Wednesday, December 16, 2009

الديموقراطية التشاركية أو التشاورية كبديل عن الديموقراطية البرلمانية الحالية

الديموقراطية التشاركية أو التشاورية كبديل عن الديموقراطية البرلمانية الحالية


الديمقراطية شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ علَى التعددية و التداول السلمي للسلطة بين من حازوا ثقة أكثرية الشعب في انتخابات عامة نزيهة مع احترام حقوق الانسان والمواطنة واتخاذ قرارات في كافة المجالات تتماشي مع رغبات ومصالح اغلبية السكان.وهي أيضا نظام سياسي واجتماعي مميز يحيل إلى محتمع تسوده ثقافةٍ سياسيّة و أخلاقية و قانونية مطبقه في واقع حال المجتمع الموصوف بالديموقراطي.

ويحدد غالبية السكان رغباتهم أو يفصحون عنها عن طريق انتخابهم الحزب السياسي اذي تضمنت برامجه تلك الرغبات أو عن طريق الاستفتاءات أو استتطلاعات الرأي وتلتزم الحكومة بنتائج تلك الإجراءات.

ولكن هل تحسن الأغلبية دائما التعبير عن مصالحها؟.. كثيرا ما تكون الأغلبية غير واعية بمصالحها الحقيقية وقد تتبع في تصور مصالحها زعيم له جاذبية أو كاريزمية خاصة تشكل سلطة رمزية عليهم ويكون تصوره لتلك المصالح خاطئا أو تستخدم الأحزاب في التأثير عليها شخصيات اجتماعية مثل الزعامات السياسية أو الدينية أومشاهير الفنانين والرياضيين ممن يتمتعون بكاريزمية خاصة تجعل تأثيرهم على الجمهور المنبهر بهم كبيرا ، وهي شخصيات ليست بالضروة واعية تمام الوعي باهتمامات الناس وبمصالح الجمهور ومصالح البلد الاستراتيجية.و لا يتم الاستعانة في العادة بمثقفين أو بمفكرين أوبعلماء متخصصين يعدون أكثر دراية بتلك المصالح في توجيه الجمهور .
ويتميز العصر الحالي الذي برزت فيه الثورة الأليكترونية والمعلوماتية بالتغير السريع للتقنية العلمية ومسايرة ايقاع العصر السريع والمختلف عن السابق يحتاج أيضا لنظام يكفل القدرة على سرعة اتخاذ القرارات السريعة التي تمس المواطنين في الحاضر وتؤثر أيضا على مصالح الأجيال القادمة. وهو ما لاتحققة بكفاءة حاليا النظم الديموقراطية الحالية في العالم والتي أفرزها عصر الثورة الصناعية بينما يتطلب زمن الثورة المعلوماتية ديموقراطية جديدة متوائمة معه.و قد حان الوقت للبحث عن ممارسات جديدة لتعالج ما يعتري الديمقراطية التمثيلية الحالية من قصور واستبدالها هي بذاتها بديموقراطية يكون فيها أمر الناس شورى بينهم. ولم أتعرض هنا لممارسات النظم الاستبدادية التي لا تعبأ بالرأي العام فيها والتي تتولي قمعه بشراسة في الغالب إن اعترض على سياساتها الضارة بمصالح أغلبية الشعب والمستفزة له في أن واحد ولا تهتم بغير الأوليغارشيا المسيطرة على الاقتصاد والحكم والمسخرة لهما في خدمتها.

لم ينصرف الناخبون عن العمل السياسي في الدول المتخلفة التي أقامت ديموقراطية شكلية أو مظهرية يتم فيها تزوير سجلات ولوائح الناخبين ونتائج الاقتراع بشتي السبل منها الوسائل الاليكترونية أو المعلوماتية الحديثة ،وممارسة ضغوط من الأجهزة الأمنية والنخب الحاكمة أو المسيطرة للآبقاء على احتكارها السلطة والثروة في يدها فقد وفقدت بذلك الديموقراطية البرلمانية مصداقيتها وإنما امتد فقدان الثقة في النظام البر لماني لمواطني الدول الممتقدمة الديموقراطية التي ظهرت فيها تلك الأنطمة مع الثورة الصناعية لأسباب عديدة على إثر الدخول الى عصر المعلوميات لأسباب عديدة منها التعددية الحزبية التي كانت تقوم عليها والتي كان فيها لكل حزب هويته بعد إن فقدت تلك الأحزاب الهوية التي كانت لديها وصار من العسير التفرقة بينها وتنامي الشعور لدي المواطنين بأن تلك الديموقراطية البرلمانية صارت عاجزة عن التعبير عن مصالحها الحقيقية والقدرة على ابتكار حلول لمشاكلها اليومية التي تواجهها في حياتها.

في كتابه "الموجة الثالثة"، يقول آلفين توفلر أن الحكومة القائمة على التمثيل و الإنتخاب، و التي ولدت من الأحلام التحرّريّة لثوار الموجة الثانية(يقصد عصر الصناعة)، كانت تقدّماً مدهشاً بالنسبة لنظم السلطة الأسبق، كانت نصراً تكنولوجيّاً أكثر إثارة من الآلة البخاريّة أو الطائرة . لقد أتاحت هذه الحكومة تتابعاً منظّماً، يختلف كثيراً عن حكم السلالة الوراثي، و فتحت قنوات الإتّصال في المجتمع بين القاعدة و القمّة، ووفّرت طقساً يتيح التعامل مع الخلافات بين الجماعات و الفئات المختلفة على أساس سلمي
و بفضل تمسّك هذه الحكومة، القائمة على التمثيل الإنتخابي، بمبدأ حكم الأغلبيّة، و بحقّ كلّ إنسان في إعطاء صوته، ساعدت بعض الفقراء و الضعفاء، في إستدرار بعض المنافع من إخصائيي السلطة الذين يديرون آلة التكامل في المجتمع . فظهرت الحكومة بمظهر الثورة الإنسانيّة
و مع ذلك، و منذ البداية الأولى، عجزت الحكومة دائماً عن الوفاء بالتزاماتها . لم تستطع، في أيّ مكان، أن تغيّر البناء التحتيّ للسلطة في الدول الصناعيّة ... بناء الصفوة و الصفوة العليا . و هكذا، تحوّل الإنتخاب، بصرف النظر عمّن يكسب فيه، إلى أداة ثقـافيّة قويّة في يد الصفوة.و على مرّ السنين تبدّدت الأحلام الورديّة للديموقراطية النيابية ومع إندفاع ثورة المعلومات، و تطوّر تكنولوجيّاتها، فقدت هذه الديموقراطيّة مصداقيّتها، في جميع الدول التي تأخذ بها . و الشواهد على ذلك لا تحتاج إلى حصر، أو تقديملقد كانت هذه الديموقراطيّة مناسبة منذ قرنين، عندما كانت المشاركة المباشرة للناس غير ممكنة أومجديّة . أمّا الآن فقد تغيّر الوضع .
فقدت النظم القديمة في الاقتصاد والممارسة السياسية و التعليم و الإدارة و الإعلام مصداقيتها، لتناقضها مع الواقع الجديد الذي أحدثه التحوّل من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات . و في جميع المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بدأ البحـث عن النظم الجديدة التي ستحل محلّ النظـم القديمة.ولهذا تطلع العديد من المفكرين الي ديموقراطية بديلة يمكنها أن تتمتع بمصداقية لدى كافة المواطنين ويشعرون بأنها تعبر عن مصالحهم .
وهذه الديموقراطية الجديدة التي يتم التطلع اليها والسعي بالفعل من بعض الدول المتقدمة لتحقيقها أطلق عليها اسم : الديموقراطية التشاركية أو التحاورية.
وهي نظام مجتمعي يشارك فيه كل فرد في اتخاذ القرارات التي تمسّ حياته، فلا ينيب أو يوكّل من يقوم نيابة عنه بذلك .. ديموقراطية لامركزية ترتبط ارتباطا وثيقا بإعطاء أهمية مضاعفة للحكم المحلّي، و تستفيد من التكنولوجيات المعلوماتية في التصويت و تبادل الآراء و الأفكار.

.. يقول الكاتب المستقبلي جون ناسبيت: أنّنا بصدد أوضاع جديدة، بعد مقدم ثورة الإتّصالات، و ما صاحبها من إرتفاع المستوى المعرفي للناخبين، ومع قدرتنا الحاليّة على معرفة الكثير عمّا يجري، بما لا يقل عمّا يعرفه ممثّلونا في البرلمان، و معرفتنا به بنفس السرعة.
قلنا أن الأحزاب كانت حجر الأساس في العمليّة الديموقراطيّة، و خط التجميع الرئيسي في مصنع التمثيل النيابي . و كانت تمثّل الخطوط العريضة لمصالح و لتوجّهات المواطنين، التي كانت تستقطب في اليمين و اليسار و أحيانا الوسط . و بشكل عام، كان الفرد ينتسب إلى هذه الأحزاب وفقا لهذا التقسيم.
الذي حدث خلال نصف القرن السابق، أن كلّ حزب من هذه الأحزاب قد لحق به ما لحق بكلّ شيئ قي حياتنا ، نتيجة الدخول المتصاعد لثورة المعلومات، التنوّع و التمايز و الإختلاف .ففقدت الأحزاب هويتها التي كانت تميز هدا الحزب عن ذاك و فقدت بعدها مصداقيّتها بالنسبة للناخبين، و تحوّلت الإنتخابات البرلمانيّة إلى حرب عصابات.
و الحقيقة أن إهتمام المواطن بالسياسيّين يقل يوما بعد يوم، و هذا هو السرّ في إنخفاض الإهتمام بالإنتخابات القوميّة السياسيّة
ويشير الى دلك المفكر الأمريكي : ناسبيت قائلا، أن إشتراك الشعب في الإنتخابات القوميّة يتناقص مرّة بعد مرّة . و رقم99% الشهير لا نراه سوى في الدول الشموليّة .. لقد إعتاد المحلّلون السياسيّون أن يربطوا بين ضعف الإقبال على الإنتخابات و بين اللامبالاة و الجهل . إلاّ أن هذا التحليل يفقد قوّته، عنما نرى أن الناخبين قد أصبحوا أفضل تعليماً، و أغزر معرفة، و أكثر تحديداً لموقفهم . لهذا، بدأ المحلّلون يفهمون أخيراً أن الناخبين يتخذون قراراً واعيا بعدم المشاركة في الانتخاباتً
يقول الناس أنهم لا يحملون ثقة كبيرة، لا في التنظيمات السياسيّة و لا في يشغلونها . و هم بموقفهم هذا، يعبّرون عن إيماتهم بأن السياسيّين: إمّا لا يستطيعون القيام بما يطلبه الناخبون، أو لا يريدون فعل ذلك.
ويستطرد ناسيت قائلا:.إنتزعنا جوهر القوّة السياسيّة من أيدي ممثّلينا المنتخبين، لكي نعيد إستثمارها في مجالين أساسيّين:
الأول هو الإقتراع السرّي المباشر، بالنسبة لحق إقتراح و تعديل القوانين، و بالنسبة للإسستفتاء على العمليّات المعيّنة، و الثاني هو النشاط السياسي الشعبي . و في كلّ من الحالتين، يكون المواطنون و ليس السياسيّون، هم الذين يقرّرون ما يفعلونه، و يمارسونه.

وقد اختلفت وتعددت التصورات حول أشكالها وآلياتها.ولو أنه يلاحظ أنها جميعها تم استنباطها من النظم المعلوماتية حيث تقوم شبكات صغرى بتزويد شبكات أكبر منها بالمعلومات دون وجود نظام هرمي مركزي يتحكم في تلك الشبكات الصغرى ويسود أيضا في انسياب المعلومات نطام التغذية والتغذية المرتدة. وبذلك تكون ديموقراطية المشاركة، بديل عصر المعلومات لديموقراطية التمثيل النيابي التي أفرزها عصر الثورة الصناعية ، حين تكفّلت الدولة بجميع المهام التي كانت تقوم بها الأسرة الزراعية، من تعليم و علاج و رعاية للكبار .. و أيضا بعد أن اعتمد عصر الصناعة على الإنتاج الكثيف واسع النطاق و قيام السوق للربط بين عالمي الانتاج والاستهلاك .وقد أحدثت الديموقراطية وقتها شرخا في جدار السلطة، دخلت منه أعدادا كبيرة من الطبقة المتوسّطة إلى عملية اتخاذ القرار لأوّل مرّة . وكان ذلك وقتها بمثابة ثورة في الفكر والممارسة السياسية.

يقول الأستاذ راجي عنايت :نتيجة لثورة المعلومات، و تطور تكنولوجيات المعلومات، تنوّع البشر، نتيجة لتنوّع ما أقبلوا عليه من ذلك التدفّق المعلوماتي . فلم يعودوا متماثلين متطابقين تقريبا، يكفي أن تتفهّم واحدا منهم حتّى تفهم باقيهم نفهم ذلك جيدا، إذا تأملنا مجموعة من البشر في قرية من القرى، خلال عصر الزراعة، أو في بدايات عصر الصناعة .. سنجد تقاربا شديدا في أفكار و توجهات و عادات الأفراد، نتيجة لقلة المعلومات المستجدة، و ندرة التغيرات و تباعدها زمنيا . و كان يكفي أن تقابل واحدا منهم حتّى تعرف الكثير عن باقيهم ..لكن، عندما يتنوّع البشر، يتغيّر الوضع .. و تنهار معظم النظم التي اعتمدها عصر الصناعة.
لتنوّع الذي طرأ على البشر أسقط أحد أهم مبدأ من مبادئ عصر الصناعة، و هو مبدأ النمطية، الذي يجعلنا ننظر إلى البشر كآحاد متطابقة .. وهو المبدأ الذي جعل من المركزية ممارسة عظيمة، و فن كبير، و مكسب ضخم، طوال عصر الصناعة .. و هو الذي أشاع كلّ ما هو جماهيري، أي كلّ ما يستهدف تنظيم خدمة الآحاد المتطابقة من البشر .. الإنتاج الجماهيري النمطي على نطاق واسع، و الاستهلاك الجماهيري للسلع والخدمات النمطية، التي تقبل عليها الجماهير النمطية .. و الإعلام الجماهيري الذي يتوجّه لجماهير نمطية، ساعيا إلى مزيد من قولبتها .. و أيضا الديموقراطية النيابية الجماهيرية، و التي تلخّص إرادة و توجّهات و مصالح أبناء الدائرة في نسق نمطي، يعبّر عنه بالتوكيل شخص واحد، هوالنائب البرلماني.
عندما تنوّع البشر، و اختلفت مشاربهم، سقط مبدأ النمطية و التوحيد القياسي للبشر، فاهتزّت النظم المركزية، و انهارت جميع المؤسسات الجماهيرية .. و كان من بين هذا التعثّر الحالي لديموقراطية التمثيل النيابي عالميا .. و بدأت تظهر بدائل للممارسة السياسية، كان من بينها ديموقراطية المشاركة.والحقيقة، أن المشاركة لا تقتصر تطبيقاتها على الممارسة الديموقراطية، فهي ثقافة أساسية في جميع مجالات النشاط البشري في مجتمع المعلومات.إنها ثقافة عصر المعلومات.
من أهم سمات الديموقراطية التشاركية : اللامركزية وتنظيم المواطنين والمؤسسات في شبكات أفقية لا تخظع لتتنظيم مركزي هرمي.ولما كان تحسين ظروف المعيشة هو من أولي اهتمامات المواطنين فإن تحقيق الديموقراطية الاقتصادية في مؤسسات اقتصادية واجتماعية تأخذ شكل الشبكات الأفقية ويشعر المواطنون فيها ، ليس فقط بممارستهم المشاركة في الشأن الجماعي وإنما أيضا بالنفع المادي المباشر الدي يعود عليهم من هذه الممارسة ، هو بمثابة تأهيل المواطنين لممارسة الديموقراطية السياسية التشاركية مستقبلا وفي صنع القرارات السياسية الخاصة بهم من خلالها.ومن هنا كان مخطط : الحركة المجتمعية للتنمية الذي عرضته كمشروع مجتمعي ينظر الي المستقبل ويعيد بناء المجتمعات الحالية في دول شمال أفريقيا بما يحقق أيضا التغيير الذى تنشده هده الشعوب على كافة المستويات ولاتهتدي الي السبيل اليه. أي أن هذا المخطط يعد بمثابة تطبيق عملي لأحدث التوجهات الفكرية في أوروبا والعالم وفي ذات الوقت تأسس على القيم الحضارية والدينية لمجتمعاتنا في محاولة لإعادة الاعتبار إليها باعتبارها من مقومات وضمانات الحفاظ على تماسك المجتمعات وبعث الحيوية فيها ودفعها نحو تقدم لايتم على حساب الحقوق والكرامة الانسانية أو إلحاق الضرر بالطبيعة والبيئة أو يفرط في حقوق الأجيال القادمة.
أنظر موقع الحركة المجتمعية لتنمية أفريقيا الشمالية في الفيسبوك ورابطه:
http://www.facebook.com/group.phpgid=up.phpgid=43863521285&ref=ts=
تجربة من البرازيـــل
.وفي ما يلي مقتطفات من حوار مطول أنجزته مجلة (أيريش لفت ريفيو) الأيرلندية مع الأكاديمي والمؤرخ الإيطالي بول جينسبورغ ،والدي يعمل حاليا مدرساً لمادة التاريخ الأوربي المعاصر في جامعة مدينة فلورنسا. قام بترجمته: عادل بدر سليمان. و تحدث فيه جينسبورغ عن كتابه الأخير الذي حمل عنوان (الديمقراطية: الأزمة والتجديد). عن ما ألت اليه الديموقراطية الحالية من ضعف وعن الحاجة إلى تجديدها.

يقول بول جينسبورغ : ثمة تناقض ظاهري في الديمقراطية: ما لدينا اليوم هو توسع (كمي) للديمقراطية بهذا الشكل أو ذاك,، ليس فقط في أوربا، وإنما أيضاً في جميع أنحاء العالم. لكن ثمة أزمة حقيقية في (نوعية) الديمقراطية، خصوصاً في داخل الوطن الواحد. تأخذ هذه الأزمة أشكالاً متنوعة، لكن الشكل الأهم ربما يكون هو ذاك الشعور بالبون الشاسع الذي يفصل بين ما يجري في البرلمانات وبين آراء الناس والحياة اليومية. يمكننا أن نستكشف تجليات أزمة الديمقراطية في نماذج عديدة ومتنوعة. أحد هذه النماذج، سواء أخذنا السويد أو بريطانيا أو إيطاليا حيث لم تكن عموماً نسبة الثقة بالمؤسسات عالية جداً، هو ما نراه اليوم من تراجع كبير في الإيمان بالمؤسسات الديمقراطية، وليس فقط في الطبقة السياسية، وهي قضية مختلفة، ولكن أيضاً في المؤسسات الديمقراطية.
فقد ضَعُفتْ مصداقية البرلمانات، وقلَّتْ ثقة الناس بأن البرلمانات الحديثة تقوم بعملها بشفافية ومسؤولية. ثمة ميل ،مع بعض الاستثناءات، نحو إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وهناك أيضاً نزعة واضحة نحو الاستخفاف بالطبقة السياسية. هذه هي بعض عناصر الأزمة التي يمكن للمرء أن يشير إليها من دون عناء، أما النتيجة التي يمكن استخلاصها من كل ذلك فهي أن الديمقراطية هي حقاً في وضع ضعيف لجهة حيازتها ثقة المواطنين. وإذا ما سحبنا هذا الأمر على الاتحاد الأوربي، فإننا سنلاحظ أن المشكلة تصبح ضخمة جداً، وذلك لأن الإقبال على التصويت في انتخابات الاتحاد الأوربي التي جرت مؤخراً في دول أوربا الشرقية كان منخفضاً إلى أبعد الحدود. وحتى في الدول التي كان فيها التصويت أعلى بقليل، كإيطاليا وإسبانيا (دون ذكر بريطانيا)، نجد أن الناس قد عبّروا عن خوفهم الشديد من الشرخ الديمقراطي الذي يفصل بين ما يحصل في المفوضية الأوربية، ومجالس الوزراء، وبين المواطنين في أوربا ككل.
في كتابي الأخير، قدمت عرضاً جدلياً حول حاجتنا للعودة إلى المبادئ الأولى، وبالتحديد حاجتنا إلى دراسة ونقاش نموذجين من الديمقراطية التمثيلية والمباشرة، والعودة إلى نموذج أثينا. ليس لأنه بوسعك استخدامه بشكل مباشر، عبر نقله بحرفيته، وإنما لأنه كان دائماً يوجد نقاش ـ يمكن للمرء تلمس وجود مثل هذا النقاش بسهولة في فترات زمنية سابقة وتحديداً في القرنين التاسع عشر والعشرين ـ حول كيفية إعطاء الناس مزيداً من السلطة بشأن حياتهم،سواء في العمل أو النظام السياسي، عبر حكومة محلية، أو صيغ جديدة من الديمقراطية التشاركية. أحاول شرح هذه النقطة في كتابي، عبر عرض بعض التجارب؛ كتجربة مدينة (بورتو أليغري)، (تقع جنوبي البرازيل يقطنها 1,5 مليون مواطن، كانت في تسعينيات القرن العشرين، المدينة الأولى التي نجح فيها (حزب العمال) بإدارة شؤون البلدية. الحزب، وهو حزب الرئيس (لولا دي سيلفا، بادر إلى طرق إدارية جديدة - خاصة في كل ما يتعلق بتخصيص الموارد البلدية- وعمل على الحفاظ على البيئة. وكذلك (الميزانية التشاركية) التي أدارتها البلدية، وبموجبها تقرر لجان الأحياء سلم الأوليات المحلية وعلى المستوى البلدي العام. تؤكد هذه التجربة أن التنمية يمكن أن تتم مع احترام البيئة، وأن الضرائب المرتفعة نسبياً، المترافقة مع استقرار وأمان اجتماعيين، لا تؤدي بالضرورة إلى هروب الرساميل وإفقار القطاعات المصرفية والتجارية. كما أن تقليص التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة هما الأساس لاحترام حقوق الإنسان وتمتين أواصرالتضامن بين الناس وبناء المواطنية . من خلال التعاون واللقاء والحوار والتصويت،أعطت تجربة (الميزانية التشاركية) سكان (بورتوأليغري)، إحساساً بالمساهمة في تسيير شؤون مدينتهم، وتحديد طبيعة حياتهم، إحساس لا يمكن أبداً للديمقراطية التمثيلية التقليدية أن تقدمه لهم.
. في الجوهر يعمل هذا النموذج على النحو التالي: مع بداية كل عام, يعود عمدة مدينة (بورتو أليغري) ومجلسها البلدي للوقوف على رأي عامة الناس، من خلال عقد اجتماعات جماهيرية يتم فيها تقديم تقارير عما أنجز في السنة الفائتة، ومن ثم الانتقال إلى دورة جديدة. يعقد الناس اجتماعات في حلقات صغيرة جداً، على مستوى الشارع أوالحي, من أجل صياغة مطالبهم الأولى, ثم ُتعقدُ اجتماعات رئيسية ضخمة تضمُ جميع مناطق المدينة لإقرار جزء من الميزانية المحلية وليس كلها، لأن الميزانية بالطبع تتضمن الرواتب والنفقات الثابتة والتعويضات وغير ذلك. وفي المرحلة التالية تقوم هذه الاجتماعات الضخمة بانتخاب مجلس الميزانية,، وهنا تكمن الخطوة الأكثر إبداعاً في هذه العملية.
في المحصلةي، صحيح أنه يتكون لديك مجلس بلدي منتخب بطرق ديمقراطية تقليدية تمثيلية, ولكن يتكون لديك أيضاً مجلس للميزانية منبثق مباشرةً عن القاعدة الشعبية. يخرج عن هذه العملية الديمقراطية المحلية المباشرة عدد من الوفود (40 وفداً) تقيم طوال فصل الصيف نقاشات حول الميزانية مع المجلس البلدي، وخصوصاً مع العمدة، بغية تحديد تفاصيل وأوَّليات ذلك القسم من الميزانية الذي انتزعته الجماهير بطريقة ديمقراطية سلمية. ثم يعودون إلى حلقات اللقاء الصغيرة في الأحياء ليقدموا لها تقريراً عما توصلوا إليه. وفي نهاية هذه الدورةا لسنوية.يتبنى العمدة القرارات التي تخرج من النقاش، ويجعل منها برنامجاً للمدينة يبدأ بتنفيذه فوراً. المثير للإعجاب في تجربة (بورتو أليغري)، وبخلاف التجارب التي حدثت في أوربا، هو ذلك العدد الكبير من فئات العمال,، الرجال منهم والنساء، ومن جميع الأقليات التي تنخرط في هذه العملية الديمقراطية.

لا يمكنك أن تركز كامل نشاطك على فكرة تجديد الديمقراطية, بل أعتقد أن الجميع بات الآن مدركاً لضرورة تجديد التفكيرالاقتصادي،والديمقراطية الاقتصادية، ولضرورة البحث عن نظام اقتصادي بديل يكفل تمويل صناديق التقاعد، والتعاونيات، وكل أشكال الضمان الاجتماعي. ثمة حاجة ملحة لإجراء المزيد من النقاش، وتقديم المزيد من المقترحات حتى نتوصل إلى صيغة تنظيمية معينة. أعتقد أن القضية الهامة هنا هي كيف تصيغ برنامج عمل يقنع الجماهير بأنه برنامج واقعي يحمل أهدافاً قابلة للتطبيق. ما لدينا اليوم من مكاسب اجتماعية هي فقط ما تبقى من مآثر التقليد الشيوعي، ومن موروث الديمقراطية الاجتماعية، فقد أخفقنا مع بداية القرن الحادي والعشرين في المحافظة على كل تلك المكاسب، كما لم نتمكن من تكوين فكر جديد يستنبط نظرية جديدة تقوم مثلاً بفك طلاسم الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
وإذا ما نظرنا إلى عدد الأشخاص الذين يريدون المشاركة في الأنواع المختلفة من الجمعيات التطوعية، وإلى الأشخاص الفاعلين في المجتمع المدني, فإننا نرى أن الناس لا يرغبون في المشاركة على أساس يومي وفي جميع أشكال حياتهم، وإنما فقط في أجزاء ولحظات محددة من
حياتهم. أعتقد أن هذا النوع من التشارك؛ سواء كان تشاركاً في المجتمع المدني، أو في أشكال ديمقراطية أخرى،هو من ضمن الأشياء التي تأتي وتذهب في منحنى دورة الحياة الفردية. لذلك يمكنك أن تكون ناشطاً ومهتماً في العشرينيات من عمرك، ثم تبتعد عندما يصبح لديك أولاد صغار، ثم تعود فيما بعد لتصبح ناشطاً، وهذا بمجمله سيكون شكلاً من أشكال ترسبات الممارسة الديمقراطية،ونوعاً من أنواع الابتعاد عن العائلة، والخروج من حالة الجلوس الدائم أمام التلفاز، والانتقال للقيام بعملٍ ما. لا أعتقد أن الناس، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يتعرضون فيه لضربات الأزمة الاقتصادية العالمية،بعيدون عن هذه الأفكار على الإطلاق.(انتهي ).
وهذه الأفكار يمكن أن تستفيد بها مؤسسات الحركة المجتمعية في عملها الجماهيري.وقد استفادت الحركة من أكثر تصورات الديموقراطية التشاركية شهرة والذي يتجه في تطبيقها الى أن يتم توزيع سكان المجتمع الراشدين في حي من أحياء المدينة على فئات أو قطاعات مهنية ينتمون اليها تتشاور كل فئة أو ألمنتمين الي القطاع المهني في مسألة مع تزويدهم بكافة المعلومات المتعلقة بالمسألة المطلوب استشارتهم فيها ، أو الحاق خبراي متخصصون في تلك المسألة المعروضة عليهم وبحيث يكون كل عضو مشارك في هذه العملية التشاورية قادراعلى الفهم والتعلم والتحليل وصياغة حكم معلَّل بما يساعد في النهايةعلى تكوين الرأي الصائب في الموضوع محل التشاور. ثم تختار كل فئة أو قطاع ممثل لها ينقل أفكارها إلى لجنة تضم ممثلي تلك الفئات أو القطاعات في الحي تقوم برفع ما يتم الاتفاق عليه بينهم الي مستوى تنظيمي أعلى يشمل جميع أحياء المدينة يتم فيه مراجعتها وبعد التوافق عليها ترفع إلى مستوى أكبر يدمع عددا من المدن وفي النهاية يصل الى الجهة المخولة بصناعة القرار.أي أن صناعة القرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي أو غيره يبدأ من القاعدة ثم يتم تصعيده وليس مثلما هو متبع حاليا يصدر من القمة ويتم إلزام القاعدة به التي لم تتم استشارتها أو الأخذ برأيها ، وتم الاكتفاء بممثل في البرلمان قد لايدرك انعكاسات القرار على المواطنين أو المعنيين به .ـويتم من خلال ذلك وضع المواطنين في ظرفٍ يتمكنون فيه من الفهم وتبادل الآراء والتصرّف بمسؤولية في صنع القرارات السياسية وفي صياغة القوانين أيضا التي تهم كل المواطنين أو تهم فئة أو أصحاب مهنة معينة منهم بما يضمن لهم عدم صدور أية قوانين لاتحمي مصالحهم المشروعة.وبحيث يكون القرار الذي يصدر معبرا عن الإرادة العامة وليس بناء على رغبات نخبة معينة لايهمها سوى تحقيق مصالحها ولو على حساب أغلبية الشعب.والقرار الذي يصاغ وفق تلك المسطرة أو الطريقة لايمكن اعتباره قرار أغلبية أو أقلية وإنما سيكون قرار كامل أفراد الأمة الراشدين الذين شاركوا في صنعه. ويساهم التقدم الحاصل في مجال المعلوميات على أتمام تلك العمليات بكفاءة ويسر وبسرعة كبيرة جدا وهو الأمر الذي لم يكن متاحا من قبل .ويمكن للتشاور أن يضم مجتمعات دول أخرى في نفس الوقت داخل الإقليم الجغرافي أو على مستوى العالم كله. وتم تطبيق ذلك في الجمعيات المدنية التي تقوم وفق نظام الحركة حيث تم تقسيمها إلى 19 قطاع مهني يختار كل قطاع نقيبا له يكون عضوا في مجلس أدارة الجمعية المشكل من نقباء المهن وبحيث ينقل كل نقيب الي ذلك المجلس تصورات أعضاء قطاعة في مسألة أو مشروع ما ويتم تبادل الرأي بين النقباء لاتخاذ قرار موحد يستجيب الى ما تم جمعه من رؤى وتطلعات.

فوزي منصور.

Saturday, March 28, 2009

عقيدة التوحيد : المبني والمعني- الجزء 18

السياسة المالية والتنمية الاقتصادية والانسانية

أهداف السياسة المالية :
ويجب على السياسة المالية أن تركز على التنميـة الإقتصـادية والإرتقـاء بمستوى النشاط الإقتصـادي للمجتمع وأن يكون للدولة دور فاعل وأن تسخـر كل إمكانياتها لتوفير المـوارد المالية اللازمـة لتحقيق هذا الهدف.وفقا لخطة يتم تحديد أهدافها بدقـة تامة وإعـداد سلم تفضيـلي من الإستثمـارات التي تعطي الأولوية في خطة التنمية مع تتسطير البرامج التنفيذية والالتزام بانجاز الاهداف وفقا لتلك البرامج مع إعداد بدائل تمويل الخطة والموازنة بينها حسب ما يحقق الكفاءة ويحد من التكلفة وييسر اخراج الخطة إلى حيز التنفيـذ في المواعيد المحددة لها .مع خضوع كل ذلك لرقابة ومتابعة شعبية تضمن النزاهة والشفافية في جميع المراحل .
و من أهـم الأسس التي يجب أن تبنى عليـها الدولة سياستـها بصدد تمـويل برامـج التنمية هو تجنب الـوسائل التمويـلية التضخمـية بطبيعتـها والقروض الخارجية والإعتمـاد أساسـا على مدخـرات المجتمع الحقيقية والتي يمكن تعبئة قدر كاف من المدخرات العائلية بوسائل شتي ثم توجيهها للآستثمارات النافعة والمتفقة مع برامج التنمية . ولاتتحقق هذه التعبئة مالم تشعر الأسر التي تقدم مدخراتها بأنها تعود عليها بالمنفعة الأنية والمستقبلية وترفع من مستوى معيشتها وتوفر فرص العمل لأفرادها.وفي نفس الوقت يجب حث الأفـراد على عـدم الإسراف و الإفـراط في الإستهـلاك الكمالي وتنمية الوعي الإدخـاري في برامج التربية والتعليم وبواسطة وسائل الإعلام ،وتدعيـم مؤسسات تجميع المدخرات. ويعتمد استثمـار القطاع العام في تمويـله على مصـادر متعددة من ضمنها:
1- ايرادات الضرائب المباشرة والعمل على زيادتها بالتوسع في المشروعات الانتاجية المكونة للثروات .
2_ ضغـط النفقات العامة بترشيد الانفاق وقصره على ما يتعلق بالتنمية الانسانية وخاصة التعليم والصحة .
3- التموسل بالعجز لتمويل المشروعات الانتاجية في حدود نسبة معقولة من الدخل القومي .
4- فتح رأسمال المشروعات الانتاجية أمام مساهمات المواطنين عن طريق الاكتتابات العامة.
5- قيمة بيع أسهم مملوكة للقطاع العام في مؤسسات انتاجية تم بيعها للمواطنين أو للعاملين فيها.
6- الاستعانة بالإئتمـان المصرفي للمساهمة في تمويل برامج التنمية بالحصول على تسهيـلات إئتمانية من البنوك وحثها على إستثمـار جانب من إحتياطاتها في أسهم وسندات المؤسسات الانتاجية الجديدة مقابل الحصول
على الأرباح المخصصة لها .
7- العمل على زيادة الصادرات لإمكان توجيه حصيلتها من العملات الآجنبية لشراء إحتياجات المشروعات الجديدة من السلع الرأسمالية اللازمة للتنمية الإقتصادية
8- تهيئة الظروف والبيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة للإستثمـار في الدولة .
9- مدخرات القطاع العام: وهي تتمثل في صافي فائض المؤسسات الإقتصـادية التي يمتلكها القطاع العامالناتجة عن بذل الجهود لزيادة الإنتـاج وتحسين نوعـه وخفض تكلفتـه باستخدام التقنيات المناسبة.

والهدف النهائي للسياسات المالية والاقتصادية هو قيام مجتمع إنساني تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتتقارب فيه الدخول وترفرف عليه الرفاهيةو تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة المواطنين في توزيع الدخول و التوزيع الأمثل للدخـل هو الذي يحقق لكل فرد درجة إشباع متساوية من السلع والخدمات التي تشتريها وحدات الدخـل الحدية. ويؤدي الحد من التفاوت في توزيع الدخول بين الأفراد إلى مضاعفة الإشباع الجماعي . و دون المساس بالحوافز إبقاءا على مستوى المنتج الكلي، علما بأن سوء توزيع الدخل يؤدي إلى تضخم حجم المدخرات النقدية لبعض الأفراد لذوي الدخول الكبيرة وميلها إلى الزيادة عن الإدخار الحقيقي للمجتمع، مما يترتب عليه هبوط مستوى الدخل القومي وهكذا حتى يصل المجتمع إلى حالة من الفقر يقل معها حجم الإدخار إلى المستوى الذي يجعله معادلا تماما لحجم الإستثمار. بل يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي الحالي في دولنا علي وجه الخصوص والذي تسيطر عليه أوليغارشيا تسخر اقتصاد البلد لمصالحها الخاصة وتجد دعما من الحكومات خاصة بعد تصفية القطاع العام وبيع المؤسسات الانتاجية والخدمة لرأس المال الأجنبي هو وضع يصنع الفقر ويحافظ على صناعة الفقر ويحرسها ويحميها ، ولا يمكن مكافحة الفقر أو القضاء عليه مالم يتم تغيير هذ الوضع السائد حاليا.
وعموما فإن جميع الإعتبارات الإقتصادية الفنية والإجتماعية الأخلاقية تدعو إلى الحد من التفاوت في توزيع الدخول، ويتطلب الحد الإدني في تطبيق هذه السياسة وضع حد أدنى لدخل الأسرة لايجب أن يهبط دونه
ويراعى في وضع الحد الأدنى للدخول أن يكون كافيا لتوفير مستوى معيشي لائق للمواطن بحيث يتسنى له الحصول على حاجياته الأساسية وزيادة قيمة ناتجة بالتالي . و إذ تمثل دخول العمل (الأجور والمرتبات وما في حكمها) نسبة كبيرة من دخول الأفراد ذوي الدخول المنخفضة فإن ريع الأملاك العقارية تعتبر أهم مصدر للدخل بالنسبة للأفراد ذوي الدخول المرتفعة. من أجل هذا فإن أي خطة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدخول يجب أن تقوم أساسا على الحد من الدخول الناجمة عن ريع الملكيات العقارية وتحويل اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي الي إقتصاد انتاجي،والعمل على زيادة الدخول المكتسبة من العمل.
.
و الأدوات المالية التي يمكن إستخدامها لإعادة توزيع الدخل عديدة تتمثل في الآتي:
1- ترض الضرائب التصاعدية على التركات والهبات وعقود بيع وتأجير العقارات وتجديد حد أقصي لملكية العقارات المنتجة للريع.وهو ما بدأت به الدول التي وضعت خطط لتنمية اقتصادياتها بفرض إصلاح زراعي يتم بموجبه توزيع الأراضي على أسر الفلاحين وتوجيه فائض العمالة في المناطق الفلاحية نحو العمل في التصنيع .و يضطر أصحاب رؤوس الأموال أيضا لاستثمارها في منشآت انتاجية صناعية تسهم في زيادة الثروة القومية والدخل القومي ورفع مستوى معيشة المواطنين بما توفره من فرص عمل ودخول جيده للعاملين وتمويل صناديق الضمان الاجتماعي ..

2- الرفع من أثمان السلع الكمالية بفرض ضرائب غير مباشرة مرتفعة عليها للحد من الإقبال عليها ، وفي نفس الوقت إعفاء السلع الأساسية من تلك الضرائب كلية أو العمل على خفض أسعارها بدعمها عن طريق منح إعانات لبعض فروع النشاط الإنتاجي المتصلة بالإستهـلاك الشعبي لتيسير سبل العيش للفئات محدودة الدخل وتمكينها من توفير مدخرات للآستثمار. . وهي سياسة تسهم في تضييق الهـوة بين الدخول, إذ أنها تعمل على إنخفاض ذوي الدخول المرتفعة ،بقدر ما تعمل على زيادة الدخل الحقيقي لذوي الدخول المنخفضة.

3-. فرض ضرائب تصاعدية على الدخل الفردي مع إعفاء الدخول الصغيرة من أية ضرائب إوهو ما يقلل من مدى التفاوت في توزيع الدخول الصافية وتنقص من قدر تركز الثروات ولا تجعل المال دولة في يد أقلة دون باقي المواطنين .

العوامل التي تؤثر على القيمة الذاتية للنقود :
- عوامل اقتصادية اهمها : معدل التضخم الاقتصادي ، معدل الاداء الاقتصادي ،ومعدل النمو المتحقق في الناتج الاجمالي القومي ،ومستوى التوازن المتحقق.
- عوامل مالية اهمها: معدل الفائدة في النظام الرأسمالي الربوي، واسعار صرف العملة مقابل العملات العالمية ، السياسة المالية والنقدية ومدى كفائتها ، نسبة الدين العام وحجم الاحتياطي الوطني من العملات العالمية وغيرها .
- عامل المضاربة : حيث يلعب عامل المضاربة دورا مهما في تحديد القيمة الذاتية للنقود ، وتتاثر القيمة الذاتية للنقود في المجتمعات الرأسمالية بالدورة الاقتصادية التي يمر بها البلد او الاقتصاد العالمي والتي لا يمكن فصلها عن تأثير المضاربات المالية والتعامل بالربا .

أهداف السياسة الاقتصادية
تهدف السياسات الاقتصادية عادة إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية ، تتمثل في التالي:-
1- العمالة الكاملة أو التوظيف الكامل للموارد اللبشرية.
2- استقرار الأسعارخاصة أسعار المواد الأولية والتجهيزات الصناعية .
3- النمو الاقتصادي بمعدل يزيد عن معدل التزايد السكاني.
4- التوازن الخارجي.



بنوك المعاملات المقبولة في الإسلام:
االبنوك المقبول التعامل معها في الإسلام هي بنك تتجنب التعامل بالربا وتنحصر مواردها في الودائع الجارية و الودائع الاستثمارية .و توظف الودائع الاستثمارية في الاستخدامات التالية:
1.المشاركة: تشترك البنوك الإسلامية في إنشاء و إدارة الشركات و بخاصة الشركات المساهمة, وغالبا ما تخشي البنوك الإسلامية هذا النوع من الأنشطة نظرا لضعف الخبرات الفنية في المجالات الزراعية والصناعية و التجارية.
2.المرابحة: و هي شراء البنك لنوعيات من السلع و بيعها بسعر يتضمن ربحية لبنك. و يشترط الفقهاء هنا ملكية البنك للسلع. حيث لا يحل لبائع أن يبيع سلعة لم تنتقل ملكيتها وحيازتها له.
3.المضاربة: هي عقد مشاركة بين طرفين احدهما بالمال و الأخر بالعمل علي أن يتم تقسيم الربح بنسبة متفق عليها, و يتحمل صاحب المال الخسارة وحده حال تحققها.
4.التوريق : وأكثرها شيوعا هو ما يعرف باسم الصكوك. وتنص على وجوب أن يكون الدخل في شكل أرباح تتحقق من عمل يتم فيه اقتسام المخاطر وليس في شكل عائد مضمون. و هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة/أوامر الشراء) والمشاركة/المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق.
والإجارة ترتبط في العادة بمشاريع التأجير (غالبا للمعدات أو العقارات). وبموجب هذا الترتيب، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع.
وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني.


أنواع الملكية في الاسلام :
تتعدد أشكال الملكية في الإسلام وقد عرف تاريخ المسلمين ثلاثة أنواع من الملكية هي :
أولا : الملكيَّة الفرديَّة (الخاصة).
هي: الملكية التي تكون لصاحبٍ خاص، فرداً كان أم متعدِّداً، له الاستئثار بمنافعها والتصرُّف في محلِّها، ما لم توجد ضرورة وحالة استثنائية، وسواء كان هذا الملك متميزاً أم مشتركًا.
لقد أقرَّ الإسلامُ الملكية الفردية للمال بوسائل التملك المشروعة، قال تعالى:" للرِّجالِ نصيبٌ ممَّا اكتسَبُوا وللنِّساء ِنصيبٌ ممّا اكْتَسَبْنَ ". وقال سبحانه:" وآتُوا اليتامَى أمْوالَهُم ولا تتَبَدَّلوا الخبيثَ بالطيِّبِ ولا تأكُلُوا أموالَهُم إلى أمْوالِكُمْ ". وقال عليه الصلاة والسلام:" مَن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ".
حماية المِلْكيَّة الفردية: والملكية المشروعة مصونة لا يجوز الاعتداء عليها. قال الله تعالى:" ولا تأكلُوا أموالَكُمْ بينكم بالبَاطِلِ" . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ٌكحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
قرَّر الإسلام جملةً من العقوبات الدنيوية والأخروية لأنواع من الاعتداءات على الملكية، فقال تعالى:" والسَّارقُ والسارقةُ فاقطعُوا أيْدِيَهُمَا جزاءً بما كسَبَا نكالاً من اللهِ والله ُعزيزٌ حكيمٌ "، وقال عليه الصلاة والسلام:" من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقَه الله ُيومَ القيامة إيَّاه سبعَ أرَضِين".
للمسلم أن يدافع عن ملكيته عند الاعتداءات، وإذا قتل عندئذٍ فهو شهيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قُتِل دون ماله فهو شهيد".
طرق التملك الفردي:
1- الصيد: كصيد السمك و اللآلىء والمرجان والإسفنج ، وهي موارد ضخمة من موارد الدولة والأفراد.
2- إحياء الموات: من الأرض التي لا مالك لها بأية وسيلة من وسائل الإحياء؛ ولا بد من أن يقوم الفرد بإحيائها، وإلا سقط حق ملكيته لها؛ قال عليه الصلاة والسلام:" مَنْ أحْيَا أرضاً مَيْتَةً فهي لهُ".
3- استخراج ما في باطن الأرض من المعادن (الرِّكاز): وهذا العمل يجعل أربعة أخماس ما يستخرج من معدن ملكاً لمن استخرجه، والخمس زكاة.
4- تصنيع المادة الخامة لتفي بحاجة حيوية وتحقق منفعة لم تكن تحققها وهي خامة، أو تحسين وظيفتها بحيث تؤدي منفعة أكبر. وقيمة العمل بأنواعه واضحة في هذه العملية.
5- التجارة: سواء كانت فردية أم جماعية.
6- العمل بأجر للآخرين: والإسلام يحترم هذا العمل ويعظِّمه، ويدعو إلى توفية العامل أجره معجلاً غير منقوص، قال تعالى:" وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرى الله عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنونَ"، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ عَمَلِ يدِه".
حقوق العمال: يحترم الإسلام حق العامل في الأجر فهو يدعو إلى:
أ- الوفاء بالاجر عند انتهاء العمل، وحذر من الجور وعدم الوفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خَصْمُهُم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدرَ, ورجلٌ باع حراً فأكلَ ثمنَهُ, ورجلٌ استأجر أجيراً ثم استوفى منه ولم يُعْطِه أجْرَه ".
ب- التعجيل بأداء الأجر، فلا يكفي أداؤه كاملا، بل لا بد من أدائه عاجلاً، قال عليه الصلاة والسلام:" أَعْطُوا الأجيرَ أجْرَه قبل أنْ يجفَّ عَرَقُهُ".
واجبات العمال: الاتقان في العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته"، وقال:" إنّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقنَه"، فكلُّ حق يقابله واجب في الإسلام.
7- التملك بحكم الشرع: من غير جهد، وذلك: عن طريق الإرث، حيث تنتقل ملكية المال من الميت إلى أقاربه من الورثة، وعن طريق النفقة على من تجب لهم النفقة. وفي هذا نوع من التكافل الاجتماعي وتوازن بين الحقوق و الواجبات.
طرق غير مشروعة للتملك: مثل السَّلْب، والنَّهْب، والغَصْب، والسَّرقة، والمقامرة، و وَضْع اليد لا تسبِّب ملكاً.قال الله تعالى:" إِنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصَابُ و الأزْلاَمُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
المال الذي يأتي عن طريق الحرام فهو محرم؛ لأن القمار ليس عملاً، إنما هو ابتزاز، فوق ما يقع من العداوة والبغضاء بين المتقامرين، مما يتنافى مع الإسلام في بثِّ روح المودة والتعاون والإخاء، قال تعالى:" إِنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بينَكُمُ العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ".
ضوابط تنمية الملكية:
1- تحريم الغشَّ في المعاملة: قال عليه الصلاة والسلام:" من غشَّ فليس مني". وقال:" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا, فإن صدقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعِهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
فيحرم الغش في البيع والشراء، والربح الذي يأتي من الغش يكون حراماً، والتصدق به لا يقبل عند الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يَكْسِبُ عبدٌ مالاً حراماً فيتصدَّق منه فيُقْبَل منه، ولا ينفق منه فَيُبَارَك له فيه، ولا يتركه خلْفه إلا كان زَادَهُ إلى النار، إنَّ الله لا يمحو السّيِّئَ بالسَّيئ، ولكنْ يمحُو السَّيئَ بالحسنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحُو الخبيثَ “، وقال: “إنَّه لا يَرْبُو لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلا كانتِ النَّار أَوْلَى به".
2- تحريم احتكار أقوات الناس وضرورياتهم: فالاحتكار ليس وسيلة مشروعة من وسائل الكسب وتنمية المال، قال عليه السلام:" مَنِ احْتَكَرَ فهو خَاطِئٌ ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد بَرِئَ من اللهِ وبَرِئ اللهُ منه".
3- تحريم الرِّبا: قال الله تعالى:" يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا الرِّبَا أضْعَافَاً مُضَاعَفَةً واتَّقُوا الله لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
عقوبة التعامل بالرباء:
1- قال تعالى:" الَّذين يأكلونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلا كما يقومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطانُ من المَسِّ؛ ذلك بأنَّهم قالوا إنَّما البيعُ مثلُ الرِّبا، وأحلَّ الله البيعَ وحرَّمَ الرِّبا، فَمَنْ جاءَه موعظةٌ من ربِّه فانتهى فلهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى الله ومَنْ عادَ فأولئكَ أصحَابُ النَّار هم فيها خَالِدُونَ"
2- وقال سبحانه:" يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إنْ كُنتُمْ مُؤمِنينَ فإنْ لم تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بحربٍ مِنَ الله ورسولِهِ، وإنْ تُبْتُمْ فَلَكُم رؤوسُ أمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ ".
3- قال عليه الصلاة والسلام:" لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُوكِلَه وكاتبَه وشاهدَيْه، وقال: هم سواء".

ثانيا : المِلْكِيَّة ُالعامَّـة:
وهي: ما كانت لمجموع أفراد الأمة، أو الناس جميعاً، أو ما كانت لجماعة من الجماعات التي تتكون منها الأمة بوصف أنها جماعة؛ كالأنهار والطرق، والمرافق العامة ونحو ذلك. قال عليه السلام:" المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار ". وفي رواية:" الملح".

صور الملكية العامة أو الجماعية:
1- ملكية المرافق العامة: وهي الأموال ذات النفع العام، التي تمنع طبيعتُها من أن تقع تحت التملك الفرديِّ: كالأنهار القديمة والشوارع والطرقات والأراضي، فهي ملكية عامة، ينتفع المسلمون بها.
2- المساجد: إذْ جعلها الله تعالى له.
3- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس
4- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس.
ثالثا: ملكية الدولة (القطاع العام).
ووضع على كل نوعٍ منها حدودًا وقيوداً تمنع الضرر، وتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وعندئذٍ تحقق الملكيَّة وظيفةً اجتماعية شرعيَّة يؤديها المالك.
كتسب الدولة مِلْكَهَا من: الاغتنام بأنواعه، والشراء ونحوه، ومن التركات التي لا وارث لها، و الزَّكَوَات،والعُشُور،والضَّوائِع التي لا يُعرف صاحبُها،والرِّكاز، والجِزْيَة.
دور الدولةِ في المجالِ الاقتصاديِّ:
أولاً: جِبَايةُ الأموالِ العامَّةِ وإدارتُهَا :
المراد بالجباية: الجمع والتحصيل.
تقوم الدولة بمهام كثيرة، وهذه الأعمال والمهام تحتاج إلى من يقوم بها، ولا يتسنى لها ذلك إلا بالمال وجبايته.
موارد الأموال التي تجبيها الدولة: المال النقدي، والأموال العينية: وهي الزكاة وخمس الغنائم، وما يؤخذ من الرِّكاز والمعادن، والفيء، والجزية، والخراج، والعشور، وتركة من لا وارث له، واللُّقَطات التي لا يعرف صاحبها ونحو ذلك.
الدولة هي التي تقوم جباية هذه الأموال وهي التي تدير هذه الأموال التي هي ملك الشعب كلِّه دون تخصيص، وتشرف عليها وتحفظها، وتنمِّيها وتستثمرها لمصلحة المجتمع كله، وتوزعها وفقاً لأحكام الشريعة.
وضع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ضوابط الجباية والإنفاق، فقال: إني لا أجد هذا المالَ يُصْلِحُه إلا خلالٌ ثلاث: أن يُؤخذ بالحقِّ , ويُعطى في الحق , ويُمْنَع من الباطل. وإنما أنا ومالكم كوليِّ اليتيم.

رابعا : الملكية الاجتماعية: وهي ملكية تعود إلي أفراد المجتمع وقد عرفتها بعض المجتمعات المسلمة فيما يمكن اعتباره شكلا بدائيا لها يتمثل في امتلاك قبيلة أرضا مخصصة لها تزرعها زراعة جماعية وتوزع ناتجها على الأسر المشاركة في العمل والملكية . وقد أخذت الملكية الاجتماعية أشكالا في العصر الحديث بأوربا بظهور الشركات المساهمة وانتقلت من أوربا لباقي أنحاء العالم . وتعتبر الشركات التي يمتلكها أتحاد العمال في إسرائيل”الهستدروت “ شكلا من أشكال الملكية الاجتماعية وكذلك ما كان يعرف بالمزارع الجماعية التي كانت منتشرة في الاتحاد السوفييتي السابق وانتقلت منه إلى اسرائيل ومازالت قائمة بها. وهذه ملكيات تعود الي عدد محدود من أفراد المجتمع ولكن يمكن أيضا إقامة ملكيات اجتماعية يشارك فيها جميع أسر المجتمع في منطقة سكنية أو جعرافية على هيئة شركة مساهمة لكل أسرة فيها أسهما حسبما يسمح لها دخلها ومواردها المالية.
وهذه الملكية الاحتماعية الأخيرة التي تجسد وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله هي أقرب الملكيات الي روح الإسلام وقيمه ومقاصده ولو أنها غير قائمة بعد.

الانتفاع بالمال شرعا:
قد يتم الانتفاع بالمال على النحو التالي :
1- باستغلاله واستثماره في مشروعات انتاجية، كما هو الحال في االزراعة والصناعة والتعدين أو في مشروعات عامة أو خاصة خدمية مثل المياه والطاقة والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها
2- بانفاقه فيما هو استهلاكي مثل الطعام والشراب والسكن والملبس والتداوي والطاقة والزينة وغيرها.
3- التصرف في المال تصرفاً شرعياً على نحو الهبة والوصية أو القرض الحسن .
قال سبحانه وتعالى:" يا أيُّها الذين آمنُوا كُلُوا من طيِّبَاتِ ما رَزَقْناكُمْ ". وقال:" قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ اللهِ التي أخْرجَ لعبادِه والطيِّباتِ من الرِّزقِ". وقال:" كلُوا ممّا رزقَكُمُ اللهُ حلالاً طيِّباً ".

قيود حقِّ الانتفاع:
ينتفع الإنسان بمال الله تعالى في حدود حاجتهم دون إسراف أو تقتير, بل باعتدال في الإنفاق على النفس والأهل الذين ينفق عليهم؛ قال تعالى:" كلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا"، وقال سبحانه:" والذين إذا أنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا ولم يَقْتُرُوا وكانَ بين ذلك قَوَامًا ". وأن يكون عادلا في انفاقه على من هم تحت ولايته .
ولذا فإن حرية التصرف في المال محكومة بالضوابط الشرعية التالية:
1- أن يكون في حدود ما شرعه الله تعالى في أمور الكسب والإنفاق والاستثمار وسائر التصرفات الشرعية.
2- أداء الحقوق المتعلقة بالمال الذي جعله الله تعالى أمانة في يد المسلمين ، كالزكاة والصدقات التطوعية والنفقات الواجبة شرعا لمستحقيها ممن هم في ولاية صاحب المال أو من أهله وذوي رحمه ،وغيرها من الحقوق بما في ذلك سداد الديون .

استراتيجية التنمية
تعتمد معايير الجدوى الاقتصادية عند اختيار المستثمرين في تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية على عوامل عديدة ، اهم تلك العوامل هو توقع حجم الطلب المحلي والخارجي لمنتجات المشاريع المراد تنفيذها ( السلعية والخدمية ) فغاية الانتاج هة تلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات ا او خلق طلب لسلعة جديدة او اضافة منفعة لسلعة او خدمة قديمة الذي يرتكز على حاجة الافراد للمنفعة الخاصة بتلك السلعة او الخدمة ، فالحاجة بهذه الحالة تعتبر اهم العوامل المؤثرة في تحديد الطلب .، فتوقع حجم الطلب يمثل المؤشر والمعيار الاساسي في تأسيس او توسيع المشاريع الاقتصادية القديمة .

يختلف مفهوم الحاجة في الفكر الراسمالي عنه في الفكر الاسلامي والاشتراكي ، فالابعاد الفلسفية للحاجة في النظام الراسمالي تعتمد على معايير الربحية والمنفعة المادية المرتكزة على نظرية علم النفس النفعي التي تجعل
المنفعة اساسا لتوفير اكبر قسط من السعادة ويقول بهذا الصدد " جيفنيز " ان جميع سلوكيات الانسان مؤطرة ومرتكزة على مبدأ استقصاء فائض اللذة التي تقوده لتملك السلع مقابل الجهد المبذول للحصول عليها ، فعليه فان علم الاقتصاد هو حساب اللذة والالم ، و لخصها " ادم سمث " بالسعي لتحقيق اكبر مقدار ممكن من الثروة ، واشار " ريكاردو " الى ان المصلحة الخاصة تقود جميع المضاربات في التجارة .لذلك فان محددات الحاجة واسعة طالما هي تحقق الغايات المذكورة .

استنادا لذلك نجد في السوق عدد هائل من السلع والخدمات مطروحة للبيع لتلبية حاجات غير ذات قيمة نفعية او انها تتعارض مع الجانب الاخلاقي .لذا فان اصحاب الاموال والمؤسسات الممولة للاستثمار وفق النظام الربوي يعتمدوا في بناء استراتيجية التنمية في ظل النظام الراسمالي على اسس غير منطقية تعتمد على سلوكيات المستثمرين الربوية وعلى رغبات مادية لمجموع من الافراد يملكون المقدرة الشرائية ، استنادا لذلك يحصل تبذير كبير في الطاقات المادية والمعنوية للمجتمع لان اسس التنمية وضعت على هذا الاساس ، وهناك امثلة كثيرة لمشاريع تنتج سلع وخدمات توضح هذه الحالة .

ومفهوم الحاجة في الشريعة الاسلامية فهي مخصصة للاهداف السامية وهي خالية من المفاسد المتعددة في الاستثمار ، لذلك فان الاموال المزكاة تتجه للاستثمار في مجالات تحقق الغايات السامية للانسان وتنفذ مبدأ استخلاف الانسان في الارض المبنية على فكرة عمارة الارض على اسس حددتها الشريعة الاسلامية ضمن محددات واضحة ، بموجبها يتحقق الاستثمار الامثل والاعدل لطاقات المجتمع المتاحة المادية والمعنوية .وينطم مبدأ الإستخلاف في المال علاقة الإنسان بالمال ووما يستتبعها من حب التملك واستثمار التروات واقتسام الخيرات المشتركة بين بني البشر.فالمال مال الله وهو أمانه أو وديعة لدي مالكه يستفيد به مع التقيد تطبيق أحكامالله وأنفاقه فيما أحله وأمر مبه والإبتعاد عما حرمه ونيه عنه وقد أوكل الإنسان بموجب ما يمكنه اعتباره عقد استخلاف بين الله وعباده تعمير الأرض بالعمل الصالح المتقن والذي يعد إلى جانب ما يعود به نفع مباشر على صاحيه بمثابة ضرب من ضروب العبادة التي يؤجر عليها في الدنيا والآخرة.
و يعتبر المال ضروريا لتنظيم شؤون الحياة وقوامها كما أنه يعتبر زينة الحياة الدنيا لما يحققه الفرد والجماعةمن منافع .لذلك نظم الاسلام طرق كسبه واستثماره و تدبيره واستهلاكه.
ويحذر الإسلام في نفس الوقت من فتنة المال ويربطه به الطغيان وحب السيطرة والإمتلاك وهو ما يتطلب تهذيب غريزة التملك حتي لا ينجم عنها أية مشاكل في المجتمع المسلم. ولذا يعمل الإسلام على حل التناقض بين الدوافع الذاتية والمصالح الإجتماعية في إطار الدين دون تجاهل أي منها وويسعي إلى التوفيق بينهما .الإسلام يهذب غريزة التملك ويطورها ولا يلغيها ويتجاوزها كما يوظفها في خدمة الإنسان والمجتمع ومرضاة الله والفوز بالآخرة .ويتبع الإسلام في ذلك مايلي:
تنظيم السلوك البشري وتحرره من الإنصياع لفتنة المال. مقاومة نزعات التملك والتملك والهيمنة وضرورة الكدح للحصول على المال ومحاربة ميل النفس في الإنشداد إلى الإمتلاك الجائر والإفتتان به .
يقول الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِـينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً * يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً * وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
ويقول الله سبحانه و تعالى أيضا في بيان جزاء العمل الصالح:: "تَرَى الظَّالِمِيـنَ مُشْفِقِيـنَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِـعٌ بِهِـمْ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ». (الحج:22-42) وتتعدد الآيات في هذاالشأن في كتاب الله الكريم. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالي: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ».(النساء:173 ). فجزاء الإيمان والعمل الصالح في هذه الآية في الدنيا والآخرة من أجر وزيادة فضل وما أعظمه. وأيضا في قوله تعالي : “ وَلَوْ أَنَّ أَهْـلَ الْقُرَى آمَنُـواْ وَاتَّقَـواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»( الأعراف:69)ومثيل لها قوله تعالي: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً "(الطلاق:4)أي يجد أموره ميسرة وقوله :" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى "(طه123)وفوله :" مَـنْ عَمِلَ صَـالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَـنَّهُ حَيَـاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (النحل97). فمعايير الزرق الطيب هنا تترتبط بالصلاح والتقوي.
ولا يمنع ذلك أن تكون ربحية المشروع الاقتصادي بمثابة معيار يقاس نجاحه على مستوى الاستثمار لتحفيز المدخرين على استثمار أموالهم في تنمية اقتصاديات بلادهم. واعتماده هنا يحقق مصالح مرسلة ومنافع للناس.

ونستخلص مما سبق أن مبدأ الإستخلاف في الأرض يقوم من منظور الشريعة على التصرف في الثروات وفق منهج إلاهي قائم على مبدأ الكفاية وتوزيعا بالعدل والقسطاس وجعل الملكية الفردية في خدمة المجتمع ومحققة لمبدأ التكافل الإجتماعي بما يكفل سد حاجة جميع أفراد الأمة وسد الباب أمام التفاوت في الدخل واحتكار الثروة من قبل ألية يكون المال دولة بينها ويحرم منه غالبية الشعب .

مقاصد التنمية الاقتصادية في الإسلام:

يرى العلامة الطاهر بن عاشور أن للإسلام مقاصد خمسة في الأموال؛ هي: رواجها ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها
[7 ]. بينما يضيف إليها بعض الباحثين مقصدا سادسا وهو التكسب والاستثمار. ونتناول هذه المقاصد بشيء من التفصيل
فيما يلي:

1. مقصد التداول والرواج: ويراد بهذا المقصد تداول ورواج الأموال بين عامة الناس، وألا يكون ذلك قاصرا على الأغنياء
فقط أو على فئة معينة من المجتمع دون الفئات والشرائح الأخرى، ويكون ذلك في مجالات الاستثمار والاستهلاك، ومن هنا شرعت
العقود والبيوع والشركات في الفقه الإسلامي ونظمت معاملاتها، لتيسير وتسهيل حركة الأموال بين الناس.

2. مقصد التكسب والاستثمار. ويراد بهذا المقصد ما أوجبه الإسلام على الأفراد من السعي للكسب، واستثمار الأموال، فلا
يعطل المال ولا يكتنز ولكن يدفع به لدوائر الأعمال لينمو ويعم خيره على المجتمع؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتْ
الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة: آية 10) وهذا دليل وجوب
السعي للرزق والكسب، ويقول عز وجل محذرا من اكتناز المال: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: آية 34).

3. مقصد الوضوح: والمراد بهذا المقصد هو شفافية المعاملات والتصرفات المالية من حيث تدوينها وتوثيقها والإشهاد عليها،
وذلك دفعا للضرر والغرر والغش والتدليس، وإن كانت آية الدين هي الأشهر في هذا المجال، فإن كتابة جميع المعاملات
والتصرفات المالية معمول به من باب حفظ وبيان الحقوق. ومما يؤسف له أن الشفافية للمعاملات المالية في البلدان الإسلامية
محل شك وريبة، وينعكس ذلك من خلال ترتيب البلدان الإسلامية على مؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حيث
تحتل البلدان الإسلامية مراتب متدنية أو في أحسن الأحوال في منتصف التقويم.

4. مقصد الثبات: ويعنى بهذا المقصد الاختصاص وحرية التصرف في الملكيات والأموال الخاصة وعدم انتزاعها بغير رضا
مالكها بالطرق المشروعة من بيع أو هبة أو تبرع، وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل أيّا كانت صورته، ويقول الحق تبارك
وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً" (النساء: آية 29).

5. مقصد العدل: والعدل المراد في هذا المقصد، جعل المال في نصابه الذي جعل من أجله فلا يستثمر ولا ينفق في حرام،
وإنما في قنوات أمر بها الله عز وجل، تعود بالنفع على صاحبها وعلى من حوله من أفراد مجتمعه.

أنواع التنمية :
يستخلص مما كتبه عبد الحافظ الصاوي أنر تعريف التنمية مر بعدة مراحل بدءًا من النمو الاقتصادي، ثم التنمية الاقتصادية، ثم التنمية البشرية، ثم التنمية الشاملة، وكان آخر ما تعارفت عليه الأدبيات الاقتصادية، التنمية المستدامة والتي عرفت بدورها هي الأخرى تعريفات مختلفة منها:

"تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون مساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم". أو "التنمية التي تأخذ في
اعتبارها التوازنات البيئية الطبيعية وذلك حفاظا على الموارد من التدهور والاستنزاف وضمانا لاستدامة التنمية".
والتنمية الاقتصادية في الإسلام تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال نظرية خلافة الإنسان لله عز وجل في هذا الكون، وأن الإنسان مكلف بحكم هذه الخلافة بعمارة الأرض، وأن الإنسان يتحمل هذا التكليف إلى قيام الساعة.فالتنمية بالمفهوم الإسلامي ليست فرضا على جيل دون آخر، ولكنها عملية متصلة لا تتوقف، بحيث تكفل للمجتمع الاستقرار في ظل ظروف أفضل للحياة الإنسانية، مهما يعترض المجتمع من مشكلات وعقبات، والتواصل بهذا المعنى يحقق التكافل بين الأجيال من خلال المحافظة على الموارد واستثمارها بالقدر الذي يحفظ حق الأجيال القادمة. ومن هنا فإن خصائص التنمية التي يتوخاها الاقتصاد القائمم على أساس القيم الاسلامية تتمثل في عدة أمور هي:

1- الإنسان أساس التنمية.
إن محور التنمية هو الإنسان الذي يتحرك ويعمل وينتج ويتحمل ويبذل. والذي تؤكده كل الحقائق
والتجارب أن أي إستراتيجية تنموية في أي اقتصاد لا تحقق النجاح، ولا تصل خططها إلى أهدافها وغاياتها،إلا باحترام الإنسان واحترام حريته وتوفير الضمانات له، ومنحه الثقة الكاملة، ومشاركته في المسئولية مشاركة فعالة. ويتميز الإسلام بأنه لا يجعل المادة مطلوبة لذاتها ولكن لفلاح الإنسانية وتعمير الأرض.
وثمة ملحظ هام يتعلق بأداء السياسات التنموية والاقتصادية، في بلداننا العربية والإسلامية، وهو غياب مشاركة الأفراد في صنع وتنفيذ هذه السياسات، فالعادة أن الحكومات تشرع في تنفيذ ما تراه من سياسات، سواء كانت من بنات أفكارها، أو من وحي المؤسسات الدولية، فيغيب عنها إيمان الأفراد بجدوى هذه السياسات. فإذا ما تمت مشاركة الأفراد في صنع هذه السياسات عبر مؤسسات المجتمع الأهلي، والمؤسسات الفنية المعنية، وجعل قضية التنمية، قضية جمعية تعبر عن طموحات وتطلعات المجتمع،
فبلا شك، لن يكون هناك سياسة اقتصادية تؤتي مردودًا ثقافيا وسلوكيا سلبيا ينتهي بتبني منهجية العنف من أجل التغيير.

2-مراعاة احتياجات الفرد المادية والروحية، فبعض المذاهب الأخرى صرفت الإنسان عن المال والاقتصاد باعتباره عرض الحياة الدنيا، والبعض الآخر جعل من المال كل شيء، لتكون النظرة للحياة والكون وطبيعة العلاقة بين الناس على أسس مادية بحتة فجاء الإسلام ليحدث هذا التوازن بين الدنيا والآخرة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ( القصص : 77 ) واعتبر من مسألة الملكية صورًا متعددة تفي باحتياجات المجتمع وجعل من المال والملكية وظيفة اجتماعية.

3- مراعاة الموارد المتاحة والمحتملة، في ضوء احتياجات المجتمع الحالي، ووضع خطط للحفاظ على حق الأجيال القادمة من هذه الموارد. ويتطلب ذلك حصرا لموارد المجتمع وإمكاناته، وإعداد موازنات بين بدائلها وبدائل بعضها بعضا، ولعل أفضل مثال في هذا المجال المياه والطاقة.

ولعل موضوع تخصيص الموارد لصيق الصلة بهذا المحور، حيث يكون تخصيص الموارد بين العام والخاص بما يحقق مصلحة المجتمع ولا يعطل طاقته، فالأصل أن يقوم القطاع الخاص بتلبية احتياجات المجتمع ويساعد على ذلك بتخصيص ما يلزمه من موارد، إلا أن تكون هناك دواع تستلزم تدخل الدولة مثل عجز القطاع الخاص عن تلبية احتياجات المجتمع، أو أن تكون هناك حاجات للفقراء لا يلتفت إليها القطاع الخاص فتقوم الدولة بتلبية احتياجاتهم، أو أن تكون هناك دواع يتطلبها الأمن القومي.

أخذ البعد المكاني للتنمية في الاعتبار، فلا تفضل المدن على القرى والريف، ولكن الجميع سوء فالإنسان في القرى والريف له نفس حقوق الإنسان في المدن والحضر من توفير المياه النقية الصالحة للشرب، واستخدام الصرف الصحي الآمن، والطرق المعبدة،
والتعليم المناسب. ورضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب الذي أثر عنه: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر".

الاعتماد على الذات، لابد أن ينصرف كل مجتمع بالدرجة الأولى إلى إشباع احتياجات أفراده من خلال موارده المتاحة وحسن توظيفها، ومن هنا تحدث فقهاؤنا عن فروض العين وفروض الكفاية في واجبات الأفراد من أصحاب المهن والتخصصات المختلفة تجاه احتياجات المجتمع، وفي هذا الأمر توظيف لكل إمكانات المجتمع وعدم تهميش قطاع أو أفراد، أو الاهتمام بحاجات فئة دون أخرى. فإن عجزت بالمجتمع الوسائل المحلية في تلبية احتياجاته خرج إلى مجتمعات أخرى في إطار من التعاون وتبادل المنافع. ويجب ألا يفهم أن هناك صراعا أو تضادا بين المجتمعات وبعضها بعضا أو هي دعوة للانغلاق على الذات، فهناك العديد من المبررات التي تدعو إلى التعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وغيرها مع الآخر،ومنها:
1. إن قصر التعاملات بين فئة معينة من الناس، وعدم انفتاحهم على غيرهم، تجعل مقدم الخدمة أو السلعة، في هذا المجتمع، كبر أو صغر، في وضع احتكاري. وتوفر له نوعا من الحماية من منافسة الآخرين، حتى لو كانوا أجود منه في الصنعة أو تقديم السلع والخدمات. وهذا الوضع يقتل في نفس المحتكر روح الإبداع والتطوير، ويبدد موارد المجتمع لصالح فئة معينة، ومن المعروف أن تبديد الموارد سمة من سمات التخلف في الاقتصاديات الدولية.
2. المسلمون مدعوون للمساهمة في حضارة العصر، وألا يكونوا مستوعبين من قبل هذه الحضارة، فهي تصوغ حاجاتهم وتحدد وسائل إشباع تلك الحاجات، ولكن الانفتاح على الآخر يجعل من المسلمين كأفراد وشعوب ومجتمعات، في وضع لإثبات الذات، والمشاركة الفعلية لا الحضور والمشاهدة.
3. إن الانفتاح على الآخر لا يتعارض مع الوحدة الإسلامية، بل هو دافع لها؛ إذ يجعل الانفتاح على الآخر من معايير المنافسة، دعوة للمجتمعات الإسلامية إلى إحداث تكامل بين مواردها المالية والمادية والبشرية، مما يقوي من موقفها التنافسي في الساحة الاقتصادية الدولية.
4. أن التجربة أثبتت أن سياسة الاكتفاء الذاتي غير ممكنة، وأن تكامل المجتمعات مع بعضها البعض هو الوضع الطبيعي، كما قلنا من قبل، في إطار نظرية المدافعة، ولكن هذا لا يعني أو ينفي سياسة الاعتماد على الذات، وبينهما فرق كبير. فالاعتماد على الذات فيه شحذ للهمم وتوظيف للطاقات، ولا يمنع من الاستفادة بإمكانيات الآخرين والانفتاح عليهم والتواصل معهم.
5- الانفاق في حدود القوامة أي ما يقوم به معاش الناس من أهم خصائص التنميةفي الإسلام فيما يتعلق بالاستهلاك، ففي الوقت الذي لا يحرم فيه الإنسان من استهلاك الطيبات فإنه مأمور بعدم الإسراف والتبذير، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً". (الإسراء: آية 29) ويقول أيضا: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء: 26 و27)
ويمكن أن نستخلص مما سبق أيضا أن جوهر التنميةفي النظام الإسلامي هو تنمية الإنسان نفسه، وليس مجرد تنمية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع حاجاته، فهي تنمية أخلاقية تهدف إلى تكوين الإنسان السوي الذي يشكل نواة مجتمع المتقين، والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق الخلافة في الأرض، التي سيحاسب عليها أمام المولى عز وجل.
ولذلك فإن عمارة الأرض ـ أي التنمية بالمصطلح الحــديث ـ ليست عملاً دنيويًا محضًا، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل. ولا يتعارض الجانب التقليدي في التنمية، وعمارة الأرض مع تحقيق الرفاهية المادية للمجتمع الإسـلامي. وعلى ذلك لا تنصرف جـهود التنمية في الإسلام إلى مجــرد تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع أو توفير حد الكفاف أو إشباع حاجاتهم الأساسية فقط ـ كما تهدف النظم الإنمائية المعاصرة ـ وإنما تنشد أساسًا تحقيق الكفاية المعيشية لكل فرد من أفراد المجتمع، على النحو الذي يخرجهم من دائرة الفقر إلى حد الغنى.
والتنمية الاقتصادية تؤدي إلى بلوغ الحياة الكريمة التي أمر الله الناس أن يبتغوها في الدنيا ووعد عباده المؤمنين بأفضل منها في الآخرة.
ومن هذه النظرة الشمولية، المتعددة الجوانب والأبعاد للإسلام تجاه قضية التنمية، نجد أن الإسلام قد ركز على ثلاثة مبادئ مهمة، من المبادئ الحركية للحياة الاجتماعية، وهي:
ـ الاستخدام الأمثل للموارد والبيئة والطبيعة التي وهبها الله تعالى للإنسان وسخرها له.
ـ الالتزام بأولويات تنمية الإنتاج، والتي تقوم على توفير الاحتياجات الضرورية الدينية، والمعيشية، لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تقتير، قبل توجيه الموارد لإنتاج غيرها من
السلع.
ـ إن تنمية ثروة المجتمع وسيلة لتحقيق طاعة الله، ورفاهية المجتمع وعدالة التوزيع بين أفراد المجتمع. ومن هنا يتبين الربط المباشر لعملية التنمية بالعبادة، والمستمد من قوله
تعالى{هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61]. إذا ما ربط ذلك بالهدف النهائي لهذه النشأة والاستعمار، والمتجسد في قوله تعالى{وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون}[الذاريات:56].
ونخلص من ذلك إلى القول أن مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام، مفهوم شامل نواحي التعمير في الحياة كافة، تبدأ بتنمية الإنسان ذاتيًا، وذلك بتربيته دينيًا وبدنيًا وروحيًا وخلقيًا،
ليقوم بالدور المنوط به إسلاميًا، ومن خلال ذلك تنشأ عملية تعمير الأرض، الموضع الذي يعيش فيه الإنسان اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا ... إلخ، لتتحقق له الحياة الطيبة التي
ينشدها، ويستطيع في ضوئها أن يحقق الغاية العظمى، وهي إفراد العبادة لله وتحسينها.
كما أن التنمية الإسلامية، هي تنمية شاملة، لأنها تتضمن جميع الاحتياجات البشرية من مأكل وملبس، ومسكن، ونقل، وتعليم، وتطبيب، وترفيه، وحق العمل، وحرية التعبير، وممارسة
الشعائر الدينية... إلخ، بحيث لا تقتصر على إشباع بعض الضروريات، أو الحاجات دون الأخرى.
ولذلك فقد ارتبط مفهوم التنمية في الإسلام بالقيم والأخلاق الفاضلة، وأصبح تحقيق التنمية مطلبًا جماعيًا وفرديًا وحكوميًا، يسهم فيه كل فرد من أفراد المجتمع.

الإعلان العالمي الخاص بالحق في التنمية :
جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 ديسمبر 1986 ما يلي:
إن الجمعية العامة، إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتصلة بتحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني وفى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وإذ تسلم بأن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها،وإذ ترى أنه يحق لكل فرد، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما،
وإذ تشير إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،وإذ تشير كذلك إلى ما يتصل بذلك من الاتفاقات والاتفاقيات والقرارات والتوصيات والصكوك الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فيما يتعلق بالتنمية المتكاملة
للإنسان وتقدم وتنمية جميع الشعوب اقتصاديا واجتماعيا، بما في ذلك الصكوك المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ومنع التمييز، واحترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحفظ السلم والأمن الدوليين، وزيادة تعزيز العلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا للميثاق،وإذ تشير إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية،وإذ تشير أيضا إلى حق الشعوب في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان،
وإذ تضع في اعتبارها الالتزام الواقع على الدول بموجب الميثاق بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أي نوع كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من الأوضاع،
وإذ ترى أن القضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الاستعمار، والاستعمار الجديد، والفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتهديدات الموجهة ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، والتهديدات بالحرب، من شأنه أن يسهم في إيجاد ظروف مواتية لتنمية جزء كبير من الإنسانية،وإذ يساورها القلق إزاء وجود عقبات خطيرة في طريق تنمية البشر والشعوب وتحقيق ذواتهم تحقيقا تاما، نشأت، في جملة أمور، عن إنكار الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ ترى أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وأنه لا يمكن، وفقا لذلك، أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها إنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية،وإذ ترى أن السلم والأمن الدوليين يشكلان عنصرين أساسيين لإعمال الحق في التنمية،وإذ تؤكد من جديد وجود علاقة وثيقة بين نزع السلاح والتنمية، وأن التقدم في ميدان نزع السلاح سيعزز كثيرا التقدم في ميدان التنمية، وأن الموارد المفرج عنها من خلال تدابير نزع السلاح ينبغي تكريسها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب ولرفاهيتها ولا سيما شعوب البلدان النامية،وإذ تسلم بأن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية ولذلك فانه ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها،وإذ تسلم بأن إيجاد الظروف المواتية لتنمية الشعوب والأفراد هو المسئولية الأولى لدولهم، وإذ تدرك أن الجهود المبذولة على الصعيد الدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ينبغي أن تكون مصحوبة بجهود ترمى إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد،
وإذ تؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء. تصدر إعلان الحق في التنمية، الوارد فيما يلي:

المادة 1 :
1. الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
2. ينطوي حق الإنسان في التنمية أيضا على الإعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير، الذي يشمل، مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ممارسة حقها، غير القابل للتصرف، في ممارسة السيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية.

المادة 2
1. الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه.
2. يتحمل جميع البشر مسؤولية عن التنمية، فرديا وجماعيا، آخذين في الاعتبار ضرورة الاحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، فضلا عن واجباتهم تجاه المجتمع الذي يمكنه وحده أن يكفل تحقيق الإنسان لذاته بحرية وبصورة تامة، ولذلك ينبغي لهم تعزيز وحماية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مناسب للتنمية.
3. من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.

المادة 3
1. تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية.
2. يقتضي إعمال الحق في التنمية الاحترام التام لمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
3. من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية. وينبغي للدول أن تستوفى حقوقها وتؤدى واجباتها على نحو يعزز عملية
إقامة نظام اقتصادي دولى جديد على أساس المساواة في السيادة والترابط والمنفعة المتبادلة والتعاون فيما بين جميع الدول، ويشجع كذلك مراعاة حقوق الإنسان وإعمالها.

المادة 4
1. من واجب الدول أن تتخذ خطوات، فرديا وجماعيا، لوضع سياسات إنمائية دولية ملائمة بغية تيسير إعمال الحق في التنمية إعمالا تاما.
2. من المطلوب القيام بعمل مستمر لتعزيز تنمية البلدان النامية على نحو أسرع. والتعاون الدولي الفعال، كتكملة لجهود البلدان النامية أساسي لتزويد هذه البلدان بالوسائل
والتسهيلات الملائمة لتشجيع تنميتها الشاملة.

المادة 5
تتخذ الدول خطوات حازمة للقضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الفصل العنصري، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والاستعمار، والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتدخل الأجنبي، والتهديدات الأجنبية ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الاقليمية، والتهديدات بالحرب، ورفض الاعتراف بالحق الأساسي للشعوب في تقرير المصير.

المادة 6
1. ينبغي لجميع الدول أن تتعاون بغية تعزيز وتشجيع وتدعيم الاحترام والمراعاة العالميين لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
2. جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام علي قدر المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنظر فيها بصورة عاجلة.
3. ينبغي للدول أن تتخذ خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية.

المادة 7
ينبغي لجميع الدول أن تشجع إقامة وصيانة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل تحقيق نزع السلاح العام الكامل في ظل رقابة دولية فعالة، وكذلك من أجل استخدام الموارد المفرج عنها نتيجة لتدابير نزع السلاح الفعالة لأغراض التنمية الشاملة، ولا سيما تنمية البلدان النامية.

المادة 8
1. ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل. وينبغي اتخاذ تدابير فعالة لضمان قيام المرأة بدور نشط في عملية التنمية. وينبغي إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية.
2. ينبغي للدول أن تشجع المشاركة الشعبية في جميع المجالات بوصفها عاملا هاما في التنمية وفى الإعمال التام لجميع حقوق الإنسان.

المادة 9
1. جميع جوانب الحق في التنمية، المبينة في هذا الإعلان، متلاحمة ومترابطة وينبغي النظر إلى كل واحد منها في إطار الجميع.
2. ليس في هذا الإعلان ما يفسر على أنه يتعارض مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة أو على أنه يعني أن لأي دولة أو مجموعة أو فرد حقا في مزاولة أي نشاط أو في أداء أي عمل يستهدف انتهاك الحقوق المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.

المادة 10
ينبغي اتخاذ خطوات لضمان ممارسة الحق في التنمية ممارسة كاملة وتعزيزه التدريجي، بما في ذلك صياغة واعتماد وتنفيذ تدابير على صعيد السياسات وتدابير تشريعية وتدابير أخرى على الصعيدين ا


التنمية الإنسانية:
مفهوم التنمية الانسانية : يمكن أن نستخلص مما كتبه خبيرا التنمية الإنسانية : د. مهدي عمار ود. نادر الفرجاني ما يلي:
يستهدف مفهوم التنمية البشرية وضع الإنسان في موضع الصادرة ، وبؤرة التركيز في مخططات التنمية للمجتمعات الإنسانية ، وتصحيح الظرةالتقليدية السابقة له والتي كانت تعتبره مجرد مورد أو رأسمال بشرى في التنمية الاقتصادية. والتي كان يقيم نجاحها على أساس معدل حصة الفرد في الناتج القمي وليس مستوى تمتع الفرد ، ذكرا كان أم أنثي بكامل حقوقه وبحريته وكرامته ومشاركته في سياسة وتحديد مستقبل مجتمعه أو أمته. أومدى التحسن في مستوى معيشته أو مستوى معرفته. ولذا فإن التنميةالانسانية تعني توفير الشروط والظروف التي تمكن الإنسان، أي إنسان، من تحقيق إنسانيته. وهو ما يتطلب بدوره الإدراك الكامل لكينونته وصيرورته ، والوفاء باحتياجاته: البيولوجية ، العقلية، الوجدانية ، الاجتماعية ، الثقافية والروحية.

ويمكن تعريف التنمية الانسانية ، بأنها عملية توزيع الخيرات على الناس ، يأخذون ما ينبغي أن يتاح لهم ، وما ينبغي أن تكون عليه أحوالهم ، فضلا عن ناتج عملهم ضمانا لتنامي مستوىمعيشتهم ,
كما يمكن أيشا تحديد مفهومها على أنه المستوي الذي تصل اليه حالة الإنسان في كينونته في فترة زمنية محددة / من حيث فدراته وطاقاتهالإنسانية المتعددة ووالمركبة ومن خلال إشباع إحتياجات البقاء والتطور والتواصل والمشاركة والتحرر والحرية والانتماء والكرامة بتنمية تلك القدرات البشرية وما تستلزمه من حاجات مادية وغير مادية .
إلا أنه يجب ألا تقتصر التنمية الانسانية على حالة الكينونة ، وإنما ينبغي أن تمتد إلى حالة الصيرورة ، وهذا يعني الحرص على استمرار تنمية القدرات الإنسانية إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه ، وهي فدرات لا حدود لها ، ولاسقوف لآفاق نتائجها ، وهذا يستدعي بالضرورة توفير مجالات الإشباع للاحتياجات الإنسانية بصورة متنامية ومستدامة .ويرتبط هذا كله بنمط التنمية المطرد في معدلات نموه وتطوير هياكله البنيوية ، واتخاذ السياسات التي تحقق المزيد من الرخاء للإنسان، وتحسين كفاءته الإنتاجية وسيلة وأداء.
وللتنميةالانسانية جانبان ، أولهما: تشكيل القدرات البشرية وتنميتها من خلال تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارة ,وثانيهما: فيتصل بتوظيف القدرات المكتسبة في الإنتاج في المجالات الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية والسياسية والاستمتاع بوقت فراغه. ولذا تعتبر التنمية الرأسية للموارد البشرية في مقدمة أهداف التنمية ابشرية/الإنسانية ويقصد بتنمية الموارد البشريةرأسيا زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة القادرة على العمل في جميع المجالات، والتي يتم انتقاؤها واختيارها في ضوء ما أُجري من اختبارات مختلفة بغية رفع مستوى كفاءتهم الإنتاجية لأقصى حد ممكن عن طريق التعليم والتثقيف والتأهيل والتدريب المهني والتي لها ارتباط مباشر بالكفاية الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية في العصر الحالي .كما يتسع مفهومها أيضا لتشمل الاحتياجات المرتبطة بكرامة الإنسان ، وحماية حقوقه كحقه في التحرر والحرية وحقه في الحركة والتنقل وحقه في قانون عادل تشريعا وتطبيقا يحتمي يبه وينصفه.وحقوقه الشخصية,

وأدي التوسع في مفهوم التنميةالبشرية الي التفكير في ايجاد رقم قياسي لحريةا لبشر الي جانب الرقم المكون من الدخل الفردي ومعدل الأمل في العمر ونسبة التعليم وسنوات التمدرس.
مجمع الاحتياجات الإنسانية :
يجب الوفاء باحتياجات الانسان كاملة من أجل التنميةالمتكاملة لقدراته وتشمل تلك الاحتيا جات مايلي:
1 -احتياجات النمو البدني:
الغذاء والماء والكساءوالصحة والسكن والأمان الشخسي وحريةالتحرك الجسدي والتريض.
2-احتياجات النمو المعرفي والثقافي وتشمل:
التعلم واكتساب المعرفة والثقافة المشتركة واكتساب المهارات والدرايات ونمو المواهب والقدرات الخاصة والتعلم الذاتي وتنمية الذوق الفني والجمالي وإنتاج المعرفة وتجديدها.
3- احتياجات النمو الاجتماعي وتشمل:
التواصل الاجتماعي من خلال اللغة وإتاحة المعلومات والمشاركة والتأثير في صياغة الحاضر والمستقبل وتأمين العمل المفيد والمجزي وطمأنينة الانسان على نشاطه اليومي وعلى عمله وعلى أسرته حاضرا ومستقبلا .والقدرة على التنقل بين الأماكن التي يريدها,,
4 – احتياجات النمو النفسي ، وتشمل:
السكينة النفسية وأبعاد عوامل الخوف والقلق عنه، والمحبة والتحاب وتقدير الانسان لذاته والاعتراف بقيمته بصرف النظر عن أية عوامل أخرى وتكون لديه جب الاستطلاع والمبادرة والانتماء والوعي بالهوية وأدراك دوره في المجتمع وأهمية علاقته بالآخرين.

وهنا يلزم التذكير بأن مفهوم التنمية الإنسانية يتجاوز مفهوم النمو الاقتصادي و تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".

و التنمية الإنسانية ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.

مقياس التنمية البشرية إلا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانيةالذي يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.

ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب دولة ما على مقياس التنمية البشرية، سواء كان كبيرا أو ضئيلا، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.

يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد. وتشى هذه الصلة بتعثر التنمية ولو على مستوى التنمية البشرية فى المغرب.

و الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته المغرب رغم محدوديته فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو المعترض الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.

والأخطر أن النمو الاقتصادى فى المغرب قد تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية أي اقتصاد الريع.

زيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
وكل الطواهر المشهودة والتقارير المنشورة تدل على استحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى المعرب لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن واحد.
ويقول د. عثمان محمد عثمان،على إثر صدور تقرير "التنمية البشرية" الذى يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2000، أن القضايا التى أثارها بحاجة لنقاش، وبعض مقولاته بحاجة لتصحيح أو توضيح.
بداية، من ذلك أنه شاع، بالعربية، استعمال "التنمية البشرية" كترجمة للمصطلح الإنجليزى human development، إلا أن "التنمية الإنسانية" عندنا تعريب أصدق تعبيرا عن المضمون الكامل للمفهوم، كما سيتضح بعد قليل مع الإبقاء على مصطلح "التنمية البشرية" بدلالة أضيق، الأمر الذى يسمح به ثراء اللغة العربية. فعلى حين تستعمل كلمتا "البشرية" و "الإنسانية" تبادليا فى العربية، يمكن إنشاء تفرقة، دقيقة، بين الأولى، كمجموعة من المخلوقات، والثانية، كحالة راقية من الوجود البشرى، وهذه التفرقة هى أساس تفضيلنا لمصطلح "التنمية الإنسانية".وقال نفس الشيء الكاتب فوزي منصور في مقدمة كتاب عن التنميةة البشرية نشرته دار الملتقي في المغرب فبيل صدور التقرير الرابع الذي حمل بالفعل إسم التنمية الانسانية.ويوضح ال=دكتور عثمان محمد عثمان أن مفهوم التنمية الإنسانية يقوم على كأساس أن "البشر هم الثروة الحقيقية للأمم" وأن التنمية الإنسانية هى "عملية توسيع خيارات البشر". والواقع أن "الخيارات" choices تعبير عن مفهوم أرقى، يعود إلى الاقتصادى، هندى الأصل، "أمارتيا سن" A. Sen منذ الثمانينيات، ألا وهو "الأحقيات" entitlements، يعبر عن حق البشر الجوهرى فى هذه "الخيارات".

وأحقيات البشر، من حيث المبدأ، غير محدودة، وتتنامى باطراد مع رقى الإنسانية. ولكن عند أىٍ من مستويات التنمية، فإن الأحقيات الثلاث الأساسية، فى نظر تقرير التنمية الإنسانية، هى "العيش حياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة، وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشى لائق". ويلاحظ أن هذه الأحقيات هى التى وجدت مدخلا فى تعريف مقياس التنمية البشرية بمكوناته الثلاث: توقع الحياة عند الميلاد، و التحصيل التعليمى، والدخل للفرد.
ولكن التنمية الإنسانية لا تقف عند هذا الحد الأدنى، بل تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
التنمية الإنسانية إذاً ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.

مقياس التنمية البشرية إذا لا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانية، إذ يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب الدولة بمقياس التنمية البشرية، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.

وفي ذات الوقت فإنه يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد.غير أن الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته بعض الدول العربية ومنها المغرب فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.والأخطر أن النمو الاقتصادى فيها تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية.
ولا يجب أن يكون ذلك التطور مثار دهشة، فزيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
ويمكن لنا الآن أن نتساءل: ماذا عسى يكون ترتيب دول شمال أفريقيا بين دول العالم على مقياس يعبر عن المحتوى الكامل لمفهوم التنمية الإنسانية، وهذا تساؤل مشروع فى ضوء تركيز تقرير "التنمية البشرية" للعام 2000 على موضوع حقوق الإنسان. نخشى أن مكانة تلك الذول بين دول العالم ستتقهقر عن الترتيب الحالى على أساس المقياس القاصر للتنمية البشرية. حيث يظهر من قواعد البيانات الدولية عن مدى احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية أن مصر تحتل مركزا متدنيا فى هذا الصدد، وربما قد ازداد تدنيا مؤخرا.
ستحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى دول شمال أفريقيا لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن.
وما يجدر الإشارة اليه هنا أن تعارير الامم المتحدة الثالث والرابع صدرت نسختها العربية تحت مسمي: التنمية الانسانية ثم عاد التقرير الأخير في نسخة العربية يحمل مسمي : التنمية البشرية مرة أخرى لأنه انحصر في موضوع البيئة وضرورة مراعاة مخططات التنمية للمحافظة عليها وهو بالتالي ينظر للناس ككائنات بشرية وليس على أساس انساني شأنهم شأن باقي الكائنات الحية التي تتأثر بأوضاع البيئة الطبيعية.

Saturday, February 21, 2009

عقيدة التوحيد : المبني والمعني-الحلقة17: النقد والنظام المالي.

نشأة النقد وتطوره:
اعتمد الإنسان في بداية الأمر على أسلوب المقايضة ،أي تبادل سلعة بسلعة لزمن طويل . ولازال هذا الأسلوب متبعا في بعض المجتمعات الهامشية الفقيرة والتي لا تتوفر على نقد متداول بينها. ولجأ الى هذا الأسلوب الكثير من الحكومات حاليا فيما يعرف بالصفقات المتكافئة . ويجرى تقييم السلع التي يتم تبادلها بموجب هذه الصفقات بين دولتين بإحدى العملات الدولية كمعيار لتحديد قيمة السلعة دون استعمال النقود كوسيط للتبادل . ثم انتقل الإنسان إلى مرحلة استخدم فيها الذهب والفضة كسلعة وسيطة للتبادل . وفي مرحلة تالية تم تحديد وزن ثابت على قطع من الذهب والفضة لتيسير التعامل بها . ولضمان سلامة هذه القطع من الغش انفردت الحكومات بصياغتها وتحديد وزنها بواسطتها وظهرت بذلك النقود الذهبية والفضية أيام الرومان. واستمر العمل بها قرونا طويلة وحتي الربع الثاني من القرن العشرين. وبدأ صك النقود الذهبية والفضية بواسطة الدولة المسلمة في عهد هشام بن عبذالملك بن مروان وكان المسلمون يستعلمون قبلها النقود الرومانية وغيرها مما كانت تتداوله الشعوب الأخرى. واختير الذهب والفضة لما يتميزان به من ندرة نسبية تحقق لهما ثبات القيمة ، ولسهولة استعمالهما وحفظهما ومقاومتهما للتآكل والتلف . وأصبح لهذه النقود المعدنية ثلاثة وظائف هي :
1 – وسيلة للتبادل والوفاء بالحقوق وإبراء الذمم.
2 – معيار تقاس به قيم السلع.
3 – مخزن للفيم ، وقد حرم الإسلام كنز الذهب والفضة وهو ما يعد تجريدا لها من هذه الوظيفة .ومنع تحلي الرجال بالذهب ، وكان أكثر ندرة من الفضة ، وتم إجازة التحلي به للنساء فقط لحاجتهن إلى الزينة ولكي يزددن بهاء في نظر أزواجهن ، وكان الهدف من ذلك هو توفير النقد الكافي لعمليات التبادل التجاري.
واستمر التعامل بالنقد الذهب والفضي وحده إلى أن ازدهرت التجارة في مدينة البندقية (فينيسيا) بايطاليا ، وظهر فيها صيارفة يحوزون على ثقة الناس . فكان التاجر يفضل إيداع ما لديه من ذهب وفضة لدى الصيارفة خوفا عليه من السرقة ويحصل منهم على شهادة بأنه قد أودع لديهم كمية من النقد ويتعهد الصراف في الشهادة بأن يدفع لدائني التاجر كل التزام قانوني صحيح في حدود قيمة الوديعة.وبهذه الوثيقة يستطيع التاجر أن يشترى سلعة مقابل أن يتنازل عنها للبائع الذي يتسلم القيمة بدوره متى شاء من الصراف . وكان ذلك مقدمة لظهور النقود الورقية الغطاة قيمتها بما يقابل قيمتها من ذهب وظهور البنوك بعد ذلك وأصدارها سندات إذنية تتعهد بموجبها أن تدفع لحاملها ما يعادل قيمتها الثابتة ذهبا . وصار لهذه السندات حجيتها وقوة الإلزام بقوة القانون عندما تم قصر إصدارها على البنك المركزي للدولة مثلما حدث في انجلترا عام 1833 مقابل احتفاظ البنك بما يقابلها ذهبا . واستمر التزام البنك بسداد ما يعادل قيمة الورقة النقدية الصادرة منه ذهبا حتي نشبت الحرب العالمية الأولي فتوقف بعدها هذا الالتزام خشية أن يتحول الذهب إلى الأعداء. ولكن استمرت البنوك المركزية في المحافظة على الأرصدة الذهبية كغطاء للنقد المصدر ، وإن لم تلتزم بأن يكون الغطاء الذهبي معادلا ما تصدره من أوراق مالية وإنما أصبح مخهزونها من السبائك الذهبية بمثابة قيمة منقولة تمثل جزءا من أصولها وليس كلها.
وبذلك لم يعد النقد صدر مرتبطا بالذهب وإنما يصدر وقق توازن بين الأرصدة الدائنة والمدينة . أي مقابل الديون المستحقة للبنك . .ويكفي أن تزيد ديون الغير للبنك لكي يزيد من الإصدار النقدي وطرحه للتعامل به في الأسواق . وعندما يتدخل البنك لضبط السيولة النقدية إذا ما ترتب على زيادتها في الأسواق ارتفاع اسعار السلع وضعف القوة الشرائية للنقد، فإنه يتدخل لصيانة استثماراته ودائنيته للغير , ويستخدم في هذا التدخل آلية سعر الفائدة علة الأموال المعروضة كفروض لضبط النظام المالي والنقدي. وبذلك اعتمد النظام النقدى والسياسة المالية اعتمادا كليا على نظام الفائدة الربوية . وبدونها يختل النظام اختلالا سلبيا يهدده بالانهيار.زلم يعد النقد الورقي يكتسب قيمته من رصيده الذهبي وإنما من الثقة التي يضعها فيه المتعاملون به . كما لم يعد يمثل في الواقع سوى نسبة من المعاملات التجارية التي أصبحت تعتمد على سداد المديونيات على الشيكات والكمبيالات وخطابات الضمان الصادرة من البنوك المالية والتجارية أو المضمونة منها . أي أن الائتمان صار يقوم مقام النقد الحقيقي. ولم تعد توجد قيمةمادية حقيقية في غير العملات المعدنية الصغيرة من النحاس والنيكل والفضة التي لاتزال متداولة ، والتي تشمتمل علة قيمة مادية تمثل قيمة المعدن المصبوبة منه وقيمة معنوية أو ضمنية وهمية تمثل الفرق بين قيمة تداولها وقيمة ما بها من معدن.
ولاتحتفظ البنوك التجارية بأرصدة نقدية تقابل قيمة ما هي دائنة به ومدينة به ، أي القيمة الإجمالية للمديونيات لديها ، وإنما تحتفظ باحتياطي نقدي يعادل حوالي 3 في المائة من قيمة الودائع ذات المدة المحدودة والتي لا يمكن سحب شيكات عليها قبل انتهاء مدتها ، وحوالي 10 في المائة من قيمة الودائع الأخرى ، بحيث يظل هناك تناسب ثابت بين قيمة الاحتياط النقدي والقيمة الفعلية للودائع ويحكمه في نفس الوقت توازن بين الأصول والخصوم لديها. وتحقق البنوك التدارية أرباحها من فرق سعر الفائدة على مالديها من ودائغ وما تدفعه قروضا أو تسهيلات إئتمانية . وبالتالي يعد التعامل بالربا أساسيا في نشاطاتها.
وتعتمد الحكومات ، إلى جانب تحديد سعر الفائدة والتحكم في الإصدار النقدي، على التحكم في أسعار السوق لمنع تقلبات كبيرة للقوة الشرائية للبنقود، وخاصة بالنسبة للسلع الأساسية، وذلك بالاسترشاذ برقم قياسي للآسعار على أساس رصد تقلباتها خلال فترة زمنية سابقة ، فإذا ارتفع السعر عن الرقم القياسي 100 قامت بالتدخل لإعادة الثمن إلى ما كان عليه أو بالمحافظة على توازن مستمر بين الأجور وأسعار السلع . ولايتم ذلك غالبا بالتدخل المباشر في السوق لتقييد الأسعار وإنما بزيادة عرض السلع . وأحيانا ما تخفق مواردها أو سياستها في ذلك ، فتقوم ضمن سياسة التقويم الهيكلي ، والتي تتطلب بأن لايزيد التضخم عن 3 في المائة بتجميد الأجور الحكومية لكبح التضخم، وقد لايفلح هذا الإجراء فتواصل الأسعار ارتفاعها , وهو ما يحدث ذائما في الدول التي تخضع سياساتها المالية والاقتصادية لتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ولايعني ما سبق أن نظام الغطاء النقذي بالذهب قد اختفي تماما ،أو فقد أهميته . فقد اعتمدت الأنظمة المالية لدول البلطيق التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق:استونيا ولتوانيا وليتوفيا (انفصلت عنه قبل انهياره وتفككه)على أرسدة من السبائك الذهبية لضمان حد أدني لقوة النقد لديها لعدم توفرها على أصول أخرى كبيرة متوفرة .
إلا أن إقامة نظام مالي يعتمد على الرصيد الذهبي تعترضه صعوبات كثيرة أهمها الحصول على الذهب الكافي الذي يغطي الاصدار فضلا عما يعترى أسعار الذهب حاليا من تقلبات كثيرة وسريعة.

التحول عن الرصيـد الذهبي:
في عام 1944م فاجتمع فيما مابين 1 -22 يوليو ، ممثلوا (44) دولة بالمنتجع الصيفي " بريتون وودز "بمقاطعة نيو هامبشاير بالولايات المتحدة والتي تم من خلالها ابرام تفاقية بريتون وودز Bretton Woods Agreement Forex Markets والتي تهدف الى ايجاد نوع من الثبات في السياسات النقدية وأسعار الصرف بين دول العام من خلال وضع أسس انتقال رؤوس الاموال بين الدول كأساس لتسهيل التجاره الدولية وذلك عن طريق ربط سعر العملات العالمية بالدولار الامريكي مع هامش بسيط للارتفاع والانخافض لايزيد عن 10% من السعر الأساسي ، بالاضافة الى انشاء بنك التنمية والتعمير الدولي وصندوق النقد الدولي .
واستمر العمل بهذه الاتفاقيه حتى منتصف الخمسينات بسبب التوسعات والتطورات العالمية التي حدثت في التجاره الدولية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبما واكبها ممن تحركات كبيرة ا لرؤوس الاموال احدثت خلخله في قواعد وأسس الصرف.
يمكن تلخيص هذه القصة فيما يلي: في 5 يونيو 1947 أعلن الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي سابقاً في خطاب أمام جامعة هارفارد، المشروع الذي عرف باسم مشروع مارشال فيما بعد لإعادة تعمير أوروبا بقروض أمريكية وتم بناء على ذلك تأسيس منظمة التعاون والاقتصادي الأوروبي"وإنفاق 17 مليار دولار أميركي على إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية.وحصلت الولايات المتحدة مقابل دولاراتها ذهبا كان متوفراً لدى البنوك المركزية الأوروبية.وتعاملت الدول الأوروبية بالدولار باعتباره عملة مغطاة بشكل كامل بالذهب من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي كما اتخذته العملات الأوروبية غطاء لعملاتها.وعندما انتعشت الصادرات الأوروبية للولايات المتحدة ورحبت باتفاقية بريتون وودز,إلا أن الشكوك ساورت هذه الدول في أن يكون فعلا كل الدولارات التي تطبعها الولايات المتحدة وتغرق بها تلك الدول مغطاة فعلا بالذهب على ما يبدو وبدأت تطالب باستبدال الدولارات بما يوازي قيمتها ذهبا على اساس 35 دولار لكل أونصة وفقا لما هو معلن .ووجد البنك الفدرالي الأمريكي نفسه عاجزاً عن تلبية تلك الطلبات . أعلن الرئيس الأمريكي نكسون بتاريخ 15 أغسطس1971فك ارتباط الدولار بالذهب. وانتهاء العمل باتفاقية بريتون وودز من جانب واحد.وقال إن قيمة الدولار تحددها "قوة" الاقتصاد الأمريكي نفسه.
وتوقف صرف الذهب بالدولار نتيجة الأزمة التي خلقها الارتباط بين الدولار والذهب لأميركا،ولم تهتم ، وقد خرجت سليمة ومستأسدة بعد الحرب العالمية الثانية بما قد يسببه قرارها من مشاكل للدول الأخرى وللاقتصاد العالمي. وعندما توافد رؤساء وقادة واقتصاديو العالم (خصوصاً من أوروبا) على أميركا محتجين على إلغاء الاتفاق من جانب واحد، فرد وزير الخزانة الأميركي آنذاك جون كونولي بالقول الشهير ان «الدولار هو عملتنا، ولكنه مشكلتكم». ويوجد في الأسواق العالمية اليوم خمسة تريوليون (خمسة ألاف مليار) دولار أمريكي تعتبركلها دين على الخزانة الأمريكية وتعد الصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا من أكبر الدائنين للولايات المتحدة .
وفي عام 1973 حذت الدول الصناعية الكبرى حذو الولايات المتحدة وصار العرض والطلب هما ما يحددان فيمة عملاتها ، وهو ما أتاح أيضا الفرصة للمضاربة على العملات في الأسواق المالية وتذبذب قيمتها من يوم لآخر.
وبعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة ، دعا رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون يوم 13 أكتوبر 2008 زعماء العالم الى التكاتف من أجل اعادة صياغة اتفاق بريتون وودز الذي يقوم عليه النظام المالي العالمي بما يتفق مع اتجاه العولمة السائد في القرن الحادي والعشرين. وقال براون في كلمة ألقاها في مقر وكالة طومسون رويترز في لندن «أحيانا يستلزم الامر أزمة لكي يتفق الناس على أن ما هو واضح وكان يجب أن يتم منذ سنوات لم يعد يحتمل التأجيل. لكن علينا الان أن نقيم البناء المالي الجديد السليم للعصر العالمي». وأضاف أنه سيحث على تنفيذ خطته بعقد اجتماع لزعماء الاتحاد الاوروبي يوم 15 أكتوبر2008.ولم يوضح براون ان كان الدولار سيستمر كـ «احتياط العالم» أم لا، لأن هناك مطالبة اخرى بالتحول الى العملة الاوربية اليوروـ والمعروف أن بريظانيا مازالت تتعامل بالجنية الاسترليني وليس باليورو ولها ارتباطات قوية بألاسواق المالية الأمريكية عن طريق بنوك الاستثمار 'الاوف شور” فيها.
وساهم الاتفاق الذي تمخض عنه مؤتمر بريتون وودز عام 1944 في وضع أسس النظام المالي العالمي بعد الحرب وأسفر عن تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.وكان الرئيس الالماني هورست كويهلر، الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، دعا بدوره الى مؤتمر دولي مشابه لمؤتمر «بريتون وودز». ومن جهته عبر الرئيس الفرنسي ساركوزي عن مطالب اخرى في اتجاه نظام مالي عالمي جديد.واقترح أيضا المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي عقد قمة اقتصادية للدول الكبرى على غرار "بريتون وودز"وذلك لبحث سبل مواجهة الأزمة المالية العالمية.

دور بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خلق الأزمات:
ورد في مقال منشور في القدس العربي بتاريخ 20أكتوبر 2008 مايلي: بداية العشرينيات من القرن الماضي قامت الحكومة الأمريكية بإغلاق عدد من المصارف بشبهة الإحتيال والتلاعب القانوني، آنذاك سنحت الفرصة لأربعة من حيتان المال وهم روكفلرـ مورغن ـ روتشيلد ـ فابورغ للضغط من أجل إنشاء بنك مركزي لعموم البلاد سُمي فيما بعد البنك الإحتياطي الفيدراليRFB. وقد تم التمهيد لهذه الفكرة الجهنمية، بمحاولة ناجحة قام بها مورغن عام 1907 عندما أشاع أخبارا عن إفلاس أحد البنوك الكبرى مما أدى إلى فوضى عارمة وفزع وهلع شديدين دفع المُودعين إلى التزاحم لسحب إيداعاتهم المالية، وخلال عملية مباغتة تهاوت مؤسسات مالية وبنوك كبرى وفق مبدأ سقوط أحجار الدومينو.
وهكذا بدأت خيوط لعبة إنشاء بنك مركزي، ودخلت حيّز التنفيذ عندما جُنّد عضو الكونغرس آنذاك نيلسون اولدريك (صهر أسرة روكفلر، وحليف الكارتل المالي) لإنجاز المهمة بدعوى ضبط الفوضى المالية. عام 1910 إلتقى في جايكل آيلاند (مقابل ولاية جورجيا) عشرة أشخاص في إجتماع أحيط بسرية تامة ( حتى أن الأشخاص العشرة سافروا بإسماء مزوّرة) وهؤلاء هم من وضع مسودة قانون البنك الإحتياطي الفيدرالي، رغم أنهم رجال مصارف ولا شأن لهم بالقانون. وبعدها تم تسليم تلك المسودّة إلى اولدريك ليضعها أمام الكونغرس.

وفي عام 1913 قام الرئيس الرئيس وود روغلر بتوقيعها لقاء وعد بدعم حملته الإنتخابية، وتم ذلك قبل يومين من عيد الميلاد وأثناء غياب معظم أعضاء الكونغرس وبهذا أصبحت تلك المسودّة قانونا رسميا تم تصديقه لاحقا في ولاية الرئيس ودرو ويلسون (1913 ـ 1921)، ليصبح ساري المفعول. ويلسون كتب فيما بعد آسفا:
'بلادنا الصناعية العظيمة أصبحت في أيدي نظام مصرفي يخدم الخاصة، وأصبح النمو والإزدهار رهينة بأيدي قلة قليلة من الرجال، الذين يحددون ويسيطرون على الحرية الإقتصادية. لقد أصبحنا أسوأ بلاد المدنية المحكومة والمسيطر عليها. نحن لا نملك حكومة حرة أو حكومة للقرار الجماعي بل حكومة تمثل قليلا من الرجال المهيمنين'( إنتهى).
عضو الكونغرس لويس ماك فادن وهو من معاصري الحدث قال: هنا أقيم نظام مصرفي لمجموعة من الأغنياء الذي يديرون دولة عظمى ويعملون معا من أجل حكم العالم وإستعباده وفق مزاجهم (إنتهى).

خلال الفترة بين عامي 1914و 1919 قام RFB بمضاعفة السيولة النقدية مما أتاح للبنوك الصغيرة والعامة مزيدا من فرص الإقتراض وتداول النقد، عام 1920 قام RFB بتقليص السيولة المالية إلى سابق عهدها وهذا دفع البنوك إلى إلغاء كثير من القروض وإلى أزمة في السيولة سببت إفلاس 5000 بنك وتدمير إقتصادي مروّع وهلع. آنذاك قال ليندبرغ عضو الكونغرس: من خلال البنك الإحتياطي الفيدرالي يمكن خلق أزمة وهمية هذا يمكن حسابه بواسطة الرياضيات( إنتهى).
بين عامي 1921و 1929 عاود RFB وضخ كميات من السيولة المالية وسمح بمنح قروض كثيرة. آنذاك إستطاع المستثمر مورغن لون Morgen Loan من طرح أسهم للإستثمار يدفع المشتري 10% من قيمتها وتقوم البنوك بتغطية 90% من قيمتها، هذا يعني أنك تدفع 100دولار مقابل ملكية أسهم بقيمة 1000دولار، في تلك الفترة كان العصر الذهبي للبورصة الأمريكية، إذ تصور الناس أن البورصة عملية مربحة فقط، لكن البنوك وضعت شروطا مخبأة تتيح لها إنذار الزبون لدفع قيمة ديون الأسهم خلال 24 ساعة وإرتبط ذلك بما سُميّ مورغن كول Morgen call . وهكذا قام روكفلر بالإنسحاب من البورصة وباع أسهمه ثم لحقه مروجو إستثمارات مورغن لون نفسها، مما سبب تدافعا للبيع الجماعي للأسهم كانت حصيلته إنهيار 16000مصرف، وكانت هذه الحادثة من أكبر عمليات السطو في تاريخ الولايات المتحدة.
ماك فادن عضو الكونغرس حاول إعداد وثيقة لإلغاء البنك الإحتياطي الفيدرالي، لكنه قُتل مسموما بعد محاولتي قتل فاشلة.
عام 1933 ومن أجل رفع غطاء الذهب عن الدولار، سُن قانون يتيح مصادرة الذهب من البنوك والأفراد تحت طائلة السجن عشر سنوات للمخالفين، وهكذا تم سحبه من التداول وإعتماد ورقة الدولار كقيمة لذاتها. قبل عام 1933 كان يُكتب على ورقة الدولار العبارة التالية: هذه الورقة تُصرف مقابل قيمتها من الذهب. بعد ذلك أصبح يُكتب عليها: ورقة قانونية للدفع. وهي في الحقيقة ورقة لا قيمة لها.
إن RFB البنك الإحتياطي الفيدرالي بنك خاص مفروض على الحكومة والأمة وهو أكبر عملية نصب وإحتيال تعرضت لها أمريكا.»
وجاء في كتاب "أسرار الاحتياط الفيدرالي" عام 1983، " إن فحص المساهمين الرئيسيين لـ"نيويورك سيتي بنك" يري بوضوح أن قليلا من العائلات ذات النسب بالدم بالزواج أو بمصالح العمل ما تزال تسيطر على مصارف مدينة نيويورك التي بدورها تمتلك السندات المسيطرة لبنك الاحتياط الفيدرالي لمدينة نيويورك،.. ومن أبرز هؤلاء الأعضاء عائلة روتشيلد مورجان روكفلر واربربرج وآخرون.. وهذا البنك يسيطر بشكل كامل على الفروع الـ 11 الأخرى من خلال ملكية الأسهم ، تلك السيطرة أهلته للحصول على مقعد التصويت الدائم الوحيد على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ."
ولذا فإن الرابح دائما من الأزمات المالية هي تلك العائلات الثرية القديمة والتي يشهد تاريخها بأدوار لعبتها في أوروبا والولايات المتحدة تندرج أخلاقيا ضمن أعمال النصب والاحتيال.
وقد عبرت الادارة الامريكية ومجلس الاحتياط الفيدرالي عن ارتياحهما لصفقة استحواذ مجموعة "سيتي جروب" المالية الأمريكية على بنك "واكوفيا" بعد شرائها أسهم في البنك بقيمة ملياري دولار.
وأبدت المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع استعدادها لتحمل جانب من خسائر البنك لا سيما بعد أن ذكرت "سيتي جروب" أن الصفقة ستدفعها إلى امتصاص نحو 42 مليار دولار من الخسائر في البنك فضلا عن ضمان نحو 12 مليار دولار في صورة أسهم مختارة وضمانات.
وأوردت وكالة الأنباء الكويتية أن المؤسسة أكدت أن بنك "واكوفيا" لم يفشل في عملياته, كما أن جميع الودائع الموجودة لديه آمنة ومحمية على نحو لن يكلف صندوق تأمين الودائع الفدرالي أي نفقات لاعادتها إلى أصحابها.
ومن ناحيته, عبر رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بن بيرنانكي عن دعمه لاجراءات المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع حيال الصفقة, معتبرا أن تلك الاجراءات تظهر "التزام الحكومة الراسخ بتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي".
وأشاد وزير الخزانة هنري بولسون بالصفقة مؤكدا أنها ستحد من أي أثار سلبية محتملة في الأسواق حيث أن فشل "واكوفيا" كان من شأنه أن يشكل مخاطرة كبيرة للنظام المالي الأمريكي.
يذكر أن تلك الصفقة ستعزز من مكانة "سيتي جروب" ضمن أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة مع "بنك اوف امريكا" و "جي بي مورجان تشيس".
وكان بنك "واكوفيا" قد مني بخسائر متنامية في قطاع العقارات عقب استحواذه عام 2006 على مؤسسة "جولدن وست" المالية المتخصصة في الاقراض العقاري.
في الخامس عشر من سبتمبر 2008 انهار رابع أكبر البنوك الأمريكية الاستثمارية وهو "بنك ليمان براذرز Leman Brothers" وإعلان إشهار إفلاسه رسميًّا، وألقي أحد مسؤولي البنك باللائمة على بنك الاحتياطي الأمريكي الذي قام بتجميد 12مليار دولار لبنك ليمان ورفض دفعها له مما تسبب في إقلاس البنك خلال 24 ساعة . وتردد في وسائل الاعلام أيضا بأن مسؤولون كبار في بنك ليمان قاموا بتهريب مليارات الدولارات الى حسابات في اسرائيل لما تأكدوا من أن البنك موشك على الإفلاس.
وفى الوقت الذي وقف فيه مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي (المركزي الأمريكي) موقف المتفرج إزاء تعرض البنك للإفلاس إذا به يهب مسرعًا لإنقاذ أكبر شركة تأمين في العالم من الانهيار وهي المجموعة الأمريكية الدولية American International Group (AIG) بعد 24 ساعة فقط من تقدم المجموعة بطلب المساعدة. فقد وضعت السلطات المالية الأمريكية خطة طوارئ تمتد إلى عامين بقيمة إجمالية 85 مليار دولار لإنقاذ شركة التأمين العملاقة من إشهار إفلاسها مقابل الحصول على 79.9% من رأسمال الشركة. ويذكر أن شركة AIG قد أصدرت بيانًا تؤكد فيه أن الشركات التابعة لها في منطقة آسيا والشرق الأوسط غير معنية بالأزمة المالية التي تمر بها المجموعة وأنها ذات استقلال مالي وإداري .

وفي كتابه "ذكريات" يذكر دافيد روكفيلير ما يلي في الفصل 27:أن "البعض يعتقد بأننا جزء من مجموعة سرية تعمل ضد المصلحة الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية ، ويصفونني وعائلتي بأننا عولميون Internationalists” " وأننا نتآمر مع آخرين حول العالم لبناء كيان كوني إقتصادي أكثر تكاملا، دولة العالم إن شئت.إذا كانت هذه هي التهمة، فأنا أعترف بأني مذنب، وأنا فخور بذلك ."
ويقول أيضا :"نحن على حافة تغير كوني. كل ما نحتاجه هو المشكلة الرئيسية الصحيحة وبعدها سوف تتقبل الشعوب النظام العالمي الجديد"
والمصارف العشرة التي تعهدت بضخ 70 مليار دولار في إطار صندوق مالي للطوارئ كخطة لتأمين ذاتي هم بنك "أوف أمريكا" و"باركليز" و"سيتي جروب" و"كريدي سويس" و"دويتش بانك" و"جولدمان ساش" و"جي بي مورجان شيز" و "ميرل لينش" و"مورجان ستانلي" و"يو بي إس". ويمكن القول بأنها المصارف المستفيدة من الأزمة والتي لم تتأثر بها أو يصيبها شرر نارها وجميعها مملوك لعائلات يهودية.

مضار التعامل بالربا على النظام الاقتصادي


حرمة الربا وتصوير حالة المرابين في الإسلام
يقوم النظام المالي في العالم الرأسمالي على التعامل بالربا والمضاربات على الأوراق المالية وتتحول فيه الأموال إلى سلع تباع وتشترى عوض السلع المادية المنتجة من الزراعة أو الصناعة ، وبذلك تغيرت وظيفة المال من أداة للتبادل إلى سلعة مثل أية سلعة أخرى . وييستعمل النظام الرأسمالي أسعار الفائدة كألية لضبط النظام والتحكم في التضخم المالي . ولعل هذا هو سبب الأزمات المالية التي يتعرض لها النظام المالي الرأسمالي بصفة دورية ، والتي كان أشدها عام 1929 وسبتمبر عام 2008 بالإضافة الى الأزمة الآسيوية في نهاية عام 1997 . والتعامل بالربا محرم في الإسلام تحريما قطعيا وبالتالي في إن النظام المالي والاقتصادي في مجتمع المسلمين يجب أن يستبعد التعامل به .
لم يبتل النظام الرأسمالي المعاصر بداء الربا وحده وإنما أيضا بالمضاربة على أسواق النقد والمال والائتمان وحذث انفصام بين الاقتصاد العيني المتمثل في تدفقات السلع والخدمات والاقتصاد المالي المتمثل في تدفقات النقود والائتمان ، وتضخمت المضاربات في الأسواق المالية الثانوية على أوراق مالية لا وجود لها في واقع الحال وتحول الاقتصاد من اقتصاد انتاجي إلى اقتصاد ريعي وطفيلى ، وكان ذلك سبب انهيار بورصة وول ستريت والتى تداعت لانهيارها الأسواق المالية علر العالم . وانهيار الأسواق المالية لايعني سوى إقلاس شركات وإعلاق مصانع وتعرض الملايين من الناس للبطالة ومعاناتهم في نفس الوقت من التضخم وضياع مدخرات صغار وكبار المستثمرين على السواء. وبذلك اقترن الربا بما هو في حكم الميسر وبيع الغرر وكلها محرمة في الإسلام. قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَـابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّـنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة: 90).وقال الله تعالى : "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُـونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ "(البقرة : 219),
لقد كانت الأزمة المالية في سبتمبر 2008 فرصة لكل من يكره الولايات المتحدة لجرائمها في حق العرب والمسلمين من الصحافيين والمعلقين أن يبدوا شماتتهم فيها ، ويبشروا بسقوط القطبية الواحدة ، ولكن لم يحاول أحد أن يستخلص الدرس مما حدث لها ، ولم ينتبه إلى أن بلاده العربية أو المسلمة تتبع خطي الولايات المتحدة في نهج اقتصادها وما ليتها ، وتندفع خلفها اندفاعا أعمي . وفي حين اضطرت الولايات المتحدة وبريطانيا شراء البنوك المفلسة للآبقاء عليها ، أي أعادت دور القطاع العام للآقتصاد ، ولو مرغمه ، راحت دول مسلمة تعلن عن بيع ما تبقي لديها من مؤسسات القطاع العام ، بما فيها ما كانت تعتبره مؤسسات استراتيجية تتجلي في سيادة الدولة وتتحقق بها مصالح للمجتمع، لايمكن ائتمان القطاع الخاص الأجنبي عليها.

يقول الأستاذ سيد فطب عن الربا :وهو يشرح فوله تعالى في سورة البقرة: “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم “إنها الحملة المفزعة والتصوير المرعب لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وما كان أي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس ما تبلغه هذه الصورة المجسمة الحية المتحركة صورة الممسوس المصروع وهي صورة معروفة معهودة للناس فالنص يستحضرها لتؤدي دورها الإيحائي في إفزاع الحس لاستجاشة مشاعر المرابين وهزها هزة عنيفة تخرجهم من مألوف عادتهم في نظامهم الاقتصادي ; ومن حرصهم على ما يحققه لهم من الفائدة وهي وسيلة في التأثير التربوي ناجعة في مواضعها بينما هي في الوقت ذاته تعبر عن حقيقة واقعة ولقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بالقيام في هذه الصورة المفزعة هو القيام يوم البعث ولكن هذه الصورة فيما نرى واقعة بذاتها في حياة البشرية في هذه الأرض أيضا ثم إنها تتفق مع ما سيأتي بعدها من الإنذار بحرب من الله ورسوله ونحن نرى أن هذه الحرب واقعة وقائمة الآن ومسلطة على البشرية الضالة التي تتخبط كالممسوس في عقابيل النظام الربوي وقبل أن نفصل القول في مصداق هذه الحقيقة من واقع البشرية اليوم نبدأ بعرض الصورة الربوية التي كان يواجهها القرآن في الجزيرة العربية ; وتصورات أهل الجاهلية عنها إن الربا الذي كان معروفا في الجاهلية والذي نزلت هذه الآيات وغيرها لإبطاله ابتداء كانت له صورتان رئيسيتان ربا النسيئة وربا الفضل فأما ربا النسيئة فقد قال عنه قتادة إن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه وقال مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه وقال أبو بكر الجصاص إنه معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلا من الأجل فأبطله الله تعالى وقال الإمام الرازي في تفسيره إن ربا النسيئة هو الذي كان مشهورا في الجاهلية لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا ورأس المال باق بحاله فإذا حل طالبه برأس ماله فإن تعذر عليه الأداء زاده في الحق والأجل وقد ورد في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي ص قال < لا ربا إلا في النسيئة > أما ربا الفضل فهو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من نوعه مع زيادة كبيع الذهب بالذهب والدراهم بالدراهم والقمح بالقمح والشعير بالشعير وهكذا وقد ألحق هذا النوع بالربا لما فيه من شبه به ; ولما يصاحبه من مشاعر مشابهة للمشاعر المصاحبة لعملية الربا وهذه النقطة شديدة الأهمية لنا في الكلام عن العمليات الحاضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص < الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء “.
وعن أبي سعيد الخدري أيضا قال جاء بلال إلى النبي ص بتمر برني فقال له النبي ص من أين هذا ؟ قال كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع فقال : أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به > فأما النوع الأول فالربا ظاهر فيه لا يحتاج إلى بيان إذ تتوافر فيه العناصر الأساسية لكل عملية ربوية وهي الزيادة على أصل المال والأجل الذي من أجله تؤدى هذه الزيادة وكون هذه الفائدة شرطا مضمونا في التعاقد أي ولادة المال للمال بسبب المدة ليس إلا وأما النوع الثاني فما لا شك فيه أن هناك فروقا أساسية في الشيئين المتماثلين هي التي تقتضي الزيادة وذلك واضح في حادثة بلال حين أعطى صاعين من تمره الرديء وأخذ صاعا من التمر الجيد ولكن لأن تماثل النوعين في الجنس يخلق شبهة أن هناك عملية ربوية إذ يلد التمر التمر فقد وصفه ص بالربا ونهى عنه وأمر ببيع الصنف المراد استبداله بالنقد ثم شراء الصنف المطلوب بالنقد أيضا إبعادا لشبح الربا من العملية تماما وكذلك شرط القبض يدا بيد كي لا يكون التأجيل في بيع المثل بالمثل ولو من غير زيادة فيه شبح من الربا وعنصر من عناصره إلى هذا الحد بلغت حساسية الرسول ص بشبح الربا في أية عملية وبلغت كذلك حكمته في علاج عقلية الربا التي كانت سائدة في الجاهلية فأما اليوم فيريد بعض المهزومين أمام التصورات الرأسمالية الغربية والنظم الرأسمالية الغربية أن يقصروا التحريم على صورة واحدة من صور الربا ربا النسيئة بالاستناد إلى حديث أسامة وإلى وصف السلف للعمليات الربوية في الجاهلية وأن يحلوا دينيا وباسم الإسلام الصور الأخرى المستحدثة التي لا تنطبق في حرفية منها على ربا الجاهلية ولكن هذه المحاولة لا تزيد على أن تكون ظاهرة من ظواهر الهزيمة الروحية والعقلية فالإسلام ليس نظام شكليات إنما هو نظام يقوم على تصور أصيل فهو حين حرم الربا لم يكن يحرم صورة منه دون صورة إنما كان يناهض تصورا يخالف تصوره ; ويحارب عقلية لا تتمشى مع عقليته وكان شديد الحساسية في هذا إلى حد تحريم ربا الفضل إبعادا لشبح العقلية الربوية والمشاعر الربوية من بعيد جدا ومن ثم فإن كل عملية ربوية حرام سواء جاءت في الصور التي عرفتها الجاهلية أم استحدثت لها أشكال جديدة ما دامت تتضمن العناصر الأساسية للعملية الربوية أو تتسم بسمة العقلية الربوية وهي عقلية الأثرة والجشع والفردية والمقامرة وما دام يتلبس بها ذلك الشعور الخبيث شعور الحصول على الربح بأية وسيلة فينبغي أن نعرف هذه الحقيقة جيدا ونستيقن من الحرب المعلنة من الله ورسوله على المجتمع الربوي الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس والذين يأكلون الربا ليسوا هم الذين يأخذون الفائدة الربوية وحدهم وإن كانوا هم أول المهددين بهذا النص الرعيب إنما هم أهل المجتمع الربوي كلهم .

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال لعن رسول الله ص آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال :« هم سواء “ وكان هذا في العمليات الربوية الفردية فأما في المجتمع الذي يقوم كله على الأساس الربوي فأهله كلهم ملعونون معرضون لحرب الله مطرودون من رحمته بلا جدال إنهم لا يقومون في الحياة ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي لا ينال استقرارا ولا طمأنينة ولا راحة وإذا كان هناك شك في الماضي أيام نشأة النظام الرأسمالي الحديث في القرون الأربعة الماضية فإن تجربة هذه القرون لا تبقي مجالا للشك أبدا إن العالم الذي نعيش فيه اليوم في أنحاء الأرض هو عالم القلق والاضطراب والخوف ; والأمراض العصبية والنفسية باعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه وبمشاهدات المراقبين والزائرين العابرين لأقطار الحضارة الغربية وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية والإنتاج الصناعي في مجموعه من الضخامة في هذه الأقطار وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك إنها الشقوة البائسة المنكودة التي لا تزيلها الحضارة المادية ولا الرخاء المادي ولا يسر الحياة المادية وخفضها ولينها في بقاع كثيرة وما قيمة هذا كله إذا لم ينشىء في النفوس السعادة والرضى والاستقرار والطمأنينة إنها حقيقة تواجه من يريد أن يرى ; ولا يضع على عينيه غشاوة من صنع نفسه كي لا يرى حقيقة أن الناس في أكثر بلاد الأرض رخاء عاما في أمريكا وفي السويد وفي غيرهما من الأقطار التي تفيض رخاء ماديا إن الناس ليسوا سعداء أنهم قلقون يطل القلق من عيونهم وهم أغنياء وأن الملل يأكل حياتهم وهم مستغرقون في الإنتاج وأنهم يغرقون هذا الملل في العربدة والصخب تارة وفي التقاليع الغريبة الشاذة تارة وفي الشذوذ الجنسي والنفسي تارة ثم يحسون بالحاجة إلى الهرب الهرب من أنفسهم ومن الخواء الذي يعشش فيها ومن الشقاء الذي ليس له سبب ظاهر من مرافق الحياة وجريانها فيهربون بالانتحار ويهربون بالجنون ويهربون بالشذوذ ثم يطاردهم شبح القلق والخواء والفراغ ولا يدعهم يستريحون أبدا لماذا السبب الرئيسي طبعا هو خواء هذه الأرواح البشرية الهائمة المعذبة الضالة المنكودة على كل ما لديها من الرخاء المادي من زاد الروح من الإيمان من الاطمئنان إلى الله وخواؤها من الأهداف الإنسانية الكبيرة التي ينشئها ويرسمها الإيمان بالله وخلافة الأرض وفق عهده وشرطه ويتفرع من ذلك السبب الرئيسي الكبير بلاء الربا بلاء الاقتصاد الذي ينمو ولكنه لا ينمو سويا معتدلا بحيث تتوزع خيرات نموه وبركاتها على البشرية كلها إنما ينمو مائلا جانحا إلى حفنة الممولين المرابين القابعين وراء المكاتب الضخمة في المصارف يقرضون الصناعة والتجارة بالفائدة المحددة المضمونة ; ويجبرون الصناعة والتجارة على أن تسير في طريق معين ليس هدفه الأول سد مصالح البشر وحاجاتهم التي يسعد بها الجميع ; والتي تكفل عملا منتظما ورزقا مضمونا للجميع ; والتي تهيء طمأنينة نفسية وضمانات اجتماعية للجميع ولكن هدفه هو انتاج ما يحقق أعلى قدر من الربح ولو حطم الملايين وحرم الملايين وأفسد حياة الملايين وزرع الشك والقلق والخوف في حياة البشرية جميعا وصدق الله العظيم الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وها نحن أولاء نرى مصداق هذه الحقيقة في واقعنا العالمي اليوم ولقد اعترض المرابون في عهد رسول الله ص على تحريم الربا اعترضوا بأنه ليس هناك مبرر لتحريم العمليات الربوية وتحليل العمليات التجارية ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا وكانت الشبهة التي ركنوا إليها هي أن البيع يحقق فائدة وربحا كما أن الربا يحقق فائدة وربحا وهي شبهة واهية فالعمليات التجارية قابلة للربح وللخسارة والمهارة الشخصية والجهد الشخصي والظروف الطبيعية الجارية في الحياة هي التي تتحكم في الربح والخسارة أما العمليات الربوية فهي محددة الربح في كل حالة وهذا هو الفارق الرئيسي وهذا هو مناط التحريم والتحليل إن كل عملية يضمن فيها الربح على أي وضع هي عملية ربوية محرمة بسبب ضمان الربح وتحديده ولا مجال للمماحلة في هذا ولا للمداورة وأحل الله البيع وحرم الربا لانتفاء هذا العنصر من البيع ; ولأسباب أخرى كثيرة تجعل عمليات التجارة في أصلها نافعة للحياة البشرية ; وعمليات الربا في أصلها مفسدة للحياة البشرية وقد عالج الإسلام الأوضاع التي كانت حاضرة في ذلك الزمان معالجة واقعية ; دون أن يحدث هزة اقتصادية واجتماعية فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله لقد جعل سريان نظامه منذ ابتداء تشريعه فمن سمع موعظة ربه فانتهى فلا يسترد منه ما سلف أن أخذه من الربا وأمره فيه إلى الله يحكم فيه بما يراه وهذا التعبير يوحي للقلب بأن النجاة من سالف هذا الإثم مرهونة بإرادة الله ورحمته ; فيظل يتوجس من الأمر ; حتى يقول لنفسه كفاني هذا الرصيد من العمل السيىء ولعل الله أن يعفيني من جرائره إذا أنا انتهيت وتبت فلا أضف إليه جديدا بعد وهكذا يعالج القرآن مشاعر القلوب بهذا المنهج الفريد ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وهذا التهديد بحقيقة العذاب في الآخرة يقوي ملامح المنهج التربوي الذي أشرنا إليه ويعمقه في القلوب ; ولكن لعل كثيرين يغريهم طول الأمد وجهل الموعد فيبعدون من حسابهم حساب الآخرة هذا فها هو ذا القرآن ينذرهم كذلك بالمحق في الدنيا والآخرة جميعا ويقرر أن الصدقات لا الربا هي التي تربو وتزكو ; ثم يصم الذين لا يستجيبون بالكفر والإثم ويلوح لهم بكره الله للكفرة الآثمين

يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم وصدق وعيد الله ووعده فها نحن أولاء نرى أنه ما من مجتمع يتعامل بالربا ثم تبقى فيه بركة أو رخاء أو سعادة أو أمن أو طمأنينة إن الله يمحق الربا فلا يفيض على المجتمع الذي يوجد فيه هذا الدنس إلا القحط والشقاء وقد ترى العين في ظاهر الأمر رخاء وإنتاجا وموارد موفورة ولكن البركة ليست بضخامة الموارد بقدر ما هي في الاستمتاع الطيب الآمن بهذه الموارد وقد أشرنا من قبل إلى الشقوة النكدة التي ترين على قلوب الناس في الدول الغنية الغزيرة الموارد ; وإلى القلق النفسي الذي لا يدفعه الثراء بل يزيده ومن هذه الدول يفيض القلق والذعر والاضطراب على العالم كله اليوم حيث تعيش البشرية في تهديد دائم بالحرب المبيدة ; كما تصحو وتنام في هم الحرب الباردة وتثقل الحياة على أعصاب الناس يوما بعد يوم سواء شعروا بهذا أم لم يشعروا ولا يبارك لهم في مال ولا في عمر ولا في صحة ولا في طمأنينة بال وما من مجتمع قام على التكافل والتعاون الممثلين في الصدقات المفروض منها والمتروك للتطوع وسادته روح المودة والحب والرضى والسماحة والتطلع دائما إلى فضل الله وثوابه والاطمئنان دائما إلى عونه وإخلافه للصدقة بأضعافها ما من مجتمع قام على هذا الأساس إلا بارك الله لأهله أفرادا وجماعات في ما لهم ورزقهم وفي صحتهم وقوتهم وفي طمأنينة قلوبهم وراحة بالهم والذين لا يرون هذه الحقيقة في واقع البشرية هم الذين لا يريدون أن يروا لأن لهم هوى في عدم الرؤية أو الذين رانت على أعينهم غشاوة الأضاليل المبثوثة عمدا وقصدا من أصحاب المصلحة في قيام النظام الربوي المقيت ; فضغطوا عن رؤية الحقيقة والله لا يحب كل كفار أثيم وهذا التعقيب هنا قاطع في اعتبار من يصرون على التعامل الربوي بعد تحريمه من الكفار الآثمين الذين لا يحبهم الله وما من شك أن الذين يحلون ما حرم الله ينطبق عليهم وصف الكفر والإثم ولو قالوا بألسنتهم ألف مرة لا إله إلا الله محمد رسول الله فالإسلام ليس كلمة باللسان ; إنما هو نظام حياة ومنهج عمل ; وإنكار جزء منه كإنكار الكل وليس في حرمة الربا شبهة ; وليس في اعتباره حلالا وإقامة الحياة على أساسه إلا الكفر والإثم .

ترك الربا أو تلقي الحرب من الله
وفي ظل هذا الرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة التي تنبذ الربا من حياتها فتنبذ الكفر والإثم وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والعبادة والزكاة في ظل هذا الرخاء الأمن يهتف بالذين آمنوا الهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت ; وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون إن النص يعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا فهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا ليسوا بمؤمنين ولو اعلنوا أنهم مؤمنون فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به والنص القرآني لا يدعهم في شبهة من الأمر ولا يدع إنسانا يتستر وراء كلمة الإيمان بينما هو لا يطيع ولا يرتضي ما شرع الله ولا ينفذه في حياته ولا يحكمه في معاملاته فالذين يفرقون في الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين مهما ادعوا الإيمان وأعلنوا بلسانهم أو حتى بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين لقد ترك لهم ما سلف من الربا لم يقرر استرداده منهم ولا مصادرة أموالهم كلها أو جزء منها بسبب أن الربا كان داخلا فيها إذ لا تحريم بغير نص ولا حكم بغير تشريع والتشريع ينفذ وينشىء آثاره بعد صدوره فأما الذي سلف فأمره إلى الله لا إلى أحكام القانون وبذلك تجنب الإسلام أحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمة لو جعل لتشريعه أثرا رجعيا وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثا ذلك أن التشريع الإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية ويسيرها ويطهرها ويطلقها تنمو وترتفع معا وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريع وإنفاذه في حياتهم منذ نزوله وعلمهم به واستجاش في قلوبهم مع هذا شعور التقوى لله وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه ويجعله الضمان الكامن في ذات الأنفس فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليس للشرائع الوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية وما أيسر الاحتيال على الرقابة الخارجية حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان فهذه صفحة الترغيب وإلى جوارها صفحة الترهيب الترهيب الذي يزلزل القلوب فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله يا للهول حرب من الله ورسوله حرب تواجهها النفس البشرية حرب رهيبة معروفة المصير مقررة العاقبة فأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القوة الجبارة الساحقة الماحقة ولقد أمر رسول الله ص عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرة أن يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي وقد أمر ص في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية وأوله ربا عمه العباس عن كاهل المدينين الذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة حتى نضج المجتمع المسلم واستقرت قواعده وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الربا الوبيئة وقال ص في هذه الخطبة < وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ربا أضع ربا العباس > ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية فالإمام مكلف حين يقوم المجتمع الإسلامي أن يحارب الذين يصرون على قاعدة النظام الربوي ويعتون عن أمر الله ولو اعلنوا أنهم مسلمون كما حارب أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامتهم للصلاة فليس مسلما من يأبى طاعة شريعة الله ولا ينفذها في واقع الحياة على أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام فهذه الحرب معلنة كما قال أصدق القائلين على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي والاجتماعي هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة وهي حرب على الأعصاب والقلوب وحرب على البركة والرخاء وحرب على السعادة والطمأنينة حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض حرب المطاردة والمشاكسة حرب الغبن والظلم حرب القلق والخوف وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش والدول الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت فالمرابون أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عن طريق غير مباشر وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات ثم تقع فيها الشعوب والحكومات ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب أو يزحفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائد ديونهم فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدامة فتقوم الحرب وأيسر ما يقع إن لم يقع هذا كله هو خراب النفوس وانهيار الأخلاق وانطلاق سعار الشهوات وتحطم الكيان البشري من أساسه وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرعيبة إنها الحرب المشبوبة دائما وقد اعلنها الله على المتعاملين بالربا وهي مسعرة الآن ; تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة ; وهي غافلة تحسب أنها تكسب وتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع وكانت هذه التلال حرية بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر ; ولكنها وهي تخرج من منبع الربا الملوث لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية ويسحقها سحقا ; في حين تجلس فوقه شرذمة المرابين العالميين لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام الملعون لقد دعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى ولا يزال يدعو البشرية كلها إلى المشرع الطاهر النظيف وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء وأن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون فهي التوبة عن خطيئة إنها خطيئة الجاهلية الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دون زمان ولا نظام دون نظام إنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيث كان خطيئة تنشىء آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة وتنشىء آثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة وتنشىء آثارها في الحياة .
يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي وقد أمر صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية وأوله ربا عمه العباس عن كاهل المدينين الذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة حتى نضج المجتمع المسلم واستقرت قواعده وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الربا الوبيئة وقال ص في هذه الخطبة “ وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ربا أضع ربا العباس “ ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية فالإمام مكلف حين يقوم المجتمع الإسلامي أن يحارب الذين يصرون على قاعدة النظام الربوي ويعتون عن أمر الله ولو اعلنوا أنهم مسلمون كما حارب أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامتهم للصلاة فليس مسلما من يأبى طاعة شريعة الله ولا ينفذها في واقع الحياة على أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام فهذه الحرب معلنة كما قال أصدق القائلين على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي والاجتماعي هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة وهي حرب على الأعصاب والقلوب وحرب على البركة والرخاء وحرب على السعادة والطمأنينة حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض حرب المطاردة والمشاكسة حرب الغبن والظلم حرب القلق والخوف وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش والدول الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت فالمرابون أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عن طريق غير مباشر وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات ثم تقع فيها الشعوب والحكومات ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب أو يزحفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائد ديونهم فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدامة فتقوم الحرب وأيسر ما يقع إن لم يقع هذا كله هو خراب النفوس وانهيار الأخلاق وانطلاق سعار الشهوات وتحطم الكيان البشري من أساسه وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرعيبة إنها الحرب المشبوبة دائما وقد اعلنها الله على المتعاملين بالربا وهي مسعرة الآن ; تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة ; وهي غافلة تحسب أنها تكسب وتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع وكانت هذه التلال حرية بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر ; ولكنها وهي تخرج من منبع الربا الملوث لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية ويسحقها سحقا ; في حين تجلس فوقه شرذمة المرابين العالميين لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام الملعون لقد دعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى ولا يزال يدعو البشرية كلها إلى المشرع الطاهر النظيف وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء وأن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون فهي التوبة عن خطيئة إنها خطيئة الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دون زمان ولا نظام دون نظام إنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيث كان خطيئة تنشىء آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة وتنشىء آثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة وتنشىء آثارها في الحياة البشرية كلها وفي نموها الاقتصادي ذاته ولو حسب المخدوعون بدعاية المرابين إنها وحدها الأساس الصالح للنمو الاقتصادي واسترداد رأس المال مجردا عدالة لا يظلم فيها دائن ولا مدين فأما تنمية المال فلها وسائلها الأخرى البريئة النظيفة لها وسيلة الجهد الفردي ووسيلة المشاركة على طريقة المضاربة وهي إعطاء المال لمن يعمل فيه ومقاسمته الربح والخسارة ووسيلة الشركات التي تطرح أسهمها مباشرة في السوق بدون سندات تأسيس تستأثر بمعظم الربح وتناول الأرباح الحلال من هذا الوجه ووسيلة إيداعها في المصارف بدون فائدة على أن تساهم بها المصارف في الشركات والصناعات والأعمال التجارية مباشرة أو غير مباشرة ولا تعطيها بالفائدة الثابتة ثم مقاسمة المودعين الربح على نظام معين أو الخسارة إذا فرض ووقعت وللمصارف أن تتناول قدرا معينا من الأجر في نظير إدارتها لهذه الأموال ووسائل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها وهي ممكنة وميسرة حين تؤمن القلوب وتصح النيات على ورود المورد النظيف الطاهر وتجنب المورد العفن النتن الآسن .» .

ويمكن أيجاز مضار التعامل بالربا كما وردت في القرأن الكريم على النحو السابق تفصيله في الآتي:
1- إيقاع الظلم بالمدين: حرمت الأيات الزيادة على النقود مقابل الأجل حتى لا يظلم المرابي المدينين له بزيادة الفائدة على رأس ماله مقابل الأجل، وأن لا يُظلم هو إذا زاد المرابون الآخرون عليه في قيمة الفائدة، ويستفاد هذا من قوله تعالى: " لا تظلمون ولا تُظلمون ".
2- الرّبا فيه أكلٌ لأموال النّاس بالباطل: إن الله حرّم الرّبا على اليهود فأخذوه بأنواع الحيل، وأكلوا أموال النّاس بالباطل ودون وجهة حق، بالرّبا وما في حكمه ويستفاد هذا من قوله تعالى: " وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً ".وكذلك ما درج عليه العرب في الجاهلية بمضاعفة الفائدة إذا حل الأجل على المدين ولم يتمكن من سداد الدين وفوائده.وفي ذلك قال تعالي:
: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ". ولذا حرم الله الربا وحض المسلمين على القرض الحسن الذي اعتبره في حكم الزكاة التي يضاعفها الله للمزكي ، فقال تعالي:
" وما آتيتم من ربا ليربُوَا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"وقوله تعالي أيضا:" يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحبّ كل كفّار أثيم "واعتبر الله في هذه الأية أنه لا يتعامل بالربا عير الكفار الأثيم. .
3- إن عقاب المرابي على الربا يكون يوم القيامة أيضا ، يقول تعالي:" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
4- إن التعامل بالربا بعد أن نهي الله عنه فيه معصية لله ولرسوله ، قال الله عز وجل: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"( النور، : 63.). وقال تعالى:«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»( النساء، : 14). وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً»( الأحزاب،: 36.). وقال عز وجل:« وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَد»( الجن،: 23).

ولم يقف الإسلام عند حد تحريم الربا؛ بل أوصى ببارجاء المدين المعسر حتي يوسع الله عليه ويستطيع سداد الدين بل أوصى بما هو أكثر من ذلك: أن يتصدق الدائن برأس المال على المدين الذي لا يجد سبيلاً إلى السداد؛ فذلك قول الله تبارك وتعالى:"وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " (البقرة :279و280)؛كما خصص الاسلام في الزكاة مصرف الغارمين لسداد دين المعسرين منه ، ومساعدة أيضا من فقدوا رؤوس أموالهم لكي يتمكنون من معاودة نشاطاتهم الاقتصادية دون حاجة للآقتراض بالربا واستغلالهم من قبل المرابين.

يترتب عن التعامل بالربا رفع أسعار المنتجات للمؤسسات التي اضطرت للاقتراض بالربا؛ لأن الربا يمثل تكلفة إضافية وبالتالي يسهم في زيادة تكلفة المعيشة للمواطنين وزيادة معدلات التضخم بما يضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية إلى جانب مافيه من استغلال لحاجة الفقير المقترض بينما هو في أمس الحاجة الي من يعينه وليس من يستغله ,ويساعد الربا الأفراد من خلال التسهيلات البنكية وسهولة الحصول عليها على الإسراف والاستهلاك وعدم الادخار وتوجيه المدخرات نحو الاستثمار في الإنتاج مما يساعد على زيادة الثروة الوطنية. وإذ يتم توجيه موارده المالية المحدودة لسداد أقساط القروض وفوائدها فإنه في الواقع يكد ويسعى في حياته لصالح المرابين عوض العمل لصالح أسرته وضمان مستقبلها. أما بالنسبة للجوء المؤسسات الانتاجية الى الاقتراض من البنوك أو مؤسسات التمويل بالربا فقد لا يكفي فائض القيمة الذي يحققه نشاط المؤسسة فتعجز عن سداد أقساط القرض وفوائده ويكون القرض سببا في خرابها وتلاشيها وإلقاء عمالها الي البطالة بعد إقلاسها وأغلاقها. ومما يتسبب في البطالة أيضا إاحجام أصحاب الأموال عن استثمارها في مشاريع انتاجية صناعية أو زراعية أو مشاريع تجارية، وتفضيلهم عوض ذلك إقراض أموالهم بالربا مما يحد من فرص العمل، فتنتشر البطالة ولذا يتسم اقتصاد الدول المتخلفة بالاعتماد على الريع الناتج عن تأجير المال أو عن العقارات وليس على الأنشطة الانتاجية التي تهيئ فرص عمل للعاطلين ، فتكثر فيها البطالة.
و ينجم عن التعامل بالربا أيضا سوء توزيع الثّروة، وهدر الموارد الاقتصادية، وضعف التّنمية الاقتصاديّة والاستثمارو البطالة التعامل بالربا تركيز الثروة وزايدتها في يد قلة من المجتمع تتمثل في المرابين ووالمقترضين الأغنياءالقادرين على تقديم ضمانات تسديد قروضهم.مما يجعلهم متداولا بينهم دون الأكثرية في المجتمع ويتناقض مع العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة على جميع أقراد المجتمع كل بما يستحقه منها مقابل جهده في تحصيلها ، وبحيث يظل المال متداولا بين الجميع على النحو التي تستهدفه الأية في قوله تعالي:" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب"(سورة الحشر، 7) .

ومما يعيق التنمية الاقتصادية ويضعف الاستثمار ما تفرضه السياسة النقدية للبنوك المركزية على البنوك التجارية الأخرى من ضرورة الاحتفاظ بنسبة معينة من إجمالي الودائع الخاصة بكل بنك كاحتياطي لدي البنك المركزي لحماية أموال المودعين ، وتحجيم دور البنوك في زيادة العرض النقدي، وهي سياسة مالية تفرضها طبيعة المصارف التي تعتمد على نظام الفائدة – تؤدي إلى تعطيل جزء من الأموال التي قدمها أصحابها لتلك المؤسسات بغرض استثمارها.ومع ذلك لم تفلح هذه السياسة في حماية أموال المودعين لدي عدد من البنوك الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة والتي تعرضت تلك البنوك من جرائها الي خظر الإفلاس وتدخلت الحكومات لحماية حقوق صغار المودعين بينما ضاعت اموال كبارهم.

و يقول الدكتور شاخت الألماني(Hjalmar Schacht) الجنسيّة والمدير السّابق لبنك الرّايخ الألماني(Reichsbank): "إنّه بعمليّة غير متناهية يتّضح أن جميع مال الأرض صائر إلى عددٍ قليل جداً من المرابين، ذلك لأنّ المرابي يربح دائماً في كل عمليّة، بينما المدين معرّض للرّبح والخسارة، ومن ثمّ فإنّ المال كلّه في النّهاية لابدّ بالحساب الرّياضيّ أن يصير إلى الّذي يربح دائماً"
و يقول جوتفر أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد : " إن السبب الرئيسي للكساد الأعظم في العالم الرأسمالي عام 1929م يعود للبنوك الربوية" ويقول جون كينز : " إن المجتمع النامي بصورة مثالية سيصل إلى حالة تصبح فيها الفائدة صفراً " ويقول جون كينز أيضا : " إن معدل سعر الفائدة يعوق النمو الاقتصادي لأنه يعطل حركة الأموال نحو الاستثمار في حرية وانطلاق، فإن أمكن إزالة هذا العائق فإن رأس المال سيتحرّك وينمو بسرعة" ويقول روي هارود تلميذ جون كينز يقول :" إن النظام الحر لا يمكن له البقاء مع وجود النظام الربوي ، ولا بد من تحريم سعر الفائدة نهائياًً ، حتى يضطر الممولون إلى استثمار أموالهم بطرق إنتاجية مفيدة"
وربما كانت هذه الأقوال هي التي دفعت أدولف هتلر لجذر التعامل بالربا عندما أراد أن يعيد بناء الاقتصاد الألماني بين الحربين مما أوغر صدر اليهود عليه قحاولوا عرقلة مخططاته فاعتبرهم خونه وسعر الي استئصالهم من ألمانيا ، ولم يكن أضطهاده لهم بدافع عنصرى فقد كان اليهود الأشكيناز ينتمون مثل الألمان للعرق الأرى ولم يكن عداؤه لهم عداء للسامية فهم ما كانوا ساميون غرقا ولا لغة حيث لم تكن اللغة العبرية سوى لغة ميتة ولم يحييها سوى الحركة الصهيونية الدولية. ونجح هتلر بأن يقفز بالاقتصاد الألماني قفزة كبرى خلال بضعة سنوات بما يعد بمثابة معجزة اقتصادية تمت في اقتصاد رأسمالي خال من الربا . وهي تجربة تستحق أن تكون موضع الدرس منا وتطبيقها باعتبارها نمط رأسمالي يتفق مع قيم الدين الإسلامي وأيضا مع قيم الدين المسيحي حيث كانت الكنيسة المسيحية تحرم التعامل بالربا, والديانة اليهودية تحرم على اليهودي أيضا أن يقرض يهودي بالربا ولكن الحاخامات أحلوا لليهود التعامل مع الأغيار أو ما يسمونهم الغونيم بالربا لسلبهم أموالهم وبحكم نظرتهم لغير اليهود التي تجردهم من إنسانيتهم وتعتبرهم في حكم الحيوانات.

إقامة نظام مالي غير ربوي:
كيف يمكن لنا بناء نظام نقدي وسياسة نقدية لايعتمد على المعاملات الربوية ولا تتأثر قيمة النقد بالتقلبات والأزمات المالية الدولية ؟ .. إن هذا يعني أن يكون مختلفا عن الأنظمة السائدة في العالم . مع الأخذ في الاعتبار أيضا بأن موضوع النقد والبنوك يعد معقدا وليس بسيطا ولا يمكن عزل النظام المالي في أي دولة عن العالم الخارجي ومصارفه التجارية والمالية . ولعل أصدق وصف للنقود بأنها الشيء الذي خلقه الانسان وفقد السيطرة عليه . فإصدار النقد ليس مشكلة ولكن المشكلة في كيفية المحافظة على قيمته وقدرته الشرائية محليا ودوليا وضمان أدائه وظائفه التي أصدر من أجلها بكفائة .
ويقتضي إلغاء التعامل بالربا إعادة هيكلة البنوك القائمة وتغيير وظائفها ونشاطاتها وأساليب عملها على نحو لايؤثر في نفس الوقت على معامللاتها الخارجية الدولية على نحو سلبي . ولكن أيا كان حجم الصعوبات ، وما قد ينجم عنها من أضطراب محدود أو مؤقت أو أضرار في البداية فلا مقر لمن يلتزم بقيمة العدل وطاعة الله بإعمال حكمه وكذلك بضمان استقرار قيمة العملة والتي يتوقف عليها سلامة الاقتصاد الوطني ونجاح التنمية المحلية من الاقدام على هذه المغامرة وهذا التغييرفي النظام المالي المعمول به حاليا. فالتعامل بالربا يتناقض مع مبدأ العدالة وإن كثر المدافعون عنه أو المبررون له . وفي نفس الوقت : قإن اضطرابات النظم النقدية والمالية الحالية في ظل نشاطات المؤسسات المالية(البنوك وشركات التأمين) القائمة على التعامل بالربا تعد سببا كافيا لبناء نطام مالي جديد تتحول فيه البنوك إلى الاستثمار وتقديم خدمات مأجورة وتكون ملكية أسهمها اجتماعية مفتوحة وفي نفس الوقت غير معرضه للمضاربة الضارة بقيمتها ، فتتوسع قاعدة المساهمين باضطراد ، وتتحول شركات التأمين إلى شركات تأمين تكافلي . وفي نفس الوقت فإن المقدمة الضرورية لكل ذلك هو إصدار نقد جيد.

أصدار نقد جيــد:
ما أقصده بإصدار نقد جيد هو طرح نقد للتداول يتمتع باستقرار نسبي في قوته الشرائية لأبعد مدي ممكن ، ويحافظ على قوته في مواجهة العملات القوية الأجنبية , وهو يستمد قوة الإصدار من أسس الإصدار القوية التي يرتكز عليها ، ومن سياسة نقدية حكيمة. والإصدار هنا ليس إضافة على ما هو مبتادل وإنما استبدال له بنقد جديد على أساس قوته الفعلية . وقد يترتب على ذلك أن تأتي العملة الجديدة ، درهم كانت أم دينار أو جنيه ، مساوية للعملة القديمة أو أكثر منها .
ولكن على أي أساس سيتم أصدرالنقد الجديد وتحديد قيمته الفعلية؟ . لو كان لدينا كمية كافية من الذهب يمكنا من أصدار نقد مساو لقيمتها وعلى أساس سعر قياس للآونصة وليكن 400دولار للأوقية على سبيل المثال وبحيث تكفي الكمية المصدرة متطبات التعامل به لما كان ثمة مشكلة ،ولكن ذلك يبدو لي متعذرا. ولذا فإن علينا البحث عن غطاء ثابت القيمة يعوض الذهب وقد يكون أكثر ثباتا منه باعتبار ما تتعرض له أسعار الذهب لتذبذب مشهود في الأسواق حاليا وفق ظروف العرض والطلب والمضاربات عليه ، مع عدم استبعاد ما يمكن توفيره من الذهب وعملات أجنبية قوية قابلة للتحويل كغطاء إضافي إن تيسر ذلك.
من حيث تأصيل النقد تاريخيا ، سنجد أن النقد قد ظهر أول مرة في شكله المعدني لكي يكون مغيار لقياس قيمة سلع أغلبها محاصيل زراعية أساسية مثل الشغير والقمح ولكي يحل محل المقايضة ، والتي كانت تعتمد على اختيار غلة مثل كمية من القمح أو الشغير لقياس قيمة باقي السلع . وهو ما يعني أن الذهب والفضة تحولا إلى عملة متداولة ليقوم بدور تلك الغلة . وإذا امتنع حاليا التعامل بالذهب وحل محله عملة ورقية ، فإن هذه الورقة المطبوعة يجب أن تعبر قيمتها الحقيقية عن كمية محددة من الفمح أيضا.
ومن حيث تأصيل النقد دينيا وحضاريا ، فإن الحكومة في المجتمعات المسلمة هي جهاز لإدارة كل ما يتعلق بمعاش الناس وأمنهم يختاره المجتمع المسلم ، أو غير المسلم. وإذا كانت الحكومة تمثل إرادة المجتمع فإن المال مال الله استخلف عليه المجتمع المسلم ، وهو في حيازة المجتمع ، ويجب أن يصدر بضمانه وتحت مراقبته وأشرافه مباشرة . وفي استقلال عن الحكومة المنتخبة والتي ليس من مهامها ولايجب أن يكون من مهامها إصدار النقد . بمعني أن يكون البنك المركزي مستقلا عن الحكومة ، ويتبع مباشرة البرلمان في إدارته ومراقبته والتصديق على قراراته لتكون نافذة .بالإضافة ألي مراقبة الحكومة سلامة تصرفاته المالية إلى جانب البرلمان دون التدخل في شؤونه.ويراقب البنك المركزي التصرفات المالية للحكومة أيضا ويقدم تقارير عنها للبرلمان.
ويتم تعيين محافظ البنك المركزي بمرسوم من رئيس الدولة بناء على قرارمسبب من لجنة تتكون من رئيس مجلس القضاء ا|لآعلى والمركز الأعلي للحسبات وممثل للآغلبية البرلمانية وممثل للمعارضة وفق النظام الذي يحدده الدستور.وأن يكون خبيرا في الشؤون المالية والاقتصادية ولا ينتمي لأي حزب سياسي .ولا يجوز عزله بغير قرارمسبب من نفس اللجنة يوافق عليه البرلمان..
والمجتمع هو الذي سيقدم الأصول الثابتة الضامنة أو المغطية لما سيصدره البنك المركزي والمتمثلة في الأراضي الزراعية المستغلة والمنتجة والتي تتفاوت قيمتها حسب خصوبتها وإنتاجيتها واعتماد ريها على الأمطار أو على السقي الموسمي أو الدائم وبعدها وقربها من الأسواق وكذلك على ظروف العرض والطلب. ولذا سيتم حساب قيمة الأرض على أساس متوسط متوسط إنتاج الفدان أو الهيكتار من غلة واحدة قياسية أو معيارية من الغلات الأساسية مثل القمح أو الأذرة أو الأرز مضروبا في عشرين عاما ،حسب ظروف كل دولة. باعتبار أن الأرض الزراعية المنتجة هي الوحيدة التي تمثل أصل ثابت غير قابل للهلاك بينما باقي الممتلكات الثابتة عرضة للفناء والهلاك مهما كانت معمرة. وإذا افترضنا أن لدينا من ألأرض الزراعية المنتجة 10مليون فدان (الفدان 4200متر مربع والهيكتار 10000متر مربع) ومتوسط انتاج الفدان من القمح في السنة الواحدة 2000درهم حسب السعر في الأسواق العالمية ،فيكون مجموع قيمة الانتاج السنوى من القمح 10مليون فدان مضروبة في 2000 درهم مضروبة في 20 عاما = 400000 مليون درهم أي 400مليار درهم . يضاف الى هذا المبلغ ما قد يتوفر من سبائك ذهبية أو عملات أجنبية قوية . وبالنسبة لسعر الدرهم الجديد بالنسبة للقديم فقد افترضنا هنا أن الفدان ينتج 1000كيلوجرام من القمح ثمن الكيلوجرام درهمان من الدرهم الجديد فإذا كان الدرهم القديم يشترى نفس الكمية من القمح كان الجديد مساويا للقديم.وإن كانت قدرته الشرائية نصف الكمية كان الدرهم الجديد يساوى ضعف القديم ويتم أعادة تقييم بافي السلع والخدمات على هذا الأساس بما في ذلك الأجور وايجارات المساكن مع تثبيت الأسعار لمدة ثلاثة سنوات يتم خلالها دعم الصادرات بواسطة الحكومة وقصرالواردات على المواد الغذائية ومستلزمات الانتاج مع اللجوء الى عقد الصفقات المتكافئة التي يتم فيها تبادل السلع بدون دفع نقود وتنويع الأسواق الخارجية ويمكن بعد انتهاء فترة السنوات الثلاث تحرير السوق تدريجيا وبحذر شديد بحيث يتم تفادي التضخم والعجز التجارى,عمل السياسات النقدية في جميع الأنظمةالاقتصادية في الغرب والشرق مع تنوعها على تحقيق إستقرار في الأسعار والتحكم في التضخم والمحافظة على قوة العملة والتحكم في أسعارها بما يخدم الاقتصاد الوطني.وتقاس كفاءة النظام المالي بمدى تحقيقه لهذه الأهداف .ومن السمات ايضا التي تدل على كفاءة النظام الاقتصادي في مستواه المالي هو القدرة على تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار وتحقيق التوظيف الكامل لكافة الموارد البشرية والطبيعية والمالية التي تتوفر عليها الدولة وتطوير المؤسسات الانتاجية تقنيا لضمان منتجات لها قدرة تنافسية عالية في الأسواق العالمية.
ويمكن تصوير ميزانية البنك المركزى على النحو التالي على سبيل المثال :

الأصــــــول الخصـــــــــوم
(مليار درهـــــم) (مليـار درهـــــم)
أراضي زراعية 400 نقد مصـدر 400
سبائك ذهبية وأسهم وسندات 100 ودائع للبنوك 100
نقد أجنبي 200 ودائع للافراد في البنوك 200
حقوق لدي الغير (قرض حسن) 100 حقوق للغير 100
خمس قيمة ممتلكات حكومية خمس قيمة ممتلكات أفراد
(منشآت وبنيات أساسية) 290 (مساكن ومؤسسات انتاجية) 290
___ ___
1000 1000
يتم التحكم في السيولة المالية الجديدة عن طريق سوق القيم المنقولة ببيع وشراء الذهب والأسهم والسندات المشاركة في الأرباح التي تصدرها المؤسسات الاقتصادية. وهو ما يعني الاعتماد على سوق مالية نشطة أصلية وتتمتع بشفافية كاملة وخالية من المضاربات وتأمين. ولا تعد الزكاة والضرائب التي تجمعها الحكومة على الخدمات والاستثمارات الحكومية في نفس الع سيولة المعلومات وسرعة تبادلها والاستفادة من التقدم الذي تم احرازه في التقنيات المعلوماتيةام ولا تعتبر هذه الأموال ضمن آليات التحكم في السيولة وانما يقتصر دورها على إعادة توزيع الدخل . كما يمكن للبنك المركزي للحد من السيولة التوسع في شراء الأراضي مقابل تعويضات تدفع على هيئة أقساط مؤجلة للملاك وإعادة توزيعها على الفلاحين الصغارمقابل سداد ثمنها على مدد طويلة . أو إعدام أوراق النقد المستهلكة أو التالقة دون إصدارها غيرها خلال فترة معينة . وفتح حساب ثانوي لها بحيث تعد دينا على البنك للجهات الواردة منها ، تحصل مقابلها على ضمانات أو تسهيلات ائتمانية ،أو تسدد لها بعد فترة معينة فضلا عما تتخذه الحكومة من أجراءات تيسر وفرة عرض السلع الضرورية في الأسواق لضبط الأسعار في مجال كبح التضخم. كما يعد فرض نسبة من أرباح الشركات والبنوك لتجنيبها كاحتياطات قانونية أو بغرض اعادة الاستثمار أو للآحلال والتجديد من ضمن هذه الآليات التي تحدد حجم السيولة وكذلك رفع نسبة ودائع البنوك التجارية لدي البنك المركزي .
ترى د. نعمت أن التضخم النقدي أحد الأمراض الاقتصاديّة التي تنهش جسد الاقتصاد القوميّ وتُحدث فيه اختلالات سيئة. وتؤكد أن التضخّم ينشأ نتيجة عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار،
ونتيجة لضعف الطاقات الإنتاجية في الاقتصاد القوميّ، ويترتب على هذه الاختلالات ارتفاع متواصل ومتتالٍ في الأسعار.
فعندما يزيد النقد بصفة مستمرة أكثر وأسرع من زيادة السلع والخدمات المتوفرة تكون النتيجة الحتمية حالة تضخمية و إرتفاع مؤشر الأسعار.وعندما تزيد السلع والخدمات بصفة مستمرة اكثر وأسرع من زيادة النقد تكون النتيجة الحتمية حالة إنكماشية وإنخفاض مؤشر الأسعار. ويتحقق التوازن الصحي في حالة النمو المتوازن بين الكتلة النقدية وكمية السلع والخدمات المتوفرة في البلد.
وبذلك تكون العلاقة بين الكتلة النقدية والتضخم أو الإنكماش علاقة طردية وثيقة وتحليل المعروض النقدي مسالة غاية في الأهمية لمعرفة الإختلالات او التوازنات ليتم إستثمار النتائج المترتبة عنها وإختلال التوازن بين المعروض النقدي و مجموع السلع والخدمات يؤدي لحالة تضخم او إنكماش وكل ذالك يؤثر على مؤشر الأسعار تضخميا أو إنكماشيا. وبذلك يكون إستقرار أسعار السلع شرط أساسي لتحقيق الإستقرار في النظام الاقتصادي والمالي . والثروة الحقيقة الضامنة لسلامة النظام الاقتصادي هي في قدرة النظام على إنتاج السلع والخدمات وليس في قدرته على توفير النقد باصداره.وتتسبب زيادة النقود بصفة مستمرة اكثر من قيمة السلع والخدمات في اختلال التوازن وحالة تضخم قد تكون كارثية إذا كان التضخم جامحا غير قابل للسطرة عليه.
ويجع الاقتصاديون الكلاسيكيون التضخّمَ النقديّ أساسًا إلى ظاهرة نقديّة (تتعلق بالنقود)، تتمثل في ارتفاع معدل الطلب كنتيجة لزيادة كمية النقود في الاقتصاد.والبعض الآخر جعل للتوقعات أهمية خاصة في تحديد العلاقة بين الطلب والعرض. والتوقعات تعني العلاقة بين خطط الاستثمار والادخار. و بعض الاقتصاديّين يرون في التضخّم ظاهرة اقتصاديّة واجتماعية ترجع إلى الاختلالات الهيكليّة (تخلف الوضع الإنتاجي العام) الموجودة بصفة خاصة في الاقتصاديّات المنخلفة. بينما يكمن التضخم أساسا في نقص المعروض من السلع أكثر من زيادة العرض النقدي.
وتسهم الزكاة في مجتمع المسلمين في معالجة التضخّم في حالة زيادة الطلب عن العرض، حيث يكون حجم النقود المتاحة داخل المجتمع أكبر من قيمة السلع المعروضة؛ وهو ما يدفع الأسعار للزيادة، فترتفع الأجور لتلبية زيادة الأسعاروتتمكن الزكاة من كبح جماح التضخّم من خلال:
1. انتظام انسياب حصيلة الزكاة مع بداية كل سنة هجرية يوفر كميات النقد اللازمة للتداول دون الحاجة إلى لجوء السلطات النقديّة لعمليات الإصدار النقدي.
2. تطبيق تشريع الزكاة يضمن توفير حدّ الكفاية لجميع أفراد المجتمع، ويتجه المجتمع بصفة عامة للإقبال على السلع الأساسية، ويحول هذا دون ارتفاع مستويات الطلب على الاستهلاك الكماليّ.
3. لا يمكن اعتبار الحجة القائلة باحتمال إقبال المسلمين على إنفاق كل دخولهم وثرواتهم تفاديًا لإخراج الزكاة، فهي حجة لا يمكن أن تنطبق على السلع التجارية والصناعية والخدمية، حيث لا يُعقل أن يبدِّد مالكُها كل ربحه ورأسماله لمجرد تفادي دفع الزكاة.
4. إن هدف توزيع الزكاة هو تحقيق الإغناء لمصارفها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق توفير الأدوات ورؤوس الأموال الإنتاجية الملائمة لهم، وهو ما يؤدي في المدى الطويل إلى زيادة الإنتاج فيقابل الطلب مهما زاد،
فلا يترتب على زيادة الطلب آنذاك حدوث تضخم.
5. كذلك فإن توزيع زكاة الزروع والثمار والماشية في صورتها العينية يسهم إلى درجة كبيرة في الاحتفاظ للنقود بقيمتها الشرائية دون تدهور.

مهام البنك المركزي :
ويقوم البنك المركزي بالوظائف وتقديم الخدمات التالية :
1- أصدار النقد .
2.الاستثمار نيابة عن الحكومة و المؤسسات التابعة لها كصندوق معاشات التقاعد و المؤسسة العام للتأمينات الاجتماعية.
3- منع التضخم و حفظ توازن الميزان التجاري في التجارة الخارجية
4- تمثيل الدولة في المحافل النقدية الدولية آو العالمية الأخرى.
5-الاحتفاظ باحتياطيات الدولة من الذهب والعملات الأجنبية.
6-تخطيط السياسة النقدية و تنفيذها.
7- إجراء المقاصة بين البنوك التجارية بعضها البعض.
8- الاحتفاظ باحتياطيات للبنوك التجارية لضمان حقوق المودعين لديها.
ويستطيع البنك المركزي توجيه القروض من قبل البنوك التجارية كأداة لتمويل المشروعات الانتاجية في الزراعة والصناعة اعن طريق شراء أسهم وسندات المؤسسات الاقتصادية مقابل الحصول على أرباحها عوض فرض فوائد عليها مقابل حوافز يقدمها البنك المركزي لتشجيعها .بينما تحجب هذه الحوافز عن القروض المقدمة لأغراض غير انتاجية.

أهداف السياسة المالية :
ويجب على السياسة المالية أن تركز على التنميـة الإقتصـادية والإرتقـاء بمستوى النشاط الإقتصـادي للمجتمع وأن يكون للدولة دور فاعل وأن تسخـر كل إمكانياتها لتوفير المـوارد المالية اللازمـة لتحقيق هذا الهدف.وفقا لخطة يتم تحديد أهدافها بدقـة تامة وإعـداد سلم تفضيـلي من الإستثمـارات التي تعطي الأولوية في خطة التنمية مع تتسطير البرامج التنفيذية والالتزام بانجاز الاهداف وفقا لتلك البرامج مع إعداد بدائل تمويل الخطة والموازنة بينها حسب ما يحقق الكفاءة ويحد من التكلفة وييسر اخراج الخطة إلى حيز التنفيـذ في المواعيد المحددة لها .مع خضوع كل ذلك لرقابة ومتابعة شعبية تضمن النزاهة والشفافية في جميع المراحل .
و من أهـم الأسس التي يجب أن تبنى عليـها الدولة سياستـها بصدد تمـويل برامـج التنمية هو تجنب الـوسائل التمويـلية التضخمـية بطبيعتـها والقروض الخارجية والإعتمـاد أساسـا على مدخـرات المجتمع الحقيقيةولتحقيق قدر كاف من المدخراتت العائلية التي يمكن توجيهها للآستثمارات النافعة والمتفقة مع برامج التنمية ومن أجل هذا يجب حث الأفـراد على عـدم الإفـراط في الإستهـلاك الكمالي وتنمية الوعي الإدخـاري وتدعيـم مؤسسات تجميع المدخرات ويعتمد استثمـار القطاع العام في تمويـله على مصـادر متعددة من ضمنها:
1- ايرادات الضرائب المباشرة والعمل على زيادتها بالتوسع في المشروعات الانتاجية المكونة للثروات .
2_ ضغـط النفقات العامة بترشيد الانفاق وقصره على ما يتعلق بالتنمية الانسانية وخاصة التعليم والصحة .
3- التموسل بالعجز لتمويل المشروعات الانتاجية في حدود نسبة معقولة من الدخل القومي .
4- فتح رأسمال المشروعات الانتاجية أمام مساهمات المواطنين عن طريق الاكتتابات العامة.
5- قيمة بيع أسهم مملوكة للقطاع العام في مؤسسات تم بيعها للقطاع الخاص.
6- الاستعانة بالإئتمـان المصرفي للمساهمة في تمويل برامج التنميةبالحصول على تسهيـلات إئتمانية من البنوك وحثها على إستثمـار جانب من إحتياطاتها في أسهم وسندات المؤسسات الانتاجية الجديدة مقابل الحصول
على الأرباح المخصصة لها .
7- العمل على زيادة الصادرات لإمكان توجيه حصيلتها من العملات الآجنبية لشراء إحتياجات المشروعات الجديدة من السلع الرأسمالية اللازمة للتنمية الإقتصادية
8_ تهيئة الظروف والبيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة للإستثمـار في الدولة .
9- مدخرات القطاع العام: وهي تتمثل في صافي فائض المؤسسات الإقتصـادية التي يمتلكها القطاع العامالناتجة عن بذل الجهود لزيادة الإنتـاج وتحسين نوعـه وخفض تكلفتـه باستخدام التقنيات المناسبة.
والهدف النهائي للسياسات المالية والاقتصادية هو قيام مجتمع إنساني تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتتقارب فيه الدخول وترفرف عليه الرفاهيةو تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة المواطنين في توزيع الدخول
و التوزيع الأمثل للدخـل هو الذي يحقق لكل فرد درجة إشباع متساوية من السلع والخدمات التي تشتريها وحدات الدخـل الحدية. ويؤدي الحد من التفاوت في توزيع الدخول بين الأفراد إلى مضاعفة الإشباع
الجماعي . و دون المساس بالحوافز إبقاءا على مستوى المنتج الكلي، علما بأن سوء توزيع الدخل يؤدي إلى تضخم حجم المدخرات النقدية لبعض الأفراد لذوي الدخول الكبيرة وميلها إلى الزيادة عن الإدخار الحقيقي
للمجتمع، مما يترتب عليه هبوط مستوى الدخل القومي وهكذا حتى يصل المجتمع إلى حالة من الفقر يقل معها حجم الإدخار إلى المستوى الذي يجعله معادلا تماما لحجم الإستثمار.
وعموما فإن جميع الإعتبارات الإقتصادية الفنية والإجتماعية الأخلاقية تدعو إلى الحد من التفاوت في توزيع الدخول، ويتطلب الحد الإدني في تطبيق هذه السياسة وضع حد أدنى لدخل الأسرة لايجب أن يهبط دونه
ويراعى في وضع الحد الأدنى للدخول أن يكون كافيا لتوفير مستوى معيشي لائق لصاحبه بحيث يتسنى له الحصول على حاجياته الأساسية وزيادة قيمة ناتجة بالتالي،
و إذ تمثل دخول العمل (الأجور والمرتبات وما في حكمها) نسبة كبيرة من دخول الأفراد ذوي الدخول المنخفضةفأن ريع الأملاك العقارية تعتبر أهم مصدر للدخل بالنسبة للأفراد ذوي الدخول المرتفعة. من
أجل هذا فإن أي خطة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدخول يجب أن تقوم أساسا على الحد من الدخول الناجمة عن ريع الملكيات العقارية ،والعمل على زيادة دخول العمل المكتسبة.
و الأدوات المالية التي يمكن إستخدامها لإعادة توزيع الدخل عديدة تتمثل في الآتي:
1- تفرض الضرائب التصاعدية على التركات والهبات وعقود بيع وتأجير العقارات وتجديد حد أقصي لملكية العقارات المنتجة للريع وهو ما يضطر أصحاب رؤوس الأموال لاستثمارها في منشآت انتاجية صناعية
تسهم في زيادة الثروة القومية والدخل القومي ورفع مستوى معيشة المواطنين بما توفره من فرص عمل ودخول جيده للعاملين وتمويل صناديق الضمان الاجتماعي ..
2- الرفع من أثمان السلع الكمالية بفرض ضرائب غير مباشرة مرتفعة عليها وفي نفس الوقت إعفاء السلع الأساسية من تلك الضرائب كلية أو العمل على خفض أسعارها بدعمها ا عن طريق منح إعانات لبعض فروع
النشاط الإنتاجي المتصلة بالإستهـلاك الشعبي. وهي سياسة تسهم في تضييق الهـوة بين الدخول إذ أنه يعمل على إنخفاض ذوي الدخول المرتفعة بقدر ما يعمل على زيادة الدخل الحقيقي لذوي الدخول المنخفضة.
3-. فرض ضرائب تصاعدية على الدخل الفردي مع إعفاء الدخول الصغيرة من أية ضرائب إوهو ما يقلل من مدى التفاوت في توزيع الدخول الصافية وتنقص من قدر تركز الثروات ولا تجعل المال دولة في يد أقلة دون باقي المواطنين .

العوامل التي تؤثر على القيمة الذاتية للنقود :
- عوامل اقتصادية اهمها : معدل التضخم الاقتصادي ، معدل الاداء الاقتصادي ومعدل النمو المتحقق في الناتج الاجمالي القومي ومستوى التوازن المتحقق - عوامل مالية اهمها: معدل الفائدة واسعار صرف العملة اتجاه العملات العالمية ، السياسة المالية والنقدية ومدى كفائتها ، نسبة الدين العام وحجم الاحتياطي الوطني من العملات العالمية وغيرها .عامل المضاربة : حيث يلعب عامل المضاربة دورا مهما في تحديد القيمة الذاتية للنقود ، وتتاثر القيمة الذاتية للنقود في المجتمعات الرأسمالية بالدورة الاقتصادية التي يمر بها البلد او الاقتصاد العالمي والتي لا يمكن فصلها عن تأثير المضاربات المالية والتعامل بالربا .

حساب الدخل القومي :
ويمكن حساب الدخل القومى على النحو التالي :
الدخل القومي= الإنفاق الإستهلاكي على السلع والخدمات+ مدخرات القطاع الخاص في البنوك واستثماراته المدفوعة خلال السنة(وتشمل الاستثماراات الإنفاق علـى الآلات والمعـدات الإنتاجية وكـذا المبانـي والمنشـآت الجديدة المعدة لأغـراض الإنتـاج )+إيرادات القطاع العام+مدخرات القطاع العام واستثماراته المدفوعة خلال العام + تمويل البنوك للآستثمارات +الضرائب التي تم تحصيلها .
اويستقر مستوى الاسعار عندما يكون Md (الطلب على النقود)=(عرض النقود) Ms
كما أن الدخل القومي GDP- ما يحتفظ به المواطنون لعمليات الشراء الجارية = الطلب على النقود Md
والناتج المحلي الخام - GDP يعبر عنه أيضا بأنه قيمة مجمل السلع والخدمات المنتجة في إقتصاد ما خلال فترة ما (سنة مالية),
وتحسب سرعة دوران النقود ( V ) :على أساس متوسط عدد المرات اللتي تنتقل فيها الوحدة النقدية الواحدة من يد لأخرى خلال فترة زمنية معينة عادةً ماتكون سنة. بحيث V = الدخل القومي في البلد / M