Monday, September 5, 2011

حكايتي مع الثورتين في تونس ومصر

كان تقديري قبل قيام الثورات في الشعبية في تونس ومصر ، بأن دول شمال أفريقيا المحكومة كلها بالأجهزة الأمنية والعسكرية القمعية لا يمكن أن تقوم فيها ثورة شعبية بسبب اختراق تلك الأجهزة لكل مؤسسات المجتمع الحكومية والسياسية والمدنية ، بل وكثير منها من صنع تلك الأجهزة ذاتها، وفي حالة لو افترضنا جدلا إمكانية قيامها في تلك الدولة أو تلك فلن يتم ذلك بدون سفك الدماء. وأنفر بطبعي من العنف ويصيبني الدوار لو رأيت دما ولا أجرؤ على ذبح دجاجة وأرفض حضور ذبح أضحية العيد ، وأومن بما جاء في كتاب الله بأنه من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ، فما بالك لو قامت ثورة وقتل فيها المئات أو الآلاف من المدنيين العزل؟..كانت أيضا تجارب سابقة ماثلة في دول المنطقة منها مهاجمة الجيش السوري لمدينة حماة عام 1982 وقتله عشرات الآلاف من سكانها عندما ثاروا على نظام الحكم ، وهناك ما هو أبشع من ذلك عندما قتل الجيش الجزائري أكثر من مائتي ألف جزائري خلال عقد التسعينيات أو ما يعرف بالعشرية السوداء أو الحمراء وسكن الرعب قلوب الجزائريين من يومها حتى يومنا هذا ، حيث مازال العسكر يحكمون البلد من خلف الستار، وهو ما يعيه كل الجزائريين ، وأيضا تم مواجهة تظاهرات مغربية بالرصاص الحي عدة مرات وهو ما يعرف حاليا في الأدبيات السياسية بسنوات الرصاص.
وبسبب اليأس الذي انتاب العديد من المثقفين فقد علق بعضهم الأمل في قيام انقلاب عسكري في هذه الدولة أو تلك يتولي تغيير أوضاعها والتخلص من الحكم الاستبدادي القائم فيها، ولم أكن أشاركهم هذا الرأي أيضا وأعتبرهم مثل المستنجد من الرمضاء بالنار. إن مراجعة تاريخ كل من دول منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأدنى خلال العقود الخمسة الماضية سيكتشف أن كل مصائب هذه الأمة وتخلفها وفقدانها استقلالها السياسي والاقتصادي وسقوطها في تبعية مدمرة لما يفترض أنه عدوها أو لاتهمه مصالحها، كل ذلك نجم عن تسلط العسكر من الجيش أو أجهزة الأمن أو تحالفهما معا ، على مقاليد حكمها ، وسواء تدثر نظامها بدعاوي القومية مثلما حدث في مصر وسوريا والعراق وليبيا أو بالليبرالية مثلما حدث في مصر بعد حقبة القومية وفي تونس والمغرب أو ارتدى عباءة الدين مثل النظام الذي مازال ماثلا في السودان ، هذه الأنظمة الحاكمة للعسكر أثبتت بنتائجها وبالسياسات الخاطئة الداخلية والخارجية بأن العسكريين العرب يفسدون السياسة عندما يتدخلون فيها وأنهم بالتالي يجهلون علم السياسة وحسن تدبير مصالح مجتمعات بلادهم ، ولذا فإن أي انقلاب عسكري يتولى العسكر بموجبه الحكم سيكون بمثابة استبدال وضع سيء بوضع يماثله في السوء إن لم يكن أكثر منه سوءا بعد مراجعة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول مثل مصر وسوريا والعراق والسودان وموريتانيا واليمن.

ولم يخل الأمر من بعض الكتاب الذين يأملون في انتفاضة شعبية وفي مخيلتهم ما يعرف بالانتفاضة الشعبية السودانية التي أطاحت بنظام جعفر نميري دون أدارك للظروف التي أحاطت بها وبتدبيرها وأنه بدراسة الواقع الحالي في كل دولة يجعل احتمال قيام انتفاضة شعبية يعول عليها في التغيير أمرا غير واقعيا ،وكنت استعرض في هذا الخصوص المحاولات المصرية في هذا الشأن التي تمثلت في حركة كفاية وحركة 6 أبريل التي فقدت كل منها زخمها بمرور الوقت وفقدت تأثيرها ولم تستطع أي منها تحريك الشارع المصري.
حالمون آخرون ، ممن تيقنوا أن العنف سيواجه بعنف مضاد مع عدم توازن القوى بين فئة مسلحة وأغلبية من المواطنين العزل الغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ، وأن أعمال العنف التي جربت لم يترتب عليها سوى تثبيت النظام المستبد وتحوله إلى نظام أكثر وحشية ودموية وإجراما
مثل ما حدث في الجزائر ، و نادوا بالعصيان المدني الذي يلزم فيه المواطنون منازلهم لا يغادرونها ولا يحتكون بالأجهزة القمعية أو يتعرضون لبطشها حتى يسقط النظام وكانوا في ذلك المنهج السلمي يسترشدون بفلسفة المهاتما غاندي والتي تعرف بالستياجراها أو الكفاح السلمي وتمكن الهنود باستخدامها من تحرير بلادهم من الحكم البريطاني وإقامة دولتهم المستقلة. وقد تجاهل هؤلاء أن أكثر السكان صاروا يعيشون في المدن وليس في الأرياف والكثير منهم يعيش يوما بيوم ولا يمكنهم تدبير أمورهم ومعاشهم لو امتد أمد عصيانهم المدني ، والخوف من فقداهم مورد رزقهم الذي يعينهم على الإنفاق على أسرهم، كما أن السلطة الحاكمة يمكنها أن تقطع عنهم الكهرباء والماء ، وهو ما سيضطرهم إلى إنهاء عصيانهم بل والثورة على من يلتزمون به.
وهناك أمر أخر يتعلق بانتشار الفساد ونهب المال العام في كل أركان الدولة ومؤسساتها والثورة على الفاسدين والمطالبة بمحاكمتهم وعزلهم سوف يترتب عليه إفراغ مؤسسات الدولة ممن يسيرونها وعدم القدرة على سد الفراغ الناتج عن ذلك وهو من شأنه أن يفضي إلى الفوضى فضلا من المقاومة التي سيبديها هؤلاء وهم يتوفرون على مقومات مادية ورمزية يمكن أن تكون فعالة في إجهاض الثورة التي ستهددهم في حريتهم وفيما يعتبرونه من أموالهم سواء جمعوها بطرق مشروعة أو غير مشروعة.أي أن الثورة ستولد ثورة مضادة وستدخل في صراع مكشوف معها يصعب التكهن بنتائجه.

لهذا كله انصب تفكيري في مواجهة انسداد كل هذه المسالك التقليدية بالبحث عن حل سلمي غير تقليدي ومع أدراك أن الوضع شديد التعقيد على كافة المستويات كان من الصعب تفادي أن يكون هذا الحل معقدا بدوره ، ولأن الوضع المراد تغييره تكون على مدي عقود متتالية فإن هدمه بغير أسلوب الثورة الدموية من شأنه أن يحتاج وقتا طويلا وبالتالي الصبر والعمل المتواصل لعدة سنوات ، وكان تبريري لذلك المسلك مثل انجليزي أواجه به منتقديه بأنه إن يأت التغيير متأخرا أفضل من ألا يأتي أبدا . وكان هذا الحل يتمثل في الحركة المجتمعية للتنمية الاقتصادية والإنسانية. التي دعوت إليها، والتي وإن لم تستعمل أدوات أو آليات سياسية كنت أتوقع أن تسفر عن تغيير سياسي متدرجا إلى يصير تغييرا شاملا وحاسما وثوريا بمعني مغاير تماما لما كان عليه الأوضاع عند قيام الحركة المجتمعية.

جاءت بعد ذلك الثورة التونسية والتي لم تكن متوقعة البتة من أي محلل أو مراقب سياسي أو أي مراكز أبحاث ودراسات أو أجهزة مخابرات وتمكنت بعد تقديم عددا ليس قليلا من الضحايا من اقتلاع الطاغية بن علي والقذف به خارج البلاد.وبتأثير هذه الثورة ، اشتعلت الثورة الشعبية المصرية واستجاب الشعب كله لنداء فتاة صغيرة تدعى أسماء محفوظ من حركة 6 أبريل وعلى الرغم من أن خطابها يكشف عن أنها يائسة من أن يخرج معها أحد للاحتجاج بمن فيهم من معها في الحركة ، أو أنهم رفضوا موافقتها على النزول للشارع.وحدثت المعجزة أيضا التي لم يكن يتخيل أحد إمكانية حدوثها من قبل.وصارت الثورتان أمرا واقعا واعتبرتهما إنما تمتا تنفيذا لمشيئة الله و إرادته . التي فوق مشيئة وإرادة البشر وأنه يمكرون ويمكر الله بهم ، وبالتالي ليس أمام المرء الذي يحب بلاده ويريد الخير لأمته سوى مساندة الثورتين والتضامن معهما والدفاع عنهما ، حتى تحقق كل منهما أهدافها كاملة.

وقد سقط عدد كبير من القتلى والجرحى في الثورتين كانوا يسقطون صرعي القمع والرصاص الحي وغيره من أدوات القتل كل يوم إلى أحست السلطات أنها لا تستطيع الاستمرار في مواجهة تلك الملايين الهادرة فأوقفت قمعها لها وبدأت تقدم تنازلاتها وتستجيب وإن عن مضض أو مضطرة لمطالب الجماهير التي حفزها هذا أيضا الى تصعيد سقف مطالبها فقدمت مطلبا إثر أخر.
وكان حظ التوانسة أفضل من حظ المصريين من حيث سرعة تلبية طلبات الثوار وكان السبب هو أن بن على كان ينتمي إلى الأمن ويعتمد عليه في حماية نظامه وعندما سقط ظهر الجيش كقوة مساندة للشعب وكابحة لجماح الأمن ، وقد أعملت السلطات الدستور التونسي بعد أن رفض الثوار الحكومة المدنية التي فوضها بن على بتسيير الأعمال بعد رحيله فتم تكليف رئيس البرلمان برئاسة الدولة وتعيين رئيس حكومة مقبولة من الثوار.والاستجابة لمطالبهم في إلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح بتشكيل الأحزاب ووضع دستور جديد... الخ.

حين اكتملت مدة ستين يوما على مغادرة الرئيس المصري السابق مهامه وتفويضه المجلس العسكري بها دون عودته لممارستها ، انتهي حكمه رسميا وانتهت فعالية تفويضه للمجلس ، وصار المجلس الآن فاقد لشرعيته ،وعليه أن يسلم الحكم لرئيس المحكمة الدستورية فورا ، حسب الدستور .حيث أصبح هو الرئيس الشرعي المؤقت لمصر ورئيس المجلس العسكري الأعلى ، ولو أنه مدني اعتبارا من اليوم التالي لا انتهاء الستين يوما ..والاستفتاء على التعديلات الدستورية . يعني الإقرار بوجود الدستور وبالعمل به، ويجب على الجميع بدءا من المجلس العسكري احترام الدستور المعدل. واستمرار المجلس ممسكا بالسلطة بعد ذلك يعد مغتصبا للسلطة ومخالفا للدستور .وأما الإعلان الدستوري فصدر عن جهة غير مختصة وغير شرعية ولم يستفت عليه الشعب وبالتالي لا يعتد به. بل ويعد إصدارها محاولة للخروج من المأزق الدستوري الذي وجدوا أنفسهم يواجهونه ، فواجهوا الدستور بلادستور والشرعي بلاشرعي، وابتلع الكثيرون الطعم واعتبروا أن التعديلات ألغت الدستور.
لقد تعمد حسني مبارك أن يلقي خطابه يوم 10 أبريل لكي يستبق انتهاء مدة الستين يوما وخاصه أنه لم يستقل أ و يتنحي عن الحكم ويعتبر نفسه مازال رئيس الدولة ، وكان يتوهم امكانية عودته بعد الخطاب لممارسة السلطة كرئيس للبلاد ، ولم يتوقع رد فعل الشعب العنيف على الخطاب ،
وأنه يكفي أن يقول بأن ذمته نظيفة فيصدقه الشعب ويرحب به .كان تصرفا دفعه إليه الغرور والجهل ..وتجاهل فيه رئيس المجلس الأعلى فلم يخبره بنيته توجيه الخطاب للشعب ، وربما كان قد ضاق بفشله في اعداد البلد لعودته مرة أخرى ، وقرر أن يتصرف بنفسه ويعود ويستغني عنه. وهو ما يمكن أيضا أن يكون طنطاوى قد توقعه فقرر أن يتغدي به قبل أن يتعشي به ، فضلا عن أنه و من المستحيل مع استمرار الغليان الشعبي أن يعود مبارك وتتسنى السيطرة على الجماهير الغاضبة التي ستكتسح الجميع ،وبدأت بوادر انقلابها ضد المشير طنطاوي وليس الجيش والمطالبة بعزله ،فقد شعر رئيس المجلس بأن مبارك وضعه في مهب الريح ، وهنا فضل التضحية به لكي يقتصر الضرر عليه ولا يجمعهما معا.
ولأن طنطاوي لا يختلف عن مبارك في شيء ، فإنه لم يستطع أن يكون بديلا له مقبولا من الشعب ، وأن يثبت أنه غير مبارك ويحمل سياسة مغيرة لسياساته سواء في الداخل أم إزاء الخارج.ففي الداخل واصل إصراره الاحتفاظ بقانون الطوارئ الذي كان إلغاؤه في صدارة مطالب الثورة الشعبية المصرية ، لأن هذا القانون هو الذي يتيح له فمع الشعب دون أعمال القانون أو اللجوء للمحاكم المدنية وكان أن قام باعتقال آلاف المدنيين من المتظاهرين وتحويلهم الى محاكمه العسكرية.ورغم أن رئيس الحكومة الانتقالية صرح بأن الحكومة تدرس إلغاء القانون خلال أسبوع فقد مرت الأسابيع دون إلغائه. وعندما قررت الحكومة الانتقالية استدعاء وليس سحب السفير المصري من تل أبيب ردا على قتل الجيش الإسرائيلي ضابط وجنود مصريين على الحدود قام المجلس العسكري بإلغاء القرار متحديا الجماهير الغاضبة من ناحية ومثبتا في نفس الوقت وجود خلاف في توجهات الحكومة المدنية وعسكر المجلس في شئون سياسية يفترض أن الحكومة المدنية أقدر على التعامل معها وتدبيرها. لذا يعد من التطور الطبيعي أو المنطقي لتطور الأحداث أن يطالب الشباب بالتظاهر يوم 9 سبتمير للمطالبة بتنحية المجلس العسكري وتسليم السلطة إلى مجلس مدني مقبول من الثوار.

وبينما قام الممسكون بالحكم في تونس بوضع برنامج محدد بالتواريخ لانتقال السلطة ديمقراطيا وأعلن المجلس الانتقالي أيضا في ليبيا ، عرى الرغم من أن القتال مازال مستمرا فيها مع كتائب القذافي ،نفس الشيء ، فإن المجلس العسكري المصري ما زال يماطل، وبينما كان يجب أن يتم الانتقال الديمقراطي في مصر خلال ستة أشهر يعود بعدها إلى الثكنات فأنه مازال باقيا في السلطة رغم مرور أكثر من سبعة أشهرولأجل غير مسمى.ولم يكتف بذلك وإنما واصل نشر الشائعات المضرة ومنها شائعة سداد العجز الحكومي من مدخرات القطاع العائلي المصري في البنوك وصناديق الإدخار وهو ما نفته الحكومة المدنية مؤخرا ، وأيضا إلصاق الاتهامات بالقوى الثورية وتشويه رموزها والاستقواء بالسلفيين وغيرهم ضدها. إن كل هذه التصرفات التي لا تعني سوى الاستمرار في السيطرة على السلطة دون الشعب كان كافيا لأن يفقد المجلس الثقة فيه وهو دليل في نفس الوقت على أنه لا يحسن تدبير السياسة وعليه أن يتركها لمن قد يحسن تدبيرها أفضل منه من المدنيين.

لا يمكنني كمصري يتطلع لمستقبل أفضل للشعب المصري وتغيير في صالح الشعب على كافة الأصعدة : الاقتصادية والثقافية والسياسية أن أقبل ببقاء النظام السياسي القديم الذي كان حسني مبارك على رأسه بوضع آخرين على رأسه دون أن يتم تغييره وهو التي تسبب في كل المشاكل الذي يعاني منها الشعب وثار عليها بعد أن زادت وطأتها عليه ولم يعد لديه فدرة على التحمل فانفجر. وفي نفس الوقت يحزنني ما آلت إليه الثورة في مصر. فبينما كانت الثورة في مهدها ومازالت تلعق جراحها ، خرج عدد من الشخصيات السياسية التي لم تشارك فيها ولم يكن لها فضل عليها ، ترشح نفسها لرئاسة الدولة عوض أن تقود الثوار أولا من أجل تحقيق أهداف الثورة ووضع تصور للمستقبل السياسي والاقتصادي والشكل الذي يجب إن يكون عليه الدستور الجديد للبلاد والذي يحدد نوع النظام السياسي الجديد الذي سيحل محل النظام السياسي الذي ثار الشعب من أجل إسقاطه والتخلص منه ،ثم سيان بعد ذلك من يتولى الرئاسة. نفس الخطيئة سقطت فيها جماعات سارعت بتشكيل
أحزاب للمشاركة في الانتخابات التي وعد بها المجلس العسكري من اجل احتلال السلطة وليس من أجل تنفيذ برنامج وطني وثوري للتغيير متفق عليه من الجميع ومع كثرة تلك الأحزاب بدأ مبكرا الصراع على السلطة دون أن يعرف أي من المتصارعين ما ذا سيفعل بها أو يقول ذلك للشعب إن كان يعرف واكتفى كل منهم باطلاق شعارات ليست ذات قيمة عملية إن ظلت مجرد كلمات لا هدف لها سوى حشد أنصار لهذاالحزب أو ذاك.واختلفوا حول كل شيئ بما في ذلك بقاء المجلس العسكري أو التخلص منه.لذا لا يوجد لدي أي تقبل لأي من المرشحين أو لأي من المجموعات المتصارعة في السلطة أو على استعداد لتأييد أو مناصرة أي منها ، وأعتبر نفسي خارج اللعبة ، أتفرج عليها من بعد وأنتظر ماتفضي اليه من نتيجة وأقبلها حينئذ كأمر واقع ، وعلى أساس أنه لم يعد في الإمكان أفضل ممن شغل في النهاية المكان.

هذا كمصري ، ولكن أيضا فإنني لا أفرق بين مصالح الشعب المصري ومصالح الشعوب الأخرى ، أي أنني أعتبر نفسي فوق الجنسية المصرية وأنتمي إلى منطقة جغرافية واسعة تتمثل في شمال أفريقيا هي التي تشكل هويتي ، وأن كل ما فيه خير شعوبها يهمني وأعنى به. ولذا فإن ما حدث في مصر حدث مثله أيضا في تونس ، فهناك المغترب الذي عاد إلى تونس بعد الثورة وقبل أن يغادر المطار بعد وصوله أعلن عن ترشيح نفسه للرئاسة وكنت من قبل أؤمل فيه خيرا، ونفس الانقسامات والتنابز والتشاحن حدث بين الأحزاب التونسية عوض التنافس على برامج اقتصادية وسياسية طرحتها ،ولكن الوضع في تونس ما زال أفضل .ولايمنع ذلك أن القوى السياسية القديمة التي عملت مع الرئيس المطاح به سابقا مازالت تبذل قصارى جهدها ليكون لها نفس النفوذ السياسي السابق ، ولكن من الواضح أيضا بأنها لا تمانع في مشاركة القوى السياسية الأخرى لها في السلكة ويهمها أيضا إنهاء الفترة الانتقالية بسرعة حتى لا تتطور الأوضاع في الداخل إن طالت لغير صالحها.وقد ساعد على جعل الوضع في مجمله بتونس أفضل منه في مصر و أن الجيش في تونس لم تظهر له أية أطماع في السلطة ، ويرجع ذلك إلى أنه كان على هامش الدولة الأمنية السابقة ولم يكن مستفيدا من وجودها مثل باقي القوى التي اعتمد عليها النظام السياسي للرئيس المطاح به.
وإذا كنت لم أقصر في متابعة الثورة التونسية منذ بدايتها وحتى اليوم ومؤازرتها ، فإنني لم أتدخل في شؤونها على أساس أن الأصدقاء في تونس أقدر مني على تتبع مجرياتها والحكم عليها، وعلى أساس أن أهل مكة أدري بشعابها مني وأن درايتي بالشعاب المصرية أكثر. ولذا أرجو المعذرة أن كنت قد قصرت في الكتابة عن تطوراتها وأبداء الرأي فيها.

وما يمكن لي أن أقوله الآن بأنه كما لم أستطع من قبل التنبؤ بقيام الثورتين التونسية والمصرية من قبل ، فإنه يصعب علي أيضا التنبؤ بمصيرهما وما يمكن أن يحدث لهما في الشهور القادمة ، دون التخلي عن التفاؤل أو الاستسلام للتشاؤم. وفي نفس الوقت فقد وصفت الانتفاضات في تونس ومصر هنا بالثورات ولو أني ما زلت غير مقتنع بأنها ثورات وفق المفهوم العلمي للثورة،
وإنما هي انتفاضة شعبية متواصلة ومستمرة في التشبث بتحقيق مطالبها. وهذه الاستمرارية هي التي تجعلها أشبه بالثورات أو أقرب لأن توصف بها من وفها بأية أوصاف أخري.
فوزي منصور