Thursday, March 29, 2012

حايين وقابين.. وقتل الأخ لأخيه

الأخ يقتل أخاه أو أخته عمدا
اليوم نشرت صحيفة أخبار اليوم المغربية في عددها الصادر يوم 29 مارس 2012 أن شابا قرويا في العشرين من عمره قتل شقيقه الأكبر منه عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، تحت تأثير المخدرات بدعوى أنه لا يصلي. بينما القاتل نفسه لا يصلي. ونشرت أيضا أن شابا آخر قتل شقيقتيه الشابتين عمدا أيضا لأنه لم يجد لديهما ما يعطيانه لشراء المخدرات، معتبرا أن فقر أسرته لا يحتمل وجودهما..جيرانهم في الحي الشعبي شهدوا باستقامة الأختين والتزامهما.قد تحسب الحادثتين ضمن مخاطر تعاطي المخدرات، ولكنهما يكشفان أيضا بأن مجتمعاتنا هي أيضا تعيش خطرا، وإن العلاقات الأسرية ، خاصة في الأسر ، الفقيرة تعيش أزمة ، بينما تزداد هشاشتها في الكثير من الأسر الميسورة وإن لم تصل الى حد قتل الأخ لأخيه. وهذه الأسر تستغل فقرها الأحزاب السياسية للحصول على أصواتها في الانتخابات ، دون أن تساعدها لتحسين أوضاعها، وبعض تلك الأحزاب تمارس نوعا من الإحسان لهذه الأسر بالتصدق عليها في المناسبات أو إظهار التعاطف معها في حالة ما إذا مات أحد أفرادها فتساعدها على دفنه.قد يكون هذا لوجه الله ،وقد يكون للاستغلال السياسي لها ، فكلاهما وارد،ولكنه لا يغير من أوضاع تلك الأسر المأساوية شيئا،والتي تدفع أبنائها إلى الهروب عن مواجهة مشاكل مستعص عليهم حلها، مثل البطالة والفقر، إلى إدمان المخدرات ، والإقدام على ارتكاب أبشع الجرائم ، ليس في حق الغرباء فقط وإنما في حق ذوي الأرحام أيضا.السلطات الحاكمة متهمة بأنها تتعمد ترك هذه الأسر على حالها، يفسدون في الأرض ولكي يتم استغلال أفرادها ، وأن ظاهرة استخدام أجهزة أمنها للبلطجية في مواجهة الاحتجاجات من معارضيها دليل على ذلك. لم تأت الشريعة الإسلامية أيضا لإقامة الحدود على هؤلاء المساكين الهائمين على وجوههم في الشوارع وعالم الضياع ، وإنما لإنقاذهم من ذاك الضياع المزمن الأبدي. النخبة المثقفة ، خاصة اليسارية منها،معزولة عنهم ، وحينا ترتدي ثوب النفاق وتدعي الدفاع عن مصالحهم ، وحينا آخر تتعامل معهم بازدراء وتكيل لهم الاتهامات .وفي الحالتين تجهلهم وتتجاهلهم وتتركهم نهبا للجهل والفقر والمرض والانحرافات السلوكية، وتستغل أوضاعهم لدواع سياسية وليس لإيجاد حلول لها. أكثر من نصف الشعب الذي يصوت في الانتخابات من هؤلاء، هم الذين يختارون النواب الذين يتبجحون بأنهم يمثلون الشعب بينما هم لا يمثلون سوى طموحاتهم الشخصية، ولا يمتلكون أي رؤى أو يقدمون على شيء يحقق مصالح هؤلاء الناخبين التعساء.

القتل الجماعي
أن قايين مازال يقتل هايين حتى اليوم .وخاصة في الأقطار العربية والمسلمة. إذ لم يتوقف سفك الدماء والإفساد في الأرض منذ فجر الإنسانية حتى يومنا هذا، وهو ما كانت تحذر منه الملائكة يوم خلق الله آدم وقال لها: "إني جاعل في الأرض خليفة". فقالت الملائكة:" أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك". أي نحن أحق بأن نكون خلفاؤك فيها، فقال لهم المولي عز وجل: إني أعلم ما لا تعلمون..وعلم الله آدم الأسماء كلها. وعلم الله، الذي لا علم للملائكة به، هو أن آدم خلق من طين الأرض مما يجعله أكثر ارتباطا واهتماما بها وقدرة علي تعميرها. و أما خلق الله له علي هيئة البشر، في الأرض فهذا لا يعني أن يتصرف مثلهم. لأنه بالعلم الذي علمه الله سيتحول إلى إنسان لا يفسد في الأرض أو يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. ستكون هذه هي القاعدة، إلا أن ذلك لا يمنع شذوذ من غلبت شقوته عليه من نسله. من سيرتد إلى بشريته وجاهليته الأولى ويتبع هواه حتى وإن احتسب ضمن أهل الدين.وهو ليس منهم.

وهذه الجاهلية الأولى التي يرتد الإنسان فيها إلي الموروث الكامن من بشرية ما قبل هبوط آدم إلى الأرض ، هي التي كان يعنيها سيد قطب رحمه الله، ويؤيدها التاريخ. والقول بها هو قول علمي لا يحمل في طياته أي غلو أو تطرف أو تكفير، كما تم تأويله من المغرضين، ممن في قلوبهم مرض، ولا يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا في الأرض.

أن من يفترض أنهم إخوة عرب أو مسلمون، نراهم الأمس اليوم يقتل بعضهم البعض ليبيا ومصر وسوريا و والسودان والصومال والعراق، ومن قبل في الجزائر ولبنان ، ولم يسلم بلد عربي من سفك الدماء ، ليس من عدو خارجي وإنما من بعض بنيه ضد إخوتهم في الوطن والدين. .

تكرار مأساة هايين وقايين - إن جاز في أمة أخري- لا يجوز في أمة بين يديها كتاب الله ، والحكم بما أنزل الله، يقتضي منا أن نصلح مابين أخوينا إن ظهرت بينهم بوادر خلاف أو شقاق. ولكن الذي نراه من أنظمة حاكمة هو أنها راكسة في الفتنة ، تنفخ في نارها ، إن لم تكن هي التي أشعلتها، وتستدعي إليها أعداء الأمة لمساندتها فيما هي موغلة فيه من سوء وفساد في الأرض.

قصة ابني آدم
قصة حايين وقابين أو هابيل وقابيل الواردة في القرآن الكريم موجزة ﻻ يكفي اﻻطلاع على تفاصيلها في التوراة ﻹدراك كل معانيها والحكمة المستخلصة منها .وإنما بقدر من التفكير والخيال ومعرفة ثقافة الشعوب ، يمكن تكوين صورة كاملة ، أقرب ما تكون إلى الواقعة..

قال الله تعالى في سورة المائدة : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" (االمائدة:27-31).

نزل آدم عليه السلام إلى اﻷرض عملاقا يبلغ طوله قرابة الثلاثة أمتار أو أكثر بينما سكانها من البشر ﻻيزيد طولهم على متر ونصف.وهو قد علمه الله اﻷسماء كلها والزراعة والصناعة وهم ﻻيعلمون شيئا ولا يستطيعون نطق كلمة فراح يعلمهم ما علمه الله له..تملكت تلك اﻷقوام الرهبة منه وأقبلوا في نفس الوقت على اﻻستفادة من علمه وتزويجه من بناتهم لكي ينجبن نسلا قويا منه، وكان الله قد أمره هو وسلالته من حواء بنفس بالزواج من بنات الناس لتحسين نسلهم وصفاتهم الوراثية. وتحويلهم من البشرية التي تفسد في الأرض وتسفك الدماء بغير وعي منها بشرور فعلها، إلى الإنسانية العاقلة التي تصلح الأرض وتحفظ الحياة فيها ، مصداقا لقوله تعالى :" يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء:1).

وكان ممن تزوجه آدم عليه السلام من بنات الناس امرأتان: واحدة سوداء و اﻷخرى بيضاء، وأنجبت كل منهما ولدا، أجدهما عمل في الزراعة والثانية في رغي الغنم..حصد هايين الفلاح ثمار حقله فتصدق ببعض منها على من حوله من الناس تقربا إلى الله، ولكي ﻻ ينفرد دونه يرضى الله قام قايين بذبح شاة لديه و وزغ لحمها ﻹظهار أنه أكثر جودا من أخيه.أنبأهما أبوهما بأن الوحي أخبره بأن الله تقبل الثمار ولم يتقبل لحم الشاة.غضب قايين على أخيه وقرر معاقبته فاستدرجه إلى برية ﻻيراهما أحد فيها لكي يضربه ولم يكن ينوى قتله، وعندما مد يده إليه ليضربه استسلم أخوه له وقال له : مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ". فزاده ذلك غضبا واعتبره اتهاما له بأنه لا يخاف الله، وأن أخاه يريد له أن يكون مصيره جهنم عوض أن يريد له الخير، فالتقط حجرا وشج به رأس أخيه فقتله، وهو ﻻ يريد إلحاق الأذى به لتأديبه وليس القضاء عليه. حفر له ودفنه بعد أن رأي الغراب يحفر في اﻷرض، وخاف من أبيه فهرب من وجهه حتى لا يعاقبه..
وأظن، والله أعلم، أن لفظ القتل الذي تردد في الآيات هنا، ربما كان يعني الضرب العنيف وليس القتل المفضي للموت. وفي الشام يستعمل حاليا في اللغة الدارجة بهذا المعنى.. وإن صح هذا يكون قتل قايين لهايين قتلا خطأ وليس متعمدا ، وﻻ يستوجب القصاص. كما أن ما قاله هايين لأخيه كان في غلظة واستفزاز له حين قال له: " إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين". ولو قال له قولا لينا يهدئ به من غضبه ويذكره بأخوتهما ، ربما ما كان يتطور الأمر بينهما إلى ما وصل إليه. وفي ذلك يقول تعالي :" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
ولذلك، وحتى ﻻ يقتله أحد يعثر عليه، وعلى نحو ما ورد في التوراة، وشمه الله وشما وأمر بأن من يجد صاحب الوشم ﻻ يقتله أو يتعرض له بسوء.وظل قايين هائما على وجهه في اﻷرض. إذ تقول التوراة: فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخي ؟ ( سفر التكوين 4: 9 )... فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض . فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض ؟؟ تعود تعطيك قوتها . تائهاً وهارباً تكون في الأرض فقال قابين للرب: ذنبي أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتني اليوم على وجه الأرض ، ومن وجهك اختفى وأكون تائهاً وهارباً في الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني. فقال له الرب : لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه . وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده . فخرج قابين من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن."(.التكوين من 10الى16).
وبعد أن ذكر الله قصة ابني آدم بين كيف يشكل قتل النفس جرما هائلا، فقال تعالى مباشرة:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ". ويحدد الله جزاء قتل المؤمن عمدا فيقول :" ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ولعنه الله وأعد له عذاباً عظيماً ".
الفلاحون والرعاة
كان الشعب في مصر القديمة ينقسم إلى فسمين: فلاحون مسالمون يزرعون اﻷرض وﻻ يبرحون مكانهم ورعاة ماشية يركبون الخيل ويحملون الرماح واﻷقواس والسهام وينتقلون من مكان ﻵخر طلبا للمرعي ، وكانت تتكون منهم الجيوش لمقاومة الغزاة،حتى أساب البلاد الجفاف فهاجروا منها غربا وجنوبا. وحرصت قبائل الرعاة من السود على وشم وجوههم حتى يعرفوا بها إلى زماننا هذا دون أن يعرفوا السبب، ويحتقرون مهنة الزراعة مثل قايين.ويتدربون على فنون القتال ويشنون الغارات على القبائل اﻷخرى. وكان التحقير متبادلا بين الطرفين على ما يبدو كما يتضح من التوراة أنه عندما وفد أخوة يوسف عليه في مصر نصحهم أن لا يخالطوا المصريين : «لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين، لأنه رجس عند المصريين». (التكوين، 43: 32) «فيكون إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أنْ تقولوا عبيدكم أهل مواشٍ منذ صبانا إلى الآن نحن وآباؤنا جميعا، لكي تسكنوا في أرض جاسان. لأن كل راعي غنم رجس للمصريين». (سفر التكوين، 46: 31-34). وكرد فعل انتقامي لليهود الرعاة عن تحقير الفلاحين لهم فإنهم في رواياتهم لقصة حايين وقابين بكتبهم الدينية ،جعلوا قابين القاتل هو الفلاح الذي لم يتقبل قربانه من الحبوب وهايين المقتول هو الراعي الذي قبل قربانه من اللحم. وبدلوا ما جاء في التوراة ليتفق مع ذلك.
وصورت بعض الأساطير القديمة السومرية والبابلية تداعيات قصة حايين وقايين وتأثيرها في الانتروبولوجيا الاجتماعية ، فتناولت الصراع بين البدو والحضر، وبين الرعاة والفلاحين، مجسدا في آله المزارعين و اله البدو ، وهما يرمزان إلى جد كل منهما ،حيث يتسم اله المزارعين بالحكمة و الهدوء بينما اله البدو يظهر فيها أهوج سريع الغضب ، و قد اختارت الإله الأم إلاه المزارعين لحميد صفاته وشيمه كي تتزوجه ، فثارت ثائرة إلاه البدو ونشب النزاع بينهما .

الدوافع النفسية للقتل
يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: شبر في شبر يتسع لمتحابين بينما الأرض بما رحبت لا تتسع لمتباغضين..فالتباغض يدفع القاتل للتخلص من المقتول. وقد ينشأ التباغض من اهتمام أحد الوالدين بولد لهما أكثر من غيره، ونجد ذلك في قصة إخوة يوسف الذين حقدوا على أخويهم : يوسف وبنيامين لما وجداه من اهتمام أبيهما به وفسروا سبب اهتمامه بأنه يرجع لتعلقه بأمهما الصغيرة الحسناء التي عوضت أمهما، بينما يمكن إرجاع هذا الاهتمام لحاجة الصغيرين إلى الرعاية أكثر من الكبار. فقد سؤل أحد حكماء العرب من أحب أولادك إليك فقال: المريض حتى يبرأ والصغير حتى يكبر والغائب حتى يعود. فالتمييز بين الإخوة ، أيا كان مبرره ، يورث البغضاء بينهم. وعندما تآمر أخوة يوسف عليه للتخلص منه أوضحوا هدفهم من ذلك بقولهم : حتى يخلو لكم وجه أبيكم.
وهو نفس موقف الشيطان عندما وجد الله قد فضل آدم عليه فكان رد فعله قوله :" أرأيتك هذا الذي كرمت عل لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا"..

أن يُقدم شخص على قتل أبنائه أو زوجته ثم قتل نفسه وهي حادثة كثيرا ما وقعت فإن ذلك يعود إلى الإصابة ب "الكآبة الذهانية "التي يعتزل فيها المريض المجتمع ولا يهتم إلا بذاته ، ويصير نهبا لأوهام تجاه الغير ، فهم في وهمه لا يريدونه ولا يحبونه ويستثقلون وجوده وعبئه عليهم أو أنهم سبب شقائه وتعاسته ، وأنه لا حل للتخلص من أحاسيسه تلك سوى التخلص منهم ومن نفسه أيضا ، إن اقتضى الأمر.وهناك أيضا حالة
" الفصام الشخصي" والذي يفقد فيه المريض الثقة بالآخرين ، ويتوهم بأنهم يحقدون عليه ، ويحسدونه ويتآمرون عليه للنيل منه ، وأن عليه أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به.وقد تنتابه هواجس يتوهم فيها بأن ثمة من يوسوس له ويحرضه على القتل. تأتي أيضا من البواعث النفسية حالة الغيرة الشديدة وخاصة بين الزوجين، عندما يتوهم أحدهما بأن الآخر يخونه ويريد التخلص منه لكي يستبدله بزوج أفضل منه، وتطارده الشكوك حتى يتوهم ما لا وجود له.ومن دوافع القتل أيضا حالة الفصام العقلي ، والتي قد تنجم عن أحساس شديد بالذنب تدفع إلى الرغبة في التخلص ممن كان سببا فيه، أو فيما نجم عنه. فالمرأة التي تخون زوجها خلال حملها ثم تندم على ذلك وتشعر بالذنب تصاب بحالة من الفصام العقلي تدفعها إلى التخلص من الجنين أو قتله بعد ولادته. ومن حالاته حالة الزوجة البيضاء التي تتغلب على العنصرية إزاء السود دون التخلص منها ، فتتزوج أسودا ، وتفاجأ عند ولادتها بأن المولود يحمل بشرة سوداء فتطرب حالتها النفسية وتهيج عنصريتها المكبوتة وتحاول التخلص من المولود.وهناك أيضا" البارانوبا" أو جنون العظمة عندما يشعر المريض بتهديد لعظمته وتحد لها ممن ينكرها ويستهين بها فيتملكه الغضب والرغبة في التخلص ممن يهدد عظمته بالقضاء عليه وهو ما يفسر الحالة التي ظهر عليها القذافي عندما ثار الليبيون عليه.وتساعد المخدرات القوية على مضاعفة تأثير تلك الأمراض النفسية على صاحبها ، بما يفقده عقله تماما ، وتتحكم فيه المؤثرات النفسية وحدها فيقدم على قتل غريمه أو عدوة..
ويمكن القول بأن ما يجمع بين كل تلك الأمراض النفسية التي تشكل دوافع لجريمة القتل هو الرغبة الناجمة عن تأثيرها على القاتل إلى الانتقام ممن يقتله.
ومن المحتمل أن يكون الميل لارتكاب الجرائم ناتج عن خلل جيني أثر على إفرازات الغدد الصماء وترتب عليه خلل واضطرابات في الجهاز العصبي وفي العقل مما أثر بالتالي على السلوك والانفعالات.وأرى أنه يمكن استنباط ذلك من قصة قتل الرجل الصالح الذي رافقه النبي موسى في جولة له لصبي ، وبرر قتله بقوله :"أَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا*فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا "(الكهف 80و81). فهو خلص الأبوين المؤمنين ممن سيرهقهما طغيانا وكفرا بسبب استعداده لذلك ويبدلهما الله بخير منه زكاة وأقرب رحما ، أي ابنا طيبا بارا بهما.

الخلاصة
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وتغيير ما بأنفسهم يعني الانتقال بهذه الأنفس من طور البشرية أو الجاهلية الأولي إلى طور الإنسانية المتلاحمة، المتحابة، المتراحمة، المؤمنة، والملتزمة بشرعة الله ودينه القيم الخالص الذي ارتضاه لعباده.

ومن الوهم أن ننتظر من أن يغير كل فرد نفسه حتى ينتشر الخير والأمان والاستقرار في المجتمع ، وإنما يحدث التغيير حينما يعيش المجتمع في منظومة أخلاقية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وتعليمية وثقافية وإعلامية،مترابطة تكفل تحقق التغيير لدى جميع أفراد المجتمع في وقت واحد.

عندما ننجح في أحداث تلك المنظومة ونحقق هذا التغيير سنضمن أن يكف الأخ عن قتل أخيه أو الاعتداء علي كرامته أو حريته يومها سيكون دم المسلم وماله وعرضه حرام علي أخيه المسلم حاكما كان أم محكوما علي النحو الذي أمرنا به الرسول صلي الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع.
فوزي منصور
www.fawzymansour.com

ا

Sunday, March 11, 2012

لاعتماد المتبادل ودوره في تمتين وحدة الدولة الفيدرالية المصرية

ا
أحاول هنا بيان أهمية الاعتماد المتبادل Interdependence بين المناطق أو المقاطعات التي تكون الدولة الفيدرالية المصرية التي اقترحتها ، وما يقتضيه من تفاعل ايجابي دائم ومتنام في تعزيز وتمتين وحدة الدولة الفيدرالية المصرية ونهضتها وأمنها وسلامها .
يعرف الاعتماد المتبادل بأنه تشبيك وتكثيف العلاقات والمصالح الاقتصادية لعدة أطراف بحيث يسهم كل طرف في تعظيم المنافع المادية للأطراف الأخرى، وربط وتنسيق السياسات بحيث لا يمكن لطرف أن يستغني عن بقية الأطراف في منظومة أو شبكة مترابطة المكونات. وهو في هذا الشأن أشبه ما يكون بمكونات الدوائر الكهربائية أو الاليكترونية ، التي تؤدي كل منها وظيفة ما ولكنها تعتمد فيها على وظائف المكونات الأخرى.

وما يدعو إلى موضوع هذا المقال هو ما تبين من ردود الفعل الأولية السلبيةوالهوجاء على مقالي السابق حول إحلال نظام الحكم الفيدرالي محل نظام الحكم المركزي في مصر، أن المعارضين ليس لديهم من حجة سوى الخوف على استمرار وحدة الدولة، وهو خوف لا مبرر له ويتغذي من أوهامهم.
ويمكن إرجاع ردود الفعل تلك ، إن أحسنا الظن بأصحابها،إلى نقص المعرفة السياسية بنظم الحكم الفيدرالية في العالم ،والتي لم يهدد أي منها وحدتها. وأنه إذا كانت غالبيتها تمت أقامته عقب الحرب العالمية الثانية ، فإنها لم تشهد أي قلاقل أو دعوات انفصالية على مدى أكثر من ستة عقود . وإنما ازدادت تلك الدول قوة وأمنا وازدهارا اقتصاديا ومكانة دولية.
ويمكن إرجاع ذلك أيضا إلى ما يواجهه أي مطلب للتغيير من المعهود إلى جديد غير مألوف إلى مقاومة فضلا عن أصحاب المصالح المرتبطة بالنظام المركزي والذين يخافون عليها من أن تتضرر.وأيا كانت الدوافع فلن يثنيني عن عرض ما أراه في صالح بلادي التعليقات المسيئة للسفهاء والجاهلين ولن أقول لهم اﻻ : سلاما، وفي نفس الوقت فسأجيب على أية أسئلة للعقلاء المهذبين بشأنها، ولهم بعد ذلك اﻷخذ برأيي أو إهماله، ولكنهم سيضطرون الى اﻷخذ به حتما في مقبل اﻷيام بعد رحيلي عن دنياهم.

وللتذكرة بما سبق كتابته، أعيد نشر هنا ما اقترحته بشأن تقسيم الدولة إلى وحدات فيدرالية، وما ذكرته أيضا من مزايا الحكم الفيدرالي على النحو التالي:
مكونات دولة مصر المتحدة في النظام الفيدرالي
1_ منطقة سيناء وقناة السويس: وتشمل شبه جزيرة سيناء ومدن القناة الثلاث وبحيث يتم العمل على تعمير سيناء وزيادة الكثافة السكانية بها بزيادة السكان فيها بحيث لا يقل عددهم عن عشرة ملايين نسمة كحد أدني في أقرب وقت ممكن .ويقتضي ذلك إعادة توزيع الأراضي المستصلحة في سهل الطينة شمال غرب سيناء على صغار الفلاحين واستزراع سهل العريش وأودية سيناء وكذلك تحويل شرق قناة السويس إلى منطقة حرة للتجارة العالمية وللصناعة المخصصة للتصدير ،وهو المشروع الذي أوقفه النظام البائد بدعوى أن الأراضي شرق القناة رخوة ولا تصلح للبناء..ويتطلب الأمر أيضا أعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" بما يتفق مع سيادة كل الدول على أراضيها.
2- منطقة شرق الدلتا: وتشمل محافظات الشرقية والدقهلية ودمياط وتتخذ من المنصورة أو الزقازيق عاصمة لها ومن دمياط مينائها البحري.
3- منطقة الدلتـا: وتشمل محافظات القليوبية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ وتتخذ من طنطا عاصمة لها ومن مدينة رشيد ميناء لها
4- منطقة غرب الدلتا: وتشمل محافظات البحيرة ومرسى مطروح والواحات البحرية وتتخذ من الإسكندرية عاصمة لها ومن الإسكندرية ومطروح موانئا لها وغربا إلى الحدود مع ليبيا.
5- منطقة القاهرة الكبرى: وتشمل القاهرة والجيزة والقليوبية وبني سويف والفيوم وتتخذ من الغردقة ميناء لها.
6- منطقة الصعيد الأوسط: وتشمل محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج والواحات.وتتخذ من أسيوط عاصمة لها ومن ميناء سفاجا ميناء لها.
7- منطقة الصعيد الأعلى والنوبة: وتشمل محافظات قنا وأسوان وتمتد جنوبا حتى الحدود مع السودان وتتخذ من أسوان عاصمة لها ومن ميناء مرسى علم ميناء لها على البحر الأحمر.
وتقوم كل منطقة بعمل شبكة طرق برية وسكك حديدية ونهرية إن أمكن تربط كل المناطق السكنية بها من مدن وقرى بالعاصمة والميناء البحري وتضع من السياسات التي تكفل لها تحقيق الاحتياجات الأساسية لسكانها من مأكل ومشرب وإسكان وتعليم وصحة.

مزايا الحكم الفيدرالي
يمكن تلخيص مزايا نظام الحكم الفدرالي، بالنسبة لمصر على النحو التالي:
(1) توزيع السلطات بين الحكومة المركزية، والحكومات المحلية مما يقوي كل منها ويمكنها من أداء مهامها على خير وجه
(2) تمكين كل حكومة محلية من انتهاج السياسة الملائمة لظروف النطاق الجغرافي التابع لها وللسكان بما لا يتعارض مع المصالح العامة للدولة ولدستورها الفيدرالي أو سياسات أو إثفاقيات الدولة الاتحادية.وبما يحقق مبدأ:“التنوع من خلال الوحدة”. بمعنى السعي من أجل إيجاد حكومة مركزية، قوية، ومتماسكة، مع السماح بالتنوع، ولامركزية كاملة في المناطق أو الأقاليم.
(3) تحقيق التنافس بين الحكومات المحلية على تقديم أفضل الخدمات في التعليم والصحة والإسكان والمواصلات والاتصالات والأمن لجذب السكان من المناطق الأخرى التي تحتاجهم مشروعات التنمية.
(4) تعمير المناطق النائية والمهمشة من قبل والقليلة السكان مثل سيناء والواحات والنوبة وساحل البحر الأحمر بما يخدم متطلبات التنمية والأمن القومي .وإعادة توزيع السكان على كامل التراب الوطني وخلخلة الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وغيرها مما يتمدد على حساب الرقعة الزراعية ويتكدس فيها السكان بما يشكل ضغطا على الخدمات والنقل داخل المدن.
(5)زيادة الاندماج الاجتماعي للسكون بإنهاء الاختلافات العرقية أو اللغوية أو الدينية أو الجهوية وصهرهم في بوتقة واحدة لضمان التعايش السلمي ومنع الفتن الطائفية في جميع المناطق خاصة في المناطق التي يجري تعميرها وتنميتها لأول مرة.
(6)تمكين المواطنين في مشاركة أوسع نطاقا في تدبير شؤون
معيشتهم وتقريب الإدارة من المواطنين.
(7)الحيلولة دون عودة الاستبداد والفساد والطغيان وانتهاكات حقوق الإنسان ونهب وتبديد الموارد المحدودة وتركيز السلطة والثروة في يد فئة ما دون باقي أفراد الشعب.
(8) إحياء الثورة الزراعية والصناعية والثقافية التي بدأت مع أوائل الستينيات في عهد عبد الناصر ثم تم إجهاضها بواسطة كل من السادات والمخلوع حسني .وتنفيذ مشروعات التنمية بدون اعتماد على مستثمرين أجانب أو رأسمالية محلية وعن طريق أسلوب الحركة المجتمعية للتنمية الذي يتم فيه الاعتماد على الذات ، وبالمدخرات المحلية أو مدخرات المغتربين الذين يوجهونها وهم يشعرون بالثقة بأنها في أيد أمينة وتعود بالنفع المباشر على أسرهم وأقاربهم. وبما يكفل القضاء على الفقر والبطالة والحد من الجرائم والانحرافات السلوكية الناتجة في معظمها نتيجة لهما.
(9) ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق الحكومات المحلية التي تمتلك كافة السلطات التي تؤهلها لذلك.

تشابك المصالح في الدولة الفيدرالية:
تشابك المصالح أو الاعتماد المتبادل، يجعل كل منطقة أو مقاطعة لا يمكنها الاستغناء عن المقاطعات الأخرى، أو عن الانتماء إلى الدولة الموحدة وحكومتها الاتحادية.

وفي الدول الاتحادية التي أقيمت في القرن التاسع عشر مثل الولايات المتحدة، أو التي أقيمت خلال القرن العشرين ، كانت النظم الفيدرالية تترك للحكومة الاتحادية وحدها شئون الدفاع والعلاقات الدولية ، وعندما تتحول دولة من النظام المركزي في القرن الواحد والعشرين الذي ترافقه ثورة المعلومات والاتصالات ، ويتم اعتماد نظام الشبكات الأفقية والتي تم استعارتها من شبكات الكمبيوتر ،فإنه يمكن في حالة بعض الدول النظر في أن يتم تقسيم مهام الدفاع والعلاقات الدولية أيضا على المقاطعات التي تشكل الدولة الفيدرالية. ودون التقيد بما استقر من قبل من أعراف في الفيدراليات القائمة واستنساخها وأبداع نظام فيدرالي جديد يناسب العصر.

دور المقاطعات في الدفاع عن الدولة
وفيما يتعلق بالفيدرالية المصرية ومع أخذ في الاعتبار أنه ليس لها أية أهداف توسعية أو أطماع في أراض الغير تستدعي محاربتهم ، فإن مهمة قواتها المسلحة هي دفاعية في المقام الأول.
ونظرا لتطور الحروب ، وظهور ما يعرف بالحرب الاليكترونية فإن الدفاع عن مصر يستدعي الدفاع عن أجوائها وسواحلها الطويلة المطلة على البحر المتوسط في الشمال والبحر الأحمر في الشرق، وقوات برية تتولي أساسا حماية وسائل الدفاع الجوي والبحري من أي عمليات إنزال جوية أو بحرية تستهدفها أو تستهدف احتلال أراض خلفها.
هنا يتطلب الأمر دمج مشروعات التنمية، خاصة السكانية منها، مع مشروعات الدفاع تلك وأن يعهد بالدفاع لكل منطقة/مقاطعة للدفاع عن سواحلها وأجوائها وترابها، مع تأمين كثافة سكانية وعمق خلف تلك المواقع الدفاعية، ومع وجود لجنة تنسيق للدفاع في الحكومة الاتحادية ، تسد النقص في احتياجاتها ، وتحريك القوات المسلحة مركزيا في حالة تعرض أي مقاطعة لعدوان مسلح خارجي عليها.

دور المقاطعات في العلاقات الدولية
مع وجود موانئ خاصة بكل مقاطعة فيدرالية ، فسيكون الأكثر جدوى من مركزة العلاقات الدولية في الحكومة الاتحادية ، أن يتم توزيع العلاقات الدولية على المقاطعات بحيث تختص كل مقاطعة بعدد من الدول الخارجية التي تجمعها منطقة جغرافية معينة ، وتتبادل معها المصالح المادية والعلاقات الدبلوماسية والتجارية وما يتعلق بالاستثمارات الخارجية لها والسياحة وغير ذلك من متطلبات الاقتصاد أو التعليم المحلي للمقاطعة.
وعلى سبيل المثال فإنه يمكن تخصيص مقاطعة سيناء وقناة السويس لدول الخليج والأردن ولبنان وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطي والصين.
ويمكن تخصيص شرق الدلتا لسوريا وتركيا ودول القوقاز والبلقان.
ويمكن تخصيص مقاطعة الدلتا لإيطاليا وسويسرا وألمانيا ودول شرق أوروبا وروسيا الاتحادية.
ويمكن تخصيص مقاطعة غرب الدلتا لدول المغرب العربي ودول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.
بينما تختص المقاطعة التي تضم القاهرة والمحافظات اﻷخرى بالعلاقات مع دول غرب أفريقيا ووسطها،ونفس الشيء بالنسبة للمقاطعات الأخرى التي تختص بدول جنوب شرق آسيا أو دول أفريقيا الشرقية أو الجنوبية أو أمريكا اللاتينية.
وكنتيجة للتبادل التجاري بين المقاطعات وبين الدول المخصصة لها من استيراد وتصدير ، فإن السلع التي تصدرها المقاطعة إليها سوف تشمل ما تنتجه وما تنتجه المقاطعات الأخرى، كما أن السلع التي تستوردها منه سيتم تسويقها محليا داخل المقاطعة والمقاطعات الأخرى ، فضلا عن المصنع الذي يقام في مقاطعة ما سيحتاج حتما إلى خامات وسلع وسيطة وطاقة منتجة في المقاطعات الأخرى وأيضا إلى عمالة مدربة منها، وهو ما يعني تشابك المصالح بين المقاطعات وفي نفس الوقت زيادة إنتاجها جميعها لتلبية طلبات التصدير أو نتيجة الحصول على مستلزمات الإنتاج المحلية أو المستوردة من المقاطعات الأخرى. وقد تختص كل مقاطعة بنوع من التعليم التقني ويأتيها الطلاب من المقاطعات الأخرى الراغبين في تحصيله.
وهذا التشابك في المصالح هو ما يعبر عنه بالاعتماد المتبادل السابق ذكره، والذي يستحيل معه أن تستغني مقاطعة عن المقاطعات الأخرى وعن الدولة الاتحادية التي تجمع كل المقاطعات معا من أجل تحقيق مصالحها جميعها وتنميتها.

دور مشروعات الربط الاتحادية
تقوم مشروعات الربط الاتحادية التي لا يمكن أن تديرها سوى الدولة الاتحادية مثل خطوط السكك الحديدية أو الطرق البرية السريعة التي تربط كافة المقاطعات معا بدور هام هي الأخرى في تشبيك المصالح وتحقيق الاعتماد المتبادل بين المقاطعات.

ونفس الشيء تحققه مشروعات الطاقة والمياه والنقل المركزية مثل كهرباء السد العالي، أو مشروع القناة المقترحة عبر الواحات لتنميتها أو النقل النهري أو ما شابه ذلك. أو إمداد المقاطعات بالغاز والمشتقات البترولية المنتجة في أحدى المقاطعات وتتولى الحكومة الاتحادية توزيعها. وأيضا الشبكات القومية للاتصالات الداخلية والخارجية.

دور النظام الفيدرالي في توسيع نطاق الدولة الجغرافي
إن توسيع المجال الجغرافي لنشاط السكان بإدماج كيان الدولة مع كيانات دول مجاورة ، يساعد عليها اعتماد تلك الدول النظام الفيدرالي كنظام سياسي للحكم فيها. وبحيث لا تتم في هذه الحالة الوحدة بمنطق الوحدة بين بلدين لكل حدوده السياسية وإنما تجميع المقاطعات في الدولتين في إطار دولة اتحادية واحدة. وعلى سبيل المثال فإن من مصلحة مصر وليبيا أن يكونا دولة واحدة ، ولكن الشعب الليبي الذي يزيد تعداده عن خمسة ملايين يرى أن ثرواته البترولية من حقه وحده ، بل نراه بعد الثورة يحاول نزع الجنسية من الطوارق والتي منحها لهم ألقذافي ونزعها من قبيلة في واحة الكفرة باعتبارها تشادية وليست ليبية. ولذا فإنه لو كانت ليبيا عبارة عن ثلاث مقاطعات فيدرالية ومصر سبع مقاطعات فإنه يمكن تكوين دولة منهما من عشرة مقاطعات، وتظل للمقاطعات الليبية وحكوماتها سيطرتها على ثرواتها البترولية والاستفادة منها . وفي هذه الحالة لا يعتد بالحدود السياسية القديمة بحيث يتسنى إعادة جمع واحتي سيوه مع جغبوب، وهما توءمان تم فصلهما فصلا تعسفيا من قبل باتفاق بين الانجليز والاستعمار الإيطالي لليبيا، ضمن مقاطعة برقة مثلا أو غرب الدلتا في مصر.ونفس الشيء يمكن أن يحدث في حالة الوحدة مع السودان ، فيتم ضم النوبة السودانية إلى شقيقتها المصرية في مقاطعة واحدة.ويتم ضم قبائل البجة شرق السودان مع نظيراتها في مثلث حلايب شلاتين في مقاطعة واحدة.

الخلاصة
خلاصة القول إن أخذ مصر للنظام الفيدرالي مثل الهند والصين والبرازيل والأرجنتين و غيرها من الدول الكبيرة المساحة التي تعتمد الفيدرالية في نظامها السياسي، لا خوف على وحدة البلاد منها ، وإنما هي عكس ذلك تضمن الوحدة والأمن والسلام في كافة أنحاء الدولة.
فوزي منصور
www.fawzymansour.com

Thursday, March 8, 2012

نحو نظام حكم فيدرالي في مصر

أثبت النظام السياسي القائم في مصر فشله وقد آن الأوان لاستبداله بنظام سياسي جديد يستجيب لاحتياجات الشعب المصري في التنمية والتقدم والحرية والكرامة وخاصة بعد ثورة الشعب المصري في 25 يناير والشروع في أعادة النظر في الدستور..وقد قال الكثيرون غيري بأن المطلوب ليس تغيير بعد مواد الدستور وإنما إنشاء دستور جديد. وعندما يطلب المجلس العسكري الحاكم ممن عينهم لتعديل الدستور أن تتم التعديلات في عشرة أيام فإن هذا يعني أنه يريد أن يظل الدستور الحالي على ما هو عليه وأن يتم فقط تعديل المواد التي سبق للرئيس المخلوع إن قام بتغييرها لصالح استمراره في الحكم مدى الحياة وكانت موضع انتقاد المعارضين له. تعديل الدستور فقط يعني استمرار النظام السياسي على حاله بينما كان هدف قومة الشعب وثورته هو إسقاط النظام وليس الحاكم فقط.
كثير ممن كانوا يدافعون عن النظام القائم وما به من مركزية مفرطة وتركيز كافة الصلاحيات في يد رئيس الدولة كانوا يدافعون عنه بحجة تافهة وهي أن النظام السياسي طوال التاريخ المصري كان مركزيا وكأن هذا قدر على مصر لا يمكن الانفكاك منه حتى لو كان ضار بمصالح الشعب وبالديمقراطية كنظام يجسد إرادة الشعب..وقد سبق لي أن أوضحت بأن العالم يتجه الآن للتحول من الديمقراطية البرلمانية الى الديمقراطية التشاورية أو التشاركية التي تسمح للشعب باستمرار في المشاركة الفعالة في صنع القرارات الحيوية التي تمس مصالحه وتنظيم المواطنين والمؤسسات في شبكات أفقية لا تخضع لتنظيم مركزي هرمي.وبررت ذلك بأن العصر الحالي التي برزت فيه الثورة الاليكترونية والمعلوماتية بالتغير السريع للتقنية العلمية ومسايرة إيقاع العصر السريع والمختلف عن السابق يحتاج أيضا لنظام يكفل القدرة على سرعة اتخاذ القرارات السريعة التي تمس المواطنين في الحاضر وتؤثر أيضا على مصالح الأجيال القادمة. وهو ما لا تحققة بكفاءة حاليا النظم الديمقراطية الحالية في العالم والتي أفرزها عصر الثورة الصناعية بينما يتطلب زمن الثورة المعلوماتية ديمقراطية جديدة متوائمة معه.أي أن هذا التحول الى الديمقراطية التشاركية فرضته ثورة المعلوميات .
وهناك تحالف اﻷجهزة العسكرية واﻷمنية والرأسمالية المحلية الذي يرى أن قبضتهم على البلاد سوف تضعف وتهن في ظل الحكم الفيدرالي الذي تتعدد فيه مراكز صنع القرار في الدولة، وتقوم كل منطقة فيدرالية بتدبير شؤونها، ووضع القوانين التي تناسبها،وسيكون لكل منطقة أيضا جهازها اﻷمني التابع لسلطتها التنفيذية المنتخبة والمراقب من سلطتها التشريعية المنتخبة أيضا. كما يفترض في الإقليم الجغرافي الذي يشارك أقاليم أخرى في دولة فيدرالية أن يكون قادرا على الاكتفاء الذاتي بموارده الخاصة به بما يمنحه استقلالية اقتصادية عن الحكومة الاتحادية في المركز،ولذا يشيع هؤﻻء أوهام حول مخططات أجنبية تروم تقسيم البلاد لإشاعة الخوف لدي المواطنين على وحدة البلاد واﻻبقاء على نظام الحكم المركزي الذي يهيمنون عليه. واﻻبقاء أيضا على مصالحهم وضمان استمرار ملكيتهم للأراضي والممتلكات التي نهبوها في ظل الحكم الفاسد السابق واحتمال أن تقوم إدارة المناطق الفيدرالية لجديدة بمصادرتها وأعادتها للشعب.
ومما يحول دون شبح التقسيم أيضا أن بعض المناطق قليلة السكان والتي كانت مهمشة في السابق عندما تقوم فيها التنمية اﻻقتصادية والعمرانية سيفد إليها المواطنون من كافة أنحاء البلاد للاستيطان فيها ويصيرون من أهلها ويشاركون في أدارتها، ولن تكون ثمة منطقة تسيطر عليها أقلية من أي نوع يمكن أن تراودها أحلام اﻻنفصال أو تستجيب لتلك النزعة إرضاء لدول أجنبية معادية. اﻷمر أذن أعادة تخطيط للتراب الوطني لكي يتم تنميته جميعه في وقت واحد .
فيما يعرف بالنظام الفيدرالي.وهو نظام ليس في الواقع جديدا ، حيث يوجد في العديد من دول العالم حاليا ، من أبرزها الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وأسبانيا والهند والصين والبرازيل،ولكن الجديد فيه يتعلق بتغير دوافع النشأة في النظام القديم إلى دوافع جديدة مغايرة، تتخذ اتجاها معاكسا.فقد قامت معظم الدول الفيدرالية نتيجة اتحاد دول صغيرة مستقلة لتكون دولة واحدة تمتلك فرصا أفضل اقتصاديا تسمح لها بالبقاء الأكثر أمنا في محيطها الدولي ، أما في التحول الجديد فيتم فيه تقسيم دول متحدة تاريخيا في ظل نظام مركزي إلى دويلات تتمتع كل منها بنظام للحكم الذاتي ، دون أن يعني ذلك تفكك الدولة القديمة أو زوالها.وإنما يتم داخلها تقاسم السلطة والسيادة ، وتشكل كل منها وحدة دستورية لها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وينص على ذلك في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.وفي نفس الوقت تنسق كل وحدة جغرافية في الدولة الفيدرالية مع باقي الوحدات وترتبط معها باعتماد متبادل يجعلها تحقق الترابط والتكامل والتكافل داخل الدولة الجامعة لكل الوحدات المنتمية إليها.
ومثلما اتجهت بعض الدول المتخلفة لديمقراطية برلمانية شكلية وزائفة، اعتمدت بعض منها نظام فيدرالي شكلي وزائف أيضا، ترك معظم السلطات والموارد الاقتصادية في يد المركز.وهذه الفيدرالية الزائفة هي التي يمكن أن تهدد الدولة التي تعتمدها بالتفسخ والانحلال والانقسام الى عدد من الدول المستقلة بعد ما كانت دولة موحدة ، ويظهر ذلك واضحا في الحالة السودانية.وكما حدث من قبل في يوغوسلافيا.أما الفيدرالية الحقيقية فإنها تحافظ على وحدة الدولة وتبعد عنها شبح التقسيم، بل تجعلها عصية عليه ومحصنة ضده.ولذا تعد الفيدرالية رافعة من روافع التنمية الشاملة و التقدم الحضاري وضمان حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والقضائية وحقوق الأقليات.
وقد تطورت الصين الشعبية كفدرالية بحكم الواقع بدون قانون رسمي ينص على ذلك،عن طريق منح صلاحيات واسعة للأقاليم بتدبير شؤونها الاقتصادية وتطبيق السياسات الوطنية فيما يخصها.ونفس الشيء حدث في أسبانيا، ودون أن ينص على ذلك دستور كل منها.
ولهذا كله فإن من حق الشعب المصري بعد ثورته التي أشاد بها كل حكومات وشعوب العالم أن يحصل بعدها على أفضل نظام حكم ممكن. ويقتضي ذلك التخلص من الحكم المركزي واستبداله بحكم لا مركزي يأخذ شكل الحكم الفيدرالي الموجود حاليا في العديد من دول العالم وكانت الهند سباقة إليه منذ استقلالها عام 1945 واعتمدته ألمانيا أيضا بعد الحرب العالمية الثانية ، كما يوجد حاليا في سويسرا وأسبانيا والعديد من دول العالم . ومن أهم مزايا هذا الحكم أن يكون لكل منطقة جغرافية يمكن تسميتها بمقاطعة أو ولاية أو جهة اقتصادية برلمان وحكومة منبثقة منه تتولي رعاية كل مصالح السكان وتحسين أوضاعهم دون تدخل من الحكومة الاتحادية التي تحل محل الحكم المركزي لكنها لا تملك كل صلاحياته السابقة والتي تتولاها تلك الجهات الاقتصادية.
وقد قدم عمرو موسى بمناسبة الإعلان عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة برنامجا سياسيا ، تعرض فيه على استحياء لموضوع التحول التدريجي من الحكم المركزي الى الحكم الفيدرالي، ولكنه لم يبد بعد ذالك حماسا له بعدما لمس ليس معارضة القوى المهيمنة على الدولة الآن والمتمثلة في المجلس العسكري ، وإنما أيضا معارضة المثقفين له تأثرا بما روجه الإعلام الرسمي من مخاوف التقسيم الذي تضمنته المخططات الأجنبية الوهمية.
وتحدث الإخوان المسلمون الذين يشكلون أغلبية مجلس الشعب حاليا عن دولة مركزية لا تختلف عن الدولة الحالية إلا في أنها تجمع بين نظامي الدولة الرئاسية والدولة البرلمانية، وهو ما يعد نظاما مسخا ﻻ يحقق ما يرجوه الشعب المصري من تغيير، ولم يتطرق أي من البرلمانيين لمقترح دولة فيدرالية بديلة عن الدولة المركزية الحالية.
وقد ساهم أيضا في إثارة المخاوف من نظام الحكم الفيدرالي النقص في الثقافة السياسية لدى العديد من المثقفين المصريين وآن لهؤﻻء إن يحسنوا معارفهم السياسية وأن يهتموا بالبحث في اﻹنترنيت عن نظم الحكم ليجدون أن نظام الحكم الفيدرالي هو اﻷنسب لمصر حاليا، وفي حالة الوحدة مع أي السودان أو ليبيا أو معهما معا، وهو اﻷمر الذي يجب التطلع إليه في المستقبل ﻷنه في صالح شعوب تلك الدول ، فإن نظام الدولة القيدرالية عندما يعمم في الدول الثلاثة سوف يسهل أدارة الوحدة دون خوف من أن تبتلع في الوحدة الدولة الكبرى الدول اﻷصغر منها لو تمت الوحدة على أساس فيدرالية للدول وليس مد فيدرالية كل دولة الى باقي الدول .
مكونات دولة مصر المتحدة
في هذا الشأن يمكن النظر في تقسيم الدولة المصرية الى المناطق الاقتصادية التالية:
1_ منطقة سيناء وقناة السويس: وتشمل شبه جزيرة سيناء ومدن القناة الثلاث وبحيث يتم العمل على تعمير سيناء وزيادة الكثافة السكانية بها بزيادة السكان فيها بحيث لا يقل عددهم عن عشرة ملايين نسمة كحد أدني في أقرب وقت ممكن .ويقتضي ذلك إعادة توزيع الأراضي المستصلحة في سهل الطينة شمال غرب سيناء على صغار الفلاحين واستزراع سهل العريش وأودية سيناء وكذلك تحويل شرق قناة السويس الى منطقة حرة للتجارة العالمية وللصناعة المخصصة للتصدير ،وهو المشروع الذي أوقفه النظام البائد بدعوى أن الأراضي شرق القناة رخوة ولا تصلح للبناء..ويتطلب الأمر أيضا أعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد بالدخول في مفاوضات بغرض تعديلها بما يتفق مع سيادة كل الدول على أراضيها.
2- منطقة شرق الدلتا : وتشمل محافظات الشرقية والدقهلية ودمياط وتتخذ من المنصورة أو الزقازيق عاصمة لها ومن دمياط مينائها البحري.
3- منطقة الدلتـا : وتشمل محافظات القليوبية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ وتتخذ من طنطا عاصمة لها ومن مدينة رشيد ميناء لها
4- منطقة غرب الدلتا: وتشمل محافظات البحيرة ومرسى مطروح والواحات البحرية وتتخذ من الإسكندرية عاصمة لها ومن الإسكندرية ومطروح موانئا لها وغربا الى الحدود مع ليبيا.
5- منطقة القاهرة الكبرى: وتشمل القاهرة والجيزة وبني سويف والفيوم وتتخذ من الغردقة ميناء لها.
6- منطقة الصعيد الأوسط: وتشمل محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج والواحات.وتتخذ من أسيوط عاصمة لها ومن ميناء سفاجا ميناء لها.
7- منطقة الصعيد الأعلى والنوبة: وتشمل محافظات قنا وأسوان وتمتد جنوبا حتى الحدود مع السودان وتتخذ من أسوان عاصمة لها ومن ميناء مرسى علم ميناء لها على البحر الأحمر.
ويتم استعادة ملكية كل الأراضي في مشروع مفيض توشكا وتوزيعها على صغار الفلاحين المصريين لزراعتها كما يتم مد قناة توشكا شمالا عبر الواحات الداخلة والخارجة وحتى منخفض القطارة وتوزيع كافة الأراضي على جانبي القناة على صغار الفلاحين المصريين. إن هذا لا يتطلبه تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية فقط وإنما يتطلبه زيادة الإنتاجية وتحقيق الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية للدولة وضمان أمنها بإعادة توزيع السكان على كامل أرض الوطن.
وتقوم كل منطقة بعمل شبكة طرق برية وسكك حديدية ونهرية إن أمكن تربط كل المناطق السكنية بها من مدن وقرى بالعاصمة والميناء البحري وتضع من السياسات التي تكفل لها تحقيق الاحتياجات الأساسية لسكانها من مأكل ومشرب وإسكان وتعليم وصحة وتحسين أحوالهم المعيشية.
وبالنسبة لقطاع غزة وعلاقته بأمن واستقرار سيناء وبمتطلبات التفاوض مع إسرائيل على تعديل اتفاقية كامب ديفيد فإنه يقترح أعادة الإدارة المصرية للقطاع كما كان عليه الحال قبل عام 1967 وفتح الحدود بين القطاع وشبه جزيرة سيناء وحرية الحركة بين سيناء والقطاع للسكان دون أية عوائق ، على أن يتم أجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة بعد ثلاث سنوات للسكان يخيرون فيه بين الانضمام الى مصر نهائيا أو الاستقلال عنها وبناء دولتهم الخاصة بهم .
ويجري انتخاب رئيس ونائب له لكل منطقة/مقاطعة فيدرالية ممن رشحوا أنفسهم للمنصب، وانتخابات لبرلمان المقاطعة. ويقوم الرئيس المنتخب للمقاطعة بتكليف أحد أعضاء البرلمان بتشكيل حكومة تحوز ثقة البرلمان تشمل الاقتصاد والمالية والإسكان والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات والأمن والشئون المدنية والخدمات الاجتماعية والتجارة والزراعة والصناعة والنقل البحري والجوي ...الخ.ويلي ذلك انتخاب رئيس اتحادي من بين رؤساء المقاطعات السبع. كما يرشح برلمان كل مقاطعة عدد من أعضائه يحدده نسبة عدد السكان بالنسبة لسكان كامل الدولة لتمثيل المقاطعة في البرلمان الاتحادي، والذي يقوم رئيس الدولة الاتحادي بتكليف أحد أعضائه بتشكيل حكومة اتحادية تحوز ثقة البرلمان.وتقتصر مهام الحكومة الاتحادية على العلاقات الخارجية التمثيل الدبلوماسي لدى الدول الأجنبية وشئون الدفاع والصناعات العسكرية والبحث العلمي والبنك المركزي وما يسنده الدستور إليها.
مزايا الحكم الفيدرالي
يمكن تلخيص مزايا نظام الحكم الفدرالي، بالنسبة لمصر على النحو التالي:
(1) توزيع السلطات بين الحكومة المركزية، والحكومات المحلية مما يقوي كل منها ويمكنها من أداء مهامها على خير وجه
(2) تمكين كل حكومة محلية من انتهاج السياسة الملائمة لظروف النطاق الجغرافي التابع لها وللسكان بما لا يتعارض مع المصالح العامة للدولة ولدستورها الفيدرالي أو سياسات أو إثفاقيات الدولة الاتحادية.وبما يحقق مبدأ :“التنوع من خلال الوحدة”. بمعنى السعي من أجل إيجاد حكومة مركزية، قوية، ومتماسكة، مع السماح بالتنوع، ولامركزية كاملة في المناطق أو الأقاليم.
(3) تحقيق التنافس بين الحكومات المحلية على تقديم أفضل الخدمات في التعليم والصحة والإسكان والمواصلات والاتصالات والأمن لجذب السكان من المناطق الأخرى التي تحتاجهم مشروعات التنمية.
(4) تعمير المناطق النائية والمهمشة من قبل والقليلة السكان مثل سيناء والواحات والنوبة وساحل البحر الأحمر بما يخدم متطلبات التنمية والأمن القومي .وإعادة توزيع السكان على كامل التراب الوطني وخلخلة الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وغيرها مما يتمدد على حساب الرقعة الزراعية ويتكدس فيها السكان بما يشكل ضغطا على الخدمات والنقل داخل المدن.
(5)زيادة الاندماج الاجتماعي للسكون بإنهاء الاختلافات العرقية أو اللغوية أو الدينية أو الجهوية وصهرهم في بوتقة واحدة لضمان التعايش السلمي ومنع الفتن الطائفية في جميع المناطق خاصة في المناطق التي يجري تعميرها وتنميتها لأول مرة.
(6)تمكين المواطنين في مشاركة أوسع نطاقا في تدبير شؤون
معيشتهم وتقريب الإدارة من المواطنين.
(7)الحيلولة دون عودة الاستبداد والفساد والطغيان وانتهاكات حقوق الإنسان ونهب وتبديد الموارد المحدودة وتركيز السلطة والثروة في يد فئة ما دون باقي أفراد الشعب.
(8) إحياء الثورة الزراعية والصناعية والثقافية التي بدأت مع أوائل الستينيات في عهد عبد الناصر ثم تم إجهاضها بواسطة كل من السادات والمخلوع حسني .وتنفيذ مشروعات التنمية بدون اعتماد على مستثمرين أجانب أو رأسمالية محلية وعن طريق أسلوب الحركة المجتمعية للتنمية الذي يتم فيه الاعتماد على الذات ، وبالمدخرات المحلية أو مدخرات المغتربين الذين يوجهونها وهم يشعرون بالثقة بأنها في أيد أمينة وتعود بالنفع المباشر على أسرهم وأقاربهم. وبما يكفل القضاء على الفقر والبطالة والحد من الجرائم والانحرافات السلوكية الناتجة في معظمها نتيجة لهما.
(9) ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق الحكومات المحلية التي تمتلك كافة السلطات التي تؤهلها لذلك.
وما سبق مطروح للتشاور حوله والاستنارة به عند إنشاء دستور جديد للبلاد. متمنيا أن تكون موضع اهتمام كل من يهمهم أمر مستقبل مصر وشعبها. وقد سبق لي معالجته في مقال العام الماضي نشرته في صفحة الحركة المجتمعية المصرية بال فيسبوك .
فوزي منصور
www.fawzymansour.com