Sunday, November 20, 2016

نحو رأسمالية جديدة بقيم اشتراكية




تتحدد هوية أي نظام اقتصادي حسب تحديد من يمتلك رأس المال ولصالح من يعمل النظام

انكشاف الشيوعية:
 سبق لي أن كتبت بأن كل من اعتبروا رأسمالية الدولة في عهد الاتحاد السوفييتي السابق تمثل الشيوعية أو الاشتراكية ، وحتى وصفها برأسمالية دولة كانوا على خطأ ، يعد ماقالوه خداعا للنفس وتضليلها لها لأنها كانت في الواقع رأسمالية حفنة من الرأسماليين الذين تسلموا الحكم من البورجوازيين الذين قاموا بثورة 1917 في الامبراطورية الروسية وكونوا حكومة غير موفقة أوصلت البلاد الى الإفلاس، فتقدمت تلك الحفنة من الرأسماليين،أو المرابين على الأصح، متخذة من الحزب الشيوعي الذي أعاد تأسيسه فلاديمير إلتش لينين بعد قيام ثورتهم وليس قبلها.
 واتخذت الدولة قناعا إيديولوجيا عرف حينها بالماركسية اللينينية.بينما كانت الدولة عبارة عن شركة مساهمة تتميز بأنها حولت الشعب كله إلى عمال في خدمتها ، ولم تكن تختلف عن أي دولة رأسمالية في حقيقة أمرها وليس وفق القناع الزائف لها.
وكان من المفترض أن ينكشف هذا الزيف لجميع من خدعوا به ، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتخليه عن نظامه الاقتصادي وتحوله إلى الرأسمالية.ويكفون على الأقل بالطنطنة عن الحديث وفق تلك الماركسية اللينينية المزعومة.

وفشلت الشيوعية في ألبانيا التي تشددت في تطبيقها وماتت فيما بعد وتم التحول عنها . واستمرت كوبا متمسكة بالاشتراكية المتميزة نوعا ما بقيادة فيدل كاسترو ولكنها وإن حققت تماسكا اجتماعيا وتقدما علميا في بعض المجالات ولكنها لم ترتق بالدولة على النحو الذي كان يأمله ماركس.

رأسمالية الدولة:
كان في دول أوروبا الشرقية أو ما عرف بالكتلة الشيوعية قبل تفكك الاتحاد السوفييتي رأسمالية دولة فعلا حقيقية يمكن اعتبارها شكلا من أشكال الرأسمالية ، و تختلف عن رأسمالية الاتحاد السوفييتي السابق.

وكانت مشكلة رأسمالية الدولة هي تحكم البيروقراطيين فيها وقادة الحزب الشيوعي الوحيد في البلاد والسيطرة على الاقتصاد دون أية رقابة شعبية ممكنة ومثالب أخرى نتيجة تغليب القيم المادية على القيم الروحية.ونتيجة تأثير ما سبق على جمود الاقتصاد وتعثر تطويره وتحديثة وعجزه عن تحقيق أرباح يمكن إنفاقها في مجال التحديث، وانعكاس على الأجور والاوضاع المعيشية للسكان ، فقد اتجهت تلك الدول إلى بيع المؤسسات والمصانع الحكومية للعاملين بها وللمواطنين متحولة بذلك إلى الرأسمالية، التي كانت أقرب ما تكن الى الرأسمالية الشعبية أو المجتمعية منها إلى رأسمالية النخب الرأسمالية في الدول الاوروبية الأخرى. كما أسهم تقارب الأنظمة الاقتصادية إلى تكوين الاتحاد الأوروبي فيما بعد وتوحيد العملات وأصدار عملة "اليورو".
      
الناصرية  ليست اشتراكية:
كما أن رأسمالية الدولة التي أقامها عبد الناصر في مصر بتأميم ممتلكات الرأسماليين وتحويلها إلى ما عرف بالقطاع العام لاعلاقة لها لا بالشيوعية ولابالاشتراكية. وكان الدافع اليها ليس تحقيق العدالة الاجتماعية كما وصفت ولو أنها حققت قدرا منها فعلا ، وإنما كان الدافع اليها الحقد الطبقي على الأثرياء في مصر من ناحية لدى الحاكم ، والهدف منها هو توفير كل مصادر القوة ومنها المال في يده لضمان استمراره في السلطة دون أن تشاركه أو تنازعه أية قوة في الدولة سواء كانت سياسية أو اقتصادية. وقد قام بحل جميع الأحزاب السياسية ومنع قيامها واستعاض عنها لتكتيل الشعب خلف حكمه بعدة تنظيمات شعبية مثل الحزب الشيوعي في الدول الشيوعية فأسس هيئة التحرير ثم غير الإسم إلى الإتحاد القومي حين بشر بالوحدة القومية العربية وسعى الى الوحدة مع بعض الدول العربية ثم انتهى الى تسميتها في النهاية بالاتحاد الاشتراكي. وكان مناهضا للديموقراطية بعد أن وجدها قد أجبرت الملك فاروق على تكليفها بتشكيل حكومة في نهاية الأربعينيات وأيضا تقليم أظافر الجيش المصري الذي أطاح من قبل بالملك فاروق بتدبير منه. أي أنه اهتم بأن يحمي حكم الفرد الذي يمثله من أي تهديد محتمل له حتى وإن كان وهميا وليس حقيقيا.

إن الذين افتتنوا بشخصية عبد الناصر وخطاباته ودعاياته أو قاموا بمقارنة إنجازاته الاقتصادية بما قام به من خلفوه وخالفوه في سياساته وهدموا تراثه وأضاعوا القطاع العام وباعوه فأصابهم الغضب أو تالموا لما حدي ، هؤلاء دفعهم الحنين إلى الماضي بتصور إمكانية عمل أيديولوجية تحمل إسم الناصرية مع أن عبدالناصر لم يكن مفكرا أو صاحب نظريات وصار معروفا بأن ما صدر في عهدة من كتيبات باسم فلسفة الثورة أو بيان 30 مارس كان كاتبها الصحافي محمد حسنين هيكل بتكليف من عبدالناصر دون مشاركته أو توجيهه للمطلوب منه كتابته.

والدعوة الى الشيوعية أو الناصرية اليوم يعد سلفية سياسية عمياء مرتبطة بالماضي ومسجونة فيه ومنقطعة عن الواقع وحاجته الى فكر جديد ونظام حكم جديد لتحسين أوضاعه وليس الرجوع الى أشكال قديمة من الحكم أو الاقتصاد لم تعد مقبولة .

رأسمالية الصين الجديدة: اأ سسس

واعتبرت الصين نفسها يومئذ تتأسيسها على يد ماوتسى تونج أكثر شيوعية والتزاما بتعاليم ماركس من الاتحاد السوفييتي ولم تأخذ في اعتبارها أن ماركس كان ينتقد رأسمالية القرن الثامن عشر في أوروبا والتي كانت تعتمد على الصناعة وأنه كان صاحب الفضل في تقويم تلك الرأسمالية بما يحول دون تحقق ما توقعه لها من زوال ، بينما الصين كانت ماتزال دولة زراعية وليس لها سوى بضعة مصانع أقامها اليابانيون في شمالها الشرقي حين احتلوه قبل الحرب العالمية الثانية.

وقد حاول ماوتسي تونج النهوض اقتصاديا بالصين وتحويلها إلى دولة صناعية تحكمها البروتاليا التي لم تكن قد تكونت بعد وفشلت القفزة الكبرى وفشلت الثورة الثقافية التي أعلنت كعلاج للفشل والتخلف في الصين وبحيث يتم بناء الصين وفقا للماركسية مرة أخرى وحققت الثورة الثقافية مالم يتوقعه أصحابها في النهوض بالاقتصاد ولكن ليس وفق الأيديولوجية الماركسية المتوهمة ، وإنما وفق رأسمالية مغايرة لرأسمالية الأوروبية وصفتها الحكومة الجديدة بالرأسمالية الاجتماعية أو الإشتراكية.

الحاجة إلى فكر اشتراكي جديد:
وبصفة عامة يحتاج الفكر الآشتراكي إلى صياغة جديدة تتوافق مع التحولات الاقتصادية التي شهدها العالم في العقود القليلة الماضية ، والاتجاه الى تحقيق مجتمعات رأسمالية تطبق القيم والمبادئ الاشتراكية وفق للصيغ الجديدة المأمول التوصل إليها من المفكرين.ولم يعد ممكنا التعامل في القرن الواحد والعشرين بأفكار قديمة ظهرت في القرن الثامن عشر كرد فعل على ظروفه التي اتسمت بالاستغلال والقهر والعبودية في مجال العمل.كما أن ما يشهده العالم اليوم من ثورة في الاتصالات يمكنه أن يحفز على ظهور أنظمة حكم جديدة غير السائدة حاليا والتي كانت تعد أبدع ما كان يمكن الوصول إليه حين ظهورها ، وبدء بالفعل بوادر هذا التوجه بالدعوة الى ديموقراطية تشاورية تحل محل الديموقراطية البرلمانية بصورتها الحالية.

تعدد الرأسماليات:
ولم يكن العالم الرأسمالي الغربي يعتمد نمطا واحدا فيها لاختلاف تاريخه ومكوناته الرأسمالية وسعي كل منها نحو السيطرة على السلطة السياسية لضمان توفير أفضل مناخ لتنمية استثماراتها وإن كانت في الظاهر متشابهة وفي حقيقتها مختلفة ولو نسبيا عن بعضها البعض ، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتجهت في العقود الأخيرة الى ما عرف بالعولمة وإنشاء الشركات المتجاوزة لحدود الدول والمتعددة الحنسية وسعت إلى السيطرة على العالم ودفع وجود شراكة بين الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الأخري مالية وأمنية وسياسية أن اندمجت تلك الدول في العولمة التي تقودها أمريكا وفرضها على الدول الصغيرة والفقيرة الأخرى في العالم بما يمكن لتلك الشركات من تعظيم مواردها الاقتصادية والتمكن من حل الأزمات الدورية التي كانت تصيب الرأسمالية باستمرار.

الرأسمالية المجتمعية:
إن أفضل رأسمالية إنسانية وعادلة هي تلك التي يكون رأسمالها ملكا للمجتمع كله ويدير أنشطتها الاقتصادية الانتاجية أو الاستهلاكية أو الخدمية نخبة ينتخبها أصحاب رأس المال المشاركين في تكوينه من بين مجتمع المقر. مثل هذه الرأسمالية لاتجعل المال دولة بين فئة في المجتمع دون بقية أفراده ولاتتعرض لأزمات الاقتصاديات الرأسمالية الراهنة ، وتستطيع حل كل مشاكلها أولا بأول والتوافق مع أي تطورات في الانتاج بما يحافظ على تنافسية منتجاتها في الأسواق مع تغطية أكبر نسبة من الاحتياجات المحلية إن لم تكن كلها في بعض السلع.

وهذا ما استهدفته حين دعوت لإقامة ما سميته بالحركة المجتمعية للتنمية الاقتصادية والانسانية في دول شمال أفريقيا قبل أكثر من ثمان سنوات ومازلت أتمني أن تجد هذه الدعوة من يستجيب لها حاضرا أو مستقبلا لإنهاض شعوب تلك المنطقة من وهدتها وإقالة عثرتها وتحسين نظم حكمها وسياساتها الاقتصادية.
فوزي منصور
20 نوفمبر 2016