Friday, December 19, 2008

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى - الجزءالتاسع: عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى الجزءالتاسع: الإحســـــــان

الإحســـــــان

الإحسان لغة هو الاتيان بكل ما هو حسن.واصطلاحا: الإتيان بما هو مطلوب شرعًا على وجه حسن.ونجد في سورة الذاريات وصف للمحسنين ، إذ يقول الله عنهم :
"ِإنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَـاهُمْ رَبُّهُـمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ # وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ *وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ "(الذاريات :15-23).
وتعددت الآيات في القرآن المتعلقة بالإحسـان. فقال سبحانه: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"[سورة البقرة :195] ,وفال في قضـل الإحسـان والمحسنين :« فَآتَـاهُمُ اللَّـهُ ثَـوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَـوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »(سورة آل عمران:148). وقال:”إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ »(سورة النحل:128) وقال: «  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(سورة العنكبوت:69).وفي جزاء المحسنين:
“هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ»(سورة الرحمن:60). فمن أحسـن عمله؛ أحسـن الله جزاءه، وقد أوضح الله سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين, وأنه أعظم جزاء و أكمله, فقال تعالى:« لِلَّذِيـنَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ..».[سورة يونس:26]. وقال: «..وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ»”سورة البقرة:58». وقوله:«إِنَّ الَّذِيــنَ آمَـنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا*أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا» (سورة الكهف:30و31). وقوله:« وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى »(سورة النجم:31). وقوله:” وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »(سورة التوبة:100). وقوله:« بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْـهِمْ وَلَا هُـمْ يَحْـزَنُونَ»(سورة البقرة:112). وقولـه:«...إِنّ رَحْمَـةَ اللَّـهِ قَرِيـبٌ مِـنَ الْمُحْسِـنِينَ »(سورة الأعراف:56). وقال: "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ، وقال:"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِيـنَ اتَّقَوْا وَالَّذِـينَ هُـمْ مُحْسِنُونَ" , وقال: "وَالَّذِيـنَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَـنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَـعَ الْمُحْسِنِينَ" .وقوله :"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ" ا" وقوله: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" الآية, وقوله: "بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِـنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" , وقوله: "إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" , وقوله:« لِلَّذِيـنَ أَحْسَنُوا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِـعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ »(سورة النحل:30-31).إلى غير ذلك من الآيات .
ومن ذلك أيضا قوله تعالي في تحديد من يجب معاملتهم بإحسـان« اعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً "(النساء :36).

وأعمال الإحسان كلها عبادةوجهاد في سبيل الله تعالي ،يقول سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت: 69) وإذ يأمر الله بالعدل والإحسـان فإنه يأمر بالأحسـان فولا ومنهجا وسلوكا يقول تعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (الإسراء: 53)، ويقول تعالى: “لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (التوبة: 121)، وجعل الإسلام العمل الصالح الذي تم بإحسـان وأتقان هوالمعيار الوحيد الذي يكشـف عن قاعلية وجودالمؤمن في الحياة الدنيا وعن المدي الذي ولصل اليه في استخلافه لله في الإرض ،ومجازاته على علمله بالحسني في الأخرة حيث لا جزاء للإحسان سوى الإحسان . لذا حث الله في كتابه المسلمين على الإيمان والعمل الصالح.
إن أكثر ما تسبب في تخلف مدتمعاتنا هو تخلف المعرفة من جهة وتخلف الوعي بأهمية العمل وأ الإنتاج وسبله وإتقانه ولذا بقيناعالة على غيرنا نستهلك ما ينتجون فكرا وعملا ، ولا نعي أيضا علة تخلفنا ولا كييف نبرأ منها ، والتي يمكن إيجازها في كلمتين : غياب الإحسان بمفهومه الشامل الذي يشمل كل حركة الانسان في الكون ولاينحصر فقط فيما يفهمه الكثيرون في معني الصدقة التي يقدمونها للفقراء والمساكين.
.
ويقول الدكتور عباس محجوب :"إن المجتمع المتعلم هو المجتمع الذي يبـشر بالحضارة والرفاهية والنظام والتخطيط والإنتاج والازدهار، وهو المجتمع المعصوم من الفوضى والتسيب، والمبرأ من الأمية والجهل والخرافة، وكل مظاهر التخلف الحضاري والعلمي، وهو المجتمع الذي يربط الأسباب بالمسببات، والنتائج بالمقدمات، ويكتشف قوانين الله في الكون، ويحسن التعامل معها والاستفادة منها، وأول آيات الوحي كانت دعوة إلى المجتمع المتعلم المعتمد على المنهج العلمي.والمنهج العلمي الذي أصله المسلمون وعممه علماء الحديث، وقبل ذلك وضع أساسه القرآن الكريم هذا المنهج هو الذي أوجد مجتمع العلم والحضارة وكان سر التقدم وبناء العقلية المسلمة على منهجية العلم والإيمان.والذين يظنون أن أكثر المؤسسات الفارغة من المضامين العلمية الحقيقية يمكن أن تحدث تغييرا في المجتمع هؤلاء واهمـون،لأن هذا النوع من التغيير سيكون تغييرا شكليا مظهريا أجوف لا قيمة له في الحياة ولا أثر له في عملية التنمية والتقدم وسنظل نحرث في البحر ونضرب في حديد بارد."

أركان الإحسان:

أركان الإحسـان مثل أركان الإسلام خمسـة هي : الأسرة والخلافة(أي استخلاف الانسان في الأرض لإعمارها) والتكافل والمعاملة والولاية(أي تولي تدبير شئون الدولة أو الغير عموما بما يتفق مع شرع الله). وهي المجالات الخمسة التي تدخلت العقيدة لتنظيمها ،وسنت لها أحكامها ، وحددت لكل قيما ومبادئا لبناء مجتمع للمسلمين يكفل العدل والأمن والوحدة والحقوق والسلام والززق الحلال لكل من فيه.

وبالإحسان يكتمل مثلث العقيدة ، والذي يمثل فيها الجانب العملي المتمم والمكمل للآيمان بصفته الأساس النظرى والفكرى للعقيدة. فالإحسان هو الترجمة العملية للعلم اليقيني الثابت إلى جانب كتاب الله وسنة رسوله ، بالعقل والبرهان. أو الذي توصل إليه بفطرته الوجدان، أو وجد دليلا عليه في القرآن، فتحول إلى عمل مشهود وواقع معاش ، وتقوى ظاهرة للعيان. وهو جماع أغمال صالحات وجهود مبذولة في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، أو صدوعا وطاعة لأوامره وتوجيهاته ، وجميعها تعد من العبادات ، حتي لو كانت يسيرة مثل إزالة حجر أو إماطة إذي من الطريق لتيسيره على السالكين.أو كانت تعود بنفع مباشرعلى صاحبها مثل زرع نبته أو غرس فسيلة .
أو عمل أقدم عليه بدافع من الغريرة والشهوة كوصال الزوج لزوجته طلبا للمتعة أو النسل فيثاب عليه كلاهما. فجميع هذه الأعمال وما يشابهها ، ويقل عنها أو يزيد ، اعتبرتها العقيدة من الأعمال الصالحات وبالتالي من الإحسان الذي تحركه التقوى ويقوم على الإيمان.ومن العبادات التي يثاب عليها صاحبها ويجزيه الله عليها خيرا في الدنيا والآخرة.
وكلمة إحسان مشتقة من الحسن وهو الجمال ، والله جميل يحب الجمال.ويكره القبح والسوء في الخلق والفعال. لذا يجزى على العمل الحسن إذا تم إيمانا واحتسابا وحبا فيه . قال تعالي: « ومن يعمل صالحا وهو مؤمن ، فلا يخاف ظلما ولا هضما»(طه:112) . ولأن الله هو مالك الملك وملك عادل في ملكه، وشريعته منهاج عدله وحكمه ،فهو يكره الفسوق والعصيان، ويكره الإثم والعدوان، وحرم في مملكته الظلم بالاعتداء على النفس أو المال أو العرض ، أو سلب حقوق الناس في الحرية والعزة والكرامة ، أو إرهاقهم من أمرهم عسرا، أو أن يلحق بهم أحد ضرا أو يسلبهم الأمن والطمأنينة والسلام ، ويحب لهم حكما يكفل لهم حد الكفاية والأمان ، لا الذي يصل بهم إلى ما دون الكفاف وحافة الحرمان. وهذا هو الشريعة المضيئة وحكم الرحمن ، الرؤوف بعباده الرزاق الكريم المنان . وشريعته تلك كما وصفها أبي يرحمه الله:
شريـعة الله فوق الرأي ما فتئت * وفوق ما يصنع الإنسان من نظم
فتلك بتعث ما في النفس من أمل * وتلك تقتل ما في النفس من همـم
ومافي النفوس وما فيه من عواذلها * بعادلات وإن أحســـن في القسـم
والعقل مهما سمت بالرأي فكرته * لم تخل فكرته يومـــا من الوهــم
ولايأبي الحكم بشرع الله ويتجنبه من الحكام سوى :الطاغية الكافر أو الفاسق أو الظالم لأنها تحمي حقوق وأموال وأعراض الناس منه ، قلا يمكنه في ظلها أن يمارس الغصـب والسلب والنهب وانتهاك الحرمات ، ولا تستطيع العصابة المسلحة المسخرة في خدمته أن تعيث في الأرض فسـادا ، ولا يتعدى حدود الله ، ويبطل سننه إلا من ظلم نفسـه . وضرب الله مثلا” بقرية كانت آمنة مظمئنة يأتيها رزقها رغدا فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون “.

والامتناع عن العمل بما حكم به الله ورسوله مع العلم بأحكامهما : كفر أو شرك بالله وليس محرد سيئة تذهبها الحسنات “والله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به” . والذين أسرفوا على أنفسهم وطلب منهم الله ألا يقنطوا من رحمة الله لايدخل في عدادهم من ماتوا مشركين أو كفارا، ممن أفسدوا في الأرض وأكلوا حقوق وأموال الناس بالباظل ، وجعلوا المال دولة بينهم دون غيرهم من مستحقيه وأصحابه الشرعيين ، وظاهروا المجرمين ، وفرقوا وحدة صف المسلمين ، ولم يحكموا في دينهم ودنياهم بما أنزل الله من حكمة وهدي ورحمة للعالمين، وإنما اتبعوا خطوات الشيطان ، فأضلهم عن سواء السبيل.

وأما” الذين آمنوا وعملوا الصـالحات وأخبتوا إلى ربهم (أي أنابوا إلى ربهم وأطاعوه وأنفذوا حكمه) أولئك أسحاب الجنة هم فيها خالدون”(هود23) . وكبف بهما يستويان “ أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير “ (آل عمران :162) بل شتان بين الفريقيين ، وإنما النعمي“ للذين أحسنوا الحسنى
ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة “(يونس 26).

إن المقصود بتطبيق شرع الله هنا ، هو وجود نظام حكم عادل يكفل الأمان للناس ويراعي مصالحهم في تحصيل العلم وفي العمل به ، أي الإحسان ، وهم متمتعون بالحرية والكرامة والعدل وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ، وكل ذلك تؤمنه أحكام الشريعة . ولو أمن هذا المناخ أي حكم وضعي أخر كان مثله مثل شرع الله لايوجد ما يمنع من قبوله والعمل به ، طالما ليس فيه مخالفة صريحة لما حكم به الله ورسوله . ومع ذلك فإن عدم وجود مثل هذا الحكم لايمنع الناس من أن يتحدوا لتحقيق مصالح مشتركة لهم في معزل عن الحكم الفاسد . ودون اعتماد أو تعويل عليه.

ففي أركان الإحسان الخمسـة أربعة تهم الناس ، ولا علاقة لحاكمهم بها ، وهي الأسرة والخلافة والتكافل والمعاملة ، ولا يخص الحكام سوى ركن الولاية العامة. وبالتالي فبين يدي الناس 80% من حقول الإحسان ومجالاته. ولو أحسنوا فيها لمتعهم الله بولاة أمر محسنين يختارونهم من بينهم ، ممن جمع بين العلم والتقوى وسلك سبيل العدل والاعتدال.
ولكل ركن من أركان الإجسان شعب وتفرعات منه أجملها على النحو التالي :

.1– الأسرة : الزواج وتوفير دخل للآسرة يكفل حد الكفاية، وتربية وتعليم الأولاد ،والبر بالوالدين وصلاة الأرحام ، وعلاقة الأسرة بالمجتمع ،وتأمين مستقبل الأسرة في حالة تقاعد وليها أو عجزه عن العمل.
.2- الخلافة : وتتضمن العمل العائلي والجماعي في إعمار الأرض وتجميلها وزيادة المنفعة المحصلة منها والمحافظة على البيئة والقيم الثقافية والحضارية.
.3- التكافل : وتتضمن الملكية والمال والعدالة الاجتماعية والتنظيم الاقتصـادى والمالي والزكاة والصـدقات والخدمات العامة. وتنفيذ مخططات التنمية الشاملة والانسانية وتدبير الاقتصاد الكلي على وجه العموم .
.4- المعاملة : وتتضمن البيع والشراء وعلاقات العمل والجيرة وتطبيق القيم السلوكية والأخلاقية المرتبطة بها.
.5- الولاية : وتتضمن القوامة على الإسرة والولاية على الناس والمال والوصاية على القصر والأيتام ورعاية المسنين والفقراء والمسـاكين، وتدبيرشئون الحكم والسياسة والقضاء والأمن والدفاع بما لا يتعارض مع قيم العقيدة...

الركن الأول : الأســـرة:

اهتمامنا بالأسرة له شقان : واحد خاص بالأسرة كزوج وزوجة وأولاد وهي التي تحمل في علم الآجتماع مصطلح الأسرة النووية والثاني يهتم بنقل نظام وفلسفة وقيم الأسرة ألى المجتمع المسلم ككل بحيث يتم التعامل مع المجتمع كأسرة واحدة متحدة ومتكاملة ومتكافلة وكالبنيان الواحد يشد بعضه بعضا والتي تحل محل ما يعرف في علم الاجتماع بالأسرة الممتدة والتي انحلت أو بدأت تنحل عراها وتتفكك في العصر الحديث وتختفي كلية من المشهد الاجتماعي أو يشحب وجودها فيه..
بالنسبة للشـق الاول فإن الأسرة النووية تتكون من اتحاد إمرأة بالغة برجل بالغ اتحادا نفسيا وبيولوجيا واجتماعيا كاملا .. أشبه في السياسة بدخول دولتين في وحدة اندماجية يفقد كل منهما فيها ما كان لهما من هوية وسيادة وعلم ونشيد كان يميزها عن غيرها لحساب هوية وسيادة وعلم ونشيد وخصائص جديدة ناشئة عن الوحدة . وهذا يجب أن يحدث عندما تتحد إمرأة ورجل ويكونان أسرة.
وفى الطبيعة لا تتكون الثمار إلا بعد أن تتحد الذكورة والأنوثة في وحدة معادلتها 1+1=1 وليس 2. ولذا يمكن القول بأن الأسرة ذات شخصية معنوية كاملة ومستقلة وموحدة بصـرف النظر عن تعدد الأفراد فيها ، لأن الأولاد الناجمون عن الزواج يلحقون بها ويكونون جزءا لا يتجزأ منها . أو أنه هكذا كان يجب أن تكون. وعلى سبيل المثال فإذا كان معدل دخل الفرد في الناتج القومي هو أحد المؤشرات الأقتصادية المعمول بها على نطاق واسع في العالم ، فإنه يجب أن يحل محله في الفكر التوحيدى معدل دخل الأسرة أو نصيبها من الدخل القومي. كما أن المجتمع المسلم لا يتكون من مجموع الأفراد وإنما من مجموع الأسر . وبذلك يحل مفهوم الأسرة محل مفهوم الفردانية في الثقافة الأوروبية أو لدي الدول الرأسمالية الغربية.
ونلاحظ أيضا أن الوحدة بين الذكر والأنثي التي تأخذ وضعها القانوني والاجتماعي بعد إتمام الزواج واجتماعهما معا تحت سقف واحد في بيت الزوجية ، فإن الإعداد والتحضير لها سابق على عقد وإتمام الزواج . قال تعالي : « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكما مودة ورحمة “(الروم 21) ، وقوله تعالي : « والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات ، أفبالباطل يؤمنون، وبنعمة الله يكفرون”(النحل 72). ويستفاد من هاتين الآيتين المبادئ الآتية:

1- أن الرجل والمرأة من نفس واحدة أي من جنس واحد هو الجنس الإنساني ولا يجوز التفرقة بينهما على أساس الفروق البيولوجية التي تميز كل منهما لكي يكونان معا أسرة واحدة . وهما ليسا نوعان حتي يحتاجان إلى مقاربة حـسب النوع على نحو ما يقول به النسـوانيون الجدد . وهم أيضـا بصقتهنما من نفس واحدة لهما نفس الحقوق ، أي يجب أن بتمتعا بمساواة كاملة دون أدني تفرقة أو تمييز في هذه المساواة.وأي مقاربة للرجال والنساء أو ذكور وإناث الإنسان يجب أن تكون على مستوى الأسرة الإطار الجامع لهما من الصغر إلى الكبر.

2- أن ألأسرة هي أية من أيات الله ، سواء في المجتمع الإنساني أو في مجتمعات المخلوقات الأخرى التي يوجد فيها هذا النظام على نحو ما . ولكنها في المجتمع الإنساني بالإضافة إلى أنها آية من آيات الله هي أيضا نعمة من الله تستوجب الحمد والشكر عليها.

3- إن الرزق مرتبط بتكوين هذه الأسرة مما يتطلب أن تكون وحدة الحكم على نجاعة الاقتصاد وعدالته وليس الأقراد.

4- إن التحضير لإقامة الأسرة يرجع إلى بداية الخليقة ، بالإضافة ألي تحضيرات تسبق أقامتها مباشرة ، وبالتالي فإن نقل مفهوم الأسرة إلى المجتمع وتعميمه فيه يحتاج أيضا إلى تحضير وإعداد.

5- أن ما يميز الحياة الزوجية ، أو ما يجب أن تكون عليه لتكون متسقة مع الفطرة وما أراده الله للأسرة منذ البدء هي اشتمالها على إطمئنان كل من الزوجين للآخر والمعب عنه بالسكن والتي تدخل السكينة أيضا فيه ، والمودة والرحمة.
وتوضح الآيـات أيضـا أن الإيمان بما سبق هوإيمان بالحق وما عداه باطل ، وأن إنكار نعمة الله التي هي هنا الزواج هو كفر بالمنعم والنعمة.
يضاف ألى ذلك أن الأسرة المؤمنة المحسنة لا تحتفظ بكيانها في الدنيا فقط وإنما تمتد أيضا إلى الآخرة وتستمر في جنتها التي أعدت للمتقين ، وذلك مصداقا لقوله تعالي : « جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب “ (الرعد :23). ويلاحظ في هذه الآية أنها لا تتحدث عن الأسرة النووية وإنما التي تشمل الآباء والأمهات والأزواج والذريات من الأجيال المتعاقبة. ولا يحرم من هذه المكرمة الإلهية الجامعة للآسرة الممتدة الواحدة في مكان واحد أي الجنة إلا من خرج على قانون الأسرة المؤمنة المحسنة ، وحق عليه الطرد منها ، والذي يدل عليه قوله تعالي للنبي نوح في شأن ولده الذي عصي: « إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح” (هود :46) . وهنا يتبين أيضا أن النسب ولو كان للأنبياء لاقيمة له في شرع الله ، حيث معيار التقييم الوحيد هو العمل الصالح ، أي الإحسان.

الأسرة مملكة مستقلة لها دستورها ونظامها وقوانينها وحدودها وحرمتها ومواردها المالية وميزانيتها وعلاقاتها الداخلية بين حكومتها ورعيتها أو بين الرعايا أنفسهم وعلاقاتها الخارجية مع الممالك المجاورة أو المرتبطة بها بعلاقات الدم والرحم والمصاهرة أو مع المجتمع كله.
وهي المملكة الوحيدة التي تبدأ بالملك والملكة وحدهما بدون رعايا ويمكنها أن تستمر بدونهم . ويبدأ ظهور الرعايا فيها مع ولادة الملكة أو استئجار خدم لمعاونتها أو تربية ورعاية أيتام داخل الأسرة أو لجوء أبناء أو بنات أقارب للعيش في حمايتها . ولذا يختلف عدد الرعايا من أسرة إلى أخرى . إلا أن ما يمكن اعتباره من مزايا مملكة الأسرة المسلمة أن رعاياها متساوون في حقوقهم سواء كانوا من الأبناء أو من الأقارب أو من المتبنين أومن الخدم .فلهم نفس الحقوق في المأكل والمشرب والمأوى والتربية والرعاية والتعليم والصحة والكساء والترفيه والجميع يخضعون لنظام واحد ويعملون معا في خدمة مصالح الأسرة والمحافظة علي وحدتها ومصالحها وأمنها وسلامتهاواستقرارها وازدهارها عملا بقوله سبحانه وتعالي :" ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا"( النساء 124) وقوله : " إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض" (آل عمران195).

ويمثل الزوج والزوجة السلطة العليا الحاكمة في المملكة كشخص واحد أو يتقاسمان وظائفها كل منهما يأخذ بقسـط منها ، ويحل كل منهما محل الآخر في غيابه ، وقد يفوضان جزء من المسؤولية إلى الابنة الكبرى كتدريب مبكر لها على سلطة الحكم ، فإن تزوجت فوضت من تليها وقد يفوض أحد الأبناء أو أحد الخدم أيضا . ويظل الحكم بما أنزل الله هو النظام السائد في الأسرة وفق دستورها وميثاقها الذي تقرر منذ ارتبط ملكة وملك الأسرة بعقد زواج علي كتاب الله وسنة رسوله.فقد التزما بأن يكون كتاب الله وسنة رسوله هما المرجعية الوحيدة لهما والتي بها أحل كل منهما للآخر.هذا بالإضافة إلى ما يشرعه الملك والملكة معا مما لا يخرج عن كتاب الله وسنة رسوله ولا يتعدي حدود الله ويريان فيه مصلحة الأسرة وأعضائها . مع اعتماد مبدأ الشورى في كل ما يمس مصالح الرعية أو يضيف أعباء جديدة عليهم. وتتولي الحكومة تدبير الموارد والعمل على زيادتها ومراقبة الإنفاق حسب الميزانية وضبط النظام وتحقيق العدالة وتحديد العلاقات الداخلية والخارجية وتأمين التعليم والمعرفة والوقاية من الأمراض والعلاج منها ، وجميع متطلبات الرعية التي تتعاون مع الحكومة بدورها كل حسب إمكانياته وقدراته وظروفه لبلوغ الأهداف المقررة أو تنفيذ السياسات الموضوعة. وفي إطار من التكافل والاعتماد علي الذات الجماعية وحشد الإمكانيات وحسن استغلالها. ويندرج هذا كله في إطار الإحسان الذي أمر به الله ورسوله . وما ينطبق على أسرة واحدة ويصلح أمورها ينطبق أيضـا علي دولة كبيرة ليست في حقيقة أمرها سوى عائلة ممتدة تنتمي إليها كل الآسر الصغيرة وتكونها.

لا يستطيع حاكما الأسرة تعديل دستورها متى شاءا أ و لتحقيق غاية أو إرضاء نزعة ذاتيه ولا يؤثر في ذلك موافقة الرعية بعد استفتائها ، إذ طالما الأسرة باقية مدي الحياة ، بل قد يموت الملك أو الملكة أو هما معا وتستمر الأسرة مع ما خلفا من أبناء وبنات ، فان دستورها يتمتع أيضا بالديمومة والثبات. ودستور الأسرة يستمد قداسته من أنه عبارة عما أوصي به الله ورسوله وأمرا ولأنه بهذه الصفة أيضا يعد ثابت القيم والأحكام. وغير قابل للتعديل أو التحريف أو الإضافة أو الحذف ولا تتغير أحكامه بتغير ظروف الأسرة وأوضاعها فالزوجة التي كانت طائعة زوجها ومقدرة فضله ومزاياه لا تتبدل أن تحولت أحوال الأسرة من يسر إلى عسر . والزوج الذي صمدت معه زوجته في العسر لا يمكن أن يتنكر لها في اليسر. هذا الثبات في القيم والسلوكيات الملتزمة بها هو الذي يعبر عنه بوصف أسرة ما بأنها أصيلة خاصة إذا كانت خصالها قد توارثتها أيضا عبر الأجيال السابقة عليها من أباء وأجداد.إن فيما مثل الصدق والوفاء والأمانة والمحبة والإخاء والعدل والإحسان والبر بالوالدين وصلة الرحم والتراحم والخير والحق والجمال والكرم والإيثار ...كل هذه القيم وما إليها لا يمكن أن تتغير لأنه في حالة تغييرها سيتم الانتقال مما هو أقوم إلى ما هو أسوء وأضل سبيلا.

دستور الأسرة:
دستور الأسرة هو كتاب الله وسنة رسوله التي عليهما تم عقد الزواج المنشئ لللأسرة وخاصة قوله تعالي :" قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون (والصلاة هنا تأخذ جميع معاني اللفظ من الصلوات المفروضة إلي الصلة أو العلاقة الزوجية وصلة الرحم وصلات الجيرة والقربى والمصاهرة...والخشوع فيها هو ممارستها بأدب ومحبة وتقوى وبدون استعلاء أو كبر أو ظلم أو صخب ...) والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون (والزكاة هنا أيضا زكاة النفس والثمرات والمال والماعون) والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( الذين عادوا الله ورسوله وتعدوا حدود الله)والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم علي صلواتهم يحافظون (والمحافظة هنا تنصرف أكثر علي العلاقات بينهم)أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" (المؤمنون من 1-11)
ويمكن أن يندرج في دستور الأسرة أيضا ما أوصى به لقمان الحكيم ولده كما جاء في سورة لقمان في القرآن الكريم كالآتي :
"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ . "(لقمان من12-19)
ويدخل في دستور الأسرة أيضا الوصايا العشر التي عاد بها النبي موسي إلى قومه بعد مناجاته لربه مكتوبة في ألواح من الطين ، وهي ألواح ظلت باقية حتى عهد الملك سليمان،وهو ما يجعل احتمال تعرضا للتحريف من قبل كتبة التوراة ضعيفا إلا ما يكون نتج عن الترجمة إلى لغات متعددة حيث جاءت أول مرة بالآرامية ثم ترجمت منها إلى العبرانية والسريانية ومنهما إلى اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوربية ومنها إلى الترجمة العربية الموجودة الآن.وتقول الوصايا العشر والتي تعد ضمن ما أوصي الله به النبيين:.
(1 )"لا يكن لك آلهة أخري أمامي".(2) "لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك اله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي 3) " )لا تنطق باسم الرب الهك باطلا، لأن الرب لا ببريء من نطق باسمه باطلا". (4) اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة
أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب ألهك. (5) "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض التي يعطيك الرب إلهك". (6) "لا تقتل". (7) "لا تزن". (8) "لا تسرق". (9) "لا تشهد علي قريبك شهادة زور.(10) "لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا مما لقريبك".

عندما سئل المسيح عليه السلام عن أعظم وصية في الوصايا العشر, أجاب : " أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسـك ومن كل عقلك. هذه هي أول وأعظم وصية. والثانية مثلها, أحبب جارك كنفسك. كل الأنبياء تمسكوا بهاتين الوصيتين."
الأناجيل وهنك أيضا الوصايا العشر الواردة في سورة ألأنعام، والتي يقول فيها الله سبحانه وتعالي:
* " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .
* وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .
* وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .
* وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .
* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. (151)
* ولا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ .
* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا.
* وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى.
* وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .(152)
* وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ.
* وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153).".
إذن يستمد نظام الأسرة احترامه من تقيده بقيم ثابتة ناتجة عن ثبات مصدرها الذي قامت الأسرة علي أساس منه وهو كتاب الله وسنة رسوله.وما يتطلبه ذلك من الالتزام بمقتضيات الإيمان والإحسان. وكذلك ومع ثبات دستورها فإن نظام الأسرة يتميز بتوافقه مع احتياجات الأسرة المتغيرة ومع الفطرة وما زودت به الإنسان من غرائز طبيعية أو طبائع موروثة أو مكتسبة أو نزعات وميول ومشاعر منبثقة عن الغرائز والطبائع.كما أن نظامها يعبر عمليا عن وحدة الأسرة وتضامنها وتكافلها وتراحمها وتوائمها أيضا مع المحيط الاجتماعي والبيئي في دوائر توحيدية متتالية تجمعها وتدمجها في نسيج الأمة والدولة. وعلى الأزواج الذين ينتمون الى شمال عامة والي مصر خاصة أن يتذكروا إرث أجدادهم الفراعنة الديني والأخلاقي حيث ترجع عقيدة المصريين في أصولها إلي النبي إدريس بن شيث ابن أدم وجددها النبي يوسف بن يعقوب والنبي إبراهيم عليهما السلام . وفي ابتهالات المصريين القدامى للإله المعبود نجد ما يلي :
"- هبني درباً أمرّ فيه بسلام، لأني عادل وصادق؛ لم أنطق بالكذب عن سوء نية، ولا فعلت شيئاً على سبيل الخداع…". لم أفعل إثماً.لم أكن عنيفاً مع أي إنسان.لم أسرق.لم أذبح رجلاً أو امرأة.لم أجعل الكيل خفيفاً. لم أكن مخاتلاً.لم أفه بباطل.لم أنتزع طعاماً.لم أفه بكلمات سوء… لم أعتد على إنسان… لم أقتل البهائم المخصصة للآلهة… لم أكن فضولياً ولم أتسبب بأذى… لم أفه بكلام ضد أي إنسان… لم أذعن لغضب يخصني بلا سبب… لم أشوِّه سمعة زوج أي رجل… لم ارتكب خطيئة بحق الطهارة… لم أوقع الخوف في قلب أي إنسان… لم أنتهك المواسم المقدسة… لم أكن رجل غضب… لم أصمّ أذني عن كلمات الحق والصدق… لم أحرض على النزاع… لم أُبك إنساناً… لم أرتكب الفواحش… لم آكل قلبي… لم أتصرف بعنف… لم أشتم إنساناً… لم أتسرع في الحكم… لم آخذ بثأري من الإله… لم أكن خبيثاً ولم أصنع شراً… لم أنطق بلعنات ضد الملك… لم ألوث الماء… لم أجعل صوتي متعجرفاً… لم ألعن الإله… لم أتصرف بوقاحة… لم أسع إلى الامتيازات… لم أوسع ثروتي بما لا يخصني… لم أزدرِ إله مدينتي…" فريقيا عا

وما يجده القارئ هنا من الإلحاح علي الربط بين الأسرة والمجتمع وما هو اجتماعي بما هو سياسي يجد ما يبرره فيما سيتم التعرض إليه في حينه من أن المعاشرة الشبقية بين الزوجين، والتي تعتبر علاقة حميمة خاصة بهما وحدهما ، لها في الواقع أبعادا اجتماعية. كما أنه كما يتم تنظيم الأسرة، يمكن أيضا تنظيم الدولة والمؤسسات الاقتصادية علي نفس الأسس . هذا ما أسميه بفلسفة الأسرة التي نحتاج إلى إدراكها واستيعابها والعمل بها.

;وأورد فيما يلي بعض ما جاء في ميثاق الأسرة في الإسلام الذي أعدته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل التابعة للمجلس الاسلامى العالمي والذي يغطى كل ما يتعلق بالأسرة وفق الشريعة الاسلامية:
رسالة الإنسان الربانية
مــادة (1) عبادة الله وعمارة الأرض
كَرَّمَ الله الإنسان وَفَضَّلَهُ على كثير من خلقه، واستخلفه في الأرض لِيُعَمِّرَهَا بالسعي فيها لتلبية حاجاته البدنية والروحية، ولإقامة مجتمع إنساني تَسُودُهُ القِيَم الْمُثْلى من الحق والخير والعدل، ولتحقيق معاني العبودية لله والإيمان به وحده، وإفراده بالطاعة والعبادة دون أحد من خلقه على منهج أنبيائه ورسله.
مــادة (2) تأهيل الإنسان لحمل الرسالة
تحقيقًا لرسالة الإنسان في الأرض، وَهَبَه الله من القدرات العقلية والنفسية والجسدية ما يجعله أهلاً لتحقيق هذه الرسالة، وأرسل إليه الرسل لهدايته إلى أقوم سبل الرشد والفلاح في الدنيا والآخرة.
الفصل الثاني : الفطرة الإنسانية والسنن الكونية
مــادة (3) امتــــلاك العقل وإرادة التغــــــيير
خلقَ الله الإنسان مفطورًا على الإيمان به سبحانه وتعالى، ومَنَحَهُ العقل والإرادة الذي يستطيع بهما: إما الانحراف عن فطرته أو الارتقاء بقدراته حسب مكتسباته المعرفية، وملكاته الروحية، وظروفه الاجتماعية، وهذه الإرادة هي مناط الجزاء الأخروي ثوابًا أو عقابًا.
مــادة (4) التساوي في أصل الخلْق وتنوُّع الخصائص
خلق الله البشر جميعًا متساوين في أصْل الخلْق من نَفْسٍ واحدة، ويتساوون تبعًا لذلك في الخصائص العامة، ومع ذلك اقتضت حكمة الله أن يتفاوتوا في بعض الخصائص كالقوة والضعف، وفي الملكات والقدرات النفسية والعقلية والجسمية.
وهذا التنوع البشري في بعض الخصائص هو قوام الحياة بالتعارف والتعاون والتكامل بين الأفراد والمجتمعات، وليس مدعاة للعداوة والتباغُض.
مــادة (5) تكامل الزوجين: الذكر والأنثى
مع وحدة الإنسـان في أصل الخَلْقِ من نَفْسٍ واحدة، فقد خلق الله منها بقدرته زوجين ذكرًا وأنثى، ولا تستمر الحياة وتَعْمُرُ الأرض ويَتَكاثَر النوع الإنساني إلا بتلاقيهما وتعاونهما وتكاملهما، وتلك هي سنة الله في جميع الكائنات والأشياء الدنيوية
ومن الرابطة بين الرجل والمرأة تتكون الأسرة، وهي النواة الأولى للمجتمع الإنساني.
الفصل الثالث :وحدة الخطاب الشرعي والتمايز في الوظائف
مــادة (6) وحدة خطاب التكليف والمساواة في الحقوق والواجبات العامة
تقتضي المساواة بين الرجل والمرأة في فطرة الخَلْق الطبيعية أمرين:
أولهما: المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الأغلب الأعمّ من شئون الحياة، واعتبارُ كلٍّ منهما مُكَمِّلاً للآخر ومُتمِّمًا لرسالته، وشريكًا له في الحياة الزوجية والاجتماعية عدا بعض الخصوصيات المُمَيِّزة لكلٍّ منهما في تكوينه البدني والنفسي فيختص كلٌّ منهما بما تَمَيَّز فيه.
الثاني: اتَّساقًا مع هذا الأصل، جاء الخطاب الشرعي مُوَحَّدًا يتناول كلاًّ من الرجل والمرأة في سائر الأمور التي يتساويان فيها كالتكليف بالأوامر والنواهي، وفي الحلال والحرام والثواب والعقاب، وفي الحقوق والواجبات الإنسانية العامة، وفي الكرامة البشرية، كما جاء هذا الخطاب خاصًّا بكلٍّ منهما في الأمور الخاصَّة به.
مــادة (7)تَنَوُّع التَّخَصُّصَـــــات
إنَّ تَمَايُزَ كلٍّ من الرجل والمرأة بخصائص وملكات وقدرات بدنية ونفسية معينة لا تجعل أحدَهما أعلى شأنًا من الآخر؛ ولكنه مَنُوطٌ بصلاحِيَّتِه لأداءِ وظائفَ حياتيةٍ وحيوية معيّنة لا يستطيع الآخر القيام بها، وهي سُنَّة الله في البشر كافَّة حتى بين الرجال وبعضهم والنساء وبعضهن.
فالمرأة بعاطفتها ورقّتها وأنوثتها مصدر الاستقرار والسَّكَن النفسي والاجتماعي للرجل والأسرة، وبفطرتها وصبرها غير المحدود على مشاقِّ الحمل والولادة والأمومة، ترعى أطفالهما وتعتني بهم رضاعة وتربية وتقوم على سائر شئونهم، والرجل بقوّته وجَلَده وكَدْحه المتواصل منوط به تحصيل الرزق وتلبية احتياجات أسرته، والقيام على رعايتها وحمايتها.
مــادة (8) توزيع المسئوليات وتَمَايُز المراكز القانونية
إنَّ العدالة والمصلحة تستوجب مراعاة هذه الخصائص الفطرية الطبيعية لكلٍّ من الرجل والمرأة في توزيع المسئوليات والتبعات والوظائف التي يؤديها كلٌّ منهما في الحالات التي تقتضيها؛ وهو ما يؤدي حتمًا إلى تَمَايُز المركز القانوني لكلٍّ من الرجل والمرأة في نطاق هذه الحالات دون غيرها.
والأسرة من أهم الميادين التي تبرز فيها تلك الفروق والملكات والمُكَوِّنات الخِلْقِيَّة البدنية والنفسية لكل من الرجل والمرأة.
مــادة (9) صلاح المجتمع في الإقرار بالخصائص الفطرية
إن التَنَكُّر لهذه الفروق والخصائص غير جائز عقلاً وطبعًا وشرعًا؛ لما فيه من امتهان للفطرة وإنكار لظواهر طبيعية متجسدة واقعًا وعملاً ومعلومة للكافة بالعلم اليقيني والمعملي.
كما لا يجوز شرعًا التوسع في إعمال هذه الفوارق بِمَدِّهَـا خارج نطاق الحالات التي تستوجبها الشريعة أو تشهد لها الفطرة لما فيه من ظلم للمرأة وافتئات على أحكام الشريعة، و لأن كِلا الأمرين يؤدي إلى فساد كبير وخلل مجتمعي وقيمي يهدد بتدمير المجتمع ولو طال الأمد.
ولم يَحْظَ نظام اجتماعي بالعناية والتفصيل في القرآن الكريم بمثل ما حَظِيَت به الأسرة في كل شئونها على النحو الوارد تفصيلاً في الأحكام الشرعية.
الفصل الرابع :الزواج ونظام الأســـرة
مــادة (10) تعريــــــــف
الزواج في الإسلام: رابطة شرعية محكمة بين رجل وامرأة على وَجْهِ الدوام والاستمرار، وتنعقد بالرضاء والقبول الكامل منهما وفْق الأحكام المُفَصَّلة شرعًا.
مــادة (11) تحريم الاقتران غير الشرعي
الزواج الشرعي: هو الوسيلة المحدَّدَة على سبيل الحصر لإباحة اقتران الرجل بامرأة والأساس الوحيد لبناء الأسرة.
وقد حَرَّمَ الإسلام كافّة الصور الأخرى للعلاقة بين الرجل والمرأة ولو سُمِّيت زُورًا باسم الزواج، كما حَرَّمَ كافّة الدواعي المؤدية إليها.
مــادة (12) تطور مظاهر الزواج بِرُقِيّ الإنسان
خَلْقُ الإنسان من ذكر وأنثى، يكشف عن الإرادة الإلهية في جَعْلِ الزواج فطرةً بشريةً وضرورةً اجتماعيةً ونظامًا أساسيًا لتكوين الأسرة والترابط الاجتماعي بين الأسر.
وقد تطورت مظاهر الزواج ووسائله بمقدار رُقِيّ الإنسان عن باقي المخلوقات وأصبح طريقًا لتزكية الجوانب الجنسية والسلوكية والاجتماعية في الإنسان.
مــادة (13) نطاق الأسرة
الأسرة في الإسلام لا تقتصـر على الزوجين والأولاد فقط، وإنما تمتد إلى شبكة واسعة من ذَوِي القُرْبى من الأجداد والجدات والأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وغيرهم ممن تجمعهم رابطة النسب أو المصاهرة أو الرضاع أينما كان مكانهم، وتَتَّسِع حتى تشمل المجتمع كله.
مــادة (14) أهمية الأسرة وضرورة وجود رئيس لها
الأسرة كمجموع بشري من ذكر أو أنثى: هي اللبنة الأولى والوحدة الاجتماعية الأساسية للمجتمع، وتتجسّد فيها أركان المجتمع ومقوماته البنائية، ومهما صَغُر حجمُها أو عددُ أفرادها فإنهم يرتبطون بعلاقات عاطفية واجتماعية ومالية وتُنَظّمهم حقوق وواجبات، فلا يستقيم أمرها دون قيادة تدير شئونها وهي: قوامة الرجل، وهي إدارة خاضعة للضوابط والأحكام الشرعية في كتاب الله وسنة رسوله ×.
مــادة (15) حكمة تحريم زواج المحارم
حَرَّمَ الإسلام زواج المحارم من النساء وهم الذين يرتبطون بدرجة معينة من قرابة النسب أو المصاهرة أو الرضاعة، سُمُّوا بهذه القرابة وحرصًا على حـسن صلتها وعدم قطيعتها، ووقاية لها من أسباب الخصومة والبغضاء.
الفصل الخامس :مقاصـــد الأســـرة
مــادة (16)حفظ النسل (النوع الإنساني)
المقْصِد الأول للأسرة في الشريعة الإسلامية هو حفظ النسل أو النوع الإنساني؛ تعميرًا للأرض، وتواصلاً للأجيال، وقد فطر الله الرغبة الجنسية في الأبدان لكونها الوسيلة الطبيعية للإنجاب المشروع، وليست غاية في ذاتها.
وتحقيقًا لهذا المقْصِد قَصَرَ الإسلام الزواج المشروع على ما يكون بين ذكر وأنثى، وحَرَّمَ كل صور اللقاء خارج الزواج المشروع، كما حَرَّمَ العلاقات الشاذة التي لا تؤدّي إلى الإنجاب، ولم يُجِزْ تنظيم النسل إلا بموافقة الزوجين.
مــادة (17) تحقيق السكن والمودة والرحمة
حتى لا تنحصر العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية بحتة، فقد نَبَّهَتْ الشريعة إلى أن من مقاصد هذه العلاقة أن يسكن كل من الزوجين إلى الآخر، وأن تتحقق بينهما المودة والرحمة.
وبذلك تُؤَمِّن الشريعة لكل أفراد الأسرة حياةً اجتماعيةً هانئةً وسعيدة قوامها المودة والحب والتراحم والتعاون في السراء والضراء وتُحَقِّق الاستقرار والسكن النفسي والثقة المتبادلة.
وشَرَعَتْ لتحقيق هذا المقصد أحكامًا وآدابًا للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين، وغير ذلك من الأحكام التي تُوَفِّر الجوَّ العائليّ المملوء دفئًا وحنانًا، ومشاعر راقية.
مــادة (18) حفــظ النســب
انتساب الإنسان إلى أصله ونقاء الأنساب وصيانتها من الاختلاط، مَقْصِدٌ للشريعة مستقل عن مَقْصِد حفظ النسل.
ولأجل تحقيق هذا المقصد حرم الإسلام الزنا والتَّبَنِّي، وشُرِعَتْ الأحكامُ الخاصة بالعِدَّةِ، وعدمِ كَتْمِ ما في الأرحام، وإثباتِ النسب وجحدِه، وغيرِ ذلك من الأحكام.
مــادة (19) الإحصــــــــــان
يوفر الزواجُ الشرعي صَوْن العفاف ويحقق الإحصان ويحفظ الأعراض، ويسدّ ذرائع الفساد الجنسي بالقضاء على فوضى الإباحية والانحلال.
مــادة (20) حفظ التدين في الأسرة
الأسرة هي محضن الأفراد، لا برعاية أجسادهم فقط، بل الأهم هو غَرْس القيم الدينية والخُلُقية في نفوسهم، وتبدأ مسئولية الأسرة في هذا المجال قبل تكوين الجنين بحُسْن اختيار كلّ من الزوجين للآخر، وأولوية المعيار الديني والخلقي في هذا الاختيار، وتستمر هذه المسئولية بتعليم العقيدة والعبادة والأخلاق لأفراد الأسرة وتدريبهم على ممارستها، ومتابعة ذلك حتى بلوغ الأطفال رُشْدهم واستقلالهم بالمسئولية الدينية والقانونية عن تصرفاتهم.
الباب الثاني :مسئولية الأمة عن تكوين الأسرة وحمايتها
الفصل الأول مسئولية الأمة عن تشجيع الزواج
مــادة (21) أسـاس هذه المسئولية
تقوم مسئولية الأمّة عن أفرادها في الإسلام على أساس ارتباط الكلّ بالجزء، والكيان الواحد بأعضائه، فالأمة تتكون من أُسَر مترابطة ومتماسكة كالجسد الواحد، لا من أفراد منفصلين، ولا يتم ذلك إلا عن طريق الزواج.
والأمة الراشدة هي التي تعنى بوضع الخطط والمناهج الصالحة لتشجيع الزواج والتبكير به حرصًا على ارتقائها وقوتها الذاتية وسدًّا لأبواب الرذيلة.
مــادة (22)
توجب الشريعة الإسلامية على الأمّة تيسير سبل الزواج الشرعي وتذليل العقبات والصعاب الصارفة عنه ومن ذلك:
1- حلّ المشكلات المادية، وبالأخص مشكلة البطالة، وأزمة المساكن، وتقديم المعونة المادية لراغبي الزواج.
2- الارتفاع بوَعْيِ الأمة بإدراك أهمية الزواج في الإسلام، وبحَقّ الأفراد في الارتباط بالزواج.
3- الدعوة والتأكيد على السلوك الإسلامي المتوازن بالالتزام بالضوابط الشرعية للاختلاط المباح شرعًا، وأن يكون وسَطًا بين الإفراط والتفريط والتضييق والانفلات.
4- التأكيد على عدم المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج، ومحاربة العادات الاجتماعية السيئة في مجال الزواج، واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بمنع هذه المظاهر والحَدّ منها.
مــادة (23) الحــثّ على تزويج الشباب
تحثّ الشريعة الإسلامية على التبكير بزواج الشباب؛ درءًا لدواعي الانحراف الأخلاقي والجنسي.
الفصل الثاني :مسئولية الأمة عن حماية الأسرة ورعايتها
مــادة (24)أساس هذه المسئولية :تقوم هذه المسئولية على دعامتين:
الأولى: أنها تحقق مقصدًا شرعيًا؛ لأن الإسلام يقضي بأن الأصل في الزواج التأبيد وفي الأسرة البقاء والدوام، وإتمامًا لواجب التشجيع على الزواج الذي لا يستوفي مقاصده الشرعية إلا ببقاء الأسرة بالذود عنها ورعايتها.
الثانية: أن الأمة عندما تحمي الأسرة من عوامل الانهيار والتفسُّخ إنما تحمي نفسها وقيمها الاجتماعية والأخلاقية.
مــادة (25)
التوازن بين الحقوق والواجبات: استيفاء عقد الزواج بتحديد شروط كلٍّ من الزوجين بدقّة ووضوح ومراعاة العدالة والتوازن بين حقوق وواجبات كلٍّ منهما وفق الأصول والضوابط الشرعية، ضرورة لحماية الحياة الأسرية وبقائها.
مــادة (29)
محاربة الأشكال غير المشروعة للزواج:حماية الأمة للقيم الخُلُقية والاجتماعية الفاضلة ومحاربة العلاقات الجنسية وأشكال الزواج غير المشروعة، تحمي الأسرة من الانهيار، وتحقق لها السعادة والاستقرار لتصبح المحضن الصالح للنشء الجديد، كما تنمّي الإقبال على الزواج المشروع.
مــادة (30)
التصدي للأفكار المنحرفة:يجب على الأمة التصدّي للأفكار المنحرفة التي تجعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع وتنافس، وشركة مادية يتحقق كسْب كل من طرفيها بخسارة الطرف الآخر، ونشر الوعي بأن العلاقة بينهما علاقة تعاون وتكامل.
مــادة (31)
إشاعة الوعي بقيمة العلاقة الزوجية وآدابها:إشاعة الوعي بقيمة العلاقة الزوجية في الإسلام وقيامها على المودة والرحمة والاستقرار النفسي والمشاركة في حَمْل الأعباء والتشاور في أمور الحياة الزوجية، يحمي الأسرة من أسباب الخلاف والشقاق.
لمبحث الثاني : الــــوازع الاجتماعــي
مــادة (37) تأثر الأسرة بالمجتمع
الأسرة جزء من المجتمع، وتتأثر حتمًا بالضوابط والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع.
مــادة (38) تأثُّر إجراءات الزواج بالعادات والتقاليد
العلاقات الأسرية السابقة على الزواج والناشئة عنه، ومقدمات الزواج ومعايير الكفاءة بين الزوجين وعوامل نجاح الحياة الزوجية، تتأثر بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، ويجب أن تتشكّل وفْق الضوابط والقيم الاجتماعية في الإسلام.
مــادة (39) تدخُّل أهل الزوجين في الزواج
يتدخل أهل الزوجين في مشروع الزواج بقدر ما تفرضه تقاليد الواقع الاجتماعي، وينبغي الحدّ من هذا التدخل قدر المستطاع وفق الضوابط الشرعية، مع إشاعة الاستمساك بالقيم والأخلاقيات الإسلامية في الارتقاء بالعلاقة بين كل من الزوجين وأهل الطرف الآخر.
مــادة (40) الجيران ومدى تأثيرهم
العلاقات الاجتماعية بين الأسر المتجاورة تحكمها الأسس الاجتماعية السائدة، ويؤدي الجيران دورًا فعالاً في وجود المشكلات الأسرية وفي حلِّها، وبناء العلاقة مع الجيران على المبادئ والقيم الإسلامية يساعد على بقاء الأسرة وتماسكها.
مــادة (41) التكافل الاجتماعي في الأسرة
التكافل الاجتماعي بين أفراد الأسرة يؤدي دورًا رئيسيًا في ترابطها ودوامها.
مــادة (42) أهمية المؤسسات الأهلية
للمؤسسات الأهلية دور فعّال في أمور الأسرة، يتسع هذا الدور ليشمل مؤسسات:
1- للتشجيع على الزواج وتيسيره.
2- للتوعية بالأحكام الشرعية المتعلقة بالأسرة وبالدراسات الاجتماعية والنفسية المتعلقة بها.
3- لرعاية الأمومة والطفولة والمسنّين والزوجات في الخلافات الزوجية ومشكلات الشباب مع الآباء والأمهات.
4- لإقامة مجالس الصلح بين أفراد الأسرة.
5- دور الحضانة والمدارس ووسائل الإعلام والمساجد تمثل التربية الخارجية التي تشكّل أفراد الأسرة من داخل نفوسهم، فينبغي الاهتمام بها وتمكينها من حُسْن القيام بأدوارها التربوية الصحيحة التي تلائم مبادئ الإسلام.
المبحث الثالث : الـــوازع الســلطاني
مــادة (43) معيار نجاح التشريعات القانونية

معيار نجاح التشريعات القانونية المنظمة للعلاقات الزوجية، رَهْنٌ بنجاحها في حل المشكلات الزوجية، وبإقامة العدالة والتوازن بين حقوق كل من الزوجين وواجباتهما في إطار أحكام الشريعة الإسلامية.
مــادة (44) تيسير سبل التقاضي وحلّ المنازعات
على الدولة تيسير سبل التقاضي وسرعة الفصل في المنازعات الزوجية وضمان تنفيذ الأحكام فور صدورها وبصورة لائقة وكريمة حرصًا على حسن العلاقات بين الأسر وعلى عدم الإضرار بالأولاد.
مــادة (45) مسئولية الدولة عن نجاح الترابط الأسري
من مسئوليات الدولة:
1- إقامة نظم التأمينات الاجتماعية بأنواعها المختلفة.
2- الرقابة الرشيدة على وسائل الإعلام ومنع تقديم النماذج السيئة التي تصرف الشباب عن التفكير في الزواج والتي تشجّع على الفساد والانحلال وتؤدي إلى تفكّك الأسر وانهيارها.
3- أن تتضمن مناهج التعليم في مختلف المراحل -كل حسب مستواه- الثقافة العلمية اللازمة لتهيئة كل طالب وطالبة لتكوين أسرة ونجاحها، وفق الضوابط الشرعية.
مــادة (48) عدم جواز خطبة المرأة المخطوبة
لا يجوز شرعًا لرجل أن يتقدم لخطبة امرأة مخطوبة لغيره، ولا أن يسعى لحَمْلها أو حَمْل أهلها على فَسْخ خطبة غيره ليخطبها لنفسه.
مــادة (49)عدم جواز خطبة المحرمات من النساء
لا يجوز خطبة امرأة يحرم زواجها على الرجل حرمة مؤبدة بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، أو محرمة حرمة مؤقتة إلا بعد زوال سبب التحريم، ولا خطبة امرأة في عدة طلاق رجعي لا تصريحًا ولا تلميحًا إلا بعد انتهاء مدة العدة، ولا خطبة امرأة في عدة طلاق بائن أو في عدة الوفاة، إلا تلميحًا لا تصريحًا، ولا خطبة امرأة مشركة حتى تسلم.
مــادة (50) العدول عن الخطبة وآثاره
يكره شرعًا لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة إلا لمصلحة مشروعة، كنقص ظهر له في دين الآخر أو خلقه أو اعوجاج مسلكه أو لأمر نفسي يصعب احتماله، ويُرْجَعُ إلى الأحكام الشرعية لتحديد حقوق والتزامات كل من الطرفين عند عدول أحدهما.
الفصل الثاني :عقـــــــــد الـــــــزواج
مــادة (51) عوامل نجاح الأسرة
حددت الشريعة الإسلامية معايير للزواج الناجح، ينبغي على كل من الزوجين مراعاتها بما يحقق مصلحة الأمة والأسرة عمومًا، والأطفال على وجه الخصوص.
ومن هذه المعايير: التدين الصحيح، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، ويجوز التماس صفات أخرى معها.
ومن عوامل نجاح الزواج مراعاة التكافؤ في السنّ والثقافة والبيئة الاجتماعية، ومنها خلو الزوجين من الأمراض المنفرة أو المعدية أو الوراثية الخطيرة.
مــادة (52) متى يكون الزواج واجبًا
تجري على الزواج الأحكام الشرعية الخمسة: الوجوب والندب والإباحة والكراهة والتحريم، وتعتبر الشريعة الإسلامية الزواج واجبًا على من يخشى على نفسه الفتنة مع قدرته على حَمْل أعبائه المادية.
مــادة (53) شروط صحة الزواج
يشترط أن يتم عقد الزواج بحضور شاهدين، وأن يباشر العقد وليّ الزوجة، ويجوز لمن سبق لها الزواج أن تتولى العقد بنفسها إذا ثبت عضل وليها أو فقدت الولي، ويندب الإعلان عن الزواج بإقامة وليمة؛ احتفالاً به وإظهارًا للفرح والسرور.
مــادة (54) حقّ الاشتراط عند عقد الزواج
يجوز للزوجة أن تشترط على زوجها عند عقد الزواج ما تراه أكفل لراحتها وأوفى بحاجتها من المباحات التي لا تنافي مقتضى عقد الزواج، فلها مثلاً أن تشترط تفويض الطلاق إليها مع عدم الإخلال بحقّ الرجل فيه، أو ألا يخرجها من بلدها أو ألا يتزوج عليها، أو تشترط أن تعمل خارج البيت، ولها أن تحدّد الجزاء المترتب على مخالفة هذا الشرط، وللرجل نفس الحق في الاشتراط، كأن يشترط أن تعيش معه في بيت أهله، أو تسافر معه إلى حيث يعمل.
مــادة (55) التيسير في تكاليف الزواج
تنهى الشريعة الإسلامية عن المغالاة في المهور، وعن التشدّد في المسائل المادية التي تُحِيل الزواج إلى مساومة مادية تهبط بمنزلة المرأة وبقيمة العلاقة الزوجية باعتبارها رابطة معنوية تقوم على السكن والمودة والتراحم.
الفصل الثالث :ضوابط العلاقة بين الزوجــين
مــادة (56) المساواة بين الزوجين إلا فيما خُصِّص
الأصل العام في الإسلام هو المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وهي مقرّرة شرعًا في الأعم الأغلب من أمور الحياة، والاستثناء هو اختصاص كل منهما ببعض الوظائف التي لا يستطيع الآخر القيام بها، بحكم طبيعة تكوينه البدني والنفسي وخصائصه الذاتية.
وليس ثمة مانع شرعي من توزيع الأعباء الاجتماعية بين الرجل والمرأة بما يحقق المصلحة العامة للأسرة والمجتمع.
مــادة (57) القيــم المعنوية والأخلاقيــة
استنادًا إلى هذا الأصل العام الوارد في المادة «56» تقوم العلاقة الزوجية على عدد من القيم المعنوية والأخلاقية والضوابط الشرعية الآتية:
1- المودة والرحمة والثقة المتبادلة والتعاون على السراء والضراء.
2- العشرة بالمعروف والإحسان واحترام الكرامة البشرية.
3- الشَّراكة التامة في أمور الحياة الزوجية القائمة على التراضي والتشاور واعتبار كل من الزوجين جزءًا من الآخر ومُكَمِّلاً له ومُتَمِّمًا لرسالته في الحياة الزوجية والاجتماعية.
مــادة (58) توافر الأهلية والشخصية المستقلة للمرأة
تتمتَّع المرأة في الشريعة الإسلامية بالأهلية الشرعية والقانونية الكاملة، وباحترام إرادتها، وباستقلال ذِمّتها المالية، وباحتفاظها باسم أسرتها.
مــادة (59) مسئولية الرجل عن الأسرة
للرجل القوامة على الأسرة، باعتبارها وحدة اجتماعية مكونة من عدة أفراد، ولابد لها من رئاسة وإلا فَسَدَ أمرها وتبدّد شملها، والرجل مؤهّل بحكم فطرته وتكوينه البدني والنفسي لحمل تبعات هذه المسئولية ومَشَقَّاتها، وهي ليست قوامة قَهْر وتسلط، ولكنها مسئولية وجوب وتكليف لرعاية الأسرة وحمايتها وصيانتها، وضمان مصالحها المادية وكفالتها بالعمل والكسب وتحصيل المال.
مــادة (60) مسئولية المرأة في بيتها
يُقَرِّر الإسلام للمرأة نوعًا من القوامة يناسب طبيعتها وتكوينها البدني والنفسي، ويعتبرها راعية ومسئولة مع زوجها عما ترعاه من أمور البيت والأولاد، وهي مسئولية لها مكانتها وخطرها على الأسرة والمجتمع كله، ولا تقلّ أهمية عن مسئولية الرجل، بل أعظم منها في التأثير المعنوي والأخلاقي.
الفصل الرابع الحقوق والواجبات الزوجية المتبادلة
مــادة (61) تثقيف الشباب بمبادئ الإسلام في الزواج
ضرورة تثقيف الشباب من الجنسين بمبادئ الإسلام وقيمه وآدابه وأصوله في شأن الزواج وأمور التعامل بين الزوجين، ووسائل تكوين حياة زوجية وأسرية صالحة وناجحة.
المبحث الأول : الحقوق والواجبات المشتركة
مــادة (62) التعاون على المسئوليات الزوجية
على كلّ منهما واجب الإخلاص للآخر والثقة به، والتناصح والتعاون على القيام بمسئوليات الحياة الزوجية ورعاية الأبناء وتربيتهم في كل الظروف والأحوال.
مــادة (63) الحرص على التفاهم وعدم التنازع
تحثّ الشريعة الإسلامية كلاًّ من الزوجين على فهْم طبيعة الآخر، والوعْي بالفوارق الفطرية والطبيعية والنفسية لكلّ منهما، وبوجود قواسم وسمات مشتركة بينهما، كما تحثّ الشريعة كلاًّ من الزوجين -لنجاح الحياة الزوجية- على الاهتمام بعوامل التوافق والإيجابيات في شخصية الطرف الآخر، وحصْر أسباب الاختلاف، والبحث لها عن حلول وسط يتراضيان عليها، والبعد عن نزغات العناد والإثارة والإفراط في الغيرة وحبّ التغلب على الآخر.
مــادة (64) الاحترام المتبادل
على كل من الزوجين:
1- واجب احترام الآخر وتقدير متاعبه الحياتية ومراعاة مكانته في الأسرة، وإعانته على تحمل أعبائه وعلى سائر شئونه، واحترام قرابته، واعتبارهم في مكانة قرابته من النسب.
2- مراعاة مشاعر الآخر وتجنب كلّ ما يجرح كرامته وكرامة أسرته، سواء في سرٍّ أو على ملأ من الناس وخاصة أمام أحد من أهله أو أهلها.
مــادة (65) ضوابط الخلاف بين الزوجين
1- لا يجوز للزوجين فيما بينهما استعمال الشتم والتقبيح وإسماع أحدهما الآخر ما يكره.
2- لا يجوز في حالة الخلاف بين الزوجين إعراض أحدهما عن كلام الآخر أكثر من ثلاثة أيام وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما لا يجوز لأيهما هجر الآخر في الفراش إلا لسبب شرعي وبالشروط الواردة في الأحكام الشرعية.
3- لا يجوز -مهما بلغت درجة الخلاف بين الزوجين- اللجوء إلى استعمال العنف تجاوزًا للضوابط الشرعية المقررة، ومن يخالف هذا المنع يكون مسئولاً مدنيًا وجنائيًا.
4- ينبغي الحرص على إبقاء الخلاف محصورًا بينهما بعيدًا عن الأطفال، وعدم إشاعته بين الأهل والمعارف، ومحاولة حلّه بالتفاهم بينهما، فإن عَجَزَا فبالاحتكام إلى حَكَمَيْن عَدْلَيْن من أهله ومن أهلها.
5- كتمان الأسرار الزوجية؛ إذ يَطَّلِعُ كلٌّ منهما على أَدَقِّ أسرار الآخر، بما لا يَعْلَمُه أحدٌ سواهما إلا الله عز وجل، وإفشاءُ هذه الأسرار ولو بعد الطلاق إثمٌ ومعصيةٌ وخيانةٌ للأمانة.
مــادة (66) التزام كل منهما بالآداب الإسلامية
يجب على كل من الزوجين:
1- أن يَحثَّ كلٌّ منهما الآخر على التزام طاعة الله والتحلّي بمكارم الأخلاق، ومراقبة الله وخشيته في السر والعلن، وأن يأخذه بأداء حقوق الله كما يأخذه بحقوقه أو أشد، وأن يكون كلٌّ منهما قدوة للآخر وللأبناء في هذا الشأن.
2- أن يُعلِّم كلٌّ منهما الآخر، أو يُيَسِّرَ له تَعَلُّم كل ما يحتاج إليه في إحسان حياته الدنيوية والأخروية.
3- التزام كل منهما بالنظام والنظافة والتطهر في كل شئونهما، ليس فقط نظافة المكان والجسم والثياب، ولكن من باب أولى نظافة النفس وطهارتها ونظافة القلب واليد واللسان من جميع المحرمات والآثام.
4- الحرص على الالتزام بالحلال الطيب، والكسب الحلال وتجنب الحرام مهما كانت مغرياته، والاقتصاد والاعتدال في الإنفاق دون إسراف ولا تقتير، والبعد عن المظاهر والشكليات والتقليد الأعمى للآخرين.
مــادة (67) حسن الصلة بالناس وخاصة الجيران والأقارب
ينبغي على كل من الزوجين:
1- الحرص على الآداب الشرعية في زيارة الآخرين واستقبالهم ومخالطتهم.
2- الحرص على إحسان الصلة بالناس وخاصة الجيران والأقارب وذوي الأرحام واعتبار قرابة كل منهما في درجة قرابة النسب للآخر.
3- عدم الإزعاج للآخرين خاصة الجيران بأي وجه من أوجه الإزعاج والضوضاء.
4- العناية بالصحة واجتناب العادات الغذائية السيئة، والحرص على استخدام المنتجات الوطنية ومقاطعة منتجات الأعداء.
مــادة (71) عمل المرأة خارج البيت
عمل المرأة خارج بيتها في نظر الإسلام أمر مباح أصلاً، وهو ليس غاية في ذاته، ولكنه وسيلة لتحقيق مصلحة الأسرة والمجتمع، وتطرأ عليه أحكام الوجوب والندب والحظر وفْق الظروف والأحوال، وفي كل الحالات يخضع للضوابط الآتية:
1- أن يكون العمل مباحًا شرعًا، ومتفقًا مع مصلحة الجماعة وفطرة المرأة.
2- التفاهم والتراضي بين الزوجين في حدود مصلحة الأسرة دون تكلّف ولا إفراط، مع تحديد العلاقة المالية بين الزوجين على النحو المبين في المادة «76».
3- أولوية مصلحة الأطفال في التربية والرعاية الصالحة باعتبارهم عماد الأمة وجيل المستقبل.
4- الالتزام بالضوابط الأخلاقية الإسلامية للرجل والمرأة.
مــادة (72) إعانتها في عمل المنزل
إذا اقتضت الظروف أن تعمل الزوجة خارج البيت، فعلى زوجها أن يعينها وأن يهيّئ لها سبل أداء عملها وإحسانه كما يعينها على أداء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.
المبحث الثالث : حقوق الزوج الخاصة على زوجته
مــادة (73) طاعته في المعروف
للزوج على زوجته أن تطيعه في المعروف، وهو كل أمر مباح شرعًا ولا يصيبها منه ضرر أو إيذاء.
مــادة (74) عدم الإسراف في الإنفاق
يجب عليها أن تتّقي الله في ماله وأن تنفق منه بقدر حاجتها وحاجة أولادها بحكمة وتبصُّر دون إسراف ولا تبذير، وألا تتصرّف في شيء منه إلا بإذنه، أو فيما يجري به العرف والعادة.
مــادة (75) حــقّ الالتزام بآداب الدين
1- على الزوجة أن تكون صالحة قانتة متأدبة بآداب الدين، ملتزمة باللباس الشرعي، والحشمة والوقار والجدّ في زينتها وكلّ أعمالها.
2- من حقّ الزوج مَنْع زوجته من ارتياد أماكن اللهو العابث؛ حيث يُرفع الحياء وتُهدر الآداب والفضائل، وتُرتكب المنكرات والرذائل، وفي غير هذه الأماكن يتم التفاهم بينهما وفق الضوابط الشرعية.
مــادة (76) مســئوليتها عن بيتها
1- على الزوجة القيام بشئون بيت الزوجية والأولاد على الوجه الملائم لأمثالهما، وهو واجب عليها ديانة وبحكم روابط المودة والرحمة والتعاون على ما فيه سعادتهما، ولكنها لا تُجبر عليه قضاء، وإذا كانت تعمل خارج المنزل، فعليها أن تسهم في نفقات البيت بالقدر المناسب لحالهما وحسبما يتفقان عليه رضاء، أو بتقدير حَكَم عَدْل بين الطرفين.
2- إذا كانت ذات مال وأعسر زوجها، وجب عليها الإنفاق عليه وعلى الأولاد وترجع على الزوج بما أنفقته إذا أيسر وفْق الضوابط وفي الحدود المقررة شرعًا.
الفصل الخامس الحقوق المتبادلة بين الآباء والأبناء
مــادة (77) أساس العلاقة بين الآباء وأبنائهم
يقيم الإسلام علاقة الأبوة والبنوة على أساس متين من البرِّ والترابط والود والرحمة، وجعل لكل من الطرفين حقوقًا وعليهما واجبات متبادلة، وسيأتي بيان حقوق الأبناء على الآباء في الفصل الخامس من الباب الرابع الخاص بحقوق وواجبات الطفل في الإسلام.
مــادة (78) حقوق الآباء على أبنائهم
1- صحبتهما بالمعروف ولو كانا على غير دينه أو مذهبه.
2- الإحسان إليهما وإكرامهما والقيام بحقوقهما ورعاية شيخوختهما وخاصّة أمه.
3- ألا يرفع صوته عليهما ولا يَنْهَرهما ولا يؤذيهما أدنى إيذاء ولو بالإشارة.
4- رعاية حقوقهما بعد وفاتهما بالدعاء والاستغفار لهما وَإنفاذ عهدهما ووصيتهما وإكرام صديقهما وصلة رحمهما.
لباب الرابع حقوق وواجبات الطفل في الإسلام
الفصل الأول العناية بالطفل منذ بدء تكوين الأسرة
مــادة (91) طلب الولد حفظًا للنوع الإنساني
1- الطفل نعمةٌ إلهية، ومطلبٌ إنسانيٌّ فطريّ.
2- وتُرَغِّب الشريعة الإسلامية في طلب الأولاد حفظًا للجنس البشري.
3- ولذلك تُحرِّم الشريعة تعقيم الرجال والنساء واستئصال الأرحام والإجهاض بغير ضرورة طبية، كما تُحرِّم الطرق التي تحول دون استمرار مسيرة البشرية.
4- من حق الطفل أن يأتي إلى الحياة عن طريق الزواج الشرعي بين رجلٍ وامرأة.
مــادة (92) الرعاية المتكاملة منذ بدء الزواج
1- تشمل رعاية الشريعة الإسلامية للطفل المراحل التالية:
أ- اختيار كل من الزوجين للآخر.
ب- فترة الحمل والولادة.
ج- من الولادة حتى التمييز (مرحلة الطفل غير المميِّز).
د- من التمييز حتى البلوغ (مرحلة الطفل المميِّز).
2- وتنشأ للطفل في كل من هذه المراحل حقوق تلائمها.

مــادة (93) الأسرة مصدر القيم الإنسانية
الأسرة محضِن الطفل وبيئته الطبيعِيَّة اللازمة لرعايته وتربيته، وهي المدرسة الأولى التي يُنَشّأ الطفل فيها على القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية والدينية.
مــادة (94) الالتزام بمعايير الزواج الناجح
من حق الطفل على أبويه أن يُحْسن كلّ منهما اختيار الآخر، وأن يلتزم بمعايير الزواج الناجح التي حددتها الشريعة الإسلامية والمنصوص عليها في المادة «51» من هذا الميثاق.
الفصل الثاني الحـــريات والحقوق الإنسانية العامة
مــادة (95) حق الحياة والبقاء والنماء
1- لكل طفل منذ تخلّقه جنينًا حقٌ أصيلٌ في الحياة، والبقاء، والنماء.
2- يحرم إجهاض الجنين إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض.
3- من حق الجنين الحصول على الرعاية الصحية والتغذية الملائمة من خلال رعاية أمه الحامل.
4- يَحْرُم بوجه عام الإضرار بالجنين، وقد نظمت الشريعة الإسلامية الجزاء المدني والعقابي لمن يخالف ذلك.
مــادة (96) الاحتفاء بمقدم الطفل
من حقّ الطفل عند ولادته إحسان تسميته، وإبداء السرور والبشرى بمقدمه، والتهنئة به والاحتفال بمولده، وتأمر الشريعة الإسلامية بالتسوية بين البنين والبنات في كل هذه الأمور، وتُحَرِّم التسخُّط بالبنات، أو فعل أي شيء يؤذيهن.
مــادة (97) الحفاظ على الهوية
للطفل الحق في الحفاظ على هُويته، بما في ذلك اسمه، وجنسيته، وصِلاته العائلية، وكذلك لغته، وثقافته، وعلى انتمائه الديني والحضاري.
مــادة (98) تحريم التمييز بين الأطفال
تُحرِّمُ الشريعة الإسلامية أي نوع من أنواع التفرقة أو التمييز بين الأطفال سواءٌ أكان التمييز بسبب عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه، أو لونهم أو جنسهم أو جنسيتهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي، أو أصلهم القومي أو العرقي أو الاجتماعي، أو ثروتهم أو عجزهم، أو مكان مولدهم، أو أي وضع آخر يبدو من خلاله هذا التمييز.
مــادة (99) الرعاية الصــــــحيـة
للطفل حق التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وله حق استخدام مؤسسات الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل.
مــادة (100) المعامـــلة الحانيــــة
للطفل الحق في أن يلقى من والديه ومن غيرهما المعاملة الحانية العادلة المحقِّقة لمصلحته.
مــادة (101) الاستمتاع بوقت الفراغ
للطفل حق الاستمتاع بطفولته، فلا يُسلب حقه في الراحة، والاستمتاع بوقت الفراغ، ومزاولة الألعاب والاستجمام والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنية بما يتناسب مع سنه ويحفظ هويته، مع إبعاده عن وسائل اللهو المحرم شرعًا وقانونًا.
مــادة (102) حرية الفكر والوُجْدان
1- للطفل في حدود الضوابط الشرعية والقانونية الحق في حرية الفكر والوُجْدان، وله الحق في رعاية فطرته التي ولد عليها.
2- وللوالدين والمسئولين عن رعايته شرعًا وقانونًا حقوق وعليهم واجبات في توجيه الطفل لممارسة حقه بطريقة تنسجم مع قدراته المتطورة ومصالحه الحقيقية.

مــادة (103) حريــــــة التعبـــير
1- للطفل الحق في حرية التعبير، بما لا يتنافى مع تعاليم الإسلام وآدابه.
2- ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار القويمة التي لا تتنافى مع مبادئ الأخلاق والدين والوطنية، وحرية تلقيها وإذاعتها سواء بالقول أو بالكتابة، أو بالفن أو بأية وسيلة أخرى مناسبة لظروفه وقدراته الذهنية.
3- وللطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حقُّ التعبير بحرية عن تلك الآراء، في جميع المسائل التي تخصه، وتُولَى آراءُ الطفل الاعتبارَ الواجبَ وفقًا لسن الطفل، ونضجه، ولمصالحه الحقيقية.
4- ولا يحدّ من هذه الحرية سوى احترام حقوق الغير، أو سمعتهم، أو حماية الأمن الوطني، أو النظام العام أو الصحة العامة، أو الآداب العامة.
الفصل الثالث حقـــوق الأحوال الشخصية
مــادة (104) النســــــــــــــــــــب
1- للطفل الحق في الانتساب إلى أبيه وأمه الشرعيين.
2- وتَحْرُمُ -بناء على ذلك- الممارسات التي تشكك في انتساب الطفل إلى أبويه، كاستئجار الأرحام ونحوه.
3- وتُتَّبَع في ثبوت النسب أحكامُ الشريعةِ الإسلامية.
مــادة (105) الرضــــــــــــــاع
للطفل الرضيع الحق في أن ترضعه أمه، إلا إذا منع من ذلك مصلحة الرضيع، أو المصلحة الصحية للأم.
مــادة (106) الحضـــــــــــــــانة
1- للطفل الحقّ في أن يكون له من يقوم بحضانته -أي ضمه- والقيام على تنشئته، وتربيته، وقضاء حاجاته الحيوية والنفسية، والأم أحق بحضانة طفلها ثم من تليها وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
2- ويشمل نظام الحضانة الأطفال الأيتام، واللقطاء، وذوي الاحتياجات الخاصة، واللاجئين، والمحرومين بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئتهم العائلية، والمقهورين بالطرد ونحوه.
3- ولا تجيز الشريعة الإسلامية نظام التبني، ولكنها تكفل حقوق الرعاية الاجتماعية بكافة صورها للأطفال أيًا كان انتماؤهم.
4- وتقوم مؤسسات المجتمع كافة ومنها الدولة، بتوفير الدعم والخدمات اللازمة لمعاونة الحاضنات على القيام بواجباتهن.
5- الوالدان صاحبا الحضانة أساسًا، ولا يمكن فصل الطفل عنهما أو عن أحدهما إلا لضرورة راجحة، والضرورة تقدر بقدرها.
6- الوالدان مسئولان بالتشاور بينهما عن رعاية الطفل، ومصالحه، وكيفية معيشته، ويمكن أن يستعينا بجهة الرعاية الاجتماعية المختصة أو القضاء عند الحاجة لتحقيق تلك الرعاية، وهذه المصلحة.
7- ومصلحة الطفل يقدرها أهل الخبرة والاختصاص القضائي والاجتماعي والطبي وفق الظروف المحيطة بكل طفل على حدة.
مــادة (107) النـفـقــــــــــــــة
1- لكل طفل الحق في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني، والعقلي، والديني، والاجتماعي.
2- ويثبت هذا الحق للطفل - الذي لا مال له - على أبيه، ثم على غيره من أقاربه الموسرين، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
3- ويمتد هذا الحق للولد حتى يصبح قادرًا على الكسب وتتاح له فرصة عمل، وللبنت حتى تتزوج وتنتقل إلى بيت زوجها، أو تستغني بكسبها.
4- وعلى مؤسسات المجتمع كافة ومنها الدولة مساعدة الوالدين، وغيرهما من الأشخاص المسئولين عن الطفل، في تأمين ظروف المعيشة اللازمة لنموه.
الفصل الرابع الأهليــة والمسئولية الجنائية
مــادة (108) الأهلية المحدودة للجنين
ويتمتع الجنين بأهلية وجوب محدودة للحقوق المالية التي تقررها له الشريعة الإسلامية، فيحتفظ له بحصته في الميراث، والوصية، والوقف، والهبة من الوالدين أو الأقرباء أو الغير، على أن تكون معلقة بميلاده حيًا.
مــادة (109) أهلية الوجوب للطفل
1- يتمتع الطفل منذ ولادته حيًّا بأهلية وجوب كاملة فيكون له بذلك حقوق في الميراث والوصية والوقف والهبة وغيرها.
2- يبدأ حق الطفل في الانتفاع من الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمين الاجتماعي والإعانات وغيرها منذ ولادته.
مــادة (110) أهليــــــــة الأداء
أهلية الأداء - هي أهلية الطفل للتصرف في حقوقه وأمواله - مناطها الرشد العقلي، بالقدرة على معرفة النافع من الضار، ويتدرج التمييز العقلي حَسَب المراحل العمرية، ويتأثر بالسن، وبعوارض الأهلية التي قد تعدمها أو تنقصها.
مــادة (111) تدرج المسئولية الجنائية والمعاملة الخاصة
1- الطفل الذي لم يبلغ سن التمييز التي يحددها القانون، يكون غير مسئول جنائيًّا، ويجوز أن يخضع لأحد تدابير الرعاية المقررة قانونًا.
2- الطفل الذي تجاوز سن التمييز ولم يصل إلى سن البلوغ التي يحددها القانون، تتدرج معاملته إما بإخضاعه لأحد تدابير الرعاية أو لأحد تدابير الإصلاح أو لعقوبة مخففة.
3- في كل الأحوال للطفل الحق في:
أ- مراعاة سنه، وحالته، وظروفه، والفعل الذي ارتكبه.
ب- أن تتم معاملته بطريقة تتفق وإحساسه بكرامته، وقدره، وتعزز احترامَ حقوقه الإنسانية، وحرياته الأساسية، والضمانات القانونية، احترامًا كاملاً.
ج- تشجيع إعادة اندماجه وقيامه بدور بنَّاء في المجتمع.
د- محاكمتِه أمام هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة تفصل في دعواه على وجه السرعة، ويساعدها خبراءُ اجتماعيون وقانونيون، وبحضور والديه أو المسئولين عن رعايته قانونًا ما لم يكن ذلك في غير مصلحة الطفل الفضلى.
هـ- تأمين قيام سلطة قضائية أعلى لإعادة النظر في القرار الصادر ضده.
الفصل الخامس : إحســـان تربية الطفل وتعليمه
مــادة (112) التربية الفاضلة والمتكاملة وفق الضوابط الشرعية
1- الحق تجاه والديه أن يقوما بمسئوليتهما المشتركة عن إحسان تربيته تربية قويمة ومتوازنة، وعن نموه العقلي والبدني، وينصرف هذا الحق إلى كل من يحل محل الوالدين من المسئولين عن رعايته والقيام على مصالحه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهما الأساسي.
2- ومن أولويات التربية الأساسية تعليمه قواعد الإيمان، وتدريبه على عبادة الله، وطاعته، وتأديبه بآداب الإسلام، ومكارم الأخلاق، وتعويده على اجتناب المحرمات، وسائر السلوكيات والعادات السيئة والضارة، والبعد عن قرناء السوء، وتوجيهه إلى الرياضة المفيدة، والقراءة النافعة، وأن يكون الوالدان أو المسئولون عن رعايته قدوة عملية صالحة له في كل ذلك.
3- وعليهم مراعاة التدرج في منحه هامشًا من الحرية، وفقًا لتطوره العمري، بما يعمق شعوره بالمسئولية؛ تمهيدًا لتحمله المسئولية الكاملة عند بلوغه السن القانونية.
4- من الضروري حماية الطفل وخاصة في سن المراهقة من استثارة الغرائز الجنسية، والانفعال العاطفي عند التوعية الجنسية، ويجب في جميع الأحوال:
أ- استخدام الأسلوب الأمثل في التعبير، والملائم لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل العقلي والوجداني.
ب- إدماج المعلومات الجنسية بصورة ملائمة في مواد العلوم المناسبة لها كعلم الأحياء، والعلوم الصحية، والعبادات والأحوال الشخصية، والتربية الدينية.
ج- اقتران عرض مواد التوعية الجنسية بتعميق الآداب السلوكية الإسلامية المتصلة بهذه الناحية، وبيان الحلال من الحرام، ومخاطر انحراف السلوك الجنسي عن التعاليم الإسلامية السامية.
مــادة (113) العادات الاجتماعية الطيبة
من حق الطفل أن ينشأ منذ البداية على اكتساب العادات الاجتماعية الطيبة، وخاصة بالحرص على التماسك الأسري والاجتماعي، بالتوادِّ والتراحم بين أفراد الأسرة والأقرباء، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الوالدين، وطاعتهما في المعروف، والبر بهما، والإنفاق عليهما، ورعايتهما عند الحاجة لكِبَر أو عوز، وأداء سائر حقوقهما المقررة شرعًا، وعلى توقير الكبير، والرحمة بالصغير، وحب الخير للناس، والتعاون على البر والتقوى.
مــادة (114) التعليم المتكامل والمتوازن للطفل
1- في إطار الضوابط الشرعية: يحق للطفل الحصول على تعليم يهدف إلى:
أ- تنمية وعي الطفل بحقائق الوجود الكبرى: مِن خالقٍ مدبر، وكونٍ مسخَّر، وإنسانٍ ذي رسالة، وحياةِ ابتلاءٍ في الدنيا تمهيدًا لحياةِ جزاءٍ في الآخرة.
ب- تنمية شخصية الطفل، ومواهبه، وقدراته العقلية، والبدنية إلى أقصى إمكاناتها بما يمكِّنه من أداء رسالته في الحياة.
ج- تنمية احترام حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وتوعيته بواجباته الخاصة والعامة.
د- تنمية احترام ذات الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة.
هـ- إعداد الطفل لحياة تستشعر المسئولية في مجتمع حر، يَنْشُد الحفاظ على قيمه الدينية والإنسانية، والاقتراب من مثله العليا بروح من التفاهم، والسلم، والتسامح، والمساواة بين الجنسين في الكرامة الإنسانية، والتعارف بين جميع الشعوب والجماعات العرقية والوطنية والدينية.
و- تنمية احترام البيئة الطبيعية، في سياق الوعي بتسخير الكون للإنسان، لتمكينه من أداء رسالته في الحياة، خليفةً في إعمار الأرض.
2- وفي سبيل ذلك ينبغي:
أ- جعل التعليم الأساسي إلزاميًّا ومتاحًا مجانًا للجميع، ومشتملاًعلى المعارف الأساسية اللازمة لتكوين شخصية الطفل وعقله.
ب- تشجيع وتطوير جميع أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، لتغطية احتياجات المجتمع من العمالة القادرة على تحقيق فروض الكفاية، المحققة لأهداف المجتمع، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة مثل مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية، عند الحاجة إليها.
ج- جعل التعليم العالي المزود بجميع الوسائل المناسبة متاحًا للجميع على أساس القدرات العقلية والاستعداد البدني والنفسي.
مــادة (115) الحصول على المعلومات النافعة
1- للطفل الحق في الحصول على المعلومات والمواد التي تبثها وسائل الإعلام، وتستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية، وتعميق ثقافته الدينية، وحماية صحته الجسدية والعقلية، والوقاية من المعلومات والمواد الضارة به في هذه النواحي جميعًا.
2- وعلى مؤسسات المجتمع كافة ومنها الدولة تشجيع إنتاج وتبادل ونشر المعلومات، والمواد ذات المنفعة الثقافية، والخلقية، والدينية، والاجتماعية، وتيسير وصولها للأطفال، ومنع إنتاج ونشر المعلومات الضارة بالأطفال في هذه الجوانب جميعها.
الفصل السادس الحمــاية الـمـتكـامــلة
مــادة (116) الحماية من العنف والإساءة
1- للطفل الحق في حمايته من كافة أشكال العنف، أو الضرر أو أيّ تعسُّف، ومن إساءة معاملته بدنيًا أو عقليًا أو نفسيًا، ومن الإهمال أو أية معاملة ماسة بالكرامة من أي شخص يتعهد الطفل أو يقوم برعايته.
2- ولا يخل هذا الحق بمقتضيات التأديب والتهذيب اللازم للطفل، وما يتطلبه ذلك من جزاءات مقبولة تربويًّا، تجمع بحكمة وتوازن بين وسائل الإفهام والإقناع والترغيب والتشجيع، ووسائل الترهيب والعقاب بضوابطه الشرعية والقانونية والنفسية.
3- وعلى مؤسسات المجتمع كافة ومنها الدولة تقديم المساعدة الملائمة للوالدين ولغيرهم من المسئولين القانونيين عن الطفل، في الاضطلاع بمسئوليات تربية الطفل واتخاذ جميع التدابير الاجتماعية والتشريعية، والإعلامية والثقافية اللازمة لغرس مبادئ التربية الإيمانية، وإقامة مجتمع فاضل، ينبذ الموبقات والعادات المنكرة، ويتخلق بأقوم الأخلاق وأحسن السلوكيات.
مــادة (117)الحماية من المساس بالشرف والسمعة
1- للطفل الحق في الحماية من جميع أشكال الاستغلال، أو الانتهاك الجنسي، أو أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.
2- وله حق الحماية من استخدام المواد المخدِّرة، والمواد المؤثرة على العقل، والمشروبات الكحولية والتدخين ونحوها.
3- وله حق الحماية من الاختطاف، والبيع، والاتجار فيه.
4- وعلى الوالدين والمسئولين عن رعايته شرعًا وقانونًا توعية الطفل، وإبعادُه عن قرناء السوء، وعن كافة المؤثرات السيئة، كمجالس اللهو الباطل وسماع الفحش، وتقديم القدوة الحسنة، والصحبة الصالحة التي تعين على حمايته.
5- وعلى مؤسسات المجتمع كافة ومنها الدولة واجب اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتنقية وسائل الإعلام من كل ما يؤثر، أو يشجع، أو يساعد على انحراف الطفل واتخاذ التدابير التشريعية والاجتماعية والتربوية التي تحقق ذلك.
مــادة (118) الحماية من الاستغلال الاقتصادي
1- للطفل الحق في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل ينطوي على خطورة، أو يعوقه عن الانتظام في التعليم الأساسي الإلزامي، أو يكون ضارًّا بصحته، أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الديني، أو المعنوي، أو الاجتماعي.
2- ويدخل في ذلك تحديد حد أدنى لسن التحاق الأطفال بالأعمال المختلفة، ووضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه.
مــادة (119) الحـــــــرب والطوارئ
1- لا يشترك الطفل قبل بلوغه السن المقررة قانونًا اشتراكًا مباشرًا في الحرب.
2- وللطفل في حالات الطوارئ والكوارث والمنازعات المسلحة أولوية الحماية والرعاية الخاصة بالمدنيين من حيثُ عدم جواز قتله أو جَرْحه أو إيذائه أو أََسْرِه، وله أولوية الوفاء بحقوقه في المأوى والغذاء والرعاية الصحية والإغاثية.
الفصل السابع :مراعاة المصالح الفضلى للطفل

مــادة (120) الاستفادة من إعلانات حقوق الإنسان
لا تخلُّ أحكامُ هذا الباب الرابع([1]) بأيٍّ من حقوق الإنسان المنصوص عليها في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في (5/أغسطس/1990م)، والذي يُعد مع هذا الميثاق وحدةً متكاملة، ولا مع أي إعلان دولي لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
مــادة (121) اتخاذ تدابير إعمال حقوق الطفل
تتخذ مؤسساتُ المجتمع كافة ومنها الدولة التدابيرَ الملائمةَ لإعمال الحقوق المقررة في هذا الباب، وتوفر للطفل التوجيه والإرشاد الملائمين لقدراته المتطورة عند ممارسته هذه الحقوق، مع احترام مسئوليات الوالدين، أو الأقرباء، أو الأوصياء، أو غيرهم من الأشخاص المسئولين قانونًا عن الطفل، واحترام حقوقهم وواجباتهم.
مــادة (122) مراعاة مصالح الطفل الفضلى في كل ما يتعلق بالأطفال
في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها الهيئات التشريعية أو القضائية أو الإدارية، أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، يكون الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى، مع مراعاة حقوق والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسئولين شرعًا وقانونًا عنه وواجباتهم.

No comments: