Sunday, December 7, 2008

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى


الجزء الأول


أوجه التــوحـــيد :
يتم توحيد الله سبحانه وتعالي على ثلاثة أوجه في وقت واحد على النحو التالي :
1. - توحيده في ذاته ، أي انه واحد في ذاته ، فذاته غير مركبة من أجزاء ، و لا وجود لإله آخر خارج ذاته المقدسة .
2. - توحيده في الصفات ، أي الاعتقاد بأن صفاته هي عين ذاته و ليسـت مغايرة لذاته بأن تكون له ذات و له صفات كما هو شأن المخلوقين ، كما يجب الاعتقاد بأنه لا نظير له في العلم و القدرة و لا شريك له في الخلق و الرزق ، و لا ند له في كل كمال .
3.- توحيده في العبادة ، فلا تجوز عبادة سواه بأي وجه من الوجوه .

والمقصـود بالتوحيد هو:معرفة أن الله سبحانه و تعالى واحد في الربوبية و لا شريك له في العبودية ، و هو واحد أحد، فرد صمد ، ليس كمثله شيء ، قديم لم يزل و لا يزال ، و هو الأول و الآخر ، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير ، لا يوصف بما توصف به المخلوقات ، فليس هو بجسم و لا صورة ، و ليس جوهرا و لا عرضا ، و ليس له ثقل أو خفة و لا حركة أو سكون و لا مكان و لا زمان ، و لا يشار إليه ، و لا ندّ له و لا شبه و لا ضد ، و لا صاحبة له و لا ولد ، و لم يكن له كفوا أحد ، لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار .
يقول الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه المنهاج النبوي : "أول العلم التوحيد ، يتلوه عبادة الله سبحانه ، وحدة العقيدة تلزم وحدة المعبود . و هذه تلزم وحدة السلوك الإيماني ، و وحدة الولاية ، و وحدة الغاية و الهدف . عقيدتنا الموحدة تقتضي منا أن نسعى لتوحيد الأمة ابتداء من توحيد الجماعات القطرية . إذا كان أمر الله لنا واحدا ، و مسؤوليتنا عن تنفيذه واحدة ، و إرادتنا تنفيذه صادقة ، فمآلنا أن نتوحد لنكون تلك الأمة المنعوتة بالخير ، الشاهدة على الناس بالقسط . "

.ويقول الشيخ محمد عبده في بداية رسالة التوحيد:"التوحيد علم يبحث فيه عن وجود الله ،وما يجب أن يثبت له من صفات، وما يجوز أن يوصف به ،وما يجب أن ينفى عنه وعن الرسل لإثبات رسالتهم وما يجب أن يكونوا عليه وما يجوز أن ينسب إليهم ،وما يمتنع أن يلحق بهم.
أصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد لا شريك له وسمى هذا العلم به تسمية له بأهم أجزائه وهو إثبات الوحدة لله في الذات والفعل في خلق الأكوان وأنه وحده مرجع كل كون ومنتهى كل قصـد . وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي كما تشهد به آيات الكتاب العزيز.وقد يسمى علم الكلام : إما لأن أشهر مسـألة وقع فيها الخلاف بين علماء القرون الأولى هي أن كلام الله المتلو حادث أو قديم وإما لأن مبناه الدليل العقلي وأثره يظهر من كل متكلم في كلامه. وقلما يرجع فيه إلى النقل اللهم إلا بعد تقرير الأصول الأولى ثم الانتقال منها إلى ما هو أشبه بالفرع عنها وإن كان أصلا لما يأتي بعدها .وإما لأنه في بيانه طرق الاستدلال على أصول الدين أشبه بالمنطق في تبيينه مسالك الحجة في علوم أهل النظر، وأبدل المنطق بالكلام للتفرقة بينهما .".ويقول في نفس الرسالة :"فالذي يوجبه علينا الإيمان هو ان نعلم أنه(يعني الله) موجود لا يشبه الكائنات ، أزلي ،أبدى ،حي، عالم ،مريد ،قادر، متفرد في وجوب وجوده ،وفى كمال صفاته، وفى صنع خلقه .وأنه متكلم ،سميع بصير. وما يتبع ذلك من الصفات التي جاء الشرع بإطلاق أسمائها عليه. (...)"صنع الله الذي أتقن كل شيء وأحسن خلقه مشحون بضروب الحكم ففيه ما قامت به السموات والأرض وما بينهما وحفظ به نظام الكون بأسره وما صانه عن الفساد الذي يفضى به إلى العدم وفيه ما استقامت به مصلحة كل موجود على حدثه خصوصا ما هو من الموجودات الحية كالنبات والحيوان ولولا هذه البدائع من الحكم ما تيـسر لنا الاستدلال على علمه (...)فوجوب الحكمة في أفعاله تابع لوجـوب الكمال في علمه وإرادته. وهو مما لا نزاع فيه بين جميع المتخالفين. وهكذا يقال في وجوب تحقق ما وعد ، وأوعد به، فإنه تابع لكمال علمه وإرادته وصدقه وهو أصدق القائلين. وما جاء في الكتاب أو السنة مما قد يوهم خلاف ذلك يجب إرجاعه إلى بقية الآيات وسائر الآثار حتى ينطبق الجميع على ما هدت إليه البديهيات السابق إيرادها وعلى ما يليق بكمال الله وبالغ حكمته وجليل عظمته والأصل الذي يرجع إليه كل وارد في هذا الباب قوله تعالى "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون"
وقوله :"لاتخذناه "من لدنا أي لصدر عن ذاتنا المنفردة بالكمال المطلق الذي لا يشوبه نقص وهو مح, وإن فى قوله: «  إن كنا فاعلين "نافية وهو نتيجة القياس السـابق ،بقى أن الناظرين في هذه الحقائق ينقسمون إلى قسمين فمنهم من يطلب علمها لأنه شهوة العقل وفيه لذته فهذا القسـم يسمى المعاني بأسمائها ولا يبالى جوز الشرع إطلاقها فى جانب الله أم لم يجوز فيسمى الحكمة غاية وغرضا وعلة غائية ورعاية للمصلحة وليس من رأيه أن يجعل لقلمه عنانا يرده عن إطلاق اسم متى صح عنده معناه وقد يعبر بالواجب عليه بدل الواجب له غير مبال بما يوهمه اللفظ .

ثم يقول في إعمال النظر وما يجب أن يترتب على التوحيد من الحفاظ على وحدة الأمة وعلى العمل بما أمر الله به: “هل يصـح أن تكون سعة المجال أو التعفف في المقال سببا في التفرقة بين المؤمنين وتماريهم في الجدال حتى ينتهى بهم التفرق إلى ما صاروا إليه من سوء الحال؟. أفعال العباد كما يشهد سليم العقل والحواس من نفسه أنه موجود ولا يحتاج في ذلك إلى دليل يهديه ولا معلم يرشده. كذلك يشهد أنه مدرك لأعماله الاختيارية يزن نتائجها بعقله ويقدرها بإرادته ثم يصدرها بقدرة ما فيه ويعد إنكار شييء من ذلك مساويا لإنكار وجوده في مجافاته لبداهة العقل كما يشهد بذلك في نفسه يشهده أيضا في بنى نوعه كافة متى كانوا مثله في سلامة العقل والحواس ومع ذلك فقد يريد إرضاء خليل فيغضبه وقد يطلب كسب رزق فيفوته وربما سعى إلى منجاة فسقط في مهلكة فيعود باللائمة على نفسه إن كان لم يحكم النظر في تقدير فعله ويتخذ من خيبته أول مرة مرشدا له في الأخرى، فيعاود العمل من طريق أقوم وبوسائل أحكم ويتقد غيظه على من حال بينه وبين ما يشتهى إن كان سبب الإخفاق في المسعى منازعة "ويتجه الإنسان في ذلك "لى أن في الكون قوة أسمى من أن تحيط بها قدرته وأن وراء تدبيره سلطانا لا تصـل إليه سلطته فإن كان قد هداه البرهان وتقويم الدليل إلى أن حوادث الكون بأسره مستندة إلى واجب وجود واحد يصرفه على مقتضى علمه وإرادته خشع وخضع ورد الأمر إليه فيما لقى ولكن مع ذلك لا ينسى نصيبه فيما بقى فالمؤمن كما يشهد بالدليل وبالعيان أن قدرة مكون الكائنات أسمى من قوى الممكنات يشهد بالبداهة أنه فى أعماله الاختيارية عقلية كانت أو جسمانية قائم بتصريف ما وهب الله له من المدارك والقوى فيما خلقت لأجله. وقد عرف القوم شكر الله على نعمة فقالوا هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله على هذا قامت الشرائع وبه استقامت التكاليف ومن أنكر شيئا منه قد أنكر مكان الإيمان من نفسه وهو عقله الذى شرفه الله بالخطاب فى أوامره ونواهيه "ويرى الشيخ محمد عبده :"أن الإيمان بوحدانية الله لا يقتضى من المكلف إلا اعتقاد أن الله صرفه فى قواه فهو كاسب كإيمانه ولما كلفه الله به من بقية الأعمال واعتقاد أن قدرة الله فوق قدرته ولها وحدها السلطان الأعلى في إتمام مراد العبد بإزالة الموانع أو تهيئة الأسباب المتممة مما لا يعلمه ولا يدخل تحت إرادته أما التطلع إلى ما هو أغمض من ذلك فليس من مقتضى الإيمان .."

فسبحانه وتعالي :" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "(سورة الحشر - 59 ).

ما ذهب إليه المتكلمة
وقال المتكلمون والفقهاء بأن التوحيد هو : إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات .أو : اعتقاد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته و أسمائه وصفاته..
وقسموا التوحيد ، والشـيء الواحد لا يقبل التقســيم إلى توحيد للربوبية وتوحيد للألوهية وتوحيد للصفات. وثلاثتها تعود إلى الله وحده الذي ليس له مثيل ولا شريك له في ملك السموات والأرض وما بينهما. وقالوا إن توحيد الألوهية : هو توحيد المعبود فلا يعبد سواه ، والمعبود هنا هو الله.وأنه: إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء و الإماتة ، وهو اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى خالق العباد ورازقـهم، محييهم ومميتهم.أو إفراد الله بأفعاله، مثلا اعتقاد أنه الخالق والرازق.ويقال له توحيد العبادة: وهو إفراد الله بالعبادة، لأنه المستحق لأن يعبد، لا سواه، مهما سمت درجته وعلت منزلته.

وقالوا إن الأمم التي أرسل إ ليها الأنبياء كانوا يوحدون الربوبية دون الألوهية فأرسل الله لهم الرسل لكي يوحدوا الاثنين معا : الربوبية والألوهية واستشهدوا في ذلك بالعديد من الأيات :
قال تعالي:"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُول اًنِ اعْبُدُواْ اللّهَ " قوله: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ" [يونس: 31.]وقال:”وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ إِ نّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * أَن لاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللّهَ إ ِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْمٍ أَلِيمٍ"
"قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبّ لْعَالَمِينَ * قَالَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَابَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مّوقِنِينَ”
"قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ "
"قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَالَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ"

واستدلوا على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية بالأيات الأتية:
قال الله تعالى: (وَلَئِنسَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ "(لقمان 25) وقوله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّـنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ *فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ)8
وقوله تعالى (وَلَئِنسَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ليقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُالْعَلِيمُ "(الزخرف 9 )
قول القرآن : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ"( العنكبوت/61)
وقول القرآن : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ " (العنكبوت/63)
وقوله جل شانه : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ).

شواهد على أن الشرك في الربوبية وليس الألوهية.
في مقابل ما سبق يشهد تاريخ الأديان وما جاء في كتاب الله نفسـه بأن المشركين كانوا على علم بوجود الله الخالق البارئ المصـور ،وبوحدانيته في هذا الشأن ،وإنما أتخذوا من دونه أربابا اختصوها بالعبادة من دونه .وعلى هذا النحو تكون الربوبية هي التي تتصـل عندهم بالعبادة . وجاءت لهم الرسل لكي تصحح خطأ اعتقادهم الذي فرقوا فيه بين الله والرب وهما واحد أحد ، فرد صمد ، وما الله والرب سوى أسمان من أسمائه الحسني.وإذا ما كانوا قد سموا أربابهم آلهة ، فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا . و.يمكن الاستشهاد في ذلك بالقرآن أيضا وبنفس بعض ما سبق من آيات وغيرها:
قوله تعالي : "قُلْ يَأَهْلَ الْكِتـاب تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللـه وَلاَ نُشـرك بـه شَيْئاً ، وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ "فالأحق بالعبادة هنا الله وليس الأرباب ، والذي نجد تسميته في تراث الفراعنة برب الأرباب .
وقوله أيضا :"قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَالَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ"[الأعراف:59]
وقوله :"وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَبُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ"
وقوله: "وَأَنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللّهِ أَحَداً"
وقوله :"واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " النساء/36
و"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" [النّحل:36].
"ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" [الأنعام:102]،
بل وكما نسب الله العبادة له نسبها أيضا له بصفته ربا ، فقال : " وقضـى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" (الإسراء/23)، وقال تعالى:"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَان" (الأنعام:151) وقال تعالى: "وَلَئِـنْ سَأَلْتَهُمْ مَـنْ خَلَـقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ،قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَ نِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه" (الزمر:38 ).
وأوّل أمرٍ جاء في كتاب الله هو قوله تعالى: «  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَـكُمْ وَالَّذِيـنَ مِـنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِـنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ "[البقرة:21-22].
وهو ما يؤكد أن الربوبية والألوهية شيء واحد .وإذا كان لفظ الألوهية مشتق من اسم:"الله" والله هو ذاته :"رب السماوات والأرض" فكيف يقولون بوجود ألوهية وربوبية وهما شيئ واحد.

التحول من التوحيد ألى الشرك :
علينا أن نفكر قليلا فيما تصـوره المشركون قبل أن تأتيهم الرسل لكي يستبين لنا الأمر. فقد آمن هؤلاء بوجود إله هو الملك القدوس المدبر للكون، وهو أيضا الرزاق والمهيمن. ولكن عقولهم اتجهت قياسا على ملوك الأرض بأن الله إنما يستعين لإنفاذ القضاء والقدر بأعوان من الملائكة أو غيرهم فوضهم وخصصهم في كل أمر/ فمنهم المختص بتسيير الرياح ومهم المختص بالأمطار وجريان الأنهار. ومنهم المختص بالحكمة. ومنهم المختص بالخصوبة .ومنهم المختص بالحب وغير ذلك من أفعال وصفات الله . وكان أن جعلوا لكل فعل أو صفة ربا عبدوه لكي يرضي عنهم والتمسوا لديه ما هو مختص به .وبالتالي تركوا الأصل في تصورهم ولاذوا بما اعتبروه أو توهموه فروعا له أو خدما لديه . بل أوهمهم الشيطان بأن الله اختار أيضـا أعوانا من الجن .
وفي المغرب يعتقد أناس فيما يسمي بعائشة البحرية والتي يقولون بأنها جنية ونلجأ النساء إليها من أجل الخصوبة ، مثلما وزعوا بعض الاختصاصات على عدد من الأولياء . وهم في ذلك لا يختلفون في واقع الأمر عن قوم نوح ."لَوْ كانَ فيهِما آلهةٌ إلاّ اللّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفون" (الاَنبياء ـ 22). "وَمَا كانَ مَعَهُ مِن إلهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفون" (الموَمنون ـ 91).
وقد نقل عن ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالي على لسان قوم نوح:"وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنّ وَدّاً وَلاَسُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً" بأن هذه الأسماء هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسـون فيها أنصـابا أي صوروهم على صور أولئك الصالحين وسموها بأسمائهم ففعلوا، و لم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت.
ولننظر ألي عقيدة الصابئة والذين جمعوا بين توحيد الله وعبادة النجوم والكواكب وكان منهم المصريون . ثم ‘لى ما جاء به أخناتون في مصر القديمة من توحيد الآلهة والأرباب في إله واحد هو الشمس. إذ يمكن القول بأن وصف الله بأنه نور السموات والأرض الذي جاء في القرآن لابد أن يكون قد جاء أيضا في الكتب السماوية الأقدم من التوراة والإنجيل والزبور ، وقد رأى أخناتون بأن الشمس هي التي تنير السموات والأرض في تصوره ، وهي بذلك الله الواحد الأحد ،وكانت الصابئة تعتبر النجوم هي ملائكة الله طالما جاء في الكتب السماوية بأنها أجسام أو كيانات نورانية ، وإنهم الذين ينفذون مشيئة الله ويقومون بالتالي بأعماله بتفويض منه ، خاصة وقد عرف مثلا بأن للموت ملاك يسمي عزرائيل . من هنا كانت عبادتهم الكواكب واهتمامهم بحساب ظهورها ومواقعها في السماء وما يعرف اليوم بعلم الفلك ، ودور كل ملك/نجم في أحداث الفيضانات أو الكوارث أو جلب الخيرات في العالم وهو ما يعرف حتي اليوم بالتنجيم .وقد سموا أيضا الآلهة بأسماء الكواكب.
وما زال المنجمون في الشرق والغرب لا يكفون عن التنبؤات استنادا إلى حركة النجوم .لذا يمكن القول بأن المشركين وحدوا الألوهية ولم يوحدوا الربوبية عندما اتخذوا لهم أربابا يعبدونهم من دونه ، ووزعوا عليهم اختصاصات الرب حسب زعمهم .والتي اختصوها بالعبادة ، أي عكس ما قال به علماء السلف.
وقد نقل المؤرخون أنّ أوّل من أدخل الوثنية في مكة ونواحيها وروّجها فيها هو : «عمرو بن لحي». فقد رأى في سفره إلى البلقاء من أراضي الشام أُناساً يعبدون الأوثان، وعندما سألهم عمّـا يفعلون قائلاً: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها؟! قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصـرنا ... قال لهم: أفلا تعطونني منها فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ وهكذا استحسن طريقتهم واستصحب معه إلى مكة صنماً كبيراً باسم «هبل» ووضعه على سطح الكعبة المشرّفة، ودعا الناس إلى عبادتها.وقد ظل في المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من يؤمن بوجود علاقة بين الكواكب والمطر ويدل على ذلك ما جاء في سيرة ابن هشام من أنه: لما أصابَ المسلمين مطرٌ في الحديبية لم يبل أسفل نعالهم أي ليلاً، فنادى منادي رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم: أن صَلّوا في رحالكم، وقال صلّى الله عليه و آله و سلّم صبيحة ليلة الحديبية لما صلّى بهم: «أتدرونَ ما قال ربّكم»؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم قال: قال اللّهُ عزّ وجلّ: صَبَّح من عبادي موَمنٌ بي وكافر، فأمّا من قال: مُطرْنا برحمةِ اللّه وفضله فهو موَمن باللّه وكافر بالكواكب، ومن قال: مُطرنا بنجم كذا وفي رواية بنوء كذا وكذا
فهو موَمن بالكواكب وكافر بي» ، ومن الصعب أن يتخلص أناس من بقايا الجاهلية واستبدال ثقافة نشأوا عليها وأخرى جديدة خلال أيام أو سنوات .وقد رأينا النبي صلي الله عليه وسلم يغضب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول له : إنك امرؤ مازال فيه بعض من الجاهلية.وهذه الحقيقة التي يؤكدها علم النفس والاجتماع والمواقف لبعض السلف الصالح ينكرها من ينزهون هذا السلف الصالح عن الخطأ ولكأنهم لم يكونوا بشرا. بل ويضفون عليهم قدرا كبيرا من القداسة.
أما الشيعة اثني عشرية فيقولون :أن توحيد الله يشتمل على أربعة أقسام هي:
*توحيد الذات: يعني أن الله واحد لا شريك له.
* توحيد الصفات: يعني أن صفات الله هي عين ذاته.
*توحيد الأفعال: يعني أن الرزاق والمدبر للكون هوالله.
* توحيد العبادة: يعني أن الله هو المستحق الوحيد للعبادة فقط.
وهم بذلك لا يفرقون بين الربوبية والألوهية ولا يقسمون التوحيد وإنما يتحدثون عن الصور العامة له التي يكون عليها.وأقرب إلى الصواب من غيرهم ممن قالوا بألوهية وربانية وأسماء وصفات . بل يمكن القول بأن توحيد الذات والصفات يندرج ضمن الإيمان وتوحيد الأفعال والعبادة يدخل ضمن مفهوم الإحسان وهو ما سيتم التعرض له فيما بعد.

أقوال السلف وهشاشة القول بالإجماع:
نأتي هنا إلى ما يقول به السلفيون بالتمسك بما أجمع عليه علماء السلف ويصفون أنفسهم بأهل السنة والجماعة ، ويرفضون أي قول لم يقل به السلف من قول إن كان يخالفهم دون مناقشته ، وإن نا قشوه أسسوا المناقشة على ما قال به الإمام فلان والإمام فلان دون إعمال المنطق والعقل وإعادة فهم النصوص التي اعتمد عليها السلف. بل يصل ببعضهم إلى اعتبار من قال بغير ما يقولون به قد خرج على أهل السنة والجماعة ، ولم يعد بخروجه هذا من المسلمين حتى لو كان قوله المخالف لهم فيه تعزيز للمعرفة الحقة والصحيحة بالدين وإصلاح لعقيدة المسلمين ولا يتوخى صاحبه منه غير مرضاة الله سبحانه وتعالي عليه.
لو راجعنا تاريخ التعليم في العالم الإسلامي وكيف كان يتم نقل المعرفة لأمكننا القول بأن ما يوصف بالأجماع ليس في واقع الأمر سوى قول فرد واحد معرض للخطأ والصواب تم اجتراره وتكراره أو إعادة انتاجه بإضافة حواشي عليه لا تغير من مضمونه وجوهره على مدى قرون .فالسائد في التعليم كان يتمثل في شيخ معلم يلتف حوله عدد من التلامذة ينقل أليهم من وصله من علم من سبقوه وتتلمذ على أيديهم ، ومن تتلمذ على يديه واستوعب كل ما قاله أجازه كتابة بأن يعيد تعليمه للآخرين وهكذا كان ما قاله فرد واحد يتم نقله من جيل ألي جيل دون مراجعة أو تمحيص ، باعتباره نقل ذي بدء عن عالم ثقة في العلم .
أقالوا أن توحيد الأسماء والصفات هو : إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات ،وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسـه من الأسماء والصفات في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. فيعتقد العبد أن الله لا مماثل له في أسمائه وصفاته ،قال تعالي :"وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بهَا"وقال :"لَيْـسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّـــمِيعُ
ا لْبَصِــيرُ"
وهذا التوحيد يقوم على أساسين :
الأول : الإثبات : أي إثبات ما أثبته الله لنفسـه في كتابه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف لها أو تأويل لمعناها أو تعطيل لحقائقها .أوتكييف لها .
الثاني : التنزيه : وهو تنزيه الله عن كل عيب ، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص ، والدليل على ذلك ما جاء في كتاب الله من أنه : ( ليس كمثله شـيء وهو السميع البصير ) فنزه نفسه عن مماثلته لخلقه ، وأثبت لنفسه صفات الكمال على الوجه اللائق به سبحانه .
والايمان بذلك هو في الواقع ما يدفع ألى توحيد ألوهية وربا نية الله سبحانه وتعالي والذي يجعله وحده الأحق بالعبادة والذكر والدعاء والرجاء والحمد والشكر والطاعة لما حكم أو أوصي به.

فضـائل التوحيـد ومساوئ الشرك:
من فضائل التوحيد التي تجعل المؤمن شديد الحرص عليه وجعله خالصا لله ل اتشوبه أية شائبة شرك أنه :1 - التوحيد سبب دخول الجنة والخروج من النار قال تعالى “ لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ للّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّـارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ “ وفي صحيح مسلم ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ،ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار )وفي حديث :فإن الله حرم على النار من قال لا اله الا الله يبتغي وجه الله .
2 - التوحيد شرط لقبول العمل ، والشرك سبب لحبوطه ، قال تعالى : «  وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ من قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "(الزمر 65)وقال تعالى :« فَمَن كَـانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا “
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله: أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئ) (البخاري )
قال أبو عبد الله التشتري رحمه لله ( الإيمان قول وعمل ونية وسنة ، فإن كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإن كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق ، وإن كان قولاً ونية وعملاً بلا سنة فهو بدعة).
3 - إن الشرك بالله خطيئة عظمي لا يعفرها الله بينما يغفر غيرها من الخطايا إن شاء ، قال تعالي : « إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا “ ، ".بل التوحيد يكفر الخطايا ويحط السيئات لقوله تعالى في الحديث القدسي :« يابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة “ “ وَمَنْ يُشْرِكُ باللّهِ فَكَأنَّما خَرَّ مِنَ السَماءِ فَتَخْطَفهُ الطَّيرُ أوْ تَهوي بِهِ الرّيحُ في مَكانٍ سَحِيق» (الحج ـ 31)..
والشرك نصف كفر أما الكفر الكامل فهوإنكار وجود الله أصلا على نحو ما كان عليه غلاة الشيوعيين والدهريين الذين قال الله عنهم : "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ ، وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ" (الجاثية:24).وقد رأيت من الشيوعيين السابقين وسمعت عن مثيل له في المغرب من احتج علنا على خطيب في حزبه لآنه بدأ خطابه باسم الله وصاح فيه : الله ليس له مكان هنا يا رفيق.وجادل الله هؤلاء المنكرين لوجوده في أيات منها قوله تعالي :"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ" (الطور:35-36)، ولا عن قوله تعالى: "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ" [لقمان: 11]، "قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ" [الأحقاف: 4].ولم يستطع هؤلاء على مدي التاريخ أن يقدموا دليلا واحدا يثبت عدم وجود الله ، وإنما لجأ أئمة كفرهم الذين اتبعوهم إلى ادعاءات لا يقبلها ذو عقل سليم ولا تجيب على الأسئلة أو تدحض الأدلة التي تثبت وجود الله ووحدانيته.

التوحيد في الإيمان والإحسان:
وقد تكون المفارقة أن معظم من عرفوا بالشرك أو الإلحاد لم تكن تنقصهم المعرفة في أمور أخرى ، بل والتفوق فيها ، مما يدل على أنه لا يوجد نقص في عقولهم وإنما انحراف في طريق تفكيرهم فقط فيما يتعلق بالدين ،وكأن الله طمس على قلوبهم ، وهذه الملاحظة نجدها في القرآن الكريم أيضا حيث يحدثنا الله عن عاد وثمود فيقول :"وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّـنَ لَكُـمْ مِـنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّـنَ لَـهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ فَصَـدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" (لعنكبوت:38).أي كانوا على بصيرة من أمرهم .وقد أقام الفراعنة أيضا حضارة عظيمة لم يسبقهم إليها أحد في العالمين وما زالت مثار إعجاب وحيرة لعلماء زماننا .
ويوضح الشيخ محمد عبده أمر هؤلاء من ضلوا من المبصـرين :"فقد يسـيء البصير استعمال بصره فيتردى فى هاوية يهلك فيها وعيناه سليمتان تلمعان في وجهه يقع ذلك لطيش أوإهمال أو غفلة أو لجاج وعناد وقد يقوم من العقل والحس ألف دليل على مضرة شيء ويعلم ذلك الباغي في رأيه من أهل الشـر ثم يخالف تلك الدلائل الظاهرة ويقتحم المكروه لقضاء شهوة اللجاج أو نحوها ولكن وقوع هذه الأمثال لا ينقص من قدر الحس أو العقل فيما خلق لأجله"ويقول في رسالة التوحيد عن الشرك:"فالإشراك اعتقاد أن لغير الله أثرا فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة وأن لشـيء من الأشياء سلطانا على ما خرج عن قدرة المخلوقين وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعينا به فيما لا يقدر العبد عليه كالاستنصار في الحرب بغير قوة الجيوش والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله إليها والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا هذا هو الشرك الذي كان عليه الوثنيون ومن ماثلهم فجاءت الشريعة الإسلامية بمحوه ورد الأمر فيما فوق القدرة البشرية والأسباب الكونية إلى الله وحده وتقرير أمرين عظيمين هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية الأول أن العبد يكسب بإرادته وقدرته ما هو وسيلة لسعادته والثانى أن قدرة الله هي مرجع لجميع الكائنات وأن من آثارها ما يحول بين العبد وبين إنقاذ ما يريده وأن لا شـيء سوى الله يمكن له أن يمد العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه جاءت الشريعة لتقرير ذلك وتحريم أن يستعين العبد بأحد غير خالقه في توفيقه إلى إتمام عمله بعد إحكام البصيرة فيه وتكليفه بأن يرفع همته إلى استمداد العون منه وحده بعد أن يكون قد أفرغ ما عنده من الجهد في تصحيح الفكر وإجادة العمل ولا يسمح العقل ولا الدين لأحد أن يذهب إلى غير ذلك..."
وهؤلاء إذن لم يمنعهم عن الايمان والتوحيد جهل وإنما منعتهم جهالة نتجت عن الغرور والاستكبار كما قال الله عز وجل عن الفراعنة : "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا"(النّمل:14),
وطريق الظلم هو طريق الشرك والإلحاد ."إنَّ الَّذِينَ لايُوَْمِنونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنّا لَهُمْ أعْمالَهُم" (النمل ـ 4)"وَإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشّيطانُ أعمالَهُم وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْم" (الاَنفال ـ 48)"
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أيديهِمْ" (فصّلت ـ 25)."وقالَ الملاَُ مِـنْ قَـومِ فرعَونَ أتَذَرُ مُوسى وقَومَهُ لِيُفْسِدُوا في الأرضِ ويَذَرَكَ وآلِهتِكَ" (الأعراف ـ 127)وقولهم بأن توحيد الله وترك ما يعبدون من آلهة لا يختلف كثيرا عما قال غيرهم من المحدثين بأن الدين أفيون الشعوب ، أو الذين يحاربون الإسلام ويضيقون بالمتدينين به سواء من داخل بلاد المسلمين أو من خارجها ، وهم في الواقع إنما يدفعهم إلى ذلك الاستكبار والغرور والحفاظ على مصالحهم التي يعتبرون أن ما يدعو إليه الدين من عدالة وحفظ حقوق الإنسان وكرامتهم فيه خطر عليها.
خلاصة القول هنا أن من قوله تعالي في سورة الفاتحة على سبيل المثال : " الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ،مالك يوم الدين (وفي قراءة ملك يوم الدين)..." وفى الاستعاذة به في قوله تعالي :" قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، اله الناس..." نستنتج أن الله والرب والرحمان والرحيم كلها أسماء لمسمي واحد هو الله ، وأن ما ذهب اليه متكلمة السلف وفقهائهم في الفصل بين الألوهية والربوبية ، هو تكلف منهم لا مبرر له ، وأنه ربما اشتبه عليهم الأمر ، وأنه يكفي القول بوحدانية الله سبحانه وتعالي :إيمانا وعبادة.قال تعالي:"( رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا ).
ويقول ابن القيم:( وأمّا التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه ، فوراء ذلك كله، وهو نوعان :
توحيد في المعرفة والإثبات وتوحيد في المطلب والقصد .بل نقول قولاً كليًّا :إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه.فإن القرآن إمّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو التوحيد العلمي الخبري وإمّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له ، وخلع كلّ ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي وإمّا أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بطاعته في نهيه وأمره ، فهي حقوق التوحيد ومكملاته وأمّا خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده وأمّا خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد .
وقد راج تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام بعد أن تبناه الوهابيون.واعتمدوا في ذلك على ما أخذه محمد بن عبد الوهاب من أقوال ابن تيمية وابن القيم ويعززه قول نفس الشيء من قبل الشيخ الشنقيطي. وهم لا يقبلون أي مراجعة أو مناقشة أو نقد لما جاء به شيخهم ويعتبرونه الحقيقة المطلقة الغير قابلة للنقض ، ومن خالفها خرج على أهل السنة أو الجماعة إن لم يتهمونه بالكفر.

ولا يعد تعدد القائلين بشـيء خاطئ دليل على صحته ، فقد كان ثمة إجماع على القول بعدم كروية الأرض وأنها لا تدور حول الشمس حتي جاء من قال بغير ذلك ، وأنكرت قوله الكنيسـة الكاثوليكية آنذاك وأتباعها ، بل وبعد أن انتـشر الاعتقاد بذلك ، ظل علماء دين في أحدى الدول الإسلامية ينكرون ذلك ويتهمون من يقول به بالكفر حتى الستينيات، رغم إجماع العالم كله بما فيه العالم الإسلامي على الإقرار بذلك ومع ذلك يقولون بأن مذهبهم هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهم لا يتبعون الجماعة إن خالفتهم. ورغم وجود شواهد بأن علماء فلك مسلمين توصلوا ألى معرفة ذلك قبل جاليليو .وكوبرينكوس.وما منعهم من سوي الكبر والاعتزاز بما عندهم حتي ولو كان خاطئا. والعناد.
وإذا كان التوحيد كما تبين مما سبق قائم على المعرفة الحقة وإفراد الله بالعبادة ، فإن الأيمان قائم على المعرقة ودليل عليها ، والعبادة هي الإحسان قولا وعملا ، فيكون التوحيد هو الإيمان والإحسان : ولو أنه الركن الأول في الإسلام المعبر عنه بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

الإسلام والتوحيد:
يقول الشيخ محمد عبده:"جاء الدين الإسلامى بتوحيد الله تعالى في ذاته وأفعاله وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين فأقام الأدلة على أن للكون خالقا واحدا متصفا بما دلت عليه آثار صنعة من الصفات العلية كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها وعلى أنه لا يشبهه شـيء من خلقه وأن لا نسبة بينه وبينهم إلا أنه موجدهم وأنهم له وإليه راجعون ."قل هو الله أحد ألله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" وما ورد من ألفاظ الوجه اليدين والاستواء ونحوها له معان عرفها العرب المخاطبون بالكتاب ولم يشتبهوا في شـيء منها وأن ذاته وصفاته يستحيل عليها أن تبرز في جسد أو روح أحد من العالمين وإنما يختص سبحانه من شاء من عباده بما شاء من علم وسلطان على ما يريد أن يسلطه عليه من الأعمال على سنة له فى ذلك سنها في علمه الأزلي الذي لا يعتريه التبديل ولا يدنو منه التغيير وحظر على كل ذى عقل أن يعترف لأحد بشيء من ذلك إلا ببرهان"وإذ"يقف ذلك الموقف مع طول الزمن وانفساح الأجل كل ذلك يدل على أن الناطق هو عالم الغيب والشهادة لا رجل يعظ وينصح على العادة.فثبت بهذه المعجزة العظمى وقام الدليل بهذا الكتاب الباقى الذي لا يعرض عليه التغيير ولا يتناوله التبديل أن نبينا محمدا رسول الله إلى خلقه فيجب التصديق برسالته والاعتقاد بجميع ما ورد في الكتاب المنزل عليه والأخذ بكل ما ثبت عنه من هدى وسنة متبعة "وقد ختم الشيخ محمد عبده رسالته في التوحيد بالأية الكريمة:"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بع ذ لك فأولئك هم الفاسقون"وقوله تعالي في سورة الجن :"وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسـا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعوا ربى ولا أشرك به أحدا قل إنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدوا فسيعلمون من أضعف ناصرا واقل عددا قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلقه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا"

عندما جاء الإسلام لم يدخل تغييرات جذرية على بنية عقيدة التوحيد التي كانت لدى الصابئة واليهود والنصارى من أهل الكتاب ، وإنما أدخل عليها تحسينات جوهرية استهدفت تجريدها من كل مظاهر الشرك والوثنية التي لحقت بها ، ولم يأمر بها الله أو ينزل بها من علم ، وأنما ساق البشر إليها أوهامهم التي خرجت بهم من منطق العقل الذي يجب أن يحكم العقيدة .
واشتق الإسلام أسمه من معني أن يسلم الإنسان وجهه لله وحده لا يشرك معه من خلقه أحدا ، ولا يتخذ الإنسان ممن هم دون الله وليا أو نصيرا ، فلا أرباب ولا وسطاء ولا أولياء ولا وكلاء مفوضون عنه . وإنما رب واحد للعالمين يتكفل بهم وبأرزاقهم ، وبحياتهم ومما تهم ، وعلى كل شيء قدير .وهو السميع الحليم البصير ، قريب اليهم يجيب دعوة الداعي إذا دعاه .

وبذلك يكون الإسلام قد وحد الألوهية والربوبية في ذات الله الواحد بعدما كانت الصابئة قد وحدت فيه الألوهية ووزعت الربوبية على أرباب ابتدعوها ، وكانت اليهودية والنصرانية قد قسمتا الربوبية داخل اللاهوت بين اثنين في الأولي وثلاثة في الثانية . ولذا جاء الإسلام ليرتقي بالتوحيد إلى التوحيـد الأسمى والكامل والنهائي.
وجعل الإسـلام أيضـا وحدة العقيدة الأساس الوحيد لوحدة الأمة التي يمكن أن تختلف في داخلها الأجناس والألوان واللغات والشعوب والقبائل ، دون أن تتأثر وحدة الأمة بذلك ، طالما تجمعها شهادةألا اله إلا الله ، محمد رسول الله ، الدالة على توحيـد الله ، والمدخل الوحيد إلى الإسلام. بل يمكن أن تختلف داخلها الأديان المتساكنة معا في سلام إذا ما كان بين أصحابها والمسلمين قاسم مشترك هو ألا يعبدوا غير الله ولا يشركوا به أحدا. ولا يطلب منهم التوحيد الإسلامي وأنما الحد الأدنى من التوحيد. ولذا فإن مجتمعا يتوزع المتعايشون والمتساكنون فيه بين الإسلام والمسيحية ، ولكنهم جميعا يلتزمون بالتوحيد ، كل حسب فهمه لدينه ، فإنه يشكل بسكانه أمة واحدة تتمايز عن باقي الأمم حولها القائمة على وحدة العرق أواللون أو الدين الواحد.والتي لا تلتزم بالتوحيد كعقيدة جامعة ، وفلسفة شاملة، أيا كانت ديانتها .فالعبرة ليست الالتزام الشكلي بالدين وإنما الالتزام الموضوعي به حيث التوحيد قوامه ومبتدأه ومنتهاه. والفرق بين الدين كمسمي وعقيدة التوحيد هو الفرق بين الشكل والموضوع والجزء والكل.
والإسلام يمكن أن يأخذ شكل دين فقط على النحو السـائد الآن عندما يتم بتره عن بنية العقيدة المتمثلة في التوحيـــد الذي هو روحها وجوهرها. وعن مكونيه الأكثر فاعلية وهما الإيمان والإحسان.

توحيـد المسيحيين:
توحيد الأقباط الأرثوذكس أو الأفارقة وهو الذي لدي علم به : توحيد مشوش يقول بوحدانية الإله ولكن في ذات الوقت يقولون بأن الإله الواحد مكون من ثلاثة أقانيم هم الآب والإبن والروح القدس ، ولكنني رأيتهم يعلمون النشـأ دينهم ويفسرون هذا الثالوث المقدس لديهم بأن العلاقة بين مكوناته ليست بعلاقة عضوية وإنما هي علاقة معنوية على غرار علاقة الشمس بالضوء الصادر منها وبالحرارة أيضا التي ترافق الضوء. وهي فكرة ربما ترجع جذورها إلى أخناتون ، مثلما يقال إن فكرة التثليث المسيحية مأخوذه أيضا عن عقيدة الفراعنة التي كانت فيها الألوهية يتقاسمها كل من أيزيس وأوزيريس وحورس. ثمة شبه بين قولهم هذا وما يقول به مسلمون من ألوهية وربانية وأسماء وصفات . بل سنجد أن المستشرقين يهتمون بمحي الدين بن عربي لقوله في كتابه نصوص الحكم :إن اول صورة تعينت فيها الذات الإلهية كانت ثلاثية وذلك التعيين كان في صورة العلم حيث العلم والعالم والمعلوم حقيقة واحدة وهذا ما دفع بعض المفكرين المسلمين من القول بأنهم موحدون بصـرف النظر عن صحة توحيدهم . فالغزالي يقارن معتقدهم دون أن يكون في قوله تزكية له وإنما محاولة لفهمه فيقول على نحو ما هو منسوب إليه :ان المسيحيين يعتقدون ان الله واحد وله اعتبارات :
فإن اعتبرت مقيدة بصفة لا يتوقف وجودها على تقدم وجود صفة قبلها كالوجود فذلك المسمى عندهم باقنوم الآب وإن اعتبرت موصوفة بصفة يتوقف وجودها على تقدم وجود صفة قبلها كالعلم فإن الذات يتوقف اتصافها بالعلم على اتصافها بالوجود فلك المسمى عندهم باقنوم الابن أو الكلمة . و إن اتبرت بقيد كون ذاتها معقولة فذلك المسمى عندهم باقنوم الروح القدس.فيقوم اذا من الآب معنى الوجود و من الكلمة أو الإبن معنى العلم ومن الروح القدس كون ذات البارى معقولة له..فتكون ذات الإلــه واحدة فى الموضوع .
وقال القاضى ابوبكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتابه الطمس في القواعد الخمس:-
إذا امعنا النظر في قول النصارى (المسيحيين) ان الله جوهر واحد وثلاث أقانيم لا نجد بينهم و بيننا اختلافا إلا في اللفظ فقط.ويقول في ذلك الشيخ محمد عبده:الجوهر الفرد الذي لا يقبل القسمة فعلا ولا عقلا ولا وهما لا حقيقه له ومعنى ذلك أن كل جوهر حقيقي قائم بكثرة بأي وجه من الوجوه .
ولو أن هؤلاء قالوا ما قالوه للحد من تعصـب المسلمين ضد من يعايشون من الأقباط ، والتقريب بينهم في المعتقدات لتحقيق المحبة والتسامح والتعاون بين مواطني بلد واحد ، وعملا بما أمر به رسول الله صـلي الله عليه وسـلم من الإحسان إليهم ، إما لحقوق الجيرة أو الرحم ، فمسعاهم هذا كريم. وهدفهم نبيل. وإذا كان قولهم ينطلق من مجرد المقارنة بين ما يقول به متكلمة المسلمين وما يقول به الأقباط فالتشابه موجود فعلا . ولكن إذا أخـذ التوحيد الإسلامي كما يمكن استخلاصه من الكتاب والسنة بما يوضح حقيقته ، وليس لتعزيز أو مساندة ما قال به متكلمة المسلمين ، فالقول الحق بأن توحيد التثليث هذا توحيدا مشوشا ،وغير مقبول هو أو ما يقاربه أو يشابهه في الإسلام .وتظل الكلمة الفصل هي لهم دينهم ولنا ديننا. ويظل بموجب كتاب الله هؤلاء المسيحيين الأرثوذكس الشرقيين أو التابعين لكنيسـة الاسكندرية من الأقباط المصـريين والأقارقة أقرب أهل الكتاب للمسلمين مودة.قال تعالي : « لََتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّـاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّــهِ وَمَا جَــــاءَنَا مِنَ الْحَـقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ " (المائدة:82- 85) وقد نزلت الأية في وفد نصاري نجران الذي التقي بالنبي صلي الله عليه وسلم والذي يبدو أنهم كانوا من الأريوسيين الموحدين الذين لا يقولون ببنوة المسيح لله ، ولو أنهم كانوا يقسمون اللآهوت إلى ثلاثة على نحو قريب مما قال به متكلمة المسلمين ، وأسلموا في نهاية الأمر . أما سواهم ممن يقولون بذلك فلو كان اعتقادهم في التوحيد مقبولا من الإسلام ما أرسل رسول الله الرسل اليهم رسلا يدعوهم للدخول في الإسلام . ولعل النجاشي ملك الحبشة كان على عقيدتهم إذ ثمة فرق بين الرسالة التي أرسلها إليه وبين تلك التي أرسلها ألي هرقل ، والذي كان مخالفا لهم في الاعتقاد .ويظهر ذلك أيضـا من قوله تعالي:" لَيْسُـواْ سَوَاء مِّـنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُـونَ آيَـاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ." (ال عمران ).فقد بعث رسول الله محمداً بن أمية الزمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وكتب معه كتاباً:(بـسم الله الرحمن الرحيــم ، من محمد رسول الله، إلى النجاشي الأقخم ملك الحبشة السلام عليك، فأني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن وأشهد أن عيسـى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ومعه نفر من المسلمين فإذا جاؤوك فخذهم ودع التجبر فأنني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وبلغت ونصحت فأقبل نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى).
وأرسل ‘الى هرقل و رسالة يقول فيها:(بسـم الله الرحمن الرحيم... من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتيك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين)(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِـنْ دُونِ اللَّهِ فَـإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). وأرسل رسالة مماثلة الى النجاشي ملك الحبشة والمقوقس حاكم مصر من قبل الرومان.وقال في رسالته للنجاشي ملك الحبشة:قال تعالى: “ وَمَـنْ يَبْتَـغِ غَيْرَ الإسْـلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْـهُ وَهُوَ فِي الآخِـرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ” (آل عمران:85) ، وقال تعالي في شأن قولهم بأن المسيح ابن الله :قال تعالى :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِيـنَ قَالُـوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (المائدة:72-73) و دعاهم إلى التوبة فقال سبحانه : " أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (المائدة:74)
فالمسيح بالنسبة للمسلمين كما قال عنه سبحانه : " مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "(المائدة:75) . ويطل مع ذلك أمرهم موكول إلى الله. ال تعالى " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " (آل عمران -55).وأن نعمل أيضا بما أوصاني الله به في شأنهم إذ قال سبحانه وتعالي:: " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " (العنكبوت 46 ). وهنا قد يكون من المفيد الإشارة أن فكره الثالوث في بداية الأمر قال بها الآريسيون الموحدون ثم تلقفها منهم بولس وأتباعه وحرفوها على هواهم حتي أخذت شكلها الحالي , وتغلبوا على آريوس فيالمناظرة التي تمت بينهما في مجمع نيقية ، وانتهي الأمر إلى سيادة صيغة الثالوث الحالية والتي تقول : باسم الأب والإبن والروح القدس ، إله واحد آمين. وهو ما يخشي منه من القول في التوحيد بتوحيد الألوهية والربانية والأسماء عوض القول بتوحيد الله في عبادته وحده لا شريك الله مخلصين له الذين ،عن طريق الإيمان الصحيح والإحسان الشامل ..

مراتب التوحيد الثلاثة:
التوحيد كما جاء في الفقرة السابقة هو :توحيد الله في عبادته وحده لا شريك الله مخلصين له الذين ،عن طريق الإيمان الصحيح والإحسان الشامل ..
وتتكون عقيدة التوحيـد الإسلامية من ثلاثة أجزاء أو درجات أو حلقات متماسكة هي: الإسلام والإيمــان والإحســان. والإسلام وحده مفصـولا عن الإيمان والإحسـان هو دين شكلي مثل كل الديانات التي وقفت عند حدود الشكليات والطقوس التعبدية ، ولا يتحول إلى عقيدة أو إيديولوجية شاملة ما لم يكن الإسلام مدخلا لعقيدة التوحيد بحيث يستكمل فيها الإيمان وهو الفكر والعلم والإحسـان وهو العمل الصالح.وهذه العقيدة في الواقع لم يبتدعها الإسلام في اكتماله التوحيدي ،وإنما جاء ليعيد بناء ما درس أو تهدم أو تشوه منها ، ويطهرها ويزيل عنها ما لحق بها من بطلان وزيف ، ولذا كانت أخر آية نزلت من القرآن : «  اليوم أكملت لكم دينكم ،وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا».فالدين الذي أكمل هو ما يحتوى عليه شهادة لفظية بالوحدانية والإقرار برسالة النبي محمد وإقامة مناسك الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا. أما النعمة التي تمت فهي القرآن الكريم الذي حدد وفصل الدين وما أحل وحرم وهو كلمة الله المقدسة التي تعهد بحفظها : “إنـا نزلنا الذكـر وإنـا له لحافظـون”، وتضـمن كل ما ارتضاه الله لعباده منهجا وسبيلا لحياتهم في الدنيا والآخرة. والإسلام الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالي لنا هو جماع الاثنين : الدين والنعمة ، وتسمية الإسلام هنا في آخر الآيــــــة فإن التسامي بالتوحيد ترتب عليه توحيد اللفظ المستخدم رغم تنوع دلالاته، سواء بالنسبة للفظ أسلام أو لفظ دين ، فمرة يستخدمان للدلالة على هوية دينية ، أو انتماء ديني ، ومرة للدلالة على منهج فكري وعقائدي وعملي شامل.وأشكال وصور وسبل العبادة قائمة في الإسلام والإيمان والإحسـان ، ولكل صور عبادته ، وعبادات الإحسان أوسعها نطاقا ، حت تبدو وكأنها ممتنعة عن الحصر.
العبادة في الإسلام محددة في أركانه الخمس : الشهادتين والصلوات الخمس المفروضة وما قد يلحق بها من نفل اتباعا لسنه أو تطوعا ، وصيام رمضان المفروض وما قد يضاف إ ليه من صيام أيام أخر تطوعا في الأشهر الأخرى، والزكاة المفروضة وما قد يكون معها من صدقات تطوعا ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا مرة واحدة مفروضة ولكن قد تتبعها مرات أخرى تطوعا.
أما العبادة في الأيمان فهي قراءة كتاب الله ، وذكر الله وتمجيده ، والصلاة والسلام على رسوله .والتفكر والتأمل في أيات الله وفي خلقه وهو أيضا من آياته .وطلب العلم والمعرفة ، ونقلهما للمسلمين ومن في حاجة إليهما. أي كلها عبادات عقلية وذهنية وفكرية.
ثم تأتـي عبادات الإحسـان العديدة وواسعة النطاق، والتي تشمل كل حركة المسلم في الأرض كمستخلف فيها وعلاقاته بإخوته المسلمين وبكافة مخلوقات الله.مصداقا لقوله تعالي :"مُّحَمَّدٌ رَّسُـولُ اللَّهِ وَالَّذِيـنَ مَعَـهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ . ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ . وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَـزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَـآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا "(الفتح.29) .وبالتالي فإن المسلم مطالب بأن يتمثل القيم الأخلاقية الإسلامية في جميع عباداته ومعاملاته.

وفي جميع هده العبادات لا يبتغي سوي وجه الله ومرضاته وحده لا شريك له .حريصـا على طاعته سبحانه وتعالي متجنبا معصيته. وبذلك يكون توحيد الله هو الإخلاص له وحده في العبادة.قال تعالي : « وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين “ (البينة -5) وقال تعالى:”قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” (_الأنعام:162-163) وقال: «  وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون «(الذاريات: 56) ،قال تعالى:« ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت »(النحل:36) . وقال تعالى:« وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"“.وقال:« إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (الأنبياء: 9) .ونجد في موقع الإسلام اليوم إن الباعث الأساسي للعبادة هو استحقاق الله تعالى لذلك فنحن نعبد الله جل وعلا لأنه مستحق للعبادة تحقيقا للغاية التي من أجلها خلق الإنس والجن كما قال الله تعالى(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فهو المستحق الوحيد للعبادة لعموم سلطانه على الكون وعظيم فضله على الخلق أجمعين . ومع ذلك يجب أن نعلم أن الله تعالى غني عن العالمين فالعبادة لا تزيده ولا تنقصه مثقال ذرة لأنه غني بذاته غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء مما في الوجود بل كل ما في الوجود محتااج إليه قال الله تعالى ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ). وعليه فإن ثمرة العبادة إنما ترجع إلى الشخص العابد نفسه إذ هو المحتاج إلى الله تعالى والمفتقر إليه استعانة وتوكلا كما قال تعالى(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)
حقق العبادة للمؤمنين ثمرات كثيرة تعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم ومن أهم تلك الثمرات .
أولا : تربية الروح وتغذيتها: ذلك أن الإنسان مكون من مادة وروح فإذا كان العنصر الجسدي فيه يجد حاجته في العناصر المادية في الكون من مأكل ومشرب وملبس وتناسل وغير ذلك فإن العنصر الروحي لا يجد إشباعا لحاجته ألا بالقرب من الله تعالى إيمانا به واتباعا حتى يشعر بمعيته وذلك لا يتحقق إلا بالعبادة سواء في الضراء أو في السراء كما قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين " وقال تعالى :"إذا جاء نصـر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك وأستغفره إنه كان توابا " فدل رسول الله على التقرب إلى الله تعالى وتعبده .
ثانيا: تحقيق حرية الإنسان : فالعبادة تحرر المؤمن من الخضوع لغير الله تعالى ومن الاستسلام للآلهة المزيفة فتصبح بذلك حرا طليقا من سلطان سوى سلطان الله تعالى وبذلك يصل إلى شاطئ الأمان ويحس بالسكينة إلى الله تعالى كما يجد قيمة كل أشياء العلم يحس بحريته أمامها جميعا فإن مصدر العزة إنما هو اللجوء إلى الله تعالى "من كان يريد العزة فـالعزة لله جميعا"
الثا : تمحيص المؤمن بابتلائه بالعبادة إعدادا له للحياة الآخرة : قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار"فالدنيا دار ابتلاء ومادة هذا الابتلاء هي عبادة الله تعالى تحقيقا لأمره "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
رابعا: العبادة سبيل لصـلاح المجتمع : بالنظر إلى العبادة بمفهومها الشامل نجد أنها شاملة لكل أوجه الإصلاح الفردي والاجتماعي حيث إن كل عمل يقوم به الفرد أو تقوم به الجماعة يدخل في إطار العبادة .وقد شرع الإسلام مبدأ فروض الكفاية التي يراعي فيها صلاح الجماعة والمجتمع، (والتى مؤداها أن القيام بها من فرد أو أفراد تسقط واجبها عن باقي أفراد المجتمع في حالات محددة ، فإن لم يقم بها أحد لزمت الجميع كفرض عين ). قال الله تعالى "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا».

وحول شمولية العبادة للحياة كلها يقول: بناء على مفهوم العبادة في الإسلام يتضـح لنا أن الحياة كلها يمكن أن تكون مسرحا للعبادة ما دام غايتها إرضاء الله تعالى بفعل الخير والكف عن الشـر وبيان ذلك كما يلي:
1- إن الأعمال الصالحة عموما والتي لم تصبغ بصيغة تعبدية بحتة يمكن أن تتحول إلى عبادة وذلك بإصلاح النية لله تعالى وابتغاء مرضاته بذلك الفعل .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كل سلامى من الناس عليه صدقه : كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة ويعين الرجل في دابته فيحمله أو يرفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة ).
2- إن عمل الإنسان في أمور معاشه عبادة : شروط تحول هذه الأعمال إلى عبادة :
فقد رأى الصحابة رجلا فعجبوا من جلده ونشاطه فقالوا لو كان هذا في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وان كان يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وان كان خرج على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وان كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان)
3- إن الأعمال الغريزية يمكن أن تصبح عبادة بالنية الصالحة قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يأتي شهوته من امرأته قال: (وفي بضع أحدكم صدقة)وكذلك الحال في الأكل والشرب إن قصـد بهما التقوي على طاعة الله تعالى، ويشترط لجميع هذه الأعمال حتى تصبح عبادات يثاب عليها أن تتوفر فيها الشروط التالية:
أ/أن تصاحب جميع هذه الأعمال النية الصالحة قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
ب/أن يكون العمل مباحا في ذاته أما إذا كان منهيا عنه فان فاعله يأثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا).
ج/ أن يؤدي ذلك العمل بإتقان وإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الله كتب الإحسـان على كل شيء) (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ).
د/أن يراعى فيه الضوابط الشرعية فيجتنب فيه الغش والظلم والفحش لقوله صلى الله عليه وسلم(من غشنا ليس منا) وقال الله تعالى :( واجتنبوا قول الزور).
ه/ ألا يشغله ذلك عن واجب.

قصـور الإسلام في عقيدة التوحيـد:
يرى الكواكبي أن قصـر المسلمين الدين على العبادات ، ويقصـد هنا العبادات المفروضة في الإسلام وليس في الإيمان أو الإحسـان ، وبالتالي عن مجمل العقيدة ، أي الإيمان والإحسـان ، سببه الحكم الاستبدادي ، لأن الاستبداد في رأيه « مفسد للدين في أهم قسميه ، أي الأخلاق،وأما العبادات منه (أي من الدين) فلا يمسها (أي الاستبداد) لأنها تلائمه في الأكثر . ولهذا تبقي الأديان في الأمم المأسورة عبارة عن عبادات مجردة . صارت عادات. فلا تفيـد في تطهير النفوس شيئا ، ولا تنهي عن فحشاء أو منكر. لفقد (أي بسبب نفص) فيها ، تبعا لفقـده (أي الدين) في النفوس”.

بينما يضيف فهمي هويدي إلى الاستبداد السياسي أسباب وعوامل أخرى : مثل ضعف النفوس وسيطرة الهوى والطمع عليها ، وقصور الفهم ، وضيق الأفق ، وغلبة التغريب والعلمانية على الساحة السياسية والفكرية . وأنـه ترتب على هذه الأسباب من الاستبداد إلى التغريب : انسحاب الإسلام من ساحة الدفاع عن حقوق الناس ، وهي مهمته الأولى. بدعوى الفصل بين الدين والدنيا.

إذن يعيش الناس جزءا صغيرا من الدين يعد الأقل أهمية ، و أثرا ،في حياة الناس وفي نهوضهم الحضاري، ويظنون أنهم يعرفون الدين كله طالما يؤدون الصلوات الخمس ويصومون رمضان ويخرجون الزكاة ويحجون البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
وحتي الذي تظن معظم الجماعات والأحزاب الإسلامية بأنه يمثل النقص الوحيد في الدين الذي بوجوده يكتمل ، فإنه لا يكفي ليكتمل الدين كعقيدة موحدة بناءة قادرة على تطهير المجتمع من الرجس والفساد والظلم ، وقادرة أيضا على النهوض الحضارى بالمجتمع وتحقيق تنميته وتقدمه وازدهاره. في زمن يسوده سباق حضاري لا يرجم المتخلفين عنه . تقدم فيه اليهود والنصارى ولحق بهم البوذيون والهندوس ، بينما ظل المسلمون في الصفوف الخلفية بالنسبة للحضارة بينما كانوا ذات يوم من بناتها والمنفردين بها.

فعقيدة التوحيـد منهج حضاري للتعايش الإسلامي وتحقيق الرخاء والسلم الاجتماعي ، ونسق فكرى وفلسفي محكم ، وليس مجرد عدة مناسك تعبدية محددة . لا تغني عن صاحبها شيئا ما لم تقترن بالإيمان والعمل الصالح ، أي الإحسـان . قال تعالي : « ومن يعمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن ، فأولئك يدخلون الجنـة”(النساء – 124).

ولو أن عقيدة التوحيد أخذت ويسـرت وطبقت وعوملت كأيديولوجيا متكاملة شاملة موحدة لاستعصت على الاستغلال ، والمتاجرة بالدين ، وفرض المذلة والجهالة والظلم والاستبداد على الناس باسمه ، ولحصنت المجتمعات ضد الشرذمة والدعاوي الانفصالية والطائفية والعرقية الممزقة لها، ولما ظهر في كل زمان ومكان كذاب أفاق يدعي أنه المهدي المنتظر أو مبعوث العناية الإلهية ، وأنه على المحجة البيضاء ، والصراط المستقيم ، ومن اتبعه هو الفرقة الناجية وما عداهم في النار، وما استطاع أن يستقطب حوله الحائرين الباحثين عبثا عن الهدي والنور في مجتمعات تسودها المظالم وتكتنفها الظلمات ، فيقودهم من ظلمة إلى ظلمة أحلك منها. ويتخلص مما يعتبره مظالم ليقترف ماهو منها أفدح ظلما وعدوانا ، ولما سفكت دماء وانتهكت حرمات أمر اللـه بصيـانتها ، وهدمت صوامع وجوامع يذكر فيها اسمه . ولما ظهر داخل الدين الواحد ألف ملة ونحلة وطائفة وحزب وشيعة وكل ما بلديهم فرحون.إن العقيـدة الموحدة التي تسمح بوجود شعوب وقبائل بداخلها مختلفة الألوان والأجناس والألسنة يمكن أن تسمح أيضا بداخلها بوجود أحزاب سياسية واتجاهات فكرية مختلفة الرؤى حول سبل الإصلاح دون أن يؤثر ذلك على وحدتها وتماسكها.أما أن توجد بداخلها أحزاب دينية تفرق منتسبيها إلى شيع وطوائف فهو أمر يناقض الطبيعة التوحيدية للعقيدة الإسلامية ، ولذا يقول الله سبحانه وتعالي : « إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون “ (الأنعام /159). ووجود هذه الشرذمة والفرقة في حد ذاته دليل منطقي يثبت أن الإسلام المعاصر الذي نعيش في ظله ليس هو عقيدة التوحيد الموحدة الجامعة ، وإنما نحن على عتبة باب العقيدة ولم ندخلها بعد ونعيش مخلفات عصور التخلف من ناحية أخرى.

وهنا يقتضي الحق القول بأنه ليس كل من يدعي أنه مبعوث العناية الإسلامية أو أنه الرجل الذي يأتي على رأس كل مائة عام لتجديد الأمة كاذبا على نفسه إذ فيهم من يتوهم ذلك حقا وتتشبع نفسه به.وكلما وجد الناس قد افتتنوا به والتفوا حوله كلما زاده ثقة في نفسه ، وتضخمت ذاته ، وأصبحت في الواقع أهم لديه من الدين الذي توهم أن الله بعثه ليجدده للناس.وكل ما يهمه في هذه الحالة هو إثبات ذاته وصحة ما يدعو إليه وعدم السماح بظهور مزاحم له قد يؤثر على مكانته لدي مريديه وأنصاره ، حتي لو كان هذا الذي يتوهمه أيضا مزاحما أنفع منه لخلق الله ولدينهم.أقول هنذا بناء على واقع أعتبر شاهد عليه
فوزي منصور .

No comments: