Tuesday, August 21, 2007

الأسرة والحياة الزوجية- مملكة الأسرة



الأسرة والحياة الزوجية

مملكةالاسرة





الأسرة مملكة مستقلة لها دستورها ونظامهاوقوانينها وحدودها وحرمتهاومواردها المالية وميزانيتها وعلاقاتها الداخلية بين حكومتها ورعيتها أو بين الرعايا أنفسهم وعلاقاتها الخارجية مع الممالك المجاورة أو المرتبطة بها بعلاقات الدم والرحم والمصاهرة أو مع المجتمع كله.
وهي المملكة الوحيدة التي تبدأ بالملك والملكة وحدهما بدون رعايا ويمكنها أن تستمر بدونهم . ويبدأ ظهور الرعايا فيها مع ولادة الملكة أو استئجار خدم لمعاونتها أو تربية ورعاية أيتام داخل الأسرة أولحوء أبناء أو بنات أقارب للعيش في حمايتها . ولذا يختلف عدد الرعايا من أسرة الي أخرى . الاأن مايمكن اعتباره من مزايا مملكة الأسرة المسلمة أن رعاياها متساوون في حقوقهم سواء كانوا من الأبناء أو من الأقارب أو من المتبنين أومن الخدم .فلهم نفس الحقوق فى المأكل والمشرب والمأوى والتربية والرعاية والتعليم والصحة والكساء والترفيه والجميع يخضعون لنظام واحد ويعملون معا في خدمة مصالح الأسرة والمحافظة علي وحدتها ومصالحها وأمنها وسلامتهاواستقرارها وازدهارها عملا بقوله سبحانه وتعالي :" ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولايظلمون نقيرا"( النساء 124) وقوله : " إني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثي بعضكم من بعض" (ال عمران195).

ويمثل الزوج والزوجة السلطة العليا الحاكمة في المملكة كشخص واحد أو يتقاسمان وظائفها كل منهما يأخذ بقسط منها ، ويحل كل منهما محل الآخر في غيابه ، وقد يفوضان جزء من المسؤولية الى الإبنة الكبرى كتدريب مبكر لها على سلطة الحكم ، فإن تزوجت فوضت من تليها وقد يفوض أحد الأبناء أو أحد الخدم أيضا . ويظل الحكم بماأنزل الله هو النظام السائد في الأسرة وفق دستورها وميثافها الذى تقرر منذ ارتبط ملكة وملكة الاسرة بعقد زواج علي كتاب الله وسنة رسوله.فقد التزما بأن يكون كتاب الله وسنة رسوله هما المرجعية الوحيدة لهما والتى بها أحل كل منهما للآخر.هذا بالاضافة الي مايشرعه الملك والملكة معا مما لايخرج عن كتاب الله وسنة رسوله ولايتعدي حدود الله ويريان فيه مصلحة الأسرة وأعضائها . مع اعتماد مبدأ الشورى في كل مايمس مصالح الرعية أو يضيف أعباء جديدة عليهم. وتتولي الحكومة تدبير الموارد والعمل على زيادتها ومراقبة الانفاق حسب الميزانية وضبط النظام وتحقيق العدالة وتحديد العلاقات الداخلية والخارجية وتأمين التعليم والمعرفة والوقاية من الأمراض والعلاج منها ، وجميع متطلبات الرعية التي تتعاون مع الحكومة بدورها كل حسب امكانياته وقدراته وظروفه لبلوغ الأهداف المقررة أو تنفيذ السياسات الموضوعة. وفي إطار من التكافل والاعتماد علي الذات الجماعيةوحشد الامكانيات وحسن استغلالها. ويندرج هذا كله في إطار الإحسان الذي أمر به الله ورسوله . وماينطبق على أسرة واحدة ويصلح أمورها ينطبق أيضا علي دولة كبيرة ليست في حقيقة أمرها سوى عائلة ممتدة تنتمي اليها كل الآسر الصغيرة وتكونها.


لايستطيع حاكما الأسرة تعديل دستورها متى شاءا أولتحقيق غاية أو ارضاء نزعة ذاتيه ولايؤثر في ذلك موافقة الرعية بعد استفتائها ، إذ طالما الأسرة باقية مدي الحياة ، بل قد يموت الملك أو الملكة أو هما معا وتستمر الاسرة مع ماخلفا من أبناء وبنات ، فان دستورها يتمتع أيضا بالديمومة والثبات. ودستور الأسرة يستمد قداسته من أنه عبارة عماأوصي به الله ورسوله وأمرا ولآنه بهذه الصفة أيضا يعد ثابت القيم والاحكام. وغير قابل للتعديل أو التحريف أو الاضافة أو الحذف ولاتتغير أحكامه بتغير ظروف الاسرة وأوضاعها فالزوجة التي كانت طائعة زوجها ومقدرة فضله ومزاياه لاتتبدل أن تحولت أحوال الاسرة من يسر الي عسر . والزوج الذى صمدت معه زوجته في العسر لايمكن أن يتنكر لها في اليسر. هذا الثبات في القيم والسلوكيات الملتزمة بها هو الذي يعبر عنه بوصف أسرة ما بأنها أصيلة خاصة اذا كانت خصالها قد توارثتها أيضا عبر الأجيال السابقة عليها من أباء وأجداد.ان فيما مثل الصدق والوفاء والامانة والمحبة والاخاء والعدل والاحسان والبر بالوالدين وصلة الرحم والتراحم والخير والحق والجمال والكرم والايثار ...كل هذه القيم ومااليها لا يمكن أن تتغير لأنه في حالة تغييرها سيتم الانتقال مما هو أقوم الي ماهو أسوء وأضل سبيلا.

دستور الأسرة:
دستور الأسرة هو كتاب الله وسنة رسوله التي عليهما تم عقد الزواج المنشئ لللأسرة وخاصة قوله تعالي :" قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون (والصلاة هنا تأخذ جميع معاني اللفظ من الصلوات المفروضة الي الصلة او العلاقة الزوجية وصلة الرحم وصلات الجيرة والقربي والمصاهرة...والخشوع فيها هو ممارستها بأدب ومحبة وتقوى وبدون استعلاء أو كبر أو ظلم أو صخب ...) والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون (والزكاة هنا أيضا زكاة النفس والثمرات والمال والماعون) والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( الذين عادوا الله ورسوله وتعدوا حدود الله)والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم علي صلواتهم يحافظون (والمحافظة هنا تنصرف أكثر علي العلاقات بينهم)أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" (المؤمنون من 1-11)
ويمكن أن يندرج في دستور الأسرة أيضا ما أوصى به لقمان الحكيم ولده كما جاء في سورة لقمان في القرآن الكريم كالاتي :
"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ . "(لقمان من12-19)
ويدخل في دستور الأسرة أيضا الوصايا العشر التي عاد بها النبي موسي الى قومه بعد مناجاته لربه مكتوبة في ألواح من الطين وهي الواح ظلت باقية حتي عهد الملك سليمان وهو مايجعل احتمال تعرضا للتحريف من قبل كتبة التوراة ضعيفا الا مايكون نتج عن الترجمة الي لغات متعددة حيث جاءت أول مرة بالآرامية ثم ترجمت منها الي العبرانية والسريانية ومنهما الي اللاتينية ومنها الي اللغات الآوربية ومنها الي الترجمة العربية الموجودة الان.وتقول الوصايا العشر.
(1 )"لا يكن لك آلهة أخري أمامي".(2) "لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب الهك اله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع احسانا الي ألوف من محبي وحافظي وصاياي 3) " )لا تنطق باسم الرب الهك باطلا، لأن الرب لا يبريء من نطق باسمه باطلا". (4) اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك. (5) "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض التي يعطيك الرب الهك". (6) "لا تقتل". (7) "لا تزن". (8) "لا تسرق". (9) "لا تشهد علي قريبك شهادة زور.(10) "لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا مما لقريبك".
عندما سئل المسيحعليه السلام عن أعظم وصية في االوصايا العشر, أجاب : " أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل عقلك. هذه هي أول وأعظم وصية. والثانية مثلها, أحبب جارك كنفسك. كل الأنبياء تمسكوا بهاتين الوصيتين."
اذن يستمد نظام الأسرة احترامه من تقيده بقيم ثابته ناتجه عن ثبات مصدرها الذي قامت الأسرة علي أساس منه وهو كتاب الله وسنة رسوله. وكذلك ومع ثبات دستورها فإن نظام الأسرة يتميز بتوافقه مع احتياجات الأسرة المتغيرة ومع الفطرة ومازودت به الانسان من غرائز طبيعية أو طبائع موروثة أو مكتسبة أو تزعات وميول ومشاعر منبثقة عن الغرائز والطبائع.كما أن نظامها يعبرعمليا عن وحدة الاسرة وتضامنها وتكافلها وتراحمها وتوائمها أيضا مع المحيط الاجتماعي والبيئي في دوائر توحيدية متتالية تجمعها وتدمجها في نسيج الامة والدولة.

إن الالحاح هنا علي الربط بين الاسرة والمجتمع وماهو اجتماعي بما هو سياسي وما سيتم التعرض اليه في حينه من أن المعاشرة الشبقية بين الزوجين والتي تعتبر علاقة حميمية خاصة بهما وحدهما لها في الواقع ابعادا اجتماعية كما أنه كما يتم تنظيم الأسرة يمكن أيضا تنظيم الدولة والمؤسسات الافتصادية علي نفس الأسس . هذا ماأسميه بفلسفة الأسرة التي نحتاج الي ادراكها واستيعابها والعمل بها.

مكانة الملكة في الأسرة:
والزوجة أو ملكة الأسرة وإن تضامنت مع زوجها في مسؤولية الحكومة ، إلاأن لها وحدها سلطةشبة مطلقة – دون تسلط أو استبداد أو طغيان- على جميع رعاياها داخل مملكتها باستثناء زوجها لقوله صلي الله عليه وسلم : " كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالزوج مسؤول عن رعيته والزوجة مسؤولة عن رعيتها في بيت زوجها" . واسناد البيت هنا للزوج يرجع الي أنه هو الذي وفره وجهزه وأعده لها أو لأنه لارعية لها في غير البيت الذي يجمعها بزوجها . ففي بيت والدها أو بيوت أقاربها تكون فيها ضيفة بعد زواجها، وفي بيت والدها قبل زواجها كانت من ضمن الرعية ولم تكن راعية. وفي سياق أخر نجد القرآن الكريم ينسب البيت للزوجة مثل في قوله تعالي :" ولاتخرجوهن من بيوتهن ولايخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة". وعموما هناك دائما تقديم في الاسلام للرجل علي المرأة فيما يتعلق بالسلطة ، وهو مايتفق مع الفطرة. وهذا التقديم ليس تمييزا ولايتناقض مع مبدأ المساواة بين الرجال والنساء . ونلاحظ في الطبيعة أن الذكر سواء في الانسان أو الحيوان مزود بغريزة السيطرة أكثر من الأنثى والأنثي فى الانسان مزودة بغريزة حب التملك أكثر من الرجل ، ومحصلة تأثير الغريزتين لديهما في اجتماعهما يجعل الأنثي تبدو أكثر خضوعا للذكر من الذكر للآنثي ، وهو خضوع لايشوبه أدنى شبهة لقهر وانما تقدمه الأنثى ظواعية وبرغبة منها لإنه سبيلها للتملك. ولاعجب أن تغني أم كلثوم : " ويعجبني خضوعي اليه". والتجاذب بين السيطرة والتملك هو مايجذب كل منهما للآخر الي جانب الغريزة الشبقية لكي يتواصلان ويتحدان نفسيا وجسديا في الزواج. ولوأن الجاذبية إقتصرت علي الشبق وحده لتم اشباعها – مثل الحال في الحيوان- دون حاجة الى الزواج والاسرة والي التوحد فيهما ومن خلالهما. يمكن لنا أن نفهم من هذا أيضا أن حاجة المرأة للزواج والي الحياة الأسرية أقوي من حاجة الرجل وأن حاجتها الي إشباع غريزتها الشبقية(=الجنسية) في نطاق الشرعية وليس خارجا أكثر من الرجل . ويمكن أن يعزى ذلك الي عامل إضافي هو تمتع المرأة بغريزة الأمومة كغريزة طبيعية بينما عاطفة الأبوة هي أشبه بغريزة مكتسبة وليست فطرية أو طبيعية . ولذا هي تبحث عن الزواج لأن فيه تتحقق لها فرص التمتع بالأمومة اللآمنه والتي تزيد من خلالها مكانتها الإجتماعية أيضا وتشعرأيضا في الزواج بأنها امتلكت رجلا ومنزلا مستقلا وأطفالا لاينازعها في امتلاكهم أحد..هذه النزعة موجودة لدي الرجل ربما بحكم العادات أو التقليد أو الثقافة ولكنها لدي المرأة أقوى لأنها وإن تأثرت مثله بالعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية السائدة فإن ذلك كله يجد دعما إضافيا من غرائزها التي تريد اشباعها علي نحو ملح ومتعجل ويمثل التأجيل فيه معاناة نفسية مستمرة.

وجود غريزة الأمومة لدي المرأة فطرية ولدت بها دون أن يقابلها مثيل لها لدى الرجل سوى عاطفة الأبوة المكتسبة من تعاطفه مع أطفالهم ورحمته بهم وماقاساه من عنت أو متاعب في تربيتهم وحبه لهم المتبادل أو من معاشرته لأبيه ، واذ الغرائز الفطرية مقدمة علي الطبائع المكتسبة فإن ذلك يجعل من حق المرأة أن يكون لها أفضلية على الرجل في نطاق الأسرة. وهذا مايجب فهمه من الآية الكريمة : " الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافطات للغيب بما حفط الله..."( النساء34) اذ أن قام علي الشيء يعني تعهده ورعاه وحفظه وواظب علي خدمته. وربط القوامة بمافضل الله بعضهم علي بعض يمكن فهم الفضل بمعني الزيادة أم بمازاد به بعضهم علي بعض ويزيد من دوافع القوامة ماأنفقه الرجل من أجل الزواج والأسرة والذي يريد أن يشعر أنه لم يذهب هدرا ولذا يواصل الانفاق بدافع من ذلك أيضا . القوامة هنا ليست ميزة للرجل وانما هي اكرام للمرأة التي كلف الرجل بالقيام بتوفير كافة احتياجاتها حسب استطاعته بينما هي لم يكلفها الشرع بغير المضاجعة وفيها متعة لها ولديها نفس الرغبة والحرص علي إشباعها مثلما مالدي الرجل وفيماعدا ذلك ترك لها التعاون علي البر والتقوي مع رجلها القائم عليها كما تشاء.ولكن من هي تلك الزوجة التي تستحق أن يكون لها هذه القوامة التي تجعل زوجها في خدمتها أكثر مماهي في خدمته؟ ..تصفها الآية الكريمة بانها الصالحة القانته الحافظة للغيب بما حفظ الله ، فإن فقدت أي شرط من هذه الشروط فقدت الحق في قوامة الرجل عليها التي هي ميزة لها وليست ميزة له . لفد فسرت القوامة بمعنى السلطة والسيطرة والتحكم ومايدخل في هذه المعاني وهو مالا تحتمله اللغة أو السياق وإنما ربما يستجيب لنزعة ذكورية لم تأت الاية الكريمة من أجلها . عندما يوصي النبي رجلا بأمه ثلاثا قبل أن يوصيه بأبيه فإن هذا يعني أن مرتبة الزوجة الأم داخل الأسرة تعلو مرتبة الزوج الأب بدرجتين وليس درجة واحدة كما للرجال بصفتهم تلك علي النساء خارج نطاق الأسرة.

التأثير المتبادل للزوجين:
ماسبق الاشارة اليه من غرائز السيطرة والتملك والخضوع قد نجد مايدل عليها لدي الرجال والنساء معا بعد الزواج . فتظهر الرغبة في السيطرة والتسلط عند الزوجة علي زوجها وتبدوا مظاهر الخضوع التام من قبل الزوج لزوجته. هنا يحسن التفرقة بين الغرائز الفطرية وبين ماقد يتغلب عليها من طبائع موروثة أو مكتسبة وما قد تدفع اليه ظروف غير طبيعية أو شاذة الزوجين لتبادل الأدوارمضطرين أو تحت ضغط دوافع نفسية مرضية أو ناتجة عن نوع من الانحرافات النفسية.هناك أيضا اتحاد المرأة بالرجل اتحادا كاملا بالزواج والذي يأخذ صورته القصوى أو الأبرز في المعاشرة الشبقية. في هذا التوحد لايستبعد أن تنتقل بعض الغرائز التي هي تزيد عند الذكر علي ماهي عليه لدي الأنثي الي الزوجة أو تتأثر بها في أعماقها. أو أن يتم التأثير المتبادل عن طريق العشرة الزوجية بفعل غريزة المحاكاة الموجودة لدي كليهما معا أو كنتيجة لعمليات التكيف المستمرة من أجل التوصل الي توافق مرض للطرفين تفرضه المعايشة والحرص علي استمرارها دون عوائق.وعمليات التكيف تتم غالبا علي حساب الغرائز الفطرية سواء بوسائل التسامي أو التحويل أو التعويض أو الكبت أو الإسقاط أو النكوص... . ومنه مايعد صحيا لاغني عنه ومنه مايعد مرضيا ، إن لم يؤذي صاحبه ألحق الأذى بالغير.

قد يكون من المفيد أن غريزة السيطرة عند الرجل مالم يتم ضبطها تتطور الي السادية أي التلذذ بايلام الغير، فاذا كان لايمارس السيطرة علي غير زوجته وأصابته السادية كانت هذه الزوجة هي ضحيته الوحيدة. نفس الشي ء فأن غريزة التملك والتي تتخذ من إظهار الخضوع كأداة لتحقيقها قد تدفع الي المبالغة في الخضوع ذلك الي حد الاصابة بالماشوزستية أي التلذذ بالألم الذى يسببه لها الآخر ولنقل إنه هنا الزوج. بل إن لم يعاملها الزوج بعنف خاصة عندما يشاركها الفراش بحثت خارج نطاق الزوجية عن عاشق يعوضها عماتفتقده عند زوجها.
الرجل أيضا كما هو معرض للإصابة بالسادية يمكن في حالات شاذه أن يصاب بالماشوزيستية ونفس الشىء يمكن للمرأة في حالات شاذة أن تصاب أيضا بالسادية.
السادية الماشوزيستية يندرجان ضمن الشذوذ المرضي والشبقي وعندما يظهر لدي الرجل خضوعا مبالغا فيه وعند المرأة تسلطا مبالغا فيه ومخالفا أو متجاوزا مافطرا عليه يعد ذلك حالات شاذة ليست في صالح الحياة الأسرية واستقرارها وسلامتها وتحقيق الأمن والعدل بداخلها
بل قد يكون ذلك سببا في اضطراب العلاقات بداخلها.
ولكن هناك حالة ثالثة يصعب ادراجها ضمن ماسبق تتمثل في إثارة توترات شديدة عن عمد من أحد الزوجين قبيل المعاشرة الشبقية قد تكون عفوية أول مرة كاحتجاج أو ثورة علي غيابها أو انقطاعها ثم تتكرر دون سبب بعد ذلك. كان أول اكتشاف لي لهذه الحالة في شبابي عندما كانت تجاورني في العمارة التي أسكنها بالقاهرة أسرة صديقة مكونة من زوجين شابين يأتيان الي بالليل للمسامرة أو أزورهمافي شقتهما. ذات مساء سمعت أصواتهما يتشاجران ويتضاربان علي غير العادة فهرعت اليهما. الزوج بادرني بالقول أنظر ماذا فعلت بي هذه المتوحشة وغادر الشقة وصفق الباب خلفه. في الواقع كان كلاهما طويل القامة وقوي البنية وتبادلا الأذي بقدر متساو علي مايبدو. كانت الزوجة مازالت تلهث من الانفعال وانتطرت حتي هدأت. بادرتني بالقول بأن لايجب أن أشعل بالي بهم. عندما أشرت الي أن زوجها قد ترك البيت فوجئت بها تضحك وتقول لي سيعود قبل أن تكتمل عشر دقائق. قلت لك وكيف ستتصرفين معه ؟. أجابتني سأرتدى الثياب والألوان وأتجمل وأتعطر وأسبقه الي الفراش.ظننتها تسخر منى ولكنها استطردت قائلة : وسيلحق بي وإن لم يتحرش بي تحرشت أنا به حتي يكون بيننا مايكون بين الآزواج عادة. تملكني العجب والحياء معا واستأذنتها وعدت الى شقتي ولم تكتمل الدقائق العشر حتي كان قد عاد ولم أسمع أي صوت صادر من شقتهما وفي الليلة التالية جاءا عندى وهما سمن علي عسل.
تصورت أن هذه الحالة فريدة من نوعها ولكن أتيح لي فيما بعد معرفة أنها متكررة وأنها في البداية تحدث عندما ينشغل الزوج عن زوجته مدة طويلة ينقطعان فيها عن ممارسة الشبق فتثور الزوجة عليه ثورة عنيفة تتهمه فيها بالخيانة الزوجية وأنه يقضى وطره مع امرأة أخرى وتطلب منه الطلاق وتسمعه اهانات تهيج أعصابه فيقوم اليها يضربها ليسكتها ولايسمع الجيران اهاناتها له فاذا مالتصقت به باكية لتمنعه من ضربها تطور أمريهما بسرعة الي المضاجعة. يقول أحد الأزواج الذي حكي لي ذلك أنهما حظيا بمتعة غير مسبوقة لم يخبراها من قبل وهما في حالة الغضب تلك مما شجع زوجته التي كانت طوال حياتهما الزوجة مثال المرأة الهادئة الطبع تفتعل أحيانا المشاجرات لآسباب تافهة وصولا الي تلك النتيجة ولايدرك الزوج في بداية الأمر من فرط غضبه التي نجحت في إثارته أن ذلك كان مقصودا.
هذا المسلك الذى عرضته لاأظن أنه مأمون ومحاولة تجربته قد تكون مغامرة محفوفة بالمخاطر تقوض بيت الزوجية اذ لاأحد يستطيع مسبقا أن يحدد نوعية تصرف الغاضب خاصة اذا كان من النوع الهادئ وتحضرني هنا مقولة : " احذر الحليم اذا غضب".
الأسرة في حقيقة أمرها تعيد صهر وتشكيل أفرادها دون وعيهم أو احساسهم بذلك.واذا اعتبرنا المجتمع عائلة جامعة للأسر والأسرة بالتالي أصغر وحدة فيه أو نموذج له ، فإنه داخل الأسرة الصغيرة يتم توجيه القوي الغريزية الي أهداف مشتركة قد تبدو ثنائية وذاتية ولكنها تمتد ، علي نحو ما ، لتأخذ صبغة اجتماعية أوسع نطاقا. وتتحقق تلقائيا داخل الأسرة توازنات تقتضيها توحد الغرائز الفطرية والطبائع المكتسبة الناتج عن توحد الزوجين معا . حب الرجل للمرأة ورغبته فيها يدفعه الي بذل الجهد لإرضائها وإروائها خارج ضغوط غريزة السيطرة حتي يتحول الارضاء الي عادة بقضل التكرار. المرأة في بيت الزوجية تحقق أيضا نوعا من التوازن بين حب التملك الغريزى وحب السيطرة المكتسب ومتطلبات كل منهما في حدود مصلحة الأسرة وعدم الحاق الضرر بها وهو مايكسبها حكمة كبيرة إن نجحت في ذلك.
كل من الزوج والزوجه مطلوب منه أن يعمل كل مافي وسعه لكسب محبة شريك حياته والتقرب منه لتوفير مقومات التعايش معه. مشكلة الكثيرمن النساء أنهن يعتبرن الحياة الزوجية امتدادا للعلاقة الشبقية في الفراش ، وكما تكون المبادرة والفعل غالبا من جانب الرجل ودور المرأة هو الاستقبال والتفاعل معه في الفراش فهن يردن أن يستمر هذا التقسيم الأداتى خارج الفراش أيضا وأن لم يبد الزوج ماتتوقعه منه بكت سوى حظها وقسوة زوجها وضياع حبه. في موقع اخوان أون لاين كتبت الدكتورة هند أحمد عن حالة مماثلة وكيف كان موقفها منها ، فقالت:

قلت لها: "في جلسة هادئة تتجاذبان فيها أطراف الحديث أو تشاهدان التليفزيون أو تناقشان أمرًا أين تجلسان؟" أشارت بملل إلى الأريكة وقالت: "هو يجلس هنا أما أنا فأجلس على المقعد المقابل.

أشرت إلى الأريكة على بعد سنتيمتر واحد من مكانه المفضل وقلت لها: "مكانك يجب أن يكون هنا".

نعم.. يحق لكل زوجة أن تحلم أن يكون زوجها سكن لها.. ولكن ذلك لا يكون أبدًا قبل أن تبدأ هي أولاً فتكون له السكن والملاذ من وحشة الحياة وبرودتها وقسوتها.

وتعالَي نتأمل السطر الأول في نصيحة أم لابنتها عند زواجها، والجدير بالذكر أن الابنة كانت من كبراء قومها وأن زوجها كان أميرًا.. قالت: كوني لزوجك أمة يكن لك عبدًا، واحفظي له عشرًا تكن لك ذخرًا:
الخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة، ولا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والتفقد لوقت طعامه ومنامه، والحفاظ على ماله بحسن التدبير ورعاية أولاده بحسن التقدير، ولا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًّا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمنِي غدره، وإياك والفرح إن كان ترحًا (حزينًا)، وإياك والكآبة إن كان فرحًا.

تعالي نتخيَّل جارية تعامل أميرها- دون ذلٍّ أو هضمٍ لقيمتها العظيمة كزوجة- لكن معنى كلمة أمة بالنسبة لهذه الزوجة هي أن مشاعرها عاشت أسيرةً لدى زوجها، وتعالَي نتخيل لو أن كل زوجة تُعامل زوجها مثلما تعامل هذه الجارية أميرَها لتربَّعت على عرش قلبه ولعاشت ملء صدره ولحفظها في عينيه.

1- تدعو بدعاء زوجها "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا".
2- تُعد له أشهى ما يحب من الطعام قبل أن يصل إلى البيت وتهيِّئ له مكان نومه وهي تشعر بـ"قرصة" جوع حبيبها في معدتها وتعب جسده يصدع رأسها.
3- تتزين وتتجمل وتتعطر وترتدي أبهى ما لديها وقد ارتسمت في مخيّلتها صورة عينَي حبيبها تجتهدان في غض البصر في زمن ضعُفت فيه أعين الأتقياء أمام المغريات والفتن.
4- تستقبله بأرقِّ الكلمات وأعذبِ الابتسامات وهي تمسح غبار وجهه بثغرها وتُزيل تعب كتفيه بكفيها.
5- تشكره وتمدح ذوقه ومهارته في الشِّراء ولا تذم فاكهةً حامضةً اشتراها، بل تتركه بذكائها يكتشف ذلك بنفسه.
6- تحكي له بمرَحٍ مواقفَ وأحداثًا مسلية وتنسى خلاف الأمس وهي تُطعِمه بيدها لقيمات يحبها في فمه وتتجنَّب تمامًا الشكوى والكئيب من الكلام.
7- تغطي جسده المتعب بدثارها الدافئ، وتمسح جبينه، وتتمنَّى له نومًا هادئًا وتمنع ضوضاء الأطفال من الوصول إليه.
8- تُطعمه الحلوى مع الشاي وتُربِّت على كتفه وتمسح كفَّه وهي تواسيه في مشكلة أصابته وتشجِّعه على تحقيق طموحه.
9- تسانده في وقت الشدة بأرقِّ الكلمات وتبشِّره بتفاؤل وقد تردّد صدى صوت أمها خديجة- رضي الله عنها- عندما عاد رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده وهو يخبرها بنزول الوحي عليه، فقالت: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا.. إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ (العاجز)، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر".
10- وهي قانعةٌ بما آتاها، إن أعطاها شكرت، وإن ضاق بهما العيش صبرت، فلا تنظر إلى أختها أو جارتها، ولا ترهق زوجها بأشياء مبالَغ فيها، ولا تُحزن زوجها، ولا تشق عليه ولا تدفعه إلى الحرام.
11- وهي تُشعر زوجها دائمًا بالسعادة والفرح عند وجوده في البيت وتتفرَّغ له وتمدحه دائمًا وتُظهر له كم هي سعيدة بارتباطها به.
12- وهي تجدِّد دائمًا في مظهرها وتبدو أمام عينيه جميلةً في كل وقت وظَرف، وتتخذ النظافة والبساطة شعارًا لها ولأولادها وبيتها، وتهتم بأغراض زوجها فترتبها دائمًا وتنظِّمها وتدلُّه على مكانها.
13- وتتجنَّب فترات الصمت الطويلة بينها وبين زوجها وتتجنَّب شعور الغُربة بينها وبين زوجها، فتصنع أوقاتًا للصفاء في البيت وخارجه، في نزهات لطيفة، يسترجعان فيها أجمل الذكريات ويجدِّدان الودّ.
14- تجدِّد وتتفنَّن في إسعاد زوجها والبحث عمَّا يحبُّ، مظهرًا، وهمسًا، وسلوكًا، وتفعل كل ما يُحبه ويُرضيه خلال العلاقة الخاصة بينهما.
15- وحين يجلسان معًا جلسة صافية ليتسامرا أو يشاهدا التليفزيون أو يناقشا أمرًا.. فإن مكانها دومًا بجانبه على الأريكة ولا يفصل بينهما سنتيمترٌ واحدٌ

مقولة : " ما أفلح قوم ولوا أمورهم إمرأة" الشائعة والمنسوبة الي النبي صلي الله عليها وسلم قد أخرجت عن سياقهاوأمست تقال قي غير موضعها.وهي مقولة لاتتفق مع الفطرة ومع فلسفة الآسرة التي أقول بها ولامع التاريخ الذي لايوجد فيه مايشين حكم المرأة. قد يكون صحيحا القول بأن امرأة بدون رجل أو رجال الي جانبها تقودهم ويساندونها لايمكن لحكمها أن يفلح ، وهو مثل القول يد واحدة لاتصفق ، وهذا يتفق أيضا مع فلسفة الأسرة حيث إمرأة وحيدة لايمكنها بناء أسرة وكذلك رجل وحيد لايمكنه بناء أسرة . ومن ذلك يمكن استنتاج بأن رجلا واحدا أو امرأة واحدة لا يمكن أن يحكم دولة منفردا دون أن يجني عليها ويتسبب في خرابها.الحكم الفردي المستبد سواء علي مستوى الأسرة أو الدولة هو في غير صالح أي منهما. كثير من الآباء تركوا تربية ابنائهم لزوجاتهم أو العكس فما كانت النتيجة الا أن ساءت تربيتهم أو علي الأصح لم تنجح تربية الأم وحدها أو تربية الأب وحده في بناء شخصية الولد أو البنت وكل منهما يحتاج الي تأثير الأب والأم معا في أن واحد عليهما وتكامل هذا التأثير. عندما كنا نسمع العوام يصفون رجلا لايفي بالعهد أو ينطق بالفحش أو لايحسن العمل أو يتهرب من حمل المسؤولية بأن ذلك راجع لأنه : "تربية امرأة" ، اذ تربي في حجر مطلقة أو أرملة ، فانهم في الواقع قد أصابوا الحقيقة. ليس في هذا انتقاص من قدر المرأة وانما تأكيد علي أن كل ماهو مشترك لايقبل الانفراد به أوفيه ، ونفس الشيء لاتفلح تربية الآب وحده لابنائه في غياب أمهم ولذا يعد الأولاد ضحايا الطلاق والاكثر معاناة منه وتعرضا للضرر بسببه.

اذا كانت المرأة بمقدورها تولي شئون الآسرة الصغيرة شبه منفردة وبعون محدود من زوجها فإن ذلك يجعلها مؤهلة لتولي شئون الأسرة الكبيرة – الدولة – بمعونة محدودة من زوجها أو من يقوم بدوره المساعد في ادارة شئون البيت. على هذا النحو نجحت مرجريت تاتشر، الزوجة والأم وابنة البقال فبل زواجها والتي كانت تساعد أبيها في محل البقالة ، في إدارة شئون بريطانيا بعقلية ربة البيت . ومن قبلها نجحت حتشبسوت في صنع مالم يسبقها اليه حاكم مصري أو يصنع مثله أو مايضاهيه حاكم مصرى في التاريخ الفرعوني أو في الزمن الحالي. يمكن التذكير أيضا ببلقيس والزباء وملكات الممالك الاسيوية الاسلامية القديمة وبفيكتوريا أيضا والقائمة طويلة لنساء أمسكن بزمام الحكم فأفلحن ومنهن كثيرات كن يحكمن من خلف الستار. وفلح أقوامهن في ظل حكمهن المباشر وغير المباشر.

التكامل في الغرائز والصفات:
تكامل الرجل والمرأة والذي يتجلى في الزواج وبناء الأسرة يأتي من أنه إذا فضل الله أحدهم في أمر ميزه به فضل سواه عليه في أمر أخر، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالي : " ولاتتمنوا مافضل الله به بعضكم علي بعض ، للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ،وسألوا الله من فضله ، إن الله بكل شيء عليما" ( النساء32). فالايه صريحة هنا بأن هناك مافضل الله فيه الرجال عن النساء وهناك مافضل فيه النساء علي الرجال والفضل هنا يعني الزيادة ومالدي الرجال مماثل في نوعه مالدي النساء ولكن يختلف مفدار كل نوع منه عند هذا وذاك . ولايجب أن يتمنى الرجل أن يكون لديه نفس القدر الذي لدي المرأة أوالمرأة نفس القدر الذى لدي المرأة من شيء ما لأن هذا التفاوت هو الذي يميز الرجل عن المرأة ويميز المرأة عن الرجل تمييز صفات بدنية أو نفسية بدونها لايكون الذكر ذكرا ولا الأنثي أنثى. يكفي مثلا القول بأن الهرمونات الذكرية (التستيرون أبرزها) والهرمونات الأنثوية ( الاستروجين أبرزها) موجودان في جسمي الرجل والمرأة علي السواء ولايكمن الفرق الا في مقدار ماتفرزه الغدد منهما في كل من الذكر والانثى وكمية وجودهما في دم كل منهما.
تجدر الاشارة هنا الي أن الغرائز الفطرية وماينجم عنها من انفعالات وميول ونزعات ومشاعر منبثقة عنها أو ردود فعل منعكسة شرطية أو غير شرطية مرتبطة بها ، بخلاف مايكتسب من هذا كله ن كلها منح ونعم زود بها الخالق الإنسان مثل باقي مخلوقاته للأمن والحماية وحفظ النوع والبقاء . الا أن مازود الانسان به منها له خصائص لاتوجد في غرائز الحيوان منها تحقيق المتعة لذاتهاالي جانب وظيفتها الاصلية والتمكين من التوحد الذي تقوم عليه الأسرة عبر التزاوج بين الرجال والنساء فضلا عن التمكين أيضا من عبادة الخالق بعد أن جعل له صور وسبل العبادة للانسان تشمل كل التحركات والسكنات الصالحة في حياته التي تحقق نفعا ولاينجم عنها أو يرافقها مفاسد. هذه النعم اذن تستوجب الاعتزاز بها وعدم الخجل أو الحرج من امتلاكه لها وتمتعه بها وتقتضي أيضا حمد المنعم وشكره عليها. فالعبادة عبادتان : واحدة محددة علي الفرد أن يقوم بها في مواقيتها وحسب ضوابط سواء كان وحيدا أو في وسط جماعة. وهي تتمثل في الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وعبادة ثانية تخرج الفرد من فردانيته الى رحاب الجماعة أو التعدد حيث لايمكن له أن يؤديها الا بالتوحد مع سواه أو الاندماج في المجموعة بدءا بتكوين أسرة يعترف بشرعيتها المجتمع وانتهاء باندماج أسرته الجديدة ضمن النسيج الاجتماعي للأمة الذي يجعلها مثل الجسد الواحد الذى اذا اشتكي عضو منه تداعي له سائر الأعضاء والسهر أو كزرع أخرج شطئه ليعجب الزراع ويغيظ به الكفار..
الموروثات والمكتسبات:
إن الصفات و الطبائع والجبلات والأمزجة تتحكم في تكوينها عوامل متعددة أشهرها خمس هي :
1. الفطرة : وتتمثل في الغرائز الطبيعية المزود بها الكائنات الحية .
2. الوراثة : وتتمثل في فيما تنقله الجينات الورائية من صفات ظاهرة وكامنة أو متنحية لدي الوالدين والسلالات المنحدرين منها.
3. الاكتساب : ويشمل كل مايكتسبه الفرد من البيئة الطبيعية أو الاجتماعية ومن تأثيرات الخصائص الجغرافية للبيئة الطبيعية من تضاريس ومناخ وظروف عيش وأيضا من البيئة المجتمعية من عادات وتقاليد وثقافة سائدة.
4. فصائل الدم : حيث لوحظ أن أصحاب كل فصيلة منها (A و B A وB وO) لهم طباع متشابهة فمنهم العملي البراجماتي ومنهم الخيالي الحالم الرومانسي...الخ
5. زمن الولادة:اذ يوجد تشابه أيضا في طباع المولودين في برج فلكي معين مثل الجدي أو القوس أوالأسد أو العذراء والجوزاءأو الميزان...الخ. وهو من الأمور التي يصعب تفسيرها وإن أضطر للإقرار بصحة ولو نسبية لها . وهي علي أي حال تشير الي علاقة الانسان بماهو غيبي وميتافيزيقي ويندرج ضمن أسرار الكون.
بينما تتأثرالغرائز و الطباع في قوتها وضعفها بالغذاء والصحة والمرض والضغوط الإجتماعية والنفسية والارهاق الجسدي والنفسي وعمليات التوجيه والتكلييف والتربية والتعليم. ..فتقوى أو تضعف. فقد تقوى أو تضعف غرائز وطباع لدي الأب أو الأم فتنتقل بحالتها المعدلة عبر الجينات الوراثية الي الأبناء.ولوأن ذلك في الصفات(الطول والقصر- لون البشرة والشعر والعينين....الخ) وفي الطباع ، أوضح منه في الغرائز باعتبار أن الموروث والمكتسب فيها أكثر مماهو فطرى وثابت نسبيا في الانتقال عبر الآجيال المتعاقبة. الصفات تخضع لقوانين مندل في الوراثة وتبدو واضحة ولكن الطباع لايمكن ملاحظة انطباق قوانين الوراثة عليها. ويشيع في شأن الوراثة مقولات مثل الولد يخرج مثل خاله والبنت تخرج مثل عمتها وهي مقولات ناتجة عن ملاحظات الناس لايمكن تأكيد صحتها أو نفيها. ومع ذلك فان الموروثات التي لاتخضع لقوانين مندل لايمنع ذلك من أن يكون لها قوانينها الخاصة. من المعقول أن الانفعالات الناشئة عن طباع معينه وكذلك ردود الأفعال النفسية يتسبب عنها تغييرات كيميائية في الدم وهذا من شأنه أن يقتح الباب أمام تغييرات فسيولوجية أيضا بمرور الوقت ويتم توريثها للابناء . والأمراض الوراثية أو الاستعداد الوراثي للاصابة بأمراض محددة في تاريخ العائلة يمكن أن يكون نتيجة ذلك.

إن الطباع المكتسبة في جيل يمكن أن تتحول الى وراثية في الجيل التالي. لذا فان الصفات الوراثية ليست كلها فطرية. والفطري من الموروثات يمكن أن يتأثر من حيث الحدة والضعف والاعتدال بثقافة المجتمع وبالبيئة الطبيعية وبنوعية الغذاء. وسنجد أن أنواع من التغذية لها تأثير بالايجاب والسلب علي الانفعال الشبقي سواء في الاشتهاء أو قضاء الوطر وفي ردود الفعل الناتجة عن تلك الانفعالات مثل الاثارة والتهيج والمتمثلة في الانتصاب واحتقان الخصيتين بالنسبة للرجل وانتصاب حلمتي الثدي والبظر وزيادة الافرازات المهبلية عند المرأة.والخمور مثلا تزيد من الرغبة وتضعف القدرة الجنسية علي نحو ماهو شائع عنها أي تزيد من قوة الإنفعال وتضعف من رد الفعل. وفي المخدرات ماهو محفز وماهو مثبط واذا اعتبرنا الحشيش من المخدرات المحفزة فا ن ادمانه يمكن أن يتسبب في اتلاف الالياف العصبية بالعمود الفقري فلاتصل إشارات المخ الي الجهاز المركزى العصبي وبالتالي يتعذر الانتصاب تماما ويعتبر مصاب بالعنة أن العجز الجنسي حتي يتم معالجته منه . وفي نفس الوقت توجد طائفة كبيرة من أنواع الأغذية والتوابل والأعشاب الطبية التي تلعب دورا مشهودا به في المحافظة علي الكفاءة الشبقية. ولكن سواء وجدت المؤثرات الايجابية أو السلبية عل الغريزة الفطرية فانها تظل في جميع الحالات موجودة بذاتها ولايمكن الاستغناء عنها أو التخلص منها.
ويتوحد كل ماهو فطرى أو وراثي أو مكتسب من غرائز وميول وطباع ومشاعر وقيم وعادات في الفرد مكونا شخصيته.لذا تبدأ عملية التوحيد عند الفرد في ذاته أو في نطاق الأناث ثم تتطور الشخصية وتكتسب سمات جديدة مع توحيدها مع الزوج ، الأنثى مع الذكر ، من خلال الزواج وبناء الأسرة. ويتواصل تطوير الشخصية من خلال عمليات التوحد المتوالية مع الدوائر المجتمعية المحيطة الأوسع ، الاقرب منهاثم البعيد فالابعد , والأصغر فالأكبر. ويمثل الفعل الغريزى نفسه صورة مثالية للوحدة إذ تتوحد جميع أجهزة الجسم لانجازه واتمامه. والتوحد مع الأخر والذي هو الزوجة بالنسبة للزوج والزوج بالنسبة للزوجة يعتبر في حد ذاته غريزة مستقلة عن الغريزة الشبقية بحيث يمكن أن يتم في حياة زوجية خالية من الشبق ، والدليل علي صحة ذلك : زواج رجال عجائز فقدوا الاهتمام بالشبق مع نساء قواعد لايرجون نكاحا من المسنات وكثيرا ماتنشر الصحف أخبارا من هذا القبيل.
( أرجو أن يلاحظ القارئ بأنني استعمل لفظ التوحد هنا بمعني توحيد من هم أكثرمن واحد في واحد .وهو طبعا توحد أو توحيد مجازي. علما بأنه يوجد في علم النفس مرض أطلق عليه في العربية لفظ التوحد يصيب الأطفال والكبار فيجعلهم يميلون الي العزلة والانفراد بأنفسهم بعيدا عن الآخرين)
والحقيقة أن أعضاء الجسم كله تشارك في حالتي الانفعال الغريزى والفعل الغريزى معا. نأخذ على سبيل المثال غريزة الخوف وتفادى الخطر المرتبط بها.سنجد أن الإنسان اذا ما واجه خطرا لاقبل له به تعرق وجهه وانحبس صوته واصفر لونه وجف حلقه وارتجفت أطرافه انفعالا بالخوف.ويكون رد فعله الطبيعي في غمرة هذا الإنفعال هو الهرب الفورى من الخطر . فإن سدت أمامه المسالك ولم يجد منفذا للهرب والانفلات من قبضته أصيب بشلل مؤقت يعوقه عن الحركة وانقباض في الشرايين يزيد من صفرةوجهه وقد يصاب بسكتة قلبية وقد يشيب شعره في لحظتها حتي لوكان مازال طفلاصغيرا . ولذا فان الجسم كله ككيان موحد يشارك في الفعل والانفعال الغريزى أيا كان نوعه.وفي نفس المثال السابق سنجد أن الخائف يزداد سرعة في الجرى عند الهرب لايصل اليها في الظروف العادية ولكن هذه السرعة التى تتجاوز ذروة مايحتمله الجسم قد تفضي فجأة الي انهيار كامل قد يتسبب عنه توقف القلب عن النبض. الغريزة في حالتها الطبيعية المتسمة بالاعتدال فطر الله الانسان عليها لمنفعته وحمايته ، فغريزة الخوف مثلا تدفع الانسان الي الدقة والحرص واليقظة الحسية مما يجعلها ذات أهمية كبيرة له ولا غنى له عنها. الاأن غريزة الخوف مثل كل الغرائز تخضع لقانون : " مازاد عن حده انقلب الي ضده" فاذا زاد الخوف عن حده تحول الي مرض نفسى أي الي "فوبيا".لذا فإن الافراط في الاستحابة للغريزة والانفعال بها يعد ضارا وخطرا. اذ قد يتحول الخوف الغريزى في حالةالاحساس المفرط او المتطرف الي جبن وتهرب من تحمل المسؤولية ويفسد الحياة الاجتماعية للخائف بأكملها وحالات الصرع التي يعزونها الي مس الجن هي في أغلب حالاتها حالات خوف مفاجئة دواعيها حقيقية أو متوهمة يلجأ فيها المريض الي الهروب من مواجهتها في الصرع ، أي هو مرض عصبي ونفسي محض لاعلاقة له بالجن وانما لهعلاقة بمظالم الانس وتجبرهم. والدليل علي ذلك هوأنه في معظم تلك الحالات لو انتقل المريض من البيئة التي تواتيه فيها حالات الصرع الي بيئة يشعر فيها بالامان، حتى لولم يتلق أية علاجات ، فإن نوبات الصرع تتوقف تدريجيا عن الحدوث. وقد لاحظت ذلك بنفسي في حالة فتاة لم تعد تأتيها تلك النوبات بعد أن انتقلت من بيت أسرتها التي كان أقرادها يسيئون معاملتها وتخاف أذاهم الى بيت زوجها.
بل وقد لايكون الخوف فيها من الغير وانما يخاف المريض من نفسه بعد أن يتخيل أنه إذا مااستسلم للغضب الذى تسببه له زوجته مثلا، سوف يقتلها ويقضي باقي حياته في السجن. وهروبا من ذلك الفعل والمصير، وبمجرد احساسه بأنه قد يغضب تواتيه نوبة الصرع . وقد يعلمنا هذا أهمية أن يشعر الزوج أو الزوجة بالأمان المطلق في بيت الزوجية.

مقاصدالأسرة ومقاصد الشريعة:
الاصوليون متفقون منذ الشاطبي أن مقاصد الشريعة خمس هي: حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل وإن كنت أقترح أن يزاد عليها حفظ الآمانة والاحسان والعدل والتراحم والكرامة الانسانية ووحدة الأمةوالإمامة.. سأبدأ أولا بالمقاصد المتفق عليها ثم أضيف المقاصد التي أقترحها لكي أثبت أن مقاصد الأسرة هي بذاتها مقاصد الشريعة أو تحققهاا بكاملها أويجب أن تكون كذلك . واذا كانت الشريعة والاسرة لهما نفس المقاصد فان هذا يكفي للدلالة على ضرورة دمجهما معا وعدم امكانية الفصل بينهما. واذا ما أخذنا بفلسفة الاسرة في جانبها السياسي واعتبرنا بالتالي الدولة أسرة كبيرة لوجدنا أن حاجة الدولة للشريعة أكبر من حاجة الشريعة للدولة ، بل ربما لاتحتاج الشريعة للدولة كبيرة أو صغيرة. ولأهمية موضوع وحدة المقاصد لدى الشريعة والأسرة سأفرد له بحثا مستقلا إن شاء الله تعالي.


فوزي منصور
e-mail:fawzym2@gmail.com







إقامة أسرة وعلاقة زوجية علي أسس متينة-الأسرة والحياة الزوجية

الاسرة والحياة الزوجية:


إقامة أسرة وعلاقة زوجية علي أسس متينة


عقد الزواج أو 1+1=1
تبدأ العلاقة الزوجية بعقد زواج يحول اثنين الي واحد ، أي ذكر وأنثي الي أسرة واحدة. وهو عقد ليس بعقد مشاركة أو معاوضة يتقاسمان أو يتبادلان بموجبه المصالح والمغانم . وهو أيضا ليس بعقد اذعان يخضع أحدهما للاخر الذي يملي عليه شروطه. بل إنه في صيغته الاسلامية ليس عقدا مبرما بينهما هما طرفاه وانما هو عقد مبرم بينهما وبين الله سبحانه وتعالي يمثلان فيه معا متضامنين ومتكافلين أحد طرفيه ويمثل الله الطرف الثاني الذي يتم الاقرار في العقد أن الزواج تم علي اسمه ووفق أحكام كتابه وسنة رسوله وأن الزوجين بموجب العقد لحكم الله يذعنان واليه ينيبان. ولذا سمي بالرباط المقدس وسماه الله في كتابه بالميثاق الغليظ . قال تعالي : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلاتأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الى بعض وأخذا منكم ميثاقا غليظا (النساء21). والأصل في الزواج الذي عقد علي اسم الله وعلي كتابه أنه لايحق للزوجين أو لأحدهما فسخ العقد علي أساس أن ماأبرمه الخالق لاينقضه المخلوق الاأن رحمة الله التي وسعت كل شيء وحتي لايكون في الدين عنت علي المؤمنين جعلت الله لايلزم عباده بميثاق قد يتعذر عليه في حالة استمرار نفاذه اقامة جدود الله فأحل الطلاق للضرورة الملحة التي تجعل من الزواج مصدر شقاء وتعاسة لكل من الزوجين عوض أن يكون مصدر سعادةوهناء وأمن وسلام وسكينة ويفقد الزواج أهم خصائصه المتمثلة في المودة والرحمة. أو أن يكون في بقاء العلاقة الزوجية ضرر بين لأحدهما أو لكليهما حيث لاضرر ولاضرار في الدين.فالله لايشرع الشرائع لاتعاس الناس وانما لإصلاح أحوالهم مصداقا لقوله تعالي : " طاها ماأنزلنا عليك القرآن لتشقي ، الاتذكرة لمن يخشي".
أود أن أنبه هنا الي أن الزواج معروف منذ القدم وشروط صلاحيته كعقد بين رجل وامرأة من ايجاب وقبول وصداق وشهود علي العقد واشهارله هي نفس الشروط لدى جميع شعوب الارض تقريبا وان اختلفت أديانهم أو الطقوس المصاحبة لاتمام الزواج . وعقد الزواج المكتمل الشروط السابقة هو عقد منتج لاثاره بالنسبة لطرفيه حتي لولم يذكر فيه اسم الله وحتي لوكان بين مسلمة ومشرك الا أن المؤمنه محرم عليها أن تمكن منها مشرك يطأها حتي يؤمن فان آمن بالله وبوحدانيته حلت له علي الفور ودون عقد جديد. واذا لم يذكر في العقد أن الزواج لمسلم ومسلمة تم علي كتاب الله وسنة رسوله فان ذلك لايمنع خضوع الزوجين المسلمين لاحكام الزواج في كتاب الله طالما ظلا علي اسلامهما ولكنهما اذا كانا يعيشان في ظل حكم غير اسلامي لايكون بوسع احدهما المطالبة بحق في كتاب الله والذي لم يرد في العقد بأن الزواج يخضع له وانما يكون لكل منهما الحقوق المقررة في عرف المجتمع وقوانين الدولة الوضعية. في احدي الدول العربية المسلمة يكلف كاتبان معتمدان من السلطة القضائية بعقد وتوثيق الزواج وقد حضرت زواجا اكتفي به الكاتبان بالحصول علي توقيع الزوجين وشاهدين علي دفتر معهما واعتبرا أن ذلك يكفي لعقد الزواج باعتبار أن توقيع العروسين يعد بمثابة اقرار ضمني بالموافقة علي الزواج وعلي اتمام الايجاب والقبول . أنا لاأشكك في صحة الزواج علي هذا النحو المعيب والغير مسبوق في تاريخ المجتمعات الاسلامية والذي لايوجد مثيل له حتي لدي المجتمعات الوثنية ولكنه لايمكن أن يكون زواجا دينيا .والغريب أن هذا الزوا ج الذي لايختلف في أي شيئ عن الزواج المدني في أوروبا تعتبره سلطات تلك الدولة زواجا شرعيا أما الزواج الذي انعقد في دولة أوربية فلا تعتبره شرعيا ولاتعترف به. وقد يكون موقف تلك الدولة يجد مبررا ولو ضعيفا لوكان عقد الزواج الصادر(هو في الواقع لايأخذ صورة عقد وانما اشهاد من الكاتبين بوقوع الزواج) قد ذكر فيه بأن الزواج تم علي كتاب الله وسنة رسوله كما كان معتادا لديها من قبل وانما هذه العبارة لم تعد مذكورة في الوثائق الجديدة التي اطلعت عليها . وحدث ذلك متزامنا بقانون جديد ينظم العلاقات الزوجية تم اصداره بضغط من المنظمات النسائية المحلية المساندة من قبل التجمعات العلمانية في الداخل والهيئات الدولية في الخارج. فاذا كان هذا التحول قد تم بتعليمات من وزير جاهل ظن أنه بذلك يكون قد تخلص من الشريعة الاسلامية وأبعدها عن أخر مجال تحصنت به فان ذلك يدلنا علي نوعية من يحكمونا ولماذا تزداد مجتمعاتنا تخلفا وفقرا وتفككا واضطرابا ويصعب حل مشاكلها التي تتفاقم وتزداد تعقيدا.

عقد الزواج اذن ليس عقد تملك أو عقد نكاح كما يطلق عليه في بعض الدول الاسلامية لاهدف له سوى احلال تمتع الرجل بالمرأة وهو أيضا ليس عقد معاوضة تقدم فيه المرأة بضعتها مقابل الانفاق عليها كما ذهب الي ذلك الفقهاء ولاعقد اذعان من المرأة للرجل وانما هو عقد كما سبق ايضاحه يذعن فيه الزوجان لحكم الله وماقضي به الله ورسوله ، والمبادئ العامة التي تحكم ذلك العقد هي الوحدة والمودة والرحمة وبالتالي لامجال للحديث عن الحقوق والواجبات المتبادلة في اطار علاقة زوجية تسودها تلك المبادئ العامة وانما عن واجباتهما وسلوكياتهما في طل تلك المبادئ والتي تدخل في عداد الاحسان الذي يحاسبهما الله عليه : الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها.
إن توحيد الاثنين ، الزوج والزوجة ، في واحد – وإن مجازا- هو عودة بهما الي الأصل أو النشأة الأولى. قال تعالي : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" وقال : " أيحسب الانسان أن يترك سدى، الم يكن نطفة يمنى ، ثم كان علقة فسوى ، فجعل منه الزوجين : الذكر والأنثى".
الأسرة اذن تتكون من اتحاد رجل بالغ بامرأة بالغة اتحادا نفسيا وبيولوجيا واجتماعيا كاملا . وكما تتحد دولتان في وحدة اندماجية فتفقد كل منهما هويتها وسيادتها وحدودها وعلمها ونشيدها وعملتها النقدية وكل مايميزها عن غيرها لحساب هوية وسيادة وعلم ونشيد جديد وخصائص جديدةناتجة عن الوحدة الاندماجية فهذا عين مايجب أن يحدث في حالة اتحاد رجل وامرأة لتكوين أسرة واحدة تتكون منهما معا. وفي الطبيعة لاتتكون الثمار الا بعد أن تتحد الذكورة مع الأنوثة أي 1+1=1 وليس 2 أيضا.
يقول جان جاك روسو في كتابه العقد الإجتماعي بأن التعاقد الاجتماعي يتطلب أن يتنازل كل فرد مشارك في الجماعة عن جميع حقوقه كاملة للجماعة ، وأنه عندما يهب كل واحد نفسه للجماعة فإنه لايهب نفسه لأحد ، وطالما كل مشارك في الجماعة نحصل منه على نفس الحق الذى تنازلنا نحن بدورنا عنه فاننا –كجماعة – نكسب مايعادل كل مافقدناه . وأكثر من ذلك ، نكسب قوة للمحافظة على مالدينا.
إن كلمات جان جاك روسو تلك تنطبق أكثر ماتنطبق على عقد الزواج ومايترتب عليه وهو عقد حقيقي ثابت وليس عقدا متوهما أو مفترضا مثل العقد الاجتماعي. في الزواج لايجب الحديث عن حق الزوجة على الزوج وحق الزوج على زوجته وانما على حقوقهما معا كأسرة وجمع تتلاشى فيه الفردانية بعد أن تم فيه توحيد فردين في واحد.

الأسرة في الفكر التوحيدي عبارة عن شخصية مستقلة اعتبارية مندمجة في كيان يضم أسر عديدة مثلها وتتكون شخصيته الجماعية من حاصل جمع الأسر وليس الآفراد . ويستمد الأفراد حقوقهم من واقع الانتماء للآسر وليس بصفاتهم الشخصية. بمعني لايتم الإقرار في الفكر التوحيدى بالفردانية أو يتم الفصل بين الذكور والاناث وهما عنصري جنس انساني واحد وينتمي كل ذكر وأنثي حكما وضرورة الي أسرة ما ، سواء كانت أسرة كوناها بالزواج أو أسرة نشئا فيها كونها والداهما من قبل. وعلي سبيل المثال اذا كان أحد المؤشرات الاقتصادية في الفكر الاقتصادي الغربي المؤسس على الفردانية هو نصيب الفرد في الناتج القومي الخام للدولة فإنه في الفكر التوحيدي القائم علي فلسفة الأسرة فإن المؤشر يجب أن يكون نصيب الأسرة وليس الفرد في الناتج القومي .



الخطوبة الممهدة لبناء الأسرة:
الوحدةبين الذكر والأنثي تتم وتأخذ وضعها القانوني والشرعي والاجتماعي بعد ابرام عقد الزواج واقامة الزوجين تحت سقف بيت معا الا أن التحضير والاعداد لاتمام تلك الوحدة سابق في الكتاب على عقد الزواج.يتبين ذلك من قوله تعالي : ّ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكما مودة ورحمة "( الروم21) وقوله تعالي : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل72) . بل نجد أن الأسرة الطيبة الصالحة لاتحتفظ بكيانها في الدنيا فقط وانما يمتد كيانها ويستمر في الأخرة أيضا مصداقا لقوله تعالي : " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " (الرعد23). ولايحرم من هذا الحق سوى سوي من خرج على حدود الأسرة الصالحة وحق عليه الطرد منها ككيان و من مفهومها بما يحمله من معنى خاص ، كما قال الله تعالي لنوح فى شأن ولده الذى عصاه وأبي أن يركب معه السفينة لينجو وقال سآوي الي جبل يعصمني رغم تنبيه والده له من أنه لاعاصم اليوم من أمر الله ، قال الله في شأنه : " إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح"(هود46). وورد في أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزوجة الصالحة للرجل الصالح في الدنيا تظل زوجته في الآخرةوتعيش معه في الجنة.
واذا كانت المرأة تريد زوجا لها في الدنيا والآخرة فإن عليها أن تحسن اختياره لتضمن أن يكون من أهل الجنة وأن يرافقها فيها إن أكرمهم الله بها ونفس الشيء بالنسبة للرجل المقدم على اختيار زوجة له وجب عليه أن يحسن الاختيار.
اذا تم الزواج بين رجل وامرأة غير متوافقان في طباعهما وصفاتهما وغير متآلفة نفوسهما تحت ضغط ظرف ما أو لسبب ما قد يكون الرعونة والاندفاع الطيش أو تأثير الغير أو السحر أو الطمع أو الكيد أوبلوغ هدف ما من الزواج يتم التخلص من الزوجية بعد الحصول عليه أو غير ذلك مما لايكون فيه تبصر وحكمة وأناة ، ولم تتوفر في عقده بسبب ذلك أو بالاضافة اليه النية الحسنة من الطرفين أو من أحدهما فإن مثل هذا الزواج مآله الي الفشل حتما. ويصعب أن تتوفر فيه المودة والرحمة أو التوافق النفسي أو الجسدي. فإذا انتهي الي النتيجة المحتومة وهي الطلاق ، وانفك عقد الأسرة واسترد كل من الزوجين فرديته المطلقةلحين معاودة الزواج مرة أخرى فسيظلان موصومان بأنهما ارتكبا أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق وجلبا بالتالي غضب الله عليهما لذلك .غضب علي الذى لم يحسن الاختيار في البداية وغضب أشد عمن تسبب في أن تصل الأمور الى الطلاق بينهما.ولتفادي ذلك وجب أن يحسن المقدم علي الزواج اختيار شريكه فيه. ولكي يتمكن كل من المقبلين على الزواج من اختيار شريكها اختيارا حسنا مأمونة عواقبه باذن الله لضمان دوام العشرة واستقرار أسرتهما وتحقق السعادة الزوجية بالمحبة والسكن والأمان والمتعة فانه يجب أن تتوفر لديهما حرية الارادة والتصرف والاختيار دون أدني تأثير أو ضغوط خارجية عليهم ودون التدخل في شأنيهما من أحد الا لتنبيهما لما قد يكونا قد غفلا عنه أو لاعلام أحدهما بمايجهله عن الأخر حتي تكتمل لديه صورة حقيقية عنه.
لقد اهتم الاسلام بحق اختيار الزوج وأرشد الى صفات إن توفرت في الزوج ذكرا كان أو أنثي كان الزواج منه مأمونا ولو في الحد الأدنى . وقد طالب الاسلام الايتزوج الرجل بغير المؤمنة العفيفة والاتتزوج المرأة بغير الرجل المؤمن العفيف . فإن قصر مال الزوج عن الزواج ممن تطلب مهرا فوق استطاعته وجب عليه الزواج ممن تقنع بصداق أقل ولوكانت أقل مكانة اجتماعيا مادامت مؤمنة أحصنت فرجها . وفي ذلك يقول المولى عز وجل : " ومن لم يستطع منكم طولا(أي سعة في المال )ا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض (أي الله أعلم بايمان كل منكما فلإن دلستما على أنفسكم وتركتم المؤمنة فالله أعلم بايمانكم ويحاسبكم عليه ولايمكنكم خداعه والتدليس عليه) فأنكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن (أي مهورهن) بالمعروف " (النساء25). وقال تعالي ناهيا وأمرا في نفس الوقت : " ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولوأعجبتكم ، ولاتنكحوا(الخطاب هنا للنساء) المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم" (البقرة 221) .وقال صلي الله عليه وسلم : " اياكم وخضراء الدمن " ، قيل له وماخضراء الدمن؟ ، قال: " المرأة الحسناء في المنبت السوء" . ولقد شاهدت نبتة "الداتورة" المخدرة السامة في ارض سبخة لاينبت فيها زرع وأوراقها وساقها خضراء لامعة وزهراتها يانعة رائعة تسر الناظرين وفيها يتركز سمها القاتل ، فعلمت أن هذه ومثلها هي مايعنيه الرسول بخضراء الدمن وشبه بها المرأة الحسناء ذات المنبت السوء، وأن الله علمه مالم يكن له ولا لقومه علم به. ولابد أن هذه الحسناء ذات المنبت السوء هي أيضا عشرتها سامة وقاتلة . وما ينطبق على الأنثي ينطبق أيضا على الرجل الوسيم أو القوى البنية والمفتول العضلات الذي يلفت الأنظار اليه وهو من منبت السوء. وشبيه بذلك قوله صلي الله عليه وسلم : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " مشيرا بذلك الى تأثير العوامل الوراثية على سلامة النسل وجودته .ويعتبر لذلك الاختيار الحسن للزوج أو الزوجة هو احسان للنفس باهداء مايسعدها اليها وابعاد عنها من قد يكون سببا في شقوتها واحسانا لمن تم اختياره وتفضيله تقدريرا لمحاسنه واحسانا للنسل أيضا عندما تتزوج الحسنة بالحسن فلاينجبان الا ماهو حسن مثلهما ، إن شاء الله تعالى.

علي المؤمن والمؤمنة طالما أنهما يطمحان في أن يتوفقا في الزواج على كتاب الله وسنة رسوله فان عليهما أن يتبعان ماأمر به الله ورسوله في اختيار الأزواج الملائمين لهم. ولقد حرم الله الزواج من المشرك والمشركة والزاني والزانية. قال تعالي : " والزاني لاينكح الازانية أو مشركة والزانية لاينكحها الا زان أو مشرك، وحرم ذلك علي المؤمنين." (النور 3) والمقصود بالزاني والزانية هنا من اشتهرا بمقارفة الزنا وأنهما لايكفان عنه ، أما من أخطأ وستر الله عليه خطيئته وتاب من قريب فان" الله يغفر الذنوب جميعا الا أن يشرك به" ولاتنطبق عليه أو عليها هذه الآية ماداما يريدان من الزواج احصانا يمنع من السقوط مرة أخرى في براثن الرذيلة.
ولأن الله سبحانه وتعالي يعلم أن الزواج يتم غالبا نتيجة الاعجاب المتبادل إن لم نقل الغرام والعشق المتبادل ، فان هذا الإعجاب أو الغرام يجب ألايمنع طاعة الله أو يحل ماحرمه ، واذا كان الاسلام قد أحل الزواج من الكتابية فلأنه كان في زمن بعثة الرسول من أهل الكتاب من هم يعدون موحدون خاصة في اليمن والحبشة ومصر وفلسطين من النصارى . وقد أخبرنا الله في كتابه بأن أهل الكتاب ليسوا أمة واحدة موحدة وانما فيهم أمم مؤمنة وأخرى مشركة وأمم من المؤمنة قانته وأخرى مقتصدة . واذ حرم الله الزواج من المشركين فسواء كان المشرك من أهل الكتاب أو من غيرهم . بل قد يعد أناسا في المجتمع المسلم من المسلمين وهم الي أهل الشرك أقرب فهؤلاء ايضا يحرم التزاوج معهم مالم يكن ايمانهم وتوحيدهم صريحا وبينا لايشوبه لبس ولا شبهة. فمن أهل الاسلام اليوم أمم مؤمنة وأخرى مشركة ومن المِؤمنين فيهم من هو قانت ومن هو مقتصد. بل في داخل الاسرة الواحدة من مجتمع المسلمين يمكن أن نجد هذه التشكيلة من الناس. والأمة هي التي تتبع اماما فمنهم من إمامه الرسول ومنهم من إمامه فقيه في الدين ومنهم من إمامه شيطان رجيم من شياطين الجن أو الإنس هو له من التابعين.
من يبادر بابداء الرغبة في الزواج:
اذا كنا نقول بأن الزواج يتم بموجب ايجاب –أى عرض- من المرأة وقبول من الرجل فعلينا أن نلاحظ أن العرض سابقا هنا علي القبول. وهو مايفترض أن يستخلص منه حق الفتاة في أن تخطب لنفسها من ترتضاه زوجا لها ، وواجب الأب التقي الذي يرعي الله في ابنته أن لايجد حرجا في أن يسعى لتزويجها ممن يرتضيه لها ، والاينتظر أي منهما أي يدق الخطاب علي بابهما. لايعني هذا أن تذهب الفتاة أو أن يذهب أبوها الي دار الفتى لخطبته ، وانما يعني التعبير عن معني العرض للشاب علي نحو ما ولو تلميحا. أعرف أن ماأدعو اليه هنا يعد مخالفا للأعراف السائدة ولكنه يكفيه شرفا أنه يتفق مع مقاصد الشريعة في حفظ الكرامة والعرض ويتفق مع أسس العقيدة ولايخالفها. وله في تراث الاسلام سند. وكم من فتى صالح أعجب بفتاة وهو ند لها وكانت راغبة فيه وتردد في التقدم الي خطبتها خوفا من أن ترفضه أو خشية أن يعجز عن الوفاء بمتطلبات أسرتها أو هكذا توهم أو ظن أنها منشغلة عنه بسواه بعد لاحظ اهتمامها به ، وقد يكون من رآه معها من محارمها، وامتنعت هي عن تحفيزه أو مفاتحته بشكل مباشر أو غير مباشر بدعوي الكرامة أو أن الخطوة الأولي يجب أن تأتي منه ثم تكون نتيجة التردد من الطرفين أن يقبل كل منهما ا لزواج بمن لايصلح له فيعانيان بسبب ذلك وينتهي زواج كل منهما الي فشل كان من الممكن تفاديه لوكان لديه الجرأة لكي يعبر عما في نفسه.

كانت السيدة خديجة بنت خويلد من أشراف قومها وذات مال فلم يمنعها ذلك من أن ترسل صديقتها نفيسة لتعرض الزواج علي من يتاجر لها وتم الزواج وأكرم الله زوجها بالنبوة والرسالة.وان قيل كان هذا قبل الاسلام فإن الإسلام لم يمنعه . بل لوكان يتم قبل الاسلام في السر فقد تم بعد الاسلام في الجهر وكم من امرأة جاءت للرسول في المسجد تقول له علنا بأنها وهبت نفسها له وهي تعلم أنه لم يعد بمقدوره الزواج بأي امرأة فوق مالديه من زوجات ولكنها بكلمتها تلك تطلب من النبي أن يزوجها لم يرضاه لها وترتضيه لنفسها.فيقوم بتزويجها لأحد المسلمين بموافقتها. وما استنكر أحد هذا التصرف منهن بل أكبرنه .واذا قيل كان هذا مجتمع بدوي غير متحضر حتي نقلد أصحابه فأ ليس أصحابه هؤلاء هم بذاتهم صحابة الرسول والسلف الصالح الذي تطالبون بتقليدهم والاخذ عنهم حتي في شكليات لانفع فيها ولاضرر من تركها؟.أنا لاأطلب من الفتاة أن تكون علي هذا القدر من الشجاعة ، وليتها تمتلكها، ولكن يمكنها أن تتصرف علي النحو الذي تصرفت به السيدة خديجه فتعرض عليه الزواج عن طريقة صديقة لها ولو أن ذلك لن يمنع الصديقة إن لم تكن وفية أو متزوجه أن تخطبه لنفسها.

أما خطبة الرجل لابنته فالتراث ينقل الينا الكثير من تصرفات لعلماء من الزمن الاول وأناس صالحين في هذا الشأن . ولنا في ماروي عن الفاروق عمربن الخطاب رضي الله عنه مثلا عندما أكملت ابنته حفصة عدتها فذهب يعرضها علي صديقيه أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان فلما يجيباه بقبول أو رفض مما أغضبه، وذهب يشكوهما للرسول عليه الصلاة والسلام فتزوجها الرسول مرضاة لله ولعمر أو لرغبة فيها والله أعلم .

ونجد في القرآن الكريم أن نبي الله شعيب قد عرض علي موسي الزواج من احدى ابنتيه بعد أن أنس منها الاعجاب به عندما طلبت من أبيها أن يستأجره وحفزته على ذلك بقولها : إن خير من استأجرت القوي الأمين ، فكان أن زوجها من القومىت الأمين.
ونجد في التراث أن سعيد بن المسيب رفض أن يزوج ابنته للخليفة الوليد بن عبدالملك بن مروان وكانت من أجمل النساء وأحفظهن للكتاب والسنة وعرضها علي أحد المترددين علي حلقة علمه ممن لمس فيه التقوى والصلاح وإن لم يكن ميسور الحال وماأن قبل بها فرحا حتي عقد له عليها وحملها اليه في مساء نفس اليوم.
وبصرف النظر عماجرى به العرف أو ورد في كتب الفقه أو في قوانين الأحوال الشخصية فأنه لايوجد في شرع الله مايمنع المرأة من أن تخطب لنفسها أو يخطب لها وليها من ترضى به زوجا ولايوجد فيه مايمنع أن تزوج فيه البالغة الرشيدة نفسها من تشاء سواء كانت بكرا لم يسبق لها الزواج أو ثيبا وانما من الأدب الاتفعل البكر ذلك الا بإذن وليها ، وهذا التأدب مكرمة وليس شرطا. ولها هذا الحق إن كان قد سبق لها الزواج حتى لوكانت مازالت قاصرة. أما اذا كانت قاصرة ولم يسبق لها الزواج فليس من حقها أن تزوج نفسها لمن شاءت دون موافقة وليها لأنها لاتملك أهلية التصرف لافي النفس ولافي المال ، وفي ذات الوقت لايحق لوليها أن يزوجها بمن لاترضاه لنفسها. وإن عقد لها كان ذلك خروجا عن حدود الولاية والتقوى وحق ابطال العقد حتى لاتجبر على البقاء على ذمة رجل تبغضه.
والرأي أيضا أن تتزين الفتاة وتتجمل بالملابس والحلي والكحل وتصفيف الشعر.. والخضاب طلبا للخطاب.واذكاء للطلب عليها دون مبالغة أو ابتذال أو خروج عن مقتضيات الحشمة والاعتدال. وأن ترجو بذلك فضلا من الله ورضوانا ولاتتبع خطوات الشيطان . قال تعالي: " إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله عدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "(البقرة268).
والا تهمل ذلك بدعوى التقوى فان التقوى الحقة هي التي تدعوها لأن تظهر في أحسن صورة ممكنة. وعندما تتزوج ، عندها لاتبدي زينتها الا لزوجها. وجاء فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " أما والله لو كان أسامة جارية حليتها وزينتها حتى انفقها" أى حتي تروق لاعين الخطاب فيقبلون عليها وتتزوج. وقد زوج رسول الله أسامة فاظمة بنت قيس ولما يبلغ السادسة عشرة من عمره ، وهو مايلفت النظر الي التبكير في الزواج لرفع العنت عن الأولاد والبنات. واذا كان يحول دون ذلك مايقال عن ظروف العصر ومايسوده من بطالة وغلاء والحاجة للحد من النسل وطول مدة التعليم....الخ فان كل هذه الظروف نتيجة للسياسات الحكومية الخاطئة والعقيمة والخضوع المذل للتعليمات الآجنبية والتقليد الأعمى للغرب في أسوء مالديه واغفال أحسن مالديه.. وأقل ماتوصف به هذه النتائج التى صنعت بجهل ونزق أو عن قساد وعمد هي أنها منافية للفطرة والطبيعة وجوهر الدين ومقاصده ومتطلبات الدنيا وماأخذ الله علي الدر من بني أدم من مواثيق بعد أن جعلهم من الأنبياء والمرسلين وأخذوا بدورهم بيع وعهود علي أتباعهم لحفظ تلك المواثيق والتي هي بذاتها الامانة التني عرضها الله على السموات والارض والجبال فأشفقن منها وحملها الانسان.. وقد أنذرنا المولي بذلك في قوله ::"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ماأمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، أولئك هم الخاسرون"(البقرة27). واذا بقيت السلطة في يد منفذى تلك السياسات فلن تتحسن تلك الاوضاع وانما ستزداد سوءا وتدهورا بمرور الوقت وهذا ماتثبته بالفعل الابحاث الجامعية والتقارير الدولية. لن يتغير شىء مالم يتم تغيير أصحاب الهمة الفاترة والعزيمة الخائرة والنفوس التي في غيها سادرة بمن هم أقدر علي حمل الأمانة والمسؤولية.

قد يكون من المفيد هنا ذكر عادات وتقاليد قبيلة الطوارق المنتشرة علي الحدود المشتركة لكل من الجزائر والنيجر ومالي . فهذه القبيلة ما أن تبلغ الفتاة عندهم حتي يقيمون حفلا يتم فيه دعوة شباب القبيلة الأعزب اليه يسمونه حفل التندي والغرض منه الاعلان أن البنت لم تعد طفلة وانما أضحت صالحة للزواج. ينزل الشباب الذين لديهم رغبة فيها الي حلبة الرقص فان فضلت البنت أحدهم أابانت عن موافقتها عليه بالنزول والرقص معه فينسحب الباقي ويتم اعلان الخطوبة وتستمر الخطوبة عاما كاملا يري فيهما كلاهما الاخر كل يوم فان توافقا أتم الزواج والا عادت الفتاة وأقام لها أهلها حفل تندي اخر. نفس الشيء يحدث للمرأة التي استوفت عدتها بعد أن طلقت أو ترملت فتقيم هي أيضا حفلا للتندي للاعلان عن انتهاي موانع زواجها ورغبتها في الحصول علي زوج جديد . هذا التقليد أتمني أن يتم الأخذ به في جميع المجتمعات الاسلامية.

وكما لايجوز للمسلم أن يخطب علي خطبة أخيه المسلم حتي يدع فلايجوز للفتاة المسلمة أن تفاتح شاب فى أمر الزواح بها وهي تعرف أنه خاطب لغيرها حتي يدع. ولما كانت فترة الخطوبة طال أم قصر أمدها يظل الغرض منها الاعداد للزواج ولكي يتأكد كل من المقبلين علي الزواج بصلاحية الطرف الأخر له، وتوافقه معه نفسا وخلقا وطباعا وفكرا وعادات ، فانه يجب ازالة أي قيود تحول دون تحقيق فترة الخطوبة أهدافها كاملة والاكتفاء بأن يوجه أهل كل من العروسين أولادهما الالتزام بالفضيلة وبما لايمس بالشرف أويعد خروجا علي حدود الدين ومن أساء منهما بعد ذلك فلنفسه و"كل نفس بما كسبت رهينة" "ولاتزر وازرة وزر أخرى". ودون أن يعني هذا ايضا التفريط الكامل الذي يتعدي تحقيق الخطبة أغراضها وآدابها ويهدر مسؤولية الأسرة عن اولادها وبناتها. اذا لايتطلب تحقيق الغرض من الخطبة أن يصطحب الفتي الفتاة الي بيت يخلوا بها فيه أو الي فراش يتقاسمانه سويا أو السفر معا الي بلد يبيتان في فنادقه أوماشابه ذلك من السماح لهما بقضاء الليل خارج المنزل . ويجب أيضا ألا تطول مدة الخطوبة وتجاهل أن كل يوم منها يِؤجج الرغبة الي التواصل الشبقي لدي كل منهما. وانما أن تكون في الحد الادني الذي يكفل أن يتم مايكفي من تعارف وتفاهم لبدء حياتهما الزوجية . فاذا كانا قد سبق لهما التعارف والتفاهم قبل الخطوبة، فان فترة الخطوبة يمس الغرض منها هو اعداد بيت الزوجية وترتيبات الزواج والزفاف . وهم مايجب أن يتم في أقصر وقت ممكن.





وخطبة رجل لامرأة علي أساس أن يتمم الزواج بها بعد عام أو عامين أو بعد أن يعود من سفره في غضون هذه المدة أو أكثر يفقد الخطوبة من مبررها ويحولها الي مايشبه حجز متاع لدي بائع علي ذمة دفع ثمنه وهو مايجب أن ترفضه المرأة وأهلها لان فيه حطا بكرامة المرأة لو كان ثمة من أبدى استعدادا للزواج الفوري منها ولاعيب فيه الا أنه أقل مالا مثلا أما خلقه ودينه ليس فيهما مايشينهما. وكذلك عقد الزواج ويترك بعده زوجته لحين عودته بعد عام من عمله بالخارج أو بعد أعوام من دراسته في الخارج فهو أيضا شبيه بحجز المتاع ولايبرره القول بتعلق كل منهما بالاخر أو أي مبررات أخرى وانما يجب لمن أراد العقد على زوجة أن يكون علي استعداد لأن يحملها معه أينما حل أو ارتحل.

أن يعقد الرجل علي المرأة حلت له وحل لها وبامكانها ممارسة العلاقة الشبقية والتمتع بها في أي وقت وأي مكان، ولكن الاقضل والاكرم لها ألا تمكنه من نفسها حتي تنتقل من بيت أهلها الي بيت الزوجية الذي ستقاسمه الحياة فيه .كل ماتحتاجه هو الصبر والعزيمة وستجد أن ذلك في صالحها من نواح كثيرة.

فوزي منصور

e-mail fawzym2@gmail.com

Sunday, August 19, 2007

الأسرة والحياة الزوحية- الحب قبل الزواج

الأسرة والحياة الزوجية

الحب والزواج

الحب بصفة عامة:
يعبر عن الحب في اللغة العربية بألفاظ كثيرة تستعمل كل منها لوصف حالة من حالاته مثل :الود والمحبة والصبوة والوصب والشغف والهوى و العشق والغرام والوجد والعشق والجوى .وهي وإن بدت مترادفات إلا أن كل منها لها دلالتها في التعبير عن الإحساس بتلك العاطفة الإنسانية التي تتعلق بالمحبة للآخر.
ويندرج البحث في العواطف الإنسانية ضمن الميتافيزيقيا .ومن خصائص الظواهر الميتافيزيقية مراوغة العقل إن أراد الإمساك بها لتحليلها من أجل فهمها ومعرفة أسبابها وبواعثها وحالاتها .وهي في حقيقة ألأمر شديدة التعقيد .وتتأثر كل منها بطيف واسع من المؤثرات الظاهرة والخفية . ويأتي الحب أو الغرام أو العشـق وأية تسمية أخرى تعبر عن تلك العاطفة التي تجمع غالبا بين الرجل والمرأة في طليعة ما تنطبق عليه تلك الأوصاف من الظواهر الميتافيزيقية . وباعتبار حالة الحب تلك تعد حالة نفسية يهتم بها علم النفس ، فان فهم علم النفس لها عبارة عن المعلومات التي تم الحصول عليها من العديد من الحالات التي عاينها الباحث أو خضعت لجلسات استماع أو تحدث عنها الشعراء، بصرف النظر عن ميلهم للمبالغة أو أن أجمل الشعر أكذبه،وكذلك الخبرة الذاتية .ومحاولة الإمساك بالعوامل المشتركة بين كل تلك المصادر. وإذا أخذنا في الاعتبار اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والطباع والأسباب وحداثة هذه الأبحاث فإن بالإمكان القول بأن كل ما يستطيع للباحث الإسهام به لا يعدو أن يكون افتراضات أو احتمالات ناتجة عن بحث حالات محدودة لايمكن تعميمها أو اعتبارها حقائق علمية ،ولكنها في أحسن الأحوال تقرب من فهم الظاهرة النفسية بنسبة كبيرة وإن لم توفر الفهم الكامل.
يقول ابن القيم الجوزية في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين": "اختلف الناس في العشق: هل هو اختياري أو اضطراري خارج عن مقدور البشر؟ وفصل النزاع بين الفريقين أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف (أي أن الأسباب الأولى للعشق اختيارية). فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أُتي بالأسباب كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره (أي أن النتيجة المترتبة على هذه الأسباب من وقوع المحبة غير اختيارية). ولهذا؛ إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه (أي أنه لو كانت الأسباب الأولى للعشق مباحة فإن وقع العشق بعد ذلك لا يُلام عليه صاحبه) كمن كان يعشق امرأته أو جاريته.
ويقول ابن القيم الجوزية في موضع آخر: "العشق لا يُحمد مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما يحمد ويذم باعتبار متعلقه؛ فإن الإرادة تابعة لمرادها، والحب تابع للمحبوب. فمتى كان المحبوب مما يُحبُّ لذاته، أو وسيلة توصله إلى ما يُحبُّ لذاته، لم تذم المبالغة في محبته، بل وتُحمد. وصلاح حال المحب كذلك بحسب قوة محبته.
في الثقافة الغربية يرتبط الحب بين الذكر والأنثي ارتباطا وثيقا بالشبق بسبب تأسيس هذه الثقافة علي الفلسفة اليونانية واصطباغ الحضارة الغربية بالنزعة المادية التي تجعلها عزوفة عن الاهتمام بكل ما هو روحي أو ميتافيزيقي غير مرئي أو ملموس أو الاعتراف بوجوده أصلا في أغلب الأحيان. ولذا فان الحب في تلك الثقافة يتم ربطه بالجسد و إشباع الغريزة الشبقية أو سبيل لإشباعها. وعندما يقولون : ممارسة الحب أوMaking love فإنهم يعنون بذلك ممارسة فعل الشبق.
أما في الثقافة العربية الإسلامية فإنه ينظر للحب علي أنه عاطفة مستقلة عن ممارسة الشبق وإن أفضت إليه أو التحمت به. ولذا فإن انفصالها عن الشبق في المنظور العربي والإسلامي والشرقي عموما لا يمنع من الإقرار في تلك الثقافات بأن هذه العاطفة تكتمل وتغتني وتبلغ ذروتها في الممارسة الشبقية ،لأنه مع الشبق تكتمل الوحدة الروحية والجسدية بين الزوجين في آن واحد.ولكنها أيضا في تلك الثقافات لا تنحصر في العلاقة بين رجل وامرأة متزوجان حيث يمكن أن يرتبط كل من الرجل والمرأة بعلاقة حب مع الغير ، فرادى وجماعات بتلك العاطفة دون أن يخالطها شهوة أو يرجى من ورائها شبق .
وفي جميع الأحوال ينبغي أن يكون الحب صادقاً، بعيداً عن الرياء، صافياً من كل الشوائب، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب والوجدان.
وتثني شهر زاد على الحب في قصص ألف ليلة وليلة معبرة في ذلك عن مفهومه لدي المسلمين ،فتقول عنه : " وجد الحب قبل كل وجود (تقصد هنا بأن الله هو المحبة المطلقة) وسيظل بعد كل فناء (حيث لا تفنى ذكرياته ) فهو أقصر طريق إلى الحقيقة (وهو تعبير صوفي يعتبر أنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا عبر الحب الذي يقود النفس نحو الكشف والتبيان) ، وهو الرفيق الخالد في ظلمة القبر(حيث يأمل المتوفي بأن يكون حبيبه بعد البعث رفيقه في الجنة) .

ويقول في ذلك ابن حزم الأندلسي في كتابه الشهير "طوق الحمامة " عن الحب والوصال :"الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا (يقصد إفتاء )ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: "هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود".
ويضيف:"ومن وجوه العشـق الوصل، وهو حظ رفيع، ومرتبة سرية، ودرجة عالية، وسعد طالع. بل هو الحياة المجيدة، والعيش السني، والسرور الدائم ، ورحمة من الله عظيمة. ولولا أن الدنيا دار ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه، وكمال الأماني؛ ومنتهى الأراجي(جمع رجاء). ولقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان ولا للمال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ولا الأمن بعد الخوف، ولا التروح على المال، من الموقع في النفس ما للوصل؛ لا سيما بعد طول الامتناع، وحلول الهجر حتى يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق، وتنصرم نار الرجاء. وما أصناف النبات بعد غب القطر، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجسج ولا خرير المياه المتخللة لأفانين النوار، ولا تأنق القصور البيض قد أحدقت بها الرياض الخضر، بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه، وحمدت غرائزه، وتقابلت في الحسن أوصافه. وأنه لمعجز ألسنة البلغاء، ومقصر فيه بيان الفصحاء، وعنده تطيش الألباب، وتعزب الأفهام.(...) وما في الدنيا حالة تعدل محبين إذا عدما الرقباء، وأمنا الوشاة، وسلما من البين، ورغبا عن الهجر، وبعدا عن الملل، وفقدا العذال، وتوافقا في الأخلاق، وتكافئا في المحبة، وأتاح الله لهما رزقاً دارا، وعيشاً قاراً، وزماناً هادياً، وكان اجتماعهما على ما يرضي الرب من الحال".
ويستدل ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يملك".
وفي الحب العذري يكفي المحب أن يوجد في مكان واحد مع حبيبة وإن كان معزولا عنه يكفيه فيه أن يراه عن بعد أو يشعر بأنه قريب منه حتى لو لم تكن تراه عيناه ، يقول قيس بن الملوح عن ليلاه:
أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وَلَيلى كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني
تَرى وَضَحَ النَهارِ كَما أَراهُ وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني
ويقول عن تعلقه بحبها:
وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقلتُ لهمْ فانِّي لا أشَاءُ
وكيف وحبُّها عَلِقٌ بقلْبي كما عَلِقَتْ بِأرْشِيَة ٍ دِلاءُ
لها حب تنشأ في فؤادي فليس له-وإنْ زُجِرَ- انتِهاءُ

الإسلام هو الحب :
يقوم الإسلام على الحب ويعد الحب فيه نعمة من الله وامتداد لحب المخلوق لخالقه ، وهو بالتالي مجموعة علاقات متعددة الأطراف تنطلق كلها من العلاقة بين المسلم وخالقه وبينه وبين مخلوقاته والتي قوامها الحب .يقول لله عزّ وجلّ:"قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" (آل عمران 31). ويقول عزّ وجلّ:"حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم" (الحجرات : 7).والله يبادل عباده الذين يحبونه الحب فيحبهم مثلما يحبونه ، وتتعدد في ذلك الآيات مثل : :(... إِن اللهَ يُحِب المحْسِنِين). (البقرة- 195) (إِن اللهَ يُحِب التّوّابِينَ وَيُحِب المتَطَهرِين). (البقرة : 222) (... فَإِن اللهَ يُحِب المتقِين). (آل عمران :76) (... وَاللهُ يُحِب الصّابِرِين). (آل عمران: 146) (... إِن اللهَ يُحِب المقْسِطِين). (المائدة 42)..ويشيد المولي بحب المسلم للمسلم ، وفي ذلك يقول :" وَالذينَ تبوءوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يـوق شُح نَفْسِهِ فأولئك هُــم المُفْلِحُون". (الحشر 9) وفي الآية التالية لها يقول سبحانه:" وَالذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبنا اغْفِرْ لَنا وَلإخْوَانِنا الّذينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاً لِلذينَ آمَنُوا رَبنا إِنكَ رءوف رَحِيم". (الحشر 10) .وفي ذلك أيضا يقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
ويرتبط حب الله وحب المؤمنين بالإيمان كشرط له ودليل عليه كما يتضح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والّذي نفسـي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم".وقوله :" ودّ المؤْمِنِ للمؤْمنِ في اللهِ مِن أعظمِ شُعب الإيمان، ومَنْ أحب في اللهِ، وأبْغَضَ في اللهِ، وأعْطى في اللهِ، ومَنَعَ في الله، فهوَ مِنَ الأصفياء" . ويقول أيضـا: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ أحدكم أخاه، فليُعلِمه إيّاه".أي يدعه يعلم بحبه له .
فالدين هو الحب ولا دين لمن لم يعمر قلبه بالإيمان ولا أيمان لمن لم يعمر قلبه بالحب. قال تعالي." إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ".روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : " ما استجلبت المحبة بمثل السخاء ، و الرفق ، و حسن الخلق ، فالسخاء يزرع المحبة
.إلا أنه يجب أن يخضع هذا السخاء إلى ثلاثة ضوابط :
أولها : أن يكون الحب متبادلا بين الطرفين .
ثانيهما : ألا يتجاوز الحد ،حيث ما زاد عن حده انقلب إلي ضده. وثالثهما : أن يكون السخاء لمن يستحقه أخذا بمقولة المتنبي:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقريب من ذلك ما ورد في الأناجيل عن حب الله عندما نجدها تقول :" تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قدرتك و من كل فكرك ... " ( لو 10 : 27 )
.وأن محبة المرء لأخيه هي نعمة من الله :" أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضاً لأن المحبة هى من الله ... " ( 1يو 4 : 7 ) .ثم تجعل محبة المرء لأخيه شرط لتحقق محبة الله فيقول على هيئة تساؤل:"لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذى لم يبصره " ( 1يو 4: 20 ) .
أحبّوا بعضكم بعضاً (يوحنا، 13:34؛ 15:12)؛ أحبِب قريبك حبّك لنفسك (متّى، 19:20)؛
وهي متشابهة لما جاء في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحب الله من يحبه ودليل المحب لله إقباله على عبادته في فوق ما فرضه عليه أي بالنوافل من أعمال الإحسان وهي كثيرة التي يثاب عليها إن فعلها أو أقدم على فعلها ولا يحاسب عليها إن لم يقم بها ، فهو يحرص على الإكثار منها ليس خوفا من عذاب الله وإنما حبا له ، ويقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي :ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وعقله الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإن استنصرني نصرته، وأحب ما تعبدني به النصح لي" والمقصود بالنصح هنا الإخلاص في العبادة.وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".
ولكن كيف يعرف من امتلأ قلبه بالمحبة؟ إن المحب يحب الله أولا ومن ثم يحب كل ما يحبه الله ويبغض كل ما يبغضه الله وفي حبه لما يحبه الله يقبل على ما أحله الله له وينفر مما حرمه الله عليه. وقد رأينا فيما أوردته من آيات القرآن الكريم أن الله يحب المتقين والصابرين على البأساء والمحسنين في القول والعمل ويحب التوابين والمتطهرين والمقسطين ، وهذه الصفات التي يحبها الله هي أيضا صفات من يحبون الله خالقهم ويمتد حبهم له فيحبون كل مخلوقاته إلا من يعادون الله ورسوله منهم فيبغضهم المحب لله حبا فيه دون أن يفقد في كراهيته لهم الأخلاق التي يحب الله أن يراه متمسكا بها. فلا يسمح لنفسه في بغضه لم يبغضه الله أن يكون معهم فاحشا أو لعانا أو ظالما أو مغتابا.وأحق الناس بحب المحب الأقرب اليه عصبا ونسبا ثم من يليهم في القرابة والرحم ثم باقي خلق الله.
والمحب في الله مخلص وصادق وأمين في علاقاته وتصرفاته وسلوكه : يكره الكذب والنفاق فلا يمارسهما ،ولا يقبلهما من أحد. إن وعد لم يخلف وإن عاهد لم يغدر،وإن إؤتمن لا يخون، وإن خاصم لا يفجر في خصومته. وكان في كل حالاته من المحسنين.

الحب والزواج:
وتعد الحياة الزوجية الطيبة تجسيدا للحب الكامل بشقيه المادي والروحي وآية من آيات الله سبحانه وتعالي ، وفي ذلك يقول المولى عز وجل " ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" .
والمودة هي المحبة والوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، ويقول سبحانه:”إن ربي رحيم ودود” (هود90) ..
وفيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح" أي أن أفضل ما يصنعه رجل وامرأة تحابا هو أن يتزوجا.وهذا الحديث بمثابة إضفاء للمشروعية على الحب المفضي إلى الزواج.وسبب الحديث كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح".
ولا يلام عاشق نظر مصادفة إلى آخر فملك عليه قلبه ، و تمكن العشق منه بغير اختياره، ولم يستطع له دفعا.
و من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا مما لا يُلام عليه كما في قصة بريرة ومغيث.
وقصة بريرة كما وردت في كتب الحديث: كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت: أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه" (رواه البخاري). ومما يستفاد من هذا الحديث أنه لا يكفي الحب من طرف واحد لإقامة حياة زوجية، وإنما يجب أن يكون متبادلا بين الزوجين منذ بداية الزواج. وقد علق ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث فقال : "فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره".ولا دواء لعشق الحبيبين عير الزواج . وقد نقل عن عمر بن الخطاب قوله : "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما" وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.ويظل أفضل حب بين الزوجين أدومه ولذا وجب على كل منهما صيانة حبه للآخر حتى لا يفتر أو تخفت جذوته.
يقول مؤلف كتاب الأسرة وقضايا الزواج: تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
ثم يضيف :" إن جذوة الحب وحدها لا تكفي، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب.
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والألفة، وهو شكل من أشكال الاندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
و المحبة الصادقة عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبدا، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري . ولا تشترى بمال . ولذا فإنه يمكن بالمال شراء أشياء كثيرة جدا فيما عدا الحب. ويمكن لرجل أن يغوي امرأة بماله فينال منها ما يشتهيه ولكنه لن ينل حبها أبدا مالم تحبه هي منذ البداية، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي يمكن أيضا أن تغوى رجلا بمالها ولكنها لن تتمكن من نيل حبه إن لم يكن يحبها منذ البداية.
و يمكن لكل من الزوجين أن يبعث في قلب الآخر الإحساس بالراحة والسكينة والأمن والسلام والحيوية من خلال محبته له ..

عقلنة الحب :؛
وتتفق الثقافتان العربية والغربية في اعتبار الحب أو الغريزة الشبقية ظاهرة نفسية قابلة للتعقيل. وهنا تختلف الثقافتان أيضا فيما يعنيه التعقيل أو العقلنة بالنسبة لكل منهما. الثقافة الغربية تقصد العقلنة مجرد الفهم لها في ارتباطها باحتياجات الجسد واضطراب الغريزة فيه الذي لا يهدأ دون إشباعها ، بينما الثقافة الإسلامية تقصد بالعقلنة سيطرة العقل علي الظاهرة النفسية سيطرة تروم توجيهها الوجهة الصحيحة وليس بغرض منعها أو منع تطورها ونموها.
الحب مناطه القلب والقلب في اللغة القرآنية يشمل النفس والعقل معا. وفي الحب لا يمكن استبعاد العقل وإن جاز القول إن دور النفس أكبر في التأثير. العقل قد يعجز عن تفسير كيف استمالت امرأة رجلا فتعلق بها دون غيرها وربما دون علم منها ونفس الشيء بالنسبة لامرأة أحبت رجلا منذ رأته أو تحت تأثير مما يسمونه النظرة الأولى ولكنه، أي العقل ، يستطيع على الأقل أن يحول بينهما والخطيئة.
العقل سمي عقلا لأنه يعقل ، أي يقيد نزوات النفس ، إلا أن ذلك ينطبق علي العقل الحر وليس العقل المعتقل الذي تسيطر عليه وتخضعه لها العادات والتقاليد وتراث السلف الصالح والطالح معا. هذا العقل المعتقل يمكن أن يقتل الحب بنزقه أو يقطع الطريق عليه .
عندما كتبت شابة هي بمثابة ابنتي تعرب عن رغبتها لأن تفلت من رقابة العقل لتعيش ولو للحظات ما تريده ودون أن ينتبه لها العقل فيخنق رغبتها ، قلت لها إن هذا فهم خاطئ لدور العقل . لأن العقل لا يخنق رغباتنا ولا يجب أن يفعل ، وإنما وظيفته الأساسية هي كيف نحققها دون أن نلحق الأذى بأنفسنا أو بالغير.
وبالنسبة للحب فهو الذي يملكنا ولسنا نحن الذين نملكه ، ولذا ليس بإمكاننا مغالبته ، وإنما تعقيله ، لتكون حريته في نطاق قيم أخلاقية أو دينية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.ولذا طلب النبي من الله أن يعذره فيما لا يملك .وهو يقصد بذلك الحب لإحدى زوجاته أكثر من حبه للباقيات. والعقل يقتصر دوره علي توجيه مشاعر الحب نحو الإشباع الكامل لها في نطاق الزواج ،والبعد بها عما حرمه الله وتدينه الأعراف ، فإذا كان الحب بين من لا سبيل إلى الزواج بهم ، تم المحافظة عليه بواسطة العقل في حدود مقتضيات العفة والاحتشام.
ومن متطلبات التعقيل أنه يجب على كل من الرجل المحصن والمرأة المحصنة إلا تعدو عيناه زوجه .ويعينه علي ذلك غض النظر وان حدث ، كما جاء في حديث لرسول صلي الله عليه وسلم ، أن رأى الرجل امرأة أعجبته واشتهاها أن يذهب علي الفور إلى زوجته ويضاجعها ليطفئ الشهوة العارضة التي ألمت ولتظل زوجته فقط موضع اشتهائه ، ونفس الشئ يمكن قوله للزوجة إن رأت رجلا غير زوجها فاشتهته عليها أن تعود علي الفور إلى بيتها وتطلب من زوجها أن يضاجعها. وتفاديا لذلك طلب الاسلام من المسلمة والمسلمة غض النظر لتفادي نظر يرافقه أو يتبعه الاشتهاء أو تحريك الغرائز إزاء الغرباء ممن لايحل معهم الوصال.قال تعالي:"قل للمؤمنين:يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم ، ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات:يغضضن من أبصارهن ، ويحفظن فروجهن ،ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها . وليضربن بخمرهن على جيوبهن ،ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ، أو آبائهن ، أو آباء بعولتهن ، أو أبنائهن ، أو أبناء بعولتهن ، أو إخوانهن ، أو بني إخوانهن ، أو بني أخواتهن ،أو نسائهن ، أو ما ملكت أيمانهن ، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء . ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن . وتوبوا إلى الله جميعا - أيها المؤمنون - لعلكم تفلحون" (النور:30و31). والغرض من ذلك هو الحد من فرص وظروف الاغواء والإثارة من كل من الذكور والإناث على السواء.
ولكن تعقيل الحب يظل محدودا في نطاقة ، وغير قادر على أن يشمل كل حالاته ، فالإنسان يحب إنسانا آخر دون سواه دون أن يعرف سببا لحبه له وتعلقه به. أي أنه لا يستطيع أن يخضع حبه للعقل ولا يستطيع بعقله أيضا أن يتحكم في حبه.ومن هنا يأتي طلب الرسول من أن يعذر فيما لا يملك أي فيما لا قدرة له على منعه وهو حبه لزوجة له أكثر من باقي زوجاته بينما العقل يطلب المساواة الكاملة بينهن.
وثمة حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف "، وهو ما يفهم منه أنه يحدث بينها اتصال ، يجعل الروح إن وجدت روحا أخرى متلائمة معها انجذبت إليها و تآلفت معها ، وإن وجدتها متنافرة اختلفت معها ، فيشعر المرء بالميل نحو الآخر أو النفور منه ، ولا يدري ما السبب .. وغالبا ما تتآلف الروح مع روح من جنسها. فتتآلف أرواح المؤمنين الأخيار مع بعضها البعض فقد قال تعالى عن المؤمنين " وألف بين قلوبهم" ، وتتألف أيضا أرواح الأشرار مثلما قال سبحانه وتعالى: ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) ممن تتنزل عليهم الشياطين . كما يستفاد من فوله سبحانه وتعالى " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) .
غير مقبول في ديننا أن تحب مسلمة مؤمنة مشركا أو أن يحب مؤمن مشركة أو أن يحب أي منهما من يعادي الله ورسوله حتى وأن كان محسوبا عل مجتمع المسلمين عملا بقوله تعالي:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". فإن حدث مثل هذا الحب وجب مقاومته وصرف النفس عنه بكل الطرق الممكنة حتي لا يستحكم فيها ويتغلب على العقل.
ويقتصر الحديث هنا على حب المؤمن للمؤمنة التي يرجوها زوجة له علي كتاب الله وسنة رسوله . ويمكننا أن نستخلص منه ما يلي :
• المحبة تنتج عن تآلف روحي وهذا التآلف قد يتم بين أشخاص عديدين مثلما يتم بين فردين: ذكر وأنثي.
• هذا التآلف ينم عن وجود تقارب في الطباع بين المتآلفين ويكون لذلك متبادلا.
ويمكن أن نستبدل عبارة " تآلف روحي" ب "تآلف نفسي" دون أن يتغير المعني . وإذا كان هذا التآلف هو بداية طريق الحب فان التآلف مع عدد كبير من الأشخاص يعطي فرصة للاختيار بينهم ولاختبارهم أيضا لمعرفة أصلحهم للحب والزواج. أن يخطئ المرء في اختيار من يصلح له ممن يتآلف معهم لا يمنعه من المحاولة مرة أخرى مستفيدا من الدرس السابق وحريصا علي التوفيق في اختياره .وان يعوض الله المرء عن الشخص الذي خاب الظن فيه بأحسن منه.
بينما إذا استسلم المرء ،الذي خاب ظنه فيمن أحب أو حيل بينهما لأي سبب،للفكرة الخاطئة القائلة بأن المرء لايحب إلا مرة واحدة وليس بإمكانه أن يحب شخصا آخر، فان ذلك سيوصله إلي حالة من الاكتئاب النفسي قد تقوده الي الانتحار. والحوادث في هذا الاتجاه كثيرة.
ويحاول الأستاذ محمد إبراهيم مبروك عقلنة ظاهرة الحب نسبيا بايجاد تفسير لها فيقول: "المحبوب بدوره يحب إما نفسًا تماثله في القوة، وإما نفسًا أقوى منها. فإذا وقع التماثل تحقق السكن، وإلا فإن النفس الأقل قوة تسعى لتحقيق التماثل مع النفس الأولى، وإن كانت هي نفسها ترى أنها تماثلها في القوة. ومن هنا يأتي المعنى الذي قاله البعض بأن العاشق يحقق صورة نفسه؛ لأنه يسعى لتحقيق قوة ذاته كما يمكن أن تكون، وهو يرى أن هذه الصورة هي التي تماثل المعشوق في القوة، فيكون سعيه إلى التماثل مع قوة محبوبه هو في نفس الوقت سعيه إلى تحقيق صورة ذاته التي يرى إمكانية تحقيقها، وكلما اقترب التماثل تحقق السكن، فإذا تحقق التآلف والسكن تقاربت صفات المحبوبين، ويثور بينهما التساؤل: هل صفاته هي صفاته هو نفسه أم صفات محبوبه؛ لأن المزج جعل من ذاتيهما كينونة واحدة، وداخل هذه الكينونة الواحدة لا يعود أحدهما يدري الفرق بين صفاته وصفات محبوبه.
ولكن ...من الذي وضع هذا في طريق ذاك؟ ومن الذي وضع ذاك في طريق هذا؟ ومن الذي جعلهما يعتقدان أنهما متماثلان في قوة ذات كل منهما هذا التماثل مع أن ذلك أمر ذاتي وليس موضوعيًا؟ الإجابة عن ذلك مستحيلة؛ لأن هذه الأمور أمور قدرية لا يعلمها إلا الله.
وعملية اكتمال التماثل في الصفات الأخرى حتى يتحقق المزج بين نفسي العاشقين أمر عجيب، لأنه بعد حدوث التآلف بين المحبوبين فإن كل محب يكون منجذبًا إلى أن تشابه صفاته صفات محبوبه؛ حتى يقتربا في كل صفة إلى نقاط التماس، ثم إلى المطابقة الجزئية، ثم إلى التطابق التام في كل الصفات.

. الحب الوهمي:
ما يمكن تفسيره إلى حد ما في علم النفس هو الحب الوهمي وليس الحب الحقيقي المجهولة أسبابه غالبا .ويرى البعض بأن كل الحب هو وهم ولكن لاغني عنه وأنه لو لم يكن موجودا ، أي الوهم ، لخلقناه لحاجة النفس إليه. والحب الوهمي هو حب مبني على أوهام استبدت بالنفس فطغت عليها وعلي العقل معا وتوجد جذورها وأسبابها مدفونة خفية في أغوار النفس أو ما يسمي بما تحت الشعور أو اللاشعور. وهو يأخذ صورا شتي تتنوع وفق تنوع الأسباب. ولكن قد تكون الأوهام التي بني عليها الحب عبارة عن أفكار خاطئة سائدة في المجتمع وثقافته تستهوي النفس وتستبد بها وبالتالي لا علاقة لها في هذه الحالة باللاشعور. إذا الحب الوهمي ذو طبيعة نفسية(سيكولوجية) محضة ويمكن إدراجه تحت تسمية الانحرافات النفسية أكثر من اعتباره من الأمراض النفسية . والانحرافات النفسية التي نعنيها هنا تقترب إلى حد ما مما ذكره فرويد عن عقدتي أوديب و اليكترا ولكنها تختلف أيضا عنهما بل يمكن أن يكون البحث فيها بمثابة تصحيح لأخطاء فرويد . وسيتم التركيز علي انحرافات محدودة تتعلق بموضوعنا وبالتالي لن يكون بالإمكان التوسع في البحث.

أحد أبرز هذه الانحرافات هو تعلق فتاة صغيرة السن برجل أكبر منها سنا دون سواه وبدون سبب واضح كأن يكون له فضل عليها أو عايشته مدة طويلة كان يزيد فيها إعجابها به حتى تحول إعجابها إلي غرام أو تورطت معه في علاقتها به أو أي من هذه الحالات التي يمكن اعتبارها قابلة للفهم. الحالة التي نعتبرها منحرفة هي أن تترك الفتاة شباب في مثل عمرها وتبحث عن شخص له مواصفات معينة منها العمر الذي قد يكون ضعف عمرها فما أن تجده حتى يملك نفسها وعقلها وجسدها أيضا إن أراد دون أدني مقاومة منها. وفق كلام فرويد الشائع فسيقال إن الفتاة تبحث عن صورة مماثلة للأب الذي تعشقه ولا سبيل إليه لأنه محرم عليها. أقول هنا إن الأمر يرتبط علي نحو ما بالأب ولكن ليس بالأب المعشوق وإنما بالأب المبغوض والبحث هنا يتم عن ما يمكن اعتباره صورة مناقضة للأب كما تتخيلها الفتاة.إنها صورة للرجولة الكاملة المتوهمة والتي لم تكن متوفرة للأب حسب الأوهام التي تسلطت علي عقل الفتاة لمدة طويلة واستقرت في نفسها وكمنت فيما تحت شعورها.
لنتصور الأمر علي النحو التالي : فتاة في سن المراهقة تعيش في أسرة مستقرة إلا أنها لا تشعر بوجود الأب في حياتها ، لا عطوفا ولا قاسيا، فالأب المدرس أو الطبيب يقضى طول الوقت خارج المنزل وإن جاء عاد من عمله مرهقا وانفرد بنفسه في غرفته أو استسلم للنوم. لم يكن يهمل أمر بناته عمدا ولكنه كان يعتبر أن الأم هي الأقرب إلى فهم احتياجاتهن في هذه المرحلة من العمر وخاصة أنها متعلمة إلا أن اعتاد علي هذا الأمر واكتفي بأن يسأل أمهن عن أخبارهن قتطمئنه عليهن. تذهب الفتاة المراهقة لزيارة قريبة لها في مثل عمرها فتجد الأب وهو في الأربعينيات من العمر معمرا بيته وجالسا مع بناته يدللهن ويراجع معهن دروسهن ويشترى لهن احتياجاتهن وهي المهام التي تقوم بها والدتها نيابة عن أبيها. تعود الفتاة إلى بيتها فتشكو لأمها إهمال أبيها لها مقارنة مع ما رأته من أب زميلتها أو قريبتها. لا تجد الأم ما تقوله لتخفف علي أبنتها إلا أن تدعي أنها هي الأخرى أن زوجها يهملها مثلما يهمل بناته رغم أن هذا غير صحيح .وهي تظن أن ذلك يرضي ابنتها طالما أنهم سواسية في المعاناة منه. النتيجة هي أن البنت يتحول غضبها من أبيها إلى كراهية له. يتصادف أيضا أن تأتي والدة زميلتها تلك لزيارة أمها وتسترق الفتاة السمع لما يقولانه فإذا أم صديقتها تحدث أمها بصوت خافت عن فحولة زوجها في الفراش وتمتعها بها رغم أن الخوض في مثل ذلك الحديث محرم في الإسلام . وأحيانا تلجأ إليه المرأة المتزوجة وتبالغ فيه بدوافع نفسية مرتبطة بجفاف علاقتها الحميمية بزوجها أو تراجع علاقته الشبقية بها رغم أن ذلك محرم شرعا إلا أن مثل هؤلاء النسوة يلجئن اليه علي سبيل التعويض عما يفتقدنه في حياتهن . الفتاة التي سمعت ما قيل ومع مقارنة هذه السيدة التي يمتعها زوجها مع أمها المهملة من زوجها، كما ادعت لها ، تعتبر أن زوج السيدة هو مثال الرجولة الكاملة كزوج وكأب وأن عليها عندما تكبر وتتزوج أن تبحث عن شخص في الأربعينات من عمره أو تجاوزها يشبهه. تمضى الأيام وتلتقي يوما برجل أعزب يكبرها بأكثر من عشرين عاما ويظهر لها بعض الاهتمام بها ويجد استجابة سريعة منها فيزيد الجرعة ويلمح لها برغبته في الزواج دون أن يقول بأنه يستهدفها بكلامه ولكنها تأخذ الإشارة علي أنها المقصودة بها. الرجل الذي بلغ هذا العمر بدون زواج وهو وسيم وميسور ومقتدر ماليا يعني أنه زئر نساء يستبدلهن في فراشه مثلما يستبدل ملابسه. الفتاة المتيمة به تصدق كل معاذيره وتثق فيه ثقة تامة وتفرح بهداياه الصغيرة وأخيرا يبلغ منها ما يريده منذ التقي بها أول مرة وتستسلم له بسهولة وهو بالتأكيد خبير بالنساء وفنان في أمور الشبق..لو وجدت تلك الفتاة من ينصحها فلن تسمع له..وتمضى الأيام ولا تجد إلا المماطلة وتنقطع أخباره عنها حتى تيأس فيتصل بها فتهرول إليه وتقبل كل أكاذيبه إلى أن ينتهي الأمر بصدمة لها بعد أن تتأكد بأنها عاشت معه في عالم من الأوهام والأكاذيب.وأستطيع القول بأن هذه قصة حقيقية لفتاة أعرفها وهي تكرار لقصص مماثلة سمعت بها.
أن تحب وتتزوج فتاة رجلا أكبر منها سنا أو يحب شاب ويتزوج امرأة أكبر منه سنا ليس في حد ذاته مشكلة ،وإنما تكمن المشكلة في أن يتم هذا الحب والزواج بسبب انحرافات نفسية وأوهام اعتقلت العقل وجعلته خارج الأمر وليس شريكا فيه.

هناك الحب الذي بني على معرفة مغلوطة أو حقيقة تمت المبالغة فيها حتى أمست وهما مثل الفتاة البيضاء التي تصادف أن شاهدت أفلام بورنو مما اعتاد اليهود علي إنتاجها وترويجها وإظهار ذكور الزنوج واليهود فيها وكأنهم يمتلكون فحولة خارقة للعادة لا يملكها سواهم فترى الفتاة تمتلئ مخيلتها في أحلام اليقظة بصور شبقية تجمعها بزنجي فضلا عما يثيره تخيل تناقض اللونين الأبيض والأسود معا وقد تعانقا من أحاسيس غير عادية فما أن تتعرف على شاب زنجي أو يظهر توددا إليها حتى تجد نفسها قد انجذبت إليه وأهملت عقلها وتخلت عن فطنتها وحذرها. لا تثريب على فتاة بيضاء أن تتزوج زنجي أو أن تتزوج زنجية برجل أبيض طالما تم الزواج بناء على محبة حقيقية غير مبنية على أوهام .وتم الزواج على أساس زواج إنسان بإنسانة بصرف النظر عن لون البشرة.
بل أنا أدعو إلى توطيد العلاقات الإنسانية بين سكان شمال أفريقيا شمال الصحراء الكبرى المعدودين من البيض وسكان جنوب الصحراء من الزنوج وعلي أساس أن مثل هذه الزيجات من شأنها أيضا أن تكون سببا في تحسين النسل وتمتيع الأجيال الجديدة بمقاومة أكبر ضد الأمراض المتفشية سواء في شمال الصحراء أو في جنوبها.

حالات كثيرة لم تتصور فيها الفتاة البيضاء أن مولودها من الزنجي سيكون أسود البشرة مثل أبيه فلما فوجئت بذلك بعد ولادتها كرهت نفسها وكرهت المولود وأصيبت بالشيزوفرانيا (الذهان) وباتت خطرا علي المولود لوجود رغبة عارمة لديها لقتله والقضاء عليه. إن العنصرية الموجودة لدي المرأة البيضاء ، خاصة الأوروبية ، إن تمكنت من تخطيها بسبب الهوس ألشبقي فإنها لا تموت في داخلها وإنما تظل حية وكامنة وتنتظر أي فرصة لكي تطفو علي السطح.

في كتاب طبي بالانجليزية اطلعت عليه قبل أكثر من عقدين لم يذكر فيه احتمال تعرض الحامل للإصابة بالشيزوفرانيا فور ولادتها سوى في الحالة السابقة التي تلد فيها سيدة بيضاء مولودا أسود ، وأنه أثناء الحمل ل تتعرض المرأة الحامل للأمراض النفسية . ولكن بإمكاني ذكر حالة لسيدة حامل أصيبت بالشيزوفرانيا وعولجت منها بالعقاقير مرتين خلال فترة الحمل، ثم عادت إصابتها أشد بعد الولادة، وتم علاجها بالعقاقير والصدمات الكهربائية في المرة الأخيرة، حتى تم السيطرة على حالتها. لقد اعتقدت هذه السيدة لسبب ما بأن حملها من زوجها قد تلوث بعد أن استقر الجنين في بطنها ، وفي محاولة للتطهر استبدت بها فكرة شق بطنها بسكين واخراج الجنين منه وطرحه لكي تحمل بغيره تشعر بأنه أكثر تطهرا٫بعد أن استقر الجنين في بطنها ، وفي محاولة للتطهر، استبدت بها فكرة شق بطنها بسكين، وإخراج الجنين منه وطرحه بعيدا،ثم تعويضه بحمل جديد تحافظ على طهارته .وعندما ولدت مولودتها عاودتها نفس الوساوس والأوهام. كان الأمر يتعلق بالإحساس بالذنب علي نحو ما. وهو الآمر الذي يتطلب من الفتاة أن تنظر أين تضع قدمها وكيف تقي نفسها من الزلل، وقاية لنفسها مما قد تجره عليها رعونتها واندفاعها.
من الحب الوهمي أيضا الذي يعود إلى أسباب نفسية حالة رجل أو امرأة أحس أي منهما بأنه في حاجة لجب الآخر والرواج منه لكي يحقق له ما عجز هو عن تحقيقه من أهدافه وآماله ويكون في هذه الحالة أشبه بالممثل الذي يتقمص دور العاشق حتى يبدو للنظارة ولكأنه عاشق حقيقي وينخدع الطرف الآخر ، ليس بسبب جودة التمثيل فقط وإنما لأنه في حاجة إلى الحب أيضا بسبب خروجه من تجربة حب وهمي فاشلة كان مخدوعا أيضا فيها وتعرض في النهاية للغدر أو الخيانة ممن ظن أنه يحبه وهو في حالة نفسية قلقة تجعله يرحب بأي بادرة حب تلوح له .هذا الحب ينتهي إما في حالة الإحساس بأنه حقق الغرض منه أو في حالة اليأس من أن يحقق غرضه. من هذه الحالات التي عاينتها حالة رجل فاشل في حياته العملية ترسخ في ذهنه إنه يمكن أن يتخلص من فشله إذا ما قبلت بالزواج منه امرأة أجنبية وأمنت له تأشيرة دخول بلدها وتذكرة السفر والإنفاق عليه حتى يجد له عملا في بلدها ، وكلما وجد امرأة تسايره توهم أنه يجبها فعلا وأنه لا يستطيع العيش بدونها، ويظل قلبه متعلقا بها حتى لو انصرفت هي عنه وإلى أن يجد من تحل محلها، وقد يستمر على هذا الحال لعدة سنوات وهو يتنقل ما بين واحدة وأخري ويظن أنه يحب كل منهن. هناك حالات أخري أيضا مختلفة ولكنها تندرج في نفس هذا النوع من العلاقات الوهمية وتنتهي بالزواج ولكن الزواج يظل محكوما بالفشل سواء حقق الهدف الذي كان يسعى له أحد الطرفين أو أخفق في أن يحققه. وعندما تكثر حالات الطلاق فإن كثرتها تعد مؤشرا على كثرة أو انتشار حالات الحب الوهمي في المجتمع، أو أن الزواج لم يعد ينعقد على أساس الحب الحقيقي والذي يعد الدعامة القوية له التي تضمن استمراره وعدم انهياره مهما كانت الظروف التي يتعرض لها أو يعاني منها الزوجين.

الحب والزواج:

وتعد الحياة الزوجية الطيبة تجسيدا للحب الكامل بشقيه المادي والروحي وآية من آيات الله سبحانه وتعالي ، وفي ذلك يقول المولى عز وجل " : من آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" والسكون إلى آخر هو الشعور بالراحة النفسية معه وإلى جواره .
والمودة هي المحبة المستمرة المتبادلة بين الزوجين ومنها الوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، ويقول سبحانه:”إن ربي رحيم ودود” (هود90) .. ولا تكتمل المحبة بين الزوجين الا عندما يشعران بأنهما صارا كيانا واحدا بالزواج لاغني عن أي منهما عن الآخر وأنهما متدخلان على نحو ماوصف الله تعالى الزوجين "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"(البقرة:187).
والرحمة هي العطف والشفقة وحسن الخلق والمعاملة ولين الكلام والحرص على رضى الآخر والتألم له إن أصابه مكروه . فال الله سبحانه وتعالى لنبيه "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.."(آل عمران:159)، والتراحم أي تبادل الرحمة يقر ب بين القلبين والنفسين ويساعد على اكتمال تساكنهما ومودتهما.أى أن السكن والمحبة والرحمة هم ثلآثة دعائم لقيام لحياة الزوجية ولاستقرارها ودوامها، بدونها لا تقوم وإن قامت لاتدوم.

ويأتي مع التساكن والمودة والرحمة أو نتيجة لتوفر أي منها لدي الزوجين : المعاشرة بالمعروف .قال تعالى “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسـى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً”.ويقول فيها القرضاوي:"إن المعاشرة بالمعروف تتمثل في بشاشة الوجه وحسن الخلق وحلاوة اللسان والسؤال عن المرأة باستمرار، وعدم إفشاء أسرارها وعدم إيذائها لا بالكلام ولا بالضرب ولا بالتعيير فيقول لها أنت كنت كذا
وأبوك كذا، بل الملاطفة بل أكثر من ذلك يجب عليه أن يطيِّب نفس امرأته ويستمع إليها، النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً مع نسائه ويقول "أحسنكم أحسنكم خلقاً لأهله وأنا أحسنكم خلقاً لأهلي"..
ويحفز على هذا كله الإحساس بأن المحبة والزواج لن ينتهيا في الدنيا وإنما سيستمران في الحياة الأخرى ، حيث يبعث المرء مع من يحب ويدخل الزوجان الجنة معا إن كانا من الصالحين ويواصلأن حياتهما الزوجية فيها.
ولادواء ولارواء لمن ابتليا بالعشق غير التعجيل بالزواج ، وفيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح" .أي أن أفضل ما يصنعه رجل وامرأة تحابا هو أن يتزوجا.وهذا الحديث بمثابة إضفاء للمشروعية على الحب المفضي إلى الزواج.وسبب الحديث كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح".
ولا يلام عاشق نظر مصادفة إلى آخر فملك عليه قلبه ، و تمكن العشق منه بغير اختياره، ولم يستطع له دفعا.
و من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا مما لا يُلام عليه كما في قصة بريرة ومغيث.
وقصة بريرة كما وردت في كتب الحديث: كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت:أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه" (رواه البخاري).
ومما يستفاد من هذا الحديث أنه لا يكفي الحب من طرف واحد لإقامة حياة زوجية، وإنما يجب أن يكون متبادلا بين الزوجين منذ بداية الزواج. وقد علق ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث فقال : "فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره".ولا دواء لعشق الحبيبين عير الزواج . وقد نقل عن عمر بن الخطاب قوله : "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما" وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.ويظل أفضل حب بين الزوجين أدومه ولذا وجب على كل منهما صيانة حبه للآخر حتى لا يفتر أو تخفت
جذوته.
يقول مؤلف كتاب الأسرة وقضايا الزواج: تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
ثم يضيف :" إن جذوة الحب وحدها لا تكفي، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب.
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والألفة، وهو شكل من أشكال الاندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
و المحبة الصادقة عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبدا، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري . ولا تشترى بمال . ولذا فإنه يمكن بالمال شراء أشياء كثيرة جدا فيما عدا الحب. ويمكن لرجل أن يغوي امرأة بماله فينال منها ما يشتهيه ولكنه لن ينل حبها أبدا مالم تحبه هي منذ البداية، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي يمكن أيضا أن تغوى رجلا بمالها ولكنها لن تتمكن من نيل حبه إن لم يكن يحبها منذ البداية.
و يمكن لكل من الزوجين أن يبعث في قلب الآخر الإحساس بالراحة والسكينة والأمن والسلام والحيوية من خلال محبته له ..

لا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر وأن تكون مرضية لطرفيها وللنسل الناجم عنها ما لم تكن قائمة على حب حقيقي وراسخ وليس حبا متوهما يظل مهما طال أمده مؤقتا أو مقرونا بشرط ظاهر أو خفي ، معلوم أو مجهول ، فإدا انهار شرط وجوده انهار الحب وانهارت معه الحياة الزوجية.

نقل عن ابن القيم الجوزية قوله : الحب من حرفين حاء وباء ، فأما الحاء فإنه يخرج من أسفل الحنجرة من الفم ، وأما الباء فيخرج من الشفتين من اول الفم وبقية الحروف مخرجها بين ذلك ومعنى هذا إنها جمعت كل الحروف ، وكذلك الحب يجمع كل المعاني .والمعاني التي يقصدها تشمل الإيثار والشفقة والعطف والسخاء والتراحم والتعاون والاهتمام بالآخر والترضية له والوفاء والإخلاص وكلها قيم وصفات تحتاجها الحياة الزوجية لكي تزدهر وتستمر منتجة الهناء وراحة البال وسكينة النفس لجميع أفراد الأسرة.
من الطبيعي في الحياة الزوجية القائمة على الحب أن يسلك كل من الزوجين سلوك العاشقين ولكن ذلك لا يغني عن تبادل كلمات لها دلالة على المحبة وحيث يظل أجمل مافي الحياة الزوجية إن يسمع كل من الزوجين من زوجه كلمة :" أنا أحبك " ولنتذكر هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أحب أحدكم أخاه فليقل له إني أحبك " لكي نعرف أهمية تلك العبارة المكونة من كلمتين فقط، فكل من الزوجين يحتاج إلى سماع تلك العبارة من حين لآخر مهما كان كل منهما كل ما يفعله يدل على محبته لزوجه .

قد يبدأ الزواج دون اكتمال عاطفة الحب المتبادلة بين الزوجين وهنا يتوجب عليهما أن يوطنا نقسيهما على المحبة ويعملان على تطوير وتنمية محبتهما مع مرور الأيلم. وهناك تصرفات كثيرة وكلمات في حالت تبادلها بينهما تحقق نمو المحبة يوما بعد يوم.من ذلك إبداء كل منهما اهتمامه بالآخر. وقد تحدث ظروف مساعدة على ذلك فمثلاً عندما يمرض أحد الزوجين ويقوم الآخر على رعايته والاهتمام به ، فكلما كانت هذه العناية فائقة كلما كبرت معها مشاعر المحبة بين الطرفين . وتسهم العلاقة بين الزوجين في القراش واهتمام كل منهما براحة الآخر وإسعاده في توطيد المحبة أيضا بين الزوجين . لقد كنت أقول دائما بأن سلاح الأنوثة الذي تملكه المرأة يمكن أن ينتج عنه نتائج جيدة إن أحسنت الزوجة استعماله.
وما جاء في قصة يوسف في القرآن الكر يم على لسان أحد شخصياتها : إن كيدهن عظيم فإن المقصود بها هو إن فتنتهن عظيمة لا غالب لها.

فوزي منصور
e_mail:fawzym2@gmail.com

الأسرة والحياة الزوجية-- الغطاء والكشف

الاسرة ووالحياة الزوجية

الزوجة بين الحجاب والكشف

لم يضع الاسلام أي قيود على الحرية المسؤولةللمرأة ، أو يرد به أي نص مقدس يحط من كرامتها، بل كان كل نص .انما يستهدف حمايتها وصون كرامتها.
واذا كانت ممارسة الشبق حاجة بيولوجية ضرورية مثل الطعام والشراب فان القرأن الكريم لم يحد حرية المؤمنين والمؤمنات عندما حرم عليهم الزواج من الزناة وممن أشركوا بالله، وانما حرص المشرع على تقديم الطعام والشراب لهم في صحف مطهرة.
وعندما تعرض المشرع للباس المرأة لم يكن هدفه من ذلك التضييق عليها وانما صون كرامتها اذا ماتم النظر مع الاية لاسباب نزولها ولحكمتها الواضحة من السياق الواردة فيه أو التي تكشف عنها اللغة.

الحجاب:
لقد تعرض المشرع للباس المرأة في موضعين : الاول: يعالح فيه المشرع ظرفية خاصة تعرضت فيه المؤمنات الىالاذي من المنافقين واليهود والمشركين في المدينة فجاءت الاية لترشدهن الى سبل رفع الاذى عنهن
كانت المؤمنات يتعرضن لتحرشات من اليهود والمنافقين والمشركين في طرقات المدينة اذ كن يخرجن بثياب قصيرة لاتنختلف عما يلبسنه الاماء. ويمكن أن نتخيل مايمكن أن تلبسه المرأة في مجتمع فقير في موارده الطبيعية وذو مناخ حار معظم السنة والملابس منسوجة من الصوف المغزول وبالتالي ثقيلة وسميكة مما يجعل المرأة (والرجل أيضا) ترتدى علي جسدها ثوبا واحدا لايحتاج الي الكثير من الغزل والنسيج مما يترك أجزاء كثيرة من جسدها عاريا ، سواء بسبب قصره أو سعة فتحة الصدر التى تظهر مفاتن جسدها وتكوينه.كان أيضا عدد السكان محدودا مما يجعل معظم الرجال يعرف معظم النساء والي أى عائلةاو قبيلة يتتمين .ومع ذلك كان من في قلوبهم مرض من المشركين والمنافقين واليهود يتعمدون التحرش بالنساء المسلمات في طرقات المدينة ويدعون أنهم ظنوهن من الاماء اللائي يعرضن أنفسهن ولايضر اولياؤهن التحرش بهن لانهن لسن من أقاربهم أو ذوى أرحامهم حتى يعارون عليهن. وكان لابد من وضع حد لذلك يسد تلك الذريعة وذلك بأن يتم تمييز حرائر النساء المسلمات عن المشركات وعن الاماء لقطع الطريق علي من يمسهن باذى ومحاسبته إن فعل. ولهذا الغرض نزلت الايات ارقام58و57و 59و6 من سورة الاحزاب : " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا.والذين يؤذون المؤمنون والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا
. بأيها النبي قل لنسائك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين من جلابيبهن،ذلك أدنى أن يعرفن فلاييؤذين.وكان الله غفورا.لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها الاقليلا."فالايات بدأت بالحديث عن الاذى الذى يلفاه المؤمنون والمؤمنات في المدينة ثم أبانت كيف يمكن لنساء المؤمنين أن يتميزن عن غيرهن بأن يدنين من جلابيبهن ثم جائت الاية رقم 60 لتهدد المنافقين ومن فى قلوبهم مرض بأنهم لوتعرضوا بعد ذلك للمؤمنات بعد أن تميزن بما يجعلهن معروفات لديهم بأن يتم انزال العقاب بهم حتى لايتبق منهم أحد في المدينة.
الموضع الثاني : يدعو فيه المشرع الرجال والنساء من المؤمنين والمؤمنات الي الالتزام بالعقةوالوقار والحياء والاحتشام. ويفرق فيه بين مجتمع الأسرة الذي يتميز بخصوصياته والمجتمع خارج الاسرة الذي له خاصية العمومية والشياع.ويرشد المشرع أيضا الى الآذاب التي تتفق مع المجتمع العام وتلك التى تتفق مع المجتمع الخاص والتي تختلف في كل منهما باختلاف طبيعته ووظيفته . ونزلت في ذلك الايات من سورة النور والتي جاء فيها :" ياأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا علي أهلها .ذلك خير لكم لعلكم تذكرون: فان لم تجدوا فيها أحدا فلاتدخلوها حتي يؤذن لكم ، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكي لكم. والله بما تعملون عليم. ليس عليكم من جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم. والله يعلم ماتبدون وما تكتمون . قل للمؤمني يغضوا من أبصارهمويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن الا ماظهر منها ، وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ولايبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبناء بعولتهن أو أخواتهن أو أبناء أخواتهن أونسائهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين من غير ذوى الاربة من الرجال أو اتلطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .ولايضربن بأرجلهن ليعلم ميخفين من زينتهن. وتوبوا الي الله جميعاأيها المؤمنون لعلكم تفلحون"( النورمن 27-31)ويستثنى من هذه الاحكام أيضا :" القواعد من النساء اللائي لايرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة" (النور 60)
وقد ذهب مفسرون الي أن الزينة المقصوده هي الحلي من عقود وأقراط وأساوروخواتم وخلاخيل وجميعها مما تتزين به النساءالا أنه من المستبعد وفق السياق أن تكون هي الزينة المقصودة في هذه الايات ،والاصح من ذلك القول بأن الزينة المقصودة في هذه الايات هي زينة الجسد. اذ أن الله كما زين السموات والارض زين النساء بتكوين جسدي متميز يجمع بين متطلبا ت الوظائف البيولوجية للاعضاء والوظائف الحماليةأو الزينة . ومن هذه الزينة العضوية ماجرى العرف على كشفه ومنها ماتتطلب التقوى والاحتشام تغطيته بالنسبة لغير الازواح والمحارم واخفائه عمن لاحق له في رؤيته . بل ان اظهار تلك الزينة مطلوب بين الازواج فهذه الزينة أو الخاصية الجمالية لبعض مكونات جسدها الغرض منها هو اثارة الزوج وافتتانه بزوجته فان قامت المرأة بكشفه لغير زوجها فان الكشف هنا لايعنى منطقيا الا دعوة الاجنبي المحرم عليها الي الافتتان بها والرغبة المحرمة مما يخرج القاتنة والمفتون بها عن نطاق التقوى.ومن تلك الاعضاء التى زين الله بها المرأة، وهي المقصودة أساسا في هذه الايات، نهداها. .فلفظ الجيب تعبير مجازى عن الفجوة التي تكون بين النهدين، اذ أن الجيب هو الشق ، والتى قد تظهر من طوق الثوب الواسع، والذي يتطلب ارتداء الملابس وخلعها أن يكون واسعا. فالمقصود بالجيب هنا مايظهر من فتحة الثوب من نهدي المرأةالتي زينها الله بهما لتثير غريزة زوجها الشبقية
والتي هي اثارة مطلوبةلأداء فعل حلال وليس الفتحة ذاتها. وهذا الذي يظهر من الفتحة هو الذي يلزم ارخاء الخمار عليه لتغطيتة أما اذا كانت فتحة الثوب ضيقة أو مغلقة بزراير أو غير ذلك من وسائل متبعة حاليا، ولا يظهر منها أى أثر للنهدين أو الفجوة بينهما، فتكون الفتحة الضيقة أو المغلقة حول العنق قد أدت دور الخمار وأخفت ماكان مطلوبا منه أن يخقيه.ونجد هنا ربظ بين القيمة الجمالية والقيمة الاستعمالية للنهدين. فطالما القيمة الجمالية يقتصر
فعلها علي اثارة الزوج فلايجب أن يطلع عليها سواه ، دون اغفال أن وظيفة الثدي أيضا هي ارضاع المولود الذي لم يبلغ سن الفطام. أما ماذهب العرف علي ظهوره فهو الوجه والجيد وكلاهما أيضا فيه زينة ولكن زينة من المشقة علي المرأة اخفائها وكل مايطلب من الرجال بشأنها هو غض ابصارهم أي صرف أنظارهم عما يرونه مكشوفا. وليست الزينة المسموح بكشفها هي الكحل والاقراط والخواتم علي نحو ماذهب اليه البعض. وأما ضرب الارجل لاظهار ماأخفين من زينة فيدخل ضمنه أو يقاس عليه مانشاهده حاليا من امرأة تلبس ثوبا طويلا يصل الي كعبيها ومشقوق من الحانبين وكلما ضربت باقدامها الارض انفرج الشقان وكشفا ماتخفيه المرأة من تحت الثوب ثم يلتحم الشقان مرة أخرى فيتعاقب الكشف والغطاء طوال سيرها ويمكن لمن تمر عليه أن يلمح ساقها كاملا وربما أيضا لون ملابسها الداخلية.وليس اكثر اعراء للمرأة من لعبة الغطاء والكشف تلك وربما كان هذا هو القصد من الآية وليس فقظ ماذهب اليه المفسرون من أن الضرب بالارجل يظهر مافي ادني الساقيثن من خلاخيل تصطك معا فيصدر عنها صوت يلفت الانظار اليها أثناء مشيها.
جاء في كتب التراث أنه عندما نزلت الاية التي تطالب المؤمنات بأن نضربن بخمرهن على جيوبهن والتى عرفت بأية الحجاب فامت نسوة في المدينة بشق مازاد في جلابيبهن وصنعوا منه خمارا. يقهم من هذا أنه كان ثمة نسوة في المدينة لايستعملن الخمار وأنهن لكي يصدعن لأمر الله قاما بقطع الزائد في ثيابهن لصنع خمار منه أي قمن بتقصير ثيابهن بعد أن لم يعد ارخاء الثوب لتمييزهن ضروريا فقد رحل اليهود عن المدينة وتم معرفة المنافقين ونبذهم ولم يعد من يجرؤ علي التعرض لهن.
ولقد لاحطت وسائل الاعلام في الاونة الاخيرة كثرة المحجبات في المدن المصرية دون أن يلزمهن أحد به لامن آبائهن ولا أزواجهن ، بل بعضهن أبدى آبائهن وأزواجهن معارضة لم تثنيهن عما قررن فسر البعض هذه الظاهرة بأنها عودة جماعية للدين وهو تفسير لاينطبق علي أكثرهن ، فاكثرهن لم يكن بعيدات عن الدين حتى يحتجن الي العودة اليه وانما كن قبل الحجاب وبعده عابدات تقيات عفيفات حافظات للغيب . أما مادفعهن للحجاب فهو ظهور طائفة من النساء المتهتكات وشباب عابث لم يكن يفرق بينهن وبين المحصنات التقيات فيتحرش بالجميع فلجئن للحجاب حتى يعرفن فلايتعرض لهن أحد. أي لنفس الحكمة التى
نزلت بسببها الاية التى تطلب من المسلمات أن يدنين عليهن من جلابيبهن.
وفي هذه المناسبة أيضا يجب التنوية بنسوة مصريات كن يعملن في مجال التمثيل ويكشفن عن اجسادهن فيه فساق الله اليهن من عباده من كان سببا في اقلاعهن عن التعرى أو هجرتهن للمهنة وهؤلاء أيضا التزمن الحجاب كتثبيت واعلان عن موقفهن الجديد. هؤلاء النسوة كان المتزمتون المتحجرة قلوبهم يعتبرون النظر اليهن أو ذكرهن أو الدنو منهن خظيئة وأنهن من أتباع الشيطان وفتنة ابتلي بها المؤمنين ومحال أن يهتدين ونسوا أن الله يهدى من يشاء وأنه أرسل المرسلين لذلك وأن ماشاء الله كان.
تزين عير المتزوجة:
ثمة حديث منسوب لرسول الله يقول فيه : لوكان أسامة فتاة لزينتها حتى أنفقها (أي أزوجها) يمكن أن يكون التزيين هناهو مدح الفتاة واطراء محاسنها، ولكنه يمكن أن يشمل تكحيلها وخضاب شعرها والباسها ملابس جذابة وحلي من أساور وأقراط وغير ذلك .وسنلاحظ هنا استخدام لفظ "أنفقها" والرسول لاينفق حهدا أو وقتا أو مالا الا في سبيل الله وماينفق في سبيل الله هو عبادة ومن الاحسان. فتزيين الاب لابنته لكي يزوجها فيه احسان لها. وان تزوجت كان الاحسان مضاعفا حيث يكون بالاضافة الي الاحسان لها احسان لزوجها أيضا. وانفاق الشىء أيضا خروجه من اليد ولايسعي الانسان لخروج الشىء من يده الا حبا في الله وايثاره رضى الله علي نفسه وما تميل اليه. لذا فان الفتاة التى ترجو أن يرزقها الله بزوج يعد تزينها من قبيل اعمال الاسباب ولاحرج عليها ان ابدت بعض زينتها دون تبرج او ابتذال أو خروج علي العرف السائد الذى لايعد في نظر المجتمع منكرا . فا ن تزوجت التزمت بألا تبدى زينتها لغير زوجها.

الكشف داخل المنازل:
منزل المرء كمايقول مثل انجليزى هو حصنه أو قلعته ولذا لايجب أن تفرض عليه قيود فيه أو أن تنتك حرماته. وفي الاوقات التي عادة ما يخلد فيها الزوج أو الزوجة الي الراحة أو النوم يحق لهما أن يتخففا من ملابسهما ولايجب أن يسمح لأحد أن يقترب من خلوتهما أو يراهما في عريهما الا من لاحرج منه بعد أن يستأذن ويؤذن له. وقد تعرضت لك أيضا سورة النور بتفصيل فى عدة آيات متتالية ابتداء من الاية 58 وجاء فيها : " ياأيها الذين أمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولاعليهم جناح بعدهن . طوافون عليكم بعضكم علي بعض .كذلك يبين الله لكم الايات .والله عليم حكيم. * واذا بلع الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم .كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم.* والقواعد من النساء اللآتي لايرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم.* "
ابداء الزينة للزوج:
ابداء الزينة هو الكشف عنها وقد حرم كتاب الله علي المرأة المتزوجة أن تبدى زينتها لغير بعلها. ولم تقل الاية زوجها فقد لايكون الزواج لم يتم اشهاره بعد أو لم يقم الزوج بسداد المهر ، وفي كلتى الحالتين لايجوز لها أن تبدى ماخفي من زينتها للزوج مالم تكتمل شروط صحة الزواج ويدخل بها ويصير بذلك بعلها. فلفظ البعل يحمل دلالة شبقية ، ولايحل للزوجين ممارسة الفعل الشبقي مالم تكتمل شروط صحة الزواج. ويمكن أن يفهم من ذلك أنه لايحق للمرأة أن تمكن زوحها منها بمجرد العقد مالم يتم اشهار الزواج ويعلم القاصى والداني من أهل الحي أو القرية علي الاقل.ويأتي بعد بعلها محارمها من الأصول والفروغ المحرم عليها الزواج منهم تحريما أبديا . والكشف هنا لايعني التعرى وانما التخفف من الثياب داخل دارها وهي تتنقل فيه بين أهلها مع الاحتفاظ بالملابس التي يقتضيها الحياء والحشمة. فاذا انفردت بزوجها وغلقت الباب عليهما فلاحرج عليها إن تجردت من كل ملابسها أو من بعضها وفق رغبتها ومقتصيات الحال.
الزوحة الزكية لاتطرح كل ملابسها عنهادفعة واحدة إن خلت بزوجها، مالم يطلب هو ذلك منها أو يجردها هو من ملابسها بنفسه. وانما تلجأ للعبة الكشف والغطاء والكشف عن مفاتنها بالتدريج لاثارة زوجها وابقاء الرغبة فيه متقدة لاتفتر . ولذا تختار من الثياب مايحقق لها ذلك خاصة في الأوقات الى اعتادا علي ممارسة الشبق فيها.
اذا كان ديننا الحنيف يتسم بالعدل والاعتدال فانه من العدل الا تخفي عن بعلها زينتها ومن الاعتدال أيضا الايكون الكشف كاملا ولا العطاء كاملا.فاذا كان الكشف كاملا وتبقي فيه وقتا طويلا فقدت زينتها مفعولها بحكم الاعتياد عليها . وان كان الغطاء كاملا فقدت زينتها المغيبة بالغطاء تأثيرها ومفعولها ولم يعد لها جدوى طالما هي غير مستعملة فيما جعلها الله لها وان احتفظت بقيمتها الجمالية وان في الخفاء مخبأة .
تناوب الكشف والغطاء مثل حالة الثوب المشفوق مت الجانبين وتدرج الكشف علي النحو المعروف بالسربتيز الذى يتم فيه التجرد من الملابس قطعة فطعة وعلي التراخي . وكذلك تناوب الكشف والغطاء بلبس ملابس للتوم بعد التجرد الكامل من ملابس البيت هو أيضا يدخل ضمن لعبة الكشف والغطاء عندما يتم ذلك من قبل الزوحة وزوجها ينتظر اليها ومن قبل الزوج أيضا وزوجته تنظر اليه فجسد الزوج العارى يثير أيضا زوجته ليس بسبب تكوينة فقط وانما لأنه أيضا يرتبط في ذهنا ومخيلتها بممارسة الشبق.ولذا فمن الافضل الايتحرك الزوج في بيته عاريا أو شبه عارى حتي لاتتعود زوجته علي رؤية حسده عاريا فلاتثير فيها رؤيته أي شىء بمرور الوقت.
العرى الكامل فد يكون مرغوبا فيه أثناء الوصال الشبقي ولوأن بعض الأزواج لايرغبان في أن يكون كاملا وخاصة في بداية العلاقة الزوجية والتي يكون الحياء مازال غالبا علي الزوجة أو علي الزوجين معا.وقد يتوافقان علي الابقاء من الملابس مالايعيق وصالهما الشبقي والتخلص من الباقي. ولكن قبل مباشرة الشبقي من الافضل الاحتفاظ ببعض الملابس التي لاتحقق كشفا كاملا ولاغطاءا كاملا ثم التجرد منها عند بدء الوصال. أما بعد الوصال الشبقي فمن الافضل التدثر بغطاء يلف الزوجين معا بحيث يتلامس تحته جسداهما وفي نفس الوقت يغطي مايتدثران به جسديهما في ذات الوقت.
لعبة الغطاء والكشف هذه ، والتي قد يكون الغطاء فيها نصف غطاء والكشف نصف كشف، يجب الاتمارسها الزوجة الا في حضور زوجها وعندما يجمعهما مكان مغلق عليهمالايراهما فيه أحد. وبالتالي لايجب أن تمارسها في وجود محارم لها مما يحق لها أن تبدى زينتها في حضورهم.
لعبة الكشف والعطاء قد يكون مكانها المعتاد أو المفضل هو غرفة النوم ولكن ذلك لايعنى أن مكانها هو غرفة النوم فقط أو أن لها وقتا محددا وانما يجب الا تتقيد بمكان أو زمان محدد. فاذا كان الزوجان يعيشان وحدهما في دار متعددة الغرف قان اللعبة يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة وأن تمارس في جميع غرف المنزل والا ترتبط بمواعيد النوم المعتادة . لأن هذه اللعبة تعبر ممارستها عن حيوية متجددة في الحياة الزوجية.الاأن التحرك أيضا بملابس شبه عارية – خاصة في موسم الصيف- يجب أن يراعي فيه الايراه الجيران من خلال النوافذ المتقابلة في الاحياء السكنية وذلك بارخاء ستائر علي النوافذ تحجب الرؤية من الخارج.
والكشف ليس بالضرورة تعرية لاجزاء في الجسد وانما قد يكون كشف غطاء لغطاء آخر من تحته. شبيه بذلك الملابس النسائية المغربية المخصصة للحفلات والسهرات. والتي يكون فيها ثوب يعرف بالفوقية يليه ثوي يعرف بالتحتية يليه سروال مطرزثم الملابس الداخلية العادية. وقد يكشف الثوب عن نوب أخر مزين تحته متجانس أو متعارض معه في اللون.وقد تكون الفوقية من الجبير أو الدانتيل الذي يظهر ماتحته والتحتية من الستان اللامع

الا ما ظهر منها :
يمكن فهم المقصود بعبارة " الاماظهر منها" الواردة في الاية الكريمة بأنه ماظهر منها حسب الاعراف السائدة ولاينكره المجتمع بالنسبة لملابس المرأة أو مايعد من زينتها ولايتسبب عن كشفه حرج .والذي لايكون فيه شذوذا أو مبالغة تجعله متناقضا مع القاعدة الاساس التي هي الا تظهر زينتها لغير زوجها.ولايعد مقبولا ضمن الاستثناء مايكون منقولا من عادات شعوب أخرى من قبيل تقليد المغلوب للعالب بدعوى مسايرة المدنية الغربية وصرعاتها(الموده) . واذا كانت التقاليد المحلية فيها توسع في اظهار زينة المرأة للغرباء وجب ترشيدها وتعديلها وعدم التعلل بأنها ميراث الاباء وفي ذات الوقت لايجب التشدد في هذا التعديل بما يتسبب عنه حرج أو ضيق لمن سيعملن به. وكذلك أن يكون أيضا الاتجاه الي تعديل الملابس بما يتفق مع مايطلب الشرع تغطيته عاما حتي لاتبدوا من يأخذن به . بمثابة حالات شاذة ملفتة للنظرأي أن اللباس في هذه الحالة يجب أن يعكس وحدة الامة وما أجمعت عليه فضليات نسائها بدافع من التقوى وطاعة الله.
ان كل ماله قيمة استعمالية يجب أن يكون له قيمة جمالية أيضا مع تحقيق نوع من التوازن بين القيمتين بحيث لاتلغي احداهما الاخرى أو تضعفها.والتوازن لايعنى تساوى القيمتين وانما يخضع للغرض أو القصد من الاستعمال . فاذا كان القصد من الثوب ابداء الزينة للزوج وحجبها عن سواه كان من الطبيعي أن تخصص ملابس للزوج لاتلبس لسواه تظهر الزينة التي تخفيها المرأة عن غيره وأن يكون مايظهز الزينة مزينا أيضا ليزيد علي الجمال جمالا اضافيا وفي هذه الحالة فا ن القيمة الجمالية للثوب ستضغي علي القيمة الاستعمالية المتمثلة في تغطية الجسد فمثل هذا الثوب لايستهدف التغطية ان لم يكن يهتم بالكشف. أما اذا كانت الملابس للظهور بها أمام عامة الناس من مخارم وأجانب وجب أن تطغي القيمة الاستعمالية علي القيمة الجمالية دون اهدار القيمة الجمالية وانما الاحتفاظ بها في حد معقول ومقبولدينا وعرفا.
عندما حرصت النسوة المحجبات في مصر علي أن يكون حجابهن جميلا لم يسلمن من ألسنة السوء التى أطلقها عليهن المتطرفون من المتزمتين في الدين من جانب والمنفلتين من أحكامه والمتربصين بأهله من جانب أخر.بينما اضفاء قيمة جمالية علي الحجاب هو منحي ايجابي حيث يحبب غير المتحجبات فيه ويغرى المترددات بشأنه علي الاقبال عليه.
لم يحدث في تاريخ المجتمعات الاسلامية أن جلست النساء في دورهن لايخرجن منها فى العالم القروى أو البوادي وكان هذا الوضع سائدا أيضا في المدن حتى جائت أزمنه ألزمت النساء بأن لايخرجن من بيوتهن الا للضرورة بعد أن صرن عرضة للخطف من قبل عصابات وتهريبهن بعد تخديرهن لاماكن بعيدة تتحول فيها المسلمة الخرة الي أمة تباع في سوق الرقيق.ثم تم تكريس حجاب نساء المدن الكامل سواء داخل االمنازل أو خلف ملابس تغطيهن تغطية كاملة في البلدان التي خضعت للدولة العثمانية وحكم الاتراك وعرف معهم مفهوم الحريم. استمر هذا الوضع الي بدايات القرن العشرين فخرحت النساء في المدن بداية للتعليم الذى كان شبه محرما عليهم من قبل فيما عذا بنات العائلات الثرية التي كان الاب يحضر لبناته مدرسين في قصره.وبعد التعليم خرجت المرأة أيضافي المدينة للعمل والمشاركة في الانتاج وزيادة دخل الاسرة. بينما كانت المرأة القروية مشاركة دائما في انتاج الاسرة داخل وخارج دارها.
لقد أضحي خروج المرأة للعمل ظاهرة عامة لايمكن تجاهلها ، ووضعا مستجدا وجب التعامل معه بفكر جديد غير الذين كان سائدا في القرون ا لخمس أو الست السابقة علي القرن العشرين والتي ألزمت فيها المرأة أن تقر في بيتها بالمدينة، والتى عمل الفقهاء فيها علي اضفاء المشروعية الدينية على ماساد من أوضاع خلال تلك الازمنة ومن أقوال وأراء تحقر من شأن المرأة وتحط من أدميتها وتنزع الثقة منها وتعتبرها مصدر فتنة وشر . ولايمكن أيضا أن نتجاهل متطلبات الأنا عند الرجل والمرأة سواء بسواء ورغبتهما في الاحساس بالذات أو تأكيدها.وتحتل الملابس جزءا هاما من الاحساس بالأنا أى الاحساس بقيمة الذات وبتميزها وهذا أمر لايمكن انكاره.والأنا المعتدلة ظاهرة فطرية وايجابية بخلاف الأنا المتضخمة التي تعتبر حالة مرضية.
أن الملابس سواء كانت مخصصة للظهور أمام الزوج والتي يطغي فيها الكشف علي الغطاء أو كانت مخصصة للعموم ويغلب فيها العطاء علي الكشف.يجب أن تحقق متطلبات الأنا المعتدلة..واذا كان الرجل يحرص علي أن يكون انيقا وأن تطهر نعمة الله عليه قان المرأة لاتختلف عنه في هذا الشأن ، بل هي أكثر منه رغبة في ذلك وهو ماأخذه الاسلام في اعتباره عندما حعل من حقها التزين بالذهب ولبس الحرير وحرم ذلك علي الرجال. وتحريم هذا الحق علي المرأة هو مناف للفطرة ويعد نوعا من التسلط والقهر واهدار لمقتضي العدل ولحقهن في أن يكون لهن مثل الذى عليهن بالمعروف.
اذن لايمكن أن نطالب المرأة التى تفي ملابسها بمتطلبات الحجاب من اخقاء الزينة وتغطية جيبها أساسا بألا تكون ملابسها متسمة بالأناقة والجمال. أي المحافظة على التوازن بين متطلبات الدين ومتطلبات الانا.
بعض النساء يخرجن حاليا الي الشارع وعليهن ملابس تغطي أجسامهن بالكامل ومع ذلك يعد العرى الكامل أفضل منها وأقل تاثيرا علي الرجال واثارة لشهواتهم. فتلك الملابس تغطي الجسم شكلا وتعريه وقعا وتكوينا عند ما تلتصق عليه وتكشف كل خطوطه وتفاصيله بما لايقلف عن ما يكشفه العري الكامل.و هي الثياب المصنوعة من الجرسيه أو اللاستيك. وهذا النوع من الثياب وهو يكشف تفاصيل مايغطيه يؤكد أن الشكل قدة يكون خادعا ومراوغا مالم يتم ربطه بالمقاصد التي يعمل من أجل بلوغها النص الشرعي.
وكما شرع الحجاب للتمييز بين المؤمنات وغير المؤمنات ، فان ملابس المرأة المسلمة الملتزمة بكتاب الله وسنة رسوله يجب أن تساعد هذا الزمان علي التفرقة بينها وبين المنفلتات من أحكام الشرع والخارجات عليها حتي اذا ماسعي المؤمن للزواج من مؤمنة صالحة لم يختلط عليهم الأمر من حيث الشكل والذي من بعده يمكن التأكد من مطابقته للجوهر خلال فترة الخطوبة ، فان لم يكن الجوهر مطابقا للشكل وجب علي الخاطب انهاء خطبته والا يوهم نفسه بأنه مادام أعطي كلمة سبقت يجب أن يتمم الزواج وان كان اتمامه خطأ أو أن الامر صار من القضاء والقدر الذي يجب الاستسلام له ، لأن الانسحاب من البداية أفضل من الاستمرار في زواج محكوم عليه بالفشل وسيتسبب عنه قدر كبير من المعاناة للطرفين إن اتماه وقد يكون من ضحاياه أطفال أبرياء أيضا.

اللعبة بين الزوجين:
لعبة الكشف والغطاء التي تمارسها الزوجة عندما تتهيء لمشاركة زوجها الفراش هي لعبة وفن أيضا يحسن بالمرأة أن تتعلمهما وتمارسهما . والزواج كما يقال عنه لعبه جد وجده لعب . فملاعبة الرجل لزوجته لاثارتها قبل الجماع هو لعب يستهدف بلوغ نتيجة جادة.وكذا ممارسة لعبة الكشف والغطاء من قبل أحد الزوجين وخاصة الزوجة لاثارة الطرف الآخر. و سواء كان ذلك في وقت القيلولة أو في المساء . ولوأن الغرض منه في الاساس هو الاثارة الشبقية فانه يحسن الاستمرار في ممارسته حتي لوكانت الزوجة حائضا ومن المستحيل أن يقربها زوجها ، وذلك حتي تأخذ تلك اللعبة وذاك الفن حكم العادة المتكررة يوميا ولاتنقطع. وتكرارها لايفقدها قيمتها أو يجعلها مملة لأن تأثيرها سيكون بمثابة برمجة لعقل ورغبات الزوج الذى سبقها الى الفراش وينتطرها فيه وبحيث تكون تصرفاته بعد ذلك بمثابة رد فعل شرطي لاارادي بمرور الوقت وعادى لديه لايمكنه التخلص منها.
تبدأ اللعبة بأن تنتحي الزوجة جانبا في غرفة النوم لتستبدل ملابسها فيه وتكون مسبقا قد وضعت على مقربة منه الملابس التى ستنام بها الي جانب زوجها فى الفراش والتي قد تتخلص منها أو يجردها منها زوجها عند البدء في ممارسة الشبق. تدير الزوجة ظهرها للزوج وتبدأ بهدوءوبطء شديد خلع ملابسها قطعة اثر أخرى حتى تبدو عارية تماما ولايظهر منها سوى ظهرها .بعدها ترتدى ثوبا للنوم من قطعتين، ثم تلتقط" روبا" طويلا وتستدير لمواجهة زوجها وعلى شفتيها ابتسامة ثم تقوم بربط حزام "الروب" وعندما تصل الي الفراش حيث سيقها اليه زوجها تقوم بفك رباط الروب وخلعه بهدوء والقائه جانبا قبل أن تندس تحت الغطاء الي جانب زوجها.وقد تتجه بالروب الة المرآة وتجلس أمامها وتتعطر وتمشط شعرها وتصلح من زينتها أو تخلع أقراطها وهي ترقب ردود فعل زوجها التى تعكسها صورته في المرآةأمامها وبناء على ردود فعله تتعجل أو تتأخر في البقاء أمام المرآة. ولايكون تصرفها ثابتا وانما يتغير كل مرة حسب تقديرها .فقد تجده مستلقيا على ظهره فتتجه اليه مباشرة وتلقي بنفسها فوقه وجسمها ممتد بطول جسمه ، مقبلة معانقة، قبل أن تعود وتنام الي جانبه أو تدخل تحت الغطاء في صمت وتلتصق به وتتحسس جسده بيده ان كان قد ادار ظهره اليها فان استدار لمواجهتها أدارت له ظهرها بدورها من قبيل الملاعبة والتدلل.فاذا راح يتحسس صدرها ويقبلها وأحست أنها قد لانت أوصالها وتهيأت للوصال عندئذ تستلقي علي ظهرها وتجذبه اليها. فان جردها من سروالها وأخذ مكانه بين ساقيها انثنت نحوه وجردته مما يكون قد تبقى من ملابسه قبل أن تمكنه منها. فإن انتهيا من ممارسة الشبق حرصت علي تغطيةعريهما أو ارتداء الثياب التي كانت قد تجردت منها .
مايمكن أن يتغير في هذه اللعبة المتكررة كل ليلة أيضا هو لون الثياب التي يستعملها الزوجان داخل غرفة النوم أو في الفراش وأنواعها.

مايجب تغطيته مطلقا:
مايحرم شرعا الكشف عنه من أحد الزوجين للأقارب والأصحاب والجيران والأغراب هو مايكون بين الزوجين عندما يجمعهما فراش واحد.فهذا الأمر يجب أن يظل مغيبا لايعرفه سوى الله المطلع علي السر وما أخفى والزوجين. وحتى اذا سؤل أحد الزوجين عن هذا الأمر من قبل والد أو والدته والذى يلتزم شرعا بأن يقول لهما قولا كريما إكتفي بالقول بأن مايحدث بينه وبين زوجه هو مايحدث عادة بين أي زوجين دون أن يقدم أية ايضاحات أو تفاصيل. يستثني من ذلك فقط حالة مااذا كان الزوج مصاب بعجز أو قصور شبقي ففي هذه الحالة وجب على الزوجة اخبار أحد والديها على أن يقتصر التصريح بذلك عليهما وحدهما لكي يريا في هذا الأمر رأيهما . وإن ترتب على ذلك انفصال باتفاق وتراض وجب كتمان هذا السر وعدم اشاعته.
مايجب أيضا تغطيته وعدم الكشف عنه هو علاقات كل من الزوجين قبل الزواج. لايجب أن يسأل الزوج زوجته عن علاقاتها قبل الزواج به ولايجب أن تسأله أيضا عن علاقاته قبل الزواج بها. وإن سأل أحدهما وجب على الآخر أن لايخبره بشيء ويكتفي بالقول بأن حياته بدأت بعد الزواج وأنه نسي ماكان قبل الزواج ولايرغب في تذكره.وأنه اذا كان هذا الأمر يهمه وجب عليه أن يسأل عنه قبل الزواج وليس بعده.أما بعد الزواج فقد قضي الأمر وعليهما النظر الى المستقبل وليس التعلق بالماضي. إن المراوغة في الاجابة عن هذا السؤال أفضل من الإجابة الصريحة عنه حتي لوكان المسؤول من الزوجين لايجد في ماضيه مايشينه أو يسىء اليه أو أنه مارس حقا مشروعا له ليس من حق زوجه أو زوجته سؤاله عنه وأنما يحاسبه علي حاضره معه بعد أن جمعهما الله معا علي كتابه وسنة رسوله. وقد يكون في ماضي الزوجين ماستره الله عليه فلايحق لأي منهما فضحه. أما القول الشائع عن ضرورة المصارحة فإن ضرره أكثر من أي نفع له.
مايجب على الزوجين أيضا الحرص على حفظه وعدم الكشف عنه مايكون أحدهما قد أسر له به ولايجب أن يعرفه سواهما .
إن حفظ كل منهما للغيب بما حفظ الله يشمل ماسبق كله الي جانب حفظ كل منهما لعرضه في غيبة الآخر. فعلى هذا بايع الرجال والنساء رسول الله صالي الله عليه وسلم عن معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال قال: ثم دعا النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وعمر أسفل منه، يبايع النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً»، وقال ابن حيان: كانت بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفاء، بعد ما فرغ من بيعة الرجال، وهو على الصفا وعمر أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، قال الخضيري: هذا، ولما تمت بيعة الرجال بايعه النساء عدم الإشراك بالله،عدم السرقة،عدم قتل الأولاد، عدم الاتيان ببهتان، عدم المعصية في المعروف أي في كل أمر هو طاعة لله وإحسان إلى الناس ..وقد ورد نص بيعة النساء في كتاب الله على النحو الاتي: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن إنَّ الله غفور رحيم، نزلت يوم فتح مكة، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بها النساء على الصفا بعد ما فرغ من بيعة الرجال على الإسلام والجهاد. وكان عمر بن الخطاب يبلغه عنهن وهو واقف أسفل منه. وهذه البيعات تلزمنا بنفس القدر الذى التزم به المسلمون الاوائل.
وحفظ العرض لايقتصر علي عدم اقتراف الزنا وانما يدخل ضمنه عدم السماح لغير المحارم بدخول بيت الزوجية في غياب الزوج .والمقصود الذكور بالنسبة للزوجة والاناث بالنسبة للزوج.ويشمل الحظر شقيق الزوج وزوج الأخت بالنسبة للزوجة مالم يكن مع شقيق الزوج زوجته أو أحد والديه وزوج الاخت زوجته. وكذلك أخت الزوجة وزوجة الاخ بالنسبة للزوج. وقد حرم ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال محذرا منه : الظئر الموت . أي أن استقبال أحد الزوجين ظئره في بيته في غياب زوجه وانفراده به هو الموت بعينه أو نظير للموت لأنه فد يترتب عليه الشك القاتل الذى يقطع الارحام ويفسد الحياة العائلية ويخرب أكثر من حياة زوجية.لا يجب لأحد الزوجين التذرع بوجوب الثقة فيه فالحرص على الثقة يقتضى عدم اتيان ماقد يتسبب في زعزعتها أو فقدانها ويتطلب النأى عن الشبهات. اذا جاء شقيق الزوج ومعه والده أو والدته أو أخته أو زوجته الي بيت أخيه في غيابه يمكن في هذه الحالة أن تسمح له زوجته بالدخول فالسماح هنا لمن معه وليس له تحديدا. ويجب عليه أيضا إن لم يجد أخاه أن يمتنع عن دخول البيت وحده ويستوى في ذلك عما اذا كانت زوجة أخيه ابنة عمه أو عمته أوخالته أو من عائلة أخرى.وبالتالي يشمل الحظر من هم أوهن ابعد قرابة ممن ذكر.
لايجب لأحد الزوجين أيضا أن يحاول معرفة مالايريد زوجه الكشف عنه ويتعلق بذمته المالية. فالاسلام أقر بأن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة وله أيضا حرية التصرف في ماله. وقد يكون للزوجة نشاط تجاري أو لها أملاك موروثة أو مكتسبة تديرها بنفسها أو لها حسابات بنكية وأوراق ومستندات تخص ذلك فلايحق للزوج أن يفتش فيها سواء في حضورها أو غيابها ليطلع علي محتوياتها بدون اذنها ورغبتها . صحيح أن زواجهما يجعلهما يشكلان كيانا واحدا ولكن ذلك لايعنى أن مال كل منهما صار بالزواج مشاعا بينهما الابماسمح به صاحب المال عن طواعية أو التزاما بحق أو واجب شرعي.ونفس الشيء لايحق للزوجة أن تفتش في أوراق زوجها أو أن تفتح رسالة واردة من البنك أو من غيره باسم زوجها.
خارج نطاق الذمة المالية ، لاتوجد خصوصيا لآحد الزوجين , ولكن لايجد أن يصدر من أحدهما مايخل بالاحترام المتبادل بينهما والثقة المتبادلة والواجب احترامها أيضا.
لقد تصادف وجودى في أحد المقاهي بالرباط وكان يجلس حول المنضدة المجاورة شاب غاضب وأمامه فتاة جميلة في مقتبل العمر تسيل الدموع من مقلتي عينيها على خديها الموردين , وبينهما جلست سيدة أكبر منهما سنا قد تكون أخته أو أختها ، كان صوت الفتاة الباكية خافتا لايكاد يسمع أما صوت الشاب فكان مسموعا. وقد تبين من كلامه أن الفتاة زوجته وأنهما حديثا العهد بالزواج وقد عمد بوقاحة متناهية الي فتح حقيبتها وافراغ مافيها وتفتيش جيوبها وراح يفتش أيضا فى هاتفها عن ماسجلته من ارقام فيه ولما اعترضت ثار عليها فغادرت البيت الى بيت أهلها. لم يجد الشاب في حقيبتها أو في هاتفها مايمكن له أن يؤاخذها عليه . وقد جائت بها السيدة لتصالحها عليه.لم يعتذر الشاب لزوجته أو يعتذر لها عما بدر منه في حقها وإنما راح يدافع بصفاقة عن تصرفه معللا له بأنه كان يمارس حقه ليس كزوج وانما باعتباره هو الذى اشترى لها الحقيبة والهاتف وانها هي وحقيبتها وهاتفها ملك له ومن حقه أن يتصرف في ملكه كماشاء. كانت الفتاة غير مقتنعة بمايقوله والسيدة الوسيطة تغمز لها أن تصمت حتى نتجح وساطتها بينما الشاب يواصل التمادى في أهانتها واذلالها ولايرحم دموعاها وانكسارها وهي معه في مكان عام.
بالتأكيد ليس من حق أى من الزوجين أن يخفي على شريك حياته أمرا ولكن أيضا ليس من حق أحدهما أن يحاول كشف مايتوهم أن الأخر يخفيه عنه وإظهار شكه فيه بدون مبرر ففي ذلك اخلال بالاحترام المتبادل الواجب أن يظلل حياتهما الزوجية ولايجد أيضا علي أحدهما أن يمن على الاخر بما اشتراه له وصار ملكا خاصا له.
مايلزم كشفه مطلقا :
ثمة مثل مصرى يقول : " الحجر الخفي يكسر سلاح المحراث" وأكثر ماينطبق عليه هذا المثل هو الحياة الزوجية ـاذ هناك أمور لايجب علي أجد الزوجين أن يفعلها في الحفاء بدون علم شريك حياته وانما أن تكون مكشوفة له وفي النور طول الوقت.منها التواصل عبر الماسينجر أو الشات في شبكة الانترنيت مع أغراب . دوافع وأسباب الاقبال علي الشات فيها ماهو ايجابي وفيها ماهو سلبي . مما هو ايجابي السعي لتبادل المعارف والخبرات وأيضا الحاجة الي تحقيق الراحة النفسية والمحافظة على الصحة النفسية لمن تكون دوافعه نفسيه حتى ولم يكن واعيا بها. ومنها بحث الفتاة الغير متزوجة عن زوج مناسب لها وهو يمثل رغبة مشروعة وإن وجب عليها الالتزام بالحذر وعدم الاندفاع في علاقات قد لاتكون في صالحها.وهناك طائفة واسعة من ممارسات الشات الضارة بأصحابها ومن ذلك أن يدمن عليه المراهقون والمراهقات فيهملون دروسهم ويفشلون فى دراساتهم. وقد تتشابكك الرغبة في الحصول علي المعرفة وتبادل الخبرات مع دواقع نفسية واضح’ أو خفية.
من ذلك مثلا تتواصل زوجتي مع عجوز نرويجي ميسور الحال يبلغ من العمر 85 عاما ومهتم بالروحانيات وتدخل معه في جدل بالانجليزية حولها. ولوأنه يساورني شك في أنها ربما تطمع في أن يتذكرها عندما يكتب وصيته فترث شيئا من ثروته وتغتني وتعايرني بصداقتي للفقر التي توثقت به منذ تعرفت عليه قبل سنوات وارتاح الي وقنعت به.
بدورى ربطت اتصالا بفتاتين تقيمان في مدينة الاسكندرية المصرية واحدة منهما متزوجة. وأشعر بالفرحة وتغمرني السعادة كلما اتصلت بي احداهن وخاطبتنى بكلمة : "بابا فوزي". في المغرب هنا لايعلمون أولادهم احترام كبار السن . أبلغ من العمر سبعين عاما ولايتردد طقل في العاشرة أو شاب لم يبلغ الثلاثين من عمره أن ينادينى باسمي مجردا بلا: ياعم أو ياخال أو ياأبي أو ياحاج أو ياأستاذ. المثقفون الكبار في السن فقط الذين يسبق خطابهم لي عادة كلمة :استاذ. فتاة مغربية واحدةحصلت علي الدكتوراه في العلوم السياسية مؤخرا أحببتها حبي لابنتي لسبب واحد ربما ، هو مناداتها لي بياعم أو علي وجه الدقة بأونكل فوزي. وهي نفس المحبة التى أحملها للفتاتين في الاسكندرية اللتين أعتبرهما كأنهما بناتي من صلبي وأعز.
مأأريد توصيله لكل من يقرأ هذه الكلمات من الشبان والشابات هو أنه لايجب للشاب المتزوج أن يربط اتصالا بامرأة حتي لوكانت عجوزا وتقيم في اخر الدنيا دون علم زوجته ، ولا الشابة المتزوجة أن تربط اتصالا برجل ولوكان عجوزا ويقيم في أخر الدنيا دون علم زوجها. بل ويجب كل منهما أن يطلع الاخر علي مضمون هذه الاتصالات وأن يمارسها في وجوده وتحت عينه ماأمكن.
هذا العمل على المكشوف هو الذي يمكنه المحافظى علي العلاقة الزوجية ويحميها من أي هزات تصيب استقرارها. على الزوجين معا أن يتذكرا دائما المثل المصري الذى سبق ذكره وهو :" الحجر الخفي يكسر سلاح المحراث" حتى يحافظان على سلاح المحراث في حياتهما الزوجية فلا يتحطم.
فوزي منصور
fawzym2@gmail.com