Sunday, August 31, 2008

الشعب قالها بدون كلام : "أنا اعتزلت السياسة وليس الغرام"!

شباب الغراميات والحشيش
عندما غنت ماجده الرومي رائعتها : " أنا اعتزلت الغرام " كانت بالتأكيد كاذبة ، ولعلها كانت تؤكد مقولة إن أعذب الشعر أكذبه ، لأن المرأة لا تعتزل الغرام إلا إذا ما أصيبت بحالة اكتئاب نفسي تجعلها تنطوي على نفسها ، وتزهد في كل شـيء . وهي في هذه الحالة تلتزم الصمت أو تفكر في الانتحار، ولا تعلن على الملأ أنها اعتزلت الغرام ، وتتغني بذلك.
وفي حالات أخرى من حالات القلق والاكتئاب ، يهرب المكتئب إلى الشبق أو الغرق في بحر الغرام ،حتى ،ولو لم يكن يجيد السباحة فيه ،أ و يلجأ إلى إدمان المخدرات . وفي مصـر المحروسة حاليا ، يوجد أزيد من خمسة وثلاثين مليون مصري ومصرية في سن الشباب ، إذا ما صدقت بيانات جهازالتعبئة والإحـصـاء ، وإن كنت لا أخالها صادقة . وإذا بحثنا في مدونات الشباب المصــري على الانترنيت نجد أن الاهتمام الغالب عليها هو الحب والغرام والشبق فضلا عما تداولته وسائل الإعلام عن التحرش الجماعي بالنساء. والقليل منها شغل نفسه بكرة القدم أو التباكي عما أصاب شعوب أخرى من أذي ونسي ما يصيبه هو طول اليوم من ألم يكتمه بين ضلوعه . أما الثقافة والعلوم وتبادل المعارف فلا تجد لها فيها أثرا . كما تأتي الآخبار بأن الحشيش صار متداولا في أيدى الأطفال وليس حكرا فقط على الكبار، الذين كانوا يستعينون به لآنقاذ فحولتهم المتردية. إذن ثمة هروب كبير خلال حالة الاكتئاب الجماعي نحو الشبق والمخدرات في مصر المحروسة.

الاكتئاب الجماعي وما يفعل
والشـيء الوحيد الذي اعتزله الشعب المصـري هو السياسة ، ويشهد على هذا الاعتزال عزوفه الجماعي منذ أربعة عقود عن المشاركة في أية انتخابات أو استفتاءات . ووتركها للأموات المسجلين في الدفاتر الانتخابية لكي يصوتوا نيابة عنه .وللتدليل على احترامه لأرواحهم وعدم انتهاكه لحرمتها.
و لم يعد يعبأ الشعب أيضـا بتحريض الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة له بالخروج في تظاهرات ،أو الانتظام في انتفاضات واحتجاجات ،أو عصيان مدني. حتي لا يتعرض لمهانة تزيد هوانه هوانا .
ولا يمكن إعزاء هذا الاعتزال للسياسة لغير الإصابة الجماعية بالقلق والاكتئاب. وقد كشف عن هذا الاعتزال بالصمت والانسحاب من الحياة السياسية دون صخب أو لغب. ولا يلعب قمع السلطة ،أو انعدام أو محدودية الوعي السياسي دورا كبيرا في هذا العزوف عن السياسة ، على النحو الذي ذهب اليه تفسير محللي المعارضين .الذين لايقيمون وزنا لعلم النفس السياسي .وإنما هو الاكتئاب وحده ولا شـيء سواه. وهو الذي خيب أمل الحالمين بثورات برتقالية أو متعددة الألوان مثل بيض شم النسيم.

ويأتي الاكتئاب النفسـي الفردي والجماعي نييجة الإحسـاس الشديد باليأس والقنوط والإحباط وانسداد الأفق. و يتراوح في شدته بين الإحساس بالحزن والضيق والغم وبين الشعور باليأس من الحياة ومحاولة الانتحارفي أقصي حالاته أو التفكير فيه. وهو يصيب النسـاء أكثر مما يصيب الرجال ،والشباب أكثر من صغار السن والمسنين. ومن أعراضه المعروفة :
1- الشعور بالحزن والكآبة.
2- عدم وجود الرغبة في عمل أي شيء.
3-الإنطواء والعزلة وكثرة التفكير السلبي.
4- التشاؤم والنظر إلى الأمور بمنظار أسود.
5-قلة التركيز والنسيان.
وتوجد أعراض أخرى متناقضـة مثل الإقبال على الطعام بنهم أو فقدان الشهية ، والشعور بالخمول والرغبة في النوم ، أوالأرق الذي لا يأتي معه نوم. العزوف عن الشبق أو العجز عنه والإقبال عليه بشدة . وهذه الميول المتناقضـة تأتي من اختلاف ظروف الإصابة وما تتيحه من وسائل الهروب فيه وليس منه.

قوي المعارضة المعوقة
استطاع النشطاء السياسيون النجاة من الاكتئاب الجماعي بفضل ما يتمتعون به من ثقافة وإصرار مسبق على عدم الاستسلام للقنوط واليأس ومن ثم الاحتفاظ بصحة سياسية أفضـل . علما بأن الثقافة وحدها ليسـت عاصما من الاكتئاب . فواصلوا نضالهم السياسي من أجل الحرية والديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون والعزة القومية والعدالة الاجتماعية والتنمية الإنسـانية ، إلى أخر هذه المطالب المشروعة التي يعلنوها ،والشعارات التي يرفعونها . ولم يعتزلوا السياسة .، ولكنهم لم يتمكنوا مع ذلك من تحقيق أي تقدم يذكر. إذ من السهل عليهم ممارسة السياسة على طريقتهم ، ولكن من المستحيل أن يحققوا شيئا من أهدافهم دون مسـاندة كاملة من الشعب الذي اعتزل السياسة قبل أن تدعي ماجدة الرومي بأنها اعتزلت الغرام.

خرجت النخب السياسية أو المتحزبة إلى الشارع ، واصطدمت بالقوى الأمنية الحارسة للنظام الحاكم ، وانتظرت أن يلحق بها الشعب الذي تتحدث بإسمه، دون أن تهتم بالحصــول على تفـويض منه ، فلم تجده حولها، ولا معها ،ولا حتى ضدها ، وقد يكون معها بقلبه وغائب عنها بعقله وجسـده . وزاد ذلك من تعاليها على الشعب ومن نرجسيتها وتمركزها حول ذاتها ، والتحقير له ، واعتبرته فاقدا الوعي والإرادة ، ويجهل سوء حاضره وسوء مآله ، وزادت بذلك الفجوة بينها وبين الشعب اتساعا.

ورغم إخفاقها في تحقيق أي تغيير تنشده أو أي من الأهداف الصحيحة والنبيلة والمشروعة التي تطالب بها ، فإنها لم تتوقف لمراجعة حساباتها ، وتبحث عن الخلل الذي جعل صوتها وجهدها يضيعان سدى ، وجعلها غير قادرة على جني أي ثمرات منهما، حتى تصحح مسارها ، وتقيل عثارها.

والملاحظ أيضا أن أي من أحزاب وقوى المعارضة تلك لا تمتلك قاعدة شعبية عريضـة مسـاندة لها ، تناسب عملها في شعب تعداده سبعون مليونا أو يزيد كما يتردد في وسائل الإعلام المصرية. ولم تحاول جادة الحصول على مثل هذه القاعدة الشعبية بغير النشرات والخطب المنبرية أو النارية أو النعيق في مكبرات الصوت. أو تستقطب جميعها مليونا من شباب تعداده خمسة وثلاثون مليونا ربعهم على الأقل نال حظا من التعليم ، إن كان الباقي يتخبط في الأمية أو شبه الأمية ، وجلهم عاطل عن العمل وساخط أكثر منهم على الوضع.

مأساة الشعب في مصر المحروسة
إن الوضع البائس والمأساوي الذي أمسي يعيش فيه الشعب المصـري ، يجعل من إصابته الجماعية بالاكتئاب النفسي نتيجة منطقية لها مسبباتها ، ويكفي أن نقرأ بعض ما نشرته وسائل الإعلام هذا العام لنتأكد من ذلك ، ومن أمثلة ما نشر :
كتب محمد عبد الحكيم دياب في القدس العربي يوم 29مارس 2008 مقالا جاء فيه أن تقريـرا صدر عن للسفارة الأمريكية بالقاهرة في العام الماضي، عن اتجاهات الاقتصاد المصري، (...) "أول ما يكشف عنه التقرير هو أن 52% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وهي نسبة الذين يعيشون علي أقل من دولارين في اليوم الواحد، أي أقل من احد عشر جنيها مصريا، وذكر أن معدل البطالة الرسمي حوالي 11% وفي نفس الوقت يشير إلي تقارير وصفها بالمستقلة تقدرها بـ22%، بجانب إشارته للبطالة المقنعة وقال إنها بين 40 و50% من حجم القوي العاملة، وعرج علي التضخم وبين أن نسبته أعلي بكثير من النسبة المعلنة حكوميا بـ12.4%، ورصد حالة التراجع التي أصابت الزراعة، و انخفاض مساهمتها في إجمالي الناتج الوطني من 20% عامي 86/ 1987 إلي 14.5% في النصف الأول من 06/ 2007 ..."وأضاف :"ويري الخبير الاقتصادي عبد القادر فاروق أن الفساد تحول إلي مؤسسة شاملة، بداية من عام 1982، أي العام التالي لحكم حسني مبارك. وكشف النقاب، في ندوة الفساد وحقوق الإنسان (16 مارس 2006)، بالمركز المصري للدراسات والتنمية. عن وجود خمس آليات للفساد في مصر هي:
1) وجود سياسات لإفساد المؤسسات وأفرادها.
2) وجود جماعات منظمة للفساد لديها قواعد نظامية وعرفيه تنظم علاقاتها ودورها.
3) وجود علاقات بين هذه الجماعات والنخبة الحاكمة سياسيا.
4) توظيف سياسة إفقار محدودي الدخل ودفعهم للقبول بالرشوة.
5) إفساد الرقابة في صورتيها الشعبية والأمنية. وهذا أهدر 34 مليار جنيه، تبددت في صورة عمولات برنامج الخصخصة، وبيع 194 شركة بـ 6.16 مليار جنيه فقط، أقل من ثمنها الحقيقي. وتحدث عن مافيا الفساد، التي تشكلت في المصارف، وأهدرت وحدها 60 مليار جنيه مصري، بجانب وجود ما أسماه فاروق فساد الصغار ، المعتمد علي إفسـاد الموظفين والمدرسين، وأدي إلي إنفاق 18 مليار جنيه مصري علي الدروس الخصوصية، ولذلك صنفت مصر ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.(...) أ ولو كان هذا اقتصادا عفيا ومشروعا وأخلاقيا، لأدخل المليارات إلي الخزانة العامة. من الضرائب، ومن عائد بيع الأراضي والخصخصة.واستثمر ذلك في إنشاء مجالات وفرص عمل جديدة، ولتمكن من الصرف علي الخدمات والدعم، ولحرك دورة الاقتصاد بشكل طبيعي ومنضبط، ولكان مقابل ارتفاع الأسعار عالميا أن بيان نصيب مصر من عائدها الذي حصلت عليه داخليا.من ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت والمعادن، ومن حصيلة المضاربة علي الأراضي والمساكن، ومن دخل النفط، وتكلفة الخدمات، وكان هذا النصيب كفيل برفع دخل المواطنين وأجورهم، كما حدث في باقي بلاد العالم. (...) إذا كانت هذه المافيا تفهم ما معني إنسان، فالجوع وهو يلغي المسافة بين الحياة والموت. يفقد الحياة قيمتها ومبررها، وهذا مصدر خطر حقيقي، لا يعطيه المسؤولون أدني اهتمام، وقد يدفعون ثمنه وهم صاغرون!. الجوع يولد التمرد والفوضى والثورة، ومصر دخلت مرحلة التمرد، والأمل أن تلج إلي الثورة بدون المرور بحالة الفوضى، فثمن الفوضى باهظ، وينتظره الأعداء، من أصحاب نظريات الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة. "
ونشـر موقع ميدل ايست أون لاين في ٦ أغسطس ٢٠٠٨: وكذلك صحيفة"المصريون" بنفس التاريخ ما يلي : "قالت كبرى المنظمات المصرية لحقوق الإنسان أن 14 عذبوا حتى الموت العام الماضي في مصر وان التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز سياسة منظمة في أكبر الدول العربية سكانا. وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقرير عن حالة حقوق الإنسان في مصر عام 2007 أعلن الأربعاء إن مصر تواصل "الاستهانة" بالحق في الحياة. ودلل التقرير على ذلك بموت ستة فقط تحت وطأة التعذيب في البلاد عام 2006. ومنذ عام 2000 إلى الآن رصدت المنظمة موت 93 في مصر خلال تعذيبهم. وتقول المنظمة إن تقاريرها لا ترصد جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان في البلاد....الخ"

وفي النماذج السابقة وجدنا الكاتب يقول :" إن مصـر دخلت مرحلة التمرد ، والأمل أن تلج إلى الثورة بدون المرور بحالة الفوضي.." ولكن من الذي سيقوم بهذه الثورة ومن سيقودها؟ هل هي تلك الأحزاب العديدة المعارضة التي لا تمثل سوى نفسها؟ أم هذا الشعب المكتئب الذي يقول عبد الحليم قنديل في القدس العربي أيضـا بأن علي كل أربعين فردا منه يوجد حارس مسلح بينما لا تجد البلاد من يحرسها.والذي قال بدوره يوم 13أبريل الماضي في نفس الصحيفة أنه :”طبقاً للإحصاءات الرسمية المصرية، فقد ارتفع متوسط أسعار الطعام بنسبة 26.5 في المئة خلال العام المنقضي، فيما ما زالت معدلات دخل الطبقتين المتوسطة والدنيا ثابتة ”ويقول يوم 8 أبريل : “بينما يبدو النظام المصـري مرتبكا، تبدو قوي التغيير علي حالة من الارتباك أيضا، وتبدو علي حال من الإعاقة الظاهرة، بعض الإعاقات ينتسب لبيئة السياسة العامة، وبعضها ينتسب لمخاوف من انزلاق إلي المجهول، وأكثرها يتعلق بمصاعب سياسة في تنظيم غضب اجتماعي غير مسبوق في الثلاثين سنة الأخيرة، “

إخوان ثمانية عقود
وإذا نظرنا إلى أكبر وأقدم قوي المعارضة السياسية وهي الإخوان المسلمين ، سنجد أنه قد مضت ثمانية عقود على تأسيسها في الإسماعيلية عام ١٩٢٨ ، ومع ذلك لم تتوقف يوما لأجراء حساب الأرباح والخسائر ، وتري كم ربحت وكم خسرت ؟ ، وأي ربح حققته للبلاد والعباد من نضالها والزج بأعضائها وقياداتها في السجون من حين لآخر؟...أربعة عقود كانت كافية لتغيير وجــه مصـر السياسي والاقتصادي محليا وإقليميا ودوليا لو أن الجماعة أكتفت بما أراده مؤسسها منها، وهو تقديم الخدمات التربوية والثقافية والاجتماعية للنهوض بالشعب المصري ،وتقديم مثالا تحتذيه مجتمعات الدول العربية والإسلامية ، ولم تورط نفسها في الصراعات السياسية مع السلطة . لقد اقترح محمد سليم العوا ، على نحو ما كتبه باحث إسرائيلي يدعي إسرائيل إلاد إلتمان، بأن تتوقف عن ممارسة السياسة لمدة عشر سنوات وتكرس كل جهودها لأداء تلك الخدمات . ومن المؤكد أن دعوته لقيت سخرية من الجماعة . وربما اعتبروه رجلا كبر سنه وبدأ يخرف. وأقول أنا لو أنهم توقفوا عن ممارسة السياسة نصف هذه المدة ، أي خمس سنوات فقط وتفرغوا لتقديم ما الشعب في حاجة فعليه إليه لحققوا في الخمس سنوات بإذن الله وتوفيقه ما لم يتمكنوا من تحقيق عشره في ثمانين عاما. ولأمكنهم أيضا على الأقل إنقاذ ما لا يقل عن نصف الشعب من حالة الاكتئاب التي أصابته وشلت فاعليته السياسية ، وضمنت ملايين الناس خلفها عندما تعود لمباشرة السياسة بعدها. ويا حبذا لو أن الأحزاب السياسة جميعها سارت مع الإخوان في نفس الطريق. فالإخوان وحدها لايمكنها أن تحقق شيئا ما لم تضع يدها في يد الجميع ممن ينشدون التغيير.

إن أغرب ما في حالة أحزاب المعارضة المصرية العديدة أنها جميعها تطالب تقريبا بنفس الشيء ومع ذلك لم تتحد في حزب واحد يجمعها وتتفق فيه على كلمة سواء وأرضية مشتركة جامعة وتنبذ كل ما تختلف عليه حتى تتمكن من توحيد جهودها وتحقيق أهدافها وقبل كل شيء اكتساب احترام الشعب الذي هانت في نظهر بسبب تفرقها إلى قبائل شتي . وعليها أيضـا أن تظهر احترامها للشعب ولا يشعر أنه بالنسبة لها مطية توصلها إلى كراسي السلطة ثم لا يجد منها أكثر مما يحده من الممسكين بالسلطة حاليا. ولم لا ؟ أليس كلهم مصريون؟. كل ما هنالك أنه يوجد في جانب عسكر و”حرامية “معا وفي الجانب الأخرضحايا منهوبون مهانون مستذلون من الفريق الأخر.وتوجد بين الفريقين صلات رحم ممتدة لآخر الأفق.

معالم الحل الوحيـد
من حق الشعب أن يعطي الأولوية لرغيف الخبز ، وأن تحترم الأحزاب السياسية ذلك. وإن أرادته أن يصطف معها في نضالها ،فعليها أن تساعده في ضمان حصوله على رغيف الخبز ، دون انتظار تسلمها للسلطة الذي قد لا يأتي أبدا ، ودون تعويل على الحكومة العاجزة والمتسببة في فساد الوضع حتي التعفن والتحلل والتي أثبتت أنه تهمها السلطة أكثر من وظيفتها في أي دولة تحترم نفسها وشعبها ، وتخشـي الخارج ولاتقيم لشعبها في الداخل وزنا، على النحو الذي سجلته كتابات الإعلاميين المصـريين.السابق الإشارة لبعضها. وهذا ليس بمطلب تعجيزي ، وإنما تستطيع الأحزاب مع الشعب وبالشعب أن تحقق ما يبدو لها الآن أشبه بالمعجزات. هنا فقط يمكن أن يستعيد الشعب ثقته بنفسسـه وبالنخب السياسية التي نزلت إليه من أبراجها العاجية ،واحترمت إنسانيته ، وعرضت عليه ما ينفعه ويمكنه النضال والتضحية من أحله. ولا يتطلب هذا الأمر من القوى السياسية سوى إخلاص النية وصفاء القلب والذهن وأن تتحرر من ذاتيتها وتؤثر مصلحة الوطن والمواطنين على مصلحتها وطموحاتها ، سواء على صعيد السلطة أو الثروة ، وأن تتجد كلها ، فيما بينها ، ومع الشعب ، يدا بيد ، تخطط وتنفذ على الأرض ما هو محسـوب بدقة ومعروف سلفا نتيجته .

إن أهدافا سياسية مثل الديمقراطية والحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته وغيرها تفقد أهميتها للشعب ما لم يكن الهدف منها هو تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والموارد. أي ضرورة أن تسـفر في نهاية المطاف عن نتائج اقتصـادية متحققة ملموسة وليست مجرذ وعود بها . علينا هنا أن نقتنع بأنه بإقامة الاقتصـاد الشعبي والإنتاجي الوطني والذي يمكن الاعتماد فيه على الشعب وحده ، وليس اقتصاد الأوليغارشيا الاستهلاكي والريعي ، أو اقتصـاد رؤوس الأموال الأجنبية أو المرتبطة بالخارج ، هو الذي يمكنه تحقيق التغيير السياسي . بكلمة أخرى علينا أن نحقق طموحاتنا السياسية بوسائل اقتصــادية وليس الاقتصــاد بوسائل سياسية لأن الوسائل السياسية تحتاج لكي تكون فاعلة أن تمتلك القوة المادية :المالية والعسكرية ، أي السلطة. وهذه القوة في يد الحكومة وليست في يد المعارضة. ولذا حبط العمل السياسي لقوى المعارضة خلال السنوات العشـر السابقة ، وسيظل فاشلا إن استمرت عليه ولم تغير وسائلها خلال العشرين عاما القادمة . والمقصـود هنا بوسائل اقتصادية هو إقامة شبكات تنمية اقتصادية أفقية تغطي مصـر من واد ي حلفا جنوبا حتى بورسعيد ودمياط ورشيد والإسكندرية شمالا ، ويساهم في تمويلها وإنجازها وتشغيلها والحصول على أرباحها جميع أفراد الشعب بقدر مساهماتهم المالية فيها. هنا يستطيع الشعب أن يحمي بعسكره ومدنييه ما يعرف أنه ملكه ويعود بالنفع عليه وعلى نسله من الأجيال القادمة ، ويقطع يد كل من تمتد إليه بسـوء، ولا يقبل بغير حكومة يختارها وتمثله وتحمي مصالحه ،ولا تفرط في حقوقه أو تساوم عليها. إنها ليست يوتوبيـا غير قابلة للتحقيق ، وحتى لو كانت كذلك ،فكل الإنجازات الكبيرة بدأت حلما. إن كل ما نحتاجه هو أن نبدع مناهج جديدة للعمل ، مبتكرة وغير مستنسخة ، وتتوافق مع ما نواجهه من تحديــــات ومـصـاعب ، هي في غالبيتها محلية وممتدة للخارج ،أكثر منها خارجية وممتدة للداخل ،مثلما يحاول المتسببون فيها والمنتفعون بها إيهامنا بذلك. وهنا يمكن القول بأن الوضع لم يعد يكفي لعلاجه التداوي منه ذاخل مصر وحدها ، وإنما يجب مد التجربة المصرية الجديدة وغير المسبوقة عبر الحدود السياسية للدولة جنوبا وغربا حيث طريق الشرق أمسـي مسدودا بوجود إسرائيل ولن يفتح بغير زوالها٫

فوزي منصور

الخطــــوبة

الأسرة والحياة الزوجية

الخطــــــوبة
يطلب الشاب أو الشابة الزواج بغرض الحصول على :المتعة الملازمة لإشباع الغريزة الفطرية بما أحله الله ، تحقيق الراحة النفسية والإحساس بالأمن والطمأنينة، تكوين أسرة توفر الاستقلالية والخصوصية، التحصين بالزواج للمحافظة على العفة وحسـن السمعة والسيرة، النسل ،وإشباع غريزة الأمومة بالنسبة للمرأة .

وأول خطوة في هذا السبيل هي الخطوبة .فالخطوبة هي مرحلة تسبق مرحلة الزواج. وهي وعد بالزواج قبل العقد الشرعي . والمسلمون عند وعودهم بشرط ألا يكون ثمة ضرر ولا ضرار.
وهي في نظر الشرع والقانون : طلب الفتاة للزواج دون عقد قانوني .وبالتالي لا يترتب عليها أية حقوق أو واجبات، وهي كفترة للتعارف، لا تحتاج أن تطول مدتـها. لأنها تكون بلا غطاء قانوني يحافظ للفتاة بالذات حقوقها، في حالة تراجع الشاب عن خطبتها. وتكفي لتحقيق الغرض منها شهورقليلة يتوجها العقد الشرعي والقانوني الذي يكرس مصداقية الطرفين .
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم: من الرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها لكي يتعرف علي ما فيها من صفات تدعوه للاقتران بها ولكي يؤدم بينهما أي تدوم العشرة و تتعرف هي أيضا عليه فإن قبلت به وقبل بها بدأ كل منهما يحضـر نفسـه لإتمام الزواج خلال فترة الخطوبة . أي أن فترة الخطوبة بعد أن يقتنع كل من الخطيبين بصلاحية الآخر له تصبح وظيفتها هي التحضير للزواج ، وليس لها أية وظيفة أخرى ولاينبعي أن يكون لها غير ذلك.

الخطبة المعروفة والمطلوبة شرعاً هي التي تتصـف بالعلنية، ولو أن ذلك ليس شرطا فيها ، وأن تتم بحضور أهل الطرفين، وفق ما جرى به العرف .فهي إعلان رسمي للمجتمع بأن فلانه أصبحت مخطوبة لفلان، ومن خلالها تتفاعل الأسرتان لإقامة علاقة مصـاهرة فيما بينهما . ودور الأسرة فيها هو القبول بما يقبله أولادها ،وإعانتهما على أتمامه بما يرضي الله ورسوله ويتفق مع العادات والتقاليد السائدة ، الو النصح لهما إن كان ثمة اعتراض لديهما له أسبابه الوجيهة على إتمام الخضوبة أو المضـي فيها قدما . ويجب أن يكون كل من المخطوبين راض عن عائلة الأخر وألا يقول أحدهما مثلا : أنا سأتزوجه أو أتزوجها ولن أتزوج أهله أو أهلها.. فالزواج عقد بين عائلتين مثلما هوعقد بين رجل وامرأة .والزوج لن يعيش مع زوجته بمفرده منقطعاً عن العالم من حوله ، وإنما سيعيشان معاً ، داخل مجتمعهما وأسرتيهما مهما تمتعا باستقلالية مادية ومعيشية .وكلما كانت العلاقة بالوالدين حسنة كلما بارك الله في هذا الزواج ، وتم تفادي الكثير من المشاكل المحتملة كنتيجة لاختلاف المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو الأخلاقي بين العائلتين.
وأنصح الأهل بألاّ يقفوا حجر عثرة في طريق زواج ابنهما أو ابنتهما إن اختار أو اختارت من يعرف بالصلاح وليس عليه شبهة ، ولا يحاولون إرغام الابن أو البنت بالزواج بمن يريدون من الأقارب أو غيرهم ، فالأصل في الزواج هو الاختيار من قبل الزوج أو الزوجة والرضى بالشخص المتقدم ، ولا يجوز الإجبار في مثل هذا الأمر .
فإن توفرت صفات الصلاح والإيمان فيمن يختار الابن أو البنت ، فلا يجب أن يقف الأهل في طريقه حتى لا تنبت بذور الكراهية فيمن وقع عليه الاختيار حين يعلم أن أهل زوجته لا يرحبون به زوجاً لابنتهم ، وستظهر هذه المشاكل بعد الزواج لتوفر سوء النية مسبقاً ، وإن رأى الأهل في الشخص الذي وقع عليه الاختيار عدم الأهلية فعليهم إبداء النصيحة لابنهم وإطلاعه على عيوب من اختارها حتى يكون على بصيرة من أمره ، فإن لم ينتصح وأصر على رأيه ، فلا يحرموه حقاً من حقوقه أو يعتزلوه ، فإن فعلوا فإنهم يزيدون الطين بلة ، بل عليهم أن يقفوا بجانبه إن احتاجهم ، فيكونون أول من يساعده ويقدم له يد العون عسى الله أن يصلح زوجته .

ولا حرج أن يتفق شاب وفتاة على الزواج فيما بينهما على كتمان الأمر فترة قبل إعلانه. يقول تعالي : " أو أكننتم في أنفسكم" إلا أن الفترة السابقة للإعلان عن الخطوبة لا تعد خطبة، وإنما هي مقدمة لها. والتراجع عن إتمام الخطوبة لمن تم بينهما التعارف والمتفقين فيما بينهما على إتمام الخطوبة، ليس مثل فسخ الخطوبة بعد إعلانها ، والذي يترتب عليه ، في الكثير من الأحوال ، آثاراً اجتماعية ونفسية سلبية على الخطيبين وخصـوصـاا على الفتاة . ولذا - يفضـل أن يكون ذلك بالتراضي بينهما وولأسباب مقنعة للطرفين ، وألا يتم ذلك في ساعة غضب أو نزق وطيش، لأنه إذا ما فشلت الخطوبة ، سيشعر أحدهما أو كلآهما بأنه فشـل في إقامة مشروع كانت آماله فيه عريضـة . وقد يكون من الصعب عليه نفسيا تحمل ذلك ما لم يكن متمتعا بقوة الإرادة والصلابة التي تمكنه من تحمل الصدمة والقدرة على تجاوزها . وينصح في هذه الحالة أل لا يقدم على تجربة أخرى قبل البرء من المتاعب النفسية التي سببها فشل التجربة السابقة. إذ أنه عندما تكون النفس مرهقة لا يكون العقل أيضا في أحسن حالاته، ولا هو قادر على استخلاص الدرس من التجربة الفاشلة على نحو صحيح ، وهو ما قد يقود إلى الفشـل مرة أخرى سواء في الخطوبة أو الزواج. وعموما فشل الخطوبة أهون وأخف ضررا من فشل الزواج.

و فترة الخطوبة: أنها “ فرصة للتعارف والتفاهم واكتشاف الأخلاق والطباع، ولمعرفة تفاصيل دقيقة حول طبيعة الطرف الآخر مما يساعد على تجنب الكثير من المشكلات التي قد تقع بعد الزواج، بالإضافة إلى التقريب بين القلوب وتثبيت المحبة بما تظهر إيجابيته بعد الزواج.
ولكن ما تنطوي عليه من سلبيات أحيانا فهي كثرة المجاملات والتصـرفات المصطنعة، الأمر الذي يؤدي إلى بناء تصورات غير صحيحة عن الشريك، حيث يرسم به قصورا من الأحلام والآمال والأماني المستقبلية والأسرية، سرعان ما يتبين أنها كانت أوهام بعد الزواج بعد أن يغلب الطبع التطبع..

الاستخارة ثم الاستشارة :
وإذا عزم الشاب على التقدم لخطبة الفتاة فعليه استخارة الله تعالى ، ثم يستشير من لديه الخبرة ، فعن جابر رضي الله عنه قال : "كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها كالسورة من القرآن ، وصفتها : يقول صلى الله عليه وسلم : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - ويسمى الأمر - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ" رواه البخاري .
ويصلى الرجل أو المرأة المقدمان على الزواج صلاة الاستخارة في أي وقت شاء ، ركعتين ، ثم بعد التسليم يدعو بدعائها، وله أن يكررها ولا حرج في هذا ، فصلاة الاستخارة دعاء ، ولا حرج في تكرار الدعاء ، ولا يلزم بعد الاستخارة أن يرى وترىالعبد رؤيا ، بل سيرى كل منهما إما التيسير أو التعسير، أو الراحة النفسية للأمر والإقدام عليه أو النفور منه وتهيبه.
وعلى كل منهما أن يستشير أهله وأقرب الناس إليه حيث المسلمون"أمرهم شوري بينهم " والشورى ليست ملزمة. ولكنها قد تتكشف بها ما لم ينتبه له طالب المشورة رغم أهميته ويكون لهذا الذى أطهرته المشورة محفزا عن الاستمرار في الخطوبة أو فسخها.

من يبادر بإبداء الرغبة في الزواج:
إذا كنا نقول بأن الزواج يتم بموجب إيجاب –أي عرض- من المرأة وقبول من الرجل فعلينا أن نلاحظ أن العرض سابقا هنا علي القبول. وهو ما يفترض أن يستخلص منه حق الفتاة في أن تخطب لنفسها من ترضاه زوجا لها ، وواجب الأب التقي الذي يرعي الله في ابنته أن لا يجد حرجا في أن يسعى لتزويجها ممن يرتضيه لها ، و ألا ينتظر أي منهما أي يدق الخطاب علي بابهما. لا يعني هذا أن تذهب الفتاة أو أن يذهب أبوها إلى دار الفتى لخطبته ، وإنما يعني التعبير عن معني العرض للشاب علي نحو ما ولو تلميحا. أعرف أن ما أدعو إليه هنا يعد مخالفا للأعراف السائدة ولكنه يكفيه شرفا أنه يتفق مع مقاصد الشريعة في حفظ الكرامة والعرض ويتفق مع أسس العقيدة ولا يخالفها. وله في تراث الإسلام سند. وكم من فتى صالح أعجب بفتاة وهو ند لها وكانت راغبة فيه وتردد في التقدم إلي خطبتها خوفا من أن ترفضه أو خشية أن يعجز عن الوفاء بمتطلبات أسرتها أو هكذا توهم أو ظن أنها منشغلة عنه بسواه بعد لاحظ اهتمامها به ، وقد يكون من رآه معها من محارمها، وامتنعت هي عن تحفيزه أو مفاتحته بشكل مباشر أو غير مباشر بدعوي الكرامة أو أن الخطوة الأولي يجب أن تأتي منه ثم تكون نتيجة التردد من الطرفين أن يقبل كل منهما ا لزواج بمن لا يصلح له فيعانيان بسبب ذلك وينتهي زواج كل منهما إلى فشل كان من الممكن تفاديه لو كان لديه الجرأة لكي يعبر عما في نفسه.

كانت السيدة خديجة بنت خويلد من أشراف قومها وذات مال فلم يمنعها ذلك من أن ترسل صديقتها نفيسة لتعرض الزواج علي من يتاجر لها وتم الزواج وأكرم الله زوجها بالنبوة والرسالة.وان قيل كان هذا قبل الإسلام فإن الإسلام لم يمنعه . بل لو كان يتم قبل الإسلام في السر فقد تم بعد الإسلام في الجهر وكم من امرأة جاءت للرسول في المسجد تقول له علنا بأنها وهبت نفسها له وهي تعلم أنه لم يعد بمقدوره الزواج بأي امرأة فوق ما لديه من زوجات ولكنها بكلمتها تلك تطلب من النبي أن يزوجها لم يرضاه لها وترتضيه لنفسها.فيقوم بتزويجها لأحد المسلمين بموافقتها. وما استنكر أحد هذا التصرف منهن بل أكبرنه .وإذا قيل كان هذا مجتمع بدوي غير متحضر حتى نقلد أصحابه فأ ليس أصحابه هؤلاء هم بذاتهم صحابة الرسول والسلف الصالح الذي تطالبون بتقليدهم والأخذ عنهم حتى في شكليات لا نفع فيها ولا ضرر من تركها؟.أنا لاأطلب من الفتاة أن تكون علي هذا القدر من الشجاعة ، وليتها تمتلكها، ولكن يمكنها أن تتصرف علي النحو الذي تصرفت به السيدة خديجة فتعرض عليه الزواج عن طريقة صديقة لها ولو أن ذلك لن يمنع الصديقة إن لم تكن وفية أو متزوجة أن تخطبه لنفسها.

أما خطبة الرجل لابنته فالتراث ينقل إلينا الكثير من تصرفات لعلماء من الزمن الأول وأناس صالحين في هذا الشأن . ولنا في ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلا عندما أكملت ابنته حفصة عدتها. فقد جاء في البخاري نقى عنه ما يلي :
"- إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيمت ابنته حفصة من خنيس بن حذافة
السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفي بالمدينة ، فقال عمر
بن الخطاب أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي , ثم
لفيني فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق
فقلت له إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً وكنت
أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه. فلقيني أبو بكر فقال لعللك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم
أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكرها فلم أكن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله لخطبتها منك.
ونجد في القرآن الكريم أن نبي الله شعيب قد عرض علي موسي الزواج من احدى ابنتيه بعد أن أنس منها الإعجاب به عندما طلبت من أبيها أن يستأجره وحفزته على ذلك بقولها :" إن خير من استأجرت القوي الأمين " ، فكان أن زوجها من القوي الأمين.بعد أن عرضا على موسي عليه السلام قائلا له: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ "(الفصص٢٧)
ونجد في التراث أن سعيد بن المسيب رفض أن يزوج ابنته للخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان وكانت من أجمل النساء وأحفظهن للكتاب والسنة وعرضها علي أحد المترددين علي حلقة علمه ممن لمس فيه التقوى والصلاح وإن لم يكن ميسور الحال وما أن قبل بها فرحا حتى عقد له عليها وحملها إليه في مساء نفس اليوم.
وبصرف النظر عما جرى به العرف أو ورد في كتب الفقه أو في قوانين الأحوال الشخصية فأنه لا يوجد في شرع الله ما يمنع المرأة من أن تخطب لنفسها أو يخطب لها وليها من ترضى به زوجا ولا يوجد فيه ما يمنع أن تزوج فيه البالغة الرشيدة نفسها من تشاء سواء كانت بكرا لم يسبق لها الزواج أو ثيبا وإنما من الأدب ألا تفعل البكر ذلك إلا بإذن وليها ، وهذا التأدب مكرمة وليس شرطا. ولها هذا الحق إن كان قد سبق لها الزواج حتى لو كانت مازالت قاصرة. أما اذا كانت قاصرة ولم يسبق لها الزواج فليس من حقها أن تزوج نفسها لمن شاءت دون موافقة وليها لأنها لا تملك أهلية التصرف لا في النفس ولا في المال ، وفي ذات الوقت لا يحق لوليها أن يزوجها بمن لا ترضاه لنفسها. وإن عقد لها كان ذلك خروجا عن حدود الولاية والتقوى وحق ابطال العقد حتى لا تجبر على البقاء على ذمة رجل تبغضه.

والرأي أيضـا أن تتزين الفتاة وتتجمل بالملابس والحلي والكحل وتصفيف الشعر.. والخضاب طلبا للخطاب.وإذكاء للطلب عليها دون مبالغة أو ابتذال أو خروج عن مقتضيات الحشمة والاعتدال. وأن ترجو بذلك فضلا من الله ورضوانا ولاتتبع خطوات الشيطان . قال تعالي: " إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله عدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "(البقرة٢٦٨).
وألا تهمل ذلك بدعوى التقوى فان التقوى الحقة هي التي تدعوها لأن تظهر في أحسـن صورة ممكنة. وعندما تتزوج ، عندها لا تبدي زينتها إلا لزوجها. وجاء فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " أما والله لو كان أسامة جارية حليتها وزينتها حتى أنفقها" أي حتى تروق لاعين الخطاب فيقبلون عليها وتتزوج. وقد زوج رسول الله أسامة فاطمة بنت قيس ولما يبلغ السادسة عشرة من عمره ، وهو ما يلفت النظر إلى التبكير في الزواج لرفع العنت عن الأولاد والبنات. وإذا كان يحول دون ذلك ما يقال عن ظروف العصـر وما يسـوده من بطالة وغلاء والحاجة للحد من النسـل وطول مدة التعليم....الخ فان كل هذه الظروف نتيجة للسياسات الحكومية الخاطئة والعقيمة والخضوع المذل للتعليمات الأجنبية والتقليد الأعمى للغرب في أسوء ما لديه وإغفال أحسن ما لديه.. وأقل ما توصف به هذه النتائج التي صنعت بجهل ونزق أو عن قساد وعمد هي أنها منافية للفطرة والطبيعة وجوهر الدين ومقاصده ومتطلبات الدنيا وما أخذ الله علي الدر من بني أدم من مواثيق بعد أن جعلهم من الأنبياء والمرسلين وأخذوا بدورهم بيع وعهود علي أتباعهم لحفظ تلك المواثيق والتي هي بذاتها الأمانة التي عرضها الله على السموات والارض والجبال فأشفقن منها وحملها الانسان.. وقد أنذرنا المولي بذلك في قوله ::"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، أولئك هم الخاسرون"(البقرة٢٧). وإذا بقيت السلطة في يد منفذي تلك السياسات فلن تتحسـن تلك الأوضاع وإنما ستزداد سوءا وتدهورا بمرور الوقت وهذا ما تثبته بالفعل الأبحاث الجامعية والتقارير الدولية. لن يتغير شيء ما لم يتم تغيير أصحاب الهمة الفاترة والعزيمة الخائرة والنفوس التي في غيها سادرة بمن هم أقدر علي حمل الأمانة والمسؤولية.

ومن العقل ما منع االزواج جهلا :
سأضرب مثالا لذلك من التجربة الذاتية لهذا العقل المعتقل الذي أضلني ، ليعتبر به الشباب :
ذهبت لأداء فريضة الحج لأول مرة عام 1965 وكنت ربما أصغر حاج مصري في ذلك الموسم وجمعتني الصدفة في المسجد الحرام بفتاة تصغرني سنا خرجت تحج مع عمتها .كنت في رفقة طبيب فارب الستين من العمر وكان يعمل مدير مستشفي "أبو الريش" في القاهرة للأطفال يدعي الدكتور صادق. كنا جلوسا في المسجد بعد انتهاء جميع مناسك الحج وننتظر بلوغ موعد العودة بالباخرة ونقضي الوقت في ذكر الله فانتحت عمة الفتاة جانبا بالدكتور صادق وأسرت له شيئا فاتجه لي مشيرا إلي الفتاة قائلا: فلانة ..أحبتك وتريد الزواج منك فما تري؟.. كان السؤال مفاجئا لي وللفتاة أيضا ونظرت إليها فأطرقت رأسها حياء . كانت الفتاة جميلة ومكتملة الأنوثة وذات دين وتقوي وابتسامة عذبة وأدب وحياء وكل ما يجعل منها فرصة العمر. أحسست لحطتها أن حبها وقع في قلبي أيضا وأحمر وجهي خجلا وتصبب العرق علي جبيني وجف حلقي وأحسست بارتباك كبير وأنا أتمتم :موافق طبعا.. وأرجو الله أن يتمم لنا بالخير.باركت لنا عمتها وقالت سنعطيك العنوان لتأتي إلي والدها لخطبتها واستطردت في الحديث عن أسرة الفتاة وعن أملاك أبيها من الأراضي الزراعية والعقارات وهي تظن أنها بذلك تشجعني بينما انقبض قلبي وصارحت عمتها بأنه إذا كان والدها بهذا الثراء فأني أعتذر لأنني لا أستطيع أن أوفر لفلانة نفس مستوي المعيشة في بيت والدها بدخلي المحدود. شعرت الفتاة بالانزعاج بينما أجابتني عمتها بأن والدها لن يجعلها في حاجة إلى شيء لأنها عزيزة عليه فكان جوابي بان هذا سببا كافيا لكي أعتذر عن الزواج . وكان ذلك أخر لقاء معهما.لم أتذكر لحظتها أن السيدة خديجة تزوجت النبي وهي غنية وهو يعمل في تجارتها بمقابل. لم أتذكر بأنها هدية من الله سبحانه وتعالي وفي بيته الحرام وأن مثل هذا الحب يباركه الله . كل ما تسلط علي عقلي أفكار مكتسبة من المحيط الثقافي وعن سلطة الذكر المستمدة من إنفاقه علي زوجته وأنه إن كان لزوجته فضل عليه فقد تلك السلطة الذكورية التي حلت محل المودة والرحمة والتقوى.. بهذه الأفكار التي كنت أعتبرها مثالية ولا أراها اليوم وفي الحالة تلك سوى أفكار غبية أضاعت مني زوجة صالحة لم يوفقني الله لخير منها بل ربما انتقم مني لأجلها بعد أن خذلتها و كسرت بخاطرها في بيته الحرام.نعم.. العقل المعتقل لا يحسن التفكير واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب وهو لذلك يضيع الفرص التي قد تتاح له وتكون سببا في سعادته . أما العقل الحر الذي لا تثقله أفكار خاطئة يرفعها إلي مستوي القيم فهو وحده الذي يمكن أن ينتفع به صاحبه وينفع به الناس. لقد كنت وقتها علي علم بحديث رسول الله الذي يقول فيه :" تنكح المرأة لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" ، وحديثه " إن جاءكم ذو الدين خاطبا فانكحوه ، إن لم تفعلوا يكن إثم وفساد كبير في الأرض " ومع ذلك غلبت علي شقوتي في القصة التي رويتها. لقد امتعض الدكتور صادق من تصرفي ولم يوافقني عليه ولكنه لم يشأ أن يمارس أي ضغط علي وكان معنا في نفس رحلة الحج الشيخ سيد سابق رحمه الله صاحب كتاب فقه السنة ولو استشرته لأشار علي بالمضي قدما فيما اختاره الله لي وأكرمنى به في بيته الحرام..ولو كنت أحسن فهم شرع الله لوجب علي طلب المشورة من الصالحين عملا بقوله تعالي في وصف المؤمنين وأمرهم شوري بينهم. خاصة وأن الزواج أشبه أن يكون قد انعقد فعلا فالفتاة عرضت وأنا قبلت وفي حضور شاهدي عدل عمتها والدكتور صادق ولم يبق سوي المهر، وكنت أتوفر عليه مهما شط أهلها في تحديد مقداره ، والإشهار يأتي تبعا لذلك. ه وتم الأمر في أطهر بقعة علي وجه الأرض بجوار الكعبة المشرفة. ولكن هل لو كنت قد استشرت الشيخ سيد سابق، هل كنت سأنزل عند ما أشار علي به واحترم علمه وكبر سنه ومقامه في بيت الله الحرام؟ .. إن غرور الشباب وعناده والذي يصور أن كل ما يعرفه حق وهو صورة أخري من صور اعتقال العقل كان بالتأكيد سيمنعني ولم لا يمتلكني الغرور وكل من يعرفني يشيد بما أتمتع به من ذكاء؟. وأسوء ما يسبب الغرور هو المديح.لم يكن هذا هو الاختبار الأول لي الذي أخفقت فيه وإنما تلته اختبارات مماثلة لم يكن حظي فيها أفضل اذ عرض علي فيها من هو أزكي فتمسكت فيها بمن هو أدني لأن كلمة مني سبقت ولا يجدر بي التراجع عنها . للأسف كل ما اعتبرته من المثاليات لم يكن سوى فهم خاطئ للمثالية مستمد من انطباعات متولدة عن قراءة الروايات الرومانسية لم أخضعها للتفكير والتأمل وفهم متسرع لشرع الله وفق ما قدمته كتابات للإمام فلان أو الإمام فلان أم أتباعه . لم أتمكن من تحرير عقلي أو النزوع إلي تحريره إلا بعد أن تقدمت في العمر ولم يعد تحريره يفيدني.
والنفس التي يلازمها العقل الحر في وحدة القلب هي نفس عاقلة إن أحبت امتلكت حبا حقيقيا معقولا .بينما أذا رافقت عقلا معتقلا في حبها أو إذا انفصلت عن العقل ،هو ما لا يحدث عادة في غير حالات الأمراض والانحرافات النفسية ،وأحبت، كان حبها مبنيا علي الأوهام ولا يقوي علي الصمود أمام محدثات الأيام.

فعن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد لله ( الصادق ): إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة ، وقد هممت أن أتزوج . فقال لي : انظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينـك وسـرك ، فإن كنت لابد فاعلاً ، فبِكراً تنسب إلى الخير وإلى حُسن الخلق ، واعلم أنهن كما قال:
ألا أنّ النساء خلقنّ شتى فمنهـن الغنيـمــة والغـرام
ومنهن الهـلال إذا تجلى لصـاحبــه ومنهـن الظـلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد ومن يغبن فليس له انتقام .
وهن ثلاث :
فامرأة : بِكر ، ولـود ، ودود ، تعين زوجهـا عـلى دهره لدنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه .وامرأة : عقيم ، لا ذات جمال ، ولا خلق ، ولا تعين زوجها على خير.وامرأة : صخّابـة ، ولاّجـة ، همّـازة ، تستقـل الكثير ولا تقبل اليسير.
ولا يمكن التمييز بين هذى وتلك بغير العقل ويعمي الإنسان عن التمييز إذا سلم أمره للهوي أو استبدت به الأوهام.
الخطوبة عند قبيلة الطوارق:
قد يكون من المفيد هنا ذكر عادات وتقاليد قبيلة الطوارق المنتشرة علي الحدود المشتركة لكل من الجزائر والنيجر ومالي . فهذه القبيلة ما أن تبلغ الفتاة عندهم حتى يقيمون حفلا يتم فيه دعوة شباب القبيلة الأعزب اليه يسمونه حفل التندي والغرض منه الإعلان أن البنت لم تعد طفلة وانما أضحت صالحة للزواج. ينزل الشباب الذين لديهم رغبة فيها إلى حلبة الرقص فان فضلت البنت أحدهم أابانت عن موافقتها عليه بالنزول والرقص معه فينسحب الباقي ويتم إعلان الخطوبة وتستمر الخطوبة عاما كاملا يري فيهما كلاهما الآخر كل يوم فان توافقا أتم الزواج و إلا عادت الفتاة وأقام لها أهلها حفل تندي آخر. نفس الشيء يحدث للمرأة التي استوفت عدتها بعد أن طلقت أو ترملت فتقيم هي أيضا حفلا للتندي للإعلان عن انتهاء موانع زواجها ورغبتها في الحصول علي زوج جديد . هذا التقليد أتمني أن يتم الأخذ به في جميع المجتمعات الإسلامية.
ويحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق لقوله تعالى : " وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ"(البقرة: الآية235). ويباح التلميح بذلك فقط.والتلميح أو التعريض كأن يقول : إني في مثلك راغب ونحو ذلك والتصريح : كأن يقول أريد أن أتزوجك .
وكما لا يجوز للمسلم أن يخطب علي خطبة أخيه المسلم حتى يدع فلا يجوز للفتاة المسلمة أن تفاتح شاب فى أمر الزواج بها وهي تعرف أنه خاطب لغيرها حتى يدع. ولما كانت فترة الخطوبة طال أم قصر أمدها يظل الغرض منها الإعداد للزواج ولكي يتأكد كل من المقبلين علي الزواج بصلاحية الطرف الأخر له، وتوافقه معه نفسا وخلقا وطباعا وفكرا وعادات ، فانه يجب إزالة أي قيود تحول دون تحقيق فترة الخطوبة أهدافها كاملة والاكتفاء بأن يوجه أهل كل من العروسين أولادهما الالتزام بالفضيلة وبما لا يمس بالشرف أو يعد خروجا علي حدود الدين ومن أساء منهما بعد ذلك فلنفسه و"كل نفس بما كسبت رهينة" "ولاتزر وازرة وزر أخرى". ودون أن يعني هذا أيضا التفريط الكامل الذي يتعدي تحقيق الخطبة أغراضها وآدابها ويهدر مسؤولية الأسرة عن أولادها وبناتها. إذ لا يتطلب تحقيق الغرض من الخطبة أن يصطحب الفتي الفتاة إلى بيت يخلوا بها فيه أو إلى فراش يتقاسمانه سويا أو السفر معا إلي بلد يبيتان في فنادقه أو ما شابه ذلك من السماح لهما بقضاء الليل خارج المنزل . ويجب أيضا ألا تطول مدة الخطوبة وتجاهل أن كل يوم منها يِؤجج الرغبة إلى التواصل ألشبقي لدي كل منهما. وإنما أن تكون في الحد الأدنى الذي يكفل أن يتم ما يكفي من تعارف وتفاهم لبدء حياتهما الزوجية . فإذا كانا قد سبق لهما التعارف والتفاهم قبل الخطوبة،فإن عليهما التعجيل بإتمام الزواج في أقرب وقت ممكن. لآن فترة الخطوبة ليس الغرض منها هو إعداد بيت الزوجية وترتيبات الزواج والزفاف حتى يستهلك وقتها في ذلك. تمكين كل من الخاطب والخطيبة من أن يتعرف كل منهما علي الأخر وأن يؤدم بينهما ويكون كل منهما على بينه من أمره .
وهناك طرق أخرى لتدبير الخطوبة والزواج لدي القبائل الأفريقية لا تتفق مع تعاليم الإسلام نضرب صفحا عنها.

ضرورة نهي النفس عن الهوي:
يجب أن يحذر الخطيبان ممارسة أية علاقات شبقية خلال فترة الخطوبة وقبل أن يتم الزواج بدافع من الغريزة الثائرة المنفلتة عن مقتضيات الدين والعقل . فكرامة الفتاة تعتمد على المحافظة على عفتها حتى ليلة زفافها إلى عريسها وشرف وأمانة الخاطب هو المحافظة على عفة خطيبته وعرض أسرتها لا يمسهما بسوء حتى تنتقل عرسه إلي بيتهما. ومن أضرارها التي يحذر منها محرر موقع "صحة" بالاضافة الي أنها تعد شرعا زنا محرم ورجس من عمل الشيطانمايلي:
1.توليد عدم الثقة: فالشاب الذي استهوى فتاة ومارس الشبق معها سرعان ما يستفيق لنفسه ويتساءل ترى كم من شاب آخر سلمت هذه الفتاة نفسها له قبلي؟ ومن ثم يعتبر الشاب انه في نظر حبيبته لا يختلف كثيرا عن بقية الشباب الذين أوقعوها في شراكهم من قبل. والفتاة أيضا تراودها أفكار عدم الثقة والشك في حبيبها الذي استهواها وتتساءل ترى كم من فتاة سلمت نفسها له قبلي؟ واذا كان قد مارس الجنس مع اخريات قبل الزواج فما الذي يمنعه عن ذلك بعد الزواج؟ هذه الشكوك تتزايد في عقول الذين يمارسون الجنس قبل الزواج وتستمر بعد أن يتزوجوا فتصبح العلاقة الجنسية مجرد روتين ممل.
2.منشأها البواعث المريضة: فهناك الشاب الذي يود أن يثبت رجولته، والفتاة التي تسعى لشراء الاكتفاء العاطفي بتقديم جسدها. آخرون يسعون نحو الإثارة بدافع الشهوة. والذي يتخاذل أمام شهواته وانفعالاته الغريزية سيقع فريسة الزنى. فالعلاقة الجنسية قبل الزواج تجمع رفقاء السوء وتحطم الصداقات الحقيقية بين الشباب. ومخطئ من يظن انه عن طريق الجنس يستطيع الاحتفاظ بالطرف الآخر حتى يتزوجا.
3.تجربة لاجدوي منها :يوجد اعتقاد خاطئ مفاده على الذين يزعمون الزواج أن يمارسوا الجنس حتى يقرروا فيما إذا كانوا يتلاءمون مع بعضهم شبقيا أم لا. ولكن هذا الاعتقاد خاطئ من أساسه. فهل سيمارس الشاب الشبق مع كل الفتيات حتى يرى التي تناسبه قبل أن يتزوجها؟ ...التوافق والانسجام الشبقي يتولد في نطاق الرابطة الزوجية المقدسة التي تجد الحماية والأمن في ظل القانون والعرف الذي يصادق على علاقتهما الشرعية. فالتقدير الكامل الواعي لعطية المحبة هذه التي حبانا بها الخالق المحب لا يتم اكتشافه أو اختباره إلا في نطاق الرابطة الزوجية.
4.عرقلة القدرة على التمتع بجمال العلاقة بعد الزواج:اكبر حجة في صالح إبقاء العلاقة الشبقية إلى ما بعد الزواج هي أن تلك العلاقة لا يمكن اكتشاف جمالها التام إلا في الزواج ففي اختبارات البشرية لا يوجد ما هو أعمق وأجمل من الوحدة الجنسية المتكاملة والصحية بين الزوج وزوجته. ففي رابطة الزواج يجتمع شخصان ترعرعا في بيئات مختلفة ولم يعرف أحدهما الآخر من قبل ويتحدا في علاقة وثيقة وشركة متبادلة. هذا الاختبار الرائع أساسه إعطاء الذات بكاملها للآخر. فالزوج لا يطالب بشيء لنفسه بل يعطي ذاته. والزوجة تكون لها مطلق الحرية أن تقدم ذاتها أيضا في محبة مشتركة ومتبادلة دون أن يكون لها أدنى شك في أنها قد أجبرت على شيء أو قد استغلت. في هذه العلاقة يتعهد الاثنان بالإخلاص لبعضهما فيعطي كل واحد نفسه للآخر. وبموجب هذا الوعد يكون كل طرف حرا من المنافسة أو من طلب أية ميزات لنفسه على حساب رفيقه. الممارسات الجنسية قبل الزواج تعكر صفو هذه العلاقة بعد الزواج لأنها تسلب من يمارسها القدرة على التمتع بجمالها الحقيقي ومعناها السامي. وهي في الوقت ذاته تسلب الزواج إحدى ركائزه التي توجد بين الطرفين وهكذا تضعف رابطة الزواج. المؤمن الحقيقي يدرك أن الله قصد أن يكون الزواج جميلا ودائما دوام حياة من يقدمون عليه. ولهذا فمن حق الله علينا أن يطلب منا الامتناع عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه العلاقة الوثيقة، إذ أنه يأمرنا بإبقاء العلاقة الجنسية مقصورة على الزواج.
 أهمية التعارف والمحبة قبل الخطوبة والزواج
من الضرورى ،خاصة في هذا الزمان ، أن يقتنع كل من المقدمين على الخطوبة بالأخر وبميل قلبه له وحبه له حبا حقيقا وليس متوهما أو زائفا. وليس الوسامة والجمال واكتمال الصفات العضوية سببا وحيدا للمحبة المفضية للخطوبة والزواج. دون أن يمنع أنك يكون لهذه المواصفات دورا هاما في ذلك ، ومع ذلك ، فد لايعبا رجل بامرأة أو امرأة برجل حتي إذا ما تحدث كل منهما للآخر وتعارفا أحس كل منهما بأن لاغني لأحدهما عن الآخر.
يتميز الحب الحقيقي عن سواه بأنه يقوم علي أسس موضوعية ، أحيانا تكون نفسية غير ظاهرة، وأنه قابل للنمو والتطور والدوام مدي الحياة اذا ما تم تعهده والحرص عليه في الحياة الزوجية من قبل الزوجين.
الائتلاف النفسي أو الروحي ليس سببا في الحب الذي يقود إلى الزواج ، وإنما هو فقط يمهد الطريق له ،إذا كان كل من الرجل والمرأة اللذان يشعران بالتآلف علي استعداد المضـي قدما لبناء علاقة حب تفضي للاتفاق علي الزواج.وما أسميه بالأسس الموضوعية الظاهرة أو المادية ،هي مؤثرات حسية يلعب بعضها أو كلها دورا في زيادة التقارب بين المحبين. ومن أهم الحواس التي تلعب دورا في ذلك ثلاثة:
1.حاسة النظر:
لقد طلب الرسول صلي الله عليه وسلم من الذي يخطب فتاة بأن ينظر إليها وأن تنظر إليه وبرر ذلك بقوله : "حتى يؤدم بينهما " أي يلق الله بذرة المحبة في قلبهما إن شاء وتدوم تلك المحبة أيضا ، هذا إذا ما تآلفت نفسيهما. أما إن أحس أحدهما نفورا من الأخر فعليه العدول عن الزواج واليوم غير الأمس حيث.كان الاكتفاء بالنظر وفقا للتقاليد والأعراف السائدة ساعة الخطوبة .
إذ تختلط الفتاة اليوم مع الفتى ابتداء من التعليم الابتدائي في بعض البلدان وابتداء من التعليم الجامعي في بلدان أخري مما يتيح ادامة النظر والحصول علي معرفة أفضل عن الطرف الاخر.

مايهتم به النظر هو التأكد من اكتمال صفات الرجولة عند المحبوب بالنسبة للمرأة واكتمال صفات الأنوثة عند المرأة بالنسبة للرجل . فمن الطبيعي الاتقبل المرأة برجل فيه بعض صفات النساء أو يتشبه بهم في شيء ما وألا يقبل الرجل بالمرأة المسترجلة. فما يخص الرجال والنساء تحدده التقاليد والأعراف المجتمعية السائدة بما لا يسمح بالخلط بينهما وقد يبدو الرجل أكثر وسامة بدون لحية أو شارب ولكن وجود واحد منهما يهم المرأة لأنه يمثل علامة تدل علي الرجولة.

حضرت حفلة أقامها المركز الثقافي المصـري بالرباط شارك في إحيائها مغني أشبه بالبنات منه بالرجال ،وكانت فتاة تعمل ممثلة تبدو مهتمة به التقيت بها بعد ذلك فسـأ لتها عما يعجبها فيه ، فقالت : إن مثله تشعر معه بالأمان .فسألتها إن كانت تقبله زوجا إن تقدم لها خاطبا ، فانتفضت وردت علي الفور: بالطبع..لأ.

يذكرني بمثل هذا ما ورد في قصص ألف ليلة وليلة ولو أنه يخدش الحياء، ففي مواجهة امرأة قالت بأنها تفضل المرد ترد عليها من تقول لها:
" يا رعناء.. هل يزين الشجر إلا ورقة؟..أما علمت أن اللحية للرجل مثل الذوائب للمرأة .. ومالي وفرش نفسي تحت الغلام الذي يعاجلني بإنزاله ويسابقني إدخاله ، وأترك الرجل الذي إذا شم ضم ، وإذا أدخل أمهل , وإذا فرغ رجع، وإذا هز أجاد, وكلما خلص عاد...."

يأتي ضمن النظر أيضا مراقبة تصرفات الطرف الآخر لسبر أغواره ومعرفة مدي تدينه وتقواه.فالمؤمن التقي هو الذي يخشي الله في السر والعلن ويصون الأمانة ولا يكذب أو يغش أو يخون وهو الذي يحافظ عل المودة والتراحم. وهو بالتالي الذي يؤمن جانبه عند العيش معه.

التقوى الحقيقية عند الرجل ليست لحية مرسلة أو مسبحة متدلية أو مواعظ مستهلكة وتدخل في شئون عباد الله وانتقادهم وتوزيع اللعنات عليهم بدعوي الغيرة علي الدين والتشبث بتلابيب التقوى.والتقوى الحقيقية عند المرأة لا تقتصر على حجاب ولا يثبتها أو يؤكدها نقاب.
التقوى أكبر دليل عليها هو أخلاق المرء وشيمه وشممه . وشمم التقي ليس الكبر وإنما العزة والعفة والترفع عن الصغائر وعدم التدخل فيما لا يعنيه من أمور الناس إلا نصيحة لمن يحب من قبيل التراحم معه والمحبة له والإشفاق عليه . وصف الله رسوله فقال:"وانك لعلي خلق عظيم" وسئلت عنه السيدة عائشة فقالت : "كان خلقه القرآن". الأخلاق الكريمة والتي تشمل طائفة كبيرة من القيم التي حض الله ورسوله المسلمين علي التمسك بها أو وصف الله المؤمنين بها في كتابه أو ماورد في القرآن من وصايا النبيين السابقين لمن تبعهم من المؤمنين ، هي من أهم الأدلة علي التقوى .

مررت يوما علي مسجد في مدينة طنجة علي مسجد وجدت مكتوبا علي بابه :" شيده المحسـن فلان" فقلت في نفسـي ذهبت هذه العبارة المكتوبة بإحسانه. ولم تستطب نفسي الصـلاة فيه بعد أن وقر فيها بأنه مسجد لم يؤسس علي تقوى الله ولم يستهدف به مرضاته.

واذا تأملنا في قوله تعالي:" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين " أدركنا أهمية التقوى للأخلاء أي الأحباء لأنهم اذا كانوا أتقياء فلن تتحول محبتهم إلي عداوة بينهم .حتى لو انقطعت الصلة التي تربطهم وانصرف كل عن الآخر سنجده يذكره بالخير.

وتأتي أهمية حاسة النظر من تأثر عاطفة الحب بالإحساس بتوفر الصفات المتخيلة مسبقا عن الحبيب أو الحبيبة أو كثير منها علي الأقل. هذه الخيالات التي تلازم فترة المراهقة في ما يعرف بأحلام اليقظة وتطاردهم أيضا في الأحلام. هذه الخيالات إن كانت علي فطرتها ولم تتأثر بمعرفة مكتسبة من أية مصدر تقدم في الغالب صورة مثالية للتكوين الجسماني للرجل أو المرأة ولو أن تخيلها تتحكم فيه عوامل نفسية محضة مرتبطة بالشبق كرغبة من ناحية وكموضوع سري يتم الاستحياء من ذكره أو مجرد الإشارة إليه في العلن.
من هذه الصفات بالنسبة للرجل أن يكون قوي البنية، عريض مابين المنكبين ، أطول قامة من المرأة ، مهضوم الخصر والبطن غير مكرش ، صغير الاليتين أو متوسطتان في الحجم كحد أقصي . تدفع إلي هذه الصورة ما تشعر به الفتاة من ضرورة أن يغطيها بالجزء الأعلى من جسمه إذا ما افترشها فلا يرى وجهها أحد ، وأن يكون مرنا أوسطه وخفيفا أسفله بالقدر الذي يمكنه من تحريكه علي النحو الذي يحقق إمتاعها.

لفد أرانا الله سبحانه وتعالي كيف أحبت ابنة النبي شعيب موسى عليه السلام بعد أن خرج من مصر وكان عمره عشرين عاما ،عندما رأت قوته وهو يدفع الرعاة عن البئر حتى سقي لها ولأختها أغنامهما ثم كيف ازداد حبه لها عندما عرفت أمانته وعفته بعدما جاءت علي استحياء تدعوه لكي يأتي معها لمقابلة أبيها لكي يكافئه علي حسن صنيعه فمشى أمامها وليس بجورها أو خلفها.تقول الآيات:" وقالت إحداهما يا أبت استأجره لنا إن خير من استأجرت القوي الأمين . قال: إني أريد أن أنكحك أحدى ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك ، ستجدنني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلاعدوان علي .والله علي ما تقول وكيل"(القصص26-28). وتقول الروايات أن موسى طاب له المقام في مدين ذات الأيكة فعاش فيها عشرين عاما أتقن فيها اللغة الآرامية التي نزلت بها التوراة عليه فيما بعد.
ولقد كنت في مبدأ شبابي ضعيف البنية نحيل العود خجولا فلم تكن تأبه بي الفتيات.

بالنسبة للرجل نجده يهتم بالمرأة الرشيقة البارزة النهدين والخفيفة الوزن وأن تكون واسعة الحوض ممتلئة الأرداف دون إفراط.أما الطول فهو يريدها في طول قامته أو أقصر قليلا ولا يجد لديه قبولا لمن هي أطول منه قامة إلا في حالات قليلة تعد استثناء عن القاعدة. في الحقيقة فان اتساع حوض المرأة ييسر الولادة الطبيعية لها وقد شاع أن اتساع الصدر يدل علي اتساع الحوض مما دفع الكثير من النسـاء إلي الحرص أن تبدو أكتافهم عريضة بإضافة حشو من القطن لأكتاف ثيابهن .
وفي التراث الفرعوني وجدت نقوش يصف فيها كاتبها من يحبها بأنها :
"أنها الفريدة المحبوبة التي لا نظير لها، أجمل جميلات العالم، انظر إليها كمثل النجمة المتألقة في العام الجديد على مشارف عام طيب. تلك التي تتألق و التي تبرق بشرتها بريقا رقيقا ولها عينان ذواتا نظرة صافية وشفتان ذواتا نطق رقيق ولا تخرج من فمها أبدا أية كلمة تافهة".
"هي ذات العنق الطويل والصدر المتألق وشعرها ذو لون لامع. ان ذراعيها تفوقان تألق الذهب وأصابعها تشبه كؤوس زهرة اللوتس. أنها ذات خصر نحيل. وهي التي تشهد ساقها بجمالها. ذات المشية المتسمة بالنبل عندما تضع قدميها على الأرض."
ونجد وصفا فى ألف ليلة وليلة لفتاة تدعى منار السنا بأنها :" صاحبة وجه مليح ، وقد رجيح،أسيلة الخد، قائمة النهد، دعجاء العينين ، ضخمة الساقين، بيضاء الأسنان، حلوة اللسان،طريفة االشمائل ، كأنها غصن مائل، بديعة الصفة، حمراء الشفة، بعيون كحال ،وشفاه رقاق، ..وجهها منير كالقمر المستدير، وخصرها نحيل،وردفها ثقيل، وريقها يشفي العليل، كأنه الكوثر والسلسبيل.....".
ووصف أخر لفتاة تدعى قوت القلوب :" أسيلة الخدود ، بوجه أقمر وجبين أزهر، سكنت جفونها فتورا، وابتهج وجهها نورا، كأن الشمس تطلع في غرتها،ظلام الليل من طرتها،والمسك يفوح من نكهتها،والأزهار تزهو من بهجتها،والقمر يبدو من جبينها،والغصن يميل من قدها كأنه البدر التام قد أشرق في جنح الظلام. وقد تقوس حاجباها، وصيغت من المرجان شفتاها. تذهل من حسنها من نظرها، وتسحر بطرفها كل من رآها.جل من خلقها وكملها وسواها."

وسئل أعرابي عن أحسـن النسـاء فقال: أطولهـــــــن إذا قــــــامت وأعظمهــــن إذا قعــــدت وأصدقهـــــن إذا قـــــالت .التي إذا غضبـت، حلمت وإذا ضحكــت، تبسمــت. وإذا صنعـت شيئاً جودته. التـي تـلـــــــــزم بيتـــــها ولا تعصـي زوجــــــــها. العــزيــزة فــي قومــــها الذليلـــــــــة في نفســــها. الـــودود الــــــولــــــــود وكــــل أمرها محمـــــود.

عندما تعثر المرأة على رجل قريب تكوينه الجسماني مما كانت تتخيله فانه سيجذب انتباهها وأن أتيحت الفرصة لآن يكون قريبا منها بحيث تتبادل معه الحديث فقد يكون ذلك بداية لبزوع الحب بينهما ونفس الشيء بالنسبة للرجل ان وجد في المرأة ماكان يتخيله فيها من زمن المراهقة.
وبعد التكوين الجسماني يأتي حـســن المنظر والمظهر فكل من الرجل والمرأة المتحبان لابد أن يحرص علي أن يبدو في عين الآخر في أحسن صورة ممكنه وتوفرها الظروف المتاحة ٫
ولايمكن تفسير اهماله لنفسه في لقاءه من يحب بغير عدم اهتمامه بمحبته. حسن المنظر والمظهر قد يلفتان النظر في بداية الأمر قبل أن يتولد الحب ودوامهما هو دليل علي استمرار ذاك الحب.

وإذا كان لايجوز شرعا للمرأة المتزوجة أن تبدي زينتها لغير زوجا ، فإنه مطلوبا من المرأة الغير متزوجة أن تتزين طلبا للزواج حتي وإن لم تكن مخطوبة ،على نحو ما سبق الإشارة إليه ، وبالتالي فإن على كل من الخطيبين أن يتزين للآخر حتي يروق منظره في عينيه ، ويزداذ محبة له ، وإقبالا على الزواج منه.

ويقول محرر موقع السراج:" ينبغي التفريق بين الجاذبية الباطنية ( والتي لهـا معادلات غير معروفة بشكل واضح ) وبين الجاذبية الشكلية ، ولهذا يفرقون بين المليحة والجميلة .. ومن المعلوم أن الأول نوع جمال يستند إلى الخصال الباطنية ، التي لو اكتملت في فردٍ ، قذف الله تعالى محبته في قلوب الآخرين ، كما هو مشاهدٌ بالوجدان." ويركز على ضرورة التوافق الثقافي والمزاجي فيقول:" لا مانع من الزواج فيما لو كان الزوجان في سنين متطابقة أو متقاربة ، مع وجود شيء من التوافق الثقافي والمزاجي .. فالملحوظ أن الفارق الشاسع بين مستوى الزوجين في المجال العلمي والثقافي ، مما يوجب شيئاً من الإرباك في الحياة الزوجية ، لعدم وحدة لغة التفاهم والتخاطب بينهما ، مما يعمّق هوة الخلاف عند أدنى مثير في الحياة الزوجي"
كما لا يفوتني أيضا ذكر مما للهدايا الغير متوقعة من تأثير وخاصة التي كان المهدي اليه بها في حاجة اليها أو كانت ذات دلالات رمزية محببة اليه مثل تقديم بضعة ورود أو حتى وردة واحدة.

2- حاسة السمع:
كثيرا ما يقال إن الأذن تعشق قبل العين أحيانا ، وهذا حق.فالصوت يكشف عن مزيد من صفات الذكورة والأنوثة . كما يكشف أيضا عما خفي من صفات الشخصية وطباعها وما انطوت عليه من مشاعر، فنبرات الصوت وطريقة النطق يمكن أن يشستشف منها دلائل علي الشفقة والرحمة أو العتو والجبروت والقسوة وعما اذا كانت عاطفة الحب ذات جذور عميقة أم مجرد قشرة علي السطح. بالطبع لن يتنبه لذلك سوي المرأة أو الرجل عندما يحتفظ كل منهما بعقله يقظا أثناء اللقاء ، أما من غيب عقله بدعوى ألا حاجة إليه في غمرة

العاطفة والحب فعليه أن يلوم نفســه إن إكتشف بعد ذلك أنه كان مخدوعا قبل أن يلوم من يعتبره قد خدعه .
هناك أيضــاحقيقة مؤداها أنه ما من رجل يستطيع أن يقاوم مديح أنثي له. وبالطبع كلما كان المديح صادقا ومعبرا عما تحس به المادحة كلما كان تأثيره كبيرا عليه فإن كان لم يشعر بالحب بعد جذبه المديح إلى حب من مدحته وإن كان الحب في بدايته زاد حبه لمادحته.
نفس الشئ يمكن أن يقال عن المرأة ، إذا لا توجد أنثي لا يعجبها إطراء الذكر لها وتغزله فيها وتكاد أن توقف ولو لكي يبتلع ريقه أن تقول له : زدني.

ولكن هذا لا يمنع أن بعض الرجال والنسـاء تنطلق ألسنتهم مثرثرة كما تشاء وبطلاقة يحسدون عليها أما إذا التقي الرجل بحبيبته أو المرأة بحبيبها وجدتهم قد تحولوا الي بكم لايملون من النظر كل منهما إلي الآخر في صمت وكأنهما لا تدل هذه الحالة علي نقص في العاطفة أو تردد فيها وإنما هي دليل على تغلغلها في العمق.في هذه الحالة يعرف الصامت أنه لو نطق صادقا فلن يقل سوى الألفاظ المعبرة عن الاشتهاء الشبقي. وطالما أنه لا يحق له أو لها التعبير عن ذلك لمن لا يحل له أو لها ، رغم حبه الشديد ، فلا مفر من الصمت، لأن أي كلام آ خر سيكون بمثابة لغو. للآسف أحيانا لا يفهم الأمر علي هذا النحو من أحد الجانبين ويفسر تفسيرا خاطئا ويكون سببا في قطع علاقة صادقة مبنية علي العفة والإخلاص والمحبة الحقيقية. الرجل الذي يحب بصدق يعتبر حبيبته شيئا مقدسا طاهرا لا يجوز مسه حتى تكون حليلته ، بل هو ينظر للفتاة كما لو كانت وعاء هشا قابل للكسر ويجب أن يحافظ عليه سليما حتى يجمعهما فراش الزوجية الذي يحل فيه ما كان محرما وينطلق من عقاله كل ما كان مكبوتا. ولاغرو من أن هذا الصنف إلى حبس شوقه في صدره وشبقه بين صلبه وترائبه من خشية الله وتقواه ومن فرط حبه وخوفه علي حبيبته أن يتصرف ليلة زفافه ولكأنه جن وفقد عقله بعد أن تهيمن عليه الشهوة وأن تكون مثله حليلته التي التزمت العفة بإصرار انتظارا لهذه الليلة الميمونة لكي تطلق المخبوء كله دون انتظار.

3- حاسة الشم :
حاسة الشم هي الحاسة الثالثة التي لها تأثير علي نشوء حب ما قبل الزواج ويظل تأثيرها الايجابي أيضا خلال الزواج مطلوبا لاغني عنه مع باقي الحواس الخمس.
مما لا شكك فيه أن كل من الذكر والأنثى تستهويهما رائحة العطر الذكي مع التحفظ بأن النساء لا يحببن شم رائحة عطر تستعمله النساء يفوح من رجل ولا يستطيب الرجل رائحة عطر علي امرأة هو من عطور الرجال.

ويأتي بعد رائحة العطر رائحة الجسم النظيف سواء للمرأة أو الرجل فرائحة جسم الأنثى التي تدل علي نظافته تزيد من اشتهاء الرجل لها ورائحة جسم الرجل النظيف تزيد من اشتهاء الأنثى له. وحيث الباب مسدود أمام الاشتهاء قبل الزواج فوجود المتناقضين في وقت واحد داخل النفس والعقل معا ، أي وجود الرغبة التي تجذب والمنع الذي يصد ، هذا التعارض يزيد من حرارة الحب وشدته.

ولعل أكثر ما يبين أهمية العطر والروائح الذكية عامة في التأثير علي الأخر ما روي عن مسيلمة الكذاب ولقائه مع المتنبئة الكاذبة مثله سجاح علي النحو الذي جاء في أحد كتب التراث .فقد اعتبر مسيلمة أن ادعاء سجاح النبوة مثله فيه تحد له وتهديد لمركزه ومصداقيته لدى قومه مما أزعجه ولما زاد ضجره قرر إتباع نصيحة أحد أصحابه الذي قال له : إذا كان صبيحة غد اضرب خارج بلدك قبة (خيمة) من ديباج ملون وافرشها بأنواع الحرير وانضحها نضحا بأنواع المياه الممسكة مثل ماء الورد والزهر والنسرين والقرنفل والبنفسج وغيره . فإذا فعلت ذلك فأدخل تحتها المباخر المذهبة بأنواع الطيب مثل العود والمسك والعنبر ، وأرخ أطناب القبة حتى لا يخرج منها شيء من ذلك البخور . فإذا امتزج الماء بالدخان فأجلس على كرسيك وأرسل لها واجتمع بها في تلك القبة أنت وهي لا غير. فإذا اجتمعت بها وشمت تلك الرائحة ارتخي منها كل عضو وذهلت عن نفسها، فإذا رأيتها في تلك الحالة راودها عن نفسها فإنها تطيعك . فإذا نكحتها (أي جامعتها) نجوت من شرها وشر قومها. وقد أتت هذه الحيلة أكلها وما إن خàرجت سجاح من القبة حتى أعلنت لقومها بأنها دخلت في دين مسيلمة وتزوجته بعد أن تلي عليها ما أنزل إليه فوجدته علي الحق واتبعته.

وكما للرائحة الطيبة تأثيرها في تقريب النفوس لبعضها فإن الرائحة الكريهة تعمل بقوة علي نفور النفس من النفس. وتأتي الريحة الكريهة من الفم المصاب بداء البخر والذي تأتي الرائحة من تعفن فضلات الطعام بين ثنايا الأسنان بسبب إهمال تنظيفها أو بسبب التهاب اللوزتين أو نتيجة مرض صدري ويزيد من سوئها اختلاطها برائحة التبغ المحترق لدي المدخنين. مصدر أخر للرائحة الكريهة التي لا تطاق هو عرق الجسم غير النظيف وخاصة العرق الذي ينتج عن أماكن بها شعر لم تتم إزالته مثل تحت الإبط والعانة حيث تتحول هذه الأماكن إلي مزارع للبكتيريا. أما المصدر الثالث فهو إفرازات المهبل لدي المرأة عندما تعيش في هذه الإفرازات بكتيريا تفسـد رائحتها وتجعلها نفاذة كريهة.وهناك أيضا رائحة عرق القدمين المنبعث من أحذية الرجال نتيجة عدم استبدال الجوارب التي اتسخت بأخرى نظيفة. الخلاصة أن أي رائحة كريهة تنبعث من الرجل أو المرأة كفيلة بأن تثير النفور منه أو منها.
علما بأن رائحة الإبط النظيف المنزوع الشعر لدي الرجل تثير الرغبة لدي النساء.

لا يبقي من الحواس بعد ذلك سوي حاستي اللمس والذوق وهاتان تبدو فاعليتهما بعد الزواج وخاصة في الإثارة الشبقية خلال ممارسة الشبق في فراش الزوجية أو التحضير له وبا لإضافة إلي الحواس الثلاثة السابقة والتي تظل مطلوبة أيضا وإن في إطار سياق مختلف. إلا أن اللمسـات العادية مثل المصـافحة باليد أو الإمسـاك بها ، خلال فترة الخطوبة أو حب ما قبل الخطوبة والزواج ، لها تأثير أيضـا كبير علي التقريب بين القلوب وتثبيت المحبة.

مراحل الخطوبة :
الخطوبة فترة مهمة قبل الارتباط بالزواج وخوض كل من المقبلين على الزواج تجربة الخطوبة حتي لو لم تنته بالزواج أقوم سبيلا .فالفشـل في الخطوبة أفضل بكثير من الفشل في الزواج . ويجب علي الأهل ألا يتسرعوا بإتمام الزواج، حتي يتاح لكل طرف أن يتعرف علي الآخر، وعلي طباعه وحقيقة ظروفه، عن قرب، فبالعشرة وحدها تتم معرفة الآخر . وفي مصر يجري مثل على هيئة سؤال وجواب يقول : هل عرفت فلان؟ - نعم . هل عاشرته؟ - لا ..إذن لم تعرفه.
وتمر الخطوبة بثلاثة مراحل هم :
1/ التعارف : حيث يتعمق كل من الخطيبين في معرفة الأخر : تدينه وأخلاقه وأفكاره وعاداته وطباعه وما يحب ويكره ومزاياه وعيوبه ...الخ
2/ التآلف : وهي المرحلة التي يفتنع فيها كل منهما بالآخر ويشعر بالراحة معه والاطمئنان له والثقة به والاستعداد للدخول في الحياة الزوجية معه.
3/ التكاتف : وفي هذه المرحلة يعملان معا على تيسير أية عقبا تواجههما لإكمال الزواج وتأثيث بيت الزوجية ويدركان أنهما بصدد بناء حياة مشتركة ممتدة مدى الحياة وتحتاج إلى التخطيط والتنسيق والصبر والتلاحم في التنفيذ ودراسة كل ما يتطلبه عقد الزواج والزفاف والحياة الزوجية في حدود الموارد والإمكانيات المتاحة ودون أن يعضـل احدهما الآخر، وبالوصول إلى هذه المرحلة تكون فترة الخطوبة قد استنفدت أعراضها ، ووجب وضع نهاية سعيدة لها وعدم السماح بإطالتها لأي سبب.
ونظرا لآهمية المرحلة الأولي سيتم التعريف بها باعتبار أن ما يليها متوقف عليها.

الخطوبة لدي الأقباط المصريين:
تحاط الخطوبة عند الأقباط المصريين الأرثوذكس بطقوس دينية تتم غالبا في الكنيسة وأحيانا في بيت العروس بواسطة الكاهن أو القسيس وتعد بمثابة نصف زواج لآن يإرادة الطرفين قد اتجهتا نحو الزواج والسير في طريقه لحين تحقيقه مالم يتراجع أحدهما أو يترجعان معا عن اتمامه ويكتب محضر للخطبة الرسمى يدون فيه الاسم والسن والشبكة وموعد اتمام الزواج ثم يتم التوقيع عليه من الخطبيين والوكيلين والشهود ثم يعتمده الكاهن.
وتجلس الخطيبة على يمني خطيبها حسب المزمور القائل "جلست الملكة عن يمين الملك" (مزامير 45: 9)،. وهذا هو وضعها الطبيعى لأن حواء خلقت من جنب آدم الأيمن. وهو الوضع الذي نشاهده في تماثيل الفراعنة أي كان معمول به قبل ظهر موسي والمسيح. ويقوم بإعلان الخطوبة على ألنحو التالي :يتم في فى هذا المحفل خطوبة الابن المبارك الأرثوذكسى (فلان) ثم يصلى الجميع: أبانا الذى فى السموات......
وييصلى الكاهن صلاة الشكر. وبعد ذلك يتم تلبيس الدبلتين والشبكة للخطبيين.ويقوم الكاهن بالدعاء لهما ويردد الدعاء خلفة الشمامسة بأن يفيض الله على الخطبيين برضاه وفضله وأن يبارك مشروع الزواج ويكتب له التوفيق وحسن الختام.و أن تكون هذه الخطبة طاهرة وشرعية ومقدمة لمصاهره فاخرة مرعية وأن يملأ قلب الخطبيين بالتهانى والحبور وأن يبلغهما نيل الأمانى بوافر السرور.و أن يقرن الله هذه الخطبة بحسن القبول وأن يمنح الخطبيين حياة هنيئة أن يحفظهما ناهجين فى طاعة الله وأن يرتبطا بأصول الايمان والفضائل وأن يحفظهما مصونين من شوائب الخلاف والرذائل وأن يتمم لهما الفرح بحفل الاكليل المبارك.
والحقيقة أن الخطوبة تنعقد فيها النية على الزواج في نهاية فترتها منذ البداية ونادرا ما يتم فسخها وهو ما يتطلب احاطتها بقدر من الإحترام والقداسة مثل ما للزواج في الدين ، وأن لايتم الاقدام عليها بنية التلهي أو اللعب أو قضاء وقت وإنما بنية صادقة وخالصة في الارتباط ، ويعترض أن يكون الخطيبان قد تعارفا قبل الخطوبة وأن إعلان الخطوبة هو لمزيد من تعميق التعارف . وإذا كانت الكنائس المسيحية قد ابتدعت الطقوس الدينية في حالتي الخطوبة والتي يسمونها الأقباط باللجبنيوت والزفاف الذي يسمونه بالأكليل فهي بلآشك بدعة حسنة تؤكد على روحانية الزواج وصلته بالدين وأنـه عقد بين الله والزوجين وميثاق غليظ على النحو الذي وصفه الله في القرآن الكريم.

التعارف خلال الخطوبة
إن فترة الخطوبة هي فترة تعميق معرفة كل من الخطيبين بالآخر ، إذا ما كان لهما سابق معرفة كزمالة في الدراسة أو العمل أوكجيران أو ما شابه ذلك . وهي بالتالي فرصة لتحليل الشخصية، ومعرفة تفاصيل دقيقة حول طبيعة الطرف الآخر، ما يساعد علي تجنب الكثير من المشكلات التي قد تقع بعد الزواج .
ويقترح كثيرون طرح كل من الخطيبين على الآخرأسئلة في عشرة موضوعات ، على النحو التالي والإجابة عليها:
1/ ماهو طموحك المستقبلي وماهو هدفك فالحياه؟ وهل المال عندك وسيلة أم غاية في حد ذاته؟.
2/ ماهو تصورك لمفهوم الزواج؟ وكيف تتحقق السعادة الزوجية في نظرك.؟ ومن هما أسعد زوجين صادفتهما في حياتك؟ وما ذا تظن أسباب سعادتهما؟
3/ ماهي الصفات التي تحب أن تراها في شريك حياتك؟
4/ هل ترى من الضروري إنجاب طفل في أول سنه؟ ، وكم عدد الأولاد الذين تطمح في أن يكون لذيك ، وأيهما تفضل الذكر أم الأنثي ؟ وماذا لو رزقك الله بأحدهما ولم يرزقك بالآخر.
5/ ما هي الأمراض التي تعرضت لها وهل تركت أثارا بعد العلاج؟ هل توجد ثمة أمراض منتشرة في عائلتك ؟ هل تعاني من مشاكل صحيه أو عيوب خلقيه؟
6/ هل أنت أجتماعي وتحب أن يكون لك أصدقاء كثيرين ؟ ومن هم أصدقائك؟ وماهي الصفات التي تعجبك فيهم؟ وهل تطلعهم على خصوصياتك؟
7/ كيف علاقتك بوالديك؟ ، وما هي مظاهر برك بهما واحترامك لهما؟ وما الذي يعجبك أو لا يعجبك فيهما أو في أحدهما؟.
8/كيف تقضي وقت فراغك ؟وماذا تعملفه أو تشغل نفسك به؟
9/ ماهي علاقتك بربك ودينك ؟ وماالذي في تصورك يجعل الله راضيا عنك؟
10/ ماهو رأيك لو تدخلت أمي في مشاكل أو شئ يخصنا؟
ومثل هذه الأسئلة التي تحدد الإحابة عليها مصير الخطوبة يجب التلطف في طرحا ، وألا يتم طرحها دفعة واحدة. وأن تنتهز الفرصة المناسبة لطرح كل منها.

محاذيـر الخطوبة
ما يجب أن يكون محظورا في الخطوبة ، ليس فقط لأن الدين يمنع ذلك ، وإنما لمصلحة المخطوبين ، وسبق الإشارة إليه وأعيد التأكيد عليه هنا ،هو ألا يتعجلان إرضاء رغباتهما الغريـزية على أي نحو ما ، أو تبادل القبلات أو الاختلاء معا فيما يعرف بالخلوة الشرعية التي تتيح لهما أن يكون بينهما ما يكون بين الزوجين وهما لم بتزوجا بعد. قد يلجأ أحدهما لذلك للتدليل على فرط محبته وشوقه للآخر أو ثقته فيه ، ولكن لذلك أضرار كبيرة تحدث إن لم يتم الزواج ويمكن أن تحدث أيضا بعد الزواج عندما يتصور الشاب أن خطيبته لم تستسلم لمداعباته وممارساته معها الا لأنها سهلة المنال . ولذا من الأفضل للفتاة ، مهما كانت ثقتها في نفسها ، وقدرتها على التحكم في رغباتها أن لا تنفرد بخطيبها في غير وجود أحد . وياحبذا لو حرصت عندما تخرج معه أن تصطحب معها أخ أو أخت أو قريبة لها حتي ولو كان طفلا. وإذا دعاها إلى بيته أن تشمل الدعوة أفراد من أسرتها كأحد الوالدين أو أخ لها أو تعتذر عن قبولها. وقد تسبق وتدعوه هو وعائلته على غداء أو عشاء في بيتها بحضور أهلها حتي يكون ذلك عذرا لها إن دعاها وحدها.
يجب دائما عدم الخلط بين الخطوبة والزواج وأن يكون الفرق بينهما كبيرا ، وأن يتم كل ما يحله الزواج إلى بعد أن يتحقق الزواج فعلا. الذي لايحتاج إلى تأكيد أن الذين والأخلاق القاضلة والأعراف المجتمعية كلها ترفض أن يكون في الخطوبة ما يحله الزواج فقط ، ولكن حتي لو افترضنا أن الدين والإخلاق والأعراف لاتمنع ذلك ، وهي فرضية خاطئة لو جب على الخطيبين تفادي ذلك لصالح زواجهما مستقبلا ولكي تحافظ الفتاة على سمعتها وطهارتها إن لم يتم الزواج لأي سبب ، سواء كان سببا متصـورا أو غير منظور ولايمكن التنبؤ به سلفا. وكثيرا ما يتم فسخ الخطوبة تسـاهل الفتاة وهروب الشاب بدعوى أن من نال مأربه منها لا تصلح للزواج .كما أن سيطرة الغريزة على عقول المخطوبين لأنها تصنع حجاباً على قدرة العقل على الحكم على الطرف الآخر وتقدير مدي صلاحيته للزواج ، إذ تعيق الشهوة الغريزية إكتشاف حقيقة الطرفين .
ومما يجب أيضا عدم الخوض فيه أو الســؤال عنه هو العلاقات السابقة لكل منهما ، ويكفي عند السؤال الإجابة بأن ما فات قد مات وما هو قادم هو الحي الذي سنعيشه وهو الأولى بالحذيث عنه والاهتمام به، عوض إحياء لميت لن نستفيد من إحيائه.
والحذر الحذر من الغيرة العمياء سواء في فترة الخطوبة أو بعد الزواج ، بل إن ظهور مثل هذه الغيرة خلال فترةالخطوبة تعدد سببا كافيا ومقنعا لفسخ الخطوبة وعدم استمرارها ، وجاء في حديث رواه ابن إسحاق في كتابه الكافي :بَيْمَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَاعِدٌ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ .
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي فَجَرْتُ فَطَهِّرْنِي .
قَالَ ـ الراوي ـ : وَ جَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو فِي أَثَرِهَا وَ أَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْباً .
فَقَالَ ـ رسول الله ـ : " مَا هِيَ مِنْكَ " ؟
فَقَالَ : صَاحِبَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَوْتُ بِجَارِيَتِي فَصَنَعَتْ مَا تَرَى .
فَقَالَ : " ضُمَّهَا إِلَيْكَ " .
ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ الْغَيْرَاءَ لاتُبْصِرُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ "
ومما يجب أيضـا الحرص عليه هو ألا تطول فترة الخطوبة بعد أن تحقق هدفها وبدون أي مبرر أو عذر قوي أو قهري.فإنها إذا طالت أكثر مما يجب فقد تكون سبباً في أن يشعر الطرفان بالملل، فالكلام الجميل استهلك والكثيرمن المشكلات قد تظهر بالإضافة للضغوط الاجتماعية وكلام الناس.وتناسل الشائعات.
وثمة ما يجب الحرص عليه أيضا هو صدق النية عند الخطوبة من الجانبين في الزواج بعد أن تحقق فترة الخطوبة الغرض منها . ولقد شهدت حالات أقبل أحد الخطيبين على الخظوبة بغير نية الزواج في آخرها، وراح يماطل في إتمام الزواج بعد ذلك .

لقد كان الفقهاء القدامي يعتبرون الخطوبة مجرد وعد بالزواج يمكن التراجع عنه ، وكان قولهم يناسب ظروف زمانهم وخاصة في المدن حيث لم تكن النساء يختلطن بالرجال والشاب لايرى من خطبها له أهله ، وعلى الأصح والدته إلا ساعة الخطوبة ، أما في هذا الزمان ، والذي شاع فيه الاختلآط ولا يتقدم فتي لفتاة مالم يكن بينهما معرفة كافية ، ويعرف كل منهما عن اللآخر معرفته فإن الخطوبة لم تعد وعدا بالزواج وإنما تعهدا به يلزم كل من الطرقين. وكثيرا ما يجدث هذه الأيام أن يتم عقد القران والزفاف في يوم واحد دون أن تسبقهما فترة خطوب’ معلنة ، أو يتم عقد القران وإرجاء الزفاف لحين استكمال الترتيبات٫ ومع تغير الزمان وعاداته فلايمكن الاعتداد بأقوال السلف بالنسبة للخطوبة ، ووجب أن يكون لزماننا فقههه المختلف والذي يناسبه ويعبر عنه. وأن ترقي منزلة الخطوبة إلى ما يقترب من منزلة العقد ، وبالتالي لا يجوز فسخها بغير علة . وفسخها بدون علة موجبة للفسح من طرف واحد ، بمثابة ظلم للطرف الآخر وإلحاق أضرار معنوية به بدون وجه حق , والاسلام هو دين العدل والاعتدال والإحسان. والمتضرر يستحق التعويض عما أصابه من ضرر، لكن القوانين الجاري العمل بها لا تنصفه لاعتبارها الخطبة مجرد وعد بالزواج لآي من الطرفين الحق في التراجع عن الوقاء به دون إبداء الأسباب ، ودون أن يترتب للطرف الأخر أي حقوق.

فوزي منصــور

(* ملاحظة :ضم إلى هذا الموضوع جزء سبق نشره ضمن موضوع “الحب قبل الزواج” بعد أن تم فصل ما يتعلق بالخطوبة منه.)

Thursday, August 28, 2008

أزمة جورجيا وخيار بريماكوف

أزمة جورجيـا و”خيـار بريمــاكوف”




ازدواجية المعايير لدي روسيا والغرب

من حق كل دولة المحافظة على وحدة أراضيها ، بسبب ارتباط ذلك بأمنها القومي ، ولكل شعب أيضا الحق في تقرير مصيره .وقد انقسمت الدول الغربية حول استقلال كوسوفوبين مؤيد ومعارض ورفضته روســـيا وصربيا .وبينما أيدت روسيا استقلال أوسيتيا وأبخازيا ، رقضته الولايات المتحدة والدول الأوربية وجورجيا.بينما يجمع الحالتين خصائص مشتركة واحدة تتطلب موقفا واحدا من كل منهما. من أبرزها :
1- كانت كوسوفو تتمتع بحكم ذاتي في يوغوسلافيا السابقة قامت صربيا بحرمانها من هذا الحق المكتسب بإرادتها المنفردة وكانت كل من أوسيتيا وأبخازيا يتمتعان بحم ذاتي في عهد الإتحاد السوفييتي السابق قامت جورجيا بحرمانهما من هذا الحق المكتسب أيضا بإرادتها المنفردة.
2- عندما طالبت كوسوفو بحق تفرير المصير بعد حرمانها من الحكم الذاتي تصدت لها صربيا بحرب إبادة وتخريب وشردت سكانها واضطرت الكثير منهم للهجرة ولم يوقفها سوى تدخل الناتو, نفس الشيء حدث بين جورجيا وأوسيتيا وأبخازيا وتداركته روسيا الإتحادية في البداية وأرسلت قوات لحفظ السلام في كل من أوسيتيا وأبخازيا لمنع إراقة الدماء, وخلال الشهر الأخير دفعت جورحيا بقواتها المدرعة وطائراتها لمهاجمتهما ولاستعادة سيطرتها عليهما بالقوة وهو ما إضطر روسيا للتدخل عسكريا لتدمير وطرد القوات الجورجية ، ثم طورت موقفها بأن اتخذ البرلمان الروسي قرارا يوصي بأن تعترف الحكومة الروسية باستقلالهما وقد صادق الرئيس الروسي على قرار البرلمان.
3- كان تدخل روسيا وحلف الناتو في الحالتين ضروريا لحقن الدماء وتأكيدا على أن كل من جورجيا وصربيا غير أمينتين على الشعوب المطالبة بحق تقرير مصيرها وبالتالي انحاز الحماة في كل من الحالتين لمن يحمونهم وأيدو حقهم في الاستقلال.
ولذا كان لزاما على كل من روسيا ودول حلف الناتو الغربية أن تنحاز في تلك الحالات المتماثلة إما إلي مبدأ وحدة التراب الوطني أو مبطأ تقرير المصير ، لا أن تتخذ كل منهما موقفين متعارضين. وهذا التناقض يدل على أن اختلاف روسيا والغرب في الحالتين ليس اختلافا على مبدأ قانوني أو إنساني ، وإنما يحرك موقف كل دولة أسباب ودوافع أخرى خلاف ما أعلنته.
وعندما أعلنت روسيا من قبل معارضتها لاستقلال كوسوفو سارع المعلقون بالقول بأن موقفها ناتج عن الانحياز العرقي والديني لصربيا السلافية العرق والأرثوذكية الديانة مثلها ، وراجع أيضا إلى خوفها من إرساء مبدأ قانوني دولي أولوية الحق في تقرير المصير على الحق في وحدة التراب الوطني للدولة ، حتي لايطبق ذلك مستقبلا على الشيشان. ولكنها بالنسبة لانحيازها لأوسيتيا وأبخازيا تكون في الواقع قد رسخت هذا المبدأ والذي طبق من قبل على تيمور الشرقية بمباركة جميع الدول الغربية ولم تعارضه روسيا.
والآن ذهب المحللون إلى أن الموقف الأخير لروسيا بخصوص الاعتراف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا هو نوع من الابتزاز السياسي ورد على الغرب بخصوص كوسوفو من ناحية وبخصوص الدرع الصاروخي التي مضت الولايات المتحدة وحلف الناتو في إقامته بالقرب من الحدود الروسية مع معارضة روسيا له. ولكن إذا أخذنا في الاهتبار التهديد العلني لقائد القوات المسلحة الروسية لبولندا قبل أسبوع بأن روسيا لن تتورع عن توجيه ضربة عسكرية إليها بما في ذلك استخدام سلاحها النووي مالم تتراجع عن اتفاقها مع الولايات المتحدة على إقامة بطاريات الباتريوت فوق أراضيها ضمن مشروع الدرع . والدولة التى تطلق هذا التهديد لاتلجأ إلى ورقة محدودة الفاعلية مثل ورقة أوسيتيا وأبخازيا لكي تلعبها، حيث لايضير الغرب كثيرا إستقلالهما ولا ينفعه وجودهما ضمن أراضي جورجيا. إذن وراء الأكمة ما ورائها ، وخلف كل الظواهر ما هو خفي وأهم وأصدق منهاز.

ما خفي كان أعظم
إذا بحثنا عما هو خافيا أو ثاويا خلف ماهو ظاهر، يمكن أن نرصد ما يلي في توجهات السياسة الروسية على المستوى الاستراتيجي:
1- رغبة روسيا الأكيدة في إنهاء حلف الناتو وإحلاله بمنظمة التعاون والأمن الأوروبي المشاركة فيها ، خاصة وأنه قد حقق الهدف الذي قام من أجله وهو مواجهة حلف وارسو الذي لم يعد له وجود بعد تفكيك الإتحاد السوفييتي, ومعني استمرار الحلف بالنسبة لروسيا من الناحية الرمزية أن العداء الغربي لها ما زال قائما. وعزز ذلك مشروع الدرع الأمريكي الدفاعي الأخير ، لأن لو أن الخطر المزعوم على أمريكا هو خطر كوريا الشمالية لوجب أن يكون مكان الدرع الصاروخي في الاسكا أو سواحل الولايات المتحدة الغربية ولو كان من إيران التي لاتملك حتي الآن أي أسلحة نووية كان يجب أن يكون في أفغانستان أو غرب المتوسط,
2- رغبة روسيا الملحة في الإنضمام الى الاتحاد الأوروبي كخيار استراتيجي ملائم لها باعتبارها دولة أوربيــــة وبصرف النظر عن امتدادها الكبير في آسيا ، ولأن ذلك يفيدها أقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا.,,أي من جميع النواحي. ولاتجد روسيا أمامها سوى خيار بديل لاترغب فيه ولن تلجأ إليه إلا مضطرة ومجبرة وهو ما أسميته هنا بخياربريماكوف والمتمثل في التحالف مع الصين والهند.
وتعارض الولايات المتحدة حل حلف الناتو والذي تعول عليه في بناء امبراطورية أمريكية لاتغرب عنها الشمس عوض الامبراطورية البريطانية السابقة والتي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لها. وتعارض الولايات المتحدة أيضا انضمام روسيا بثرواتها الطبيعية الضخمة وامتدادها الجغرافي من المحيط الأطلسي حتي المحيط الهادى إلى الإتجاد الأوروبي لأن هذا لايعني سوى إقامة قوة دولية عظمي أكبر من الصين شرقا ومن الولايات المتحــدة غربا.
ومن صالح روسيا الآن أن تضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بكل الوسائل المتاحة حتي تضطر أوروبا للآنفصال عن الولايات المتحدة حفاظا على أمنها ومصالحها أو تضكر الولايات المتحدة إلى قبول حل توافقي يوحد ما بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة وتتنازل فيه الولايات المتحدة عن أهدافها التوسعية أو الإمبراطورية لصالح المجموعة,

دور الصهيونية الخفي في النزاع

على الرغم من إقرار معظم المحللين السياسيين في العالم بإن القوى الصهيونية كانت هي المسيطرة على الاتحاد السوفييتي السابق منذ تسلم لينين حكم روسيا بعد الثورة البورجوازية عام 1917 والتي لم يكن للحزب الشيوعي دخل بها ، وأن النفوذ الصهيوني ظل طوال عهد يلتسن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من قبل ما عرف بالحكومات الإصلاحية المتعاقبة أو بالأوليغارشيا اليهودية ، وأن القوى الصهيونية هي الإقوى نفوذا في الولايات الأمريكية ، والمحركة لسياساتها الحارجية خاصة في عهد جورج بوش الإبن، فانه يتم استبعاد دورها المحتمل في أى صراع دولي خوفا من الاتهام ربما بمعاداة السامية.
والمدقق في تاريخ ما بعد منتصف القرن العشرين ، وخلال العقدين الأخيرين ، يمكن أن يكتشف بسهولة أن القوى الصهيونية العالمية وإن كانت متحدة في شأن حماية إسرائيل ومصالحها الدولية إلا أنها ، وفي روسيا بالذات، كانت منقسمة على نفسها إلى فريقين نتيجة إحتلاف الرؤي الإسترايتجية لدي كل منهما حول مستقبل إسرائيل والصهيونية العالمية. والخلاف إدن لم يكن بين يهود روسيا ويهود أمريكا ، وانما كان بين يهود روسيا أنفسهم ، ففريق كان يراهن على الولايات المتحدة ، وعمل على انهيار الإتحاد السوفييتي ، ثم محاولة شراء الموجودات الاستثمارية الروسية واستغالها لحسابهم . وفريق أخر كان رهانة كله على روسيا الإتحادية على المدي البعيد ، وقد كسب الجولة الأولي الفريق الأول أو الأمريكي واستمرت سيطرته على عهد بوريس يلتسن السكير ، ثم جاء دور الفريق الثاني أو الروسي ليطرد الفريق الأول من روسيا ويحل محله في السلطة مع عهـــد بوتين ثم العهد الحالي.وهذا الفريق الثاني يعد بريماكوف رئيس الحكومة السابق في عهد يلتسن ومستشار بوتين السياسي هو المنظر الاستراتيجي الرئيس له. وساعد على ذلك أن معظم اليهود المؤيدين للفريق الأول هاجروا إلى إسرائيل وهو ما يسر التخلص منهم في روسيا بوتين.
الخلاف بين الفريقين ناتج عن اختلاف المنطلق النظرى بين الطرفين ، فالمؤمل في أمريكا يعتبر أن المكاسب الاقتصادية متوقفة على السياسة ، بينما الفريق الثاني يرى أن السياسة يجب أن تبني على الإقتصاد وليس العكس, ويرى الفريق الثاني أن الاقتصاد الأمريكي هو عبارة عن فقاعة صابون كبيرة مآلها أن تنفجر وتتلاشي ويبرر ذلك بأن الولايات المتحدة استنزفت كل مواردها الطبيعية تقريبا وصارت تعتمد على الطاقة المنتجة خارجها من أبار البترول في فنزويلا ونيجيريا والخليج وعلى المعادن الاسترايتجية على جنوب أفريقيا والكونغو وأن مغامراتها العسكرية في فيتنام وكوريا ثم في أفغانستان والعراق مؤخرا وقواعدها العسكرية غبر العالم وأساطيلها البحرية فيما وراء البحار ، وتحولها إلى مجتمع اتستهلاكي شره ، والحجم الهائل من الدولارات العائمة في الأسواق العالمية دون عطاء أو رصيد وديونها المتراكمة لليابان والصين وأوروبا والمتزايدة ,,,كل تلك العوامل قد أنهكت إقتصادها وجعلته معرض للآنهيار التام في أية لحظة ولن تنفعها شركاتها المتعدية للحدود العملاقة في العالم ، بل هي تتعرض للآقلاس حاليا. وبالتالي لايمكن التعويل عليها مستقبلا ، سواء على المدي المتوسط أو البعيـد. قد تكون نظره متشائمة ولكنها مبررة. بينما روسيا مازالت تحتفظ على ثروات طبيعة ضخمة كافية لدعم اقتصادها لمدي زمني طويل.

خيــأر بريماكوف

نسبة الخيار هنا لبريماكوف لايعني أنه يحبذه أو يريده أو يراه في صالح روسيا ، بينما العكس هو الصحيح ، ولكن تأتي نسبته إليه باعتباره أول من كشف عنه ، أو على الأصح هدد به.
لذا نرجع بالذاكرة إلى أواخر التسعينيات عندما تولي بريماكوف رئاسة الحكومة في عهد يلتسن لإنقاذ الإقتصاد الروسي الذي ساعدت سياسات ما عرف بحكومات الإصلاحيين اليهود قبله في تدميره ، واستطاع بريماكوف أن يحسن من أوضاعه نسبيا ،ولكنه إذ وجد الولايات المتحدة والدول الأوربية تتراخي في الاستجابة لطلبات روسيا المالية ومترددة في مساعدتها للخروج من أزمتها الاقتصادية ، ولم تفلح كثيرا الاتفاقات التي عقدها مع الصين ، سافر فجأة إلى الهند ليدعو علنا إلى مأ أسماه بإقامة المثلث الذهبي الذي يضم روسيا والهند والصين معا في مخطط تنموي واستراتيجي واحد يأخذ شكل التحالف . وتحقق ما كان يريده إذ أصيبت الولايات المتحدة بالذعر هي والدول الأوربية وتم ممارسة ضغوط من الأوليغارشيا المحلية الموالية لها ومن الخارج أيضا على يلتسن قام على إثرها بعزل رئيس حكومته بريماكوف. وظل بريماكوف مهمشا حتي جاء بوتين واتخذه مستشارا سياسيا له ورئيسا للبرلمان.
يمكن أن يعزى لخيار بريماكوف هذا ومثلثه الذهبي ظهور فكرة صراع الحضارات ومخططات اليمين المحافظ الذي أحاط بجورج بوش الإبن وأحداث 11 سبتمير والحرب على الآرهاب والشرق الأوسط الكبير وحرب أفغانستان والعراق والتي اعتمدت كلها على انقاذ الإقتصاد بوسائل سياسية وعسكرية ومحاصرة الصين عسكريا من غربها بقواعد عسكرية في وسط أسيا وباكستان وأفغانستان والعراق,,الخ والتعاون مع الهند حتي في الطاقة النووية لمنع قيام هذا المثلث الذهبي وقطع الطريق عليه .
وقد تم العمل على رفع أسعار البترول عمدا والتي كانت منظمة الطاقة الأوربية وليست الأوبك قد أمسكت بزمام التحكم في أسعاره الدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي ، فهبطت به إلى العشرة الدولارات للبرميل حتي نهاية القرن الماضي ثم رفعته للمستويات العالية الحالية التي كانت أبعد ما يمكن أن يتصوره أي محلل إقتصادى متخصص في شئون الطاقة قبل عشر سنوات. كان الهدف من زيادة أسعار البترول والتحكم في مواطن انتاجه بالخليج وأفريقيا هو زيادة تكلفة الإنتاج الصيني والحد من قذرته التنافسية المتنامية في الآسواق العالمية وكذلك الحد من قدرات القوي الاقتصادية الناشئة مثل الهند والبرازيل والتي حذر منها تقرير للمخابرات الأمريكة عام 2000 تم نشره. لم يؤثر ارتفاع أسعار البترول على معدلات التنمية المحققة في الصين والهند بينما دمر اقتصاديات الدول الفقيرة الغير منتجه له ، وفي ذات الوقت وضع تحت يد روسيا الإتحادية موارد مالية هائلة لم تكن تحلم بها بعد أن زادت صادراتها من البترول والغاز . وتمكنت روسيا أن تستغني عن المعونات المالية الغربية وأن ترمم إقتصادياتها وبدأت تتشدد في سياساتها إزاء أوروبا والولايات المتحدة التي تراها ضارة بها وبمصالحها ، وهو ما لم يكن بمقدورها من قبل.
ويمكن القول بأن الرسالة الروسية للدول الغربية الآن هي ما لم تغير سياستها تجاه روسيا وتنفذ طلباتها وتقبلها في الإتحاد الإوروبي فلن يكون أمام روسيا سوى اللجوء الى الخيار الذي أعلنه بريماكوف في الهند في نهاية تسعينيات القرن الماضي.

روسيا وعودة الحرب الباردة

صرح مندوب روسيا لدي الناتو ديمتري روجوزين ليومية أر بي كي بأن أجواء السياسة الأوربية تذكر بالتوتـــر الذي كان سـائدا عشية الحرب العالمية الأولي ... فهل يعني ذلك احتمال نشوب حرب ساخنة بين روسيا والغرب؟.. بالتأكيد إن مثل هذه الحرب مستحيلة . إذا هل تعود أجواء الحرب الباردة بين روسيا والغرب وحالة اللاسلم واللاحرب؟.. ربما ، ولكن من الرابح ومن الخاسر هذه المرة؟
الرئيس الروسي علق على هذا الإحتمال يوم الثلاثاء الماضي بأن بلاده لاتخشي هذه الحرب ولكنها لاتريدها.وسخر الرئيس الروسي بيديف أيضا من الولايات المتحدة الأمريكية بأن نصحها بأن تكف عن التدخل في العلاقات الدولية والتفرغ للاهتمام باقتصادهــــا ، مذكرا لها بأن شركتين أمريكيتين كبيرتين على وشك الإعلان عن إفلاسهما هما شركتي : فاني ماي وفريدي ماك .وأضاف بأن توالي انهيار الشركات الأمريكية يشكل وضعا سيئا للولايات المتحدة الأمريكية وينعكس سلبا على الأسواق المالية العالمية في أسيا وأوروبا وروسيا.
تحذير الرئيس الروسي وما يكشفه من أنه على إطلاع على الأوضاع الداخلية للشركات الأمريكية ، ومطالبته أمريكا بأن تنكب على علاج إقتصادها عوض تدخلها في الشئون الدولية ، يعني أيضا أن الولايات المتحدة ليس أمامها سوى التعاون مع روسيا لإنقاذ أقتصادها والكف عن التدخل بينها وبين أوروبا والامتناع عن عرقلة مخططاتها السياسية الاستراتيجية ، إن لم تشأ أن تنضم اليها. وهو يظهر هنا أنه يتكلم معها من منظلق قوة وليس من منطلق ضعف ، وإن روسيا بيديف غير روسيا مدمن الفودكا يلتسن الذي كانت تتلاعب به.
وتقول روسيا أيضا أن أوروبا والولايات المتحدة ليس أمامهما سوي خيار التعاون مع روسيا ومعاملتها معاملة الند للند لأنهمافي حاجة أليها أكثر من حاجة روسيا إليهم ، وأن لم يفهموا الرسالة فما زال أمام روسيا الخيار الذي أعلن عنه بريماكوف في الهند من قبل والذي يمكن أن يغير خريطة العالم ويقلب كل المخططات الأمريكية رأسا على عقب في آسيا والشرق الأوسط,
فوزي منصور
fawzym2@gmail٫com

Monday, August 11, 2008

الدين والزواج


الديـــــــــــن والــــــــزواج
(دراسة مقارنة لعلاقة الدين بالزواج في الإسلام والمسيحية واليهودية)
ما هو الدين؟
الدين هو منهاج حياة وضعه الله للإنسان لتنظيم علاقته بخالقه وبمحلوقاته ، وأول هذه المخلوقات شركائه في المجتمع الإنساني الذي تربطه بهم صلات رحم ممتدة في المكان وفي الزمان بلانهاية .وإذا كنا نؤمن بأن الخالق هو واحد أحد ، فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له في ملكه شريك أحد، وبالتالي لا خالق سواه، ووجوده أزلي ولا بـد أن يكون ســابق لوجود مخلوقاته. فإن الدين الذي وضعه للإنسـان لابـد أن يكون واحدا لا يتغير ولا يتبدل من قبله ، وإن تغير أو تبدل أو تعدد ، لا يكون ذلك من فعل صاحب الدين وإنما من فعل من وضع لهم الدين ، فلم يحفظوا حرمته وتلاعبوا به. ويكون تعدد الأنبياء والرسل وما أنزل اليهم من كتب ، لم يأتوا لينشئوا أديانا جديدة ،ولكن لإعادة الناس إلى دين الله كلما إنحرفوا عنه بإعادة إقامته على أصوله الأولي ، مع حضهم على الاستقامة عليه كما جاء من عند الله ، دون تحريف أو تشويه أو تأويل له لكي يتلاءم مع أهوائهم أو ما تسوله لهم أنفسهم.
ويكون تبعا لما سبق، أول من جاء بالدين من عند الله ، هو أول الأنبياء والمرسلين ، أي آدم عليه السلام ، ولم تكن مهمته قاصرة على نقل الدين لسكان الأرض، وإنما تحويلهم قبل أن يعلمهم الدين من بشرية عجماء بكماء يتخبطون بها في ظلمات الجهالة ،قاصرة فيها عقولهم وألسنتهم وأيديهم ، إلى إنسانية عاقلة مفكرة مميزة عالمة حاملة للأمانة ، وأيد ماهرة زارعة صانعة ، قادرة على تعمير الأرض وجلب الخيرات منها والاستفادة بها . ويكون بمقدورها أيضا فهم الدين وتعلمه وتعليمه والالتزام والتعبد به. وقد جاء آدم إلي الأرض بعد أزمنة عاشت فيها البشرية ، تفسـد فيها وتسفك الدماء بجهالة ، ولذا عندما خلق الله آدم على هيئة أهل الأرض ، وإن اختلف عنهم في صفاته ، وأنبأ الله الملائكة بأنه جاعله في الأرض خليفه ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ، أجابهم الله إني أعلم ما لا تعلمون ، وعلم الله آدم الأسماء كلها ، وهيئه لحمل رسالة الدين، إذ بالعلم والتقوى لن يكون في الأرض فسـادا أو سفكا للدماء إلا من غلبت عليه شقوته، ولم يرع دينه ، وخرج عليه ، وعصـي الله ، ولقد كان أول من فعل ذلك المنكر أحد ابني آدم ، الذي قتل أخوه ، وكان هو وأخوه أبناء لبنات الناس اللآتى تزوجهن آدم قبل أن يلتقي بحواء وينجب أول أبنائه منها شيت، والذي أنجب بدوره إدريس ،ومنه تسلسلت الأنبياء والمرسلين حتى نوح ومن بعده إبراهيم ومن إبراهيم خرج فرعان: فرع إسحاق الذي جاء منه أنبياء بني إسرائيل، وفرع إسماعيل الذي جاء منه محمد بن عبد الله أخر المرسلين .
ولقد جاء الإسلام متفقا مع ما سبق بيانه ، ومتسقا معه، عندما تحدد الإيمان فيه بأنه إيمان بالله وحده لا شريك له ،وبملائكته الذين نقلوا الدين مرارا وتكرارا من الخالق إلى من اصطفي من الناس ليكونوا أنبياء ورسل يجددون لهم ما درس من الدين ، أو يذكرونهم بما نسـوه أو يتناسونه منه ، وإيمان بهؤلاء الأنبياء والرسل جميعا، من آدم حتى عيسى و محمد ، دون تفرقة بينهم بأنهم كانوا يبلغون كلمات الله إلى الناس الذي تأتي به الملائكة إليهم ، لكي يعيدونهم إلى دينهم الأول الذي لا يتغير أو يتبدل،إلا بما غيره أو بدله الناس فيه. ويكتمل الإيمان هذا بالأيمان باليوم الآخر والقضاء خيره وشره. ويكون بذلك ما أتي به نوح وإبراهيم وموسي وعيس ومحمد وكافة النبيين والمرسلين من علمنا منهم ومن لم نعلم ، لم يأت أي منهم بدين غير الذي جاء به أبوهم وأبو الإنسانية آدم عليه السلام ، إلا من أية في الكتب القديمة، نسخها الله في القرآن وجاء بمثلها أو بأحسن منها ، رحمة منه بعباده ، ولكي يرفع عنهم الإصر والمشقة.
وعندما يقول القرآن بأن إبراهيم لم يكن يهوديا أو نصـرانيا ، فهذا ما يتفق مع العقل والمنطق والتاريخ ، حيث لم تظهر اليهودية إلا من بعد موسي ،ولا المسيحية إلا من بعد المسيح عيسى بن مريم ، بل يمكن القول أيضا إن موسي لم يكن يهوديا ،ولا عيسـى كان نصـرانيا، وأن عيسـى المسيح ،لم يكن مسيحيا ،وإنما بشهادة أتباعه اليوم : كان محسـوبا ضمن اليهود. بينما لا ينطبق ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم ،الذي كان أول المسلمين. فالديانة اليهودية يحكمها التلمود وشروحه ونصوص كتبت بعد موسي بقرون ، وتخص أناس جاءوا بعده وتم ضمها إلى التوراة، التي لم تعد قاصرة على الأسفار المحسـوبة على زمن موسي مثل التكوين والتثنية والخروج والعدد، وإنما أضيف إليها الكثير غيرها بعد موسي بعدة قرون. وعيسي المسيح لم يكن مسيحيا أو نصرانيا ولم يبن له كنيسـة ، ويقيم له أكليروس وكهنة ورهبانا ، وإنما الذي نظر للمسيحية والكنائس ووضع لها تعاليمها وما تسميه بأسرارها،التي سارت عليها بعد ذلك هو بولس ،الذي لم يشاهد المسيح قط ،ولم يكن من تلاميذه . وكان يهوديا قبل أن يتحول للدعوة للمسيحية، يدعى شاؤول وهو من سمي نفسـه بولس .وكان معاديا لأتباع المسيح، و قد ساهم في السطو على الكنائس و في اتهام أتباع المسيح بالزندقة و تعذيبهم و سجنهم. (أعمال الرسل 8/3 ). و لكن حسب قوله سمع صوتا في البرية يدعوه ليكون أحد رسل المسيحية فقام برحلة طويلة يبشـر فيهـا بالمسيحية كرسول للمسيح،استمرت 21 عاما وشملت آسيا الصغرى وكيليكية واليونان، وأسس خلالها عدة كنائس وكتب رسائله الشهيرة إلى أهل غلاطية وكورنثوس. وعاد إلى أورشليم سنة 58. نقم عليه اليهود واتهموه بمخالفة الشرع، فاعتقل ثم نقل إلى قيصرية، مركز القيادة الرومانية في فلسطين، ثم أرسل إلى قيصر روما حيث أقام في السجن سنتين كتب فيهما أربع رسائل. أطلق سراحه فاتجه شرقاً وأسس كنيسة في كريت. وعاد إلى روما سنة 67 فاعتقل وأعدم. و كان أول من قال بألوهية المسيح وأنه مرسل منه ،خلافا لما كان عليه والموحدون ثم الأريسيـون(.أريوس ،256-336 ،كان البابا أرشيلاوس قد رسمه كاهناً وسلمه كنيسة بوكاليا ، وهى كنيسة الإسكندرية الرئيسية فى ذلك الوقت , مما أعطاه شهرة وجمع الأتباع بما لديه من موهبة الوعظ والخطابة . وكان يقول ،على نحو ما جاء في الملل والنحل للشهرستاني:، إن الله واحد، سماه: آبا، وأن المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاصطفاء؛ وهو مخلوق قبل خلق العالم، وهو خالق الأشياء. وزعم: أن لله تعالى روحاً مخلوقة أكبر من سائر الأرواح، يقصـد الروح القدس،وأنها واسطة بين الآب والابن، تؤدي عملية الوحي. وزعم أن المسيح ابتدأ: جوهراً، لطيفاً، روحانياً، خالصاً، غير مركب، ولا ممزوج بشـيء من الطبائع الأربع؛ وإنما تدرع بالطبائع الأربع عند الاتحاد بالجسـم المأخوذ من مريم. وهذا آريوس تبرءوا منه؛ لمخالفتخ إياهم في المذهب. “وكانت فكرة الثالوث المقدس قد خرجت من الاسكندرية التي كان أريوس في خدمة كنيستها ، متأثرة، على ما يبدو بفكرة الثالوث المقدس عند الفراعنه المكون من أوزيريس وايزيس وحورس . كما يقال بأن آريوس استوحي أفكاره من الفيلسوف السكندرى “أفلوطين “فى نظريته عن “النوس “أو مركز الكلمة المتوسط بين الإله أو " الواحد" وبين العالم .٫وكان الثالوث مكونا من الله /الأب ،والروح القدس/ملاك الوحي ،والابن / متلقي الوحي ، دون أن يعني ذلك بأن الروح القدس والمسيح شركاء في ألوهية الله الواحد ،ولكن وسطاء بينه وبين الخلق. وكتب أبياتاً شعرية تحمل أفكاره في كتاب معروف بإسم " تاليا" ووقّعها على الآلآت الموسيقية وعلمها للشعب،والنتهي في تعاليمه الى اخضاع الابن للآب, وهذا يعني ان الوهية الابن ليسـت حقيقية ولا كاملة. ذلك انه اذا كان اآب الها كاملا, فلا يمكن الابن ان يكون كذلك وفسـرأريوس مقولة للمسيح :”خلقني السيد الرب في بدء طرقه لاحقق أعماله “، بأن هذه الاية تقول ان يسـوع هو كلمة الله المخلوقة ،وهذه الكلمة (خلقني) تبطل كليا الوهية الابن . فليس هو الا كائنا مخلوقا، قد يكون له امتيازات، لكن حتما هو ادنى من الله .ولا يحق لنا عبادته. وهذا ما جعله يوصف من أعدائه فيما بعد الذين أصروا على ألوهية المسيح بالمهرطق. وانتشرت عقيدة أريوس في حياته ومن بعد موته ،في مصر والشرق الأدني واليمن وشهدت مدا وجزرا ، الى أن غلب عليها خصـومها ، وطاردوا أتباعها وفتنوهم وشردوهم ولحقهم منهم أذي شديد ، وهو ما عبر عنه الرسول في رسالته الى هرقل بعبارة:” فعليك إثم الأريسيين “، وفهمها المؤرخون العرب بمعني الفلاحين ، وهو فهم صحيح أيضـا فقد اعتاد الرومان وشعوب الشرق الأدني وحتي زمن الأتراك العثمانيين ،كلما أرادوا تحقير المصـريين أن يصفونهم بالفلاحين ، إذ اعتبروا أن الرعاة الذين يخرج منهم الفرسان والمحاربون أسمي درجة من الفلاحين المسالمين المرتبطين بأرضهم. وانتهي الأريوسيون بسبب ما لحقهم من اضطهاد وتقتيل ،أو بسبب دخولهم إلى الإسلام ،ولم يعد يتبعهم أحد ، اويظهر لهم أثر منذ ظهور الإسلام ،في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي. وربما كان منهم رهبان وقساوسة اليمن الذين وردوا على النبي صلي الله عليه وسلم واستمعوا إلى القرأن منه ، وسالت دموعهم من مآقيهم ،وربما كان منهم النجاشي أيضا ملك الحبشة".
وأول بولس كلمات وردت في أناجيل الحواريين علي غير مفهومها . فالمسيح كان يخاطب الله في صلواته بقوله أبانا الذي في السموات و لا يعني بها أنه ابن الله وحده ، وإنما أن جميع المؤمنين أبناء الله ، من حيث رعايته وتربيته لهم رعاية الأب لأبنائه ، ومنع ختان الذكور ،لا استنادا على قول من المسيح ، وإنما لكي يتميز أصحاب الدين الجديد عن اليهودي . وبينما كان الحواريون أصحاب الأناجيل ينقلون عن المسيح الحث على الزواج والنسـل ، كان بولس يدعو أكثر إلى الرهبنة ،ويحط من شأن الزواج حتي يضمن رهبانا متفرغين لخدمة الكنيسـة ،وأسفار العهد القديم تذم عدم الزواج في سفر القضاة 11: 38؛ اشعياء 4 :1 و ارميا 16: 9، و مع ذلك فإن بولس جعلها مقبولة في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس 7: 7-8، 24-40 . ولما كانت التوراة تقر بتعدد الزوجات ، منع هوالتعدد ،لأنه كما للمسيح كنيسـة واحدة ، فلا يجب أن يكون للمسيحي سوى إمرأة واحدة .وربط بين حب الرجل لامرأته بحب المسيح لكنيسته، رغم أنه لم يكن للمسيح في حياته كنيسـة ، وإنما هو الذي أقام كهنوت الكنيسة ، ونظم إكليروسها ولاهوتها، . لتقابل الكنيسـة "كنيس" اليهود . و روج للصلب مقترنا بفكرة الخلاص ، أي أنه هو في الحقيقة من وضع أسس المسيحية الحالية بتفرعاتها ، خاصة الأورثوذوكسية والكاثوليكية ، مما يجعلها صناعة بشرية أكثر منها إلاهية أو سماوية ، وإن توسلت بماجاء في أسفار العهد القديم والأناجيل على نحو انتقائي يأخذ ما يتفق معها وينبذ ما يخالفها.
واتبعه رجال الدين المسيحيينممن للحفاظ على مكانتهم الدينية والمكانة التي أضفاه بولس عليهم وعلى كنائسهم ، واعتبروا رسائله إنجيلا مثل أناجيل الحواريين ، وقديسا سموه بالرسول. وإن خالف كلام المسيح ، بحثوا له عن تأويل يموه على الاختلاف. ولأنه صار قديسـا فإن أحدا لا يمكنه أن ينقد كلامه ومواقفه. ويتم غالبا الاستشهاد في كل ما يتعلق المسيحية بما ورد في رسائله أو ما ينتقونه من العهد القديم أكثر مما قال به المسيح نفسـه، ونقله عنه حواريوه .
وأحكام الزواج والطلاق مستمده كلها من تعاليم بولس ، وتم تأويل كلمات المسيح القليلة بأكثر مما تحتمله لكي تتفق مع ما ذهب إليه بولس. وفي الحقيقة لم تؤثر كلمات للمسيح عن الزواج سوى حواره مع الفريسيين عندما أرادوا أن يختبرونه : فَسَأَلُوهُ: ' هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لأَيِّ سَبَبٍ؟ ' فَأَجَابَهُـم قَائِلاً: ' أَلَـم قْرَأُوا أَن الْخَالِـق جَعَلَ الإِنْسَانَ مُنْذُ الْبَدْءِ ذَكَراً وَأُنثى، وَقَالَ: لِذَلـك يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَتَّحدُ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصــر الاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً؟ فَلَيْسَا فِي مَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَلاَ يُفَرِّقَنَّ الإِنْسَانُ مَا قَدْ قَرَنَهُ اللهُ »
فَسَأَلُوهُ: « فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى بِأَنْ تُعْطَى الزَّوْجَةُ وَثِيقَةَ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟ »
أَجَابَ: « بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ، سَمَحَ لَكُمْ مُوسَى بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتِكُمْ. وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا مُنْذُ الْبَدْءِ. وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِن الَّذِي يُطَلِّلـق زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، وَيَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهَا، فَإِنَّـه يَرْتَكِبُ الزِّنَى. »
وإذ ابتدع بولس الأسرار التي تختص بها الكنيسة ، أضافت الكنائس اليها “ سر الزيحوت “في القرون الوسطي، أي بعد أكثر من ألف وخمسمائة عام اكتشفت الكنيسـة أن للزيجوت سـر يخصها. والذي يمكن بإضافته إلى الأسرار السابقة إلى الكنيسة ، ربط المسيحي بها جول حياته،عند الزواج مثلما تم ربطه عند ولادته بسـر" التعميد" أو القربان ،وعند مرضه أووفاته بسـر" المسـح" وفيما بين الولادة والوفاة بأسرار الاعتراف والتناول والميرون..ألى جانب سر الكهنوت.ويفسـرون الأسرار تلك بأنها :"نوال نعمة غير منظورة بواسطة مادة منظورة" وذلك بفعل روح الله القدوس الذي حل بمواهبه على التلاميذ القديسين ورسل السيد المسيح الأطهار، وبحسب ما أسسه السيد المسيح نفسه ،وسلَّمه للرسل الأطهار، وهم بدورهم سلَّموه للكهنة بوضع اليد الرسولية. (1كو23:11). وإذا كان المسيح هو من أعطي الرسل الأسرار ، قمن أعطاه ما يتعلق بسـر الزيجوت بعد زمان الرسل بألف وخمسمائة عام ، وهل نسي أن يعطيه للرسل قديما؟. وبمقتضي سر" الزيجوت" الجديد لا يكون الزواج دينيا ومباركا من الرب ما لم يتم في الكنيسة، وعلى يد قسيس منها، وهذا يطرح التساؤل ضمنا عن وضع الزيجات المسيحية التي تمت قبل ذلك ، وخلال قرابة ألف وخمسمائة عام ، هل لم تكن دينية أو مباركة من الرب ، لأنها لم تتم في الكنيسـة وعلى يد قساوستها؟، وهل كان الناس منذ عهد أدم في حالة زواج غير شرعي ، بما فيهم الأنبياء والرسل ،لأنهم لم يتزوجوا في الكنيسة.؟
بالطبع، ليس الغرض هنا التعرض لصحة الأديان، أو القدح فيها، وإنما كما افترضنا في أن الأديان كلها واحده ، فإنها لابد أن تكون معالجتها لمسـائل الأسرة والزواج والطلاق وما يتصـل بذلك من حقوق وواجبات الزوجين واحده ، ولا يجوز لها أن تختلف في ذلك ، وعندما يحدث اختلاف بينها ، وجب علينا البحث عن سببه وعن مصـدره وتبيان أي دين أقرب ما يكون إلى الدين الواحد ، قبل أن تتعدد الأديان. خاصة أن الزواج سابق لجميع الأديان، الحالية، حيث كان أول زواج هوعندما خلق الله حواء لتكون عونا لآدم وزوجة له.كما ورد في التوراة ذاتها.
وما يتطلب التأمل والتفكير هون أنه عندما جاء المسيح إلى أورشليم واستقبله أهلها يحملون سعف النخيل مرحبين به وملتمسين منه البركة وقالوا له : إهدنا يا معلم ، أجابهم :أنا لم أرسل أو لم أبعث إليكم وإنما أرسلت أو بعثت لكي أهدي خراف بني إسرائيل الضالة. ويستفاد من هذا ثلاثة أمور، أولها:أنه إقرار منه بأنه رسول وهناك بالتالي من أرسله ، وليس إلها. والثاني أنه لم يرسل إلي العالمين ، وإنما رسالته قاصرة على بني إسرائيل وحدهم ، ولم يأت إليهم بدين جديد وإنما يعيدهم إلى الطريق المستقيم الذي ضلوا عنه. وثالثها أن أهل أورشليم من الفلسطينيين والكنعانيين وغيرهم كانوا ما زالوا على دين الحق ، ومستقيمين عليه ، بينما الانحراف عن الدين لحق بني إسرائيل وحدهم من سكان أورشليم زمن المسيح. إذ لا يعقل أن يكون عيسى إلها أو نبيا ويطلب منه قوم ضالون أن يهديهم أو ويعظهم ويعلمهم أمور دينهم، ويمتنع عن ذلك . كما أن اليهودية لم تكن قاصرة على أورشليم وإنما كانت قد انتشرت منذ زمن سليمان في اليمن والحبشة ومناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية و في شمال أفريقيا أيضا خاصة في المغرب الأقصى ، ولو كان اليهود في كل مكان قد فسدت ديانتهم ، وكان المسيح إلها أو نبيا ويعلم أن نهايته في أورشليم ستكون الصلب ،لطاف في تلك البلاد التي تهودت قبل أن يذهب ويهدي خراف بني إسرائيل الضالة في أورشليم.
أي دين كان قبل موسي وعيسي ؟:
وإذا كان سكان أورشليم زمن المسيح على الدين الصحيح، دون أن يكونوا يهودا ، فأي ديانة صحيحة كانوا عليها إذن؟.
القرآن يقول لنا إن الدين عند الله الإسلام ، وأن إبراهيم عليه السلام هو الذي سماكم : مسلمون ،
إذن من اتبعوا محمد في الدين الذي جاء به والذي حمل اسم الإسلام إنما اتبعوا نفس الدين ألذي كان عليه إبراهيم . ولما كان ما جاء به محمد في مجال التشريع هو بذاته تقريبا ما جاء به موسي فيما عدا تعديلات بسيطة ، فهذا يعني أيضـا أن الديانة التي جاء بها موسي ليست ألا صورة من ديانة إبراهيم. ولا يمكن لإبراهيم أن يكون قد جاء بغير ما جاء به آدم ، إذن كان في الأرض ديانة كان عليها نوح وإبراهيم من بعد آدم غير اليهودية والنصرانية.ويعزز ذلك أن زوجة فرعون موسـى كانت مؤمنة.
ونجد القرآن وهو يتحدث عن اليهود والنصارى ، وهما الديانتان المشهورتان في المنطقة يضم إليهما ديانة اسمها الصـابئة، لم يكن يعرف العرب عنها شيئا . فلقد كانت اليهودية قد انتشرت انتشارا واسعا في الجزيرة العربية وفي شرق وشمال أفريقيا ، ثم جاءت بعدها المسيحية فحلت محلها في اليمن والحبشة ومصر والشام ، وفيما عدا مجوسية الفرس ، لم تكن ديانات أخرى في أقاليم أخرى من العالم معروفة .. ولكننا سنجد أن نفرا قليلا عندما بلغتهم جيوش الفتح العربي في العراق ، ولم يكونوا هودا أو نصــارى أو مجوسا ، وخافوا أن يعاملهم العرب معاملة الكفار والمشركين، عصموا أنفسهم من العرب بالقول إنهم من بقايا الصابئة ، وقد يكونوا من الصادقين لم يكن بمقدور العرب رفض ما يدعونه وهم لا يعرفون شيئا عن تلك الصابئة .وكل ما يعرفونه عنها ، أن لها وجودا ما، لأنها ذكرت في القرآن. أي أنهم قبلوا مقولة هؤلاء الناس رغم شكهم في صدقيتها .وصابئة العراق هؤلاء، مازالوا حتي اليوم على ديانتهم تلك، ويطلقون على أنفسهم اسم: الصابئة المندائية. وهم يقولون بأن ديانتهم ترجع إلى سيدنا أدم .وأن لديهم كتاب مقدس أنزل عليه. وحيث ليس بإمكاننا أيضا تصديق أو تكذيب روايتهم ، فبإمكاننا افتراض صدقها، حينها تكون الديانة التي سادت المنطقة قبل اليهودية ، وخاصة في مصـر الفرغونية وبابل العراق وإلى ماوراء القوقاز،كان اسمها : الصابئة.
وتدعو المندائية للإيمان بالله و وحدانيته و يسمى لديها بالحي العظيم أو الحي الأزلي حيث جاء في كتاب المندائيين المقدس” كنزا ربا “أن الحي العظيم أنبعث من ذاته، و بأمره و كلمته تكونت جميع المخلوقات و الملائكة التي تمجده و تسبحه في عالمها النوراني .و بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال ،عارفين بتعاليم الدين المندائي . و قد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.والكتاب المقدس لديهم”كنزا ربـا” والذي يعني إسمه: الكنز العظيم يجمع في اعتقادهم صحف آدم وشيت وسام .ويقع في 600 صفحة. وينقسـم إلى قسمين :القسم الأول: ويتضمن سفر التكوين وتعاليم "الحي العظيم" والصراع الدائر بين الخير والشـر والنور والظلام وكذلك هبوط "النفس" في جسد آدم ،ويتضمن كذلك تسبيحا للخالق وأحكام فقهية ودينية.
القسم الثاني: ويتناول قضايا "النفس" وما يلحقها من عقاب وثواب.ولديهم كتب أخرى منها:كتاب (القلستا): وهو تراتيل طقوس الزواج عندهم.وكتاب (النياني): وهو كتاب الصـلاة والأدعية عندهم. .وأركان دينهم هي التوحيد والصلاة والصيام والصدقات وفق عقيدتهم ويمارسون الوضوء قبل الصلاة مثل المسلمين تقريبا. ويعتبرون أن أنبياءهم هم :آدم ، شيت بن آدم (شيتل) ، سام بن نوح ، يحيى بن زكريا (يهيا يوهنا)بالاضافة إلي ابراهيم الخليل عليه السلام.ومن المحرمات عندهم :التجديف باسم الخالق (الكفر) ،عدم أداء الفروض الدينية القتل والزنا والسرقة والكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل وعبادة الشهوات والشعوذة والسحر وشرب الخمر والتعامل بالربا والبكاء على الميت ولبس السواد وتلويث الطبيعة والأنهار وأكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس والطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا)والانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض والرهبنة والزواج غير الصابئة وهم لايختتنون.واختلافاتها إذن عن الدين الخاتم ليست جوهرية. وربما كانت إرادة الله ألا يتحول أهلها إلى الإسلام لكي تكون شاهدة على وحدة الدين الأزلية التي أشرت إليها.
مـــــا هو الزواج؟
الزواج هو اتفاق ذكر وأنثي بالغين على العيش معا تحت سقف واحد بموجب عقد معلن، و مقبول به من قبل المجتمع، ومكتمل شروطه وتتحدد به حقوق وواجبات الطرفين كل قبل الآخر.
وإذا نظرنا في اليهودية والمسيحية والإسلام، وفي الأديان التي تعد أديانا غير سماوية سنجد أن ثمة إجماع على شروط محددة يجب أن تتوفر في عقد الزواج ليكون ساري المفعول ،ومعترف بصحته من قبل المجتمع.وهذه الشروط هي كالتالي :
موافقة الطرفين على الزواج أو ما يعبر عنه بوجود إيجاب ( أي عرض من المرأة الراغبة في الزواج ) وقبول (من قبل الرجل الراغب في زواجها) ، وأن تكون هذه الموافقة غير مشوبة بأي عيب يشوب حرية إرادة أي منهما. وبأن يكون كل منهما خال من الموانع الشرعية للزواج ، ويشترط بالنسبة للقاصر موافقة ولي أمرها في الإسلام والمسيحية واليهودية.
سداد مهر مدفوع نقدا أو عينا بأكمله ويمكن أن يكون مدفوع منه جزء معجل والباقي مؤجل لأقرب الأجلين ، وفي بعض المعتقدات والتقاليد تدفع المرأة المهر وفي معتقدات وتقاليد أخرى منها الإسلام واليهودية يدفع الرجل المهر لمن يريدها زوجته؟"وفي المسيحية لا تولي الكنائس للمهر أو ما يسمونه "الدوطة " أهمية وبالتالي لا يعد سداده شرطا لإتمام العقد.
وجود شاهدين حاضرين على الأقل وقت ابرام العقد
إشهار الزواج والذي يتخذ صورا شتى تتيح لأكبر عدد ممكن من الناس أن يعلموا بإتمام الزواج.
ويضاف إلى هذه الشروط شرطا خامسـا لدي بعض المجتمعات هو أن يتم عقد الزواج بواسطة رجل دين لكي يكون زواجا مباركا متفق مع الالتزام الديني . كما تشترط قوانين معظم الدول لكي تعترف بعقد الزواج رسميا أن يكون مقيدا في السجلات الرسمية.وإلا أعتبر الزواج غير معترف به منها ، ولايترتب عليه أية آثار قانونية و بمثابة معاشرة غير شرعية .
والواجب في الإسلام أن يتم عقد الزواج باسم الله وأن يتم الإيجاب والقبول مقترنا بالقول على كتاب الله وسنة رسوله. ومع وجوب ذلك إلا أنه لا يعد شرطا واقفا، تتوقف عليه صحة انعقاد الزواج إذ عندما تتوفر الشروط الأربع، ويتم العقد بين ذكر وأنثى مؤمنين في الإسلام ،و لم يذكرا أنهما تزوجا على كتاب الله وسنة رسوله سهوا منهما او جهلا، فإن ذلك لا يمنع من أن زواجهما يظل خاضعا للكتاب والسنة لخضوع طرفيه أصلا إليهما.
والواجب أيضا في عقد الزواج، والذي يعد بدوره ضروريا ولازما ،ولكنه لا يعد شرطا لصحة ووإثبات ونفاذ العقد إن تعذر تنفيذه، هو أن يثبت العقد وشهادة الشهود عليه بالكتابة . وحيث لا يضار كاتب ولا شهيد. وعقد الزواج هو أولي العقود بالكتابة من عقود البيوع والديون وغيرها.
وقد ذهبت بعض الدول في شططها من مجرد عدم الاعتراف بعقد الزواج مالم يكن مقيدا في سجلاتها، فأبت الاعتراف بعقود زواج مسجلة في دول أخرى حتى لو كانت دولا مسلمة. ومن ذلك الحالة التي أثارتها الصحف المصرية في منتصف مارس ٢٠٠٨ عن سيدة سعودية تزوجت مصريا بعقد موثق خارج السعودية ، فرفضت السلطات السعودية الاعتراف بالعقد والاعتراف بشرعية الأولاد الناجمين عن هذه الزيجة ، واعتبرتهم أولاد زنا ، وذلك لأنها منعت زواج السعوديات من أجانب ، وهكذا تكون السعودية قد وضعت قوانينها الوضعية ، أو مقرراتها العرفية، فوق الشريعة الإسلامية التي تقول بأن نظامها قائم عليها . بل وسنجد العديد من الدول المسلمة تبرر رفضها لعقود الزواج المسجلة في الدول الغير مسلمة بدعوى أنه زواج مدني وليس زواج ديني معترف به شرعيا
ولكأن الزواج لكي يكون متفقا مع الدين يجب أن يكون مثبتا في سجلاتها هي دون غيرها.فمن هذه الدول واحدة أصدرت مدونة للأحوال الشخصية ، وحتي لا يحتج الزوجان عند الخلاف أمامها بأنهما تزوجا وفق الشريعة الإسلامية وليس وفق مدونتها، أوعزت لمن يقومون بإبرام عقود وتسجيل عقود الزواج أن يقتصر دورهم علىطلب توقيع العروسين والشهود في سجلاتهم ، وأن لا يذكروا في الشهادة المسلمة للزوجين بأن الزواج تم على كتاب الله وسنة رسوله . أي لم يعد ثمة فرق بين الزواج المسجل في السجلات المدنية بأوروبا والزواج المسجل لديها، والذي يعد مدنيا مثله ،وليس زواجا دينيا على النحو المتعارف عليه . ومع ذلك تصـر محاكمها على رفض الاعتراف بالزواج المسجل مدنيا في أوروبا، واعتباره كان لم يكن ، ولا تترتب عليه قيام زوجية أو أية آثار أخرى.
وبعض الدول العربية التي لم تتجرأ على إصدار قوانين تمنع رحالها ونسائها من الزواج بأجنبيات وأجانب ، حتي لا تشوه صورتها بالخارج ،وتبدو ضد حقوق الإنسـان، ولو أن بعضها تجرأ على ذلك، عمدت إلى وضع قيود وشروط تعسفية وإجراءات معقدة بهدف منع الزواج المختلط بشكل غير مباشر أو الحد منه ، رغم أنه في صالحها ، وصالح مواطنيها، وربما النساء خصوصا، ولا يلحق بها أدني ضرر، ولا يوجد دافع مشروع أو مقبول إنسانيا لها في هذا المسلك التعسفي، غير أنه التعصـب الأعمى والعنصـرية المقيتة وجهالة نخبها البيروقراطية والسياسية الحاكمة ، وافتقارها إلى الوازع الديني والأخلاقي والحس الإنساني ومراعاة مصالح شعوبها.
ولعل من أهم إيجابيات الزواج المختلط المشهود بها ، هي قدرته على تحسين الصفات الوراثية لذي النسل المنحدر منه، فهو لا يضيف فقط صفات إلى الصفات الموجودة ، وإنما يفجر صفات كامنة ومتنحية ولم تظهر ربما من عقود داخل أسرتي الزوجين ، رغم إيجابيتها ، مثل طول القامة ، فتعود بعد غياب بقوة. وهذا نشاهده في المجتمع الأمريكي القائم على اختلاط الدماء والأعراق من جميع دول العالم والذي تحسنت فيه الصفات الوراثية لدي السكان من المهاجرين إليه القدامى والجدد ، وفي دول أخرى جاء إليها مهاجرون من مختلف بقاع العالم، ناهيك عن إثراء الثقافة والعادات والسلوكيات المحلية بمزجها بغيرهاوافدة عليها قد تكون أحسن منها.
علاقة الدين بالزواج:
الزواج في الإسلام آية من أيات الله سبحانه وتعالي ، ال تعالي : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"( الروم:21) ونعمة أيضا من نعماءه على عباده سبحانه وتعالي: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل٧٢)فالزوجة نعمة من نعم الله تعالي بالنسبة للرجل ، والزوج نفس الشيء بالنسبة للمرأة.
وتعده المسيحية أيضــا نعمة من نعم الله فقد خلق الله حواء لكي تؤنس أدم ولا يكون وحيدا ولكي تكون عونا له في حياته :«لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18) وكل منهما يكمل الأخر فيكونان بالزواج كيانا واحدا متكاملا :”لِذٰلِكَ يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحداً» (تكوين 2: 24)ولايجوز طلاقها إلا أن زنت وفي الكاثوليكية لا تطلق حتي وإن زنت :”«كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ ٱمْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَكُلُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ مِنْ رَجُلٍ يَزْنِي» (لوقا 16: 18). ولو أن ذلك يفترض ألا ينطبق إلا على الطلاق بدون سبب المنطوي على ظلم ولكن قامت الكنيسة بتعميمه مما يعد تطرفا وتشددا منها في الفهم والتأويل.
وفي اليهودية قضاء وقدر وأن المولود عند ولادته يكتب له من سيكون زوجه في مستقبل أيامه فقد ورد في المشنة أنه (قبل ميلاد الطفل بأربعين يوماً يعلن في السماء أنه سيتزوج بنت فلان).والمرأة ليست دائما نعمة ، فإن كانت فأنعم بها ، وإن لم تكن وجب طلاقها :”إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ ٱمْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ...الخ» (تثنية 24: 1) والمرأة عندهم لاهي أية من آيات الله كما في الإسلام /ولاهي نعمة من نعمه ، بل هي شر وأمر من الموت ،حيث ورد في التوراة: “درت أنا وقلبي لا علم ولا بحث ولا طلب حكمة وعقلاً ،و لا عرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها إشراك، ويداها قيود .”يقول غوستاف لوبون عن الزواج عند اليهود : إن الزواج في اليهودية صفقة شراء تعد المرأة به مملوكة تشترى من أبيها فيكون زوجها سيدها المطلق فقد اعتبروا المرأة المتزوجة كالقاصر والصبي والمجنون، لا يجوز لها البيع ولا الشراء .و كل ما تملكه المرأة هو ملك لزوجها وليس لها سوى ما فرض لها في مؤخر الصداق في عقد النكاح تطالب به بعد موته، أو عند الطلاق منه ، وعلى هذا فكل ما دخلت به من مال، وكل ما تلتقطه وتكسبه من سعي، وكل ما يهدى إليها في عرسها ملك حلال لزوجها يتصرف فيه كيف شاء بدون معارض ولا منازع .ومع ذلك الزواج مطلوب عندهم بشدة وهم يرون أن من يبلغ العشرين ولم يتزوج فقد استحق اللعنة.وقد ورد في المادة 16 من مجموعةا بن شمعون أن الزواج فرض على كل إسرائيلي، وقد ورد في المشنة بالزواج المبكر : زوج أولادك ولو كانت يديك لا تزال على رقبتهم “
وفي الإسلام والمسيحية يعتبر عقد الزواج بمثابة ميثاق بين الله والزوجين ـ عبر عنه القرأن بأنه ميثاق غليظ قال تعالي : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلاتأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الى بعض وأخذا منكم ميثاقا غليظا (النساء٢١) وفي المسيحية نفس الشيئ ، يقول/اللاهوتي إميل برونر : “ الزواج يتم عندما يعترف الطرفان بالترتيب الإلهي لشريعة الزواج كرباط مقدس، وإقرار الطرفين بأنهما مرتبطان بهذا الرباط.”، ويتأسس الزواج في الإسلام على المودة والرحمة والرفق ، وتركز المسيحية على المحبة بين الزوجين . وكثيرا ما يتم الاستشهاد بتلك الكلمات التي وردت في نشيد الأناشيد :”أنا لحبيبي وأَشْواقُه إليَّ ، هلُمَّ يا حبيبي ، لِنَخرُجْ إلى الحقول ولنبِت في القرى ، فلنُبكِر إلى الكروم وننظُرَ هل أَفَرخَ الكرم وهل تفتحت زهوره وهل نَوَّرَ الرُمان ، وهناك اَبذُلُ لَكَ حبُيِّ … اجعلني كخاتمٍ على قلبك ، كخاتمٍ على ذراعِكَ ، فإن الحب قويٌ كالموت والهوى قاسٍ كمثوى الأموات ، سهامه سهام نار ولهيبُ الرب المياه الغزيرةُ لا تستطيعُ أن تُطفِئَ الحب والأنهارُ لا تغمُرُه ، وَلَو بذل الإنسانُ كلَ مالِ بيته في سبيل الحب لاحتُقِرَ احتقاراً … "( نشيد الأناشيد 7/11 – 13، 8/6 – 7 ) ، وأيضا بأن الله محبة ،وكل بيت للزوجية يجب أن يتأسس على المحية لكي يدوم.
ويحض الدين المؤمنين على الزواج والتكاثر عن طريقه لحفظ النسل ، وتعاقب الأجيال ،ونجد هذا في الإسلام والمسيحية واليهودية :
ففي الإسلام ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على الزواج من أجل النسل قوله : “تناكحوا وتناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”. وقال تعالي:والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل٧٢)وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء"
وفي المسيحية بارك الله البشر «وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ» (تكوين 1: 28) . «هُوَذَا ٱلْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ» (مزامير 127 : 3 و5).
وتعتبر أي علاقة بين ذكر وأنثى تستجيب للغريزة الشبقية خارج نطاق الزواج علاقة غير شرعية ، ومدانة ، ومعاقب عليها من الله ، ومن سلطات الأرض المنفذة لأحكام الله إن ثبت اقترافها من قبل ذكر وأنثى على مشهد من أناس لا يقلون علن أربعة في الدين الإسلامي.
وينظم كل دين علاقة الرجل والمرأة خلال الحياة الزوجية ، وغالبا ما يحمل الزوج مسؤولية الإنفاق على الأسرة باعتباره رب الأسرة ورأسها والقوام عليها ، ولأن الدين حمله ذلك ، يطلب من الزوجة طاعته والخضوع إليه ، ويطالب الزوجين بأن يحب كل منهما الأخر، وأن يخلص له. وهذا موجود في الإسلام والمسيحية واليهودية . ولو أن النظرة إلى المرأة وقيمتها تتفاوت ، وهي عموما تبدو من خلال النصوص الدينية بأنها أفضل في الإسلام عنها في المسيحية ، وفي المسيحية عنها في اليهودية .
ومع ذلك فإن مكانة المرأة واحترامها ، ودورها في مجتمعها ، غالبا ما تحدده العادات والتقاليد في مجتمعها أكثر من الدين ، بل إن ما جاء في التوراة بالنسبة للمرأة ، والذي جعلها بمثابة الجارية القابلة للبيع وزوجها هو سيدها ، كان تعبيرا عن وضع المرأة في مجتمعات بني إسرائيل عندما كتبوا التوراة ، ومن المستحيل أن نتخيل أن أكثر اليهود تمسكا بدينهم يعامل امرأته اليوم على النحو الوارد في التوراة وإنما هو مضطر أن يماشي العصر. أو أن اليهودي المعاصر يستغل الحق الدي أعطته نصوص ديانته في تعدد الزوجات بغير حدود ، ولو أن بعض اليهود جمع بين أكثر من زوجة في اسرائيل، ولكن السائد فيا يسمونه بالمجتمعات اليهودية في الدياسبورا هو الالتزام بزوجة واحدة والذي تقضي به القوانين في الدول المسيحية المقيم فيها اليهود. وقد منعت المسيحية الزواج بأكثر من زوجة واحدة ، بينما أجاز الإسلام التعدد بحد أقصى أربعة زوجات وفي ذات الوقت انحاز لتفضيل الزوجة الواحدة وعدم التعدد لغير ضرورة. والزواج في الأدبان الثلاثة هو زواج دائم أبدي ، وفي الإسلام والمسيحية قإن الزوجان التقيان في الدنيا يجمع الله بينهما في الجنة أيضـا، وبالتالي فإن الزواج يتجاوز الحياة والموت في أبديته .قال تعالي : " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " (الرعد ٢٣).
وصرح مذهب الشيعة بزواج مؤقت محدد المدة يعرف بزواج المتعـــة يعد استثناء من مبدأ أبدية الزواج..
كما تمنع الأديان زواج الرجل بامرأة على غير دينه ، أو المرأة برجل من غير دينها ، بينما يصــرح الإسلام بزواج الرجل المسلم بالكتابية فقط ، أي بالمسيحية واليهودية ، ويمنع المرأة المسلمة من الزواج بغير المسلم ، وإن تزوجت بغير المسلم فلا يحق لها أن تسمح له بأن يعاشرها معاشرة الأزواج حتى يؤمن بدينها ويلتزم بأحكامه ، أي حتى يصير مسلما. .
وتحرم الأديان الزواج من الأصول والفروع وبعض ذوى القربي ، وتتفق في تحديد بعضهم وتختلف في البعض الأخر.
سنلاحظ هنا أيضـا بأن الزواج كما هو متعارف عليه منذ آلاف السنين ، وشروط صحة عقد الزواج ،موجود لدي جميع شعوب العالم في القارات الخمس ، ولكن في بعض المناطق التي عاشت منعزلة عن الحضارات القديمة ، مثل سكان جزر المحيط الهندي ، وجزيرة غينيا بابوا الأصليين ، وجدت لديهم تقاليد شاذة ، وأيضا بعض الجيوب المنعزلة في جبال الهيملايا ، مثل التبت ، وبعض المجتمعات التي اختل التوازن بين الذكور والإناث ، عرفت أنواع شاذة من الزواج ـ تعدد فيها أزواج المرأة الواحدة ، أو كانت تتم فيها العلاقات الزوجية ضمن مجموعة صغيرة ، أو أسرة واحدة في الغالب بنوع من المشاع.
تحدد الأديان أيضـأ حقوق الزوجين ، كل قبل الآخر، خلال قيام الزوجية أو انقضائها بالوفاة أو فسخ عقد الزواج (الطلاق) ، وقواعد الميراث ، وحضانة الأولاد في حالة الطلاق ، وغير ذلك.
تحظر الديانات المسيحية الطلاق وتمنعه منعا باتا ، وإن تفاوت موقفها منه مؤخرا ، بين المنع التام والترخيص بشروط ، بينما أجاز الإسلام الطلاق والتطليق عند استحالة العشرة الزوجية ، وعدلت بعض الدول الإسلامية قوانين الأحوال الشخصية بحيث جعلت الطلاق لا يتم إلا بتصريح من القاضي، بغرض الحد منه، وهو ما خلق حالات شاذة لطلاق يعتبر واقع شرعا وغير معترف به قانونا لعدم موافقة القاضي المسبقة عليه. ولم تنقص حالات الطلاق وإنما زاد معدلها ، حسب الإحصاءات.
بالطبع لا يمكن الإحاطة هنا بالتشريعات الدينية المقارنة حول الزواج وتدخل كل دين لتنظيمه ولكن يكتفي بالأمثلة السابقة لبيان أن الدين له هيمنة على الحياة الزوجية في جميع المجتمعات ، وهو غالبا ما يسعي لتقديم صورة مثالية إلى حد كبير للحياة الزوجية ، ليس من الصعب أن تلتزم بها الأسر الناتجة عن الزواج ، ولكن الواقع يوضح أن عوامل أخرى قد يكون تأثيرها أقوي من تأثير الدين ، بمعني أن الصورة المثالية لا تتحقق في العديد من المجتمعات أو الأسر بسببها. دون أن يقدح ذلك في التزامها بدينها على نحو عام.
زواج المسلمة بمن على غير دينها:
منع الإسلام المسلمة من الزواج بمن ليس على دينها ولو كان كتابيا. قال تعالي :" ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولوأعجبتكم ، ولاتنكحوا(الخطاب هنا للنساء) المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم" (البقرة ٢٢١)
وظهرت نسـاء من الحركات النسـوانية المعاصرة يطالبن باسم المسـاواة بين الذكور والإناث ، بحق المرأة المسلمة بأن تتزوج بالكتابي لكي تتساوى في هذا الحق مع الرجال المسلمين ألذين أعطاهم الدين الإسلامي هذا الحق. ولم تنتبه تلك النسـوة ،اللائي تحركهن وتنفق على أنشطتهن دول مسيحية /يهودية ، بأن الكنائس المسيحية في الشرق والغرب تمنع زواج المسيحية من غير المسيحي ، ولا تعترف به. وتمنع المسيحي أيضـا منالزواج ممن ليست على دينه. ونفس الشيء تقريبا عند اليهود.حيث تعتبر اليهودية غير اليهودي وثني، ومن أجل ذلك فهي لا تجيز زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهودي, وفي المسيحية نجد في رسالة كورنثوس الثانية 14:6 ،15 قائلاً: "لا تدخلوا مع غير المؤمنين تحت نير واحد. فأي إرتباط بين البر والإثم؟ وأية شركة بين النور والظلام؟ وأي تحالف للمسيح مع إبليس؟ وأي نصيب للمؤمن مع الغير المؤمن؟”
فالإسلام لم يبتدع بدعه غير موجوده في الأديان السابقة عليه عندما حرم على المرأة المسلمة أن ينكحها زوج غير المسلم حتي يسلم.
وقد أفتي حسـن الترابي في السـودان بصحة زواج المسلمة بغير المسلم ، وهي فتوى صحيحة نسبيا شكلا، وتعد قاصرة وغير كاملة موضوعا. و غلبت فيها ثقافته القانونية على ثقافته الشرعية ، أو مكره السياسي، ومحاولة الظهور بمظهر المدافع عن حقوق النسـاء والظهور بمظهر المصلح الديني أمام القوي الغربيـــــة ليضمن عدم عرقلتها مشروعاته السياسية. وقد سبق لي أن وصفته قبل أكثر من عشـرسنوات بأنه أحسـن عالم بالشريعة،ولايظهر حسن فقهه إلا عندما يكون سجينا، وأسوء سياسي عندما يكون طليقا حرا. فقوله صحيح تماما بالنسبة لصحة عقد زواج المسلمة سواء من كتابي أو غير كتابي. وصحة عقد زواج المسلم أيضا ممن ليست على دينة حتى ولو لم تكن كتابية. فعقد الزواج منذ الأزل ، وفي جميع المجتمعات الإنسانية ، لا تتوقف صحته على ديانة أطرافه إن اتفقت أو اختلفت ، أو كان زواجهم متفقا مع أحكام دينهم أو مخالفا لها. فطالما عقد الزواج قد اكتملت اشتراطات صحته السابق ذكرها من ايجاب وقبول لبالغين وشهود وصداق مدفوع وإشهار، فهو صحيح حكما ،ولا يحق الطعن في صحته. والدين الإسلامي لم يمنع زواج المسلمة من كتابي ، وإنما حرم على الزوجة المسلمة أن تمكن زوج غير مسلم منها ،ولو أن عقد زواجها منه كان صحيحا، لأنه غير كفء لها في إيمانها ، ولأسباب أخرى.وعبر عن ذلك بلفظ :”ينكحها” وهو لفظ يتجاوز كتابة العقد إلى معني الجماع٫
ويدل على ذلك المهاجرات اللآئي هجرن أزواجهن المشركين في مكة بعد إسلامهن ، ومنهن ابنتين لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولم يعدن إلى أزواجهن إلا بعد إسلامهم. ولم يحتجن إلى عقد زواج جديد ، لأن عقد الزواج الذي تم وهن مشركات مثل أزواجهن ظل صحيحا وساري المفعول . أي أنه عندما اختلف دين الزوجة عن دين الزوج تم تجميد عقد الزواج فقط فيما يتعلق بمعاشرة الزوجة لزوجها في الفراش فقط. وعندما اتفق إيمان كل منهما تم تفعيل العقد في هذا الجانب.
إذن يجوز بالفعل عقد زواج مسلمة على يهودي أو نصـراني أو حتى مشـرك ، بشـرط ألا يترتب على ذلك أن تسلم جسدها له وتسمج له بأن يجامعها. وهنا يحق التسـاؤل عن معني هذا العقد إذا كان الزواج به لا يكتمل بدخول الزوج بزوجته؟. وما الحكمة من عقد زواج امرأة من رجل لا يشبع حاجتهما الغريزية ولا ينجم عنه متعة حسية لهما أونسل .؟
صحيح ، قد يبدو ذلك نوعا من العبث ،وقد يكون القول بصحة عقد الزواج ، قول نظرى أو سفسطائي. ولكن صحيح أيضا ،أن يكون عقد الزواج الموقوف تنفيذه في جانب منه مطلوبا في حالات معينة شـاذة أو استثنائية قليلة. فمن حالاته الواقعية ما يعرف بالزواج الأبيض الذي تتزوج فيه مسلمه بأجنبى على غير دينها لمجرد أن يسمح لها عقد الزواج بالإقامة أو العمل في بلاده ، فإذا ما حقق العقد المطلوب منه مرادها تم فسخه. أى أن الزواج في هذه الحالة صورى وليس حقيقي ، ولكن العقد مع دلك صحيح.، وقابل لأن يكون نافذا حتي ولولم تنصـرف نية الطرفين في البدء لتنفيذه. ويسمح لها بالإقامة معا تحت سقف واحد ولا يمنعها من تمكينها له منها في الفراش سوى دينها فقط إن طلت ملتزمة به، والرقيب عليها هنا هو الله وحده ولا أحد له الحق التدخل في الأمر بأكثر من تذكيرها بشرع الله وبحدوده وتقع هذه المهمة على عاتق أهلها وحدهم ، وتتحمل هي وحدها المسؤولية عن الالتزام بذلك أمام الله ، ولا دخل للناس بذلك.وثمة حالات أخرى قد تبدو خيالية ، ولكن يمكن أن تحدث ولو نادرا، مثل حالة رجل يهودي أو نصراني بلغ من العمر ما لم يجعل له رغبة في النساء أو لديه الرغبة ولم يعد لديه القدرة عليها ، وخدمته امرأة مسلمة بإخلاص وأراد أن يكافئها بأن يتيح لها أن ترثه أو أن تظل مقيمة في بيته بعد موته كأرملة له ، فيتزوجها لهذا السبب. وفي هذه الحالة لا يحق لأحد مسلم أو غير مسلم أن يسألها عما إذا كان قد دخل بها أم لا.
يمكن أيضا أن تتفق مغتربة مع غير مسلم على أن تقيم في بيته كزوجة شرعية له على ألا يمسها حتى يسلم ، وكان إشهار إسلامه يحتاج إلى وقت وإجراءات يطول وقتها، علما بأن نطقه بالشهادتين وإقامته الصلاة يكفيان بالنسبة لها ، إذا ما وجدت أن هذا الوضع أكثر راحة وأمانا لها، وأفضل وأسلم لها أو حتي تجد لها محلا آمنا لإقامتها .و صحة عقد الزواج لمسلمة من غير مسلم ، تجعله ملزما بالإنفاق عليها ، وتأمين مأوى لها، وحمايتها كزوجة قانونية له ، وبصرف النظر عما إذا كان قد دخل بها أم لا، وسمحت له بذلك أم امتنعت عليه، مادامت مقيمة معه في بيته. وإذا مات عنها من حقها أن ترثه ، ولا يمنع حقها في الميراث بدعوى أنه لم يدخل بها لأن دينها لا يسمح بذلك ، ولا يجوز لأحد أو أية سلطة أن تسـألها عما كان بينها وبينه ، طالما كانت تعيش معه تحت سقف واحد. وقد يكون الزوج النصراني أمام الناس مسلم في السر ويكتم إسلامه ولا يعلم به سوى الله وزوجته المسلمة ،وفي إعلانه خطر عليه أو ضرر له . ولذا يجب عدم السماح لمتطفل فرد أو جماعة أو جهة حكومية رسمية بالتدخل بين المرء وزوجه ، وبينه وبين خالقه، أو التفتيش فيما هو من صميم حياته الخاصة وممارسته لحريته الشخصية، وليس فيهما ما يضـر أحدا أو يعنيه ، بدعوى غيرة من المتطفل على الدين، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحت أية ذريعة أخرى .فكل نفس بما كسبت رهينه ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ولا يجب أيضا سن قوانين تحد من فرص الزواج وتضع قيودا عليه ، بينما يشيع الفسـاد في المجتمع، دون قوانين تردعه أو تضع حدا له.
.وفي تعليق لعالم الدين المغربي محمد زحل علي إعلان وزير العدل المغربي إحصائيات تبين أن المحاكم رفضت السماح بتزويج 4151 فتاة قاصرسنة 2007 بعد ان تم رفع سن زواج الفتاة من ١٥ إلى ١٨ عام لتحقيق المساواة بين الذكور والإناث في سن الزواج،فال إنه ينبغي مراجعة هذه الملفات لأن هناك من الفتيات مَن زواجها يعتبر أمرا ملحا، فقد تتعرض الفتاة لكثير من المخاطر أو قد تقع في المحظور (من زنا ودعارة ) إذا لم تتزوج رغم عدم بلوغها السـن الذي حددته مدونة الأسرة الجديدة. ودعا زحل المسؤولين إلى مراجعة هذه المدونة في بعض بنودها وقوانينها وأن تعود إلى سابق عهدها حتى لا يكون هناك أي تجاوز للشريعة الإسلامية ومقتضياتها، مشددا على أنه في قضية طلبات الزواج يجب أن تتم معالجتها بكثير من المرونة لما فيه خير للشباب وللمجتمع، بعيدا عن التقيد بالقوانين الجامدة، بمراعاة مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة.وكما أن كثرة تدخلات الأفراد في شؤون الزواح قد تعطل أو تمنع انعقاده ، و كما أن تدخلات الأفراد من خارج الأسرة في شؤونها الداخلية يضرها وقد بكون سبب تدميرها ، حتى ولو كانت بحسن نية فإن التدخلات القانونية الكثيرة في أمور الزواج والأسرة ، تضر بهما ، حتى ولو كان هدف المشرع تحقيق مصالح للأسرة أو مكوناتها.
وجاء في المادة ١٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق الزواج وتأسيس أسرة من دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين, ولا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين كلاهما ولا إكراه فيه”.
وزواج المسلمة من غير المسلم كثيرا ما يحدث بسبب تقدم الفتاة في العمر دون أن يتقدم لها شاب مسلم لخطبتها ، وهي لو بقيت على حالها بدون زواج كان ذلك بمثابة حرمان لها من حق طبيعي ، وإن امتد عمرها إلى ما بعد الآربعين ستتضائل فرصة الحمل أو تنعدم وتفقد الحق في أن تكون أما مثل باقي النساء. ومن الطبيعي أن ينتابها القلق ، وأن تكون في حالة نفسية سيئة تدفعها إلى المعامرة بقبول الزواج بمن يقبل الزواج بها حتى ولو لم يكن على دينها، وإن خالفت بذلك تعاليم الدين. وهي في هذه الحالة قد تسلم له نفسها دون انتظار أسلامه، ولايجب علينا أن نلومها ، وأن نترك أمرها إلي الله ، إن شاء عاقبها وإن شاء غفر لها .وهي في أسوء التقديرات قد تزوحت زواجا علنيا ولم تتخذ لها خدنا أو عشيقا بدون زواج ، وهي الطريقة الوحيدة التي أتيحت لها لكي تحصن نفسها. وقد تحل ذلك لنفسها بدعوي الضرورة. وكم من فتاوي لفقهاء بهذه الذريعة خالفوا فيها الذين.
علينا قبل أن ننحي بالملامة عليها ،أن نبحث عن الأسباب التي دفعت الفتاة المسلمة إلى ذلك ، ، وبانتفاء هذه الأسباب ، إن بدلنا في ذلك حهدا كافيا ،نحمي غيرها من نفس المنزلق.وهو الدور العملي والإنساني الذي يجب أن يكون في صلب عمل الجماعات والحركات الدينية المسلمة . هذه الجماعات التي يعتبر البعض أن توجيه النقد لعملها وأولوياتها من المحرمات، وتمتنع المواقع ووسائل الإعلام عن نشره ،بينما هو الذي يتيح لها الازدهار والفاعلية الاجتماعية ، ويزيد من بركة عملها ، ويرشد توجهاتها لما هو أكثر نفعا للناس.ومرضاة لله من الخطب والمواعط
والتنديد بهذا الفعل أو ذاك.
فوزي منصور
كاتب مصري مقيم بالمغرب
e-mail:fawzy_mansour@hotmail.com
fawzym2@gmail.com