Monday, November 28, 2011

التحديات الخمس الكبرى التي يواجهها حزب العدالة والتنمية المغربي بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية.

الاثنين 28 نوفمبر 2011

فوز حزب العدالة والتنمية:
فاز حزب العدالة والتنمية المغربي فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية التي نظمت يوم 25 نوفمبر مقارنة مع حصيلة الأحزاب المنافسة له في تلك الانتخابات، وحصل الحزب بذلك على أكثر من ربع مقاعد البرلمان تقريبا. واقتصر فوزه إلى حد كبير على المدن الكبرى دون العالم القروي أو المناطق النائية في المملكة .

وبدأت مشاركته في الانتخابات البرلمانية المغربية ابتداء من الانتخابات التشريعية لـ 1997 التي حصل فيها على 9 مقاعد ثم في انتخابات 2002 على 42 مقعدا نيابيا وعلى 46 مقعدا نيابيا في سنة 2007 وأخيرا في انتخابات 2011 والتي فاز فيها ب117 مقعد، وتبوأ فيها المرتبة الأولى بما يؤهله لرئاسة حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى لعدم توفر الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من الحكم منفردا..وهذه الأحزاب بعضها شارك في الحكومات السابقة خلال العقدين الماضيين وبعضها شارك على نحو ما في معظم الحكومات منذ الاستقلال، وفقد أغلبية الشعب الثقة فيها .
وقد أظهرت النتائج النهائية الرسمية للانتخابات المعلنة بعد ظهر يوم الأحد 27 نوفمبر، فوز حزب العدالة والتنمية ب 107 مقعد في البرلمان و حزب الاستقلال 60 مقعدا، حزب التجمع الوطني للأحرار 52 مقعدا.و حزب الأصالة والمعاصرة 47 مقعدا، و حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على 39 مقعدا، و حزب الحركة الشعبية 32 مقعدا، وحزب الاتحاد الدستوري 23 مقعدا، وحزب التقدم والاشتراكية 18 مقعدا.

تشكيل حكومة ائتلافية :
يجد حزب العدالة والتنمية نفسه ، وفق الدستور، ملزما بتصدر حكومة يشكلها وينتظر الشعب المغربي منها أن تحقق له طموحاته التي عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقها، وهو مضطر إلى تكوينها مع أحزاب أخرى كانت مناوئة له بدرجات متفاوتة. ومن الطبيعي أن يكون قد أزعجها ما حققه من فوز كبير في الانتخابات وأن تعتبر أي إنجاز للحكومة سيحسب له ، وسيكون من شأنه تعزيز مكانته شعبيا. وإذا كان قد فاز فوزا اليوم احتاج معه مضطرا إلى مشاركتها معه في الحكم ، فقد يساعده نجاح الحكومة على اكتساح الانتخابات القادمة وأن يشكل حكومة بدونها ويحول ذلك دون تحقق أي تناوب سياسي مأمول في المستقبل.

وقد حصلت أحزاب الكتلة الديمقراطية الثلاثة على 117 مقعدا. وفي حالة دخولها في حكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية سيكون لدى الحكومة الإئتلافية أغلبية برلمانية مريحة نسبيا عبارة عن 224مقعدا.

وأذ تردد القول عن احتمال توجه الحزب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع مكونات حزبية أخرى بخلاف أحزاب الكتلة، وخاصة حزب الحركة الشعبية، فإنه يفهم من حديث للسيد/حسن الداودي، نائب الأمين العام للحزب ،أن الانفتاح على أحزاب أخرى خارج الكتلة هو من قبيل الاحتياط لمواجهة أية احتمالات غير منظورة ، حيث يستهدف الحزب تقديم وجوه جديدة في الحكومة، وأيضا تقليص حجم المجلس الحكومي، فإن لم يوافق الشركاء في الكتلة على ذلك التوجه ،سيضطر الحزب للبحث عن شركاء آخرين لتشكيل الحكومة الائتلافية ممن يقبلون بهذا التوجه .

التحديات الكبرى التي يواجهها الحزب:

1- التوافق مع شركاء الائتلاف:
لن يكون التوافق مع الأحزاب التي سيضطر الحزب إلى أشراكها معه في ائتلاف حكومي سهلا، ليس بسبب اختلاف المرجعيات والأيديولوجيات، فمثل هذا الاختلاف شكلي وليس جوهري، حيث نجد أن الحزب الذي يصف نفسه بأنه يساري قد تخلي بالفعل عن يساريته منذ أمد بعيد ، والحزب الذي يصف نفسه بالليبرالي لا يوجد في ليبراليته ما يتناقض مع توجهات العدالة والتنمية على الصعيد الاقتصادي . الاختلافات ستأتي من محاولة العدالة والتنمية اتخاذ سياسات ذات مردودية اجتماعية تصطدم بمصالح المهيمنين على تلك الأحزاب أو تعارضها بسبب مؤثرات من جهات خارج الحكومة ذات نفوذ عليها.. وتاريخ مشاركة هذه الأحزاب في الحكم منذ الاستقلال لا يبين أنها كانت حريصة في مشاركتها بتحقيق مصالح البلاد والشعب وإنما لتحقيق مكاسب شخصية لقياداتها ولعائلاتهم والمقربين إليهم.

وإذا أخذ في الاعتبار ما سبق الإشارة إليه من أن نجاح الحزب قد تنظر إليه الأحزاب المشاركة له بأنه ليس في صالحها ، فتسعى من داخل الحكومة إلى عرقلة سياستها ، فإن ما عبر عنه أمين عام الحزب من رغبته في تكوين حكومة وحدة وطنية تجمع العديد من الأحزاب لا يعد في صالح الحزب.وخاصة مع وجود توجه لدى الحزب بتقليص عدد الوزارات.

ولقد كان الأمثل لحزب العدالة والتنمية أن يشكل الحكومة مع حزب الاستقلال ثم يتم استكمال الأغلبية بضم عدد من الأحزاب الصغيرة للأغلبية دون منحها حقائب وزارية، ولكن الذي يحول دون ذلك حاليا هو اشتراط حزب الاستقلال ضم مكونات الكتلة الأخرى إلى الحكومة لكي يشارك فيها.أي حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا).

2-التوافق مع المؤسسة الملكية:
احتفظ الدستور المعدل بكامل صلاحيات ملك البلاد، وإن كان قد وزعها على عدد من مواده بخلاف الدستور السابق الذي جمعها في مادة واحدة. وتعول العدالة والتنمية على العمل بتوافق مع المؤسسة الملكية وصرح أمينها العام قبل الانتخابات بأنه أذا فاز حزبه بالمرتبة الأولي فإن علاقته مع جلالة الملك ستكون علاقة مباشرة بدون وسطاء.

ولجوء الحزب للمؤسسة الملكية هدفه الحد من ضغوط جهات في الدولة نافذة سبق أن عانى الحزب من ضغوطها عليه ، إن لم نقل محاربتها له . فضلا عن معاداة علنية لحزب سياسي له كان يستغل علاقة مؤسسه بالمؤسسة الملكية، ويعتبر نفسه ممثلا لتوجهاتها وسياستها في حين كان حزب العدالة والتنمية مؤازرا وما يتوقعه أيضا من مشاكل مع شركائه في الائتلاف الحكومي تحتاج إلى أن يكون الملك حكما فيها حتى لا تعرقل المسيرة الحكومية.. ويظل السؤال هو هل ينجح الحزب في الحصول على قناة اتصال مباشرة مع الملك تتيح له الاتفاق على سياسة موحدة لإصلاح البلاد وتخليصها مما انتشر فيها من فساد؟...هل يمكن أن تتحول مهمة الحكومة من مجرد منفذة لتعليمات الملك كما هو معهود، إلى شريكة له في الحكم ،بحيث تكون القرارات ناتجة عن تشاور بينهما؟..إن فشل الحزب في هذا الرهان لا يعني عمليا سوى احتمال فشله في إدارة الشأن العام بما يحقق توقعات الشعب منه ، سواء على مستوى الاقتصاد والتنمية وتحسين ظروف المعيشة وتشغيل العاطلين ووقف انتهاكات حقوق الإنسان والإفراج عن المسجونين في قضايا سياسية بمحاكمات مشكوك في عدالتها ونزاهتها..فضلا عن إصلاح القضاء وضمان استقلاليته، ليس عن وزارة العدل وإنما عن الأجهزة الأمنية، وتحسين خدمات التعليم والصحة للمواطنين...الخ ، وهي مهام يراهن الحزب على النجاح فيها إذا ما توافقت إرادته مع الإرادة الملكية. وتوافق الإرادتين لا يتحقق بغير تشاور دائم بينهما يزيل أي سوء فهم في التقدير، ويحول دون أي تأثيرات خارجية عليهما فيما يتفقان عليه من سياسة وقرارات.

كما قال بن كيران أيضا بأنه لم يعد في الدستور وزارات سيادية ، ولكن لا يتوقع أن يتمكن رئيس الحكومة من تعيين وزراء الخارجية والداخلية والأوقاف، وربما العدل أيضا. وحسب الدستور فإن الملك هو رئيس لمجلس الوزراء أيضا وهو الذي يعينهم وفق ما يقدم إليه من ترشيحات. وكان مستشارو الملك يتدخلون دائما في المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومات واختيار أسماء الوزراء التي ستعرض على الملك.
كما اشتهرت مقولة" إن الدستور، وخاصة في الدول العربية، هو القانون الذي وضع لكي لا يتم الالتزام به".

3- التغلب على سلبيات الواقع المغربي:
تشكل الواقع المغربي الحالي خلال خمسة عقود تلت حصول المغرب على استقلاله. وبعضه يعود إلى ما قبل الاستقلال وما أفرزه الاستعمار الفرنسي. تغيير بنيات وثقافة هذا الواقع ليس سهلا بسبب تجذره خلال تلك السنوات الطويلة. وكان تكونه يحفز عليه ما يعتبر ردود أفعال على ما كانت تواجهه الملكية من معارضات سياسية يستهدف أصحابها مشاركتها في الحكم والغنم أكثر من تحقيق مصالح البلاد، وأيضا ما تعرضت له من مؤامرات ومحاولات انقلاب عسكري عليها في السبعينيات، وتأثيرات المد الاشتراكي والقومي في الستينيات ثم مشكلة الصحراء التي كان لها تأثيرا سلبيا على الوضع السياسي والاقتصادي خلال العقود خمسة وثلاثين عاما وما رافقها من توتر الأوضاع مع الجزائر..وكل هذه المؤثرات خلقت واقعا معقدا من أكثر مظاهره ما يوصف عادة باقتصاد الريع والامتيازات، والذي ساد محل اقتصاد إنتاجي يتيح خلق وظائف بشكل مستمر ويسهم في تراكم الثروة الوطنية وتحسين أوضاع الاقتصاد وتحسين ظروف معيشة المواطنين. وهذا الاقتصاد الريعي ترتبط به مصالح قوى نافذة حاليا في المجتمع تعد أيضا من إفرازات السياسات التي اتبعت خلال العقود الماضية. كما ترتب على ما سبق تدني مرتبة المغرب في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة سنة بعد أخرى حتى وصل مؤخرا إلى المرتبة 130.

وعلى سبيل المثال لم يكن يوجد في المغرب إقطاع قبل استقلاله فيما عدا ما استولت عليه الإدارة الفرنسية من أراضي للفلاحين ووزعتها على المعمرين الفرنسيين لإنتاج محاصيل غذائية يتم بها تموين فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ، ومع الاستقلال ألزم المغرب المستعمرين بترك المزارع التي كانت بحوزتهم وتم تعويضهم ماليا عن كل ممتلكاتهم في المدن والقرى من خزينة الدولة، وعوض إعادة هذه الأراضي التي اغتصب الاستعمار معظمها من أصحابها إلى الفلاحين المغاربة ، تم تقديم هذه الضيعات على هيئة منح ملكية لبعض الأفراد لخلق طبقة سياسية ثرية مؤيدة للنظام الملكي ، وأدارت الباقي شركتان حكوميتان. وفي السنوات الأخيرة قامت الشركتان ببيع أو تأجير هذه الأراضي لنفس الطبقة السياسية المدنية والعسكرية التي حصلت من قبل على أراضي الدولة. ومن ذلك أنه كان لدى المحجوبي أحرضان ، مؤسس حزب الحركة الشعبية ستة آلاف فدان من المرحلة الأولي فضم إليها ستة آلاف أخرى حصل عليها عندما كان محند العنصر الذي حل محله في قيادة الحزب، وزيرا للزراعة.
وبالنسبة لجميع الدول التي سعت إلى تطوير اقتصادياتها والتحول من الزراعة إلى الصناعة مثل اليابان أو كوريا الجنوبية كان أول أجراء اتخذته في هذا الصدد إصدار قوانين تحد من الملكية الزراعية لكبار الملاك وتوزيع الأراضي على صغار الفلاحين. ولم تكن أسرة الميجي الحاكمة في اليابان أو الجنرالات في كوريا الجنوبية متأثرين بأي فكر اشتراكي،ولكنهم كانوا يؤمنون أن التطوير الرأسمالي للبلد يحتاج إلى ذلك، ومن أجل توجيه رؤوس الأموال لدى هؤلاء الملاك الزراعيين إلى الصناعة بالإضافة إلى فائض القوى البشرية الفلاحية.
فهل سيكون بإمكان حزب العدالة والتنمية أن يعتمد نفس المسار بينما بعض زعماء الأحزاب المؤتلفة معه من المستفيدين من هذه المنح والامتيازات أو استفادت منها عائلاتهم ؟. أغلب الظن أنه لو حاول لتم الانقلاب عليه والإطاحة بحكمه فورا من قبل باقي الفرقاء السياسيين سواء المؤتلفين معه في الحكومة أو المعارضين له من خارجها ، بالإضافة إلى قوى أخرى غير محسوبة على السياسيين وإن كانت دائما تتدخل في توجيه السياسة العامة على نحو ما في المغرب من خلف الكواليس.

ويقول الأستاذ أحمد الريسوني :" منذ خمسين عاما وستين عاما وأكثر، فرضت على شعوبنا مصادرةٌ جبرية لحريتها، ووصاية قسرية على إرادتها، فبقيت مغلوبة على أمرها. واليوم سقط جدار برلين، وبدأ الناس يتحررون ويتحركون...". وينتظر الشعب المغربي وكل شعوب المنطقة أن تعبر الحكومة التي يرأسها حزب العدالة والتنمية عن هذا التحرر وتلك الحركة، وإلا فقد الثقة التي أولتها له الجماهير في تلك اللحظة التاريخية المتميزة أو التي يفترض أن تكون متميزة عن المعهود سابقا ومغايرة له.

يقول عبد العالي حامي الدين عضو الحزب :" الشعب المغربي يريد حكومة مسؤولة تمارس صلاحياتها الدستورية كسلطة تنفيذية حقيقية متحررة من رواسب ثقافة سياسية ثقيلة جعلت من الحكومات السابقة - في أحسن الأحوال – مجرد حكومات لتصريف الأعمال."
ويضيف عبد العالي:" التحديات التي تنتظر حزب العدالة والتنمية ليست تحديات سهلة، فأمامه انتظارات كبرى على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والمطلوب أن يستجمع أنفاسه بسرعة بعد معركة الانتخابات والانكباب على استيعاب مستلزمات المرحلة الجديدة ...".

واعتبر الباحث في العلوم السياسية عز الدين العزماني أن الربيع العربي هو "ولاية المجتمع على ذاته من خلال إرادة التحرر والكرامة" وهو أيضا "استعادة الشعب للدولة التي سرقت منه من قبل شخص أو نخبة أو عائلة أو قبيلة أو غيرها". ما يعني أن المجتمعات العربية "تشهد تحولا فلسفيا وسياسيا عميقا لمفاهيم الدولة والسلطة والمجتمع وللجدليات التي تنجم عنها". وأذا كانت حكومة العدالة والتنمية تعد وليدة هذا الربيع العربي فأنها مطالبة بأن تكون أفضل تعبير عن فلسفته ومحققة لأهدافه. وفوزها في الانتخابات هو بداية طريق ليس مفروشا بالورود وإنما يمكن القول بأنه مغطى بالأشواك وستواجه فيه تحديات كبيرة.

وقد تناول كتاب مغاربة التحديات التي ستواجه الحزب على كل صعيد ، وأراها جميعها متفرعة من التحديات الخمس المذكورة هنا.

4- النظام السياسي والسياسة الخارجية:
لقد كان واضحا أن الملك الحسن الثاني في أواخر حياته وبعد أن دفعه مرضه إلى قدر من الاعتكاف والحد من نشاطاته تاركا كل الأمر للحكومة ووزير داخليته إدريس البصري، أتيحت له فرصة تأمل المسار السياسي الذي قطعته البلاد في عهده ، والسياسات التي اتبعت والسلبيات التي نتجت عنها ، وتطلع إلى أحداث تغيير في النظام السياسي الداخلي وفي الأفق الاستراتيجي للسياسة الخارجية ، يختلفان تماما عما سارت عليه المملكة عبر عقود سابقة. ولم تكن حالته الصحية والتي يبدو أن القوى اللصيقة وقتها بالقصر، وخاصة إدريس البصري وزير الداخلية، قد استثمرتها لدعم نفوذها وسيطرتها ولم تكن على استعداد لمؤازرة توجيهات الملك الجديدة . ولم يكن أمام الملك سوى إصدار إشارات في الخطب الرسمية التي يوجهها في المناسبات . وأركز هنا على مؤشرين :
أولهما : ما ورد في أحد خطاباته الأخيرة من تحبيذه لنظام الحكم الفيدرالي الديمقراطي وضرب مثالا لذلك بالحكم الألماني وقال في خطابه إنه لو لم يكن مغربيا لتمني أن يكون مواطنا ألمانيا بسبب النظام السياسي القائم في ألمانيا.
وثانيهما : فيما يتعلق بالإستراتيجية السياسية فقد أعرب عن أمله أن تمتد الوحدة المغاربية لتشمل المنطقة بين البحر الأحمر والمحيط الأطلسي ، ويعني ذلك إدماج مصر والسودان فيها، ويسمح هذا التصور بضم أثيوبيا وإريتريا ودول جنوب الصحراء الكبرى ايضا.
وبعد وفاته استمر الحديث بالنسبة للنظام السياسي الداخلي عن الجهوية الموسعة دون أن يحدث أي تغيير أو توجه فعلي نحوها وفي حين تمت الموافقة على منح الصحراء حكما ذاتيا كاملا كحل لمشكلتها، دون تنفيذ ذلك لا في الصحراء ولا في غيرها من مناطق المغرب.وعلى الرغم مما أشار إليه الكثيرون من أن تطبيق المقترح في الصحراء وفي باقي أنحاء المغرب يساعد على إنهاء مشكلة الصحراء نهائيا ، ويؤكد على مصداقية المقترح المغربي لدي المجتمع الدولي ويضمن تضامن الرأي العام العالمي معه.، ظلت الأمور على ماعليها.

أما بالنسبة لما أسميته بالأفق الاستراتيجي فقد ظل وضع السياسة الخارجية وتوجهاتها كما هي ،وكل انشغالاتها متعلق تقريبا بمشكلة الصحراء.

والنظام السياسي الحالي والقوى المتحكمة فيه أو المسيطرة عليه من خارج البرلمان والحكومة المنتخبة، ، بل والمنازعة لهما في اختصاصاتها، والتي من مصلحتها الإبقاء على مركزيته، تضيق من مجالات حركة الحكومة في تقرير سياسات جديدة داخلية أو خارجية، ما لم تحصل على دعم كامل من المؤسسة الملكية.

5- الارتباطات الخارجية :
تشكل الارتباطات الخارجية للمغرب وخاصة اتفاقات مثل اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة أو مع الاتحاد الأوروبي أو الصيد البحري وغيرها من اتفاقيات رسمية ، لم تحقق أي منفعة للمغرب و كانت في الغالب نتيجة ابتزاز سياسي مرتبط بقضية الصحراء ، أحد المعيقات التي ستواجه حكومة العدالة والتنمية . فضلا عن سياسة التحرر الاقتصادي والتقويم الهيكلي، والتي رغم الاعتراف حتى ممن نصحوا بها بأضرارهما على الدول النامية التي طبقت عليها، فإنها تصب في صالح قوى محلية ليست على استعداد لتعديلها أو التخلي عنها ، وستواجه أي تغيير فيها بذرائع عضوية المغرب في منظمة التجارة الدولية وما بينه وبين الدول الغربية من اتفاقيات وشراكات تجارية،بالإضافة إلى سياسات ما يعرف بالتفويض المفوض التي أوكلت خدمات إلى شركات أجنبية تستنزف الموارد المحلية وتصدر فائض قيمة استثماراتها للخارج، والشركات الناجحة مثل اتصالات المغرب وغيرها من مؤسسات الدولة الاقتصادية التي كانت تدر دخلا هاما على خزينة الدولة و تم بيعها لشركات أجنبية لسداد القروض الأجنبية أو لأغراض أخرى غير التنمية الاقتصادية ، في صفقات شفافيتها موضع شكوك، ولم يعد بإمكان الحزب استعادتها للدولة أو للشعب المغربي مرة أخرى ولا مجال لمراجعتها والتراجع عنها. وستكون معركة بين تلك القوى المستفيدة منها وبين الحزب لو تصدى لها، وغير مضمون إلى أي جانب ستقف المؤسسة الملكية كحكم في الخلاف. وهناك أيضا العلاقات الغير معلنة سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو غرهما مع دولة مثل إسرائيل والتي يوجد في الدولة من يحرص عليها، ويتم تسويقها على أنها تساعد المغرب على أن يكون له دور في العملية السلمية ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني بينما لا توجد في الواقع أية مسيرة سلمية يمكن التعويل عليها.

فوزي منصور

Thursday, November 10, 2011

هل يمكن تعويل أوروبا على دول شرق آسيا لحل أزمتها المالية الحالية؟

توجهت الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية الى دول شرق آسيا للتعاون في انقاذ اقتصاديات دول اﻻتحاد اﻷوروبي التي تعاني من الركود والتخبط في أزمة مالية طاحنة ، بينما لم تقدم كل من الوﻻيات المتحدة وأوروبا أي عون لدول جنوب شرق آسيا عونا غير مشروط ﻹخراجها من اﻷزمة المالية التي تعرضت لها عام 1997 حتي يكون ذلك دينا عليها تلتزم أخلاقيا برده اليوم.بل وكانت الشركات اﻷمريكية واﻷوروبية أكثر المستفيدين من تلك اﻷزمة اﻷسيوية.ومن شأن استمرار معاناة الوﻻيات المتحدة وأوروبا من اﻷزمة اﻻقتصادية والمالية الحالية أن تضطر لبيع منتجاتها بأسعار أقل وتخفيض عملاتها وهو ما يحد من كلفة الواردات منهاالى الدول اﻷسيوية والتي تحتاجها تنميتها، أي أن اﻷزمة تصب على نحو ما في صالح الدول اﻵسيوية. ويمكن اعتبار اﻷزمة اﻷوروبية الحالية بمثابة هزات ارتدادية متأخرة لزلزال أزمة القروص اﻻئتمانية اﻷمريكية عام 2007.

فقد تعرضت اﻷسواق المالية لدول جنوب شرق آسيا والتي كانت تعرف بالنمور اﻵسيوية بسبب الصعود الكبير والمستمر ﻻقتصادياتها الى هزة مالية قاتلة .2وكانت بداية الأزمة من تايلندا بعد عمليات مضاربة على الـ(BAHT) التايلندي في يوليو 1997 من خلال قيام ستة (6) من تجار العملة في بانكوك بالمضاربة على خفض سعر هذه العملة بعرض كميات كبيرة منها للبيع، أدت إلى انخفاض قيمته بالنسبة للعملات الأخرى. ولم تتمكن الحكومة في الحفاظ على قيمة عملتها بعد أن تآكل الإحتياطي النقدي الأجنبي لديها، مما أدى بها إلى خفض رسمي في قيمة العملة تسبب و بصورة فورية في تراجع حاد لأسعار الأسهم بعد أن قرر الأجانب الانسحاب من السوق.وبلغت اﻷزمة ذروتها في بداية من يوم الاثنين في الثاني من أكتوبر 1997 ،عندما انهارت اﻷسواق المالية بالمنطقة و سجلت أسعار الأسهم فيها معدلات منخفضة بشكل حاد،وسرعان ما انهارت على إثر ذلك اﻷسواق المالية للدول اﻵسيوية اﻷخرى.ولم ينفع اقتصاديات تلك الدول ما كانت تتمتع به وقتهامن معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة ( %8 - %7 كمتوسط)، وتنوع قاعدتها التصديرية، واندماج أسواقها و اقتصادياتها في الأسواق العالمية...وشاع وقتها أن أحد أهم أسباب اﻷزمة المضاربات التي قام بها الملياردير ساويرس واستغل فيها ثغرات في النظام المالي لتلك الدول ونقاط ضعف فيها..وقد تعرضت ﻷسوء تداعيات تلك اﻷزمة كل من تايلند وأندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان بينما لم تؤثر كثيرا على الصيين رغم أنها كانت المستهدفة منها.كما تضررت منها أيضا كل من كامبوديا وﻻوس حيث تسببت في ايقاف اﻻصلاحات اﻻقتصادية بها.وعرض وقتهاكل من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي مساعدة الدول المتضررة بقروض منهمامشروطة ، وكان من تلك الشروط إجراء جملة من التغييرات الهيكلية على الإستراتيجيات الإنمائية التي تبنتها هذه الدول في السنوات السابقة وإعادة تقييم عملاتهاوإغلاق عدد من بنوكها. فاستجابت له كل من تايلاند وأندونيسيا بينما قررت الدول الثلاثة اﻷخرى اﻻعتماد على نفسها في علاج اﻷضرار الفادحة التي لحقت باقتصادياتها، وكان سلوكها اﻻعتماد على الذات هو سبيلها من سرعة التخلص من آثار اﻷزمة واسترداد اقتصادياتها لعافيتها ، بينما تعثرت الدول التي اعتمدت على القروض اﻷجنبية.

ولم تتضرر اقتصاديات دول العالم خارج آسيا كثيرا بسبب اﻷزمة اﻷسيوية سوى بعض اﻷضرار التي لحقت بالشركات المتعدية الجنسية والتي عوضها تدني أسعار المنتجات اﻵسيوية بسبب ما طرأ على عملاتهاالوطنية من انخفاض حاد في قيمتها.وكانت بذلك هذه الشركات والغالبيةالعظمي منها أمريكية أكثر المستقيدين من تلك اﻷزمة.


وفي فبراير 2007 تعرضت الوﻻيات المتحدة ﻷزمة مالية طاحنة عرفت بأزمة الرهن العقارى وبدأ بعدهاعدد من البنوك اﻷمريكية يعلن إفلاسه كان أبرزها بنك ليمان براذرز الذي كان يعد رابع أكبر مصرف استثماري بالولايات المتحدة وانهارت أسهم البنوك وشركات التأمين في بورصة وول ستريت .وتدخلت البنوك المكونة لصندوق اﻻحتياط اﻷمريكي لشراء البنوك المفلسة بأسعار متدنية وضح أموال اليها لتعويمها من جديد. وانتقلت اﻷزمة لبنوك أوروبية كانت مرتبطة ببنوك اﻻستثمار والرهونات العقارية اﻷمريكية وشركات التأمين بها.

وخلال هذا العام تعرضت اقتصاديات دول أﻻتحاد اﻷوروبي المتعاملة باليورو ﻷزمة مالية بسبب عجز عدة دول باﻻتحاد اﻷوروبي في طليعتها اليونان وأسبانيا والبرتغال وأيطاليا عن سداد ديونها الكبيرة من شأنهاأن تؤثر تداعياتها السلبية على اﻻقتصاد اﻷمريكي الذي يعاني خلال السنوات الماضييةمن ضعف شديد وتزايد الدين الخارجي اﻷمريكي والعجز التجاري اﻷمريكي والذي يعد نتيجة للمغامرات العسكرية اﻷمريكية في الخارج ودخولهافي حرب بالعراق وأفغانستان مكلفة في وقت واحد دون أن تحقق منها أي مكاسب اقتصادية أو أهداف استراتيجية تعادل تكلفتها العالية.ومن شأن استمرار اﻷزمة المالية اﻷوروبية مدة أطول أن يتضرر اﻻقتصاداﻷمريكي على نحو أكثر حدة، ولم يعد بمقدور الوﻻيات المتحدة تقديم أي عون مالي ﻷوروباﻹنقاذهاوهو ما قد يتسبب في فقدان الرئيس اﻷمريكي اﻷمل في اﻻستمرار لوﻻية ثانية.

وقد حذر بالغعل مؤخرا وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر من أن ديون أوروبا قد تلحق ضررا بالغا بالاقتصاد الأميركي وفي كلمة له أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ قال غيثنر إن أزمة حادة في أوروبا قد تتسبب في أضرار كبيرة بتقويضها الثقة وإضعافها الطلب.وحث أوروبا على تعزيز آليتها للإنقاذ.
وفي نفس الوقت حاول غيثنر في الجلسة تبديد مخاوف المشرعين من أن تؤدي أزمة ديون أوروبا إلى أزمة أخرى على غرار أزمة ليمان برذرز في 2008 الذي امتدت آثاره إلى النظام المالي العالمي وفجرت تدافعا على سحب الأموال في سوق النقد قصير الأجل.وأكد غيثنر أن الشركات الأميركية في الوقت الحالي في وضع أقوى كثيرا بينما تحوز المؤسسات الأميركية احتياطيات كبيرة من رأس المال للتحوط من المخاطر المحتملة التي قد تواجهها.اﻻ أن تصريحاته تلك تعد للاستهلاك المحلي المؤقت لحين ايجاد حل للأزمة اﻷوروبية.
وجاء تحذير غيثنر للدول اﻷوربية عقب تصريحات مماثلة للرئيس باراك أوباما حث فيها أوروبا على التحرك بسرعة للتصدي لأزمة الديون، مؤكدا أنه لن يكون بمقدورها أن تنجو من الأزمة بتصديرها للخارج.وقال أوباما إن مشاكل أوروبا تضع عبئا كبيرا على الأسواق المالية العالمية، مضيفا أن بلاده لن تزيد ديونها لمساعدة اقتصادات دول أخرى.

وتعول الوﻻيات المتحدة حاليا على اقتصاديات الدول اﻵسيوية التي تعدحاليا مزدهرة ﻻنقاذ اقتصاد أوروباوبالتالي الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية من اﻷزمة المالية الحالية
ولذا نقلت وكاﻻت اﻷنباء اليوم الجمعة 11نوفمبر 2011 عن وزير الخزانة الامريكي تيموثي جايتنر قوله بمناسبة انعقاد دول المحيط الهادي الذي يضم دول شرق أسيا والوﻻيات المتحدة ،انه ينبغي للاقتصادات الاسيوية أن تتخذ خطوات لتعزيز الطلب المحلي ودعم دفاعاتها للوقاية من اثار أزمة ديون اوروبا والمساعدة في الحفاظ على النمو العالمي.وأبلغ جايتنر مؤتمرا صحفيا ان المخاوف بشان اوروبا تهيمن على معظم المحادثات الجانبية بين وزراء مالية دول منتدى التعاون الاقتصادي لاسيا والمحيط الهادي (أبك) قبل اجتماع القمة في هونولولو.

وقال ان ازمة الديون الاوروبية تبقى "التحدي المحوري للنمو العالمي" ودعا صانعي السياسة في اوروبا الي التحرك بشكل أسرع للانتهاء من اعداد خطة قوية لاستعادة الاستقرار المالي.واضاف جايتنر ان أفضل شيء يمكن ان تفعله اقتصادات أبك لحماية نفسها هو اتخاذ خطوات لتعزيز الطلب المحلي.

وقال "هذه الاقتصادات بما في ذلك الولايات المتحدة لديها القدرة على عمل اشياء الان لتحقيق نمو أقوى .. للتعويض عن بعض الضغوط التي نواجهها من اوروبا وايضا لان العالم ككل يحتاجه."وأضاف :"حتى عندما تستقر اوروبا فاننا سنرى النمو يتضرر من وقع الازمة حتى الان."وقال أيضا:وقال جايتنر ان الدول الاسيوية وخصوصا الصين تحتاج الي السماح لعملاتها بالارتفاع استجابة لقوى السوق وهو ما سيساعدها في اعادة موازنة اقتصاداتها نحو الاستهلاك المحلي مع تقليل الاعتماد على الصادرات. واضاف ان الصين تسلم بالحاجة الي تغييرات أسرع في سعر صرف عملتها.وان دعم النمو في اسيا هو أفضل السبل لان تتمكن دول أبك من حماية انظمتها المصرفية من اثار ازمة الديون الاوروبية على اقتصاداتها.

ولم تظهر الدول المشاركة في المؤتمر اعتراصات على هذا التوجه اﻷمريكي والذي يطالب فيه الدول اﻵسيوية وخاصة الصين بإنقاذ أقتصاديات أوروبا الراكدة والمتخبطة في أزمة الديون المالية باتخاذ اجراءات تحفز الطلب فيها وتخرج اقتصادياتها من الركود التي تعانيه، وقد تتخذ الصين بعض اﻹجراءات المطلوبة منها إن وجدت فيها ما يعود بالنفع عليها دون أن يترتب عليها انقاذ تلك اﻻقتصاديات المأزومة وأخراجها من أزمتها عندما ﻻيكون في ذلك من صالحها وعلى أساس "أن مصائب قوم لقوم قوائد".فرفع سعر عملتها مثلا بعد أن اكتسحت منتجاتها اﻷسواق دون منافسة حقيقية لهاقد ﻻيؤثر كثيرا على صادراتهاحيث أن العائد اﻻقتصادي من الصادرات سيظل كماهو. كما أن تحفيز اﻻستهلاك المحلي ﻻ يعني بالضرورة بالنسبة لها زيادة وارداتها من أوروبا والوﻻيات المتحدة..والحد من صادراتها لدول مأزومة ماليا ويتزايد العجز التجاري معها لصالح الصين لن يؤثر على تلك الصادرات بعد أن أمنت الصين أسواقا بديلة لمنتجاتها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.وفي نفس الوقت ستظهر الصين أنها لم تخذل تلك الدول ونفذت ما طلب منها.ونفس الشيئ يتوقع من اليابان وكوريا الجنوبية خاصة بعد معاناتهما مؤخرا من تراجع حجم صادراتها، وهي بالتالي في وضعية اقتصادية ليست صعبة ولكن ﻻ تتيح لها مساعدة الغير.يضاف الى ذلك بأن الوﻻيات المتحدة وأوروبا لم يهبان لمساعدة الدول اﻵسيوية التي تضررت من أزمتها عام 1997 واﻷعوام التالية له واكتفت بما عرضته المؤسسات المالية الدولية بشروط ضارة باﻻقتصاد وغير ناجعة في إخراجه من أزمته وهو ما أثبتته تجربة الدول التي خضعت لتلك اﻹملاءات.

إن هذا يعني أن تطول أزمة اﻻقتصاديات اﻷوروبية وأن يستمر معاناتها من الكساد طوال العام القادم وهو ما تنبأ به فعلا اﻻقتصاديون فيها.
فوزي منصور

لسودان ..ليبيا ..مصر : المثلث اﻻستراتيجي حين يتحول الى مثلث للمخاطر

مقدمة:
في حين ﻻ توجد دﻻئل في التاريخ على وجود علاقات ربطت السودان بليبيا اﻻ في العقود الثلاثة الماضية ، فإن العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين في مصر وليبيا تعود في الواقع الى عدة آﻻف من السنين.وكان لفظ : ليبي يطلق في التاريخ القديم على سكان شمال أفريقيا عامة بدءا من الوجه البحري في مصر حتي المغرب اﻷقصى واللغة الليبية القديمة التي مازالت بقاياها في واحتي سيوة وجالوا هي اللغة المصرية القديمة لسكان الدلتاوالصعيد اﻷدني.ومعظم القبائل الليبية تنتمي الى أوﻻد علي الذين ينتشرون غرب محافظتي الاسكندرية والبحيرة والقاهرة والجيزة وبني سويف والمنيا.حيث هاجرت عبر القرون بعض من بطونها وأفخاذها الى الفرب وانتشرت في السواحل الليبية محتفظة بنفس اﻷسماء اﻷصلية لها في مصر ومنها قبيلة القذافي نفسها والتي مازال يوجد بعض منها في غرب محافظة المنيا. وقد اعتمد الشريف إدريس السنوسي عليها في جهاده المسلح ضد اﻻستعمار الليبي وانتقل الكثير منها معه واستوطنوا ليبيا خاصة أقليم برقة.بينما ارتبطت مصر بالسودان منذ عهد محمد على الذى مد نفوذه حتي الشواطئ الشمالية لبحيرة فيكتوريا حيث توجد دولة أوعندا اﻵن جنوبا وشرفا الى سواحل اريتريا.

الذي يهمنا في هذا البحث هو بيان أن مصر والسودان وليبيا يشكل ثلاثتهم ما يمكن تسميته بالمثلث اﻻستراتيجي ، أي منطقة جيوسياسية وجيواقتصادية للدول الثلاث تمثل الفضاء الحيوي لهما الذي ﻻ غني ﻷي منهما عنه وعن استقراره وتنميته وتحسين أوضاعه لكي يعود ذلك بالنفع واﻷمان على السكان في الدول الثلاثة. وكل من هذه الدول يعد عمقا استراتيجيا ضروريا ﻷمنها القومي وحمايته. وبالتالي فإن أية اضرار تلحق بأي منها تنعكس سلبا على المصالح المستقبلية للدولتين اﻵخرتين. كما أن اﻷضرار التي تلحق بأي منها من قبل الدولتين الباقيتين تعد أسوء مما قد يلحق بها من دول خارجية وأكثر ضررا. ولقد اشتكى الرئيس السوداني عمر البشير عن حق من تأمرات كل من الرئيسين السابقين لمصر وليبيا على بلاده ودورهما في تقسيمه الى جانب الدول اﻷجنبية اﻷخرى وهو ما يجعل المثلث اﻻستراتيجي قد تحول بسبب السياسات العشوائية الى مثلث للمخاطر وليس للنهوض بأوضاع البللدان الثلاثة .

ويتميز هذا المثلث إذا ضم دوله الثلاث تحالفا ومشروعات للتنمية المشتركة وحققت من جراء ذلك نهضة وقوة، أمكانية توسع المثلث جنوبا وغربا لضم دول أخرى مجاورة لها ومن هذه الدول اﻷكثر تجانسا معها كل من أثيوبيا وأريتريا وتشاد وأوغندا في الجنوب وتونس والجزائر والمغرب غربا.وﻻ أتحدث هنا عن وحدة سياسية جامعة لتلك الدول وأنما نظم جامعة لها على غرار اﻻتحاد اﻷوروبي شمال المتوسط الذي تقع تلك الدول على ساحله الجنوبي. ولو أن الوحدة السياسية تعد أملا إن تحقق مستقبلا فنعم بها, وإن تعذر تحقيق تلك الوحدة أمكن تحقيق مصالح الشعوب بدونها على نحو ما كان يمكن تحقيقه بها.

سأكتفي هنا بعرض تاريخي موجز لعلاقات كل من مصر والسودان بليبيا خلال العقود اﻷربعة الماضية ويتضح من العرض كيف كانت سياسة كل دولة منهما قبل ليبيا وسياسة ليبيا معهما تعتمد على اﻻنفعاﻻت النفسية للحكام، وردود أفعالهم ، وأحقادهم وأطماعهم الشخصية ، ولم تكن تحكمها أي رؤي استراتيجية أو تحقيق مصالح شعوبهم.وﻻيتسع المقام هنا لسرد تاريخ مصر والسودان الطويل والمؤثرات التي تعرض لها، وهو ﻻ يختلف في خلفياته ومحركاته عن تلك الدوافع الشخصية للحكام.ويكفي القول هنا بأنه رغم أن جعفر نميري أخذ على عاتقه الدفاع عن أنور السادات وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد في التجمعات العربية وأعلن عن قانون للتكامل بين مصر والسودان أعطى للشعب المصري في السودان نفس حقوق السودانيين ، فإن السادات لعب الدور المطلوب منه أن يلعبه من قبل أمريكا ﻹزاحة جعفر نميري عن السلطة، أما خليفته فقد بدأ عداءه للسودان بعد انقلاب الانقاذ بعد أن تأكد وجود حزب حسن الترابي خلفه، ثم استعر العداء له بعد أن ثبت تورط عنصرين من المخابرات السودانية في محاولةاغتياله الفاشلة في أديس أبابا عام 1995، وانضم في التأمر عليه الى القذافي وإسرائيل وأوغندا وباقي الدول والهيئات الكنسية التي تكالبت على السودان ودعمت الحرب اﻷهلية فيه وتقسيمه في نهاية اﻷمر في منتصف عام 2011.

العلاقات المصرية الليبية:
توترت العلاقات بين ليبيا ومصر ابتداء من منتصف السبعينيات خلال حكم السادات حتي كاد اﻷخير أن يشن حربا على ليبياعام 1977 لتأديب القذافي لوﻻ منع الوﻻيات المتحدة له .ففي يونيو 1977 أمر القذافي حوالى 225000 مصري يعملون في ليبيا بمغادرة البلاد وذلك بحلول الأول من مارس وإلاَ واجهوا الاعتقال. في 21 يوليو 1977 بدأت معارك بأسلحة نارية بين القوات المتواجدة على الحدود بين البلدين، حيث أطلقت وحدات مدفعية ليبية قذائفها على مدينة السلوم الحدودية المصرية.في اليوم نفسه ردت القوات الجوية المصرية بمهاجمة قواعد عسكرية في شرق ليبيا بأسراب من طائرات سوخوي إس يو - 20 وميج 21 فدمرت طائرات ليبية.يوم 22 يوليو قصفت طائرات سوخوى إس يو - 20 وميج 21 مصرية قواعد جوية ليبية جنوب طبرق، ولاحقًا في ذلك اليوم قصفت طائرات المصرية مواقع عسكرية ليبية في واحة الكُفرة، وطبقا لنفس المصدر العسكري فلم يُنزل مظليون مصريون خلف الحدود الليبية.يوم 23 يوليو هاجمت الطائرات المصرية قاعدة العدم الجوية جنوب طبرق، واستدعيت جميع المقاتلات الليبية من كافة أنحاء ليبيا إلى طبرق مما أدى إلى معارك جوية عنيفة بين الطائرات المصرية والطائرات الليبية.. وتم التوافق على وقف لإطلاق النار في 24 يوليو بوساطة بعد مقتل السادات سنة 1981
.
وبعد مقتل السادات عام 1981 حرص حسني مبارك إقامة علاقات مع نظام القذافي وتشكل مكتب علافات ليبي مصري برئاسة أحمد قذاف الدم القذافي لكي يكون منسقا للعلاقات بين ليبيا ومصر.ولعل العلاقة بينهما بدأت عندما طلب القذافي من السادات أرسال خبير في الطائرات الحربية لكي يساعد في مراجعة مواصفات طائرة ميراج 2000 تنوي ليبيا شرائها من فرنسا فأوفد له حسني مبارك الذي كان يعمل مدرسا في كلية الطيران رغم عدم معرفته اللغة الفرنسية وأنجز مبارك الصفقة وحصل على عمولة مالية من الشركة الفرنسية المنتجة للطائرة دون علم السادات وكانت تلك العمولة بداية تكوين حسني مبارك لثروته الشخصية.
وظلت العلاقات الرسمية بين البلدين فاترة نوعاما التقي القذافى مع الرئيس المصرى المخلوع حسنى مبارك فى المغرب عام 1989 أثناء إنعقاد مؤتمر القمة العربية فىه و ثم اﻻتفاق بينهما على إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنى البلدين .ثم أعقب ذلك توقيع عشر إتفاقيات تنظم كافه أوجه التعاون بين البلدين فى عام 1991 .واستمر التعاون بين النظامين الحاكمين في البلدين وأخذ منحا سريا بعد حادثة لوكيربي وصدور قرار من اﻷمم المتحدة عام 1992 بفرض حصار على ليبيا، وتحولت مصر الى المنفذ الوحيد لليبيا على العالم الخارجي وحول القذافي حسبما تردد وقتها عشرين مليار دوﻻر الى مصر حتى ﻻ تطالها العقوبات اﻷمريكية وتم ايداعها في حساب خاص صري بالبنك المركزي خاص بالودائع المالية ، وربما كلف مبارك ابنه جمال بادارته باعتباره اكتسب خبرة من العمل في البنوك ببريطانيا قبل أن يعود الى مصر .ومن هذه الوديعة تم اﻻنفاق على مشروع مفيض توشكي ومشروعات أخرى عرفت وقتها بالمشروعات القومية الكبرى .واستمر الوضع إلى أن توصلت بتسوية مع الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية بخصوص تلك القضية في عام 2003 ثم بدأ التعاون بينهما يأخذ شكلا علنيا بعد ذلك ففي عام 2008 انعقدت انعقدت اللجنة العليا المصرية الليبية بالقاهرة فى 3 يوليه 2008 تم خلالها التوقيع علي إطار استراتيجي للتعاون الاقتصادي بين البلدين يستهدف:
1. تحديد المشروعات الاستثمارية و تحديد أعداد العمالة المصرية المطلوبة في ليبيا.
2. دفع قيمة الإستثمارات الليبية في مصر وقيام الجانب المصري بتقديم فرص استثمارية بنحو 8 مليار دولار من خلال عدة مشروعات أهمها:
‌أ. الرافد الرابع بمشروع توشكى و القائم علي المياه النيلية
‌ب. أراضي الفرافرة بالوادي الجديد التي تعتمد علي المياه الجوفية
‌ج. مشروعات محددة في المجالات الصناعية و التعدين و الطاقة ( الاتفاق علي إقامة خط غاز طبيعي من طبرق إلي الإسكندرية و إنشاء مصفاة للبترول غرب الإسكندرية بتمويل ليبي )
‌د. اقتراح مساهمة ليبيا في تصنيع المازوت بمعمل تكرير أسيوط
‌ه. مشروعات في مجالات النقل و البنية التحتية.
‌و. الاتفاق بالإسراع علي دراسة المنطقة الصناعية و الخدمية الحرة المشتركة من مرسي مطروح حتي طبرق.
‌ز. عرض لإتاحة أراضي في القاهرة الجديدة أو في مدينة 6 أكتوبر لإنشاء مدينة الفاتح علي غرار مدينة الشيخ زايد.
‌ح. عرض الجانب الليبي توطين 250 ألف مصري.
‌ط. تقنين أوضاع العمالة المصرية في ليبيا.
وحسب موقع مصلحة اﻻستعلامات المصرية فإنه - خلال 2008 تم ضخ مليار دولار استثمارات ليبية فى السوق المصرى تخص المشروعات التنموية فى مجال الزراعة والصناعة ، وفى مارس 2008 تم الاتفاق على رفع حجم الاستثمارات الليبية فى مصر ليصل الى 3 مليارات و15 مليون جنيه فى 7 مجالات هى ( الصناعة – الزراعة – التمويل – الخدمات – الإنشاءات – السياحة – الاتصالات و المعلومات ) بالإضافة إلى برامج التعاون الموقعة بين البلدين , وفى مقدمتها مجالات الكهرباء والطاقة والصحة والبترول والتشيد والبناء والمواد الغذائية والملابس الجاهزة والتى أسفر عنها تأسيس 5 شركات مشتركه بين مصر وليبيا لنقل خطوط الغاز الطبيعى للمنازل والمصانع الليبية , بالإضافة إلى إنشاء أول بنك وشركة تأمين بالمشاركة مع ليبيا لدفع حركه الإستثمار .

• فى نهاية عام 2008 تم الاتفاق بين البلدين على استثمار 5 مليارات دولار فى 3 مشروعات للطاقة فى مصر تتضمن بناء مصفاة جديدة طاقتها 250 ألف برميل يوميا وتحديث مصفاة مصرية قديمة وفتح 500 محطة برميل فى مصر .

ثم عقدت اللجنة العليا المصرية ـ الليبية المشتركة دورتها العاشرة في ديسمبر2009 بالعاصمة الليبية ‏،ناقشت عدة ملفات مهمة من بينها :
1. إعطاء دفعة قوية لزيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين تصديرا واستيرادا ، وأهمية تعريف المستثمرين من الجانبين بما يتمتع به كل بلد من إمكانيات وفرص استثمارية كامنة .
2. تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع وزيادة الاستثمارات الليبية في مصر خاصة في القطاع السياحي والفندقي والبترول حيث تم بحث تنفيذ وإنشاء مصفاة لتكرير البترول في أسيوط ومشروع لإنشاء شركة مشتركة للمصايد بين مصر وليبيا
3. بحث تفعيل إنشاء مدينة الفاتح في التجمع الخامس وإقامة مشروعات مشتركة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء .
4. بحث مشروعات شركات الكهرباء المصرية في مجال الربط الكهربائي بين مصر وليبيا
5. بحث مشاركة شركات المقاولات المصرية في النهضة العمرانية في ليبيا مع إنشاء منفذ مشترك بين مصر وليبيا لتسهيل عملية الانتقال للأفراد والشاحنات والبضائع والسلع والخدمات بين البلدين ثم من مصر إلي تونس عبر ليبيا
6. عقد خمس لجان لتقنين أوضاع العمالة المصرية في الجماهيرية الليبية .
7. اتفاق فى مجال التعاون بين البورصة المصرية وسوق الأوراق المالية الليبية وشركة مصر للمقاصة ينص على تبادل ونشر المعلومات والتعاون الفني وتدريب العاملين ونقل الخبرات فضلا عن اتفاق أطر بين سوق الأوراق المالية الليبية وشركة مصر للمقاصة لوضع نظام آخر لتداول بعض المستحدثات المالية الجديدة .
8. تسهيل أعمال المستثمرين في البلدين لتنفيذ العديد من المشروعات الصناعية‏ في مجالات الطاقة‏،‏ الصحة‏،‏ التشييد والبناء‏،‏ المواد الغذائية‏،‏ الملابس الجاهزة‏
9. زيادة التعاون في مجال البترول والغاز الطبيعي والبتروكيماويات‏
10. بحث إنشاء منطقة صناعية وتجارية واستثمارية وخدمية حرة بين البلدين‏.‏
11. توقيع مذكرة تفاهم للتعاون فى مجال المراكز البحثية والتكنولوجيا.
12. توقيع مذكرة تفاهم للتعاون فى مجال الاشتراك فى المعارض والأسواق الدولية.
ولم يتحقق الكثير مما اتفق عليه بين الجانبين حتي قامت الثورة المصرية في 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك وتلتها الثورة الليبيةفي 17 فبراير التي نجحت مؤخرا في التخلص من معمر القذافي ودفعت ثمنا لذلك مقتل عدد يقدر بخمسين ألف ليبي وجرح عشرات اﻵﻻف منهم تم توزيعهم على مستشفيات تونس والمغرب ومصر وتركيا.

وعلى صعيد العلاقات التجارية فقد تضاعف حجم التبادل التجاري عام 2008 ليبلغ 869 مليون دولار مقارنة ب 448 مليون دولار عام 2007،

ووجد نتيجة ذلك فى مصر عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية والشركات بمساهمة ليبية بلغ عددها فى آخر إحصاء خلال نوفمبر 2009 نحو 324 شركة أكثر من 55 % منها أغلبيته ليبية،وهى شركات متنوعة النشاط منها الأنشطة الخدمية والسياحية والزراعية والإنشاءات والصناعة والاتصالات ، وكان يشرف على هذه اﻻستثمارات الليبية مكتب يترأسة إحمد قذاف الدم أين عم القذافي وظل مسؤوﻻ عن اﻻستثمارات الليبية في مصر لحين انتهاء حكم القذافي ومقتله وغير معروف مصير تلك اﻻستثمارات اﻵن أو ما حل بها.

ولم يمنع هذا من تقلب المواقف الليبية ، ففي عام 2007 ليبيا ، مصر، بإصدار تعليمات جديدة لتنظيم دخول المصريين إلى ليبيا عبر منفذ السلوم البري الذي يدخل ويخرج منه معظم المصريين، وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أن هذه التعليمات التي أصدرتها وزارة الداخلية الليبية، وبدأ تنفيذها اعتبارا من الساعة الخامسة مساء أمس الأول تقضي بالسماح بدخول الأراضي الليبية فقط لمواليد محافظة مرسى مطروح الحدودية شمال غرب مصر، على أن يكونوا من حاملي عقود العمل السارية، وكذلك أصحاب المهام الرسمية، وسائقي سيارات النقل ومساعديهم، وأصحاب البضائع، وأزواج الليبيات، وزوجات الليبيين، وأصحاب تأشيرات الدخول بغرض العمل الصادرة من مكتب المتابعة الليبي.
وتم طرد بعض العاملين المصريين من ليبيا.ه قال أحمد قذاف الدم منسق العلاقات المصرية الليبية «إن المصريين الذين وصلوا معبر السلوم (المنفذ البري بين مصر وليبيا)، مخالفون لقوانين العمل والإقامة بليبيا، وإنهم عائدون لتوفيق أوضاعهم»، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق مع وزراء مصريين زاروا ليبيا مؤخراً على وضع ضوابط للعمل في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة أن هناك ضغوطا غربية في هذا الشأن.أما مسألة مواليد مرسى مطروح فقال عنها قذاف الدم «إنه اتفق بين مصر وليبيا خلال عهود جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك (رؤساء مصر)، على أن يكون لأبناء كل من محافظة مطروح المصرية، ومنطقة طبرق الليبية خصوصية في العلاقة بين البلدين، فيما يتعلق بالحركة، باعتبارهما أبناء مناطق حدودية متجاورة».

وعندما قامت الثورة الليبية ضد القذافي وقام بقصف البيضائ وطبرق وبني غازي وإجدابيا بالطائرات والصواريخ والمدافع استنجد الثور بمصر فلم تنجدهم ، فاستنجدوا بالجامعة العربية التي استنجدت بدورها بمجلس اﻷمن ، وانتهي اﻷمر بقيام حلف الناتو بالتدخل العسكري الجوي لحمايةالثوار .وفي نفس الوقت امتنعت عن اﻻستجابة لطلب القذافي تقديم الدعم له ولطلبه أيضا اغلاق الحدود البرية المشتركة بين البلدين.وحسب عبد المنعم الهوني فإن المجلس العسكري المصري تعرض الى إغراءه بالمال وبصفقات تجارية هائلة لتزويده بالسلاح والعتاد العسكري من قبل القذافي لمساعدته على إجهاض ثورة السابع عشر من فبراير الليبية.ومن الواضح أن عروض القذافي قدمها لمصر إبن عمه أحمد قذاف الدم وعندما لم يجد استجابة فورية منهم انتقل الى سوريا حيث عقد معها صفقة لتزويد قوات القذافي في طرابلس بالصواريخ أرض أرض وأرض جو وتم شحن اﻷسلحة اﻻ أن السفينة التي تحملها تعرضت لها السفن الحربية اﻹسرائيلية وصادرتها ثم قامت بالافراج عن اﻷسلحة وحملتها سفنيةأخرى تعرضت لها سفن حلف الناتو اﻻ أن الولايت المتحدة تدخلت بناء على طلب اسرائيل للأفراج عنها والسمح لهاباتمام رحلتها وتفريغ حمولتها في ميناء طرابلس.

وقد حرص رئيس المجلس اﻻنتقالي الليبي أن تكون أول زيارة له بعد التخلص من القدافي الى القاهرة حيث أجرى مباحثات مع المجلس العسكري المصري الحاكم وحكومة الدكتور عصام شرف لم يتم اﻻفصاح عن محتواها أو ما تم اﻻتفاق عليه بين البلدين.
وفي أوائل أكتوير الجاري وقّع اتحاد قطاع الهندسة والإنشاءات في ليبيا بروتوكولاً للتعاون مع وزارة القوى العاملة المصرية بهدف استقدام العمالة المصرية ا لمدربة إلى ليبيا للمساهمة في إعادة الإعمار، وقال محمد ماغي المنيفي المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد ان زيارة وفد الاتحاد لمصر تهدف إلى تفعيل دور العامل المصري والابتعاد عن السلبيات التي نسبت إلى العمالة المصرية مؤكدا أن سوق العمل في ليبيا بحاجة إلى عمالة مدربة وماهرة وبخاصة في قطاع الإنشاءات.بينما أشار المهندس سعيد الرئيس منسق عام الاتحاد إلي أن ليبيا تتجه بشكل فعال إلي أشقائها المصريين لإعمار وطنهم الثاني لأن المواطن الليبي قد تعود على طباع العامل المصري وأصبحت هناك ألفة بين أصحاب العمل والعمال والحرفيين الأمر الذي دفعنا إلى زيارة مصر أولا لتوقيع اتفاقيات تعاون في مجال عمالة الإنشاء والإعمار.ويبدو أن العلاقات المصرية الليبية بعد الثورة الليبية سيتم اختزالها في أن تتحول الحكومة المصرية الى مجرد "مقاول أنفار" لتزويد ليبيا باحتياجاتها من عمال البناء للعمل مع شركات المفاوﻻت اﻷجنبية التي ستبرم معها الحكومة الليبية الجديدة عقود اﻹعمار ﻹعادة بناء ما هدمته الحرب.

Fawzy Mansour على إثر استيلاء معمر القذافي على الحكم في ليبيا قامت شركات المقاوﻻت المصرية بتنفيذ أكبر مشروع اسكان شمل كافة المدن الليبية ويعد اﻷكبر في تاريخ المنظقة وقد شاركت في تجميع الدراسات الخاصة به بالنسبة للجزء الذي اختصت به شركة المقاوﻻت التي كانت مكلفة به وحضور اﻻجتماعات وفتها التي كان يعقدها وزي اﻻسكان بمعية نائب رئيس مجلس ادارة الشركة واﻵن يتحول دور مصر في ليبيا الى"مورد أنفار " لشركات المقاوﻻت اﻷوروبية التي سيتم التعاقد معها لتعمير ليبيا. إن هذا يق دليلا على فشل السياسة المصرية إزاء هذاالبلد الجار رغم أن رئيس المجلس اﻻنتقالي الليبي خص مصر بأول زيارة له خارج بلاده بعد اﻹطاحة بنظام القذافي وكان الثوار في بني غازي في بداية ثورتهم رفضوا أي تدخل أجنبي في بلادهم واستغاثوا بمصر وعندما يئسوا منها التجأوا الى الجامعة العربية التي فوضت أمرهم الى اﻷمم المتحدة ال ترك اﻷمر بدورها لحلف الناتو..ومع ذلك أعرب الرسميون الليبيون تقديرهم لعدم استجابة السلطات المصرية ﻻغراءات القذافي لها لدعمه وطلبه إغلاق الحدود بين البلدين وكان ذ فرصة لدراسة التعاون بين مصر وليبيا على كافة اﻷصعدة..ﻻيمكن تفسير التقاعس المصري اﻻ بأمرين : إما اﻻنشغال بالحفاظ على السلطة في مصر الذي يع المسؤولين فيها اﻻهتمام بمصالح مصر اﻻستراتيجية أو أن الطمع في الممتلكات واﻷموال الليبية التي كان يديرها أحمد قذاف الدم والذي مازال موقف السلطات المصرية منها يسوده الغموض هذا الطمع جعل المصالح الشخصية لهؤﻻء المسؤولين أهم من المصالح الوطني المصرية,

العلاقات السودانية الليبية:
مع أنهما دولتان جارتان لم تكن ثمة علاقات تربط بين ليبيا والسودان ذات أهمية بسبب افتقاد طريق بري مأمون بينهما يربط بين التجمعات السكانية السودانية حول النيل وواجة الكفرة أقرب مكان معمور في الصحراء الليبية للسودان ، وهو وضع مستمر حتى اﻻن ،ويصل طول الحدود بين البلدين الى حوالى 400 كيلومتر تعد جزءا من الصحراء اﻷفريقية الكبرى القاحلة التي تمتد من شمال السودان حتي موريتانيا.. اﻻ أنه في عام 1969 بدأنوع من التواصل السياسي بين البلدين أذ شهد انقلاب القذافي في ليبيافي أول سبتمبر وانقلاب جعفر نميرى في السودان في 25 مايو ، أي قبله بحوالي ثلاثة أشهر ،وكان كل منهما متأثرا بمصر عبدالناصر.

وشكلت البلدان الثلاث أنذاك محوراً وحدوياً عقدت عليه اﻵمال في تحقيق نهضة اقتصادية في ثلاثتهما تعتمد على على تكامل ثلاثة عناصر, الأيدي العاملة المصرية والأراضي والموارد الطبيعية السودانية ورأس المال الليبي.

وأسهم القذافي في يوليو 1971 بفعالية في إحباط انقلاب قاده عسكريون من الحزب الشيوعي السوداني على نظام نميري, باعتقاله للمقدم بابكر النور رئيس المجلس الانقلابي الجديد, والرائد فاروق حمد الله, حين أجبر طائرة بريطانية على الهبوط, كانت تقلهما في طريق عودتهما من لندن إلى الخرطوم أثناء مرورها بالأجواء الليبية وسلمهما للنميري الذي أعدمهما ضمن آخرين ، كان على رأسهم هاشم عطا الذي قاد اﻻنقلاب ، ومنظر الحزب الشفيع أحمد الذي لم يكن له علاقة به وكذلك جوزيف قرنق عضو الحزب الشيوعي وأحد أهم المثقفين الجنوبيين فيه ،في محاكمات عسكرية سريعة بعد ثلاثة أيام من الانقلاب عليه.وتمكن بذلك من اﻻحتفاظ بالسلطة.

اﻻ أن رحيل الرئيس عبد الناصر نهاية 1970 وتولى السادات وتطلع القذافي الى اقامة اتحاد بين الدول الثلاث يتولي فيه منصب قائد أعلى للقوات المسلحة للدول الثلاث غير قابل للعزل أثار مخاوف السادات ونميري من نواياه وتحولت العلاقة بينهما وبينه الى العداء السافر . وأثار ذلك حقد القذافي عليهما ولعدم استطاعته النيل من السادات فقد وجه كل حقده الى نظام نميري في السودان وقام بتسليح معارضين له يتبعون حزب اﻷمة قاموا بمهاجمة السودان عبر دارفور في يوليو 1976ـوكان مما حفزه على ذلك أيضا قيام جعفر النميري بإنزال مجموعة طائرات عسكرية ليبية كانت تعبر الأجواء السودانية في طريقها إلى أوغندا التي كانت على وشك الدخول في حرب مع تنزانيا، وأمر بإعادتها إلى ليبيا التزاما باتفاقيةوقعها السودان تلزمه بعدم التدخل في شؤون الدول الأفريقية المجاورة، مما اعتبره القذافي خيانة له.كما قام القذافي بقصف الإذاعة السودانية عام 1984 بطائرة جربية ليبية متهما نميري بدعم حركة تمرد عليه وأنها أذاعت بياناتها من ألإذاعة السودانية. وتواصل عداؤه للسودان لحين اﻹطاحة به في أوائل ابريل عام 1985 خلال غيابه عن البلاد في رحلةعلاج بالوﻻيات المتحدة بما عرف باﻻنتفاضة الشعبية.ومع منتصف الثمانينيات بدأ القذافي في تقديم الدعم لمتمردي جنوب السودان بزعامة جون قرنق .بينما كان في نفس الوقت يدعم حكومة الصادق المهدي الذي كان حليقا له ضد نميري حيث قدم لحكومة الخرطوم بعض المساعدات اﻻقتصادية والمالية

اعتبر القذافي أن سقوط نظام نميري بانتفاضة العام 1985 نجاحاً حاسماً له في معركته الطويلة مع خصمه اللدود, ولم يكتف بذلك بل اعتبر أن الوقت حان ليرد له نظام الحكم الجديد في الخرطوم الجميل بدور فاعل لليبيا في تشكيل الوضع السياسي الجديد في البلاد, فشهدت الساحة السودانية حضوراً لافتاً لحركة اللجان الثورية الليبية, وتعزز الدور الليبي بفوز حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي, أوثق حلفاء القذافي بين القوى السياسية السودانية, بأكثرية مقاعد البرلمان في أول انتخابات أجريت بعد الانتفاضة ليتولى رئاسة الوزراء في العام 1986, وزاد من أهمية الدور الليبي أن حكومة المهدي اضطرت في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للاستعانة بالقذافي للحصول على مساعدات مالية، فاستجاب لها بتوفير إمدادات نفطية ومساعدات عسكرية .اﻻ أن العلاقات سرعان ما توترت بينهما عندما لم تستجب حكومة المهدي لطلب القذافي السمتاح لقوات ليبية بالدخول إلى شرق تشاد عبر دارفور المجاورة في محاولة لمحاصرة قوات غريمه الرئيس التشادي حسين هبري, الذي كان ألحق هزيمة قاسية بقوات القذافي في معارك السيطرة على شريط أوزو. إﻻ أن ذلك لم يمنع قوات القذافي من الدخول فعلا الى دارفور والبقاء فيها في النصف الثاني من الثمانينيات, وتسبب وجودها في توترات حدودية وصلت ذروتها مع نشوء أزمة دارفور الحالية والتي كان القذافي أيضا من وراء امداد المتمردين بالسلاح والمال فيها، وخاصة تنظيم حركة العدالة والمساواة.

لقد حاولت حكومة اﻻنقاذ التي جاءت بانقلاب عام 1989 كسب ود القذافي وأن ترتبط بعلاقات سلام مع نظام القذافي لتحييد موقفه منها ومن خصومها السياسيين ، وخاصة دعمه للمتمردين في الجنوب والذي استمر ﻻبتزار القوى الشمالية إﻻ أنها لم تحقق أي نجاح يذكر ورغم دعمها السياسي المعلن للقذافي في أزمته مع الغرب لم يقدم القذافي أي دعم لها له أية أهمية.

وحين كانت حكومة السودان تتفاوض مع متمردي الجنوب لعقد اتقاقية سلام معهم والتي انتهت باتفاقيةنيفاشا عام 2005 فوجئت بتحريك القذافي التمرد المسلح في دارفور عام 2003 والذي تحول الى حرب ضروس في دارفور فور توقيع اتفاقية نفاشا، ولو أن الحكومة السودانية لم تكتشف دور القذافي فيها مبكرا الى حد اللجوء اليه لحلها والتوسط أيضا بينها وبين جارتها تشاد التى كانت الخرطوم تتهمها بأنها خلف كل التوترات الحدودية في دارفور وكانت بالفعل ضالعة فيها.ويبدو أن الخرطوم لم تنتبه الى الدور الليبي حتي قامت قوات العدل والمساواة المدعومة ليبيا من هجوم تلك الحركة المتمردة على أم درمان أحدى مكونات العاصمة الخرطوم الثلاثة في مايو 2008 ، وعلى إثر ذلك الهجوم بدأت الخرطوم تتهم علنا القذافي بأنه يسعى الى عدم استقرار السودان ، وكرد فعل منه على هذه اﻻتهامات بدأ القذافي اللعب على المكشوف ، وأقام محورا مع أوغندا ومع تشاد لدعم انفصال الجنوب السوداني وتكوين دولة فيها واستمر في دعم الجنوبيين من ناحية والمتمردين في دارفور من ناحية أخرى.وقيل أن حقده على حكومة السودان نتج عن مماطلة هذه اﻷخيرة في تنفيذ مشروع لنقل مياه النيل الى واحة الكفرة الليبية ومن ثم الى الشمال الليبي عبر أنابيب وهو المشروع الذي اضطر القذافي أن يستبدله بمشروعه الذي أطلق عليه : النهر الليبي العظيم.

وقد نجحت الخرطوم في عقد اتفاق مصالحة مع تشاد في عام 2010 للحد من تدخلات القذافي في اﻷزمة كما نقلت الوساطة الى قطر مع المتمردين وهو ما تسبب في تقلص دور القذافي نسبيا أذا أخدنا في اﻻعتبار استمرار دعمه لحركة العدل والمساواة وتزويدها بالمال والسلاح حتي قامت الثورة عليه وانتهت بقتله.

وقد أقر الرئيس السوداني مؤخرا في مدينة كسلا بأن السودان قام بتزويد الثوار على القذافي بذخائر وأسلحة سودانية في مصراتة والجبل الغربي وبنغازي والكفرة وطرابلس لإسقاط نظام القذافي)، كرد فعل لمساهمات القذافي المستمرة في أثارة القلاقل والصراعات المسلحة ضد الحكومة السودانية وأن السودان رد بذلك الصاع صاعين له.وثمة معلومات في هذا الشأن بأن بأن المجلس الانتقالي الليبي طلب دعما محدداً من الحكومة السودانية قبل سقوط الرئيس معمر القذافي وهروبه من طرابلس بنحو أسبوعين، والحكومة السودانية بدورها وفرت ما هو مطلوب منها.

وكانت نهاية القذافي تعد بمثابة الحد من خطورة التمرد في دارفور بالنسبة للخرطوم إذ استنقدت حركة العدل والمساواة قوتها في الحرب الليبية ضمن كتائب القذافي وتكبدت خسائر بشرية فادحة فيها ، وأذ وردت أنباء بأن زعيم الحركة لجأ الى تشاد وهو يحمل كمية كبيرة من اﻷموال والذهب الليبي فإن نفس اﻷنباء تشير بأن نهاية هذه اﻷموال المحمولة كانت في القصر الرئاسي التشادي ، وهو ما قد يستفاد منه بأن الرئيس التشادي استولي عليها ولم يعد بامكان الحركة اﻻستفادة منها في تجنيد مرتزقة جدد في حربها ضد الحكومة السودانية مما مكن تلك اﻷخيرة لتوجيه قواتها المسلحة للقضاء على التمردات المسلحة في وﻻية النيل اﻷزرق التي يقودها مالك عقار وفي جنوب وﻻية كردفان الدي يقودها ياسر عرمان ، وكلاهما ذراعان للحركة الشعبية في جنوب السودان.

وبينما تسعى دول حلف الناتو التي ساعدت الثوار في ليبيا الى استثمار ذلك لصالحها، فإنه يبدو حتى اﻵن أن الحكومة السودانية ﻻتملك أي رؤيا مستقبلية للعلاقات مع الحكومة الليبية الجديدة وأنها أكتفت بأن ثأرت من نظام القذافي لنفسها.وأن كل ما يهمها هو اﻷوضاع اﻷمنية فقد ، فقد زار ليبيا في 29 سبتمبر الماضي النائب الأول للرئيس السوداني، على عثمان محمد طه، قيل أنها سعت الى اقامة تعاونٍ جادٍ بين البلدين، يشمل مختلف المجالات، وإحياء عمل اللجان الوزارية المشتركة كمرحلة أولى.
ووفقًا للتصريحات التي أدلىبها على عثمان طه، فإن السيطرة على الحدود وضبطها، كانت في مقدمة اهتمامات الحكومة السودانية، والمجلس الوطني الانتقالي، حيث تشكل قضية تهريب الأسلحة هاجسًا رئيسيًا للطرفين، رغم تقليلهما من التقارير التي نشرت مؤخرًا حول تهريب أسلحة، وصواريخ من الأراضي الليبية إلى السودان، والنظر إليها كمحاولة للتأثير على ترتيب الأوضاع بين البلدين وإعاقة الدور السوداني في بناء العلاقات مع طرابلس مستقبلا .ورافق على عثمان طه وفدامن رجالات المال والأعمال السوداني، إلى للنظر في كيفية الاستفادة من الموارد الاقتصادية التي تتمتع بها ليبيا.وكانت قد سبقتها زيارة مدير جهاز الأمن والمخابرات ووزير الخارجية، فالزيارة تشير إلى أن ثمة تقاربا بين الثوار والحكومة السودانية خاصة وان مجموعات كبيرة منهم كانت تقيم بالسودان في ثمانينيات القرن الماضي.

ويرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. صفوت صبحي فانوس ،حسب ماورد بصحيفة "ألوان" ،عدم وجود سياسة لدى السودان إزاء ليبيا بعد القذافي أن السودان ليس به خبير في الشأن الليبي وأن الدور الليبي وسلبياته ظهر بعد غزو خليل إبراهيم للخرطوم ) وأن القذافي في مرحلة ما سعى إلى التوفيق بين السودان وتشاد لان دارفور بالنسبة لليبيا تشكل أهمية خاصة لانها ممر للتجارة الليبية وسوق لها ولان ليبيا تعتمد على الثروة الحيوانية الموجودة بدارفور وأضاف النظام الليبي القادم سيختلف عن مساره عن نظام القذافي (الأولوية للشأن الداخلي وليس للعلاقات الخارجية) محذراً من الهدوء الموجود حالياً بدارفور واعتبره حالة مؤقتة غير مطمئنة لأن خليل يحاول بناء قاعدة الانطلاق في احدى ولايات دارفور.وطالب أستاذ علم الاجتماع بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا مالك عبدالهادي بوضع سياسة مستقبلية تناقش قضية دول الجوار. ويمكن القول بأن السياسة الخارجية للسودان إزاء دول الجوار كانت قائمة على ردود اﻷفعال وليس على استراتيجية سياسية وكانت تتوخى درء اﻷخطار من تلك الدول وليس إقامة علاقات تعاون مشترك معها يتسم بالندية ، ولذا كانت هذه السياسة تعتمد على تقديم التنازلات أو المغريات كنوع من الرشوة وهو ما كان يزيد حكومات دول الجوار طمعا في المزيد من تلك الرشاوي واﻻبتزاز الى أقصي حد ممكن.

الخلاصة:
رغم اﻷهمية اﻻستراتيجية لليبيا بالنسبة لكل من جارتيها مصر والسودان ، فإن مصر التي حكمها بعد خلغ حسني مبارك المجلس العسكري الذي يعد امتدادا لنظامه وفساده وﻻيملك العسكريين أي خبرة سياسية مثله فإن مصر لم تساند الثورة الليبية، ولم تعرف كيف تتعامل معها بعد نجاحهاواقتصر كل تفكيرها على إعادة العمالة المصرية التي كانت فيها قبل الثورة وعادت الى مصر خلالها.
أما السودان والذي يحكمه هواة سياسة مارسوا السياسة على مدى عشرين عاما على أساس التعامل اليومي مع مستجداتها وحسم المشاكل اعتمادا على القوة العسكرية وليس على العقلية السياسة ، قإنهم لم يكتسبوا أية خبرة أو كفاءة سياسية في أدارة الشأن العام الداخلي أو الخارجي. ونتيجة لذلك لم يتجاوز دورهم والذي جاء متأخرا سوى تقديم السلاح للثوار الليبيين على سببيل الثأر منه وليس على أساس بناء علاقة بعيدة المدى مع حكام ليبيا الجدد ودعمهم. والعذر الوحيد لهم هو بدء التمردات المسلحة في جبال النبا جنوب كردفان وفي وﻻية النيل اﻷزرق متزامنه مع نهاية الثورة الليبية مع استمرار نزف جرح دارفور المزمن.
وفي نفس الوقت واصلت الحكومة السودانية سياسة تقديم الرشاوي للحكم المصري الجديد بدون الحصول على مقابل سوى التمنيات وواصل هو ابتزاز السودان واﻻمتناع عن تقديم أي مساعدة له سوى الوعود الزائفة والمماطلة.ولعل أكبر مثال لذلك منح السودان للمصريين الحريات اﻷربع مع مماطلة الحكومة المصرية في معاملة السودانيين بالمثل.

ولقد حرص الرئيس السوداني على زيارة مصر أيضا بعد الثورة ، ثم تبعه نائبه على عثمان طه مصحوبا بوفد سوداني وصرح في نهاية الزيارة انه جاء والوفد المرافق له الي مصر لتأكيد دعم السودان لمصر ولتأييد استقرارها والتشاور حول كيفية توظيف القدرات في البلدين من منظور استراتيجي وفق المصلحة المشتركة‏.‏ولكن هل يمتلك على عثمان طه هذا المنظور الاستراتيجي؟..إن المشهود له به بأنه خطيب مفوه قادر على أن يتحدث بلغة سليمة وبليغة في أي موضوع ارتجاليا وبدون اعداد مسبق لوقت طويل ، ولكن نتائج إدارته للشأن السوداني الداخل والخارجي لم تشهد نجاحات تدل على مهارته السياسية .

السياسيون المستنيرون في مصر والسودان يعلمون جيدا أهمية العلاقات بين البلدين ، وكان أول ما اهتم به الدكتور نبيل العربي عندما عين وزير خارجية لمصر بعد الثورة هو اﻻهتمام باصلاح العلاقات مع دول حوض النيل اﻷفريقية وفي مقدمتها السودان،وربما كان ذلك سبب تعيينه أمين عام للجامعة العربية ﻻبعاده عن الخارجية المصرية ، وكانت أول زيارة يقوم بها الدكتور عصام شرف خارج مصر بعد تعيينه الى السودان ، ولكن يوجد انظباع عام بأنه رجل مغلوب على أمره من قبل المجلس العسكري الحاكم ، وفي ندوة نظمها معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، بالاشتراك مع جمعية خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وبالتعاون مع مركز تنمية الموارد الطبيعية والبشرية في إفريقياخلال يومي 30و31 مايو 2011 و في إطار الاهتمام بإعادة تشكيل السياسة الخارجيةاﻷفريقية لمصر ما بعد الثورة، انتهى المؤتمرون بالنسبة للعلاقات المصرية السودانية الى ضرورة صياغة استراتيجيات جديدة، في ظل تلك المعطيات، لمزيد من التقارب بين الشعبين لتحقيق أكبر قدر من المصلحة المتبادلة وفق رؤي حكومية راشدة.وإلى أن علاقة مصر بالسودان يجب أن تسير في ثلاثة اتجاهات رئيسية، أولها: توطيد العلاقات مع السودان الشمالي، وصولا للتكامل بين البلدين، والعمل علي طرح خيار وحدة وادي النيل كخيار استراتيجي، ومناقشة تحدياته، وتقييم الاتفاقات السابقة بين البلدين. ثانيها: أن تعمل مصر منفردة، وبالتعاون مع شمال السودان وجنوبه، لإيجاد روابط استراتيجية قوية بينها وبين الدولتين، والحفاظ علي سلامة تأسيس الدولة الجديدة، والحد من الحروب الأهلية وانتشارها لما تسببه من زعزعة للأمن القومي في وادي النيل. وثالثها: السعي المشترك لإيجاد حل سريع وعادل لأزمة دارفور، واتباع سياسة حكيمة في منطقة التماس (جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي).،اﻻ أن تلك الرؤئ المستنيرة تصطدم بعدم قدرة المجلس العسكري الحاكم على استيعابها وتفهمها وتقدير أهميتها والعمل بها.
مازالت المكونات الثلاثة للمثلث اﻻستراتيجي بعيدة عن فهم اﻷهمية اﻻستراتيجية له والتعامل معا على أساسها.
فوزي منصور

Wednesday, November 2, 2011

سوريا في مواجهة انتفاضتها ...هل ستلتزم بخطة الجامعةالعربية؟

اﻷربعاء الثاني من نوفمبر 2011..تقرير أخباري:

قامت يوم اﻷربعاء الماضي الموافق 26 أكتوبر لجنة وزارية عربية موفدة من الجامعة العربية بزيارة سورياوحذرت الرئيس السوري من إمكانية خروج الأزمة السورية من الإطار العربي وتدويلها، وطالبوه بوقف العنف فورا.ورد الرئيس السوري في تصريح له يوم اﻷحد الماضي حذر من أن أي تدخل غربي ضد دمشق سيؤدي إلى “زلزال” من شأنه أن “يحرق المنطقة بأسرها”.وقال بشار اﻷسد في تصريحاته للتلفزيون الروسي أن القوى الغربية تخاطر بالتسبب في "زلزال" بالشرق الاوسط اذا تدخلت في سوريا بعدما طالب محتجون بحماية خارجية لوقف قتل المدنيين.وأضاف : "سوريا هي المحور الان في المنطقة. انها خط الصدع واذا لعبتم بالارض فتتسببون في زلزال."ومضى يتساءل "هل تريدون أن تروا افغانستان اخرى؟ عشرات من (امثال) أفغانستان؟".وﻻ تختلف كثيرا هذه التصريحات عما كان يطلقه معمر القذافي باستمرار منذ بداية القتال في ليبيا وحتي انتهى اﻷمر بمصرعة.

و عقد في نهاية اﻷسبوع اجتماع في قطر بين اللجنة العربية و سوري برئاسة وزير الخارجية السورية وقدمت اللجنة للوفد السوري ورقة لوقف العنف في سوريا وطلبت دمشق مهلة حتى اليوم للرد عليها. وحذر وزير خارجية قطر الرئيس السوري بشار الأسد ضمنا من “اللف والدوران” داعيا إلى خطوات ملموسة بسرعة في سوريا لتجنب “عاصفة كبيرة” في المنطقة.اﻻ أن الوقد السوري غادر اليوم اﻻثنين 31 أكتوبر دون أن يقدم ردا على الورقة العربية، وصرح الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي لوكالة فرانس برس أن الخطة العربية لسوريا تتضمن سحب الاليات العسكرية من الشارع ووقف العنف فورا وبدء حوار بين النظام ومكونات المعارضة في القاهرة. بينما واصل الحكم في سوريا العمليات العسكرية ضد المدنيين المعارضين له وقتلهم واعتقالهم.وتقول الامم المتحدة ان ثلاثة الاف شخص قتلوا خلال الانتفاضة السورية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان اقتراح الجامعة العربية قدم للطرفين في سوريا فرصة "لتقرير مستقبلهما من خلال حوار وطني ومصالحة وطنية وبطريقة سلمية دون اللجوء الى العنف."وأضاف لافروف الذي كان يتحدث في أبو ظبي ان روسيا لن تسمح بتكرار تدخل حلف شمال الاطلسي عسكريا في ليبيا الذي ساعد على الاطاحة بمعمر القذافي في سوريا.

وقال يوم الثلاثاء أول نوفمبر المتحدث باسم البيت الأبيض- جاي كارني، "نحن نرحب بكل جهد يبذله المجتمع الدولي لإقناع نظام الأسد بوقف أعمال العنف التي يرتكبها بحق شعبه، بحق السوريين".وأضاف مع ذلك قوله: "نحن ما زلنا نعتقد أن الأسد فقد شرعيته وعليه مغادرة السلطة".
لمعلم قدم خلالها الوزراء مبادرة لإنهاء الأزمة.

ووافقت سوريا اليوم الأربعاء على خطة الجامعة العربية لتسوية الأزمة بجميع بنودها بدون أي تحفظات، جاء ذلك خلال اجتماع لوزراء الخارجية العربية في مقر الجامعة في القاهرة .وتلا رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم نص القرار الذي اعتمده الوزراء العرب والذي نص على ان الحكومة السورية وافقت على الخطة العربية لوقف العنف وإجراء مؤتمر حوار وطني مع كافة أطياف المعارضة.وقال بن جاسم إن الاتفاق واضح، ونحن سعداء بالوصول إليه وسنكون أسعد بالتنفيذ.وأضاف المهم التزام الجانب السوري بتنفيذ هذا الاتفاق، نتأمل ونتمنى أن يكون هناك التنفيذ الجدي سواء بالنسبة لوقف العنف والقتل او الإفراج عن المعتقلين او إخلاء المدن من أي مظاهر مسلحة فيها.وشدد على أنه إذا لم تلتزم سوريا فإن الجامعة ستجتمع مجددا، وتتخذ القرارات المناسبة في حينه.وقيل أن سوريا طلبت أن تتوقف قناتي العربية والجزيرة عن تحريض المتطاهرين السوريين ضد الحكومة.

ومن غير المتصور إذا قامت مظاهرات في المدن أن تقف الحكومة السورية مكتوفة اﻷيدي وﻻ تتحرك آلياتها العسكرية لقمعها، خاصة أذاما خرج جميع السكان وقد أحسوا باﻷمن يهتفون بسقوطها.وستقول الحكومة السورية حينها بأنها لم تلتزم باﻹتفاق ﻷن المعارضة خرقته من جانبها، فإن قالت المعارضة بأنها لم تطلب من السوريين التظاهر ، كان هذا يعني أن ممثلي المعارضة ﻻ يصلحون لتمثيل الشعب السوري.ولعل هذا السيناريو هو الذي تراهن عليه الحكومة السورية حاليا. وفي تصوري أن المعارضة السورية في الداخل إذ تدافع عن المتظاهرين وحقهم في التظاهر السلمي ليس بامكانها منعهم من التظاهر ومن الصعب عليها أن تطلب من أسر القتلي أو من اعتقل أبناء لهم وتعرضوا للتعذيب في السجون والمعتقلات الخلود للصمت وانتظار نتائج المفاوضات بينها وبين الحكومة.

تستبعد سوريا أيضا أي تدخل أجنبي على غرار ما حدث في ليبيا لمناصرة المعارضين وأسقاط نظام الحكم فيها لصلاحهم، وأقصى ما بأمكان بعض الحكومات العربية هو قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وقد أغلقت بالفعل الحكومة الليبية السفارة السورية فيها ، وتنوى الحكومة التونسية نفس الشيء وفق تصريحات منسوبة للسيد/راشد الغنوشي قبل يومين ، ولهذا ، ﻻ تعتبر الضغوط على الحكومة السورية سواء العربيةأو اﻷجنبية لها تأثير كبير على الحكومة السورية بحيث تضطرها الى الرضوخ لما قد تطلبه منها المعارضة التي ﻻ تخفي رغبتها في تغيير نظام الحكم القائم.


استبعاد التدخل الاجنبي :
ناشد نشطاء سريون المجتمع الدولي فرض منطقة حظر طيران على سوريا لحماية المدنيين وتشجيع المنشقين عن الجيش ضد نظام بشار الأسد.إﻻ أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “أندرس فوغ راسموسن” استبعد فرض منطقة حظر جوي على سوريا.وقال راسموسن -أثناء زيارة مفاجئة للعاصمة الليبية طرابلس اليوم- ردا على سؤال عن احتمال أن يتزعم الحلف الآن منطقة حظر جوي فوق سوريا “الأمر مستبعد تماما. ليس لدينا أي نية للتدخل في سوريا.وأضاف راسموسن أن الظروف في سوريا مختلفة عنها في ليبيا، وقال “اضطلعنا بمسؤولية العملية في ليبيا لوجود تفويض واضح من الأمم المتحدة، ولحصولنا على دعم قوي ونشط من بلدان المنطقة”.وتابع قائلا “في الواقع لقد أسهموا بشكل نشط في عملية الدرع الموحد. غير أن أيا من تلك الظروف لا يتوافر في سوريا. وفضلا عن ذلك فإن الحالتين مختلفتان. وعلينا اتخاذ القرارات في كل حالة وفق أوضاعها، وعموما لا يمكن مقارنة سوريا بليبيا”.وأضاف “بالتأكيد أدين حملة القوات الأمنية على المدنيين في سوريا وهو أمر شائن تماما والسبيل الوحيد للتحرك قدما في سوريا، كما هو في بلدان أخرى، هو تلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري والأخذ بإصلاحات ديمقراطية”.

سوريا ليست ليبيابالنسبة للغرب:
يمكن للدول الغربية أن تستنكر تعامل النظام السوري مع المجتجين المدنيين وتندد بها وتسعى لتوقيع عقوبات على النظام السوري في مجلس اﻷمن ، أو تقرض كل منها على حدة عقوبات منفردة وفق ما تقتضيه مصالحها، الا أنه لايتوقع منها أن تسعي لتدخل عسكري لحماية المعارضين السوريين أو مساعدتهم لتمكينهم من تغيير النظام ،على غرار تصرفهافي ليبيا. فليس ثمة مايغريها بذلك من مصالح أو مكاسب مادية أو سياسية تعود عليها من ذلك.ويمكن أن نعزي ذلك لما يلي:

1. لقد حث الرئيس الفرنسي المعروف بميوله الصهيونية ومؤازرته للسياسة اﻻسرائيلية في الشرق اﻷوسط وشمال أفريقيا الدول الغربية وحلف الناتو للتدخل في ليبيا بدعوى حماءة المدنيين بدافع من حسابات فرنسية ﻻ تتعارض مع مصالح اسرائيل ، وكان التدخل يهدف الى العمل على إسقاط حكم القذافي مع احلاله بحكم ضعيف يتم استنزاف قوته عن طريقيين : أوﻻ: تدمير ما يمكن تدميره من القوى البشرية المسلحة المؤيدة له، لذا تركت كتائب القذافي تستنزفها وتوقع بها الخسائر الفادحة في اﻷرواح خاصة في معارك مصراته وطرابلس وبني وليد وسرت.وقد أفرجت قوات الناتو عن سفينة اسرائيلية تحمل صواريخ قادمة من سوريا لنظام القذافي بعد أن صادرتها تحت ضغط من الوﻻيات المتحدة وفرنسا، وأوقفت الوﻻيات المتحدة مشاركتها في جهود الناتو لهذا السبب الى أن تم السماح بتفريغ شحنة السفينة في ميناء طرابلس.وقد لعبت هذه الصواريخ أرض 8أرض دوراه هاما في قتال كتائب القذافي ضد الثوار.
وثانيا: تدمير مخازن اﻷسلحة لدى القذافي حتى ﻻ تؤول الى حكومة الثوار بعد سقوط نظامه، وقد تم تحقيق ذلك.ووجود حكم ضعيف ولو معاد ﻹسرائيل في ليبيا ﻻ يشكل خطرا عليها، ولكن الوضع يختلف بالنسبة لسوريا. وقد كتبت الصحف اﻹسرائيلية مؤخرا بأن أي استبدال لحكم استبدادي في المنطقة بحكومة ديموقراطية يعد خطرا على أمن اسرائيل في المنطقة ﻷن الشعوب العربية كلها قد أثبتت كراهيتها لها.

2. كانت تدخلات القذافي في أفريقيا تصب في مصلحة المخططات الغربية واﻹسرائيلية ولكنها أيضا كانت تزعج فرنساوالتي ﻻ تريد تدخلات من ليبيا أو غيرها في أقريقيا الغربية التي تعتبرها منطقة نفوذ فرنسية.ورغم فشل التدخل الليبي العسكري في تشاد بعد أن تصدت له القوات الفرنسية وأوقعت به هزيمة منكرة فقد واصل القدافي التدخل في تشاد ودعم المتمردين على حكومة انجامينا المدعومة من فرنسا، أو استغلال اﻷراضي التشادية لدعم التمرد في دارفور ، والتي ﻻ تمانع فرنسا وإسرائيل من دعمه ولكن أن يكون الدعم منهما وبحيث يعزى الفضل فيه لهما وحدهما. كان القذافي يعرف أنه يخدم مخططات فرنسية/اسرائيلية ولكنه كان يعمل في نفس الوقت لحسابه وهو ماتستسيغه الدولتان.
وﻻ يوجد تدخلات سورية فيماتعتبره فرنسا من مناطق نفوذها منذ تم طردها من لبنان.

3.إن التقارب الظاهر حاليا بين دمضق وطهران لن ينهيه اسقاط النظام السوري ، والعلاقة الحالية بينهما غير مبنية على الثقة بين الجانبين وانما مطبوعة باﻻنتهازية من كل طرف ، وهي بالتالي هشة وليست قوية وتستمر تحت ضغط الظروف الحالية وفي حالة تغير الظروف ستتغير بدورها. وقد ورد في مقال نشرته الفيجارو الفرنسية اليوم 31 أكتوبر بعقد لقاء بين مسؤولين ايرانيين وأمريكيين اقترح فيه اﻻيرانيون أن يتم نقل السلطة في سوريا الى مجلس عسكري على غرار ما حدث في مصر ، وليس مستبعدا أن يكون هذا الخبر صحيحا .بل قد يزداد التقارب قوة في حالة سفوط نظام اﻷسد مشكلا محورا من سوريا والعراق وايران في مواجهة الصعود التركي في المنطقة وفي مواجهة اسرائيل والدول الغربية أيضا.وكل ما يهم ايران في سوريا هو فتح الطريق بينها وبين ساحل البحر اﻷبيض المتوسط مرورا بالعراق ، وأمام أمداد حزب الله اللبناني بالسلاح دون عائق . وحاليا تستولي سوريا على جزء كبير من اﻷسلحة اﻻيرانية مقابل السماح بمروبها في أراضيها.وقد يساعد سقوط النظام الطائفي الحالي في سوريا على تحقيق نوع من التحالف الشيعي /السني يجد من التناقضات والتنافرات بين المذهبين غير مرغوب فيه بالنسبة للمصالح الغربية . خاسة وأن الحرب اﻷمريكية على العراق وانتهاء اﻻحتلال اﻷمريكي مؤخرا له بعد سبع سنوات ، لم يسفران اﻻ على زيادة ودعم النفوذ اﻹيراني في العراق على غير ما كان يخطط له الغرب.وإذ صارت أخر ورقة يلعب بها الغرب اﻵن هو تحفيز حكومة كردستان على اﻻنفصال التام عن العراق، فإن تحرير سوريا وتركها في يد حكومة سنية قد يفضي ذلك الى عودة التقارب بين العرب واﻷكراد بسبب مشاركتهما في وحدة المذهب السني من ناحية ووجود عداء مشترك للشيعة في العراق وأيران ، وهو ما يقلب الحسابات الغربية والصهيونية.

4. ليس في سوريا ثروة بترولية كبيرة مغرية ويمكنها أن تدر عائدات مالية كبيرة على من يستغلها، وهي تكفي بالكاد احتياجات اﻻقتصاد السوري من النقد اﻷجنبي. ويختلف اﻷمر بالنسبة لليبيا والتي تملك احتياطيا كبيرا من النفظ خفيف الكثافة ومن الغاز ويسدان معا احتياجات فرنسا وايطاليا ودول أوروبية أخرى.وكان من أهداف التدخل الغربي أيضا في ليبيا تدمير المدن والبنيات اﻷساسية وهو من ناحية يتيح فرصة لشركات المقاوﻻت بها للمشاركةفي أعادة تعمير ما خربته الحرب ويساعد اﻻقتصاديات اﻷوروبية التي تعاني من الركود واﻷزمات المالية التي ترتبت على مديونيات لدول مثل اليونان وأسبانيا صارت بمثابة ديون معدومة لعدم القدرة على سدادها..كما أن ذلك يحول بين الحكومة الليبية الجديدة وأنقاق أموال النفظ الليبي على استثمارات في الدول أﻷفريقية أو شراء أسلحة وتكوين جيش نظامي يشكل خطرا في حالة تدخله في أية حروب اقليمية بالمنظفة أو قيمة مضافة لها.أو تخل بموازين القوى العسكرية بين دول المنطقة وأسرائيل ، أو دعم تنظيمات مناهضة للغرب.أي أن الحرب الليبية هيأت فرصة ﻻستنزاف مزدوج لليبيا: بشري حين يتردد حاليا بأن عدد القتلى بلغ حوالي خمسين ألف قتيل الى جانب عشرات اﻵلاف من الجرحي والمعطوبين،ومالي وقد قدرت اﻷموال التي حتاجها اعادة ليبيا الى ما كانت عليه بأكثر من 300مليار دولار ،في آن واحد.

5.توفر حزب الله اللبناني على صواريخ قادرة على ضرب كافة مدن إسرائيل ومناطقها، بدئاً من حدودها الشمالية مع لبنان وحتى ميناء إيلات في أقصى الجنوب ، وتحالف الحزب مع سوريا أو تأييده الظاهر لنظامها، يجعل التدخل الغربي في سوريا يشكل مخاطر على أمن السكان في اسرائيل ، ويستدعي التدخل أيضا في لبنان ، مما يوسع رقعة الصراع ، ولعل هذا ما دفع بشار اﻷسد باعتبار التدخل سيكون بمثابة زلزال في المنطقة.وﻻ يتوقع من حزب الله أن يتورط في حرب ضد اسرائيل لمجرد دعمه لنظام بشار اﻷسد الذي ﻻ يثق فيه أصلا بعد اغتيال عماد مغنية في دمشق وإنما ينفذ معه مبدأ التقية لكي يضمن استمرار وصول اﻹمدادات العسكرية اليه من ايران عن طريق سوريا.

6.إن ما تأخذه الوﻻيات المتحدة على سوريا من أنها تدعم المنظمات التي تعتبرها واشنطن إرهابية مثل حماس في غزة.وحزب الله في لبنان هو بمثابة ذريعة لممارسة الضغوط السياسية على النظام السوري ، وتعلم أيضا بأن النظام السوري يستخدم ورقة تلك التنظيمات أيضا كورقة ضغط سياسية على الولايات المتحدة وأسرائيل. والقيادات الفلسطينية في سوريا نشاطها محض سياسي وﻻ علاقة لها باﻷعمال العسكرية على اﻷرض وتشكل قناة اتصال مع المقاومة في حالة الحاجة الى تلك القناة.واذا كانت المخابرات السورية متهمة بأنها تواظئت مع المخابرات اﻻسرائيلية على اعتيال عماد مغنية في دمشق ، فإن القادة الفلسطينيين يعيشون في الواقع تحت رحمة تلك المخابرات وبامكانها التخلص منهم وتصفيتهم في أي وقت يكون ذلك من صالح النظام السوري.

7.تعارض الصين وروسيا أي قرارات تصدر من اﻷمم المتحدة ضد سوريا يترتب عليها تواجد عسكري غربي على اﻷرض السورية ولكنهما ﻻ يعارضان استبدال النظام السوري ذاته ولكل مصلحة في ذلك.فبالنسبة للصين التي تعلم أنها كانت المقصودة بالتواجد اﻷمريكي في العراق وأفغانستان لحصارها من جهة الغرب ، فأنها وهي ترى اﻷمريكيون ينسحبون من سوريا ، وبصدد اﻻنسحاب أيضا من أفغانستان ﻻ يمكنها أن تسمح لهما بالعودة الى سوريا لسد الطريق أمام مشروعها : طريق الحرير الجديد، والذي تسعى منه للوصول برا الى سواحل البحر المتوصط.روسيا أيضا ترى خلو سوريا من القوات الغربية يفتح الطريق أمام صادراتها الى كل من سوريا والعراق وأيران عن طريق البحر المتوسط بعد أن احتكرت الوﻻيات المتحدة منظقة الخليج.

8.رغم العداء الظاهر بين الوﻻيات المتحدة واسرائيل من جانب وبين ايران من جانب آخر، فإن مؤشرات عديدة توضح بأن كل من الجانبين يحافظ على شعرة معاوية بينهما ومازالت تأمل كل من اسرائيل والوﻻيات المتحدة يأملان في علاقات مع ايران ولو في مستوى أقل مما كانت عليه علاقتهما بها زمن الشاه.وهما يراهنان على عامل الوقت وحدوث تغييرات مشجعة على ذلكفي ايران.

9.إن الدول اﻷوروبية التي دخل اقتصادها مرحلة ركود فعلي ، وتعاني من أوضاع مالية مقلقة ، ليست على استعداد حاليا للتدخل في مغامرات خارجية مكلفة ، إن كان معروقا بدايتها غير معروف نهايتها وكلفة الدخول فيها والخروج اﻵمن منها دون إثقال كاهل اقتصاد مرهق وزيادة متاعبه.

10.عندما يكون ضحايا المذابح في أي مكان من العرب أو المسلمين فإن اﻷمر ﻻ يسبب ازعاجا للدول الغربية مالم يتعارض مع مصالحها، وفي حالة التعارض فإنها تترك سفك الدماء يأخذ مجراه إلى أبعد مدى قبل أن تقرر التدخل. وقد ظهر هذا واضحا في البلقان عندما تركت المسلمين في البوسنة والهرسك يتم ذبحهم من قبل الصرب والكروات ولم تتدخل اﻻ لكي تحول دون هيمنة الصرب السلافيين اﻷرثوذكس على الوضع والذين بعد انتصارهم انتصارا للروس الداعمين لهم والذين ينتمون الى نفس العرقية والدين المخالفان لجنس ودين الدول اﻷوروبية.

إن النظام السوري يعي جيدا كل ما سبق ، ولذا يواصل تعنته واهماله التهديدات له أيا كان مصدرها، ومن المرجح أن يستمر في أعمال قتل واعتقال وتعذيب الناهضين له داخل سوريا، رغم إعلانه خطة الجامعة العربية. وهو يعول أساسا بأن النفوذ الصهيوني في الدول الغربية لن يسمح لتلك الدول بالتدخل ﻹسقاط النظام السياسي القائم في سوريا بالقوة، وتسليم السلطة لمعارضة سورية تتزعمها جماعة اﻹخوان المسلمين جتى وإن توارت خلف برهان غليون حاليا في الخارج. وفي نفس الوقت يدفع ذلك الى التساؤل عن مصير اﻻنتفاضة السورية الحالية ضد النظام في دمشق؟..وﻻيمكن المقارنة مع الحالة المصرية حيث ﻻ توجد في سوريا مدن كثيفة السكان مثل مصر لكي يمكن تنظيم مظاهرات مليونية تربك النظام وﻻ يستطيع التعامل معها ،وﻻ في تونس حيث لم يكن بها قوى عسكرية بنفس عدد وأسلحة الجيش السوري واﻷجهزة اﻷمنية التابعةله وذات صبغة شبه طائفية تزيد من تماسكها في مواجهة الشعب.وﻻ في ليبيا حيث لا ينتظر تدخل أجنبي يمد المعارضة بالسلاح ويحميها من القصف الجوى لتجعاتها.

فوزي منصور