Thursday, March 13, 2008

قليل من الأمانة والعدل.. من فضلكم

قليل من الأمانة والعدل.. من فضلكم
أراد الله أن ينبهنا إلى ثقل الأمانة التي يحملها كل منا كإنسان، فقال تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا." وقد فهم مفسرون للآية أن وصف الإنسان بالظلم والجهل راجع إلى قبوله الأمانة التي رفض حملها ما هو أقوي منه وأشد.
إلا أن الفهم الصحيح هو أن الإنسان كان ظلوما جهولا قبل أن يكرمه الله بحمل الأمانة، وعندما حملها عرف معاني العدل والمعرفة والعلم، و علمه الله الأسماء كلها. ووفقا لهذا التفسير فإن الإنسان الذي يفتقر إلى الأمانة ولا يحافظ عليها، يكون ظالما لنفسه ولغيره وجاهلا بالحق. وأيضا الإنسان الحامل للأمانة ، هو الذي يتحرى العدل و يساند الحق ويطلب المعرفة أينما كانت ، وإذا ما خاطبه الجاهلون، الذين هم ليسوا لأماناتهم راعون، وللأمانة والعدل والمعرفة فاقدون، قال لهم : سلاما، عملا بقوله تعالى: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونــا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما...".
وفقا لذلك فإن الذي يحرص على نيل رحمة ربه عليه ألا يدخل في جدال مع الجهال حتى لو أضفت عليهم وسائل الإعلام صفات الخبراء و العالمين والباحثين ، وفي ذات الوقت يجب على حامل الأمانة أن يدافع عن الإنسان ، أيا كان ، وعن حقه في الحرية والكرامة والعزة، وأن يحفظ له حرمته حيا وميتا ، لأن ذلك من متطلبات العدل. وهذا سبيل كل من أمرهم الله بالعدل والإحسان فأطاعوه. ومن ذلك أيضا: المحبة في الله لكل الناس . وهي محبة تستدعي في حدها الأدنى الحفاظ على وحدة الأمة، وعلى صلات الرحم فيها. وبالتالي تستلزم عدم إثارة الفتن وبث الفرقة في صفوف الأمة ، حتى تتمكن من مواجهة التحديات التي تجابهها في الداخل والخارج كبنيان مرصوص تتكسر عليه أسنة المؤامرات والدسائس.
معرفة الواقع وحقائقه وعدم القفز عليه بالتدليس والبناء على أوهام متخيلة لا وجود لها، لتضليل عباد الله، وتمزيق وحدتهم بالإفك وبواعث الشقاق، من شيم العادلين، المحبين للناس والساعين لتحقيق أمانيهم المشروعة بالحق. أما الذي يتنكب هذا المهيع القويم ، لأمر في نفسه، لا يعلمه إلا الله فسيكون مثل حداد ينفخ في كوره و أول من يصيبه الشرر المتناثر منه.
خبرنا من قبل إحدى هذه الفتن عندما خرج علينا من يقول بإدماج المرأة في التنمية، وهو يعلم علم اليقين بأنه لا أحد في هذا البلد له عقل ودين يعارض أن تنال المرأة حظا وافيا و مساويا لحظ الرجل في ثمار التنمية إذا كان الواقع يشهد بوجود تنمية يستأثر بها الرجال وليس للنساء حقوق فيها. أما إذا كانت التنمية غائبة عن الواقع ، وثمارها ، إن وجدت يستأثر بها قله في المجتمع ، وغالبية الناس من الرجال والنساء معا محرومون منها ، فإن المطالبة حينئذ بإدماج المرأة في تنمية غير موجودة أصلا ، هو تضليل وتدليس يستدعي الشك في مراميه. ولو أن أصحاب الفتنة تبنوا الدعوة إلى تنمية يكون لغالبية الشعب ، رجالا ونساء على السواء ، دورهم في إقامتها وحظ عادل في ثمارها ، لما جرؤ على معارضتهم أحد .
الآن يأتي أناس يدعون أنهم وحدهم الغيورون على الديمقراطية وهم حماتها وحراسها ويتهمون فريقا من الأمة بأنهم خطر عليها ، بدون قرائن أو أدلة وإنما بظن السوء فقط ، وإحلال الأوهام محل حقائق الواقع..ورغم تواتر الدراسات والتقارير الدولية المبنية على بحوث ميدانية وعلمية بواسطة أهل العلم والاختصاص التي تشير إلى أن الديمقراطية غير موجودة وأن شبيهها القائم هو ديمقراطية شكلية . وتشيد هذه التقارير بديمقراطية هؤلاء الدين يتهمهم أبناء جلدتهم ووطنهم بمعاداتها، بأنهم قد أثبتوا التزامهم بالديمقراطية.وطبقوها في تنظيماتهم الداخلية . بينما لا توجد عند تنظيمات سواهم. وهم بالتالي الأولى بالدفاع عنها، والأكثر حرصا على أن يكون نظام الدولة كله ديمقراطيا.
فمن نصدق إذن ، الدراسات والأبحاث العلمية الدولية المدققة ، أم الذين يتخبطون في أقوالهم كمن أصابهم مس من الشيطان ؟.
ما كان أحرى بهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم كهنة في معبد لديمقراطية غير قائمة خارج رؤوسهم ، أن يقولوا تعالوا جميعا إلى كلمة سواء بيننا ، ننبذ فيها كل خلاف يفرق جمعنا، ونبني معا الديمقراطية ونحميها بأجسادنا وأرواحنا .عوض إثارة معركة وهمية باسم الديمقراطية .
المثير أكثر للشبهات هو أنه لا يوجد من بين هؤلاء من يجرؤ على اتهام إسرائيل علنا بأنها ليست دولة ديمقراطية، وهم يعلمون أن حزب شاس الديني المتطرف شريك في الائتلاف الحاكم.ويتخذ من التلمود والتوراة مرجعيته . ويضع مرجعيته تلك فوق دستور الدولة، التي يفترض أنها علمانية. وقيادات الحزب من الحاخامات المتعصبين والفاشيين والعنصريين يفتون ويطالبون علنا بإبادة العرب المسلمين أصحاب الأرض الأصليين. والأمثلة في غير فلسطين وفي أوروبا والولايات المتحدة كثيرة، ولا أخالهم يجهلونها. وقياسا على ذلك ، فإنه لا يخشى على الديمقراطية في المغرب من حزب يقول بأنه يتخذ من العقيدة الدينية لأعضائه،وهي نفس العقيدة الدينية للشعب كله ، مرجعية له. اللهم إلا إذا كان كهنة الديمقراطية وأنبيائها الجدد يعتقدون أن الديانتين اليهودية والمسيحية تنتصران للديمقراطية،ودينهم الإسلام يعاديها.
ولأن دعواهم المزعومة للدفاع عن الديمقراطية ، دون المطالبة بإرساء قواعدها ، وتفعيل مؤسساتها ، قد لا يقنع أحدا ، أضافوا إلى اتهاماتهم بأن ذلك الحزب،الذي يتهمونه ، معاد للحريات الفردية أيضا. والذي يعرفه الناس بأن هذا الحزب لم يشارك في الحكومة ، ولم يسبق له أن حبس حريات أحد ، ولا يملك سجونا ومعتقلات ومراكز تعذيب خفية أو علنية ، ولم يسهم في أي انتهاكات لحقوق الإنسان . ولم يرتكب جرائم ضد الإنسانية . فمن أين أتوا إذن بشبهة العداء للحريات الفردية ؟ . هل لأن كل انتقادات الحزب تنصب على التنديد بانتشار الرشوة والفساد والثراء غير المشروع والمظالم في مرافق الدولة ومفاصلها ، و بمن يبغونها عوجا ويودون لو تشيع الفاحشة بين المؤمنين ؟ ..هل الحرية الفردية التي يخشون عليها ممن ليس لديه سلطة وجيش ومخابرات، هي حرية السرقة والنهب والرشوة والفساد وظلم عباد الله...؟ و لو رجعوا لتاريخ الدول والحضارات لوجدوا أن انتشار هذه المفاسد فيها، كان سبب انهيارها واندثارها. ودون حاجة إلى الانطلاق من أية مرجعية دينية لإدراك دلك.
هذه إذن فتنة أخرى، منفصلة بدورها عن الواقع وحقيقته، ولا تستهدف تحسينه والارتقاء به، وإلا تحدثت عن كيفية إصلاحه، وليس إشعال معارك على هامشه، تشغل الناس بها عن السعي إلى تغييره إلى ما هو أفضل منه وأقوم سبيلا وأكثر عدالة. وقد يكون لهم في ذلك مآرب يعلمها من لا يخفي عليه شيء في السماء أو الأرض.
فوزي منصور








No comments: