Sunday, December 27, 2015

الحب بين التجمد والغليان




أشبه الحب هنا بالماء الصافي النقي الذي يصل في الحرارة الى درجة الغليان وفي البرودة الى درجة الصفر ودونها يتجمد وتزداد درجة برودته في حالة تجمده ، وهو في الحالتين ، حالة الحرارة الشديدة حتى إن لم تصل الى الغليان ودرجة البرودة الشديدة وإن لم تصل الى حالة التجمد غير صالح للشاربين.

كما أن الماء الملوث أو الذي علقت به شوائب أفسدته  ويفقد النقاء والصفاء لايصلح أيضا للشرب ، وهكذا الحب أيضا إن تلوث أو علقت به شوائب فأفسدته يكون ضرره أكثر من نفعه.

الوسطية هنا سواء في الماء أو الحب هي وسطية  من جنس واحد أو في الجنس الواحد وليست وسطا بين نقيضين وفق الفهم الشائع لها ، أي أنها ليست وسطا بين الحب والكراهية ، وإنما تكون إما في الحب وإما في الكراهية.

الحب والكراهية يندرجان في أهواء النفس ومن الأهواء ما هو كريم معدنه مثل الحب وما هو خبيث معدنه مثل الكراهية وما يلحق بها من حقد وضغينه ورغبة في الانتقام والتشفي .ويمكن أيضا أن نعتبر الحب من صفات الأتقياء والكراهية من صفات أهل الفجور، وأن النفس الزكية هي النفس التي تلتزم بالحب وتبتعد عن الكراهية. والنفس : قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.

وإن اعتبرنا الحب معدنا نفيسا ، فإن المعادن النفيسة قد يفسدها الغش والزيف ويمكن لبائع أو صائغ لاضمير له أن يأتي بمعدن غير نفيس ويطليه بماء الذهب ويبعه لك على أنه من الذهب الخالص ولاينبئك في هذه الحالة عن حقيقته مثل خبير بالذهب.

والحب سواء شبهناه بالماء النقي الصافي الصالح للشرب أو شبهناه بالمعادن النفيسة يعد أيضا في مقدمة مكارم الأخلاق ولاعلاقة له بمساوئها. وحديثنا عن الحب هنا يتناول الحب بصفة عامة كقيمة أخلاقية ولاينحصر في الحب بين الرجل والمرأة فقط وإنما يمتد للحب بين المخلوق وخالقة وبينه وبين كافة المخلوقات وإلى حب الخير والحق والجمال. بينما الحب بين الرجل والمرأة فهو حب من نوع خاص وإن تفرع عن الحب بمعناه العام ، أو بصفته قيمة مطلقة.

الحب درجات
وعندما نقول : الحب بين التجمد والغليان ، فإن هذا يعني أن الحب درجات تزيد في تصاعد أو تقل وتتدني حتي ينتهي الحب في درجة الصفر ، أي يتلاشي.  وحين يتلاشي يجب ألا ينقلب الى ضده ، أي الى الكراهية. وإنما يتوقف الحب ويتجمد فيهمله المحب بعد أن لم يعد يعني المحبوب له شيئا ، ولايهتم بحضوره أو غيابه أو بحديثه أو صمته، وقد يلتقي به ولكنه لايعيره اهتماما ، ولايجادله في حق أو باطل ، ولايتعترف بوجوده ، ولايأسي لغيابه ، ولكنه أيضا لايكرهه أو ينفر منه أو يسيئ اليه بلفظ أو حركة. لأننا إذا ما اعتبرنا الحب من مكارم الأخلاق والكراهية من مساوئها،وجب أن تظل تلك المكارم مسيطرة على صاحبها سواء أحب أو توقف عن الحب لشخص أو شيئ ما..

وإذا قلنا أن الحب يكون لله أو للقيم ومكارم الأخلاق أو للوالدين أو الأبناء أو ذي القربي أو الأصدقاء ووجدناه يختلف بين هذا وذاك ، فالحب في جميع الحالات واحد وإنما درجته أو خصوصياته هي التي فيها أو بسببها يحدث الاختلاف أو التصنيف.

والبيئة الاجتماعية التي ينتشر فيها الحب هي وحدها التي يعم فيها السلام والأمان، وتقل فيها الصراعات التي تتسم بالعنف و الدموية. وكلما زادت درجات الحب في المجتمع وكثرت كلما استطاع المجتمع أن يرتقي ويتقدم ويسخر جهوده وطاقته لتحصيل العلم والاهتمام بالعمل البناء . وحين تسود الكراهية وتطغى على الحب كلما تدهورت أوضاع المجتمع وتخلف عن باقي المجتمعات وساءت أحوال أفراده وجماعاته.

الدين مصدر الحب :
من الصفات التي تلازم من امتلآ قلبه بنور المحبة : الرحمة والرأفة والشفقة على كل ذي روح سواء كان إنسانا أو حيوانا دون تفرقة بين كل جنس أو لون أو دين ومن هنا جاء قول البعض بأن الحب لادين له ويقصدون بأن المحب لبني الإنسان لايفرق في حبه لهم على أساس دينهم ، والقول خاطئ وإن كان المقصد سليما ، فكيف يكون الحب لادين له وكل الأديان تحث عليه وعلى الصفات اىلمرتبطة به مثل الرحمة والرأفة والشفقة  ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا دخل الجنة لأنه آثر على نفسه كلبا ظمئا وأن أمرأة دخلت النار في قطة حبستها فلاهي أطعمتها ولاتركتها تأكل من خشاش الآرض؟. بل إن المؤمن يزداد بالحب إيمانا ، والمسلم كما قال الرسول عنه : من سلم المسلمون من لسانه ويده ومثل هذا المسلم إن امتلأ قلبه بالمحبة يسلم كل الخلق من لسانه ويده ولايبدر منه عدوان عليهم إلا لرد عدوانهم عليه أو منعهم من الاعتداء عليه.
وقد ذكر حب الناس لله وحب الله لهم مرات عديدة في القرآن الكريم. ومن تلك الأيات التي ذكر فيها ذلك قوله تعالى : "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله " (البقرة 105) وقوله تعالى:" ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، ،أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين"(المائدة 54) وقوله : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله"(آل عمران 31) وقوله : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا"(مريم 96).
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المتحابين في الله تعالى لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالغ الشرقي أو الغربي ، فيقال : من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله عز وجل".
ويرى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحب بين المؤمنين يكون حبا في الله ، أي طلبا لرحمته فيقول في حديث له نقله أبوداود:"من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان"...
ومما قاله صلى الله عليه وسلم عن إئتلاف النفوس بالحب قوله: " الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها إئتلف، وما تناكر منها اختلف"، أي أن كل نفس تحب من ترتاح اليه بعد التعرف عليه وأما إن وجدت النفس بعد التعارف على نفس أخرى اختلفت معها ، أي سارت في طريق غير التى تسير فيها ، وسنلاحظ أنه لم يقل كرهتها أو أبغضتها .
ويقول يسوع المسيح عليه السلام للحواريين :" من خلال كل هذا أعلم أنكم تلآميذي ، إذا كان لديك حب بعضكم بعضا" (يوحنا 13:35) أي أنني أعرف أنكم استوعبتم ماعلمتكم إياه حين أراكم يحب بعضكم بعضا.
ويرتبط الحب بطاعة الله وتحل محله البغضاء والكراهية حين يتم معصية الله ونسيان ماأمر به ونهى عنه ، ويستنبط هذا من قوله تعالى :"فنسوا ما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة"(سورة المائدة 14).

ويقول محمد راتب النابلسي:"الحب أصل من أصول الدين ، وسمة بارزة من سمات المؤمن، لأن هذا الكون بني على المحبوبية ، لوأراد الله أن نطيعه فقط لأجبرنا على طاعته، لكنه أراد قلوبنا ، أراد محبتنا ، أراد مبادرتنا وسعينا الى مرضاته ...
ويقول أيضا" الحب في الله أن تحب إنسانا من دون منفعة ولاشهوة ولاقرابة ولاخدمة أداها لك ، تحبه لله.
ويؤيد ذلك ما رواه مالك بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود الى الكفر كما يكره أن يقذف في النار." وقال
صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولاتؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم :إفشوا السلام بينكم"
وفي مقال سابق لي كتبت ما يلي:
الله محبة:
هذه المقولة : "الله محبة " مأثورة عن السيد المسيح عليه السلام ، وهو مثل كل الأنبياء والمرسلين لاينطق عن الهوى ، وإنما هو وحي يوحي، يعزز سلطة العقل على شهوات ونزعات الجسد. والحب إذن نعمة من نعم الله على الإنسان بما فيه الحب بين الرجل والمرأة الذي ليس فيه معصية للخالق ، وإنما هو امتداد لحبهما له، وأيضا محبة مخلوقات الله وما يتضمنه من إشفاق وكرم ووفاء ونبل وإيثار وإحسان ، وكل هذه من صفات النفس الطيبة الزكية المتعلقة بمحبة الله. ولذا قال السيد المسيح : من لم يحب لم يعرف الله لأن الله محبة.وقال أيضا في إنجيل يوحنا : ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا ،مالله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.

ولاتمنع محبة الله محبة الزوجة لزوجها أو من ترغب في الزواج به أو محبة الزوج لزوجته أو من يرغب في الزواج بها ،لأن كل محبة يرضى الله عنها مستمدة من محبة الله. ولايقلل من هذه المحبة اشتمالها على الرغبة المتبادلة في أرواء الشهوة الجسدية. ويظل كل ذلك ضمن صفات النفس الطيبة الزكية ، وضمن الصحة النفسية والعقلية . وشدة الرغبة أو إرواء الشهوة في هذه الحالة لايندرج ضمن العشق والغرام مهما اشتد طالما يظل العقل هو السيد للشهوة وليس العبد الفاقد حريته وحكمته وفطنته بسبب تغلبها عليه وتحكمها فيه.

العشق الإلاهي:
وقد وصف المتصوفة شدة حبهم لله بالعشق الإلهي، وهذا العشق الإلهي مختلف عن الغرام ، ولايفقدون فيه العقل ، بل يرون إن عقولهم تتسامى وتتطلع الى السدة الإلهية في الأعالي ، وتستمد منها الإلهام والعلم والفهم أكثر من أي مصدر آخر. ولاأجد في نهجهم ما يلامون عليه. وأرى أنه كلما زادت محبة النفس لله كلما تزكت النفس وطابت وصلح أمرها ، وكلما استردت النفس والعقل معها حريتهما وتغلبا على سجن الجسد لهما أو تأثيره عليهما ، وكان ذلك لصالح النفخة الإلهية من روح الله حين خلق الإنسان أول مرة وكرمه على العالمين، أما غير ذلك من تغليب الجسد وشهواته على العقل فإنه يعتبر بمثابة دس للنفس وإفساد لها، ولايمكن للنفس في هذه الحالة الأخيرة أن يتم اعتبارها غير معتلة.
ويعرف الإمام الغزالي العشق الإلهي لدى المتصوفة فيقول : "فاعلم أن مَن عَرَف الله أحبَّه لا محالة، ومَن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر تأكد معرفته، والمحبة إذا تأكدت سُميت عشقًا، فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة:.

ومن أقوال المتصوفة المشهورة والتي تم التغني بها قولهم:

أحبك حبين حب الهوى 

وحب لانك اهل لذاكا

فاما الذى هو حب الهوى 

فشغلى بذكرك عما سواكا

واما الذى أنت أهل له 

فكشف لى الحجب حتى أراكا

فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى 

ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا.

الحب بين الرجل والمرأة

وفي نفس المقال السابق كتبت:
والحب بغرض الزواج هو ميل أو مودة تنشأ بين رجل وامرأة لاتشوبه خطيئة أو انتهاك حرمة قبل إتمام الزواج. وهو حب لاحيلة للمحبين فيه ، ولاغبار عليه، أو ملامة فيه.وروي عن ابن عباس قوله: "إن رجلاً جاء الى رسول الله وقال: "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح" وهو بهذا لم ينكر عليهما الحب وإنما جعله مقدمة واجبة أو مسوغ للزواج.وقد قال تعالى في سورة الأعراف: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" ولايسكن الرجل الى زوجة مالم يكن يحبها ولاإمرأة الى زوجها مالم تكن محبة له. وقال تعالى في سورة الروم : " ومن آياته أن خلق من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكما مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". والمودة هي المحبة والرحمة تدفع إلى حسن المعاملة والتي هي من تداعيات المحبة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".ومصرح للفتاة غير المتزوجه أن تتزين ليكون لها وقع حسن لدى الخطاب فيتزوج بها من يميل اليها قلبه . وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله" لوكان أسامة جويرية لزينتها حتى أنفقها ، أي حتى أزوجها.

التوازن في الحب:
إذا كنت قد أشرت الى الوسطية في الحب بين التجمد والغليان فإن هذه الوسطية تخضع لتوازنات ضرورية لكي تحافظ على أن يظل الحب صحيا وصافيا ونقيا وخاليا من أي شوائب تفسده وتجعله ضارا للمحبين أيا كانوا. وأهم تلك التوازنات هي التوازن بين الحب كهوى من أهواء النفس والعقل كحاكم على النفس ومرشد لها ومقوم لأهوائها ونزعاتها وحافظ لمتطلباتها.ومن تلك المتطلبات ما اصطلح علي تسميته الأصوليون في الدين بمقاصد الشريعة الكلية والتي حددوها في خمس : حفظ النفس ، حفظ العقل ، حفظ الدين ، حفظ العرض، حفظ المال. وتتفرع تلك المقاصد الكلية إلى مقاصد فرعية ترتبط بها ، وكنت قد كتبت من قبل أن حفظ الأمانة هي أم تلك المقاصد الكلية ، أو أن تلك المقاصد الكلية تتفرع عنها.باعتبار أن تلك المقاصد الكلية هي في حد ذاتها أمانات إئتمن الخالق الإنسان عليها وعلى الأمانات حفظ تلك الأمانات وعدم التفريط فيها أو العبث بها.

وأكثر ما يحرص عليه المحب هو حب حبيبه وعلاقته الروحية به ، وسواء كان حبيبه هو الله جل وعلا أو أحد مخلوقاته أو آياته في الأرض وفي الكون أو فيما أنزله من كتب على الأنبياء والمرسلين .

ومن التوازنات أيضا المحافظة على حقوق من تحبه بنفس القدر الدي تحافظ فيه على حقوقك ، وحقوق الإنسان مبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن أهم تلك الحقوق : الحرية والعزة والكرامة . ولذا يتميز الحب الصحي بمحافظة كل من الحبيبين على حقوق من يحبه جميعها بصدق وأمانة مشوبان بالكرم والعطاء.

أنعم الله عليكم جميعا بنعمة الحب

فوزي منصور







Friday, December 18, 2015

النفس البشرية



"ماهية النفس"

أكتب مقالاتي بعد تفكير عميق في موضوع ينشغل به عقلي لفترة تطول أو تقصر حسب الموضوع ، وما يتوفر لدي من معلومات عنه.و
أضمنها ، أي المقالات، ما  انتهى اليه تفكيرى ، دون أن أتوهم أنني كتبت ما هو صحيح فعلا ، ولذا يظل فكري مشغولا ببعض الموضوعات التي كتبت فيها سنوات عديدة لاحقة ، فإن توصل عقلي لغير ما كتبته من قبل بادرت الى كتابة ما استجد لدي منه ، ومعتذرا عما سبق أن كتبته ، واعتبرت نفسي لم أوفق فيه ، أو كنت مخطئا بينما كنت أظن وقتها أنه صحيح.

وكان مما شغل فكري ، وشغل فكر مئات الآلاف من أمم سابقة فهم "ماهية النفس البشرية ". وكان ماظننته قبل سنوات وكتبته أن الإنسان يتكون من نفس وروح وعقل وجسد ، وعندما تقدمت في العمر بدأت أراجع ذلك ، وأظن اليوم أن الإنسان يتكون من جسد ونفس فقط وأن الروح والتي كنت أظنها مسؤولة عن الحياة فقط ، وكذلك العقل هما من مكونات النفس ، وغير منفصلين عنها.

وإذا كان الإنسان يموت حين يحين أجله ، فإن النفس تظل حية ولاتموت ، وهو ما يعني أن الروح لاتنفصل عنها وإنما هي باقية فيها طالما اعتبرناها سبب الحياة. كما أنه طالما أن النفس رهينة بما كسبت وهي مخيرة بدليل مسؤوليتها عن تصرفاتها ، إذن النفس عاقلة أي أن العقل ملازم لها ، سواء كانت سجينة في الجسد أو تحررت منه بعد موته وتلفه وتحوله إلى رماد بمرور الوقت.

كان القرآن يعبرعن العقل بالقلب ، ولذا قيل أن العقل هو القلب ، أو أن القلب امتداد للعقل ، ووجدنا من حاول إثبات ذلك بالقول أن من نقلت اليه قلب ميت ، اتضح أنه يتذكر أمور حدثت لصاحب العقل الأصلي. وإذ لا أشكك في صحة ما قاله ، فإني أظن بأن القلب المذكور في القرآن يعني النفس أكثر مما يقتصر على العقل. وإذا تساءل عن سلوك قوم أو استهجنه فقال أليس لهم قلوب يتفكرون بها ، فيمكن فهم التساؤل بمعنى أليس لهم نفوس يتفكرون بها.

ولا أدعى الآن أنني أكتب علما ، أو أن ما أقوله هنا صائب صوابا مطلقا ، ولكنه قد يكون صائبا نسبيا .
 وفي جميع الحالات هذا ما توصل إليه عقلي ، وقد أكون قد أصبت فيه ، وربما أكون لم يلازمني التوقيق أيضا . ولكنه في نفس الوقت دعوة للتفكير في الأمر والتأمل فيه لمن شاء ويهمه ذلك.

والنفس البشرية وهي سجينة في الجسد قبل مقارقته ، تتأثر بما يحدث للجسد من أمراض وعلل ، وتتعرض للمرض ويمرض بمرضها العقل فيختل تفكيره ، أو تفقد الوعي والذاكرة إن أصابه ما أضر به.  وهي إن غادرت الجسد وتحررت من أسره ، تعود إليها صحتها وعافيتها على النحو الذي كانت عليه في البدء ، وإذا كانت القوانين لاتطبق على مختل العقل إن خالفها، والشريعة بها مبدأ : ليس على المريض حرج، من قبيل العذر له أو التخفيف عليه ، أوالإعفاء له ، فهذا أكثر ما ينطبق على الذين أصابهم مرض نفسي وعقلي. وكل تصرفاتهم خلال المرض يعقوا عنها الله ولا يحاسبهم عليها.

وقد وجدت في موقع بالأنترنيت :
http://www.arabna.info/vb/showthread.php?t=8521
من نقل عن الدكتور مصطفي محمود أنه قال : إن علاقة نفس كل منا بروحه وجسده هي أشبه بعلاقة ذرة الحديد بالمجال المعناطيسي ذي القطبين ، والذي يحدث للنفس دائما هو حالة استقطاب ، إما إنجذاب وهبوط إلى الجسد ، إلى حمأة الواقع وطين الغرائز والشهوات، وهذا ما يحدث للنفس الجسمانيية الحيوانية حينما تشاكل الطين وتجانس التراب في كثافته ، وإما إنجذاب وصعود إلى الروح إلى سموات المثل والقيم والأخلاق الربانية ، وهو ما يحدث للنفس حين تشاكل الروح وتجانسها في لطفها وشفافيتها، والنفس طوال الحياة في حركة وتذبذب واستقطاب بين القطب الروحي وبين القطب الجسدي....الخ

وتحت عنوان : ماهي النفس ، كتب صاحب المقال : " النفس هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة وهي نور إلهي مركزها الصدر وأشعتها سارية بواسطة الأعصاب في سائر إنحاء الجسد ثم تتعرف على ما يحيطها بواسطة الحواس .....والنفس هي المخاطبة دوما في القرآن ، وهي المتهمة في القرآن بالشح والوسواس والفجور والطبيعة الأمارة بالسوء وهي يمكن أن تتزكي وتتطهر وتوصف بأنها لوامة وملهمة ومطمئنية وراضية مرضية...

ويمكن أن نستخلص مما سبق ، مع بعض التغيير فيه ، أن النفس هي كينونه روحية أو إلهية تسكن جسدا ماديا تتفاعل معه وتغلبه بروحانيتها أو يغلبها بماديته.

أما عن الحواس فهي ترى وتلمس وتسمع وتحس عبر الجسد حين تكون مسجونة بداخله ولكن حين تتحرر منه تظل محتفظة بقدرتها على السمع والبصر وكافة الحواس.

ومن الأخطاء التي وقعت فيها بالنسبة للنفس البشرية من قبل هو تفسيري لقوله تعالى : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، حين ظننت ، ونفس الخطأ سبقنى اليه العديد من المفسرين ، أن النفس تحتوى منذ البدء على الفجور والتقوى ، وقد انتهيت مؤخرا أن ألهمها تعنى علمها أو أخبرها بما هو يندرج ضمن الفجور وماهو يعد من التقوى . وأن هذا التعليم أو التوجيه كان سبب إرسال الأنبياء والرسل للناس مبشرين ومنذرين. وقد وجدت أن مفسرين قلائل من السلف فهموا ذلك أيضا حين فسروا الآية.

ونفخنا فيه من روحنا:

عندما حدثنا الله عن خلق آدم ، وهو الإنسان الأول ، وكان في الأرض أقوام غيره ، قال : ونفخنا فيه من روحنا.وقد ظن كثيرون أن هذه النفخة اختص الله بها آدم ، وأن آدم انتقلت اليه بها بعض الصفات الألاهية . ولكن سأجد في القرآن أيضا أن الله استعمل نفس العبارة حين تحدث عن حمل السيدة مريم بالمسيح عليه السلام وبعد أن أرسل لها ملكا تمثل لها بشرا سويا. وقد تحدثت الأناجيل أيضا عن ملاك كان يرعى المسيح طول حياته وكان يعتبره إبنه. وكتبت من قبل بأن المسيح حين كان يقول : إبي الذي في السماوات لم يكن يعني الله سبحانه وتعالى وإنما هذا الملاك.

وعندما وجد المسلمون المسيحيين يتحدثون عن الروح القدس قال الكثير منهم بأن الروح القدس هو جبريل عليه السلام وهو الملاك الذي كان ينزل بأيات القرآن على النبي  ومن قبله على الأنبياء . في حين نستنتج من رواية حول حاخامات يهود جاءوا للنبي يتأكدون من صحة نبوته وأنه المذكور لديهم في كتبهم ، أن كل نبي أو رسول كان له ملك ينزل عليه بالوحي ليس بالضرورة جبريل ، بل امتنعوا عن اتباع الرسول حين علموا منه بأن جبريل هو الذي ينزل عليه بالوحي بذريعة أن جبريل كاره لهم وهو يبادلونه كرها بكره، وعلى الرغم بأن النبي أجابهم على أسئلة قالوا بأنه لايعرف إجابتها في زمانهم سوى خمسة هم منهم ، وكان كلما أجاب على سؤال بالإجابة الموجودة لديهم قالوا له : صدقت. قد يكون جبريل دون باقي الملائكة له لقب الروح القدس ولكن لايجب تأويل كلمة أو لفظ الروح القدس بما لا يعلمه غير الله سبحانه وتعالى.

إذا أخذنا في الاعتبار أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه نور السماوات والأرص ، وأن الملائكة خلقهم من نوره، وأن الملائكة ينفذون مشيئة الله في الأرض ويصدعون بما يؤمرون، ولايعصون لله أمرا. أمكننا من هذه المعلومات أن نستنتج أن الملائكة أرواح ذات طبائع شبه إلهية .ولكل وظيفته. وقد أدرك ذلك قدامي المتدينين ولنسميهم الصابئة. وعندما رؤوا النجوم مضيئة في السماء ظنوها ملائكة وكان ذلك سر اهتمامهم بالفلك ، ومن هنا أيضا تحدثوا عن آلهة للخصوبة وللجمال وللريح والمطر وكل طواهر الطبيعة ، ثم جسدوها في أوثان وراحوا يعبدونها مما اعتبر شركا بالله وكان سببا في إرسال الأنبياء والرسل لإعادتهم لعبادة الله وحده. وكان من هؤلاء المصريون القدامي ، وعندما وجد أخناتون أن الشمس هي التي تصيئ السموات والآرض ظنها الإله  الواحد ودعا قومه لعبادتها عوض عبادتهم للأله آمون .

ويمكن أن نستخلص من عبارة ونفخنا فيه من روحنا ، وسواء كان المفصود بالروح هنا المولي أو ملاك بإذنه، أن جسد الإنسان الحي وإن كان من التراب ففيه نور يكون نفسه من نور الروح النافخة فيه.وهذا النور الألهي تتكون منه النفس الحية في الجسد وبعد مغادرة الجسد إلى ما يعرف بالبرزخ الذي تنتظر فيه لاتشعر بالزمن مهما طال حتي ينفخ في الصور ويتم جمعها وبعثها ليوم الحساب. كما أن الحسد حين كان طينا أو صلصالا تم حرقه ، وهو ما يعني أنه يتكون أيضا من تلك النار التي حرق بها ومن هنا يستمد حرارته التي يظل بها وتتبدد بعد موته. وإذا كانت الملائكة خلقت من نور والجن خلقت من النار فإن جسد اإنسان به نور ونار . وحين يموت يظل النور وتختفي النار وكل ما بالجسد من الطين أو المعادن التي يتكون منها تراب الأرض.

ويمكن أيضا أن نستخلص إن الروح والنفس شيئ واحد لايتجزأ، وأن الإنسان الحي مكون من ناسوت هو الجسد ومن لاهوت هو النفس أو الروح الناتجة عن تلك النفخة الروحانية. وأن التذبذب الذي تحدث عنه الدكتور مصطفى محمود يمكن أن نعتبره بين الناسوت واللاهوت. وهو جمع بينهما غير قاصر على السيد المسيح كما يقول بذلك القساوسة.
كما يمكن اعتبار ذلك التذبذب أيصا تذبذب بين الفجور والتقوى داخل النفس وقد أفلح من زكانها ، أي خلصها من فجورها، وخاب من دساها أي جعل فجورها يتغلب على تقواها.

هل الأنفس خاصة بالإنسان وحده؟
عندما نجد الله سبحانه وتعالى يقول بأن من الحيوانات والطيور أمم مثلنا ، فإن هذا يعني أن كل حي ذي روح ، أي أن كل الأحياء لها أنفس. وعلماء البيولوجيا تعتبرالإنسان من الثدييات وتجمع بينه وبين العديد من الحيوانات الثديية .

ولكن نفس الإنسان تختلف عن باقي الأنفس.لدى الكائنات الحية الأخرى حيث تمتلك نفس الإنسان حرية التصرف والإختيار بينما الكائنات الحية الأخرى لاتملك من أمرها شيئا ونسيرها غرائزها واحتياجاتها الحيوية مثل الطعام والشراب والتناسل . وبينما يحاسب الإنسان على ما كسب واكتسب في حياته الدنيوية ، فإن الكائنات الأخرى لانعلم أن ثمة حساب لها أو حياة أخرى غير حياتها في الدنيا ولذا أظن أن أنفسها ليست أكثر من طاقة تتبدد في الكون بعد موتها ، والله أعلم.

تجسد الكائنات اللامرئية
وللكائنات الحية اللامرئية أيضا أنفسها ، وأقصد هنا الملائكة والجن ، وقد ذكر الله الجن في كتابه الكريم وقال بأن فيهم المؤمن والكافر والطيب والخبيث ، وأنهم أمم أيضا . ومنهم الشياطين والمردة وغيرهم من أصناف الجن أو جنسه الذين خلقهم الله من النار.وقد أعلمنا القرآن أن من الجن من يستطيع الصعود في الفضاء الخارجي للأرض حتي يبلغ السماء الأولي بهدف التصنت ، وأنه الآن كلما صعد أحدهم وجد شهابا رصدا يطارده ويطرده بعيدا عن السماء.

 كما وجدنا في كتاب الله وفي الأثر ما يفيد بأن كل من الملائكة والجن له قدرة على التجسد في شكل مادي. فالملاك الذي أرسله الله إلى العذراء مريم ظهر لها بشرا سويا . والملائكة التي أرسلها الله لقوم لوط مروا في طريقهم على النبي ابراهيم فأعد لهم طعاما ووجدهم لا يأكلون منه فرابه أمرهم ، ثم ذهبوا الى لوط على هيئة شبان حسني الطلعة فطمع فيهم قومه ، فأبعد قومه عنهم ، ثم قاموا هم بإهلاك قومه ، ونجا لوط وأهله فيما عدا إمرأته فكانت من الغابرين.
وثمة حديث عن جبريل جاء النبي وهو مع أصحابه في هيئة رجل وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، ثم انصرف ، وبعد انصرافه قال النبي لأصحابه أنه جبريل جاء يعلمهم دينهم.

وثمة أقاويل وحكايات عن تجسد الجن ماديا وظهورهم على هيئة بشر أو حيوانات أو زواحف، يمكن إدراكها بالحواس ، قد تكون صحيحة وإن لم يكن بمقدور أحد إثبات صحتها.

ويقال بأن ثمة حيوانات يمكن أن ترى أو تشعر بوجود الملائكة أو الجن في محيطها ، وتصدر منها أصوات غير معتادة حين يحدث لها ذلك.أي ترى أو تشعر بما لايراه أو يشعر به الإتسان. وثمة ما توحي به الخبرة الذاتية مما يجعل هذه الأقاويل قابلة للتصديق.

بالطبع لاأدري كيف يمكن للكائن اللآمرئي أن يتجسد ولو لمدة قصيرة ويراه أو يلمسه أو يشعر بوجوده الإنسان، وهل يراه حقا ، أم أنه نوع من خداع البصر والحواس مثلما يحدث في السحر. فقد ألقى سحرة فرعون حبالهم فإذي بها حيات تسعى في نظر النبي موسى وحضور المشهد بينما هي مجرد حبال عادية لم يحدث لها أي تحول ، ولذا كانت المعجزة أن يأمر الله موسى فيلقى عصاه فإذا هي حية أكبر تلقف ما ألقوه ولا تترك له أثرا. فأمن السحرة بأن ما فعل موسى ليس سحرا ، وأمنوا به ، وخروا لله ساجدين.

ويمكن أيضا أن يكون ما يراه الإنسان أو يشعر به يحدث مثل مايراه في أحلام اليقظة أو أحلام المنام ويختلط عليه الأمر فلايستطيع التفرقة بين الحلم والحقيقة وبين اليقظة والمنام. والله أعلم بالحقيقة.

وإذا كانت الأنفس أرواح فقد سؤل النبي عن الروح ، ونزل عليه الوحي : يسألونك عن الروح ، قل علمها عند ربي.

والسحر ، كما نعرف من كتاب الله ، هو علم مستمد من الكتب السماوية ، استخلصته منها الجن مما كان ينزل على هاروت وماروت ملكي بابل ، وأظن أنهما من ورد ذكرهما في أسطورة جلجامش البابلية ، وأنهما كانا يجمعان بين الملك والنبوة ، ثم تم استخلاص السحر بعد ذلك من التوراة والإنجيل والقرآن . كما استخلصه موسى السامري الذي صنع عجلا من الذهب في غياب النبي موسى له خوار ليعبده بنو إسرائيل ، إذ قال حين سأله موسى كيف تأتي له ذلك ففال بأنه أخذ قبضة من أثر الملك الذي ينزل على موسى .

استخدام السحر ، والذي يتم فيه تسخير الجن لشرور ، اعتبر في عداد الكفر ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله بأن من جاء الى ساحر أو كاهن أو عراف فقد كفر بما أنزل على محمد . وعندما يكفر الإنسان بفعل ذلك يكون عرضة لأن تسيطر على نفسه الشياطين وتكون سببا في فساد نفسه وعقله، بينما تلك الشياطين لاسلطان لها على المؤمنين. ولذا حذرت في كتابات سابقة لي من اللجوء الى السحرة والمشعودين.فالضرر الناتج عنهم أكبر من أي منفعة يمكن الحصول عليها منهم.

علم النفس:
علم النفس من العلوم الإنسانية التي تبحث في أحوال النفس ، ويعتبره المتخصصون فيه بأنه علم لم يكتمل بعد. ولايقلل هذا من أهمية ماتوصل إليه الإنسان فيه من معلومات، كما أن فائدته في علوم التربية والاجتماع والسياسة والتسويق والإعلام وعيرها ، وفي فهم سلوكيات الأفراد والمجتمعات لاغنى عنها للباحثين في هذه المجالات. ولهذا تعددت مجالات بحثه وتخصصاته. وهو يتكون في الحقيقة من تراكم ملاحظات وأفكار وتجارب المهتمين به والباحثين فيه ،أو من يستخدمونه في علاج الأمراض النفسية والعقلية. ويطلق لفظ مرض نفسي على كل حالة من حالات العقل أو النفس تخالف المعتاد أوحالة الإنسان الطبيعي المفترض أو المعتاد .وهذه الحاللات الغير طبيعية تتعدد وتختلف كل حالة عن الأخرى وتختلف أسبابها ومؤثراتها ، ولكن في العادة يتم تصنيف الحالات المتشابهة في ظاهرها أو سلوك أفرادها.وتتعدد أنواع العلاجات ، من ما يطلق عليه التحليل النفسي، أو الأدوية الكيميائية أو الصدمات الكهربائية للمخ أو غيرها، وأحيانا يتم تجربة علاج معين فإن لم يفلح تم تجربة سواه ، حتي يتم التوصل إلى علاج للحالة تعيد الشخص الى الحالة الطبيعية أو ما يقترب منها.

الحياة الأبدية
الأرواح ، والتي تمثلها حاليا الكائنات اللامرئية مثل الملائكة والشياطين والجن أو بعض أجناسه ،وأرواح الموتى كلها تعيش حياة أبدية أي لاتموت ثم تحيا ، بينما يموت الإنسان في الحياة الدنيا ، وتنتظر روحه قيام الساعة وحسابها على ما كسبت واكتسبت ، فإن غلب خيرها شرها ، وتقواها على فجورها ، أدخلها الله جناته ، وإن لم يحدث ذلك عاقبها بالعذاب في جهنم. وبعد البعث والحساب تعيش أرواح الإنسان حياتها الأبدية التي لا تتعرض فيها الى الموت ما شاء الله لها. وهو ما يعني أنها ستنضم بذلك إلى الكائنات اللامرئية الأخرى ، ولكنها ستظل جنسا مغايرا لها ، أي أنها سيكون لها الكثير من خصائص الملائكة والجن دون أن تكون منهم ، أو لها وظائفهم أو واجباتهم ، أو يتم الخلط بينها وبينهم.

أرواح الموتي ، سواء تلك التي أنعم الله عليها بالجنة ، أم تلك التي حكم عليها بالعذاب ، سيكون لها كيان لا يبلى ولا يشيخ ، ولكن الأقرب إلى العقل بأنها لذلك لن يكون لها نفس الجسد الذي كان لها في الدنيا، وليس لها بالتالى طبائع الجسد في الدنيا، ولكننا نعلم من الله أن من ينعم الله عليها بالجنة سيكون لها فيها كل ما تشتهيه الأنفس في الدنيا ، أي في حياتها السابقة على الموت والبعث.لايمكننا فهم ذلك إلا بتصور أن تكون الحياة في الجنة مثل حلم دائم ممتع ، يشعر أهل الجنة فيه بكل متع الحياة ، وكأنها صور في قيلم سينمائي متواصل، ولكن هذا التصور الذي يوحي به العقل البشري، لايعلم سوى الله مدى صحته.

وأغلب الظن أن الجنة التى أخرج منها آدم عليه السلام وزوجته كانت في الأرض التي نعيش عليها حاليا ، وقد تكون ربما في أرض الحبشة ، إذا ما اعتبرنا أن رحلة الملك النبي سليمان من فلسطين جنوبا إلى اليمن ومنها إلى الحبشة كانت تمثل رحلة عكسية الاتجاه لرحلة آدم وزوجه من الحبشة الى فلسطين ، والله أعلم .وقد تكون الجة التي وعد الله بها من صلح من عباده في الأرض الحالية أيضا بعد أن تندمج فيها كواكب أخرى في الفضاء الخارجي مثلها وأكبر منها ، يوم يطوى الله السماوات كطي الصحف ، ويكبر حجم الأرض بحيث تكون الأرض يومها في عرض السماوات والأرض الحالية. هذا أيضا تصور لايعلم صحته إلا الله سبحانه وتعالى .

هذه كلها تصورات عن عالم الأرواح لايعلم صحتها سوى الله ، ولكنها التصورات التي قد يصل اليها العقل في تأملاته العميقة ، رغم محدوديته في هذا الشأن ، خاصة وأن الروح علمها عند الله ، وما كتبته يتعلق بها على نحو ما. والهدف منه هو الحث على التأمل العميق في كل شيئ ، فقد يفتح الله عليك إن تأملت في آياته ويزيدك بهذا الفتح علما. وأما فائدة ذلك فهو تزكية النفس وتحسين نظرتها إلى الحياة وتقويم سلوكياتها وأخلاقها بحيث تكون بعد تزكيتها وتنقيتها من كل ما يدخل في عداد الفجور أكثر قربا من الله وحبا له وإقبالا عليه .

فوزي منصور




















Thursday, December 17, 2015

انتفاضات الربيع العربي ، هل هي من آيات الله ونذره؟




انتفاضات الربيع العربي ، هل هي من آيات الله ونذره؟

انتفضت تونس لمجرد أن بائعا متجولا أشعل النار في نفسه لأن شرطية صفعته على وجهه. وهي حادثة لا يتوقع أن يكون لها تأثير كبير في المجتمع التونسي لكي ينتفض ويضطر رئيس البلد أن يسلك طريقه الى جدة هربا . وانتقلت الشرارة إلى مصر وانتفض مئات الآلاف من المصريين في عيد الشرطة يوم 25 يناير باعتبار أن الشرطة قتلت شابا في الاسكندرية وأن انتهاكاتها لحقوقهم أكبر ويطالبون بالإصلاح .وحين تحركت ضدهم آليات القمع تحولوا إلى المطالة باسقاط نظام الحكم وتوفير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية . أي طالبوا بكل ما يشعرون بأنهم محرومين منه.

 وبعد مصر انتفضت اليمن ، وليبيا و سوريا ومازال سفك الدماء والخراب  فيها كلها جاريا ، ولا يعرف أحد متي ينتهي ويحل السلام والاستقرار فيها. كما زاد الطين بلة تدخل دول خارجية في شؤونها تصب كلها الزيت على حطبها لكي تزداد ناره اشتعالا.

لم يتوقع أحد من قبل ، بما فيها الأحهزة الأمنية المحلية والخارجية ،وكذلك الكتاب السياسيون والمحللون للأحداث السياسية والمصلحون  ، حدوث هذه الانتفاضات المتتابعة في المنطقة في فترة زمنية قليلة ، ووصفت تلك الانتفاضات أو الثورات ، كما أطلق عليها ، بأنها عفوية وغير منظمة وساعدت عليها مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر. واعتبرها بعض الذين أدهشهم قيامها من قضاء الله وقدره. أما الأمنيون ، وخاصة في مصر ، فقد اعتبروها مكيدة دبرتها بليل قوة منظمة وتملك موارد مالية كبيرة وليست عملا عقويا غير منظم أو يقف خلف تدبيره أحد.

 وحيث لا يوجد في مصر جهة تملك تلك المواصفات ، أي التنظيم المحكم والمال الوفير سوى الإخوان المسلمين ، فقد استقر في أذهانهم ، أن تلك الجماعة هي التي دبرت وأحكمت الانتفاضة وأخرجتها على هذا النحو في القاهرة والسويس والاسكندرية والمنصورة وطنطا وغيرها في وقت واحد.
 ولظهور عدد من الملتحين في الحشود فقد اعتبرت الجماعات السلفية والتي لديها التنظيم والمال أيضا ، قد تآمرت سرا مع الإخوان المسلمين. وأن السلفيين قد خانوا الأجهزة الأمنية بعد أن كانوا يعملون لحسابها كعيون لها ترصد كل مريب في المجتمع ويشكل خطورة على نظام الحكم .

 ولذا استدعى مدير المخابرات العامة المصرية، وهو أكبر مسؤول عن الأمن، الإخوان والسلفيين للاتقاق معهم على سحب حشودهم وتهدئة الوضع فأقسم هؤلاء بأنهم منعوا أتباعهم من المشاركة فيها ، ولم يصدقهم مدير المخابرات طبعا، وطلب منهم النزول في تلك الانتفاضات مقابل صفقة سياسة ، يتم خلالها القضاء على تلك الانتفاضة وتمكينهم من الحكم والانتفاع بمزاياه وريعه وحدهم . وأغراهم عرضه بالقبول حيث اعتبروها فرصة لا تعوض لتحقيق أحلامهم ، بينما كان ما يوعدون به حفرة حفرت لهم كما كتبت في حينها وسيتم ردمها عليهم فيما بعد ، وهذا ما حدث فعلا.

وأقول اليوم بأن ما حدث ، ولم يكن متوقعا، لم يكن للإخوان والسلفيين الذين فرقوا دينهم شيعا يد فيه ، وأنه كان قضاء وقدرا، وأن الله أرادها فتنة للجميع تكشف من الفضائح وفساد الحكم والأنفس والتلاعب بالدين من أجل مطامع الدنيا، ونهب وتبديد المال العام الذي كان مستورا ، واستعانة المتصارعين على الدنيا بأعداء الله لتحقيق أهدافهم ومراميهم ،وقد رفعت تلك الفتنة الغطاء عن كل ذلك كله.

سيقول قائل : إذا كانت كل تلك الانتفاضات أو الثورات قد تمت بإرادة الله وقضائه وقدره ، فلم لم تحقق أهدافها ، وتم الالتفاف عليها ، واتخاذ كل الاحتياطات لعدم ظهورها مرة أخرى؟..
وأقول إن حكمة القضاء والقدر هنا لم تكن مؤازرة تلك الانتفاضات أو تحقيق أهدافها ، وإنما لتكون عظة وعبرة للعالمين. ونذر أيضا لشعوب تلك الثورات أو الانتفاضات لتغيير أوضاعهم الفاسدة التي لايرضي عنها الله وإلا حل بهم انتقامه .

لقد أرسل الله من قبل أنبياء ورسل مثل نوح وهود وصالح ولوط الى أقوام لهدايتهم رغم علم الله المسبق بأنهم لن يهتدوا ، وأنه سيتم القضاء عليهم في النهاية ، ولكن إرسال الأنبياء كان لكي لايكون لهم حجة أو عذر.

ويمكن فهم تلك الانتفاضات والثورات باعتبارها من هذا القبيل . فهي ليست مؤيدة من الله حتي وإن كان من قاموا بها على حق ، ولكن هدفها هو كشف المستور وامتحان الظالمين والفاسدين ، لكي لا يكون لهم بعدها عذر إن واصلوا سيرتهم ، واستمروا في فسادهم ، الفكري والعملي ، وكأنهم مخلدون ، ولن يحاسبهم الله يوم القيامة ، وتناسوا أو تجاهلوا أن من أوتي كتابه بيمينه نجا، ومن أوتي كتابه بشماله ألقي به في العذاب مخلدا.

وباستعراض قصص الأنبياء الذين سبقت الإشارة اليهم مصداق لذلك، وهذا سبب ورودها في القرآن وما سبقه من كتب سماوية لكي يتعظ بها الناس ، الا الأشقياء منهم ممن منعهم الكبر والخيلاء والغرور من التماس العظة واتباع الحق .

لقد قدر الله أن يكون النبي محمد آخر الأنبياء والمرسلين ولذا فلن يرسل الله بشيرا ونذيرا بعده إلى أن تقوم الساعة ولكنه يظهر من آياته من يحل محل الأنبياء والرسل وينذر به الطغاة والفاسدين والمتاجرين بالدين من أجل الدنيا ومغانمها وليس لإعلاء كلمة الله كما يدعون أو تطبيق شرعه وأحكام الدين.

النبي نوح وقومه
أرسل الله نوحا نبيا ورسولا إلى قومه ، وأغلب الظن أنهم كانوا يقيمون في هضبة الأناضول وجبال القوقاز ويعبدون أوثانا تمثل من سلف من صالح أجدادهم ، ودعاهم نوح الى عبادة الله الواحد الأحد وألا يشركوا به أحدا. قال تعالي في سورة نوح:
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28).

وقد اختلفت آراء المسلمين فيما اذا كان الطوفان الذي أغرق قوم نوح شمل الأرض كلها كما تقول العديد من المرويات عن السلف ، أم انحصر في أرضهم . وثمة ما يرجح أن يكون قد انحصر في أرضهم ، على نحو ما ورد في اسطورة جلجاميش البابلية من أن جلجاميش ذهب الى أرض نوح وعاد بصحبته أنكيدو أحد الناجين مع نوح في سفينته وآخاه وأشركه في الملك ، وقد يكونا هما الملكان في بابل اللذين ورد ذكرهما في القرآن وكانا ينزل عليهم الوحي.

النبي هود وقومه عاد:
كانت عاد أيضا من العرب العاربة أو البائدة ،تشرك بالله آلهة أخرى  وكانوا يقيمون في شبه الجزيرة العربية ،فأرسل الله لهم النبي هود ، فكذبوه فأهلكهم الله تعالى.
قال الله تعالى في سورة الشعراء بالقرآن الكريم : Ra bracket.png كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ Aya-123.png إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ Aya-124.png إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ Aya-125.png فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ Aya-126.png وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ Aya-127.png La bracket.png سورة الشعراء الآيات 123-127.
وفي سورة هود:  وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ Aya-50.png يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ Aya-51.png وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ Aya-52.png قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ Aya-53.png إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ Aya-54.png مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ Aya-55.png إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ Aya-56.png فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ Aya-57.png وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ Aya-58.png وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ."
وجاء في سورة الأعراف : قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ Aya-70.png قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ Aya-71.png فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ Aya-72.png La bracket.png وأرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية أهلكتهم ، قال تعالى : رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-24.png تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ Aya-25.png وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ Aya-26.png La bracket.png سورة الأحقاف الآيات 21-26[5

النبي صالح وقومه ثمود:
كانت ثمود من قبائل ما يعرف بالعرب العاربة أو البائدة في شبه الجزيرة العربية أيضا، أناس طوال القامة ولديهم قوة بدنية سمحت لهم أن جابوا الصخر بالواد وبنوا به مساكنهم ـ وسكنوا أرض عاد بعد أن أهلكهم الله بظلمهم ، ولم يتعظوا بما حدث لعاد من قبل ، وعبدوا الأوثان ، فأرسل الله اليهم النبي صالح يطلب منهم أن يذروا أوثانهم ويعبدون الله وحده ، فما استجابوا له وقَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ .
ولإزالة مايدعون من شك لديهم مريب ، زود الله نبيه صالح بمعجزة باهرة إذ خلق من الصخر ناقة هائلة ، على أن يكون لها يوما في المرعي والمسقي ويكون لثمود اليوم الذي يليه تأديبا لهم وقال صالح لقومه : وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ . ولكنهم ورعم تلك المعجزة الماثلة بين أيديهم كذبوه فعقروها فدمدم الله عليهم بذنبتهم فسوانها.

النبي لوط ومن أرسل أليهم:
كان لوط ابن هاران اخ النبي أبراهيم ، وقد ساكن قوما في منطقة سدوم بشبه الجزيرة العربية وتزوج منهم وأنجب من زوجته ابنتاه ، وكانوا أهل فجورو فسوق ويأتون الفواحش ويمارسون الشذوذ الشبقي ، أي يفضلون أدبار الذكور في تحصيل المتعة عن قبل الإناث ، فكلف الله لوط أن يدعوهم الى الفطرة والامتناع عن ذلك فما أطاعوه فأرسل الله عليهم ملائكة عذاب أمطرتهم بحجارة من سجيل . ومرت الملائكة على هيئة بشر في طريقها الى سيدوم على النبي ابراهيم ، قال تعالي :
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}

وقال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ}وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
ونجا لوط وأهله فيما عدا زوجته كانت من الغابرين.

الخلاصة:
أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل إلى أقوام من المشركين أو المفسدين ليدعونهم الى الهدى والحق وهو يعلم أن هؤلاء القوم لن يستجيبوا لهم وأنه سيحق عليهم العذاب في النهاية. وتتم إبادتهم.
ونفس الشيئ يمكن قوله عن تلك الانتفاضات التي لم يكن أحد يتوقعها بهذا الحجم وبتلك الآثار والتداعيات ، فهي من آيات الله لمن فرقوا دينهم فرقا وأحزابا وكل بما لديهم فرحون وتناسوا قول خالقكم إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، وحاولوا أن يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وتناسوا أن الباقيات الصالحات خير عند ربهم وأبقى وأحسن أملا .وأيضا للذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بغير حق ويظنون أنهم يصلحون ،واتخذ هؤلاء وهؤلاء من أعداء الله أولياء لهم لاينالهم منهم إلا خسارا.

وهذه الآيات البينات مثل أرسال نوح الى قومه لكي ينذرهم في الآيات السابق ذكرها والتي جاء فيها :
 "قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)...
ولن يفيدهم مكرهم ، فإن اهتدوا الى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، غير المعضوب عليهم ولا الضالين ،هداهم الله الى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة. وإن اتقوا الله فإن الله يحب المتقين .وإن أحسنوا فإن الله يجزي المحسنين. وأمكنهم بالهدى والتقوى والإحسان أن يتجنبوا غضب الله عليهم ،وأن يحسن الله اليهم و يغمرهم بنعمائه ،وييسر عليهم ما صعب ، ويغير الله ما بهم حين يغيرون ما بأنفسهم . ويمكنهم في الأرض ، والا استخلف عليها من هم أقرب منهم الى الهدى والتقوي ومخافة الله وطلب رضاه.

وإنه يكفي أن نستعرض تطورات الأحداث في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن بتعقل وإيمان ليتضح لنا أن شعوب كل تلك الدول لم تلتزم بالصراط المستقيم وأنه لاأمل لها أو فيها إن ظلت على ماهي عليه ولم تفق وتصلح من أحوالها وتتق الله الباقي والأولى بالطاعىة عوض أن يغريها الجشع والطمع وجنون القوة لتستمر في فسادها وفجورها ويقتل بعضها بعضا وثمة من يتربص بها ويكيد لها من أعداء خارج بلادها يريد أن يكمل مسلسل القتل والتشريد لها لكي يدمرها في النهاية ويقضي عليها، وهي عن كيده لها غافلة.
كل هذه الدول في حقيقة أمرها كانت دولا فاشلة وزادت بعد تلك الانتفاضات أو ما سمي بثورات الربيع العربي فشلا وزادت تخلفا في كل مجالات الحياة عن باقي الأمم، ولم تحرز أي منها تقدما يذكر رغم كل ما أنفقته من أموال وبددته من جهود وقتلته من أنفس.ولم يكن من العسير المحافظة عليها واستثمار الثروة المادية والبشرية في النهوض بالدولة والارتقاء بها والحفاظ على الوحدة الوطنية.

إن مجرد جرد الأرباح والخسائر في هذه الدول خلال السنوات الأربع الماضية يكفي لمراجعة النفس وترك سبل الغي والتزام الصراط المستقيم وتغيير كل شيء ثبت بالتجربة أن استمراره لايقود لغير الدمار والبوار.

قد تبدو تونس الآن الأوفر حظا والأكثر سلاما بين كل تلك الدول في الظاهر، ولكن وضعها الحالي إن استمر على ما هو عليه لايبشر بخير، والهدوء النسبي فيها حاليا أشبه بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إن وصل اليه لايجد شيئا. والتوافق الحالي بين المغامرين أو الإخوة الآعداء وتمكنهم مؤقتا من خداع الشعب وتخديره لايمكنه أن يستمر طويلا ، لأن الزيف لابد أن ينكشف أمره سريعا وينفجر الوضع.

وقد سبق أن قلت بأن الذين يتفاخرون بأنهم أنقذوا مصر من أن يحدث لها ماحدث في ليبيا وسوريا والعراق ليس لديهم أية ضمانات من أن يحدث لها ماحدث لتلك الدول مستقبلا.
 وقد جاء حادث سقوط الطائرة الروسية المفاجئ والقول بأن سببه انفجار قنبلة دست بداخلها وتداعيات ذلك بمثابة إنذار أيضا جديد بأن الأمور لاتسير وفق ما نشتهي وليست على ما يرام مما يتطلب ضرورة تعديل السياسات المعمول بها حاليا سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الدفاعية أو الثقافية والتعليمية وغيرها قبل أن تخرج كل الأوضاع عن السيطرة ويحدث غير المتوقع من مساوئ ومخاطر واحتمالات غير منظورة يصعب التعامل معها.
وليس لما أكتبه هنا علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل وإنما يرتبط أساسا بما تتطلبه الفطنة والكياسة وصحيح السياسة ،وما يستلزم الحذر.
 وليتهم يطيعون لقصير أمر قبل أن يحدث ما لاتحمد عقباه ولاينفع فيه ندم.

 فوزي منصور

2015-12-17