Wednesday, March 5, 2008

الممارسات الشبقية غير الشرعية

الأسرة والحياة الزوجية :

الممارسات الشبقية غير الشرعية

سأفرد هذا الفصل للممارسات الشبقية غير الشرعية ،التي تتم خارج نطاق الزواج مثل الزنا تحديدا، وسواء بالنسبة لغير المتزوجين أو المتزوجين ، أو الممارسات الشاذة أو التي في حكمها التي قد تتم من قبل المتزوجين وغير المتزوجين ، وكيفية تفادى مخاطرها وتجنب السقوط فيها وحمل إثمها ، أو الخروج منها في حالة التورط فيها ومقاومة مغرياتها.

إن الحيلولة دون الوقوع في حبائل هذه الممارسات لا تكفي فيه المواعظ و حدها ، وبيان إثمها ، وإنما الذي يجعل لهذه المواعظ نجاعة وفاعلية ، هو الفهم الصحيح للدوافع النفسية لتلك الممارسات الشبقية الغير شرعية ، وبسبل الوقاية منها والحصانة ضدها.

وعندما نتحدث عن الدوافع النفسية للخيانة الزوجية مثلا ، فلا يعني ذلك أننا نقدم مبررات لها أو نلتمس لها الأعذار ، وإنما نتناولها كحالة مرضية قابلة للوقاية منها سلفا والعلاج و الشفاء منها بالنسبة لمن تورط فيها . الذي يكفي أن يعرف أسبابها حتى يقلع عن مواصلة ممارستها.

هذه الممارسات غير الشرعية تدينها جميع الأديان والأعراف السائدة في جميع المجتمعات الإنسانية ، إلا أن إدانتها أو استهجانها لم يمنع حدوثها دائما عبر التاريخ. والدعارة التي تعد أشهر صور هذه الممارسات ، عرفتها العديد من المجتمعات بما فيها المجتمعات المسلمة عبر التاريخ بل كان يتم تنظيمها أحيانا ، وتخصص لها أماكن محددة أو معروفة لممارستها.

الفعل الشبقي في الحرام هو بذاته ما يتم ممارسته في الحلال . ولكنه في الحرام يقود طرفيه إلى جهنم وفي الحلال يقود فاعليه إلى الجنة والتي قد يواصلان ممارسته فيها أيضا. وفي الحرام تسخر الشياطين من مقترفيه بعد أن أغرتهم به ، وفي الحلال تسر الملائكة رؤية الزوجين وهما منخرطين فيه. والفعل الشبقي في الحلال تتولد عنه سلسلة من المحرمات والحرمات تضفي عليه قداسة ترفع مقامه إلى عليين ، وفي الحرام ، أي في حالة الزنا أو ممارسة الشذوذ، يعد من كبائر أللآثام ويهبط فاعلاه إلى أسفل سافلين.

وهو ، أي الزنا، مراتب ودرجات من حيث السوء حسب أحواله. وفي أكثر مراتبه سوءا وبشاعة وأضلها سبيلا ، توجد ثلاثة أنواع منه هي زني اللواط وزنا المحارم وزني الاغتصاب.وهي الحالات التي لا يجب أن تؤخذ بأصحابها شفقة أو رحمة ، خاصة إذا ما كانت الضحية قاصرا، إذا ما ثبت الجرم بالشهادة أو أي وسيلة علمية معتمدة في الطب الشرعي عند حدوث الجرم.

والمرتبة الأدني من المرتبة السابقة هي ممارسة الزنا في المواخير والأماكن المخصصة لممارسة البغاء والدعارة .

وتأتي في المرتبة الثالثة الأدنى في السوء من سابقتيها : الزنا الذي يقترفه المحصن أو المحصنة سواء كان طرفاه منهما أو أحدهما متزوج والثاني أعزب ، بتراض بينهما واتفاق.

يأتي بعد ذلك في المرتبة الأخيرة زنا الأعزب بامرأة غير متزوجة ،بتراض بينهما واتفاق.

وفي جميع الحالات السابقة يتضاعف الإثم والجرم والخطيئة من مرتبة إليذى أخرى ، وإذا كان أحد الطرفين قاصرا أيضا ، حتى وإن تم الفعل برضاه. وفي الحالتين الأخيرتين : الثالثة والرابعة

ما لم يكن الفعل الآثم عليه شهود عدل أربع ، شاهدوه في مكان لا خصوصية ولا حرمة له انتهكها الشهود ، فإنه لا يجب البحث أو التأكد من حدوث الفعل أو عدم حدوثه ، حيث ما ستره الله لا يحق لمسلم فضحه. ويترك أمره إلى الله ، إن شاء غفره وإن شاء عاقب عليه. ولو أن العقاب في الدنيا أرحم من عقاب الآخرة .

و إذا كان الزنا يعد من الكبائر فإن جميع الجرائم فيها ما يتطلب التشديد في التعامل معها وفيها ما يتطلب مراعاة ظروفها . ومن الأمثلة على ذلك جريمة القتل التي هي أكبر الكبائر ، حيث يعد في منظور الدين الإسلامي من قتل نفسا بغير وجه حق يكون كمن قتل الناس جميعا ، إلا أنه يتم التفرقة بين القتل العمد المتضمن سبق إصرار وترصد، والقتل الذي حدث عرضا دون نية مسبقة عليه ، والقتل الخطأ والقتل الناتج عن الإهمال. وكذا حالات الزنا يمكن أيضا النظر إليها على هذا النحو.

والتي يمكن التسامح في بعض حالاتها ، ليس من موقع القبول بها ، وإنما من أجل المحافظة على سلامة المجتمع ، أو من قبيل التفهم لدوافعها وأسبابها ، ومنها ما يتطلب التشديد.

يتم التسامح أيضا في خطيئة لم تتم وإن انعقدت النية عليها وكان ثمة إصرار عليها من الطرفين لو لم يتراجع أحدهما خوفا من الله سبحانه وتعالى وإمتناعا عن انتهاك الحرمات . يبدو ذلك جليا في غرض القرآن لقصة زليخا زوجة العزيز مع يوسف عليه السلام والتي خلت ،تقريبا ، من توجيه الذم لها أو اللوم إليها . ووقفت موقفا أقرب لأن يكون محايدا من خلال العرض المشوق لأحداث القصة وتطورها. ونظر إليها الكثير من المسلمين على أنها قصة عشق عادية ومبررة ، ولو أنها بين امرأة متزوجة وشاب أعزب ، بل وذهب بعضهم إلى التعاطف مع زليخا ، ووضع نهاية للقصة تقتضي أن تتزوج زليخا يوسف بعد أن أمست أرملة عجوز ، على نحو ما فعل الهمذاني ، وشاعت هذه النهاية كتتمة للقصة في أوساط المسلمين ولكإنها ما حدث فعلا. رغم عدم ورودها في القرآن الكريم أو في الكتب السماوية السابقة (التوراة) التي عرضت القصة.

زليخا ويوسف عليه السلام:

جاء في فضل سورة يوسف حديث أخرجه الثعلبي عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( علموا أقاربكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم تلاها أو علمها أهله أو ما ملكت يمينه هوّن الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلماً )) وقد وردت قصة زليخا زوجة العزيز مع يوسف عليه السلام في السورة على النحو التالي :

" وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ َوَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ َكَذَلِكَ َلِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَاإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍقَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَْ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ

أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ.قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ.فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ " .وتمضي القصة بعد ذلك توضح مأساة يوسف في السجن وكيفية خروجه منه ثم تنهي ما سبق عرضه فيها عن افتتان زليخا به الذي كان سببا في دخوله السجن ، فتقول الآيات:

"وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ .قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ. ذَلِكَ. لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.".

زليجا هنا زوجة شابة جميلة في متوسط العمر تربي في بيتها صبي حتي كبر وبلغ مبلغ الرجال وهو جميل فتي ورزين وذو علم وخلق حسن،و لسبب ما ، ربما يتجاوز ما حباه الله به من جمال وعلم وحسن صفات ،افتتنت به ، ورغبت في وصاله ، ورغبته فيها بعد أن تزينت له وهيأت نفسها لذلك ، وهمت به فاستجاب لتلبية رغبتها ، وهم بها من جانبه، ثم منعه من المضي قدما في الخطيئة أن رأي برهان ربه فامتنع.

ما جاء في القرآن في الآيات سالفة الذكر لا يحتاج الى توضيح أو تأويل ، وفي نفس الوقت نجد النص مثيرا للخيال والتأمل ، ويوضح كيف ظل حب زليخا ليوسف مقيما في قلبه حتي بعد أن تقدم بها العمر ، وفقدت مع الشيخوخة حسنها وجمالها ولم تعد ممن يرجون نكاحا، فهي تعلن صريحة للملك وهي تبرئه مما سبق أن اتهمته به استمرار إخلاصها لحبه وتقول : " وذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ".

هذه المحبة الباقية على امتداد الزمن ، ورغم الحرمان والهجران والنوى ، والمبرأة من الغرض والشهوة ، هي التي أوحت لمن اهتم بإعادة كتابة القصة إلي التعاطف مع زليخا ، وكرهوا أن يذهب حبها العظيم ليوسف هدرا دون أن ينتهي بنهاية ينتصر فيها الحب على الزمن ذاته. فكتبوا من مخيلتهم أن الله أعاد إليها شبابها وحسنها وجمالها و زوجها ليوسف . وحرصوا أيضا أن يوسف الذي كان قد تعفف عنها حتى بعد أن قدت قميصه من دبر ، انتهي به ألأمر بعد أن صارت زوجة حلالا له بأن لم يستطع صبرا على وصالها فقام إليها وهي تتأهب للصلاة وجذبها إليه وقد قميصها من قبل. وكأنهم بذلك يثأر ون لها منه ، وبحيث ينتهي الأمر بقميص مقابل قميص. في يكون بذلك ثمة غالب أو مغلوب. وأيضا جعلوا الله يقف إلى صفها في النهاية ويضفي عليها حمايته مثلما وقف في صف يوسف في البداية وحماه من غوايتها. وهذا ما ذهب إليه أبو نصر الهمذاني وهو يكمل القصة من مخيلته للتحول بعد ذلك إلى أسطورة تستقر في الوعي الذيني للمسلمين وكأنها حقيقة ثابتة أو مؤكدة.

يقول الهمذاني أن زليخا بعد أن فقدت كل شيء واستعادت إيمانها بالله وتوحيدها له ، باتت ذات ليلة وهي تناجي الله قائلة : " الهي ..لم يبق لي مال ولا جمال، وصرت عجوزا حقيرة ، وابتليتني بحب يوسف عليه السلام وعشقه ، فإن أوصلتني إليه ،وإلا فأبعد حبه عني حتى أكون كفافا لا علي ولا لي. " فسمعت الملائكة صوتها فناجت ربها قائلة : " إلهنا وسيدنا ، إن زليخــــا جاءت إلى حضرتك تدعوك بإيمانها وإخلاصها.. فأجابهم الله تعالي : " يا ملائكتي .. قد حـــان وقت نجـاتها وخلاصها." ... وكان يوسف يمر يوما من الأيام على استحياء ، إذ خرجت زليخا فلما اقترب منها، نادت بأعلى صوتها : سبحان من جعل العبيد برحمته ملوكا.. فوقف يوسف وسألها : من أنت ؟.

قالت : أنا التي وددت لو اشتريتك بالجوهر واللآلئ والذهب والفضة والمسك والكافور. التي لم يشبع بطني من الطعام منذ عشقتك. ولا نمت ليلة كلها منذ رأيتك.

فقال يوسف : لعلك زليخا؟

فقالت : بلا.. يا يوسف.

فقال يوسف بعد حوار معها ، قالت له فيه أن عشقها له كما كان ، بل ويزداد : ما تريدين يا زليخا؟

فقالت : ثلاثة أشياء : أريد الجمال والمال والوصال. (يلاحظ ترتيب المطالب هنا حسب أهميتها من وجهة نطر الرجل بالنسبة للنساء)... فقصد يوسف أن يمر ،فأوحي إليه الله تعالي :" يا وسـف قلت لزليخا ما تريدين ولم تجبها إلى ما أرادت .. فاعلم أن الله تعالى زوج زليخا بك ، وخطبها بنفسه ، وأشهذ ملائكته ونثر الحور العين النثار.

ووهبها الله تعالي شبابها وجمالها حتى صارت أحسن مما كانت ، بنت أربعة عشر سنة ، ثم ألق الله تعالي المحبة والمودة والعشق في قلب يوسف عليه السلام .فصير المعشوق عاشقا، والعاشق معشوقا. فرجع يوسف إلى منزله وأراد الخلوة مع زليخا . وزليخا شرعت في الصلاة . وكان يوسف ينتظر كثيرا حتى فرغ صبره . ونادى :"يــــا زليخــا..الست التي قددت قميصي حين فررت منك ؟ ".. فسلمت ، وقالت :" أنا هي .. لكن ليس قلبي كما كان". فأخذ يوسف بقميصها وجرها اليه فتمزق قميصها...فنزل جبريل عليه السلام ففال : "يا يوسف .. قميص بقميص .. فارفع العتــــاب بينك وبين زليخا رضي الله عنها ".

هكذا تنتهي الأسطورة ، تحقق نهاية سعيدة لقصة العشق ، وتحقق تسوية مرضية تجعل زليخا على قدم المساواة مع النبي يوسف بعد أن صارت زوجته وحليلته ، ويأتي اسم زليخا متبوعا بلفظ :"رضي الله عنها ".والله وملائكة يقفون إلى جانبها ويزوجونها من يوسف ، وينال كل منهما مأربه في الحلال بعد أن مزق يوسف ثوبها فتعرت ، و بعد طول معاناة وصبر.

الوقوف طويلا أمام هده القصة بعد تحولها إلى أسطورة في المخيلة الشعبية وتأملها يمكن من استشفاف الموحيات والرمزيات الكثيرة إلى تتضمنها والتي تعبر عن النفس البشرية في جميع أحوالها وتقلباتها.وخاصة وأنها تضع مقابلة بين الشهوة الثائرة المتوهجة في أنوثة زليخا ورغبتها الغريزية ، وبين العلم والحكمة والإيمان أو لنقل المعرفة المعززة بالإيمان وبإرادة الله والمتمثلة في يوسف عليه السلام. فالذي يتسبب في العلاقات الشبقية خارج نطاق الزواج ، أي الزنا ، لا يرجع فقط لعمل الغريزة ، وإنما يعود أيضا إلى نقص في المعرفة وفي الإيمان. ولذا قلت بأن التخلص من تلك الآفة ، في |أيامنا هذه خاصة ، لا تفيد فيها المواعظ وحدها ، وإنما الذي يحصن الشباب من الزلل والخطأ والخطيئة ،هو المغرفة من ناحية ، وتيسير سبل الزواج من ناحية أخرى . والنزوع الشبقي لدي الرجل والمرأة وضعه الله في النفس البشرية ، وجعل العقل والمعرفة بما يشتملان عليه من إدراك للخير والشر وما ينفع وما يضر ، وعلم وحكم وحكمة ، وايمان وتقوي ومحبة لله تلزم طاعته وتمنع معصيته ، كل ذلك يخلق التوازن في النفس البشرية بين الغريزة والحكمة في التصرف والسلوك.

يمكن للمرء المتأمل في القصة/الأسطورة أن يلاحظ الآتي:

1- قول أهل زليخا ليوسف بعد أن تبين لهم أن ابنتهم هي التي أغوته :" يوسف .. أعرض عن هذا " أي أكتم الأمر ولا تخبر به أحدا، لأن البوح به وإن كان صدقا فيه مساس بعرض العائلة وسمعتها ، وهو ما يحرص عليه الإسلام فيما تم تبيينه سابقا. ومع ذلك شاع الخبر في المدينة ولا ذنب ليوسف في ذلك بالتأكيد ، وهو ما يؤكد أنه ليس مضمونا حفظ سر اطلع عليه أكثر من فرد ، بل مجرد إطلاع عدد ولو محدود من الناس عليه لا يجعله سرا البتة ويجعله معرضا لأن يكون ذائعا في المجتمع. هنا أيضا سنجد أن من نصح يوسف بكتمان السر ، وكأنه وحده الذي يمكن أن يفشيه لأنه غريب ، أمره بمعروف ونسي نفسه . وقد يكون هو ذاته الذي أخبر زوجته الحاقدة أو تغار من زليخا فتعهدت هي بإذاعة الخبر في المدينة .

2- لم يرد في القصة موقف زوج زليخا منها ، بعد أن اتضح له شروعها في خيانته ، بل إن دعوتها لنساء المدينة في بيتها وطلبها من يوسف أن يدخل عليهم ، يوضح أن الأمر بينها وبين زوجها قد تم بسلام .وهو ما أوحي لبعض من علق على القصة بأن يبرر ذلك بأن مشاغل الزوج كانت كثيرة خارج البيت مما ترتب عليه إهمال حقوق زوجته عليه ، ولذا تفهم الأمر والتمس لها العذر.

المرأة المصرية معروفة منذ القدم بإخلاصها الشديد لزوجها . ولكن هل بمقدور زوجة متأججة الرغبة في الشبق أن تصبر على زوج أهمل إشباع رغباتها لأنه مسؤول كبير في الدولة ويستنفد عمله كل ما لديه من جهد ووقت وتركها وحدها في المنزل في صحبة شاب فتي وجميل ولا مثيل له في زمانه ؟

في زماننا هذا سمعت حكايات كثيرة عن المسئولين الكبار الذين خصصوا لزوجاتهم موظفين أو سائقي سيارات شباب لخدمتهن بينما هن لا يكدن يرونهم . وأيضا عن الضابط الكبير الشبه مقيم في قاعدة عسكرية بعيدة وخصص لزوجته عسكري مجند لخدمتها . وتتحدث رواية" ليدى تشارلي" عن الزوج الثرى الذي لا تأنس زوجته بحضوره معها وفي حديقة المنزل بستاني شاب مفتول العضلات ..جميع هذه القصص والروايات انتهت بنشوء علاقات آثمة بين الزوجة والشاب المكلف بخدمتها والتي عوضت به الحرمان من زوجها الغائب. كنا ونحن صغارا نقلد عميد المسرح المصري يوسف وهبي وهو يقول عبارته المشهورة : "شرف البنت زي عود الكبريت " دون أن نفهم معناها . رغم أننا كنا نعرف أن عود الكبريت إن احتك بسطح خشن أو قربناه من النار توهج مشتعلا. لا يعني ذلك الحاجة إلى الفصل الصارم بين الذكور والإناث ، على نحو ما فهم بعض الأغبياء.فالمجتمعات المغلقة غرفت بدورها الكثير من العلاقات أللآثمة والتي تعد أشد نكرا أحيانا عندما كانت تتم بين أفراد الأسرة الواحدة مثل الشاب وابنة عمه أو عمته أو ابنة خاله أو خالته أو زوجة أخيه الغائب أو ممارسة كبار المراهقين في الأسرة اللواط مع ذكورها ألأصغر سنا منهم ....الخ. وثمة اعترافات كثيرة وحكايات تسجل تلك المآثم.

أشير هنا أنه مثلما تخون بعض الزوجات أزواجهن في ظروف غير عادية ، فإن بعض الأزواج يخونون زوجاتهم أيضا. وفي الكثير من الحالات يكون للزوج نصيب من المسؤولية عن خيانة زوجته ويكون للزوجة قسط وافر من المسؤولية عن خيانة زوجها له . وحالات قليلة هي التي تتم فيها الخيانة دون تقصير من الزوج أو الزوجة ولأسباب ذاتية.

3- إن الزوجة الخائنة أو الزوج الخائن أيضا مهما اتخذا من احتياطات وغلقا الأبواب ، يمكن أن يفتضح أمرهما ما لم يسترهما الله برحمة منه ولأمر يعلمه. الباب المغلق هنــــا توجد من خلفه الخطيئة وأمامه تنتظر الفضيحة. ومع الفضيحة تنغلق كل الأبواب في وجه الزاني والزانية .وفي حالة ستر الله لهما يكون ثمة باب واحد يظل مفتوحا هو باب التوبة إلى الله وطلب غفرانه.

4- القلوب تتقلب بسرعة إذا أصيبت بالإحباط . فالمرأة العاشقة إن لم يبادلها معشوقها العشق بصدق وإخلاص ، لم ينقلب حبها إلى كراهية وإنما إلى رغبة جامحة في الانتقام منه وفي تدميره. يمكن قول نفس الشيء عن العاشق. يظهر هذا كثيرا في الحياة الزوجية فالزوجة إن لم يبادلها زوجها الحب حقدت عليه وسعدت إلى تدميره ، حتى وإن ظلت مع ذلك تحبه ،وقد يدفعها حقدها عليه أن تسعي لخيانته للثأر منه ، وأن لا تجد حرجا في هذه الحالة من إخباره بخيانتها له مهما كانت النتيجة.

5- إن من عشق وعف ، ولم يعص الله ، أو يقترف إثما ، فإن الله يتيح له بفضل منه ، ما يعوضه عما فاته في الحرام ، بما هو أفضل منه في الحلال.

6- قول زليخا :" إن لم يفعل ما آمره به ليسجنن"ليس بقول امرأة عاشقة استبد ت بها الشهوة والرغبة في معشوقها، وإنما هو قول سيدة جرح كبريائها عبد في خدمتها، وفضح ضعفها البشرى ، وتحتاج إلى إثبات الذات ، وتأكيد التفوق والسلطة ، وكسب المعركة معه أو الزج به في السجن مع ما يتضمنه ذلك من الحرمان منه وقطع الأمل فيه إلا إذا كان الهدف من سجنه هو كسر مقاومته ، ويكون السجن عندئذ مؤقتا ومحدود المدة ، وهو ما لا ينطبق على حالة يوسف ، إذ ترك في السجن أمدا طويلا.

7- نحن هنا إذن أمام حالة تحولت فيها الرغبة لممارسة الشبق لتحصيل متعة حسية إلى رغبة فيه لترميم ذات جريحة. اختلف الدافع النفسي للفعل وإن بقي الفعل ذاته. استهداف الفعل الشبقي من أجل المتعة الحسية هو شيمة من يتمتعون بصحة نفسية جيدة . أما أصحاب النفوس المضطربة أو القلقة فقد يطلونه لأسباب تتجاوز تحصيل المتعة الحسية منه إليه تهدئة النفس المضطربة أو إثبات الذات أو غير ذلك. أي أن الزوج أو الزوجة في مثل هذه الحالة قد يطلب أحدهما الجماع بإلحاح دون أن يشعر فيه بالمتعة وقد نجد الزوجة تشكو من أنها لاتصل فيه إلى قمة النشوة مثل باقي الزوجات.

الخيانة الزوجية ودوافعها النفسية:

بتناول موضوع الخيانة الزوجية باعتباره الأوثق اتصالا بالأسرة والحياة الزوجية .والخيانة الزوجية هي حالة موجودة منذ القدم . وقد يكون سببها الرجل وقد تكون المرأة هي السبب . ومع ذلك فإن أسبابها عديدة . منها:

- استعداد الزوج أو الزوجة النفسي للخيانة .

- الإهمال وعدم الاحترام وفقدان التقدير وعدم الإحساس بالحب .

- التغيرات البيولوجية التي تصيب المرأة في منتصف العمر حيث تجعلها ضعيفة وغير قادرة على مواجهة التغيرات الجديدة وما يساعد على ذلك غياب اهتمام الزوج بها ، وانشغاله خارج المنزل وتركها وحيدة ومهملة مما يؤدي بها إلى الشعور بالإحباط والاكتئاب وغيرها من المشاكل النفسية .

- إحساس المرأة وفي أي عمر بهدر كرامتها أو تعرضها للمهانة أو نكران جميلها وخدماتها أو عدم إشباعها النفسي والعاطفي والشبقي نتيجة إهمال الزوج لها.

- النشأة الخاطئة وعدم الإشباع العاطفي والإنساني في الطفولة وتعرض أي من الزوج أو الزوجة وخاصة الزوجة للإذلال والمهانة والأذى من الأب أو الأم .

- عدم وجود الإيمان القوي وانعدام أو قصور النشأة الدينية وقلة الوازع الديني .

ويلفت الدكتور خالد النجار، طبيب أسرة، أن مفهوم الخيانة الزوجية المنتشر حالياً هو مفهوم قاصر جداً، فكثير من الناس يعتبر أن الخيانة الزوجية هي المقصورة على الزنا، أي أنهم لا يتصورون الخيانة إلا في شكلها النهائي المادي القائم على علاقة جنسية بين زوج وامرأة أجنبية أو زوجة ورجل أجنبي، أما الخيانة الزوجية شرعاً فتشمل كل علاقة غير مشروعة تنشأ بين الزوج وامرأة أخرى غير زوجته أو العكس، فالشريعة الغراء تعتبر هذا النوع من العلاقة محرماً، سواء بلغت حد الزنا أو لم تبلغ، ويشمل هذا المفهوم: المواعدات واللقاءات التي تجري على سبيل العشق والغرام، والخلوة .....يضيف "هذا المفهوم الواسع للخيانة يجعلها أكثر دقة، لأننا لو بدأنا بمعالجة قضية الخيانة فقط بعد أن تصل إلى حدها الأقصى وهي جريمة الزنا، نكون مثل الطبيب الذي يعالج المريض بعد أن يصل لحالة ميئوس منها، فالشريعة الإسلامية لم تحرم الزنا بمعناه المباشر فقط ، بل حرمت طرقة والسبل التي تؤدي إليه من باب سد الذرائع مثل الخلوة بالمرأة الأجنبية، والنظرة غير المشروعة لغير الحاجة، وكذلك حرمت كشف العورات لأنها جميعها سبيل للزنا".

ويبدو أن شبكة الإنترنت قد فتحت المجال للزوج أو الزوجة ضعفاء الإيمان للخيانة، عبر المحادثة والمراسلة لإشباع خيال مريض وقلب محروم من الإشباع الزوجي الطبيعي، وأصبح الإنترنت ملاذاً سهلاً وميسراً لأصحاب البيوت المتوترة، الذين غالباً ما يفضلون الهروب من مشاكلهم بدلاً من مواجهتها، فمثلاً الزوج الذي لا يحسن التحدث إلى زوجته في ساعة اضطراب العلاقة بينهما، تجده سرعان ما يتوجه إلى شاشة الكمبيوتر ليبحث عمن يحدثها من الذين لا يظهر الإنترنت إلا محاسنهم، وربما كانت مساوئهم أضعاف مساوئ زوجاتهم! وقد تجلس الزوجة لساعات طويلة أمام شاشة الإنترنت تاركة أطفالها وأسرتها للخادمة، ، و بدون رعاية ، فيمرض الأطفال، أو تهدم أحد أركان الأسرة أو كافة الأسرة، كل هذا لتبحث الزوجة عمن يشبع نهم عاطفتها أو غريزتها بالعلاقات المحرمة بسبب غياب الزوج، أو سفره، أو إهماله، وتدفع الأسرة غالبا فاتورة الخيانة الإلكترونية بالانفصال أو الطلاق، بسبب تذمر الزوج أو شكوكه . في الحقيقة لا يمكن تحميل الزوجة أو الزوج ، إذا ما اضطر أحدهما إلى تلك الوسيلة التعويضية ، المسؤولية وحدها وإعفاء الطرف الأخر الذي يبحث عن تعويض مفقود لديه ، وإنما قد يكفي أن يلاحظ الزوج لجوء زوجته إلى ذلك ولا يبذل أي جهد من جانبه ليجعلها في غني عن مثل هذا المسلك وقد يعجبه ذلك أو يتغاضي عنه باعتبارها تتلهي عنه أو تتسلي بينما هو لا يدرك تبعات إهماله لها وتداعياته وما قد يقود إليه من زيادة سوء العلاقة الزوجية أكثر مما هي عليه بما قد ينتهي بها نحو الدمار. ونفس الشيء بالنسبة للزوجة التي ينشغل زوجها عنها بالحديث إلى نساء أخريات عن طريق الكمبيوتر ، فعوض الشكوى من ذلك ، عليها أن تتحرك في الوقت المناسب لإنقاذ حياتها الزوجية وإعادة زوجها إليها. فلو كانت تملأ حياته بما يغنيه عن التطلع لغيرها ، ما فعل ذلك.

وحيث السائد في علم النفس أن وراء كل سلوك دافع ، فالخيانة الزوجية سلوك وراءه دوافع قد تكون مادية ، أو نفسية ، أو اجتماعية ،أو دوافع أخرى .. على النحو التالي:

أولا : دوافع عاطفية :

فعندما يشعر الفرد بالنقص العاطفي ، ومعاناته من الفراغ ، وعدم حصوله على الحب والحنان والعطف من الطرف الآخر .. فانه يلجأ لسد هذا النقص بالتعرف على من يملأ هذا الفراغ لديه وبالتالي قد يقود هذا المسلك التعويضي إلى الخيانة على المدى القصيرأو المتوسط..

ويعتقد د. أحمد عبد الله أن "الخونة" لديهم أسبابهم طبعا، فهم منسحبون أحياناً في مواجهة زوجة مسترجلة لا تترك لزوجها مساحة إلا واقتحمتها بالضجيج أو بالتدخل، وقد تكون نواياها حسنة، وتحاول مساعدته وتخفيف العبء عنه، ولكن بطريقتها وليس بما يناسبه أو يناسب العلاقة بينهما، وأحياناً نجد الرجال من نوع العاجز عاطفياً أو الفاشل اجتماعياً أو المفلس مادياً، والنتيجة هي القصور في التواصل وأداء الأدوار التي تحتاجها الزوجة مثل الماء والهواء..

ثانيا - دوافع مادية :

عدم قيام الزوج بتلبية متطلبات الزوجة وخاصة فيما يتعلق بالملبس وحسن المظهر والزينة .. فإذا ما وجدت أن سبيل الخيانة قد ييسر لها سد هذه الاحتياجات المادية في غياب القناعة والرضي بما قسم لها وفي توفر ظروف وعوامل مشجعة.، وخاصة الصديقات أو حتي القريبات المنحرفات.. وقد يلجأ الرجل أيضا إلى إغواء المرأة المتزوجة الميسورة ، بعد النفاذ إليها من خلال ما يلمسه لديها من نقاط ضعف ، للاستيلاء على مالها. .

ويرى دكتور أحمد عبد الله أن تقصير الرجل في الوفاء باحتياجات زوجته المادية الذي يدفعها الي خيانته يكون عالبا.. مجرد رد فعل مباشر على تقصير الزوجة، أو سوء أخلاقها أو إهمالها في نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا يخلو بشر من عيوب، فإذا به يرد على عيوبها بالهجر والتقصير، وينسى أن أساس درجة القوامة أنه مكلف شرعا بأن ينفق عليها ويتسع لها، ويحتوي مطالبها ويقوم بحاجاتها، ولو لم تنهض هي بما عليها أو ما هو منتظر منها. أليست هذه هي الدرجة التي للرجال على النساء، درجة تعلو فوق "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، فإذا أدت المرأة ما عليها، فبها ونعمت، ولو لم تؤد فإن الرجل يؤدي أو ينبغي أن يؤدي بالدرجة التي له عليها، ولا يعاملها معاملة الند: إن أحسنت أحسن، وإن أساءت يسيء!". .

ثالثا - دوافع نفسية :

الأحوال النفسية هي التي تقود إلى الخطيئة في معظم الحالات ما لم تكن هناك عوامل أخرى ، نفترض أن زوجا يعاني من قلق وتوتر نفسي بسبب مشاكل في عمله لا يجد لها حلا أو يخشي أن يتم الاستغناء عنه إن كان موظفا ،أو مصاب بالوسواس ويتوهم مخاطر تتهدده ، وزوجته عوض أن تكون سكنا له ، يجد في أحضانها بعض التهدئة لمخاوفه ، تعتبر نفسها غير معنية بالأمر ، وتصر على التعامل معه بأنانية مطلقة ، لا يهمها سوى تلبية طلباتها ، وإشباع رغباتها. نتوقع عنا أن علاقتهما سوف يصيبها التوتر ، وقد تترك له الزوجة بيت الزوجية بدعوى تركه حتى تهدأ أعصابه ثم تعود إليه بعد أسبوع أو أسبوعين. في البداية قد يرحب هو بذلك ، ولكن بعد أن يجد نفسه وحيدا وأسيرا لحالته النفسية المضطربة وفي حاجة لأنيس ولم يتعود أن يبيت وحده منذ زواجه. وفي حاجة أيضا إلى ممارسة شبقية تخفف من حدة توتره ، حتى وإن كان ينكر هذه الحاجة ، أو أنها كامنة في لا شعوره فقط ، فسنجده يسعي لالتقاط أول عاهرة يلتقي بها في الشارع لقضاء الليل معه. وقد يقنع نفسه في البداية أنه سيكتفي بوجودها معه دون أن يصل الأمر إلى الزنا وخيانة زوجته ، ولكنه سرعان ما يجد نفسه قد تورط في الخطيئة وأن من أحضرها معه إلى بيته لن تقبل بأقل من ذلك. وإن ستر الله عليه هذه الخطيئة فإن إحساسه بالذنب يكبر بداخله ، ولا تعود الحياة الزوجية ، تحت وطأة هذا الإحساس بالذنب، إلى ما كانت عليه من قبل وتزداد تعقيدا.

أكثر الممارسات الشبقية خارج إطار الحياة الزوجية (وداخلها أيضا ) تتم تحت ضغط نوازع نفسية صرفة وغير صحية أو صحيحة . أي في ظل اضطرابات نفسية يعاني منها مقترف الخطيئة. ويجب ألا ننسي أن الفعل الشبقي هو في جوهره فعل نفسي أكثر منه حسي أو جسدي ، إذ الجسد فيه ليس سوى آلية لتحقيق رغبات نفسية.عندما يصاب شاب أو فتاة بالقلق والتوتر النفسي أو الاكتئاب ، فإن ذلك يظهر عليه بوضوح، سواء من شروده الذهني أو اضطراب مشيته أو جركات يديه اللاإرادية أو علامات أخرى. أعراض الاضطراب النفسي لدي شخص ما ، ذكر كان أم أنثي، يعرفها بالخبرة من الرجال والنساء من اعتادوا على استغلالها. والرجل الداعر والمرأة الداعرة عندما يبحث أي منهما على صيد سهل ، يبحث الرجل عن فتاة تبدو عليها علامات الاضطراب النفسي ، فيعرض عليها مرافقته لكي يسرى عنها دون أن يكشف لها حقيقة ما يرومه منها ، ويسعي للحصول على ثقتها حتى تأمن له ، ثم تأتي المرحلة الأخيرة من الخطة وفيها تسقط معه في الخطيئة.وكذلك تفعل المرأة الداعرة. وهما يعتبران من لديه هذه الأعراض فرصة لا يجب عليهما تفويتها. كثير من الفتيات المراهقات ذهبن لمعرفة نتيجة امتحاناتهن وإذ تجد إحداهن نفسها قد رسبت تمضى في الشوارع ذاهلة اللب على غير هدى وقد استبد بها القلق والتوتر ، وإذا بمن يترصدهن ويستغل حالتهن ويوقعهن في مصيدته ، قد يكون رجلا وقد تكون امرأة قوادة تعمل لحساب رجل ، وتعود البنت في نهاية الأمر إلى بيت أسرتها وقد فقدت بكارتها وهي لا تعي كيف حدث ذلك لها ، ولا تستطيع إخبار أسرتها خاصة وأن كل شيء تم دون أدني مقاومة منها. ما حدث لهذه الفتيات يمكن أن يحدث أيضا لزوجات بعانين من اضطرابات نفسية. ويمكن أن يحدث أيضا لأزواج.

المعرفة المسبقة للشاب أو الشابة من أنهما في حالة وجودها تحت وطأة توتر نفسي قد يعرضهما للاستغلال ، قد تكسبهما مناعة. وهنا تأتي أهمية المعرفة وإشاعتها لتكون في متناول كل من هو في حاجة إليها ، ولا يوجد في الحقيقة من لا يحتاج إلى المعرفة. والحصانة التى توفرها المعرفة أقوى أثرا وأفضل نتيجة من مواعظ دينية قائمة على التخويف من جهنم وعذاب القبر. التقوى هي اتقاء غضب الله من فرط المحبة له أكثر منها خوفا من عذابه ، وهذه المحبة لله لا تتأصل في النفس بغير المعرفة . يقول تعالي : " إنما يخشي الله من عباده العلماء". وفي هذه الآية دليل على أن الذين يمتلكون المعرفة هم من يخشون الله أي يتقونه.

من الدوافع النفسية التي تقود إلى ممارسة الزنا خاصة لدي بعض الأولاد المراهقين هو الحاجة الى تعويض حنان للأم مفتقد وتستغله أيضا العاهرات. وقد يتحول ممارسة الزنا مع مثل هذه العاهرات عادة عندهم حني بعد الزواج تشدهم باستمرار إليه. تظهر هذه الحالة خاصة لذي المراهقين من أبناء الأسر الثرية الذين انشغلت أمهاتهم عنهم الزيارات والحفلات والتجول على المحلات التجارية التي تعرض أحدث ما استورد من منتجات كبريات شركات الملابس الجاهزة والعطور ومستحضرات التجميل . هؤلاء الفتية المراهقين من أبناء الأسر الغنية وخلال تلك الفترة الحساسة يحتاجون إلى أمهاتهم. الخطأ الشائع حاليا هو أنه الفتاة المراهقة فقط هي التي تحتاج إلي أمها فقط خلال فترة مراهقتها، وهذا غير صحيح ، فالولد أيضا يحتاج الي أمه مثل حاجته إلي أبيه وأكثر. خلال تلك الفترة الحساسة من عمره. هنا يأتي الدور على البغايا المتقدمات في السن قليلا لتصيد هؤلاء الفتية من أبناء الأغنياء واستغلالهم ماديا إلى أقصي حد ممكن. ولعب دور تعويضي عن الأم يدنس كل قداسة للأم لدى المراهق يعد أن يتم دمج الأمومة في الممارسة الشبقية . وتطالب هذه البغايا هؤلاء الصبية من المراهقين بأن ينادوهن بلفظ : ماما.

إننا هنا أمام دافع نفسي مختلف لدي هذه الفئة من المراهقين يلقي بهم في حبائل العاهرات اللائي يقمن باستغلال حالة الصبي النفسية وحاجته العاطفية ، وهي إذ تعمد إلى تدنيس صورة الأم لديه ربما بطريقة لاشعورية تنتقم البغية (المومس) من أمها التي تتهمها بأنها هي التي قادتها إلى احتراف البغاء ، أو إحساسها هي بالحرمان من الأمومة المقبولة اجتماعيا فتنتقم بطريقتها من المفهوم المطلق للأمومة.

هنا يتضح أيضا معرفة البغية بعلم النفس واستغلالها ولو في جزئية منه ، وهي التي لم تدخل المدارس ، قد تكون في هذه الجزئية المتعلقة بالأمومة أكثر من معرفة الدارسة المتخصصة في علم النفس. يظهر ذلك من التكتيك الذي تتبعه عادة البغية مع الصبي المراهق حتى تتمكن من السيطرة عليه تماما. والذي يتم علي ثلاثة مراحل :

الأولي : أن تتعرى وبشكل كامل أمامه في حمام المنزل الذي أخذته إليه، بينما هو في كامل ملابسه ينظر إليها مندهشا، حيث صورة المرأة العارية لم يسبق للصبي أن رآه منذ طفولته ، وهي صورة أمه تحديدا عندما كانت تأخذه وهو صغير معها إلي الحمام لكي تغسل جسده بالماء والصابون ، وتبدأ العاهرة بغسيل جسدها أمامه. بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية عندما تدعو الصبي لكي يغترب منها وتعطيه حلمتي ثدييها يمتصهما مثل الطفل الرضيع لكي يكتمل تجسيد الأمومة في أقدم صورة لها يختزنها لاوعي الصبي. وبذلك تجعل الوعي بالأمومة أكثر عمقا داخل النفس وممتزجا فيه الوعي باللاوعي . هاتين المرحلتين ل ينتج عنهما إثارة حسية كبيرة للصبي الذي يصيبه الارتباك والحيرة وربما الحياء أيضا أو مزيح من كل ذلك معا ، ولكنه سيكون أكثر استسلاما وطواعية لكل ما تفعله به هده الأم الجديدة. بعد ذلك كتأتي المرحلة الثالثة والأخيرة التي تعده فيها ليكون فاعلا شبقيا مع امرأة أكبر منه سنا بعد أن تجرده من ملابسه وتتولي إثارته وترشده إلى ما يفعله فيها خطوة بخطوة حتى يقذف نطفته في رحمها. قد يحدث هذا بسرعة ولا يشعر الصبي أو المرأة بأي متعة حسية فيه ولو أنها ستمثل دور المستمتعة وتتأوه وتصرخ طبعا وهي تطالبه بأن يفعل في "ماما" ، ولكن سيحدث ارتباط نفسي قوي بين الصبي وبينها لا يجعله بقادر على الانفصال أو البعد عنها. وتستغل البغية ذلك لابتزازه مهددة له بالتخلي عنها ما لم يدفع لها ما تطلبه من مال وهو دائما مستعد لشراء وصالها له بأي ثمن ، حتى لو اضطر أن يسرق المال من أهله وكثيرا ما يحدث ذلك.

يكبر الصبي ويتعرف على فتاة من سنه ويتزوجها ولكنها لا تقدم له في الفراش نفس الخدمة التي كان يحصل عليها من البغية الأكبر سنا ، ويظل يشعر بالحنين اليها ، وما أن تتصل به وتطلب منه الحضور لديها حتى لا يجد نفسه قادرا على الرفض وبذلك يذهب إليها ويخون زوجته. قد يشعر بالذنب وبالندم ، ولكن ذلك لا يمنعه من تكرار فعلته.

وقد تسوق حاجة فتيات أو نساء إلى حنان الأب إلى السقوط في براثن من ليس لديهم ضمير أو خلق أو تقوى من الرجال فتنتهي علاقتهن بهم إلى السقوط في الخطيئة وخيانة أزواجهن.

وقد تجد الزوجة نفسها أمام زوج مريض نفسيا .. يعاني من الهستيريا والاكتئاب والغيرة الناتجة عن عدم الثقة بالنفس أو مدمنا على الكحول والمخدرات .. مما ينعكس سلبا على المرأة وعلى نفسيتها خاصة إن ترتب على ذلك سوء معاملتها على أي نحو تجده مهينا لفها . وكرد فعل على معاناتها ، تبحث عمن يمكن أن تشكو إليه همومها ويحنو عليها ويكون بديلا هادئا لزوجها المزعج لها .. فتقع الخيانه . ونفس الشيء بالنسبة للزوج الذي يعاني من معاشرة زوجة مزعجة له أو لا تبد احتراما واهتماما كافيا بمشاعره ، فيبحث عن السلوى في أحضان امرأة أخرى ويخونها معها.

ومن أهم الدوافع النفسية:

1- ضعف الشخصية والعجز عن التحكم في الشهوات والرغبات.

2- محاولة تناسي هموم الحياة الزوجية والهروب من مشكلاتها.

3- افتقاد الإحساس بالأمن والأمان في الحياة الزوجية.

4-خيبة الأمل في الزواج والصدمة في الزوج أو الزوجة.

5- ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

6- الخواء العاطفي أو عدم اٍشباع الغريزة الشبقية داخل أطار الزواج.

7- الرغبة في الانتقام من خيانة الطرف الآخر أو من إهماله العمد.

وعن دوافع الخيانة الزوجية تلك يقول د.توفيق عبد المنعم : تعد الخيانة الزوجية من اكبر المشكلات التي تواجه وتهدد الحياة الزوجية. وتعد مؤشرا لتفكك الأسرة. كما أن الدوافع الفردية لهذا السلوك تكون الأقوى تأثيرا من في هذه المشكلة سواء أكانت متعلقة بجوانب شخصية الفرد المختلفة أم تنشئته الاجتماعية أم ظروفه الأسرية والزوجية، ومدى تأثير الرفاق عليه، إضافة إلى مدى تمسكه بالقيم والمثل الدينية والمعايير الأخلاقية، ومدى تمتعه بقدر من النضج الانفعالي والصحة النفسية وتحمل المسئولية ومواجهة المشكلات، التي تساهم جميعا في تحقيق التوافق الزواجي وتفادي الوقوع في براكين الخيانة الزوجية. ويضيف د.توفيق ومن أهم العوامل المؤدية إلى الخيانة ، ضعف التنشئة الاجتماعية والتي تهتم أساسا بتهذيب السلوك وضبطه وغياب الاهتمام بالقيم والمعايير الاجتماعية وإمداد الفرد بالمعلومات العلمية والخبرات الصالحة والاتجاهات السليمة إزاء مثل هذه العلاقات. ويواصل د.توفيق: إن من أهم دوافع الخيانة الزوجية المتعلقة بالجوانب النفسية اضطراب النضج الانفعالي والوجداني، ضعف الشعور بالمسئولية الاجتماعية والأخلاقية والقانونية وتناسي هموم الحياة الزوجية والهروب من مشاكلها بالإضافة إلى الاستهتار واللامبالاة وتبلد الحس الإنساني وانعدام الأمن والأمان النفسي كذلك العجز عن التحكم في الشهوات والرغبات وعدم التوافق بين الزوجين. وعن أهم الاقتراحات السيكولوجية للحد من الخيانة الزوجية. يقول د.توفيق يجب تفعيل دور الإرشاد الأسرى ، وتنمية المفاهيم الخاصة بعمليات الاختيار عند الزواج والتوافق الزواجي بالإضافة إلى توعية المقبلين على الزواج بأسس العلاقات الزوجية مع الاهتمام بتدريب المقبلين على الزواج على أساليب التفاعل الإيجابية وطرق التواصل السليمة والتنمية النفسية لتقوية الأنا وزيادة النضج الانفعالي. وفي الواقع لا توجد مؤسسات حكومية أو أهلية تؤدي هذه الوظيفة الاجتماعية التي يقترحها ،رغم أهميتها.

وحول الدوافع أيضا يقول د. طارق موسى : لقد حدد الدين الإسلامي للمجتمع وللعالم بيقين كامل لا يقبل للشك أن الحياة الزوجية أساسها المودة والرحمة، ودعائمها الأمن والأمان والإخلاص، والتضحية والوفاء، زوجان يسلم كلا منهما للآخر روحه وجسده وديعة، وأمانة، شرفه، وكرامته، وعرضه ليحافظ عليها ويصونها، فالحياة الزوجية معنى مقدس له قداسته واحترامه، يفرض على الزوجين مسؤوليات، ويحدد لكل منها حقوقاً وواجبات لكي تظل لسنة الله في خلقه دوامها واستمرارها، ولكي تستمر عمارة الكون وفق ما أراد الله، قال تعالى : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". ( الروم :21 ).

ولقد حمى الله فراش الزوجية بما يضمن طهارته وعفته بما شرعه من حدود وأقره من عقاب رادع لأولئك الذين تسول لهم نفوسهم المريضة إلى تحويله لفراش غرام أثيم، ولكن مع ذلك فالخيانة الزوجية تطارد بآثامها الحياة الزوجية لبعض الزيجات، مما قد يترتب عليها من جرائم القتل انتقاماً للشرف وصوناً للكرامة، ودفاعاً عن العرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن مات دون عرضه فهو شهيد".

وتفضي الخيانة الزوجية في النهاية إلى هدم كيان الأسرة، والشك في نسب الأبناء وتشريدهم، إضافة إلى العار الذي يلحق بهم ويؤرق حياتهم. فجريمة الخيانة لا تقتصر آثارها على مرتكبيها، وإنما تمتد لتشمل أبرياء دون ذنب جنوه أو إثم ارتكبوه، والمندفع إلى الخيانة الزوجية رجلاً أو امرأة شخصية مريضة تحتاج للفحص والتشخيص والعلاج.

ومن هنا نستعرض بعض الأسباب التي عرضها علماء النفس وراء الخيانة الزوجية، إذ يرى (الدكتور محمد بيومي والدكتور مصطفى فهمي) الأسباب الآتية :

1 – أن يكون الخائن (الزوج أو الزوجة) قد فشل في تعلم الأسس الصحيحة للدين، فالأديان جميعاً باركت الزواج، واعتبره الدين الإسلامي أسمى العلاقات المقدسة التي ينبغي احترامها، واعتبره أيضاً (ميثاقاً غليظاً)، وينبغي احترامه وعدم خيانته، قال تعالى: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً" ( النساء :21 ).

2 – الاعتقاد بأن شريك الحياة ليس هو الشخص المطلوب، ورؤية كل الأشخاص أفضل منه .

3 – عدم التوافق النفسي والبائي بين الزوجين .

4 – عدم القدرة على احتواء الشريك .

5 – تدخل الغرباء والأصدقاء في حياة الزوجين .

6 – التجارب الشبقية قبل الزواج .

7 – أصدقاء السوء .

رابعا - عوامل ثقافية :

في هذا الزمن الذي تتعرض فيه المجتمعات إلى تغييرات سريعة ومتلاحقة بسبب التقدم المذهل في التكنولوجيا والاتصالات كان له من النتائج الاجتماعية السلبية الكثير .

يتم التحول عن قيم مجتمعية إيجابية وكانت على مدى التاريخ تحافظ على تماسك المجتمعات إلى قيم ليست بأفضل منها. وتسهم وسائل الإعلام في ترسيخ القيم المادية والتحريض على التحلل من القيم الدينية والأخلاقية بدعوى التحرر أو الحداثة أو منطق الاستهلاك والسوق الذى انجرت اليه الثقافات الغربية والقيم الدخيلة والتي تنادي بإهمال العلاقات الزوجية وإنشاء علاقات جديدة ويتأثر بها الزوجان. ويساعد على ذلك إهمال التربية الدينية ، وإذ يغيب الوازع الديني لدى الفرد يعتبر أن كل شيئ مباح له .

ويرى الدكتور محمد المهدي، أخصائي نفسي، أن الحوار عبر الإنترنت يتميز بأمور تسهل الخيانة، ومنها: "اللاإسمية" حيث لا يعرف طرفا العلاقة (إن أرادا ذلك) اسم أو عنوان أو جنس أي منهما، وهذا يعطي مساحة هائلة من الحرية في التعبير عن الذات دون اعتبار لأي عوامل سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية، كما تتميز بحرية الدخول والخروج، فلا إلزام بوقت أو مطالب، وهذه الحرية ربما تكون غير متاحة في العلاقات العادية، وكذلك يتميز الحوار عبر الإنترنت بإنسانية العلاقة، حيث يتحرر الطرفان من أي التزامات حزبية أو طائفية أو دينية أو اجتماعية ويجدان نفسيهما في حوار ثنائي إنساني حر، بعيداً عن كل الضغوط والالتزامات السابقة، وهذا يجعل التواصل أكثر إنسانية وأكثر تجاوزا للخلافات والاختلافات.

ويري الدكتور أحمد عبد الله أن ما وراء الخيانة الإلكترونية : "غالباً ما يكون مجرد المغامرة وحب الاستطلاع هو الدافع الأساسي الذي يوصل إلى الخيانة الإلكترونية، وفي هذه الحالة غالبا ما تقتصر العلاقة على مساحة الفضاء الافتراضي دون تطويره إلى علاقة حقيقية، وغالباً ما تتعدد العلاقات هنا، ويتم تغيير صورة الذات بحيث تأخذ أشكالا متنوعة، فمرة تقيم الزوجة علاقة بوصفها امرأة في الأربعينيات، ومرة تقيم علاقة بوصفها شاباً في العشرينيات، وقد تقيم علاقات شاذة، واضعة لنفسها صورة رجل لوطي أو فتاة سحاقية، وأحياناً تتقمص المرأة شخصية فتيات في عمر أصغر، والهدف من المغامرة غالباً ما يكون تبديد الوقت أو كسر الملل أو اللعب الذي يشبه ألعاب الديجيتال التي ينكب عليها الأطفال بالساعات بين الواقع والخيال الافتراضي".

وتقول بريجيت ويرا، مستشارة الزواج في إحدى الجمعيات الأميركية، في كتاب لها "إن الخيانة عبر الإنترنت تبدأ غالبا مثل لعبة أو مغامرة صغيرة، فالمتزوجون نادراً ما يسعون وراء علاقة واحدة أو عميقة، ولكن لا مانع لديهم من تكوين علاقات متعددة غير محدودة وعابرة، ويمكن أن يدمنوا هذا النوع من العلاقات، خاصة إذا انعدمت مساحات الحوار والحلم في حياتهم مع زوجاتهم الحقيقيات، ولكن النتائج غالبا ما تكون سيئة بسبب هذه اللعبة الطائشة والحوارات العابثة التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة". فيما تؤكد الباحثة الاجتماعية الأردنية، ربى حداد، أن الأزواج يلجئون إلى الإنترنت للبحث عما يفتقدونه في حياتهم الزوجية كالرومانسية والإثارة، وتعتبر أن إدمان الأزواج لهذه الأفعال يعود إلى خلل في العلاقة الزوجية.

وعن الجانب العلاجي الذي يمكن بواسطته التخلص من الآثار السلبية والسيئة لاستعمال الإنترنت فيما يسيء إلى الحياة الزوجية، يقول د. خالد النجار أنه لا بد أولاً من التسليم بأن عالم الإنترنت عالم جذاب إلى أقصى درجة مما يفتح الباب لكثير من التجاوزات بين الأزواج، خاصة إذا كانت العلاقة مضطربة في الأساس، ويمكن القول جدلاً بأن من يفقد شيئاً في واقعه سيجده بوفرة على الإنترنت لكثرة ضحايا هذه الشبكة العنكبوتية!.. ومن الوسائل العلاجية المستخدمة:

- استخدام الحيلة: كإرسال رسائل بريدية إلى الزوج من عنوان مجهول تحتوي على قصص عن الخيانات الزوجية وآثارها على المستقبل الوظيفي والعائلي والاجتماعي والديني، كذلك إرسال قصص تكشف الخداع في العلاقات الإلكترونية.

- المصارحة الوجدانية والعاطفية لا الجدلية: وهذه تعتمد على طبيعة العلاقة قبل ذلك، وقد تكون قاسية على البعض ولكنها ضرورية في مرحلة ما. وخلاصة الأمر أن يحدد الطرفان ما إذا كانا يريدان الاستمرار في العلاقة بينهما، ثم يحددان ما الذي ينقصهما من احتياجات.

- العمل على إشباع الحاجات العاطفية المفقودة: فيجب إعادة الحرارة للعلاقة الزوجية الأسرية بإعادة خطوط الاتصال القلبية والوجدانية بين الزوج وزوجته والأب وعائلته، وعدم الانسياق في هاوية الأنانية على حساب وقت الأسرة والأبناء.

- طلب الاستشارة: وخاصة من متخصص في العلاقات الاجتماعية أو الحالات النفسية..

خامسا - دوافع اجتماعية :

يلعب فيها التقليد دوره عندما يحذو الفرد حذو أحد المقربين اليه سواء كان صديقا أو من هو أكبر منه في أفراد عائلته ، فيحل لنفسه ما أحله الآخر لنفسه .

ومنها الدوافع المتعلقة بالجوانب الأسرية:

"فالطفل عند ولادته كائن لا أخلاقي لا يعرف ما تعدّه الجماعة صواباً أو خطأ، وهو يتعلم ذلك أولاً: من خلال علاقة البنوة والوالدية في الأسرة قبل أن يكبر ويتصل بجماعات الرفاق والمؤسسات المجتمعية الأخرى.

فحياة الأسرة هي أسمى وأبدع ثمرات الحضارة الإنسانية، وهي أعظم قوة في تكوين العقل، كما يذهب أصحاب النظرية الاجتماعية إلى أن ميل بعض الأفراد إلى ارتكاب الجرائم واعتياد ارتكابها يرجع إلى فشل في عمليات التنشئة الاجتماعية.

ولذا يدفع الى الخيانة أحيانا في هذا الإطار ما يلي:

1- النشأة بين أحضان أم ماجنة أو أب عربيد أو كليهما معا.

2- الاغتراب، والابتعاد عن فراش الزوجية لفترات طويلة لا سيما خارج الوطن.

3- الشقاء والتعاسة الزوجية .

4- المناخ الأسري الفاسد.

5- انعدام الأمن الأسري والتهديد بفصم العلاقة الزوجية.

6- وجود نماذج عائلية منحرفة ، خائنة.

7- الفارق العمري الشاسع بين الزوجين.

8- تحول المنزل إلى ساحة عراك، وجحيم لا يطاق.

ومنها ما يتعلق برفاق السوء وتقليدهم أو مجاراتهم فيما يفعلون . وقد قيل:"مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن تبتاع منه، وإما أن يحذيك ، وإما أن تشم منه ريحاً طيباً ، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه ريحا خبيثاً"، وفي حديث آخر: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".

فالقرناء يشكلون مصدراً مهماً لتوجيه سلوك الفرد إيجابا وسلبا. والقرناء إما أن يكونوا من الجنس نفسه، أو من الجنس الآخر ، فإذا كان القرناء من الجنس نفسه من الأزواج قرناء سوء، كانت جلساتهم جلسات ماجنة ينبعث منها ريح المخدرات والمسكرات ، وتخطط فيها المؤامرات لإشباع الرغبات والنزوات الشيطانية والتباري في إثبات البطولات في هذا المجال.

وعزز ذلك بالتالي:

1- سوء خلق الرفاق ، وانهيار قيمهم.

2- ضعف الرقابة على سلوك الرفاق من الجنس المخالف تجاه أحد الزوجين.

3- مجاراة الرفاق في التصرفات الشاذة والمنحرفة.

4- التسرع في تكوين الصداقات والارتباطات الحميمة.

5- الغفلة عن التغيرات السلبية الطارئة على العلاقات الزوجية من تأثير الرفاق.

6- الانصياع التام لضغوط رفاق السوء.

7- المنافسة مع الرفاق حول تحقيق البطولات الشبقية.

ورفاق السوء يسعون الي إشاعة الفاحشة حتى لا تقتصر عليهمويجدون في أشاعتها مبررا لتبنهيم لها . وفيهم يقول الله تعالى:"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون "

- دوافع انتقاميةأو ثأرية :

حيث نجد أن المرأة تلجأ إلى الخيانة انتقاما من زوجها الخائن عندما تكتشف أن له علاقات غرامية مع نساء أخريات .

أتذكرسيدة تطوانية (نسبة إلى مدينة تطوان في شمال المغرب) تجاوزت الخمسين من عمرها، كانت تتحدث إلى مجموعة من المسافرين في القطار جمعتني معهم مقصورة واحدة ، عن ما تراه من مزايا المرأة التطوانية ، فكان مما قالته إن المرأة التطوانية عندما تشك في خيانة زوجها لهـــا تعقبته دون أن ينتبه لها وعرفت أين يخونها ومع من وصفات المرأة التي يخونها معها من حيث لون بشرتها وشعرها وعينيها ولون ملابسها الخارجية وربما الداخلية أيضا . ولا تعمل على مفاجئته معها أو تسبب فضيحة له ، وإنما تنتظر حتى يعود إلى المنزل وتسرد له في هدوء شديد وببرودة أعصاب كل المعلومات التي حصلت عليها بتفاصيلها الدقيقة. وتخبره أنها لم تشأ فضحه لأن فضيحته ستؤثر عليها وعلى أولادها منه.ولكنها ستفعل إن حاول التخلص منها والزواج بالأخرى. وتعرض عليه إتفاقا : إما أن يتوقف عن خيانتها وتكفل له متعة لم يحصل عليها من قبل معها ولامع غيرها وتتزين وتتعطر وتلبس مثل الملابس التي كانت تلبسها الأخرى ونفس ألوانها، أو يستمر في غيه وخيانته لها على ألا يقترب منها وتقوم هي بدورها بخيانته ممع غيره ، مع إعلامه كلما خانته وإن لم تكن ملزمة بذلك ، وعليه أن يجد ذلك بنفسه إن شاء كما فعلت هي.

وبدون أدني اعتراض منه.

ما قالته السيدة لم يعلق عليه أحد من المسافرين . ولم تذكر في حديثها الله أو الدين والحلال والحرام وكأنها لا تتحدث عن الزنا. ولقد صدمني حديثها وطللت أفكر فيه مدة طويلة. ليس لذي أي معلومات عن نساء تطوان من أي مصدر آخر. ولكن إذا تم الاستعانة بعلم النفس سنجد أنه ربما كانت السيدة تتحدث عن نفسها. وأما لجوئها للتعميم بقولها نساء تطوان ، فهو تعميم بهدف التعمية. ويكون بذلك حديثها على هذا النحو ، ناتج عن إحساس عميق بالذنب ، وأن ما فعلته بمقابلة الخطيئة بخطيئة ثأرية ، أو ما تفعله التطوانيات على حد قولها ، واكتسبن به حريتهن في فعل ما يشأن من الزنا مقابل ترك أزواجهن يفعلن ما يشاءون ، واعتباره مزية لهن ، كانت تستهدف من ذكره الحصول على موافقة من تحدثهم على ذلك أو تأييده لتهدئة نفسها القلقة من الخطيئة.

من هذه الرواية على علاتها ، وسواء كانت حالة فردية أم لا ، ثمة نقاط هامة : منها أن لجوء الزوج الي امرأة أخرى غير زوجته ينتج في الغالب عن إهمال زوجته له وافتقاده متعة معها كان بإمكانها توفيرها له. والنقطة الثانية هي لجوء المرأة إلى خيانة زوجها مع أي رجل كان لا تربطها به صلة لمجرد الثأر من خيانة زوجها لها. والنقطة الثانية هي الحرص على بقاء الأسرة والعلاقة الزوجية ولو شكلية رغم الخيانات المتبادلة بين الزوجين.

قد تكون الخيانة الزوجية وسيلة للانتقام الناجم عن الفشل الذي لحق بالرجل منذ طفولته أوفي حياته مع الجنس الأخر(مع الأم أو الأخت أو الخالة زوجة الأب) هذه الوسائل عرفها الإنسان منذ القديم لأنه عرف الفشل وخيبه الأمل سواء كانت حقيقية أم وهمية. الأطفال الذين تعرضوا للإهانة من أهلهم يسعون في الكبر إلى تحقيق ذواتهم ورفع احترامهم لأنفسهم (وان بشكل خاطئ) عن طريق الانتقام من المرأة التي يرون فيها أمهم التي قهرتهم في الصغر.

وعموما فان ما ينطبق على المرأة كذلك ينطبق على الرجل

ويمكن إجمال أسباب الخيانة سالفة الذكر كالآتي :

1- النشوء في بيئة فاسدة .

2- تقليد الأم ( المدرسة )

3- عدم الخوف من الله

4- عدم الانسجام والتكيّف مع الزوج

5- كراهية الزوج

6- إهمال الزوج بكثرة سفرياته وكثرة جلوسه في الاستراحات وطلعات البر

7- وجود ما تكره في الزوج مثل ( الرائحة الكريهة في الجسم وخاصة في الفم .

8- عدم مراعاة زوجها لمشاعرها في لحظات الجماع وتوقفه حال قضاء شهوته فورا

9- عدم اهتمام الزوج بالمرأة وعدم التحدث معها بالكلمات الغزلية وكلمات الثناء التي تحب سماعها

10- اكتشاف الزوجة أن زوجها على علاقة بإحدى النساء أو الشك في ذلك

11- الفوارق السنية والاجتماعية والعلمية والمادية بين الزوجين

12- الزواج بالإكراه . أي دون رضا الزوجة من قبل أهلها

13- فساد الرجل .. كأن يكون من مدمني الخمور والمخدرات ومن العاصين على الله

14- إهمال الرجل لزوجته والسماح لها بالنزول للأسواق والذهاب للمستشفيات دون دواعي

15- السماح للزوجة بالخروج المتكرر من البيت مع صويحباتها اللائي لا يعرف عنهن شئ .

16- جلب دش القنوات الفضائية بكافة الأقمار ومن ضمنها الأوروبية وهذه قاصمة الظهر التي ستظهر جيلا من الأبناء فاسدين في الأخلاق والعقيدة .

17- السماح للزوجة بالاختلاط مع بعض الأقارب من غير المحارم .

18- جلب سائق للمنزل .. مواصفاته من الشباب ذوي الوسامة .. وتسليمه مفاتيح السيارة .

.

وقد تحدث الخيانة من جانب الزوج وللأسباب نفسها، إلا أن مجتمعنا الشرقي يغفر للزوج خيانته ولا يغفرها للمرأة . وكذلك فإن من العوامل التي تبعد الزوجة عن زوجها شعورها أنها خارج عالمه تماما، وأنها لا تمث إلى هذا العالم بصلة فكرية كانت أم روحية، وبالتالي، جنسية .

إن الخيانة من الناحية النفسية كالشراب والقمار من السهل ممارسته والاعتياد عليه والبحث عنه ومن الصعب جداً الإقلاع عنه والعودة إلى جادة الصواب. وهو يقع اذن في خانة الوسواس القهري. في البداية يتصور الرجل بأنه يحقق السعادة لنفسه بطريقة جميلة ابتكرها مفتخراً بممارستها بينه وبين نفسه ولكنه لا يعلم إن النهاية الحتمية والطبيعية آتية لا ريب فيها وانه سيدمر حياته وحياة أسرته وان أطفاله سيتشردون ويعيشون عاله على المجتمع وعلى أنفسهم.

إن الرجل الخائن لا يكفيه أن يكون بطلا في نظر زوجته مهما كانت وفية ومخلصة له، إنما يبحث عن الثناء والتقدير ويأمل أن يأتيه من امرأة أخرى (وهذه الشخصية نرجسية بامتياز وبحاجة لعلاج نفسي بالتأكيد) والحقيقة انه عاجز ولا يملك القدرة على الاحتفاظ بحب زوجته ولا يستطيع إن يحب امرأة أخرى الحب الصادق السليم. وقد يقول البعض انه لا يبحث عن الحب والمتعة مع امرأة أخرى ،ولكن إذا عرضت عليه الفرصة لن يدعها تفلت منه . وينسى أن الفرصة لا تعرض عليه إنما هو الذي يبحث عنها ويخلق لها الظروف المناسبة لتحقيق رغباته الجنسية. وإذا سألته عن سبب خيانته يقول ببساطة إنني هكذا... إنها خارجة عن إرادتي.... ولا أستطيع مقاومتها ويقول لزوجته بعد أن يستنفذ فرص الكذب والخداع :أنا هكذا إما توافقي أو تتشردي مع أطفالك وتتعرضي للعذاب والجوع والمهانة. وهذا مصير درامي لامرأة لا تعمل ولم تكتسب مهنة تقتات منها،بسبب التعجيل بزواجها قبل أن تستكمل تعليمها ، وعدم محاولتها هي أيضا تعلم مهنة أو حرفة مدرة للدخل تنفعها إذا قست عليها الظروف والحياة.

كثيراً ما يلجأ الإنسان ويرى أن الخيانة الزوجية وسيلة للهرب من خيبه أمل في الحياة لينزوي في أحضان امرأة أخرى بكل بساطة رغبة منه في النسيان. كما يقبل على المخدرات والشراب وغالباً ما يكون الزواج الفاشل نتيجته الاختيار الخاطئ- والأهل هنا هم الملامون وأحيانا الزوجة نفسها تكون هي المسؤولةعن سوء الاختيار وأن يكون الأهل قد نصحوها ولم تقبل نصحهم أو قدرته وإنما أساءت تأويله. وقد تكون الزوجة هي من تستحق اللوم عندما تكون زوجة قلقة أو مكتئبة أو لديها رهاب أو رضه نفسية أو ما شابه ذلك ،لأنها لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها و تعكر مزاجه بالخصومات المستمرة . بينما تلقاه عشيقته بالترحاب والعاطفة المزورة لسحب ماله والتمتع بعطاياه على حساب أسرته.

والزواج الذي يكون فيه نوع من التورط أو يتم بسحر أو خديعة أو أكراه لأحد طرفيه يعد تربة سهلة لزرع الخيانة الزوجية . والزواج الذي لايتوفر فيه التناسب في السن أو تفتقر المرأة فيه إلى عنصر الجمال ، كأن يتزوجها لمالها أو لمطمع وليس لذاتها وخصالها وحبا فيها، كل ذلك قد يدفع نحو الانحراف..... كما أن الرجل الفاشل في عمله أو في علاقاته الاجتماعية والغير القادر على تكوين شخصيته المستقلة، قد يحاول بخيانته أن يبرهن على قوته وأنه يستطيع أرغام الكثير من النساء لرغباته الجامحة – أي حالة التعويض عن فشل بما يعتبره نجاحا في مجال آخر.

حد الزنا وشروط إقامته :

الزنا : هو وطء الرجل المرأة التي لا تحل له ، وأي علاقة بين رجل وامرأة لا تشتمل على عنصر الوطء لا تعتبر زنا يوجب الحد.

ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :": في الزنا خمس خصال. يذهب بماء الوجه. ويورث الفقر. وينقص العمر. ويسخط الرحمان. ويخلد في النار".ونقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه، قوله : "ألا أخبركم باكبر الزنا؟. قالوا: بلى. قال: هي امرأة توطيء فراش زوجها فتأتي بولد من غيره. فتلزمه زوجها. فتلك التي لا يكلمها الله، ولا ينظر اليها يوم القيامة، ولا يزكيها ولها عذاب اليم."

وأما عن حد الزنا فقد وردت كيفيته في كتاب الله على النحو الآتي:

" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين*الزاني لاينكح إلا زانية أومشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين*والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم* والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين *والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين*ويدرؤاعنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين*والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين"

وتتناول هذه الآيات كل ما يتعلق بإثبات وقوع الزنا، والاتهام به ومتى يؤخذ به أو يتم التعامل معه إن لم يكن ثابتا، وتوقيع العقوبة عليه في الدنيا (الحد) بواسطة الحاكم.

لقد اشترط الإسلام لإقامة حد الزنا أن يكون الفعل الآثم مشهودا عليه بأربعة شهود أثناء إتيان الزانيان له وقد أولج الذكر قضيبه في فرج المرأة ، وقيل في هذه الحالة بأنه لو تم تمرير خيط بينهما لم يمر. أما لو شهد الشهود بأنهم عثروا على الرجل والمرأة المتهمين بالزنا عاريين ولكنهما منفصلين وكل الشواهد والدلائل تؤكد على أنهما كانا يمارسان الزنا أو انتهيا من مزاولته، لم يعتد بشهاداتهم لإثبات الزنا وإقامة الحد على المتهمين به طالما لم يقر أحد المتهمين بارتكاب الفعل الآثم طواعية وبدون أدني إكراه عليه. شهادة أربعة عدول على حصول الفعل يجب أن تقترن باليقين الكامل والتأكد التام مع اتفاقهم في كل تفاصيل الفعل ، وزمانه ومكانه ووضعه فإن لم يتفقوا على ذلك اعتبر إبلاغهم كاذب، وأوقع عليهم حد القذف بدلا من إيقاع حد الزنا على المتهم (( لو لا جآءو عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون )) (( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون )) ومعلوم أن من زنا في موضع يراه فيه أربعة أشخاص رؤية تفصيلية فهو مجاهر بفعله مستخف بالدين وقيم المجتمع ومستخف بعلاقته مع زوجته ، ،وإذا كان مستخفا بذلك كله كان حقيقاً بأن يطبق عليه الحد علنا كما ارتكب العغل علنا ومما يجعل هذا الشرط الواقف أكثر امتناعا في الواقع هو أنه في حالة لو كان الرجل والمرأة وحدهما في بيت أحدهما ، فإنه لا يجوز شرعا انتهاك حرمة البيت واقتحامه عليهما، طالما كان بابه مقلقا عليهما ، أو مفتوحا ولكنهما لا يظهران للرائي من فتحته. وإن كان الباب الخارجي مفتوحا وجب على من أرادوا دخول البيت من غير أهله أن يستأنسوا ويستأذنوا من أهله ، وإن تم ذلك ، فإن كل ممن يفترض فيهما ممارسة الزنا سينفصل عن ضجيعه ، وبالتالي لن يتمكن أحد أن يراهما منخرطين في ممارسة الزنا.بل إن لم يؤذن لمن يطلب الإذن بالدخول ، من غير أهل البيت ، عليه أن يرجع أدراجه ولا يدخل. وذلك إتباعا لما أمر الله تعالي به في قوله :" يا أيها الذين آمنو لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلك خير لكم لعلكم تذكرون*فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم والله بما تعملون عليم*وإن قيل لكم أرجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون".فقد جعل الإسلام للبيوت حصانة تامة فلا يجوز دخولها إلا بإذن أهلها كما حرم التجسس والتصنت عليها
أما إن اقتحم أربعة رجال غرباء عليهم البيت بدون اذن من صاحب البيت أو صاحبته وشهدوا بأنهم رأوهم يمارسون الزنا ، فإن هذه الشهادة يفسدها عدم التزام الشهود بحدود الله التي حفظ بها حرمة البيوت مما لا يجعلهم شهود عدل يعتد بشهاداتهم. هذه الحالة تشبه الحالات التي تطلب القوانين فيها من أجهزة الأمن عدم دخول البيوت وتفتيشها بدون الحصول على إذن مسبق من النيابة العامة . فإن فتشوا المنزل بدون إذن من النيابة ووجدوا فيه ما يعاقب القانون على حيازته جاز الدفع ببطلان التفتيش وكل ما يترتب عليه من آثار.

إذن الحالة الوحيدة التي يمكن أن يشهد على وقوع الزنا فيها أربعة شهود عدل في واقع الأمر لا تعدوا أن تكون حالة الزنا العلني ، كأن يمارس الزانيان فعلهما في مكان مكشوف، أو في مكان عام يرتاده عادة الناس أو يمرون منه ، مثل متنزه أو غابة أو ساحل بحر أو طريق عام أو ما شابه ذلك . فيطلعون على ما يحدث فيه صدفة أو عمدا دون حاجة إلى استئذان أحد.

ويمكن هنا القول بأن الإسلام لا يعاقب في الدنيا على واقعة الزنا في حد ذاتها ، وإلا لقبل إثباتها بمختلف الوسائل ، وإنما في الإتيان العلني لها ، أو القابل لأن يكون منظورا من الغير. وهو ما يجعل الزنا بمثابة إشاعة للفاحشة في المجتمع. أي أن العقوبة عليه هنا هي حق للمجتمع . وكما حدث الزنا علنيا ومشهودا من أربعة رجال أو أكثر، ودون التزام التستر والحياء ، فإن العقوبة عليه يجب أن تكون أيضا علنية ومشهودة من قبل طائفة من المؤمنين يمثلون المجتمع المؤمن .

وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين ألا يفضح أحدهم خطيئة اقترفها وسترها الله عليه فيتحدث بها أو عنها . لأن إفشاء سرها من شأنه أن يكون بمثابة إشاعة للفاحشة في المجتمع وهو ما يعد أكثر ضررا من الإتيان الفردي لها.

واذا كان الشخص قد اعترف على نفسه فيجب التأكد الكامل من سلامة عقله ،وإدراكه وأن يكون ذلك بعيدا عن أي إكراه أو ضغط بل تعطى له الفرصة لعله يرجع عن إقراره ويلقن الرجوع عنه، فإذا رجع لم يقم عليه الحد ، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ماعز – الرجل الذي اعترف بالزنا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أعرض عنه الرسول عدة مرات، وهو يكرر الاعتراف ويقول ( إني زنيت فطهرني ) والرسول يعرض عنه ويصرف وجهه ، ثم قال له ( لعلك قبلت ) ( لعلك شربت ) كل ذلك وهو مصر على الاعتراف. ثم لما أرادوا أن يقيموا عليه الحد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هرب ونفى ما أعترف به فقال لهم : ( هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه )
ينبغي لمن أطلع على مسلم يقترف شيئاً من ذلك أن يستره ولا يبلغ عنه ( من ستر مسلما ستره الله )

ولا يجيز الإسلام أخراج المرأة المطلقة من بيت الزوجية، الذي وصفه بأنه بيتها، خلال فتر عدتها، ما لم تأت بفاحشة مبينة. أي شهدها أربعة شهود ،وحتى لو كان سبب الطلاق تأكد الزوج من خيانة زوجته له. وأنه رآها تخونه رؤى العين . فطالما لم ير ذلك سواه فعليه إن طلقها ألا يفضحها ، ويكشف سرها ، بإظهار سبب الطلاق. أما إذا أصر أي منهما على اتهام الأخر بالزنا علنا ، وأنكر من أتهم المنسوب إليه ، هنا يمكن أن يتلاعنا ، بأن يقسم كل منهما ثلاثا بأنه صادق وأ ن لعنة الله علي الكاذبين ، وحيث لابد أني يكون أحدهما كاذبا ، فإن الفصل في الأمر يترك لله سبحانه وتعالي ـ العالم بالسر وما أخفي. و التلاعن لا يثبت الزنا ولا يترتب عليه إقامة حد.

هذه الضمانات التي حرص الإسلام عليها ، والتي يتعذر معها اتهام شخصين بالزنا حتى لو كانا يقترفانه فعلا، أو إثبات ذلك عليهما، فإن ذلك ليس لأن الإسلام لا يرغب في فضح الزناة أو عدم إقامة الحد عليهم ، ولكنه يعطي أولوية لحفظ أعراض وسمعة وكرامة الأسر إلي ينتمي إليها الزناة ، وإلحاق الأذى بأبرياء ، وخاصة الأطفال منهم إن كان أحد الزانيين من المحصنين. وبذلك قصر الفضح على من فضح نفسه أو لم يتوخ ستر خطيئته ، ولم يعد بالإمكان التستر عليه.

بناء على ما سبق أيضا ، فإنه لا يجوز إثبات واقعة الزنا باستخدام وسائل الإثبات العلمية الحديثة مثل تحليل إفرازات المهبل لمعرفة ما إذا كانت مختلطة بمني رجل معين ، إلا في حالة واحدة وهي إثبات حالة الاغتصاب ، أي الجماع بإكراه أو تحت التهديد، وبناء على طلب الضحية أو إذا كان المزني بها قاصرا وبناء على طلب ولي أمرها حتى لو تم الزنا بموافقتها.أو أذا كان الغرض استخدام الوسائل العلمية أيضا تحديد نسب مولود لأبيه بناء على طلب الأم. ويجوز أيضا اللجوء إلي التحاليل في حالة الشك في ارتكاب اللواط ولو مع أنثي أو في حالة زني المحارم ، إذ تعد هاتين الحالتين خارج نطاق الزنا العادي الذي يمكن أن يتم بين رجل وامرأة ليست من محارمه، باعتبار أن اللواط وزني المحارم ، فيهما اعتداء صارخ على إرادة الله وما فطر عليه البشر وأراده له وإفساد للنظام البيولوجي والاجتماعي للإنسان ، ولما يترتب عليه التسامح في هذين الأمرين من أضرار بالغة بالمجتمع.

أما إذا كان الزنا قد تم باتفاق طرفين بالغين راشدين فلا يجوز فضح ما ستره الله عليهما على أي نحو.. ويسقط الحد أيضا .

ويندب لمن غلبته نفسه فسقط في الزنا أن يستر نفسه ولا يحدث بذلك ولا يعترف على نفسه به ببل يتوب إلى الله ويستغفره ويكفر عن فعله بالأعمال الصالحة ولا يقنط من رحمة الله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ) وقوله تعالى : "
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار " وقوله تعالى : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا "

ويسقط الحد وجود شبهة . فإذا توفرت أية شبهة أو وجد أي مخرج للمتهم سقط عنه الحد . لقوله صلى الله عليه وسلم : إدرأوا الحدود بالشبهات.

نأتي الآن إلى الحد ، ويتضح من الآيات سالفة الذكر أن الحد هو الجلد علنا مائة جلدة ولم تفرق الآية بين مرتكبي الإثم المشهود وعما إذا كان مرتكبه أعزبا أم متزوجا وإنما اقتصرت التفرقة على زني الحرأو الحرة وزني العبد المملوك أو الأمة المملوكة فجعل عقاب العبد والأمة نصف عقاب الحر والحرة.

ويتم تغريب من أقيم عليه حد الزنا عن البلد الذى أقيم عليه فيه الحد لمدة سنة كاملة، وهذا ليس عقوبة أضافية زائدة على عقوبة الجلد وإنما القصد من ذلك هو إبعاده حتى ينسي الناس فعلته وتسكن الألسن عن ذكر فضيحته و يستطيع هو أيضا مواجهتهم .

أما الفقهاء فقد اعتبروا أن الآية تتعلق بعقوبة الزاني الأعزب أما الزاني المتزوج فالحد بالنسبة له أو لها هو الرجم . واعتمدوا في ذلك على روايات وردت في كتب الحديث تثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم طبق عقوبة الرجم على زانية محصنة وزان محصن.جاء كل منهما يعترف للرسول ثلاثا بدون ضغط أو إكراه بالزنا ويصر على اعترافه ويطلب إقامة الحد عليه.ولم يأخذوا في اعتبارهم أن ذلك كان ربما قبل نزول الآيات سالفة الذكر ومع عدم وجود حكم شرعي كان الرسول صلي الله عليه وسلم يطبق الشريعة الموسوية بعد أن يسأل من أسلم من اليهود عن الحكم في التوراة . وذلك قبل أن تنزل الآية المبينة الحد في سورة النور..
وبنزول الآية تكون قد نسخت ما قبلها ووجب الأخذ بها وحدها ولا يكون بذلك حد الرجم وارد في الإسلام.
.ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن رهطا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا معهم بامرأة فقالوا: يا محمد ما أنزل عليك في الزنا؟ فقال: "اذهبوا فائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل". فذهبوا فأتوه برجلين أحدهما شاب فصيح والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه حتى يرفعهما بعصابة فقال: "أنشدكما الله لما أخبرتمونا بما أنزل الله على موسى في الزاني؟". فقال: نشدتنا بعظيم وإنا نخبرك إن الله تعالى أنزل على موسى في الزاني الرجم وإنا كنا قوما شيبة وكان نساؤنا حسنة وجوههن وإن ذلك كثر فينا فلم نقم له فصرنا نجلد والتعيير فقال: "اذهبوا بصاحبتكم فإذا وضعت ما في بطنها فارجموها.

وعن جابر قال: جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بأعلم رجلين فيكم". فأتوه بابني صوريا فقال: "أنتما أعلم من وراءكما؟". فقالا: كذلك يزعمون،فناشدهما بالله الذي أنزل التوراة على موسى: "كيف تجدون أمر هذين في توراة الله تعالى؟". قالا: نجد في التوراة إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة،وإذا وجد في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة،فإذا شهد أربعة انهم نظروا إليه مثل الميل في المكحلة رجموه فقال: "ما يمنعكم أن ترجموها؟". فقالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فشهدوا فأمر برجمهما.

ومما رواه أحمد والطبراني إذ قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد أحصنا فسألوه أن يحكم بينهما بالرجم فرجمهما في فناء المسجد. إذن فهذا الأجراء كان تطبيقا لشريعة موسي لعدم وجود حكم في القرآن ، وخشي الرسول أن يشيع اليهود عنه أنه يحكم بغير ما شرعه الله ، بينما هو يقول إنه يسير على نفس هدي النبيين قبله . بل سنجد أن الحزن قد انتابه عندما أمر برجم المدعو ماعز بن مالك وأنه هو الذي حاول الهرب وفيه قال الرسول : هلا تركتموه.

ومن هنا جاء القول بأن الرسول أمر بترك من يفر من الرجم.حسبما روي عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو القرشي قال: حدثني من شهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمر برجم رجل بين مكة والمدينة فلما أصابته الحجارة فر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فهلا تركتموه".رواه أحمد. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اعترف الرجل بالزنا فأضربه الرجم فهرب ترك".

ويمكن للحاكم أن يعتبر أن حد ال100حلده هو الحد الأقصى لعقوبة الزنا المشهودة وبالتالي تطبيقه على زنا المحارم وعلى زنا المحصنين وتخفيف العقوبة بالنسبة لزنا العزاب. ولو أراد الله تطبيق عقوبة الرجم على المتزوجين في الإسلام لأوردها صريحة في القرآن. والنبي صلي الله عليه وسلم لا يشرع وإنما المشرع هو الله ولا يتجاوز دور النبي توضيحه وتفصيله وبيان تنفيذه ول يمكنه أن يضيف أحكام موحي له بها خارج نطاق القرآن ،إلا فيما لم يرد له ذكر في كتاب الله. وها الحد مذكور في كتاب الله فلا مجال للإضافة إليه أو المزايدة عليه.

ويدخل ضمن ذلك أيضا الحديث المروي عن رسول الله الذي يقول " لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

.

وفي ذات الوقت فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون."

وعن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة أتاه رجل من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة يتخطى الناس حتى اقترب إليه فقال: يا رسول الله أقم علي الحد. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اجلس" فجلس ثم قام الثانية فقال: "اجلس" فجلس ثم قام في الثالثة فقال مثل ذلك. فقال: "وما حدك؟". قال: أتيت امرأة حراما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه فيهم علي بن أبي طالب والعباس وزيد بن حارثة وعثمان بن عفان: "انطلقوا به فاجلدوه مائة جلدة". ولم يكن الليثي تزوج فقالوا: يا رسول الله ألا تجلد التي خبث بها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائتوني به مجلودا". فلما أتي به قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صاحبتك؟". قال: فلانة - امرأة من بني بكر - فأتي بها فسألها فقالت: كذب والله ما أعرفه وإني مما قال لبريئة الله على ما أقول من الشاهدين،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من شهد على أنك خبثت بها فإنها تنكر فان كان لك شهداء جلدتها حدا وإلا جلدناك حد الفرية". فقال: يا رسول الله مالي من يشهد. فأمر به فجلد حد الفرية ثمانين.

ومما قد يستفاد منه أن حد الرجم قد توقف العمل به في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم حديث

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ليس على الأمة حد حتى تحصن فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات".
رواه الطبراني بإسنادين غير عبد الله بن عمران وهو ثقة.
فإذا كان حد المحصنات الرجم فهل ترجم الجارية نصف رجم ؟.. المعقول هنا هو أن حد المحصنة هو الجلد مائة جلده كما جاء في كتاب الله.

ويفتي الفقهاء بأن الأرملة والمطلقة تعامل معاملة المحصنة وهذا ما لا يقبله عقل أو منطق ، بل إن المطلقة أو الأرملة قد يصعب عليها التحكم في شهوتها بينما قد يسهل ذلك على من لم يسبق لها الزواج ومعاشرة الرجال. ولا يمكن اعتبار الرجل الغير متزوج محصنا لأنه سبق له الزواج ونفس الشيء بالنسبة للمرأة . فالتحصين مرتبط بوجود علاقة زوجية قائمة.

اللواط والحـــــد فيه:

والمقصود هنا به ليس ما يعرف بالعلاقات المثلية بين الذكور الشواذ وإنما ما يماثلها في العلاقة الزوجية المنحرفة والمنافية للفطرة والدين ، والمتمثلة في إتيان المرأة في الدبر عند الجماع. هذه العلاقة الشاذة والمحرمة يمكن الاستدلال على حرمتها والحد فيها بما أنزله الله سبحانه وتعالي من عقاب بقوم لوط الذين كانوا يمارسونها وأبوا الإقلاع عنها فأرسل عليهم صواعق من السماء أحرقتهم بما في ذلك زوجة لوط التي أبانت تعاطفا معهم وقيل هي التي أفشت لفومها خبر وجود الملائكة في ضيافة زوجها وكانت بذلك تقرهم على فسوقهم ، فأصابتها الصاعقة وهي ماضية خارج القرية مع زوجها وابنتيها . قال تعالي :" قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ"وقال : "وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ" .وقال تعالي : "وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ". ووصف ما نزل بهم قال الله تعالى: " فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ". وقال أيضا : " فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ".

ولذا فإن الصحابة الذين أفتوا في صدر الإسلام بإحراق اللواطيين رغم ما يبدو في الحكم من قسوة بالغة ووحشية لا أراهم إلا قد وفقوا في اجتهادهم قياسا على ما جاء في كتاب الله بما نزله الله بقوم لوط من عقاب. وذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصناً أو لا، ونصَّ عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

وقوم لوط هم "أهل سدوم" وقد أرسل الله إليهم لوط عليه السلام نبيا وهو إبن أخ النبي إبراهيم عليه السلام .وكانوا يعيشون في مكان البحر الميت المعروف الآن في الأردن. وذكر المؤرخون: أن أهل سدوم كانوا نحواً من (400) ألف، وأن لهم خمس قرى هي: صبغه، وعمره، وأدما، وصبويم، وبالع. والله أعلم. وحاول لوط أن يثنيهم عن سوء ما يفعلون فسخروا به ونقل الله عزوجل مما كان يقوله لهم قوله : "أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ".

بعض المذاهب اعتبرت حكم اللواط هو ذاته حكم الزنا ، وأنه يندرج ضمن الزنا ، بينما يتضح مما سبق أنه ليس من الزنا ، لأن الزنا وإن كان محرما إلا أنه يعد تصرفا غير مخالف للفطرة التي قطر الله عليها مخلوقاته، وإنما هو صنف أخر من المحرمات مخالف للفطرة و أسوء من الزنا. وأشد نكرا. ومن المنطقي أن تكون حُرْمَةُ الدُّبُرِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْفَرْجِ إِنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ أُمَّةً بِحُرْمَةِ الدُّبُرِ ، وَ لَمْ يُهْلِكْ أَحَداً بِحُرْمَةِ الْفَرْجِ.

وهؤلاء الذين سووا بين اللواط والزنا ، وخاصة بعض شيوخ الشيعة المعاصرين، أخرجوا منه اللواط بالزوجة وملك اليمين ، بل أحلوه مع الكراهة إذا تم مع الزوجة برضاها وحرموه إن تم بغير رضاها ، دون أن يعد في الحالتين من قبيل الزنا. وقد وصفت هذا الرأي في مكان آخر بأنه قول شيوخ طاعنين في السن حتى لم يعد أي منهم يعلم من بعد علم شيئا ولا يجب إتباع ما نتج عن خرفهم مهما كانت شهرتهم وصفتهم كآيات الله العظمي التي يضفيها عليهم أتباعهم . وليس في هذا طعن في الفقه الشيعي فهو مثل أي فقه يؤخذ منه ويرد. وفي هذه النقطة بالذات خالف علماء شيعة كبار ما نقل فيه عن الشيخين: الخميني والسيستاني. بينما يقول الفقه الشيعي بالنسبة للواط إذا تم بين ذكرين بالآتي: حد اللواط :

حد اللواط على الفاعل و المفعول القتل ، فيما لو دخل القضيبُ أو شيء منه في الدُبُر ، و كان كل من الفاعل و المفعول عاقلاً بالغاً مختاراً ، و لا فرق بين أن يكون كلاً منهما مُحْصَناً أو غير مُحْصَن ، أو مسلماً أو غير مسلم .وأن الحاكم مخيَّرٌ بين أن يضربه بالسيف ، أو يحرقه بالنار ، أو يلقيه من شاهق مكتوف اليدين و الرجلين ، أو يهدم عليه جداراً ، و له أيضاً أن يجمع عليه عقوبة الحرق و القتل ، أو الهدم و الإلقاء من شاهق .

إن الزوجة قد أحل الله وطأها في مكان معلوم ، وعقد زواجها المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله يجعل أي سلوك مخالف لكتاب الله وسنة رسوله خارج مقتضيات عقد الزواج الشرعي المبرم بينهما. والزوجة أمانة والتصرف معها بما لا يرضي الله ورسوله فيه خيانة للأمانة. وإتيانها في الدبر يماثل إتيان أي امرأة أجنبية أو ذكر شاذ ،ويجب بالتالي أن يأخذ حكمه. فإذا تم ذلك برضاها كانت شريكة في الإثم معه . وإن كانت مكرهة أو مجبرة على ذلك كانت تلك الحالة بمثابة اغتصاب لها لا يفترق عن اغتصاب إمرأة أجنبية طالما أن الجماع لم يتم في مكانه الطبيعي. ولا حد على المكره.

ومن شرور اللواط ما ينجم عنه من أمراض منها :

1- مرض السيدا. 2- التهاب الكبد الفيروسي .3- مرض الزهري .

4- مرض السيلان .5- مرض الهربس . 6- التهابات الشرج الجرثومية .

7- ثواليل الشرج .8- فيروس السايتو ميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج .9- المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي .

هذا مما يصيب من يقدم عليه في الدنيا وعذاب الآخرة أكبر. فقد رَوى أبو بكر الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جعفر بن محمد الصَّادق رضي الله عنه أنهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ جَامَعَ غلاما جَاءَ جُنُباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنَقِّيهِ مَاءُ الدُّنْيَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ جَهَنَّمَ وَ سَاءَتْ مَصِيراً " .ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ الذَّكَرَ لَيَرْكَبُ الذَّكَرَ فيهتزُ الْعَرْشُ لِذَلِكَ ، وَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْتَى فِي حَقَبِهِ فَيَحْبِسُهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلائِقِ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى جَهَنَّمَ فَيُعَذَّبُ بِطَبَقاتِهَا طَبقةً طَبَقةً حَتَّى يُرَدَّ إِلَى أَسْفَلِهَا وَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا " . ولا فرق بين دبر الذكر ودبر الأنثى. وما ينطبق على الذكر ينطبق على الأنثى.

فوزي منصور

No comments: