Wednesday, October 12, 2016

سايس بيكو الجديد شرق المتوسط

كان هدف سايس\بيكو اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية شرق المتوسط بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولي بين بريطانيا وفرنسا.وبتقلص النفوذ البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الامبراطوريتين واستقلال مستعمراتهما في العالم تعود الدولتان للبحث عن موطئ قدم شرق وجنوب المتوسط من جديد تعوضان به خسارتهما في المنطقة وتنفثان عن الحقد الصليبي التاريخي لديهما إزاء العرب المسلمين خاصة في سوريا والعراق وليبيا التي تتوفر فيها مصادر الطاقة من بترول وغاز.
.
وتدخل روسيا على الخط كمافس لهما فإذا كان يدعيان محاربة الإرهاب للتغطية عن مطامعهما فروسيا تثبت أنها قادرة أكثر على محاربته وحصد نتائج ذلك لصالحها والحصول على حصة أكبر في الغنيمة.وتستثمر روسيا الوضع وتحاول أن تستغل كل من الورقتين الايرانية والتركية رغم تضارب مصالح الدولتين في المنطقة فتتودد لهما وتحسن علاقتها بهما وتنفذ إليهما عن طريق المصالح الاقتصادية المتبادلة وهو الطريق الأنجح في العلاقات الدولية لتحقيق الأهداف الاقتصادية عبر السياسة والدبلوماسية الفاعلة.بينما تعتمد كل من بريطانيا وفرنسا على ورقة الأكراد وإحلامهما في تكوين دولة لهما تجمع شتاتهما في العراق وسوريا وتركيا وإيران.

روسيا في سوريا
 ولاتظهر روسيا أي عداء للأكراد أو ممانعة في تحقيق حلمهم القومي ولكنها تتحكم فيه عن طريق تركيا وإيران المعارضتين له حتى إن تحقق للأكراد دولتهم لاتسقط في يد بريطانيا وفرنسا أو تظل متدثرة بالعباءة الأمريكية.وبينما أرسلت بريطانيا وفرنسا قوات خاصة الى إقليم كردستان وبوارجهما البحرية وطائراتهما المقاتلة في مياه المنطقة ، شرعت روسيا أيضا في إقامة قاعدة عسكرية بحرية لها في طرطوس أعلن نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف الاثنين أن موسكو تعتزم تحويل منشأتها "العسكرية في مدينة طرطوس بشمال غرب سوريا إلى "قاعدة عسكرية دائمة. وذلك بالآضافة إلى  قاعدة جوية في اللآذقية وذكرت وزارة الدفاع الروسية الأسبوع الماضي أنها نشرت نظام صواريخ الدفاع الجوي اس-300 في طرطوس محذرة واشنطن بأنها ستوقف أية محاولة لشن عمليات قصف في سوريا. كما أرسلت موسكو ثلاث سفن تحمل صواريخ لتعزيز قواتها البحرية قبالة سواحل سوريا.

وفي يوم 2 أكتوبر كتب المحلل الإسرائيلي يعقوب عميدرور في صحيفة إسرائيل اليومة روسيا  في الشرق الاوسط تغيرت في السنوات الاخيرة. وهناك من يعتبر أنها اصبحت القوة العظمى الأهم في العالم. على الأقل في السياق السوري. السبب الاساسي لذلك هو قدرة رئيس روسيا فلادمير بوتين على استثمار الامكانيات الحقيقية والدخول في مخاطر المنطقة من اجل تحقيق مصالح بلاده.
لذلك هناك قائمة من الخطوات العملية: النجاح في الحرب من اجل استقرار نظام الاسد، المشاركة في تدمير الدولة الاسلامية "داعش"، اقامة موقع عسكري روسي جوي في شمال سوريا ونشر قوات برية بدء من خريف 2015، الخلاف ومن بعده التعاون مع تركيا، تزويد ايران بالسلاح ومؤخرا التوقيع على الاتفاق الذي فشل مع وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، حول مستقبل سوريا حيث أن روسيا، خلافا للولايات المتحدة، لم تتنازل عن مواقفه.

وتطلع نحو مصر أيضا:
وأعلن إعلامها عن رغبتها في أقامة قاعدة عسكرية جوية لها بالقرب من الإسكندرية في مصر في ذات الوقت التى نفذت قواتها الجوية مناوراة جوية مشتركة شمال مصر. وقد رد مسؤولون مصريون بأن مصر لاتسمح بأقامة أية قواعد عسكرية لأية دولة على أرضها، ولكن المطلب الروسي قد ينتهي بقبول تقديم تسهيلات للطائرات الروسية في المطارات الحربية المصرية تؤدى نفس أهداف القاعدة الجوية الروسية.

وتسعى كل من بريطانيا وفرنسا لأن يشارك الأكراد في تحرير الموصل من مقاتلى الدولة الإسلامية "داعش"، وبدعم بريطاني وفرنسي وأمريكي وإسرائيلي إن لزم الأمر ، بينما تعارض تركيا ذلك ولاتؤيده إيران وتتحفظ حكومة بغداد الشيعية عليه وفي نفس اليوم لاتريد أن يكون لتركيا فضل في تحرير الموصل ونشب خلاف بين بغداد وأنقره مؤخرا في هذا الشأن.
ولوح الحشد الشعبي في العراق الثلاثاء بردّ مزلزل من مقاتلي الحشد في الميدان "حين لقاء الرجال بالرجال" ردا على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي طالب فيها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن يلزم حدّه وأن تركيا "لن تأخذ الأوامر من العراق".
وتطالب بغداد تركيا بسحب قواتها المتمركزة في قاعدة بعشيقة قرب مدينة الموصل، فيما تصرّ أنقرة على عدم الانسحاب بدعوى أنها موجودة بطلب من الحكومة العراقية وأن تواجدها هو للمساعدة في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية الذي يشكل خطرا على أمنها القومي.
توسع الأكراد شمال العراق:
ويستغل الأكراد مشاركتهم في الحرب على داعش لتوسيع نطاق وجودهم شمال العراق حيث يستولون على مساكن المواطنين العرب والتركمان وأراضيهم وممتلكاتهم
وفي تقرير نشره موقع ميدل إيست أون لاين يوم 11 أكتوبر عما حل بقرية ذمار العراقية بعد استيلاء الأكراد عليها ، فيقول :
وبصفة إجمالية زاد الأكراد مساحة الاقليم الذي يسيطرون عليه في العراق بنحو 40 بالمئة منذ عام 2014.وعلى هذا المنوال يعاد رسم الخريطة في مختلف أنحاء العراق وسوريا إذ تستغل جماعات تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية المعارك لتسوية نزاعات قديمة وتوسع نطاق أراضيها.
ويقول الأكراد إنهم يعملون ببساطة لإصلاح أخطاء تاريخية ارتكبها قادة العراق المتعاقبون وخاصة صدام حسين.واعتبروا أن سياسة "التعريب" التي انتهجها صدام في الشمال أدت إلى إزالة قرى كردية ونزوح مئات الآلاف.
غير أن آخرين من بينهم كثيرون في الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي قالوا إن الأكراد يتسببون في مظالم جديدة ويهيئون الوضع لصراعات مستقبلية.كما أن تعاظم نفوذ أكراد العراق يقلق دولا مجاورة تخشى أن تحاول أقليات كردية فيها الاقتداء بأشقائهم الأكراد في العراق.
وفي الشهور القليلة الماضية تزايدت التوترات في ظل استعداد القوات الحكومية العراقية والأكراد والفصائل الشيعية المدعومة من ايران لشن هجوم هدفه إخراج الدولة الإسلامية من معقلها في مدينة الموصل. ولأطراف هذا التحالف غير المستقر عدو مشترك لكنهم لا يتفقون على شيء آخر تقريبا.
ومن الممكن رؤية آثار هذا التوتر في الشعارات المكتوبة على الجدران إذ يقول بعضها "مخصص للأكراد" و"تحيا الدولة الكردية" في مناطق كانت في وقت من الأوقات تحت سيطرة مقاتلي الدولة الإسلامية.
وفي ذمار كتبت كلمة واحدة باللون الأحمر الداكن هي "كردي" على بيت محترق يملكه عربي.وعلى
ويرى الأكراد أن تدعيم أراضيهم خطوة مهمة على الطريق صوب وضع الدولة المستقلة التي يسعون لإقامتها منذ قامت القوى الأوروبية بتقسيم الامبراطورية العثمانية قبل نحو 100 عام.وقد رسمت الحدود الجديدة حدود دولة العراق الحديثة لكنها قسمت الشعب الكردي بين العراق وثلاث دول أخرى مجاورة.
وتسيطر على البلدة الآن قوات أمن كردية يرتدي أفرادها زيا عسكريا مموها تعرف باسم الأسايش. ويقول من تبقى من السكان العرب إنهم يخشون أن يصبحوا عرضة للانتقام منهم إذا ما فتحوا أفواههم.
لكن البعض يقول سرا إن قوات الأمن الكردية طردت مئات الناس المتهمين بأن لهم صلات بالمتشددين. واستولى الأكراد على شوارع ومناطق بأكملها كانت في السابق مملوكة للعرب.
وتقدر منظمة العفو الدولية أن عدد السكان العرب الممنوعين من العودة إلى بيوتهم في كل المناطق المتنازع عليها من الحدود السورية في الغرب إلى الحدود الايرانية في الشرق يبلغ عشرات الآلاف.
ويقول الأكراد إن من تربطهم صلات فقط بالدولة الإسلامية هم غير المسموح لهم بالعودة ويشيرون إلى العرب الباقين كدليل على أنه لا توجد سياسة لإحداث تغيير سكاني.
وقالت دوناتيلا روفيرا مستشارة الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية "يعرفون أنهم لا يستطيعون أن يفرغوا المناطق المتنازع عليها بالكامل من العرب. فهذا لن يكون واقعيا. ولذلك فقد أخذوا قدر ما استطاعوا. وهذا تقدم من وجهة نظرهم."
وحول ذمار بدأت حيوانات برية تحتل الأطلال الباقية في عدة قرى عربية. ويقول بعض من سكنوها سابقا بل وبعض الأكراد إن تلك المناطق سواها مقاتلو البشمرغة بالأرض.
وفي عدة تجمعات سكنية خارج المدينة تحولت جميع البيوت بلا استثناء إلى أكوام من الركام. وفي أحد هذه التجمعات كان المسجد هو المبنى الوحيد الذي بقي سليما وكانت مئذنته تطل عاليا على ما حولها من أنقاض.
وينفي مسؤولون أكراد استهداف ممتلكات العرب. ويقولون إن ما لحق بها من أضرار نتج عن ضربات جوية لقوات التحالف والاشتباكات مع مقاتلي الدولة الإسلامية.
قوات بريطانية وفرنسية تساند الأكراد:
قد قتل عدد محدود من  أفراد من القوات الخاصة البريطانية والفرنسية في الأشهر الأخيرة المتواجدة في إقليم كردستان أثناء مشاركتها في القتال ضد داعش غرب الإقليم .
واليوم الثلاثاء11 أكتوبرقالت صحيفة لو موند يوم الثلاثاء إن اثنين من مسلحي البشمركة الكردية قتلا وأصيب جنديان فرنسيان بجروح خطيرة في العراق بانفجار طائرة ملغومة بدون طيار أرسلتها جماعة على صلة بتنظيم الدولة الإسلامية.
وأضافت أنه تم اعتراض الطائرة وهي تحلق وانفجرت بعد أن هبطت على الأرض فيما قد يصبح أول هجوم يشنه مقاتلو التنظيم المتشدد على القوات الخاصة الفرنسية باستخدام طائرة بدون طيار.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجوم وقع في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول. يوجد نحو 500 جندي فرنسي في العراق في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة متشددي الدولة الإسلامية. ويشمل هذا العدد قوات خاصة تدرب البشمركة الكردية في شمال العراق.
وأحجمت وزارة الدفاع الفرنسية التي تطبق سياسة عدم الخوض في عمليات القوات الخاصة عن التعليق على تقرير لو موند.ولم يؤكد متحدث عسكري عراقي في بغداد التقرير ولم تتوفر مصادر من البشمركة للتعليق على الفور.
   وإن استمر قتل جنود فرنسيين أو بريطانين شمال العراق فإن ذلك قد يؤلب الرأي العام الفرنسي والبريطاني على حكوماتيهما , وقد تضطر الدولتان إلى سحب قواتهما هناك.
ومن الواضح أنه توجد أهداف واحدة لكل من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وهناك خلافات في التفاصيل ، ولكن هذه الخلافات لن تقود إلى تصادم عسكري يكون بمثابة حرب عالمية ثالثة كما ذهب إلى ذلك بعض المعلقين العرب، فكل الطرفين يحرص ألا يحدث هذا التصادم على الإطلاق ويحاول البحث عن أرضية مشتركة بينهما للأتفاق عليها لتفادي حدوثه.

وألغى مؤخرا الرئيسى الروسي زيارة رسمية كانت مقررة إلى فرنسا حين اشترضت أن يتم التباحث فيها حول الأوضاع في سوريا فقط وهو ما رفضه الروس وواصلت الطائرات الروسية غاراتها المكثفة على أحياء مدينة حلب التي تسيطر عليها جماعات المعارضة مخلفة خسائر كبيرة في أرواح المدنيين السوريين من أطفال ونساء ورجال فضلا عن هدم مساكنهم ومنشآتهم ومتاجرهم.بينما يواصل الجيش السوري تقدمه في المناطق التي تهدمها الطائرات الروسية وتقتل من فيها بالمدينة ممهدة له طريق التقدم فيها.

الغائب عن الأحداث:
الغائب عن الأحداث هنا هو الدول العربية دون استثناء والتي تتخبط سواء في مواقفها السياسية أو العسكرية الخاصة بما يحدث في المنطقة . وقد عقدت دول الاتحاد الأوروبي اجتماعا قبل أيام قليلة بخصوص ليبيا لم تدع إليه أي دولة عربية ، وطالبت اليوم رئيسة الحكومة الألمانية السيدة ميركيل خلال زيارتها لأثيوبيا من الاتحاد الأفريقي أن يتدخل لإيجاد حل في ليبيا ينهى الوضع المضطرب حاليا فيها، بينما يختلف العرب فيما بينهم فيما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن وأيضا  حول ليبيا وهو ما يزيد من عجز الجامعة العربية عن عمل أي شيئ يتعلق بوقف العنف والجدمار وسفك الدماء فيها .
 وتتحمل المسؤولية عن أحداث اليمن كل من المملكة السعودية والدول العربية الحليفة لها ، أما ليبيا  فإن  بعض الدول العربية تعتبر تدخلاتها في الشأن الليبي من أسباب استمرار القتال والدمارو تعقد الأوضاع فيها ، وقد اتضح أيضا وجود قوات أجنبية فيه. واذا كان يمكن تفسير تورط الدول الغربية عسكريا في أوضاع دول شرق المتوسط وشمال أفريقيا العربية بالسيطرة على موارد الطاقة والمعادن والسيطرة على طرق المواصلات بالتحكم في منطقة تعد وسط العالم القديم ، ودوافع تاريخية ودينية أخرى، فإنه لايمكن فهم المواقف الشاذة للدول العربية مما يحدث من انتهاك لسيادة دول منها وإلحاق الدمار بها وقتل وتشريد سكانها على مرمى ومسمع منها إن لم يكن بمباركة ومساعدة منها.

ويجمع سياسيون وخبراء ومحللون بأن دول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن لن تعود موحدة كما كانت من قبل وإنما سيجري تقسيمها الى دويلات عرقية أو طائفية وإن التدخل العسكري الغربي بما فيه روسيا يسعى إلى تحقيق ذلك وإن يكون له نفوذ في بعض أو كل تلك الدويلات الجديدة . ويرى بعضهم أن التقسيم لن يقتصر على تلك الدول العربية وحدها وأنه قد يمتد أيضا الى بعض دول الخليج فيزيلها من الوجود أو يقسم ترابها ومنها المملكة العربية السعودية المتورطة في حرب اليمن وفي العداء مع إيران والمنهكة اقتصاديا الآن وتوقف فيها العديد من المشروعات التي كانت تنوى إقامتها بسبب نقص التمويل الناتج عن تراجع أسعار البترول وعن تبديد ثرواتها المالية وقد بدأت بالفعل تعلن عن طرح سندات حكومية بالدولار في الأسواق الدولية مؤخرا. كما شاب علاقتها بمصر سوء تفاهم بسبب تعارض موقف البلدين مما يحدث في سوريا.وكلا الموقفين : السعودي والمصري يصعب تفسيرهما على نحو يتعلق بالمصالح أو الأهداف الاستراتيجية وإنما يتم إرجاعها إلى أسباب نفسية أو تبعية لدول أجنبية أو ما شابه ذلك مما يصعب معه قبولها أو تقديرها إن كانت تلك الأسباب صحيحة.

فوزي منصور
12 أكتوبر 2016