد والمسالمة مع الطبيعة بما يحافظ على ما أقامة الله فيها من توازن بين الأحياء وهو ما يوضحه القرأن جليا وبقوة في قوله تعالي :”والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين”(الحجر:19)
3- يعلمنا كيف نصـون الأرض من التعرية ووالانجراف والتصحر بالمحافظة على الغطاء النباتي عندما يشبه الذي ينفق أمواله رئاء الناس من المنافقين بأنه:" كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، لايقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين”. ثم يضرب المثل بصدقات المؤمنين فيقول :” ومثل الذين ينفقون أموالهمم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ، فإن لم يصبها وابل فطل ، والله بما تعملون بصير”(البقرة:264و265) ثم تأتي الآية التالية مؤكدة نفس المعني ، وإن كانت في مجال أثر المن على أبطال الصدقات فتقول :” أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيـل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ، وأصابه الكبر ، وله ذرية ضعفاء ، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ، كذلك يبين لكم الآيات لعلكم تتفكرون”.
4- أن الزوجية ووحدة الذكر والأنثي وبالتالي الأسرة المكونة منهما، بما تتضمنه من الوحدة والايثار والتكامل والتكافل هي أساس الحياة والانتاج والاستخلاف، وليس الفردانية بما تتضمنه من أنانية وأثرة .
5- أن القيمة الاستعمالية تزداد قيمتها عندما تقترن بالجمال ، وبالتالي إقتران الحق بالجمال . وإن هذا الاقتران يحمل معه في نفس الوقت الجمال النفسـي المتمثل بالبهجة والفرحة والمسرة . وصدق المسيح عندما قال :" بالله المسرة وعلى الأرض السلام”.

القرآن والأمن الغذائي:
لم يعد أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه الحقيقة عندما وصف القرآن بأنه :" حمال معان” ولو أنه يستشهد بها عادة بمعني سلبي ناتج عن سوء فهمها . فحمله المعاني هو من ايجابياته وإعجازه لكي تظل أحكامه الإلهية صالحة لكل زمان ومكان. كما أن هذا لا يعني إطلاقا بأن له ظاهر وباطن ، فكل معانيه ظاهرة لآولي الألباب ، مما يستخدمون عقولهم ، ويتأملون أيات الله ويتدبرون القرآن. ومع تعدد معانيه فإنها لا تتناقض وإنما يكمنل بعضها بعضا . ويأتي سوء الفهم عندما يتم التعامل مع الآيات كأن كل منها لا علاقة له بالآخر ويختلف الأمر عندما يتم النظر إليها من منظور الوحدة البنائية للقرآن الكريم. فيتنبه بأن الآيات يشـد بعضها بعضـا ، ولا يكتمل معناها ألا بضمها معا . وكان لابد للقرآن أن يأتي هكذا لأن من تلقاه أول مرة كانوا أناسا يعيشون في مجتمع بداوة صحراوى وغالبيتهم من الأميين ومحدودي المعرفة ويتعذر عليهم فهم ما يتعلق بالمجتمعات الزراعية والمتحضرة، ويحتاج فهمه إلى مستوى حضاري وثقافي لم يكن قد توصلوا إليه بعد. ولذا طلب منهم ألا يسألوا الرسول فيه لأنه لو أخبرهم سيستاءون نتيجة سماعهم بيان فوق مستوى أفهامهم . ولذا فإن فهم الأقدمين له ، حتي وإن كانوا من صحابة رسول له لا يجب أن يحتج به.

ويؤكد القرآن على أهمية الأرض وفلاحتها من قبل المستخلفين فيها في إنتاج الغذاء في مواطن كثيرة . فيقول :” كلوا من طيبات ما رزقناكم “ (البقرة:57) و”كلوا من ثمره إذا أثمر”(الأنعام:141) و”ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم”(ياسين:35) و”ولكم فواكه كثيرة ومنها تأكلون”(المرمنون:19) و”ومن ثمرات النخيل والأعناب منه سكرا ورزقا حسنا”(النحل:67) و”فأخرج به من الثمرات رزقا لكم”(ابراهيم:32) و”فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم”(السجدة:27) و”أخرجنا منها حبا فمنه يأكلون”(ياسين:33) وقوله :” فلينظر الإنسان إلى طعامه ، إنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا ، وعنبا وقضبا ، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا ، متاعا لكم ولآنعامكم “(عبس:24-32).

ولقد قرأت أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول بعد وفاة الرسول : لقد عرفنا فاكهة فما “أبا”؟ . بما يعني أن الصحابة لم تسأل عن معني الكلمة رسول الله في حياته ،ولم يهتدوا إلي معناها من تأملها بعد وفاته . ثم جاء مفسرون من بعد وفسروا الكلمة بأنها العشب لما جاء في الآية من أن هذه النعم “ متاعا لكم ولأنعامكم“وهو تفسير غير مقنع . بينما رأيت والله أعلم بأن الكلمة متصلة بمعني الأبوة في الأشجار والنباتات ، وهي الآشجار التي تنتج حبوب اللقاح ولا تنتج الثمار مثل النخل والكثير من أنواع الفاكهة. وقد ألحقت بالفاكهة لأن الفاكهة لا تتكون بدونها.ويتفق هذا التفسير مع البلاغة القرآنية ومع اللغة ، وليس لكلمة “أبا” أية علاقة بالعشب الذي لا يلحق بالفاكهة وإنما بالحبوب التي ورد ذكرها في بذاية الآية فتكون الحبوب والسيقان الجافة التي كانت تحملها (القش والتبن) تقدم الحبوب عذاء للأنعام والقش الناتج عن حصادها غذاء للأنعام. (نـشرهذا الموضوع لأول مرة ضمن سلسلة مقالات لي عن عقيدة التوحيد في يومية أنوال المغربية بتاريخ 1994/8/19). والعرب الذين كانوا يؤبرون النحل لكي يثمر بدس السنابل الحاملة لحبوب اللقاح في أكمامه لكي يثمر كان كل علمهم مصدره المعرفة المكتسبة من التجربة وليس عن علم درسوه وأوضح لهم سر ذلك. ولعدم إدراك الرسول سـر ذلك ، وهو أمر من أمور الدنيا وليس الدين ، كانت واقعة تأبير النخل التي انتهت إلى أن الرسول قال للناس : أنتم أعلم بأمور دنياكم ، أي لا تسألونني فيها ولا تأخذون برأيي فيها.

ويأتي بعد منتجات الأرض من الغذاء في القرآن منتجات البحار والأنهار من الأسماك ، والتي ورد ذكرها ضمن تعداد نعم الله فيقول المولى :” هو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا ، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه ، ولتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون”(النحل:14) , وتشير هذه الآية الكريمة إلى عدد من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالبحر مثل : الصيد البحرى (لتأكلوا منه لحما طريا) وللغوص لاستخراج اللؤلؤ والمرجان(وتستخرجوا منه حلية) وفيها أيضـا إشارة لمشروعية طلب الزينة والتجمل ، وللنقل البحرى (وترى الفلك مواخر فيه) وإلى التجارة الدولية فيما وراء البحار(ولتبتغوا من فضله) وإلى مجموع المنافع التي تتحقق من تسخير البحر للآنسـان والتي تستوجب شكر الله المنعم (ولعلكم تشكرون).والأرض عبارة عن يابسة وماء ولاشيء فيها ساكن بل متحرك ويتسبب في الحركة في الطبيعة. فالأرض نفسها تدور في فلكها حول الشمس ، تقترب منها وتبتعد عنها ، وابحار تتحرك بما فيها من تيارات بحرية ومد وجزر وأمواح،فيما يمكن اعتباره حركة أفقية ، وتتحرك ايضا جزئيا حركة رأسية بما يتبخر منها من ماء يتسبب في السحب والتي ينتج عنها الرياح والأعاصير والأمطار، والماء في حركة دائرية تبعا لذلك , والانسان مطالب بأن يتوافق مع هذه الطبيعة ويتحرك معها وفيها. ولهذا يمكتن اعتبار الاستخلاف في الأرض حركة دائبة ودائمة فيها من قبل الانسان الذي سخرها له وسخره أيضا لعبادته والتي تتمثل في أعلي صورها في حركته وليس سكونه.
ويقول الله أيضا :” وما يستوى البحران، هذا عذب فرات سائغ شرابه ، وهذا ملح أجاج ، ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون”(فاطر:12) وفيالآيتين نجد الصياعة شبه واحدة فيما تضمنت لفظا ومعني , وضم فيهما إلى الغذاء الحلي مثل اللؤلؤ والمرجان والذهب أيضا في أعماق البحاروالتجارة البحرية والنهرية أيضا . فالماء العدب الفرات يقصد به ماء الأنهار. هذه الأنهار التي تصب في البحار عادة ويمتد منها تيار ماء عذب لا يختلط بماء البحار المالح وإنما بينهما برزخ لايبعيان وهي الحقيقة العلمية التي لم تكتشف وتتأكد إلا مؤخرا.
ويدخل في نطاق منتجات البر لحوم الحيوانات والطيور التي تستخدم في الغذاء ويدخل وبرها وجلودها وريشها في الكساء وفي الزينة أيضا.

ويرشدنا كتاب الله إذن فيما أوردناه من أيات كثيرة مجالات التنمية والنشاطات الانتاجية الأساسية ، والتي يكملها مافي الأرض، يابسها ومائها، أيضا ،من معادن مختلفة وبترول وغاز ، وكان لها الفضل في إقامة الصناعات وتطورها ، ومما جاء في المعادن قوله تعالي: “... وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ... “(الحديد/ 25.)، دون أن يؤثر دلك في أولوية إنتاج الغذاء. كما يجدد لنا شروط استخلافنا في الأرض وضوابطه ، ويجدد الموارد الطبيعة التي تؤمن الضروريات والتحسينيات (الحلي) التي يتم بها تجاوز حد الكفاية إلى حد الرفاهية. ويكون الفائض منها والوفر فيها الثروات ، بما ءؤمن أيضا أعادة التوزيع والقضاء على الفقر والحرمان لمن كان نصيبهم أو قدرتهم على انتاج النعم محدودة. وإظهار دلائل نعمة الله “وأما بنعمة ربك فحدث” ويسوق الله لنا الحكمة والمعرفة بالأمثلة التي يضربها لنا والتي ينتهي ذكرها غالبا بألفاظ مثل : لعلهم يتذكرون، لعلهم يتفكرون، لعلهم يعقلون, وهي دعوة صريحة لأغمل العقل في التفكير والتدبر والتدبير والتأمل ومعرفة سنن الله في الكون وقوانينه ، وفهم أيات الله في القرأن حق الفهم في كليتها وسياقاتها ومعانيها ، ويدعونا بعد تحقيق المعرفة إلى العمل بها بما ينفع الناس , وهو عمل يجب أن يتسم أيضا بالحسن والجمال المحقق للبهجة والفرحة والسرورفي نفوس المؤمنين.

ويربط كتاب الله أيضا بين الغذاء أو الأمن الغذائي والأمن الوطني أو القومي , فلا أمان لمن لايؤمنون لأنفسهم الكفاية مما يحتاجونه من غذاء وتأمين فائض فيه . فالإسلام هو دين الإخلال الأيجابي بالتوازن ، فالمطلوب في الاقتصاد ليس تساوي الانتاج مع الاستهلاك وإنما زيادة الانتاج عن الاستهلاك بما يحقق فائض يعاد استثماره وزيادة الانتاج به . والمثل البسيط الدال على صحة ذلك هو أنه لو كان انتاج الحبوب في حدود الاستهلاك الذي يتطلبه الغذاء ، لم توفرت بذور منها يمكن غرسها للحصول على محصول حديد في موسم الحصاد التالي.وزيادة الفائض هو الذي تقوم عليه التجارة الخارجية فيما وراء البحار والأنهار التي تمخر فيها السفين محملة بالسلع المنتجة الفائضة عن حاجة منتجيها .

الاستخلاف غير فاصر على المسلمين:
الاستخلاف العام: هو استخلاف جميع البشر في الأرض، باعتبارهم مسلَّطين عليها، يقومون بعمارتها، منذ عهد آدم عليه السلام.
قال الله تعالى:" مَنْ كان يُرِيْدُ العَاجِلَةَ عجَّلْنَا له فيها ما نشاءُ لمن نريدُ ثم جعلْنَا له جهنَّمَ يصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً.ومن أرادَ الآخرةَ وسعى لها سَعْيَها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيُهُمْ مشكوراً. كُلاًّ نُمِدُّ هؤلاءِ وهؤلاءِ مِنْ عطاءِ ربِّك وما كان عطاءُ ربِّك محظُوراً ". وقال سبحانه:" قُلْ إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزقَ لمن يشاءُ مِنْ عبَادهِ ويَقْدِرُ لَهُ".
هذا الاستخلاف للبشر مقيَّد بطاعة الله وعبادته وحده، والالتزام بمنهجه وهدايته, وإنْ خالفوا ذلك استحقُّوا جزاء مخالفتهم وضلالهم، كما في قوله تعالى:" وقلنا اهبِطُوا منها جميعاً فإمَّا يأتينَّكُمْ مني هدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فلا خوفٌ عليهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ".

إن المسلمين الذين لا يعملون بأحكام دينهم ولا يحترمون ما جاء فيها من أحكام وضوابط الاستخلاف ، يستخلف الله قوما آخرين حتي ولولم يكونوا على دين الإسلام ، يكونون أكثر استقامة من المسلمين على المنهج القرآني . ولقد كتب الأستاذ المغربي لحسن حداد مقالا عن النرويج جاء فيه :(...) “عوض السيارات الفخمة والفيلات والقصور ، يستثمر النرويجيون في التربية والثقافة والبيئة ودعم الديمقراطية ودعم مؤسسة العائلة ومساعدة الإنسانية على حل مشاكلها (...) ما يعطي للنرويج والنرويجيين ه الثفة المتواضعة في الإنسانية ، مثلها مثل مثيلاتها في السويد وقنلندا والدانمرك، مباشرة وتكاد تقترب من التسيير الذاتي المباشر الذي نجده في سويسرا. هناك مساءلة ومحاسبة دقيقة لعمل المنتخبين وهناك رقابة من طرف المواطنين والصحافة والمجتمع المدني على كل شاذة وفاذة في عمل الحكومة والمجالس المنتخبة. بل إن هناك مصلحة في كل مؤسسات الدولة خاصة باستقبال المواطني ليطلعوا على حسابات المؤسسة ...(...) إنها ديموقراطية أبانت عن فاعليتها لأنها خولت الشعب النرويجي أخذ زمام أموره بيده في نوع من المسؤولية أمام التاريخ والإنسانية والأجيال القادمة . والمسؤولية أمام الأجيال القادمة تتجلي في تدبير عقلاني لموارد النفط ، حيث تم وضع صندوق خاص لاستثمار أموال النفط ، لايحق لأي كان استعماله حاضرا. (...) يعرف النرويجيون أن النفط ثروة غير دائمة ، لهذا لم يبذروا موارده بشكل لا مسؤول كما تفعل دول أخرى منتجة للنفط , خين تجف موارد البترول ستجد الأجيال القادمة ثروة مالية هائلة أمامها يمكن استعمالها لضمان ديمومة واستمرارية نمط الحياة الذي يسلكه الجيل الحاضر . إنها نفس الرؤية المتواضعة للجياة والموارد الطبيعية والمستقبل . (...) المجتمع النرويجي يعتبر نفسه سيد حاضره وماضيه وصانع قدره ومستقبله ..." الشعب النرويجي يطبق إذن جوهر الإسلام في شأن الاستخلاف ا شعوب مسلمة تتصرف وكأنها لا دين لها يضيء لها الطريق الذى سلكته أمم غيرها غير مسلمة وتقدمت طريق الاستقامة والحكمة والأمانة والسداد. ولاعجب أن تحسب الشعوب الاسكندنافية من أرقي الأمم وأن تتصدر ترتيب الدول باستمرار في التنمية الإنسانية . ودول أخرى في شرق أسيا وفي أمريكا اللاتينية اهتدت إلى الطريق الذي ضلته الشعوب المسلمة ومازالت سادرة في ضلالها ، وتعتبر الشعوب المسلمة ، او معظمها ، أن تلك الدول لادين لها ولا قيم ومبادئ تلتزم بها وهي ليست كذلك .
لقد كان بإمكاني أن أكتب ما أكتبه هنا ، ويتفق تماما مع ماجاء في كتاب الله وسنة رسوله ، دون حاجة إلى الاستشهاد بأية قرآنية واحدة ، وأكتفي بعمل أمم أخرى به ، وهي تجهل كتاب الله ومع ذلك تتبع معظم أحكامه ، ولو اتبعتها جميعها لبلغت في الرقي أكثر مما بلغت، ولكنني آثرت أن يعيد المسلمون اكتشاف كنز من الحكمة في أيديهم ، هم عنه غافلون.

توزع مسؤوليات الاقتصاد:
تتوزع مسؤليات الاقتصاد الناتج عن ممارسة الخلافة على أركان الإحسـان الخمسـة ،عل النحو المبين بعد ، والتي تجعل الاقتصاد هو عصب الأمة ، وهو الأهم في أركان الإحسان :

1- وإذا كانت الخلافة تختص بالعمل على إنتاج الخيرات من الموارد الطبيعية والمحافظة عليها متجددة لا ينـضب معينها ، وبالتالي المحافظة على البيئة وتوازناتها ، علما بأن التوازنات هنا لا تعني التسـاوى في المقدار، وعلى سبيل المثال لو كانت الفئران بقدر ما تنتجه الأرض من الحبوب لأكلت الفئران الحبوب وحدها ولم يعد للآنسان ما ياكله ، ولذا فإن مفهوم التوازن مفهوما مركبا ومعقدا . وقد يحتاج في التوصل إليه إلى معادلات رياضية معقدة.ومع ذلك يمكن الانسان أن يحقفه باتاع الفطرة والتجربة المكتسبة عبر آلاف السنين.

2 - يختص ركن التكافل في الاقتصـاد بالاستهلاك والتوزيع ودورة المال بحيث لايكون دولة في أيد قلة من الناس . مع المحافظة على البيئة وحقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية .

3- . ويتحمل ركن الولاية بمسؤولية إدارة النظام المالي والاقتصـادى وتنظيم اصدار وتداول النقد وضبط التضخم النقدي وضمان الخدمات العامة التي لا غني عنها في لانتاج ونقل السلع والأفراد وتأمين التعليم والصحة وحرية التعامل. وكلها من ضروريات التنمية الاقتصـادية والانسـانية..

4- تدخل أخلاقيات ركن التعامل في الزراعة والتجارة والصناعة والخدمات بتحريم الاحتكار والغبن والغش والتطفيف والربا والرشوة والغل والغرر والسرقة ونهب أموال وممتلكات الغير أو إتلافها.

5- تتجـسد مختلف المسـؤوليات في الأسرة سواء كوحدة اجتماعية صغيرة منتجة أو كوحدة احتماعية كبيرة تتمثل في المجتمع ككل. وفي الأسرة الصغيرة والكبيرة تصب عائدات الانتاج والاقتصاد.

التنمية الاقتصادية :
التنمية الاقتصادية هي العمل لزيادة ثروة المجتمع وقد عبر عنها المسلمون القدامي بتعمير الأرض واستخلصوا هذا المعني من قوله تعالي :"هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها"(هود:61) وهي جوهر الاستخلاف لقوله تعالي :"ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تفعلون"(الأعراف:129) وإذ تكمل الآيات القرآنية وتفسر بعضها البعض فإن العمل في هذه التنمية أو إعمار الأرض أو الاستخلاف هو عمل تعبدي يجزي الله العاملين فيه في الدنيا والآخرة بقدر عملهم لقوله تعالي : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"(الذاريات: 56) .وهو بالتالي درب من دروب الاحسان .ولقد أسبغ الله على الانسان نعمه التي تعينه على ذلك فقال تعالي:"وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار*وأتاكم من ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمةالله لاتحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار"(ابراهيم:33_34). وإذا عدنا للآية الكريمة في سورةالأعراف :"ويسخلفكم في الأرض فينظر كيف تفعلون" أدركنا أن الله سيحاسبنا عما فعلنا بنعمه التي أسبغها علينا والتي استخلفنا فيها فإن أحسنا كان جزاؤنا الحسني وإن أسئنا أحاطت بنا إساءتنا وحبط عمله.ونستنبط ذلك من قوله تعالى "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لايظلمون"(الأحقاف:19). وقوله تعالى "إنا لانضيع أجر من أحسن عملا"(الكهف:30). وكذلك قوله تعالى "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" (فاطر :10). ومن ذلك قول النبي ":«ما من مسلم يغرس غرسًا ، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة». وفي الحث على العمل في الزراعة على سبيل المثال، جعل تمليك الأرض الميتة حقا لمن أحياها وأصلحها للزراعة و الإنسان بفطرته مجبول على حب المال والتملك.فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:«من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منه له به صدقة»
وإذ التنمية عمل جماعي يستثمر فيها نعم الله التي لم يختص بها فرد وإنما بذلها لكل الناس في كل منحي من مناحي الأرض الذي استعمرهم فيها فإن عائدها يجب ألا يحرم منها أحد ويجب توزيعه بالعدل والفسطاس بين العاملين فيها كل حسب عمله وإنتاجيته وأهميته وماأفاء الله به عليه وتخصيص مازاد عن احتياجات العاملين في الانتاج أو العفو في التعبير القرأني :"يسألونك ماذا ينفقون؟..قل العفو"للإنفاق على غير القادرين على الكسب أو استثماره بما يحقق تراكم الثروة الاجتماعية ..ويتطلب ذلك بأن تفي مخارج التنمية الاقتصادية باحتياجات الأسر التي يتكون منها المجتمع.بالقدر الذي يشبع احتياجاتهم ويحسن من مستوي معيشتهم ويمكنهم من حياة طيبة يشعرون فيها بالرضا والاطمئنان والأملن.حيث تعد التنمية الاقتصادية من قبيل إعمال الأسباب لبلوغ الحياة الكريمة التي أمر الله الناس أن يبتغوها في الدنيا ووعد عباده المؤمنين بأفضل منها في الآخرة.وقد جعل لها مالك بن نبي ثلاثة ضوابط:
ـ الاستخدام الأمثل للموارد والبيئة والطبيعة التي وهبها الله تعالى للإنسان وسخرها له.والنعم التي أنعم بها عليه ، قال تعالي:
-”... وأمددناكم بأموال وبنين ... “( الإسراء/ 6.)
-”ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ”( نوح/ 12.)
- “ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيماً ” ( الإسراء/ 66.)
- “... وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ... “(الحديد/ 25.)
- “ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ... “( الأعراف/ 10.)
-” والأرض وضعها للأنام”( الرحمن/ 10.)
ـ الالتزام بأولويات تنمية الإنتاج، والتي تقوم على توفير الاحتياجات الضرورية ، والمعيشية، لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تقتير، قبل توجيه الموارد لإنتاج غيرها من السلع.وأولى الأوليات هي المواد الغذائية ، حيث ينسب حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه :”فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا” أي ما كان لنا جلد على الصلاةوالصيام.ودعاء يقول فيه :”اللهم بارك لنا في الخبز، ولا تفرّق بيننا وبينه”
ـ إعتنبار أن التنمية الإقتصادية وسيلة لتحقيق طاعة الله، وتحقيق رفاهية المجتمع وتأمين عدالة التوزيع بين أفراد .قال تعالي :”فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ... “ (الجمعة/ 10.)، وقال :”وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ...”( الإسراء/ 12.)
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبّل يوماً يد عامل وقال: “طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة. ومن أكل من كَدّ يده مرّ على الصراط كالبرق الخاطف. ومن أكل من كدّ يده نظر الله إليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبداً. ومن أكل من كدّ يده حلالاً فتح له أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء”، وقال: “ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه انسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له به صدقة”, بل طلب من المسلم أن يواصل عمله الانتاجي حتي لو رأي الساعة قائمة، فقال:”إن قامت الساعة وفي يد أحكم الفسيلة فإن استطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها”,
وينسب إلى جعفر الصادق رضي الله عنه قوله :"لا تكسلوا في طلب معايشكم فإن آباءنا قد كانوا يركضون فيها ويطلبونها"
وقال عمر بن الخطاب الأحد عماله : ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده. قال عمر: فإني إن جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف أقطع يدك.لأن الله -سبحانه وتعالى- استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها. يا هذا إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية."؟.

متطبات التنمية:
ولايمكن أن تتحقق أهداف التنمية الاقتصادية والقيام بوظائفها التي شرعها الإسلام لها ما لم يتوفر لها الآتي:
1- تعبئة كل الموارد البشرية القادرة على العمل.
2- تعبئة جميع الموارد المالية والطبيعية اللازمة للآنتاج وخاصة المياه والمواد الآولية أو استقدامها لمناطق الانتاج من المناطق المتوفرةفيها والتي تفيضعن حاجتها .
3- التوزيع العادل لمشاريع التنمية مع مراعاة الكثافة السكانية على جميع أنحاء التراب الوطني بحيث تتاح ويتمتع بعائدها جميع السكان وهو ما يعني نشر التنمية المحلية بما يحقق التوازن السكاني وبما يضمن تثبيت السكان في مواطنهم واستمرار انتشارهم بما يصب في خدمة الأمن الوطني ويحول دون تكدسهم في مدن أو مناطق دون غيرها.
4- تحديد منتجات كل منطقة للتنمية التي يمكن أن تحقق فيها ميزة نسبية وتمكنها من القدرة التنافسيةفي الأسواق.
5- نشر المعرفة العملية التقنية على أوسع نطاق حسب متطلبات التنمية المحلية في كل منطقة وعلى مستوي الوطن وتأمين الحصول المستمر عليها للعاملين في التنمية في كافة تخصصاتها مدي الحياة.
6- توفير البنيات التحتية الأساسية الملائمة والتي تفي باحتياجات التنمية (الطرق - وسائل النقل - الطاقة - المياه -وسائل الاتصالات -التخزين- الأسكان- خدمات التعليم والصحة - الصرف الصحي ...الخ).
7- تمكين المرأة من لعب دور في التنمية في نطاق المساواة الكاملة مع الذكور,

وا كان مطلوبا من التنمية المحلية الاعتماد على التنمية الاقتصادية التقليدية فإنه يجب عليها أيضا ألا تهمل دورالتكنولوجية الحديثة للإعلام و المعرفة في التنمية الإقتصادية و التطور الإجتماعي.خاصة وأننا أمسينا في زمن يلعب فيه إقتصاد للمعرفة دورا هاما فيه والذي يقوم على البحثوالابتكارو الإبداع والانتاج الذهني والمهارات الفردية .

وعلينا أن نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى. فالنجاح المذهل لدول مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وفيتنام في تحقيق معدل تنمية اقتصادية ثابت ومرتفع عاما بعد أخر ، يجب أن يكون موضع درس لدينا وأن نتخذ من هذه البلدان قدوة لنا في تحديد سياسات التنمية لدينا سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الآقليمي وهي دوائر تنمية متداخلة ومتكاملة ولا يجوز الفصل بينها ..

وبالنسبة للصين على سبيل المثال فقد أفاد تقرير اقتصادي صادر عن البنك الدولي بأن الصين ستستمر بتحقيق معدلات نمو قوية، متوقعا ان تسجل بكين نموا بنسبة 9.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2008.وانه إذا كان للتباطؤ العالمي أن يصبح أكثر حدة، فإن الصين في وضع قوي من ناحية الاقتصاد الكلي بما يكفي لتحفيز الطلب، من خلال تخفيف سياسات المالية العامة و/أو تخفيف الرقابة على الائتمان. ويشير هذا التقرير الفصلي إلى أن التوقعات العالمية قد ضعفت وأصبحت غير مؤكدة، لكنه ينتهي إلى أن الصين ستشهد نموا قويا على الأرجح عام 2008 ، وإنها في وضع جيد يؤهلها لتحفيز الطلب عند الحاجة. وهنا أشار ديفيد دولار، المدير القطري بالبنك الدولي المسؤول عن الصين، «لا بد أن يؤثر تباطؤ الاقتصاد العالمي على صادرات الصين والاستثمار في قطاع التجارة. ومع هذا، يجب أن يظل زخم الطلب المحلي قويا، كما يمكن أن يساهم حدوث تباطؤ عالمي متواضع في إعادة التوازن لهذا الاقتصاد.وكان رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس ـ كان، الذي يزور الصين حاليا، قد قال أول من أمس ببكين، إنه على الرغم من تأثيرات أزمة الرهن العقاري الأميركية على الصين إلى حد ما، إلا أنه لا يزال يتوقع أن معدل نمو اقتصاد الصين للعام الحالي سيصل إلى 10 في المائة.
وأضاف كان في مؤتمر صحافي عقده الصندوق، أن الصين اتخذت خلال السنوات الخمس الماضية سلسلة من سياسات السيطرة الكلية الفعالة لضمان سرعة نمو اقتصادها، واصفا إنجازات الصين في التنمية الاقتصادية بأنها «لافتة للأنظار». وأشار كان إلى أن تحقيق التنمية الاقتصادية بشكل مستمر وسريع في الصين لا يزال يواجه سلسلة من التحديات والصعوبات في المستقبل، وأن مهمة الساعة للصين تتمثل في سرعة تعافيها من التأثيرات الخطيرة على البلاد ومعيشة مواطنيها والناجمة عن كوارث الأمطار والجليد والثلوج وانخفاض درجات الحرارة في بعض مناطق جنوب البلاد. وكانت المصلحة الوطنية الصينية للإحصاءات قد اعلنت أخيرا أن الاقتصاد الصيني حقق في عام 2007 نموا بمعدل 11.4% مقارنة بالعام السابق، وهذه السنة هي الخامسة على التوالي، التي بلغ فيها معدل النمو الاقتصادي الصيني 10% أو تجاوزه. وأشارت الاحصاءات الأولية إلى أن اجمالي الناتج المحلي في العام الماضي تجاوز 24 تريليون يوان صيني بزيادة 11.4% مقارنة بالعام السابق. وكانت الاستثمارات سببا مهما في دفع النمو الاقتصادي السريع في الصين .و قال لويس كوجيز، وهو خبير اقتصادي أول والمؤلف الرئيسي لهذا التقرير الفصلي، «إن مخاوف التضخم تدعو إلى اعتماد سياسة نقدية متشددة نسبيا». ومع ذلك، فإن القيود على أسعار الفائدة تظل أسيرة تخوف السلطات من جذب تدفقات رأسمالية حساسة للتغيرات في أسعار الفائدة. ومن ثم، ففي ظل التوقعات ببقاء الفائض الخارجي كبيرا للغاية، ستواصل السياسة النقدية اعتمادها على الرقابة على الائتمان وإدارة السيولة. ومن شأن استمرار ارتفاع سعر صرف اليوان (عملة الصين) مقابل الدولار أن يساعد على لجم ضغوط التضخم وتقليص الفائض في الحساب الجاري.
كان ذلك قبل أن تحتدم الأزمة المالية في الولايات المتحدة و تنخفض على إثرها أسعار البترول بنسبة تصل الى 80 في المائة مما كانت عليه وانخفاض أسعار المواد الغذائية التي عادت بدورها الي مستوياتها السابقة. فالصين وإن إزدادت نشاطا في الأسواق التجارية الدولية تزذاذ أيضا استقلالية نسبيا عن الأسواق المالية العالمية بما يجنبها سلبيات تقلباتها ويحد من تأثرها بها.
وديننا يرشدنا إلى التماس الحكمة أينما وجدت وثمة حديث مشهور منسوب ألي النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إطلبوا العلم ولو في الصين".
ولايقل النموذج الذي تقدمه كوريا الجنوبية أهمية عن النموذج الصيني إذ أن كوريا الجنوبية (على نحو ماجاء في موقعها على الانترنيت:http://arabic.korea.net/aboutkorea/kor_loca.asp?code=E01)التي عرفت في الماضي بأنها واحدة من أكثر المجتمعات الزراعية الفقيرة، عملت على تنفيذ تنمية اقتصادية منذ أوائل عام 1962. وفي أقل من أربعة عقود، استطاعت كوريا تحقيق ما يسمى " بالمعجزة الاقتصادية على نهر الهان - كانغ " ، وهو نهر يجري في وسط العاصمة سيئول هذه المعجزة وما تبعها من خطوات شاقة كانت بمثابة نقطة تحول في التاريخ والاقتصاد الكوري.
لقد أسهمت استراتيجية التنمية الاقتصادية الشرقية الانفتاحية ، التي تغير الصادرات بمثابة محرك للنمو، إلى حد كبير في التحول الكبير للاقتصاد الكوري. اعتماداً على مثل هذه الاستراتيجية، وقد تم بنجاح تنفيذ العديد من برامج التنمية. ونتيجة لذلك، زاد اجمالي الدخل القومي الكوري من 2.3 بليون دولار في سنة 1962 الى 477 بليون دولار في العام 2002م. كما ارتفع نصيب دخل الفرد من اجمالي الدخل القومي من 87 دولار إلى حوالي 10013 دولار أمريكي. وتشير هذه الأرقام المعبرة إلى النجاح الكبير لبرامج التنمية الاقتصادية وما أتت به من نتائج.
وفي عام 1998 انخفض إجمالي الدخل القومي إلى 312 بليون دولار، كما انخفض نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي الى 6744 دولار وذلك بسبب تذبذب معدلات الصرف الأجنبي، إلا أن هذه الأرقام استعادت مكانتها و مستوى ما قبل الازمة في عام 2002م.
أما بالنسبة للواردات الكورية فقد زادت بمعدل منتظم بسبب سياسة التحرير التي طبقتها كوريا وزيادة مستويات دخل الفرد. وبوصفها واحدة من أكبر الأسواق المستوردة في العالم، فقد تجاوز حجم الواردات الكوريةالواردات الصينية في سنة 1995، واقتربت من الواردات الماليزية والإندونسية والفلبنية.
هذا وقد شملت الواردات الرئيسية الكلية على المواد الخام التصنيعية مثل البترول الخام، والمعادن الطبيعية، والبضائع الاستهلاكية، والأغذية، والمكننة، والمعدات الالكترونية ومعدات النقل.
لقد نمت كوريا بسرعة فاقت بها فترة الستينات، حيث ساعدتها في ذلك معدلات الادخار والاستثمارات العالمية والتركيز القوي على التعليم. واصبحت كوريا العضو التاسع والعشرين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وذلك في 12 ديسمبر 1996.
ونظراً لأن تاريخ كوريا الاقتصادي معروف بانه واحد من اسرع الاقتصاديات في العالم نموا، فقد عملت كوريا على أن تصبح محط انظار التكتل الاقتصادي الاسيوي القومي خلال القرن الحادي والعشرين. حيث يتمتع إقليم شمال شرق آسيا بتوفر المصادر الضرورية للتنمية الاقتصادية، وتعداده السكاني يبلغ 1.5 بليون نسمة، ووفرة المصادر الطبيعة والأسواق الإستهلاكية الكبيرة."

يقول المرجع الشيعي الصدر رحمه الله :"حين نريد أن نختار منهجاً أو إطاراً عاماً للتنمية الاقتصادية داخل العالم الاسلامي يجب أن نأخذ هذه الحقيقة(أي العقيدة الإسلامية) أساساً ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الأمة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف، ولابد حينئذ أن نُدخل في هذا الحساب مشاعر الأمة ونفسيتها وتأريخها وتعقيداتها المختلفة..(...)ان حاجة التنمية الاقتصادية إلى منهج اقتصادي ليست مجرد حاجة إلى إطار من أطر التنظيم الاجتماعي تتبناه الدولة فحسب ... ولا يمكن للتنمية الاقتصادية والمعركة ضد التخلف أن تؤدي دورها المطلوب إذا اكتسبت إطاراً يستطيع أن يدمج الأمة ضمنه وقامت على أساس يتفاعل معها. فحركة الأمة كلها شرط أساسي لإنجاح أي تنمية اقتصادية وأي معركة شاملة ضد التخلف لأن حركتها تعبير عن نموها ونمو ارادتها وانطلاق مواهبها الداخلية".

والعمل في إنتاج الموارد المادية فرض غين على كل قادر على العمل وكفء وميسرة له سبل العمل ، وفرض كفاية على كل من اقتضي تقسيم العمل الاجتماعي أن يعمل في التجارة أو الخدمات أو الادارة أو تربية النشأ أو غير ذلك من المهام الضرورية لحياة المجتمع واستمراره واستقراره . إلا أن استقامة النظام الاقتصادى تتطلب أن يكون عدد المشتغلين في انتاج الغذاء والضروريات للحياة المعاصرة هو الأكبر من عدد المعولين منهم ، أي الذين يعتمدون عليهم في توفير الغذاء والا حتياجات الضرورية لهم . مما يجعل عدم استثمار معظم الموارد البشرية القادرة على العمل في الإنتاج بمثابة اهدار لها . كما أن تضخم الجهازالبيروقراطي في دولة فقيرة على حساب الانتاج يعد سياسة هدامة للاقتصاد وضرب من ضروب السفه وتبديد الموارد المالية. وأيضا نوع من أنواع الظلم الاجتماعي ، فليس من العدل أن يعول كل فرد منتح عشرات من تنابلة السلطان الذين يستهلكون الثروة الوطنية دون أن يشاركوا في انتاجها. وفي هذا يقول الله في كتابه : “ وضرب الله مثلارجلين أحدهما أبكم لايقدر على شـيء ، وهو كل على مولاه ، إينما يوجهه لا يأت بخير ، هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ؟”(النحل 76) . وقد مرت علينا آيتان بنفس اللفظ والمعني يحددان أولويات النشاط الاقتصادي حيث يأتي في المرتبة الأولي إشباع الضروريات وهي الأولويات التي فطن اليها الشاطبي وغيره من فقهاء الأصول فرتبوا الاولويات إلى ضرورات وحاجات وتحسينيات . وفي الايتين في سورتي النحل وفاطر تم ذكر الغذاء كمثل للضروريات وليس كلها والحلية والزينة من الحاجيات وليس كلها ثم أتت بعد ذلك التجارة فيما وراء البحارللتعامل مع فائض الضروريات والحاجيات بيعا وشراء بغرض زيادة حجم الثروة وهو ما يعد من التحسينيات.
وأن تأتي الزينة في المرتبة الثانية بعد الغذاء مباشرة ، وبالتالي من الحاجيات حسب تقسيم علماء الأصول ، فإن ذلك يكشف عن اهتمام الإسلام في مجال الإحسان بالحسـن والجمال ، لأن الإحسان مشتق أساسا من الحسن , وفى ذلك أبلغ رد على الذين يريدون الحياة كئيبة ويدعون إلى التجرد من الزينة أو نغضون من قيمة الفنون الجميلة والاستعراضية والغناء والموسيقي والتمئيل ,,,الخ بدعوى مخالفتها للدين أو تشغلهم عن العبادة بينما قد يكون في هذه القنون ما يمكن اعتباره من العبادة ، إذا كان سيثير الفرحة والتفاؤل في قلوب المؤمنين ويفرج عنهم همومهم لتصفو قلوبهم ويمكنها التواصل مع الله . والمحرم قطعا منها هو ما يشتمل على فسوق وفحش وابتذال ومجرد من القيم الجمالية والاخلاقية ، أو يدعو إلى فساد أو انجلال ، إذ يصبح من قبيل إشاعة الفسوق والفساد في المجتمع ويشكل خطورة على استقراره وتماسكه وقيمه ومن قبيل العبث . أما ما كان في هذه الفنون ما يدفع نحو التأمل في آيات الله وجميل صنعه أو استيعاب القيم الجمالية والاخلاقية والرقي بالذوق العام للجمهور ويبعث الهدوء والسكينة في النفس القلقة المتعبة ويزيل الاحساس بالتعب والعناء ، ويرقي بالمشاعر الإنسانية ، فهو ليس حلالا فقط وإنما هو مطلوب أيضا بإلحاح ويتفق مع ما أوردت من آيات تحض على البهجة والمسرة في الحياة الزوجية وفي أحضان الطبيعة وفي الحياة كلها. ولست أدرى لماذا يريد هؤلاء المتزمتين الذين يدعون الغيرة على الدين أن تسود الكآبة نفوس وبيوت وحياة المسلمين على عكس ما أراد لهم خالقهم ووليهم في الدنيا والآخرة ،وهوالذي جاءمن لدنه دينهم. ويؤثر عن المسيح فوله :”لله المجد في الاعالي وعلى الأرض لسلام وبالناس المسرة ...”هذ الكلمات التي يرددها المسيحيون في صلواتهم. ونحن أولي بها.
إن ما يمكن أن يكون مكروها وليس محرما في هذه الفنون هو المغالاة والاسراف فيها بما يشغل عن العمل والانتاج فديننا دين الاعتدال والله لا يحب المسرفين.
وبالنسبة للحلية فقد حرم الذهب فقط على الرجال حتي يتوفر منه ما يحتاجه النقد المتعامل به في التجارة وتم استثناء النساء من هذا التحريم باعتبارهن أكثر حاجة إلى الزينة فكان ذلك بمثابة فضل لهن اختصهن به الدين ، وما كان أيسـر أن يحرمن من ذلك أسوة بالرجال ولكي يتساوين بهم . ولكن استعمال الذهب زينة للنساء يظل مقيدا بمبدأ عام هو عدم الإسراف اعتماداعلى قوله تعالي :” كلوا واشربوا ولا تسرفوا .." فإذا كان الاسراف ممنوعا في الغذاء وهو من الضروريات فإن الإسراف في الزينة وهي في مرتبة أقل يعد ممنوعا أيضا على المؤمنات التقيات.

الإصلاح الزراعي:
ويمتاز النشاط الانتاجي في الفلاحة(زراعة وإنتاج حيواني) فضلا عن انتاجه ماهو ضروى وحيوى للأمة ، بأنه الميدان الفسيح القادر على استيعاب ملايين السكان وتأمين الغذاء الضروري لهم في نفس الوقت ، وذلك عندما يتم تمكين أسرهم وعائلاتهم من أراض صالحة للزراعة أو الانتاج الحيواني ، في حدود قدرة الأسرة على العمل وبحيث لا تقل أو تزيـد مساحة الأرض عن ذلك ، لضمان الحصول من الأسر على أكبر انتاجية ممكنة . ويذلك يتم إتاجة فرص العمل للشباب العاطلين والقضاء على البطالة واستثمار الثروة البشرية المتاحة بالكامل ،وضمان استقرار وأمن ورخاء المجتمع . وكلما تواصلت التنمية الأفقية والرأسية في القطاع الفلاحي كلما أمكن لهذا القطاع أن يمتص حصة كبيرة من تشغيل القوى العاملة الجديدة الناتجة عن زيادة السكان ، وتحويل الزيادة السكانية إلى زيادة في الانتاج.
وتوزيع الأراضي الصالحة للزراعة على الأسر الفلاحية لا يدعو اليه الالتزام بأيديولوجية معينة وليس فقط لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في ملكية أراض الوطن من منطلق مساواة المواطنين في واحباتهم نحوه ونحو حمايته ، وإنما لدواع اقتصادية بحته , وقد قام بالإصلاح الزراعي اليابانيون في عهد الميجي ولما يكن دافعهم لذلك فكرا اشتراكيا أو انطلاقا من الطاوية (ديانة اليابان) ونفس الشي حدث في كوريا الجنوبية بعد ذلك بواسطة قيادتها العسكرية والتي لم تكن أيضا لا اشتراكية ولا متأثرة بالتعاليم البوذية .
وفي تقرير صادر من هيئة الإستعلامات المصرية سنة 1994 تحت عنوان : استصلاح الصحراء وزراعتها ، جاء في صفحة 64 منه ما يلي : وفي مقارنة بين إنتاجية الأراضي نجد أن الأراضي الموزعة على المنتفعين انتاجيتها أعلى من انتاجية الأراضي الموزعة من المحترفين للزراعة ذات مردودية أعلى من تلك الموزعة على الخريجين “، ثم يوضح التقرير السبب في أن الحيازات الموزعة على صغار المنتفعين تتراوح بين 3-5 أقدنة في حين تتراوح حيازات الخريجين بين 20-30 فدانا ولا تساهم أسرهم في أداء العمل الزراعي ، حيث يقومون بتدبير الحد الأدني الذي تحتاجهم زراعتهم من العمالة مدفوعة الأجر . وفي مواضع أخرى يعترف التقرير أن إنتاجية أراضي صغار المنتفعين والتي لا تكاد تتلقى أى دعم تفوقت على انتاجية الشركات الزراعية أيضا المملوكة للدولة أو القطاع الخاص رغم أمكانياتها الكبيرة ، وانتاحية هذه الشركات والتي تعتمد على الزراعة الآلية.

أهمية الإصلاح الزراعي:
وما شهدت به هذه الوثيقة الحكومية سالفة الذكر، سبق أن أقر به العديد من خبراء الزراعة والتنمية في الأمم المتحدة وخارجها ،وتشهد به التنمية في الصين والهند ودول شرق أسيا الاخرى التي تطبق نموذج الزراعة العائلية، فالأسرة الصغيرة في الملكية الزراعية المحدودة وبسـواعد أفرادها وحدها هي القادرة على تحقيق أكبر انتاجيـــة بالمقارنة بالمساحة وليس كبار الملاك والزراعة الآلية أو الحديثة. ومع ذلك فإن أنظمة الحكم العربية لم تأخذ هـذا في اعتبارها . وواصلت توزيع الملكيات الكبرى من الأراضي على كبار الملاك والشركات الزراعية الكبرى وتركت صغار الفلاحين يواجهون مصيرهم ، بل تم اغتـصاب أراضيهم وتجريدهم منها في بعض الحالات . لم يكن التصرف هذا بمثابة منح من لايملك من لايستحق فقط ، أو إهدار لحقوق غالبية المواطنين وللعدالة الاجتماعية ، وممارسة بالتالي للظلم ، وانما دليل على اختيار الأسوء في السياسة الاقتصـادية وما يترتب عليه من خلق الأزمات الاقتصـادية في البلاد نتيجة سوء تلك السياسات المتبعة والمتعارضة مع ضوابط الاقتصاد وضروراته التي توصل إليها الخبراء فيه..
أن مشكلة البطالة المتفاقمة ، وارتفاع تكاليف المعيشة فوق طاقة محدودي الدخل بسبب التضخـم الناتج عن عدم تناسب المعروض من السلع الضرورية مع الطلب عليها ، وانتشار الفقرالمتزايد كنتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية لأغلب السكان وضعف مواردهم ومحدودية وسائل الكـسب لديهم وفرصه ،وتزايد الهجرة من القرى نحو أقرب مدينة وما يترتب عليها من تطويق المدن بأكواخ الصفيح والمسـاكن العشوائية، وتدهور الخدمات الحكومية ، وما أفرز هذا كله من انتشار الفساد والدعارة والجرائم والمخدرات والمواد المسكرة (الخمور),,,ألخ. هي ظواهر صارت تطبع الحياة العامة في كل من مصر والجزائر والمغرب .كل ذلك كان يمكن التخلص منه أو الحد منه بانتهاج سياسة لإعادة توزيع ملكية الأراضي الزراعية . وإذا كان هذا كان مطلوبا وواجبا قبل خمسين عاما ، فإن تدراك الخظأ وإصلاحه أفضل من مواصلة الاستمرار فيه . وإذا تعدر إعادة توزيع الأراضي الزراعية بعدالة ومساواة ، كما حدث في اليابان وكوريا الجنوبية ، فإنه يجب العمل على تنفيذ مشروعات للتمية الأفقية للأراضي الزراعية ، بإصلاح واستزراع أراض جديدة قابلة للزراعة بعد تأمين المياه إليها ، وهو أمر لو تعذر أن تقوم به دولة واحدة أمكن أن تتعاون فيه عدد من الدول في أقليم جغرافي واحد ، ولأن يتعاونون على النماء خير لهم من التنازع على البقاء.وتوزيعها على أسر الفلاحين المحتاجين وعلى خريجي المدارس الزراعية العاطلين وخريجي المدارس الأخرى بعد إخضاعهم لتكوين سريع يحصلون فيه على المعلومات الأساسية التي تتطلبها تنفيذ مشروعات زراعية صغيرة وتدريبات عملية كافية . فمثل هذه المشروعات لزراعية الصغيرة التي تقام على مساحة في حدود هيكتارين أو خمسة أفدنة كافية لإعالة أسرة متوسطة الحجم والوفاء بجميع احتياجاتها المعيشية ، لو توفرت مياه السقي ليه واستغلت في زراعة كثيفة ، أي طول السنة ..
وتتميز المشروعات الفلاحية عامة بما يلي :
1- تعتبر من أقل المشروعات استنفادا للنقد الأجنبي حيث لاتزيد نسبته عن 10 في المائة وقد لا تحتاجه أو لا تزيد حاجتها منه على 1في المائة.
2- تعتمد أساسا على السواعد والخبرة الفنية المحلية التي تسهم في جميع مراحل المشروعات .
3- تدفع المجتمع نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي عن طريق تنمية قطاعات الانتاج المختلفة الأخرى وخاصة الصناعات الغذائية المعتمدة على الانتاج الزراعي والحيواني ، وتنشيط خدمات التجارة والتمويل والنقل وتحقيق الرخاء للسكان عامة وللفلاحين خاصة.
4- دات مردودية في حالة توفير السقي والبذور المنتقاة والأسمدة شبه ثابتة ومضمونة ويساعد التقدم العلمي باستمرار في العلوم الزراعية والتكنولوجيا المرتبطة بها في زيادة الانتاجية ومردودية الأرض.
5- تعمل على خلق مجتمعات جديدة متكاملة تتوفر فيها ظروف معيشية مناسبة .
6- من أكثر المشروعات استيعابا للقوى العاملة ، والمزرعة العائلية يعمل فيها جميع أفراد الأسرة وما تتميز به من زيادة انتاجيتها عن غيرها ناتج عن ذلك.
7- تحرر البلاد من أهم مظاهر وأسباب التبعية للخارج وتوفر النقد الأجنبي الذي يتم به استيراد المواد الغذائية بتحقق الكفاية الذاتية من الغذاء.
8- وجود الطلب والأسواق المحلية والخارجية المتعطشة للسلعة الغذائية وضعف المنافسة والمزاحمة مما يجعل التسويق ميسرا.
وقد ضرب الله مثلا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله من زراعةالحبوب توضح قدرتها على مضاعفة رأس المال وكمية الغذاء المنتج . فقال الله تعالي “ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء ، والله واسع عليم “ (البقرة: 261) ،وما كان الله ليضرب هذا المثل ما لم يكن بإمكان الانسان إن أحسن العمل واستثمر التقدم العلمي أن يحصل مقابل الحبة المزروعة على 700 حبة أو أكثر بمشيئة الله .
ويمكن تخصيص جزء من هذه الأراضي للبيع الفورى للمقتدرين بالخارج أو المواطنين العاملين بالخارج للحصول على جزء من التمويل الذي يحتاجه مشروع اصلاح واستزراع الآراضي ,ويتم توزيع الباقي على أرباب الأسر ويحتاجون إلى الأرض الزراعية على أن يقوم الملاك الجدد بسداد ثمن الأرض على أماد طويلة.وأخضاع هذه الأراضي إلى تشريعات خاصة تضمن بقائها دون تجزئة أو تصرف فيها إلى أن يتم سداد ثمنها بالكامل ، وفي حالة الرغبة في التخلص منها من الملاك الجدد لها يتم إعادتها للدولة التي تقوم بأعادة توزيعها على المستحقين.مع سداد المبالع التي سددها المتنازل عن الأرض له بالتقسيط مثلما سددها هو من قبل بالتقسيط.

ويقر فقهاء المسلمين على أن الأصل هو حق كل أسرة أن يكون لها نصيب من أرض بلادها إن توفرت الأراضي واتسعت لسد حاجة الجميع منها . وأن هذا ليس منحة أو منه من الدولة لأن الأرض أساسا ملك لله وسكان الدولة مستخلفون جميعهم فيها . وبالتالي فإن تقسيم الأراضي حق شرعي يجب أن يتمتع به جميع أفراد الأمة ولكنهم يرون أيضا أن إعادة التوزيع للآراضي المستغلة فعلا قد يمس أوضاع مستقره وحقوق متوارثة ، ويثير من المشاكل ما يمكن تفاديها ، وبدعوى أن درء المفاسد مقدم عن جلب المنافع وهو عموما مبدأ خاظئ , بل إن نزع ملكية أو حيازة 1200هيكتار من شخص واحد وتوزيعها على 600 أسرة تضم 3000نسمة لضمان عيش كريم لها بمعدل هيكتارين لكل أسرة معدل عدد أفرادها خمسة أفراد. هو وضع حد لوضع فاسد وظالم ولا يرضي عنه الله من ناحية ،وفي نفس الوقت جلب منفعة لثلاثة آلاف نسمة من ناحية أخرى. ويرى الفقهاء بأنه عوض التعرض للملكيات القائمة يمكن أن يتم توزيع الأراضي البيضاء أو الموات وتمليكها لمن يعمرها ويزرعها وهذا حل لا بأس لو توفرت تلك الأراضي وبحيث يتم توزيعها على الأسر.
ولا توزع هذه الأراضي على الأفراد لآن فلاحة الأرض تحتاج تعاونا حده الأدني فردين ، وهو ما يتوفر في الأسرة التي تتكون من زوج وزوجه ، ويتحقق به أيضا المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق باعتبار أن الأسرة هي الجامعة بينهما وأن نفع الأرض سيعود عليهما معا وعلى من ينجبانه من أولاد.
إن الانسان العاطل الذي لا ينتج بمثابة ميت تماما مثل الأرض البور ، وإحياء موات الأرض لصالح موات البشر هو أحياء للأرض والبشر معا وزيادة منافع المجتمع وعلاج لعلله وشفاء لها بأدن الله.

No comments: