Saturday, March 28, 2009

عقيدة التوحيد : المبني والمعني- الجزء 18

السياسة المالية والتنمية الاقتصادية والانسانية

أهداف السياسة المالية :
ويجب على السياسة المالية أن تركز على التنميـة الإقتصـادية والإرتقـاء بمستوى النشاط الإقتصـادي للمجتمع وأن يكون للدولة دور فاعل وأن تسخـر كل إمكانياتها لتوفير المـوارد المالية اللازمـة لتحقيق هذا الهدف.وفقا لخطة يتم تحديد أهدافها بدقـة تامة وإعـداد سلم تفضيـلي من الإستثمـارات التي تعطي الأولوية في خطة التنمية مع تتسطير البرامج التنفيذية والالتزام بانجاز الاهداف وفقا لتلك البرامج مع إعداد بدائل تمويل الخطة والموازنة بينها حسب ما يحقق الكفاءة ويحد من التكلفة وييسر اخراج الخطة إلى حيز التنفيـذ في المواعيد المحددة لها .مع خضوع كل ذلك لرقابة ومتابعة شعبية تضمن النزاهة والشفافية في جميع المراحل .
و من أهـم الأسس التي يجب أن تبنى عليـها الدولة سياستـها بصدد تمـويل برامـج التنمية هو تجنب الـوسائل التمويـلية التضخمـية بطبيعتـها والقروض الخارجية والإعتمـاد أساسـا على مدخـرات المجتمع الحقيقية والتي يمكن تعبئة قدر كاف من المدخرات العائلية بوسائل شتي ثم توجيهها للآستثمارات النافعة والمتفقة مع برامج التنمية . ولاتتحقق هذه التعبئة مالم تشعر الأسر التي تقدم مدخراتها بأنها تعود عليها بالمنفعة الأنية والمستقبلية وترفع من مستوى معيشتها وتوفر فرص العمل لأفرادها.وفي نفس الوقت يجب حث الأفـراد على عـدم الإسراف و الإفـراط في الإستهـلاك الكمالي وتنمية الوعي الإدخـاري في برامج التربية والتعليم وبواسطة وسائل الإعلام ،وتدعيـم مؤسسات تجميع المدخرات. ويعتمد استثمـار القطاع العام في تمويـله على مصـادر متعددة من ضمنها:
1- ايرادات الضرائب المباشرة والعمل على زيادتها بالتوسع في المشروعات الانتاجية المكونة للثروات .
2_ ضغـط النفقات العامة بترشيد الانفاق وقصره على ما يتعلق بالتنمية الانسانية وخاصة التعليم والصحة .
3- التموسل بالعجز لتمويل المشروعات الانتاجية في حدود نسبة معقولة من الدخل القومي .
4- فتح رأسمال المشروعات الانتاجية أمام مساهمات المواطنين عن طريق الاكتتابات العامة.
5- قيمة بيع أسهم مملوكة للقطاع العام في مؤسسات انتاجية تم بيعها للمواطنين أو للعاملين فيها.
6- الاستعانة بالإئتمـان المصرفي للمساهمة في تمويل برامج التنمية بالحصول على تسهيـلات إئتمانية من البنوك وحثها على إستثمـار جانب من إحتياطاتها في أسهم وسندات المؤسسات الانتاجية الجديدة مقابل الحصول
على الأرباح المخصصة لها .
7- العمل على زيادة الصادرات لإمكان توجيه حصيلتها من العملات الآجنبية لشراء إحتياجات المشروعات الجديدة من السلع الرأسمالية اللازمة للتنمية الإقتصادية
8- تهيئة الظروف والبيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة للإستثمـار في الدولة .
9- مدخرات القطاع العام: وهي تتمثل في صافي فائض المؤسسات الإقتصـادية التي يمتلكها القطاع العامالناتجة عن بذل الجهود لزيادة الإنتـاج وتحسين نوعـه وخفض تكلفتـه باستخدام التقنيات المناسبة.

والهدف النهائي للسياسات المالية والاقتصادية هو قيام مجتمع إنساني تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتتقارب فيه الدخول وترفرف عليه الرفاهيةو تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة المواطنين في توزيع الدخول و التوزيع الأمثل للدخـل هو الذي يحقق لكل فرد درجة إشباع متساوية من السلع والخدمات التي تشتريها وحدات الدخـل الحدية. ويؤدي الحد من التفاوت في توزيع الدخول بين الأفراد إلى مضاعفة الإشباع الجماعي . و دون المساس بالحوافز إبقاءا على مستوى المنتج الكلي، علما بأن سوء توزيع الدخل يؤدي إلى تضخم حجم المدخرات النقدية لبعض الأفراد لذوي الدخول الكبيرة وميلها إلى الزيادة عن الإدخار الحقيقي للمجتمع، مما يترتب عليه هبوط مستوى الدخل القومي وهكذا حتى يصل المجتمع إلى حالة من الفقر يقل معها حجم الإدخار إلى المستوى الذي يجعله معادلا تماما لحجم الإستثمار. بل يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي الحالي في دولنا علي وجه الخصوص والذي تسيطر عليه أوليغارشيا تسخر اقتصاد البلد لمصالحها الخاصة وتجد دعما من الحكومات خاصة بعد تصفية القطاع العام وبيع المؤسسات الانتاجية والخدمة لرأس المال الأجنبي هو وضع يصنع الفقر ويحافظ على صناعة الفقر ويحرسها ويحميها ، ولا يمكن مكافحة الفقر أو القضاء عليه مالم يتم تغيير هذ الوضع السائد حاليا.
وعموما فإن جميع الإعتبارات الإقتصادية الفنية والإجتماعية الأخلاقية تدعو إلى الحد من التفاوت في توزيع الدخول، ويتطلب الحد الإدني في تطبيق هذه السياسة وضع حد أدنى لدخل الأسرة لايجب أن يهبط دونه
ويراعى في وضع الحد الأدنى للدخول أن يكون كافيا لتوفير مستوى معيشي لائق للمواطن بحيث يتسنى له الحصول على حاجياته الأساسية وزيادة قيمة ناتجة بالتالي . و إذ تمثل دخول العمل (الأجور والمرتبات وما في حكمها) نسبة كبيرة من دخول الأفراد ذوي الدخول المنخفضة فإن ريع الأملاك العقارية تعتبر أهم مصدر للدخل بالنسبة للأفراد ذوي الدخول المرتفعة. من أجل هذا فإن أي خطة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدخول يجب أن تقوم أساسا على الحد من الدخول الناجمة عن ريع الملكيات العقارية وتحويل اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي الي إقتصاد انتاجي،والعمل على زيادة الدخول المكتسبة من العمل.
.
و الأدوات المالية التي يمكن إستخدامها لإعادة توزيع الدخل عديدة تتمثل في الآتي:
1- ترض الضرائب التصاعدية على التركات والهبات وعقود بيع وتأجير العقارات وتجديد حد أقصي لملكية العقارات المنتجة للريع.وهو ما بدأت به الدول التي وضعت خطط لتنمية اقتصادياتها بفرض إصلاح زراعي يتم بموجبه توزيع الأراضي على أسر الفلاحين وتوجيه فائض العمالة في المناطق الفلاحية نحو العمل في التصنيع .و يضطر أصحاب رؤوس الأموال أيضا لاستثمارها في منشآت انتاجية صناعية تسهم في زيادة الثروة القومية والدخل القومي ورفع مستوى معيشة المواطنين بما توفره من فرص عمل ودخول جيده للعاملين وتمويل صناديق الضمان الاجتماعي ..

2- الرفع من أثمان السلع الكمالية بفرض ضرائب غير مباشرة مرتفعة عليها للحد من الإقبال عليها ، وفي نفس الوقت إعفاء السلع الأساسية من تلك الضرائب كلية أو العمل على خفض أسعارها بدعمها عن طريق منح إعانات لبعض فروع النشاط الإنتاجي المتصلة بالإستهـلاك الشعبي لتيسير سبل العيش للفئات محدودة الدخل وتمكينها من توفير مدخرات للآستثمار. . وهي سياسة تسهم في تضييق الهـوة بين الدخول, إذ أنها تعمل على إنخفاض ذوي الدخول المرتفعة ،بقدر ما تعمل على زيادة الدخل الحقيقي لذوي الدخول المنخفضة.

3-. فرض ضرائب تصاعدية على الدخل الفردي مع إعفاء الدخول الصغيرة من أية ضرائب إوهو ما يقلل من مدى التفاوت في توزيع الدخول الصافية وتنقص من قدر تركز الثروات ولا تجعل المال دولة في يد أقلة دون باقي المواطنين .

العوامل التي تؤثر على القيمة الذاتية للنقود :
- عوامل اقتصادية اهمها : معدل التضخم الاقتصادي ، معدل الاداء الاقتصادي ،ومعدل النمو المتحقق في الناتج الاجمالي القومي ،ومستوى التوازن المتحقق.
- عوامل مالية اهمها: معدل الفائدة في النظام الرأسمالي الربوي، واسعار صرف العملة مقابل العملات العالمية ، السياسة المالية والنقدية ومدى كفائتها ، نسبة الدين العام وحجم الاحتياطي الوطني من العملات العالمية وغيرها .
- عامل المضاربة : حيث يلعب عامل المضاربة دورا مهما في تحديد القيمة الذاتية للنقود ، وتتاثر القيمة الذاتية للنقود في المجتمعات الرأسمالية بالدورة الاقتصادية التي يمر بها البلد او الاقتصاد العالمي والتي لا يمكن فصلها عن تأثير المضاربات المالية والتعامل بالربا .

أهداف السياسة الاقتصادية
تهدف السياسات الاقتصادية عادة إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية ، تتمثل في التالي:-
1- العمالة الكاملة أو التوظيف الكامل للموارد اللبشرية.
2- استقرار الأسعارخاصة أسعار المواد الأولية والتجهيزات الصناعية .
3- النمو الاقتصادي بمعدل يزيد عن معدل التزايد السكاني.
4- التوازن الخارجي.



بنوك المعاملات المقبولة في الإسلام:
االبنوك المقبول التعامل معها في الإسلام هي بنك تتجنب التعامل بالربا وتنحصر مواردها في الودائع الجارية و الودائع الاستثمارية .و توظف الودائع الاستثمارية في الاستخدامات التالية:
1.المشاركة: تشترك البنوك الإسلامية في إنشاء و إدارة الشركات و بخاصة الشركات المساهمة, وغالبا ما تخشي البنوك الإسلامية هذا النوع من الأنشطة نظرا لضعف الخبرات الفنية في المجالات الزراعية والصناعية و التجارية.
2.المرابحة: و هي شراء البنك لنوعيات من السلع و بيعها بسعر يتضمن ربحية لبنك. و يشترط الفقهاء هنا ملكية البنك للسلع. حيث لا يحل لبائع أن يبيع سلعة لم تنتقل ملكيتها وحيازتها له.
3.المضاربة: هي عقد مشاركة بين طرفين احدهما بالمال و الأخر بالعمل علي أن يتم تقسيم الربح بنسبة متفق عليها, و يتحمل صاحب المال الخسارة وحده حال تحققها.
4.التوريق : وأكثرها شيوعا هو ما يعرف باسم الصكوك. وتنص على وجوب أن يكون الدخل في شكل أرباح تتحقق من عمل يتم فيه اقتسام المخاطر وليس في شكل عائد مضمون. و هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة/أوامر الشراء) والمشاركة/المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق.
والإجارة ترتبط في العادة بمشاريع التأجير (غالبا للمعدات أو العقارات). وبموجب هذا الترتيب، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع.
وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني.


أنواع الملكية في الاسلام :
تتعدد أشكال الملكية في الإسلام وقد عرف تاريخ المسلمين ثلاثة أنواع من الملكية هي :
أولا : الملكيَّة الفرديَّة (الخاصة).
هي: الملكية التي تكون لصاحبٍ خاص، فرداً كان أم متعدِّداً، له الاستئثار بمنافعها والتصرُّف في محلِّها، ما لم توجد ضرورة وحالة استثنائية، وسواء كان هذا الملك متميزاً أم مشتركًا.
لقد أقرَّ الإسلامُ الملكية الفردية للمال بوسائل التملك المشروعة، قال تعالى:" للرِّجالِ نصيبٌ ممَّا اكتسَبُوا وللنِّساء ِنصيبٌ ممّا اكْتَسَبْنَ ". وقال سبحانه:" وآتُوا اليتامَى أمْوالَهُم ولا تتَبَدَّلوا الخبيثَ بالطيِّبِ ولا تأكُلُوا أموالَهُم إلى أمْوالِكُمْ ". وقال عليه الصلاة والسلام:" مَن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ".
حماية المِلْكيَّة الفردية: والملكية المشروعة مصونة لا يجوز الاعتداء عليها. قال الله تعالى:" ولا تأكلُوا أموالَكُمْ بينكم بالبَاطِلِ" . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ٌكحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
قرَّر الإسلام جملةً من العقوبات الدنيوية والأخروية لأنواع من الاعتداءات على الملكية، فقال تعالى:" والسَّارقُ والسارقةُ فاقطعُوا أيْدِيَهُمَا جزاءً بما كسَبَا نكالاً من اللهِ والله ُعزيزٌ حكيمٌ "، وقال عليه الصلاة والسلام:" من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقَه الله ُيومَ القيامة إيَّاه سبعَ أرَضِين".
للمسلم أن يدافع عن ملكيته عند الاعتداءات، وإذا قتل عندئذٍ فهو شهيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قُتِل دون ماله فهو شهيد".
طرق التملك الفردي:
1- الصيد: كصيد السمك و اللآلىء والمرجان والإسفنج ، وهي موارد ضخمة من موارد الدولة والأفراد.
2- إحياء الموات: من الأرض التي لا مالك لها بأية وسيلة من وسائل الإحياء؛ ولا بد من أن يقوم الفرد بإحيائها، وإلا سقط حق ملكيته لها؛ قال عليه الصلاة والسلام:" مَنْ أحْيَا أرضاً مَيْتَةً فهي لهُ".
3- استخراج ما في باطن الأرض من المعادن (الرِّكاز): وهذا العمل يجعل أربعة أخماس ما يستخرج من معدن ملكاً لمن استخرجه، والخمس زكاة.
4- تصنيع المادة الخامة لتفي بحاجة حيوية وتحقق منفعة لم تكن تحققها وهي خامة، أو تحسين وظيفتها بحيث تؤدي منفعة أكبر. وقيمة العمل بأنواعه واضحة في هذه العملية.
5- التجارة: سواء كانت فردية أم جماعية.
6- العمل بأجر للآخرين: والإسلام يحترم هذا العمل ويعظِّمه، ويدعو إلى توفية العامل أجره معجلاً غير منقوص، قال تعالى:" وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرى الله عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنونَ"، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ عَمَلِ يدِه".
حقوق العمال: يحترم الإسلام حق العامل في الأجر فهو يدعو إلى:
أ- الوفاء بالاجر عند انتهاء العمل، وحذر من الجور وعدم الوفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خَصْمُهُم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدرَ, ورجلٌ باع حراً فأكلَ ثمنَهُ, ورجلٌ استأجر أجيراً ثم استوفى منه ولم يُعْطِه أجْرَه ".
ب- التعجيل بأداء الأجر، فلا يكفي أداؤه كاملا، بل لا بد من أدائه عاجلاً، قال عليه الصلاة والسلام:" أَعْطُوا الأجيرَ أجْرَه قبل أنْ يجفَّ عَرَقُهُ".
واجبات العمال: الاتقان في العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته"، وقال:" إنّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقنَه"، فكلُّ حق يقابله واجب في الإسلام.
7- التملك بحكم الشرع: من غير جهد، وذلك: عن طريق الإرث، حيث تنتقل ملكية المال من الميت إلى أقاربه من الورثة، وعن طريق النفقة على من تجب لهم النفقة. وفي هذا نوع من التكافل الاجتماعي وتوازن بين الحقوق و الواجبات.
طرق غير مشروعة للتملك: مثل السَّلْب، والنَّهْب، والغَصْب، والسَّرقة، والمقامرة، و وَضْع اليد لا تسبِّب ملكاً.قال الله تعالى:" إِنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصَابُ و الأزْلاَمُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
المال الذي يأتي عن طريق الحرام فهو محرم؛ لأن القمار ليس عملاً، إنما هو ابتزاز، فوق ما يقع من العداوة والبغضاء بين المتقامرين، مما يتنافى مع الإسلام في بثِّ روح المودة والتعاون والإخاء، قال تعالى:" إِنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بينَكُمُ العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ".
ضوابط تنمية الملكية:
1- تحريم الغشَّ في المعاملة: قال عليه الصلاة والسلام:" من غشَّ فليس مني". وقال:" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا, فإن صدقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعِهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
فيحرم الغش في البيع والشراء، والربح الذي يأتي من الغش يكون حراماً، والتصدق به لا يقبل عند الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يَكْسِبُ عبدٌ مالاً حراماً فيتصدَّق منه فيُقْبَل منه، ولا ينفق منه فَيُبَارَك له فيه، ولا يتركه خلْفه إلا كان زَادَهُ إلى النار، إنَّ الله لا يمحو السّيِّئَ بالسَّيئ، ولكنْ يمحُو السَّيئَ بالحسنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحُو الخبيثَ “، وقال: “إنَّه لا يَرْبُو لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلا كانتِ النَّار أَوْلَى به".
2- تحريم احتكار أقوات الناس وضرورياتهم: فالاحتكار ليس وسيلة مشروعة من وسائل الكسب وتنمية المال، قال عليه السلام:" مَنِ احْتَكَرَ فهو خَاطِئٌ ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد بَرِئَ من اللهِ وبَرِئ اللهُ منه".
3- تحريم الرِّبا: قال الله تعالى:" يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا الرِّبَا أضْعَافَاً مُضَاعَفَةً واتَّقُوا الله لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
عقوبة التعامل بالرباء:
1- قال تعالى:" الَّذين يأكلونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلا كما يقومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطانُ من المَسِّ؛ ذلك بأنَّهم قالوا إنَّما البيعُ مثلُ الرِّبا، وأحلَّ الله البيعَ وحرَّمَ الرِّبا، فَمَنْ جاءَه موعظةٌ من ربِّه فانتهى فلهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى الله ومَنْ عادَ فأولئكَ أصحَابُ النَّار هم فيها خَالِدُونَ"
2- وقال سبحانه:" يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إنْ كُنتُمْ مُؤمِنينَ فإنْ لم تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بحربٍ مِنَ الله ورسولِهِ، وإنْ تُبْتُمْ فَلَكُم رؤوسُ أمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ ".
3- قال عليه الصلاة والسلام:" لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُوكِلَه وكاتبَه وشاهدَيْه، وقال: هم سواء".

ثانيا : المِلْكِيَّة ُالعامَّـة:
وهي: ما كانت لمجموع أفراد الأمة، أو الناس جميعاً، أو ما كانت لجماعة من الجماعات التي تتكون منها الأمة بوصف أنها جماعة؛ كالأنهار والطرق، والمرافق العامة ونحو ذلك. قال عليه السلام:" المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار ". وفي رواية:" الملح".

صور الملكية العامة أو الجماعية:
1- ملكية المرافق العامة: وهي الأموال ذات النفع العام، التي تمنع طبيعتُها من أن تقع تحت التملك الفرديِّ: كالأنهار القديمة والشوارع والطرقات والأراضي، فهي ملكية عامة، ينتفع المسلمون بها.
2- المساجد: إذْ جعلها الله تعالى له.
3- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس
4- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس.
ثالثا: ملكية الدولة (القطاع العام).
ووضع على كل نوعٍ منها حدودًا وقيوداً تمنع الضرر، وتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وعندئذٍ تحقق الملكيَّة وظيفةً اجتماعية شرعيَّة يؤديها المالك.
كتسب الدولة مِلْكَهَا من: الاغتنام بأنواعه، والشراء ونحوه، ومن التركات التي لا وارث لها، و الزَّكَوَات،والعُشُور،والضَّوائِع التي لا يُعرف صاحبُها،والرِّكاز، والجِزْيَة.
دور الدولةِ في المجالِ الاقتصاديِّ:
أولاً: جِبَايةُ الأموالِ العامَّةِ وإدارتُهَا :
المراد بالجباية: الجمع والتحصيل.
تقوم الدولة بمهام كثيرة، وهذه الأعمال والمهام تحتاج إلى من يقوم بها، ولا يتسنى لها ذلك إلا بالمال وجبايته.
موارد الأموال التي تجبيها الدولة: المال النقدي، والأموال العينية: وهي الزكاة وخمس الغنائم، وما يؤخذ من الرِّكاز والمعادن، والفيء، والجزية، والخراج، والعشور، وتركة من لا وارث له، واللُّقَطات التي لا يعرف صاحبها ونحو ذلك.
الدولة هي التي تقوم جباية هذه الأموال وهي التي تدير هذه الأموال التي هي ملك الشعب كلِّه دون تخصيص، وتشرف عليها وتحفظها، وتنمِّيها وتستثمرها لمصلحة المجتمع كله، وتوزعها وفقاً لأحكام الشريعة.
وضع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ضوابط الجباية والإنفاق، فقال: إني لا أجد هذا المالَ يُصْلِحُه إلا خلالٌ ثلاث: أن يُؤخذ بالحقِّ , ويُعطى في الحق , ويُمْنَع من الباطل. وإنما أنا ومالكم كوليِّ اليتيم.

رابعا : الملكية الاجتماعية: وهي ملكية تعود إلي أفراد المجتمع وقد عرفتها بعض المجتمعات المسلمة فيما يمكن اعتباره شكلا بدائيا لها يتمثل في امتلاك قبيلة أرضا مخصصة لها تزرعها زراعة جماعية وتوزع ناتجها على الأسر المشاركة في العمل والملكية . وقد أخذت الملكية الاجتماعية أشكالا في العصر الحديث بأوربا بظهور الشركات المساهمة وانتقلت من أوربا لباقي أنحاء العالم . وتعتبر الشركات التي يمتلكها أتحاد العمال في إسرائيل”الهستدروت “ شكلا من أشكال الملكية الاجتماعية وكذلك ما كان يعرف بالمزارع الجماعية التي كانت منتشرة في الاتحاد السوفييتي السابق وانتقلت منه إلى اسرائيل ومازالت قائمة بها. وهذه ملكيات تعود الي عدد محدود من أفراد المجتمع ولكن يمكن أيضا إقامة ملكيات اجتماعية يشارك فيها جميع أسر المجتمع في منطقة سكنية أو جعرافية على هيئة شركة مساهمة لكل أسرة فيها أسهما حسبما يسمح لها دخلها ومواردها المالية.
وهذه الملكية الاحتماعية الأخيرة التي تجسد وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله هي أقرب الملكيات الي روح الإسلام وقيمه ومقاصده ولو أنها غير قائمة بعد.

الانتفاع بالمال شرعا:
قد يتم الانتفاع بالمال على النحو التالي :
1- باستغلاله واستثماره في مشروعات انتاجية، كما هو الحال في االزراعة والصناعة والتعدين أو في مشروعات عامة أو خاصة خدمية مثل المياه والطاقة والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها
2- بانفاقه فيما هو استهلاكي مثل الطعام والشراب والسكن والملبس والتداوي والطاقة والزينة وغيرها.
3- التصرف في المال تصرفاً شرعياً على نحو الهبة والوصية أو القرض الحسن .
قال سبحانه وتعالى:" يا أيُّها الذين آمنُوا كُلُوا من طيِّبَاتِ ما رَزَقْناكُمْ ". وقال:" قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ اللهِ التي أخْرجَ لعبادِه والطيِّباتِ من الرِّزقِ". وقال:" كلُوا ممّا رزقَكُمُ اللهُ حلالاً طيِّباً ".

قيود حقِّ الانتفاع:
ينتفع الإنسان بمال الله تعالى في حدود حاجتهم دون إسراف أو تقتير, بل باعتدال في الإنفاق على النفس والأهل الذين ينفق عليهم؛ قال تعالى:" كلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا"، وقال سبحانه:" والذين إذا أنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا ولم يَقْتُرُوا وكانَ بين ذلك قَوَامًا ". وأن يكون عادلا في انفاقه على من هم تحت ولايته .
ولذا فإن حرية التصرف في المال محكومة بالضوابط الشرعية التالية:
1- أن يكون في حدود ما شرعه الله تعالى في أمور الكسب والإنفاق والاستثمار وسائر التصرفات الشرعية.
2- أداء الحقوق المتعلقة بالمال الذي جعله الله تعالى أمانة في يد المسلمين ، كالزكاة والصدقات التطوعية والنفقات الواجبة شرعا لمستحقيها ممن هم في ولاية صاحب المال أو من أهله وذوي رحمه ،وغيرها من الحقوق بما في ذلك سداد الديون .

استراتيجية التنمية
تعتمد معايير الجدوى الاقتصادية عند اختيار المستثمرين في تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية على عوامل عديدة ، اهم تلك العوامل هو توقع حجم الطلب المحلي والخارجي لمنتجات المشاريع المراد تنفيذها ( السلعية والخدمية ) فغاية الانتاج هة تلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات ا او خلق طلب لسلعة جديدة او اضافة منفعة لسلعة او خدمة قديمة الذي يرتكز على حاجة الافراد للمنفعة الخاصة بتلك السلعة او الخدمة ، فالحاجة بهذه الحالة تعتبر اهم العوامل المؤثرة في تحديد الطلب .، فتوقع حجم الطلب يمثل المؤشر والمعيار الاساسي في تأسيس او توسيع المشاريع الاقتصادية القديمة .

يختلف مفهوم الحاجة في الفكر الراسمالي عنه في الفكر الاسلامي والاشتراكي ، فالابعاد الفلسفية للحاجة في النظام الراسمالي تعتمد على معايير الربحية والمنفعة المادية المرتكزة على نظرية علم النفس النفعي التي تجعل
المنفعة اساسا لتوفير اكبر قسط من السعادة ويقول بهذا الصدد " جيفنيز " ان جميع سلوكيات الانسان مؤطرة ومرتكزة على مبدأ استقصاء فائض اللذة التي تقوده لتملك السلع مقابل الجهد المبذول للحصول عليها ، فعليه فان علم الاقتصاد هو حساب اللذة والالم ، و لخصها " ادم سمث " بالسعي لتحقيق اكبر مقدار ممكن من الثروة ، واشار " ريكاردو " الى ان المصلحة الخاصة تقود جميع المضاربات في التجارة .لذلك فان محددات الحاجة واسعة طالما هي تحقق الغايات المذكورة .

استنادا لذلك نجد في السوق عدد هائل من السلع والخدمات مطروحة للبيع لتلبية حاجات غير ذات قيمة نفعية او انها تتعارض مع الجانب الاخلاقي .لذا فان اصحاب الاموال والمؤسسات الممولة للاستثمار وفق النظام الربوي يعتمدوا في بناء استراتيجية التنمية في ظل النظام الراسمالي على اسس غير منطقية تعتمد على سلوكيات المستثمرين الربوية وعلى رغبات مادية لمجموع من الافراد يملكون المقدرة الشرائية ، استنادا لذلك يحصل تبذير كبير في الطاقات المادية والمعنوية للمجتمع لان اسس التنمية وضعت على هذا الاساس ، وهناك امثلة كثيرة لمشاريع تنتج سلع وخدمات توضح هذه الحالة .

ومفهوم الحاجة في الشريعة الاسلامية فهي مخصصة للاهداف السامية وهي خالية من المفاسد المتعددة في الاستثمار ، لذلك فان الاموال المزكاة تتجه للاستثمار في مجالات تحقق الغايات السامية للانسان وتنفذ مبدأ استخلاف الانسان في الارض المبنية على فكرة عمارة الارض على اسس حددتها الشريعة الاسلامية ضمن محددات واضحة ، بموجبها يتحقق الاستثمار الامثل والاعدل لطاقات المجتمع المتاحة المادية والمعنوية .وينطم مبدأ الإستخلاف في المال علاقة الإنسان بالمال ووما يستتبعها من حب التملك واستثمار التروات واقتسام الخيرات المشتركة بين بني البشر.فالمال مال الله وهو أمانه أو وديعة لدي مالكه يستفيد به مع التقيد تطبيق أحكامالله وأنفاقه فيما أحله وأمر مبه والإبتعاد عما حرمه ونيه عنه وقد أوكل الإنسان بموجب ما يمكنه اعتباره عقد استخلاف بين الله وعباده تعمير الأرض بالعمل الصالح المتقن والذي يعد إلى جانب ما يعود به نفع مباشر على صاحيه بمثابة ضرب من ضروب العبادة التي يؤجر عليها في الدنيا والآخرة.
و يعتبر المال ضروريا لتنظيم شؤون الحياة وقوامها كما أنه يعتبر زينة الحياة الدنيا لما يحققه الفرد والجماعةمن منافع .لذلك نظم الاسلام طرق كسبه واستثماره و تدبيره واستهلاكه.
ويحذر الإسلام في نفس الوقت من فتنة المال ويربطه به الطغيان وحب السيطرة والإمتلاك وهو ما يتطلب تهذيب غريزة التملك حتي لا ينجم عنها أية مشاكل في المجتمع المسلم. ولذا يعمل الإسلام على حل التناقض بين الدوافع الذاتية والمصالح الإجتماعية في إطار الدين دون تجاهل أي منها وويسعي إلى التوفيق بينهما .الإسلام يهذب غريزة التملك ويطورها ولا يلغيها ويتجاوزها كما يوظفها في خدمة الإنسان والمجتمع ومرضاة الله والفوز بالآخرة .ويتبع الإسلام في ذلك مايلي:
تنظيم السلوك البشري وتحرره من الإنصياع لفتنة المال. مقاومة نزعات التملك والتملك والهيمنة وضرورة الكدح للحصول على المال ومحاربة ميل النفس في الإنشداد إلى الإمتلاك الجائر والإفتتان به .
يقول الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِـينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً * يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً * وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
ويقول الله سبحانه و تعالى أيضا في بيان جزاء العمل الصالح:: "تَرَى الظَّالِمِيـنَ مُشْفِقِيـنَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِـعٌ بِهِـمْ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ». (الحج:22-42) وتتعدد الآيات في هذاالشأن في كتاب الله الكريم. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالي: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ».(النساء:173 ). فجزاء الإيمان والعمل الصالح في هذه الآية في الدنيا والآخرة من أجر وزيادة فضل وما أعظمه. وأيضا في قوله تعالي : “ وَلَوْ أَنَّ أَهْـلَ الْقُرَى آمَنُـواْ وَاتَّقَـواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»( الأعراف:69)ومثيل لها قوله تعالي: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً "(الطلاق:4)أي يجد أموره ميسرة وقوله :" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى "(طه123)وفوله :" مَـنْ عَمِلَ صَـالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَـنَّهُ حَيَـاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (النحل97). فمعايير الزرق الطيب هنا تترتبط بالصلاح والتقوي.
ولا يمنع ذلك أن تكون ربحية المشروع الاقتصادي بمثابة معيار يقاس نجاحه على مستوى الاستثمار لتحفيز المدخرين على استثمار أموالهم في تنمية اقتصاديات بلادهم. واعتماده هنا يحقق مصالح مرسلة ومنافع للناس.

ونستخلص مما سبق أن مبدأ الإستخلاف في الأرض يقوم من منظور الشريعة على التصرف في الثروات وفق منهج إلاهي قائم على مبدأ الكفاية وتوزيعا بالعدل والقسطاس وجعل الملكية الفردية في خدمة المجتمع ومحققة لمبدأ التكافل الإجتماعي بما يكفل سد حاجة جميع أفراد الأمة وسد الباب أمام التفاوت في الدخل واحتكار الثروة من قبل ألية يكون المال دولة بينها ويحرم منه غالبية الشعب .

مقاصد التنمية الاقتصادية في الإسلام:

يرى العلامة الطاهر بن عاشور أن للإسلام مقاصد خمسة في الأموال؛ هي: رواجها ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها
[7 ]. بينما يضيف إليها بعض الباحثين مقصدا سادسا وهو التكسب والاستثمار. ونتناول هذه المقاصد بشيء من التفصيل
فيما يلي:

1. مقصد التداول والرواج: ويراد بهذا المقصد تداول ورواج الأموال بين عامة الناس، وألا يكون ذلك قاصرا على الأغنياء
فقط أو على فئة معينة من المجتمع دون الفئات والشرائح الأخرى، ويكون ذلك في مجالات الاستثمار والاستهلاك، ومن هنا شرعت
العقود والبيوع والشركات في الفقه الإسلامي ونظمت معاملاتها، لتيسير وتسهيل حركة الأموال بين الناس.

2. مقصد التكسب والاستثمار. ويراد بهذا المقصد ما أوجبه الإسلام على الأفراد من السعي للكسب، واستثمار الأموال، فلا
يعطل المال ولا يكتنز ولكن يدفع به لدوائر الأعمال لينمو ويعم خيره على المجتمع؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتْ
الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة: آية 10) وهذا دليل وجوب
السعي للرزق والكسب، ويقول عز وجل محذرا من اكتناز المال: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: آية 34).

3. مقصد الوضوح: والمراد بهذا المقصد هو شفافية المعاملات والتصرفات المالية من حيث تدوينها وتوثيقها والإشهاد عليها،
وذلك دفعا للضرر والغرر والغش والتدليس، وإن كانت آية الدين هي الأشهر في هذا المجال، فإن كتابة جميع المعاملات
والتصرفات المالية معمول به من باب حفظ وبيان الحقوق. ومما يؤسف له أن الشفافية للمعاملات المالية في البلدان الإسلامية
محل شك وريبة، وينعكس ذلك من خلال ترتيب البلدان الإسلامية على مؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حيث
تحتل البلدان الإسلامية مراتب متدنية أو في أحسن الأحوال في منتصف التقويم.

4. مقصد الثبات: ويعنى بهذا المقصد الاختصاص وحرية التصرف في الملكيات والأموال الخاصة وعدم انتزاعها بغير رضا
مالكها بالطرق المشروعة من بيع أو هبة أو تبرع، وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل أيّا كانت صورته، ويقول الحق تبارك
وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً" (النساء: آية 29).

5. مقصد العدل: والعدل المراد في هذا المقصد، جعل المال في نصابه الذي جعل من أجله فلا يستثمر ولا ينفق في حرام،
وإنما في قنوات أمر بها الله عز وجل، تعود بالنفع على صاحبها وعلى من حوله من أفراد مجتمعه.

أنواع التنمية :
يستخلص مما كتبه عبد الحافظ الصاوي أنر تعريف التنمية مر بعدة مراحل بدءًا من النمو الاقتصادي، ثم التنمية الاقتصادية، ثم التنمية البشرية، ثم التنمية الشاملة، وكان آخر ما تعارفت عليه الأدبيات الاقتصادية، التنمية المستدامة والتي عرفت بدورها هي الأخرى تعريفات مختلفة منها:

"تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون مساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم". أو "التنمية التي تأخذ في
اعتبارها التوازنات البيئية الطبيعية وذلك حفاظا على الموارد من التدهور والاستنزاف وضمانا لاستدامة التنمية".
والتنمية الاقتصادية في الإسلام تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال نظرية خلافة الإنسان لله عز وجل في هذا الكون، وأن الإنسان مكلف بحكم هذه الخلافة بعمارة الأرض، وأن الإنسان يتحمل هذا التكليف إلى قيام الساعة.فالتنمية بالمفهوم الإسلامي ليست فرضا على جيل دون آخر، ولكنها عملية متصلة لا تتوقف، بحيث تكفل للمجتمع الاستقرار في ظل ظروف أفضل للحياة الإنسانية، مهما يعترض المجتمع من مشكلات وعقبات، والتواصل بهذا المعنى يحقق التكافل بين الأجيال من خلال المحافظة على الموارد واستثمارها بالقدر الذي يحفظ حق الأجيال القادمة. ومن هنا فإن خصائص التنمية التي يتوخاها الاقتصاد القائمم على أساس القيم الاسلامية تتمثل في عدة أمور هي:

1- الإنسان أساس التنمية.
إن محور التنمية هو الإنسان الذي يتحرك ويعمل وينتج ويتحمل ويبذل. والذي تؤكده كل الحقائق
والتجارب أن أي إستراتيجية تنموية في أي اقتصاد لا تحقق النجاح، ولا تصل خططها إلى أهدافها وغاياتها،إلا باحترام الإنسان واحترام حريته وتوفير الضمانات له، ومنحه الثقة الكاملة، ومشاركته في المسئولية مشاركة فعالة. ويتميز الإسلام بأنه لا يجعل المادة مطلوبة لذاتها ولكن لفلاح الإنسانية وتعمير الأرض.
وثمة ملحظ هام يتعلق بأداء السياسات التنموية والاقتصادية، في بلداننا العربية والإسلامية، وهو غياب مشاركة الأفراد في صنع وتنفيذ هذه السياسات، فالعادة أن الحكومات تشرع في تنفيذ ما تراه من سياسات، سواء كانت من بنات أفكارها، أو من وحي المؤسسات الدولية، فيغيب عنها إيمان الأفراد بجدوى هذه السياسات. فإذا ما تمت مشاركة الأفراد في صنع هذه السياسات عبر مؤسسات المجتمع الأهلي، والمؤسسات الفنية المعنية، وجعل قضية التنمية، قضية جمعية تعبر عن طموحات وتطلعات المجتمع،
فبلا شك، لن يكون هناك سياسة اقتصادية تؤتي مردودًا ثقافيا وسلوكيا سلبيا ينتهي بتبني منهجية العنف من أجل التغيير.

2-مراعاة احتياجات الفرد المادية والروحية، فبعض المذاهب الأخرى صرفت الإنسان عن المال والاقتصاد باعتباره عرض الحياة الدنيا، والبعض الآخر جعل من المال كل شيء، لتكون النظرة للحياة والكون وطبيعة العلاقة بين الناس على أسس مادية بحتة فجاء الإسلام ليحدث هذا التوازن بين الدنيا والآخرة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ( القصص : 77 ) واعتبر من مسألة الملكية صورًا متعددة تفي باحتياجات المجتمع وجعل من المال والملكية وظيفة اجتماعية.

3- مراعاة الموارد المتاحة والمحتملة، في ضوء احتياجات المجتمع الحالي، ووضع خطط للحفاظ على حق الأجيال القادمة من هذه الموارد. ويتطلب ذلك حصرا لموارد المجتمع وإمكاناته، وإعداد موازنات بين بدائلها وبدائل بعضها بعضا، ولعل أفضل مثال في هذا المجال المياه والطاقة.

ولعل موضوع تخصيص الموارد لصيق الصلة بهذا المحور، حيث يكون تخصيص الموارد بين العام والخاص بما يحقق مصلحة المجتمع ولا يعطل طاقته، فالأصل أن يقوم القطاع الخاص بتلبية احتياجات المجتمع ويساعد على ذلك بتخصيص ما يلزمه من موارد، إلا أن تكون هناك دواع تستلزم تدخل الدولة مثل عجز القطاع الخاص عن تلبية احتياجات المجتمع، أو أن تكون هناك حاجات للفقراء لا يلتفت إليها القطاع الخاص فتقوم الدولة بتلبية احتياجاتهم، أو أن تكون هناك دواع يتطلبها الأمن القومي.

أخذ البعد المكاني للتنمية في الاعتبار، فلا تفضل المدن على القرى والريف، ولكن الجميع سوء فالإنسان في القرى والريف له نفس حقوق الإنسان في المدن والحضر من توفير المياه النقية الصالحة للشرب، واستخدام الصرف الصحي الآمن، والطرق المعبدة،
والتعليم المناسب. ورضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب الذي أثر عنه: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر".

الاعتماد على الذات، لابد أن ينصرف كل مجتمع بالدرجة الأولى إلى إشباع احتياجات أفراده من خلال موارده المتاحة وحسن توظيفها، ومن هنا تحدث فقهاؤنا عن فروض العين وفروض الكفاية في واجبات الأفراد من أصحاب المهن والتخصصات المختلفة تجاه احتياجات المجتمع، وفي هذا الأمر توظيف لكل إمكانات المجتمع وعدم تهميش قطاع أو أفراد، أو الاهتمام بحاجات فئة دون أخرى. فإن عجزت بالمجتمع الوسائل المحلية في تلبية احتياجاته خرج إلى مجتمعات أخرى في إطار من التعاون وتبادل المنافع. ويجب ألا يفهم أن هناك صراعا أو تضادا بين المجتمعات وبعضها بعضا أو هي دعوة للانغلاق على الذات، فهناك العديد من المبررات التي تدعو إلى التعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وغيرها مع الآخر،ومنها:
1. إن قصر التعاملات بين فئة معينة من الناس، وعدم انفتاحهم على غيرهم، تجعل مقدم الخدمة أو السلعة، في هذا المجتمع، كبر أو صغر، في وضع احتكاري. وتوفر له نوعا من الحماية من منافسة الآخرين، حتى لو كانوا أجود منه في الصنعة أو تقديم السلع والخدمات. وهذا الوضع يقتل في نفس المحتكر روح الإبداع والتطوير، ويبدد موارد المجتمع لصالح فئة معينة، ومن المعروف أن تبديد الموارد سمة من سمات التخلف في الاقتصاديات الدولية.
2. المسلمون مدعوون للمساهمة في حضارة العصر، وألا يكونوا مستوعبين من قبل هذه الحضارة، فهي تصوغ حاجاتهم وتحدد وسائل إشباع تلك الحاجات، ولكن الانفتاح على الآخر يجعل من المسلمين كأفراد وشعوب ومجتمعات، في وضع لإثبات الذات، والمشاركة الفعلية لا الحضور والمشاهدة.
3. إن الانفتاح على الآخر لا يتعارض مع الوحدة الإسلامية، بل هو دافع لها؛ إذ يجعل الانفتاح على الآخر من معايير المنافسة، دعوة للمجتمعات الإسلامية إلى إحداث تكامل بين مواردها المالية والمادية والبشرية، مما يقوي من موقفها التنافسي في الساحة الاقتصادية الدولية.
4. أن التجربة أثبتت أن سياسة الاكتفاء الذاتي غير ممكنة، وأن تكامل المجتمعات مع بعضها البعض هو الوضع الطبيعي، كما قلنا من قبل، في إطار نظرية المدافعة، ولكن هذا لا يعني أو ينفي سياسة الاعتماد على الذات، وبينهما فرق كبير. فالاعتماد على الذات فيه شحذ للهمم وتوظيف للطاقات، ولا يمنع من الاستفادة بإمكانيات الآخرين والانفتاح عليهم والتواصل معهم.
5- الانفاق في حدود القوامة أي ما يقوم به معاش الناس من أهم خصائص التنميةفي الإسلام فيما يتعلق بالاستهلاك، ففي الوقت الذي لا يحرم فيه الإنسان من استهلاك الطيبات فإنه مأمور بعدم الإسراف والتبذير، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً". (الإسراء: آية 29) ويقول أيضا: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء: 26 و27)
ويمكن أن نستخلص مما سبق أيضا أن جوهر التنميةفي النظام الإسلامي هو تنمية الإنسان نفسه، وليس مجرد تنمية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع حاجاته، فهي تنمية أخلاقية تهدف إلى تكوين الإنسان السوي الذي يشكل نواة مجتمع المتقين، والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق الخلافة في الأرض، التي سيحاسب عليها أمام المولى عز وجل.
ولذلك فإن عمارة الأرض ـ أي التنمية بالمصطلح الحــديث ـ ليست عملاً دنيويًا محضًا، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل. ولا يتعارض الجانب التقليدي في التنمية، وعمارة الأرض مع تحقيق الرفاهية المادية للمجتمع الإسـلامي. وعلى ذلك لا تنصرف جـهود التنمية في الإسلام إلى مجــرد تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع أو توفير حد الكفاف أو إشباع حاجاتهم الأساسية فقط ـ كما تهدف النظم الإنمائية المعاصرة ـ وإنما تنشد أساسًا تحقيق الكفاية المعيشية لكل فرد من أفراد المجتمع، على النحو الذي يخرجهم من دائرة الفقر إلى حد الغنى.
والتنمية الاقتصادية تؤدي إلى بلوغ الحياة الكريمة التي أمر الله الناس أن يبتغوها في الدنيا ووعد عباده المؤمنين بأفضل منها في الآخرة.
ومن هذه النظرة الشمولية، المتعددة الجوانب والأبعاد للإسلام تجاه قضية التنمية، نجد أن الإسلام قد ركز على ثلاثة مبادئ مهمة، من المبادئ الحركية للحياة الاجتماعية، وهي:
ـ الاستخدام الأمثل للموارد والبيئة والطبيعة التي وهبها الله تعالى للإنسان وسخرها له.
ـ الالتزام بأولويات تنمية الإنتاج، والتي تقوم على توفير الاحتياجات الضرورية الدينية، والمعيشية، لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تقتير، قبل توجيه الموارد لإنتاج غيرها من
السلع.
ـ إن تنمية ثروة المجتمع وسيلة لتحقيق طاعة الله، ورفاهية المجتمع وعدالة التوزيع بين أفراد المجتمع. ومن هنا يتبين الربط المباشر لعملية التنمية بالعبادة، والمستمد من قوله
تعالى{هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61]. إذا ما ربط ذلك بالهدف النهائي لهذه النشأة والاستعمار، والمتجسد في قوله تعالى{وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون}[الذاريات:56].
ونخلص من ذلك إلى القول أن مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام، مفهوم شامل نواحي التعمير في الحياة كافة، تبدأ بتنمية الإنسان ذاتيًا، وذلك بتربيته دينيًا وبدنيًا وروحيًا وخلقيًا،
ليقوم بالدور المنوط به إسلاميًا، ومن خلال ذلك تنشأ عملية تعمير الأرض، الموضع الذي يعيش فيه الإنسان اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا ... إلخ، لتتحقق له الحياة الطيبة التي
ينشدها، ويستطيع في ضوئها أن يحقق الغاية العظمى، وهي إفراد العبادة لله وتحسينها.
كما أن التنمية الإسلامية، هي تنمية شاملة، لأنها تتضمن جميع الاحتياجات البشرية من مأكل وملبس، ومسكن، ونقل، وتعليم، وتطبيب، وترفيه، وحق العمل، وحرية التعبير، وممارسة
الشعائر الدينية... إلخ، بحيث لا تقتصر على إشباع بعض الضروريات، أو الحاجات دون الأخرى.
ولذلك فقد ارتبط مفهوم التنمية في الإسلام بالقيم والأخلاق الفاضلة، وأصبح تحقيق التنمية مطلبًا جماعيًا وفرديًا وحكوميًا، يسهم فيه كل فرد من أفراد المجتمع.

الإعلان العالمي الخاص بالحق في التنمية :
جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 ديسمبر 1986 ما يلي:
إن الجمعية العامة، إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتصلة بتحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني وفى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وإذ تسلم بأن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها،وإذ ترى أنه يحق لكل فرد، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما،
وإذ تشير إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،وإذ تشير كذلك إلى ما يتصل بذلك من الاتفاقات والاتفاقيات والقرارات والتوصيات والصكوك الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فيما يتعلق بالتنمية المتكاملة
للإنسان وتقدم وتنمية جميع الشعوب اقتصاديا واجتماعيا، بما في ذلك الصكوك المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ومنع التمييز، واحترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحفظ السلم والأمن الدوليين، وزيادة تعزيز العلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا للميثاق،وإذ تشير إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية،وإذ تشير أيضا إلى حق الشعوب في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان،
وإذ تضع في اعتبارها الالتزام الواقع على الدول بموجب الميثاق بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أي نوع كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من الأوضاع،
وإذ ترى أن القضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الاستعمار، والاستعمار الجديد، والفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتهديدات الموجهة ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، والتهديدات بالحرب، من شأنه أن يسهم في إيجاد ظروف مواتية لتنمية جزء كبير من الإنسانية،وإذ يساورها القلق إزاء وجود عقبات خطيرة في طريق تنمية البشر والشعوب وتحقيق ذواتهم تحقيقا تاما، نشأت، في جملة أمور، عن إنكار الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ ترى أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وأنه لا يمكن، وفقا لذلك، أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها إنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية،وإذ ترى أن السلم والأمن الدوليين يشكلان عنصرين أساسيين لإعمال الحق في التنمية،وإذ تؤكد من جديد وجود علاقة وثيقة بين نزع السلاح والتنمية، وأن التقدم في ميدان نزع السلاح سيعزز كثيرا التقدم في ميدان التنمية، وأن الموارد المفرج عنها من خلال تدابير نزع السلاح ينبغي تكريسها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب ولرفاهيتها ولا سيما شعوب البلدان النامية،وإذ تسلم بأن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية ولذلك فانه ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها،وإذ تسلم بأن إيجاد الظروف المواتية لتنمية الشعوب والأفراد هو المسئولية الأولى لدولهم، وإذ تدرك أن الجهود المبذولة على الصعيد الدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ينبغي أن تكون مصحوبة بجهود ترمى إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد،
وإذ تؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء. تصدر إعلان الحق في التنمية، الوارد فيما يلي:

المادة 1 :
1. الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
2. ينطوي حق الإنسان في التنمية أيضا على الإعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير، الذي يشمل، مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ممارسة حقها، غير القابل للتصرف، في ممارسة السيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية.

المادة 2
1. الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه.
2. يتحمل جميع البشر مسؤولية عن التنمية، فرديا وجماعيا، آخذين في الاعتبار ضرورة الاحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، فضلا عن واجباتهم تجاه المجتمع الذي يمكنه وحده أن يكفل تحقيق الإنسان لذاته بحرية وبصورة تامة، ولذلك ينبغي لهم تعزيز وحماية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مناسب للتنمية.
3. من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.

المادة 3
1. تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية.
2. يقتضي إعمال الحق في التنمية الاحترام التام لمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
3. من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية. وينبغي للدول أن تستوفى حقوقها وتؤدى واجباتها على نحو يعزز عملية
إقامة نظام اقتصادي دولى جديد على أساس المساواة في السيادة والترابط والمنفعة المتبادلة والتعاون فيما بين جميع الدول، ويشجع كذلك مراعاة حقوق الإنسان وإعمالها.

المادة 4
1. من واجب الدول أن تتخذ خطوات، فرديا وجماعيا، لوضع سياسات إنمائية دولية ملائمة بغية تيسير إعمال الحق في التنمية إعمالا تاما.
2. من المطلوب القيام بعمل مستمر لتعزيز تنمية البلدان النامية على نحو أسرع. والتعاون الدولي الفعال، كتكملة لجهود البلدان النامية أساسي لتزويد هذه البلدان بالوسائل
والتسهيلات الملائمة لتشجيع تنميتها الشاملة.

المادة 5
تتخذ الدول خطوات حازمة للقضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الفصل العنصري، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والاستعمار، والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتدخل الأجنبي، والتهديدات الأجنبية ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الاقليمية، والتهديدات بالحرب، ورفض الاعتراف بالحق الأساسي للشعوب في تقرير المصير.

المادة 6
1. ينبغي لجميع الدول أن تتعاون بغية تعزيز وتشجيع وتدعيم الاحترام والمراعاة العالميين لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
2. جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام علي قدر المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنظر فيها بصورة عاجلة.
3. ينبغي للدول أن تتخذ خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية.

المادة 7
ينبغي لجميع الدول أن تشجع إقامة وصيانة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل تحقيق نزع السلاح العام الكامل في ظل رقابة دولية فعالة، وكذلك من أجل استخدام الموارد المفرج عنها نتيجة لتدابير نزع السلاح الفعالة لأغراض التنمية الشاملة، ولا سيما تنمية البلدان النامية.

المادة 8
1. ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل. وينبغي اتخاذ تدابير فعالة لضمان قيام المرأة بدور نشط في عملية التنمية. وينبغي إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية.
2. ينبغي للدول أن تشجع المشاركة الشعبية في جميع المجالات بوصفها عاملا هاما في التنمية وفى الإعمال التام لجميع حقوق الإنسان.

المادة 9
1. جميع جوانب الحق في التنمية، المبينة في هذا الإعلان، متلاحمة ومترابطة وينبغي النظر إلى كل واحد منها في إطار الجميع.
2. ليس في هذا الإعلان ما يفسر على أنه يتعارض مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة أو على أنه يعني أن لأي دولة أو مجموعة أو فرد حقا في مزاولة أي نشاط أو في أداء أي عمل يستهدف انتهاك الحقوق المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.

المادة 10
ينبغي اتخاذ خطوات لضمان ممارسة الحق في التنمية ممارسة كاملة وتعزيزه التدريجي، بما في ذلك صياغة واعتماد وتنفيذ تدابير على صعيد السياسات وتدابير تشريعية وتدابير أخرى على الصعيدين ا


التنمية الإنسانية:
مفهوم التنمية الانسانية : يمكن أن نستخلص مما كتبه خبيرا التنمية الإنسانية : د. مهدي عمار ود. نادر الفرجاني ما يلي:
يستهدف مفهوم التنمية البشرية وضع الإنسان في موضع الصادرة ، وبؤرة التركيز في مخططات التنمية للمجتمعات الإنسانية ، وتصحيح الظرةالتقليدية السابقة له والتي كانت تعتبره مجرد مورد أو رأسمال بشرى في التنمية الاقتصادية. والتي كان يقيم نجاحها على أساس معدل حصة الفرد في الناتج القمي وليس مستوى تمتع الفرد ، ذكرا كان أم أنثي بكامل حقوقه وبحريته وكرامته ومشاركته في سياسة وتحديد مستقبل مجتمعه أو أمته. أومدى التحسن في مستوى معيشته أو مستوى معرفته. ولذا فإن التنميةالانسانية تعني توفير الشروط والظروف التي تمكن الإنسان، أي إنسان، من تحقيق إنسانيته. وهو ما يتطلب بدوره الإدراك الكامل لكينونته وصيرورته ، والوفاء باحتياجاته: البيولوجية ، العقلية، الوجدانية ، الاجتماعية ، الثقافية والروحية.

ويمكن تعريف التنمية الانسانية ، بأنها عملية توزيع الخيرات على الناس ، يأخذون ما ينبغي أن يتاح لهم ، وما ينبغي أن تكون عليه أحوالهم ، فضلا عن ناتج عملهم ضمانا لتنامي مستوىمعيشتهم ,
كما يمكن أيشا تحديد مفهومها على أنه المستوي الذي تصل اليه حالة الإنسان في كينونته في فترة زمنية محددة / من حيث فدراته وطاقاتهالإنسانية المتعددة ووالمركبة ومن خلال إشباع إحتياجات البقاء والتطور والتواصل والمشاركة والتحرر والحرية والانتماء والكرامة بتنمية تلك القدرات البشرية وما تستلزمه من حاجات مادية وغير مادية .
إلا أنه يجب ألا تقتصر التنمية الانسانية على حالة الكينونة ، وإنما ينبغي أن تمتد إلى حالة الصيرورة ، وهذا يعني الحرص على استمرار تنمية القدرات الإنسانية إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه ، وهي فدرات لا حدود لها ، ولاسقوف لآفاق نتائجها ، وهذا يستدعي بالضرورة توفير مجالات الإشباع للاحتياجات الإنسانية بصورة متنامية ومستدامة .ويرتبط هذا كله بنمط التنمية المطرد في معدلات نموه وتطوير هياكله البنيوية ، واتخاذ السياسات التي تحقق المزيد من الرخاء للإنسان، وتحسين كفاءته الإنتاجية وسيلة وأداء.
وللتنميةالانسانية جانبان ، أولهما: تشكيل القدرات البشرية وتنميتها من خلال تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارة ,وثانيهما: فيتصل بتوظيف القدرات المكتسبة في الإنتاج في المجالات الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية والسياسية والاستمتاع بوقت فراغه. ولذا تعتبر التنمية الرأسية للموارد البشرية في مقدمة أهداف التنمية ابشرية/الإنسانية ويقصد بتنمية الموارد البشريةرأسيا زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة القادرة على العمل في جميع المجالات، والتي يتم انتقاؤها واختيارها في ضوء ما أُجري من اختبارات مختلفة بغية رفع مستوى كفاءتهم الإنتاجية لأقصى حد ممكن عن طريق التعليم والتثقيف والتأهيل والتدريب المهني والتي لها ارتباط مباشر بالكفاية الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية في العصر الحالي .كما يتسع مفهومها أيضا لتشمل الاحتياجات المرتبطة بكرامة الإنسان ، وحماية حقوقه كحقه في التحرر والحرية وحقه في الحركة والتنقل وحقه في قانون عادل تشريعا وتطبيقا يحتمي يبه وينصفه.وحقوقه الشخصية,

وأدي التوسع في مفهوم التنميةالبشرية الي التفكير في ايجاد رقم قياسي لحريةا لبشر الي جانب الرقم المكون من الدخل الفردي ومعدل الأمل في العمر ونسبة التعليم وسنوات التمدرس.
مجمع الاحتياجات الإنسانية :
يجب الوفاء باحتياجات الانسان كاملة من أجل التنميةالمتكاملة لقدراته وتشمل تلك الاحتيا جات مايلي:
1 -احتياجات النمو البدني:
الغذاء والماء والكساءوالصحة والسكن والأمان الشخسي وحريةالتحرك الجسدي والتريض.
2-احتياجات النمو المعرفي والثقافي وتشمل:
التعلم واكتساب المعرفة والثقافة المشتركة واكتساب المهارات والدرايات ونمو المواهب والقدرات الخاصة والتعلم الذاتي وتنمية الذوق الفني والجمالي وإنتاج المعرفة وتجديدها.
3- احتياجات النمو الاجتماعي وتشمل:
التواصل الاجتماعي من خلال اللغة وإتاحة المعلومات والمشاركة والتأثير في صياغة الحاضر والمستقبل وتأمين العمل المفيد والمجزي وطمأنينة الانسان على نشاطه اليومي وعلى عمله وعلى أسرته حاضرا ومستقبلا .والقدرة على التنقل بين الأماكن التي يريدها,,
4 – احتياجات النمو النفسي ، وتشمل:
السكينة النفسية وأبعاد عوامل الخوف والقلق عنه، والمحبة والتحاب وتقدير الانسان لذاته والاعتراف بقيمته بصرف النظر عن أية عوامل أخرى وتكون لديه جب الاستطلاع والمبادرة والانتماء والوعي بالهوية وأدراك دوره في المجتمع وأهمية علاقته بالآخرين.

وهنا يلزم التذكير بأن مفهوم التنمية الإنسانية يتجاوز مفهوم النمو الاقتصادي و تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".

و التنمية الإنسانية ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.

مقياس التنمية البشرية إلا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانيةالذي يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.

ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب دولة ما على مقياس التنمية البشرية، سواء كان كبيرا أو ضئيلا، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.

يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد. وتشى هذه الصلة بتعثر التنمية ولو على مستوى التنمية البشرية فى المغرب.

و الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته المغرب رغم محدوديته فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو المعترض الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.

والأخطر أن النمو الاقتصادى فى المغرب قد تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية أي اقتصاد الريع.

زيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
وكل الطواهر المشهودة والتقارير المنشورة تدل على استحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى المعرب لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن واحد.
ويقول د. عثمان محمد عثمان،على إثر صدور تقرير "التنمية البشرية" الذى يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2000، أن القضايا التى أثارها بحاجة لنقاش، وبعض مقولاته بحاجة لتصحيح أو توضيح.
بداية، من ذلك أنه شاع، بالعربية، استعمال "التنمية البشرية" كترجمة للمصطلح الإنجليزى human development، إلا أن "التنمية الإنسانية" عندنا تعريب أصدق تعبيرا عن المضمون الكامل للمفهوم، كما سيتضح بعد قليل مع الإبقاء على مصطلح "التنمية البشرية" بدلالة أضيق، الأمر الذى يسمح به ثراء اللغة العربية. فعلى حين تستعمل كلمتا "البشرية" و "الإنسانية" تبادليا فى العربية، يمكن إنشاء تفرقة، دقيقة، بين الأولى، كمجموعة من المخلوقات، والثانية، كحالة راقية من الوجود البشرى، وهذه التفرقة هى أساس تفضيلنا لمصطلح "التنمية الإنسانية".وقال نفس الشيء الكاتب فوزي منصور في مقدمة كتاب عن التنميةة البشرية نشرته دار الملتقي في المغرب فبيل صدور التقرير الرابع الذي حمل بالفعل إسم التنمية الانسانية.ويوضح ال=دكتور عثمان محمد عثمان أن مفهوم التنمية الإنسانية يقوم على كأساس أن "البشر هم الثروة الحقيقية للأمم" وأن التنمية الإنسانية هى "عملية توسيع خيارات البشر". والواقع أن "الخيارات" choices تعبير عن مفهوم أرقى، يعود إلى الاقتصادى، هندى الأصل، "أمارتيا سن" A. Sen منذ الثمانينيات، ألا وهو "الأحقيات" entitlements، يعبر عن حق البشر الجوهرى فى هذه "الخيارات".

وأحقيات البشر، من حيث المبدأ، غير محدودة، وتتنامى باطراد مع رقى الإنسانية. ولكن عند أىٍ من مستويات التنمية، فإن الأحقيات الثلاث الأساسية، فى نظر تقرير التنمية الإنسانية، هى "العيش حياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة، وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشى لائق". ويلاحظ أن هذه الأحقيات هى التى وجدت مدخلا فى تعريف مقياس التنمية البشرية بمكوناته الثلاث: توقع الحياة عند الميلاد، و التحصيل التعليمى، والدخل للفرد.
ولكن التنمية الإنسانية لا تقف عند هذا الحد الأدنى، بل تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
التنمية الإنسانية إذاً ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.

مقياس التنمية البشرية إذا لا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانية، إذ يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب الدولة بمقياس التنمية البشرية، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.

وفي ذات الوقت فإنه يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد.غير أن الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته بعض الدول العربية ومنها المغرب فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.والأخطر أن النمو الاقتصادى فيها تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية.
ولا يجب أن يكون ذلك التطور مثار دهشة، فزيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
ويمكن لنا الآن أن نتساءل: ماذا عسى يكون ترتيب دول شمال أفريقيا بين دول العالم على مقياس يعبر عن المحتوى الكامل لمفهوم التنمية الإنسانية، وهذا تساؤل مشروع فى ضوء تركيز تقرير "التنمية البشرية" للعام 2000 على موضوع حقوق الإنسان. نخشى أن مكانة تلك الذول بين دول العالم ستتقهقر عن الترتيب الحالى على أساس المقياس القاصر للتنمية البشرية. حيث يظهر من قواعد البيانات الدولية عن مدى احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية أن مصر تحتل مركزا متدنيا فى هذا الصدد، وربما قد ازداد تدنيا مؤخرا.
ستحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى دول شمال أفريقيا لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن.
وما يجدر الإشارة اليه هنا أن تعارير الامم المتحدة الثالث والرابع صدرت نسختها العربية تحت مسمي: التنمية الانسانية ثم عاد التقرير الأخير في نسخة العربية يحمل مسمي : التنمية البشرية مرة أخرى لأنه انحصر في موضوع البيئة وضرورة مراعاة مخططات التنمية للمحافظة عليها وهو بالتالي ينظر للناس ككائنات بشرية وليس على أساس انساني شأنهم شأن باقي الكائنات الحية التي تتأثر بأوضاع البيئة الطبيعية.