Thursday, March 13, 2008

ممارسات الأجهزة الأمنية العربية التي يكتوي بنارها الأبرياء

ممارسات الأجهزة الأمنية العربية التي يكتوي بنارها الأبرياء

عندما رحل الجنرال أوفقير 90 جزائريا وجزائرية من مدينة وجدة في أوائل الستينيات، كان رد فعل العقيد هواري بومدين (محمد بو خروبة) ترحيل 44 ألف مغربي ومغربية من الجزائر، وفرق في هذه العملية بين الزوج المغربي وزوجته الجزائرية وأولاده منها، أوالزوجة المغربية وزوجها الجزائري وأولادها منه . ودفع ألاف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من المغاربة والجزائريين ثمن حماقات العسكريين والأمنيين الذين لم يحققوا بفعالهم ألا إنسانية تلك أي منفعة لبلديهما. ولو افترضنا جدلا أن السلطات المغربية كانت قد قبلت عرض قيادات الثورة الجزائرية بتوحيد القطرين تحت تاج الملك محمد الخامس لكان المطرودين من البلدين يحملون جنسية واحدة وليس جنسيتين مختلفتين يستغلهما العسكر بعنصرية عمياء لتشتيت العائلات. ولما عاشر القطران أيضا طيلة هذه السنين في عداء ظاهر أو مستتر، ولما احتاجا لشراء الأسلحة عوض إنفاقها فيما يعود بالنفع على الناس، وما كان ثمة قضية اسمها الصحراء ولا بوليزاريو ولا ما شابه ذلك من قضايا ضاع فيها المال والأرواح والجهد والكرامة.

ولأن يعمل مواطن ما لحساب جهاز مخابرات تابع للدولة التي يحمل جنسيتها فليس ذلك بالأمر الذي يمكن أن يلام عليه، بل قد يكون ذلك دليل على حبه لبلده وإخلاصه لها طالما يخدم مصالحها العليا السياسية والاقتصادية وأمنها القومي بما يعود بالنفع والخير على جميع مواطنيها. ومعظم رؤساء الولايات المتحدة إن لم يكن كلهم، عملوا في مخابرات بلادهم أو تلقوا تدريبات فيها قبل أن يرشحوا أنفسهم للرئاسة.

عندما نقارن بين عمل أجهزة المخابرات العربية وأجهزة المخابرات الغربية خارج بلادها نجد الفرق شاسعا بينهما سواء في البنية التنظيمية أو في أهداف الخدمة ووسائلها.

فالمخابرات الغربية يعتمد في بينتها التنظيمية على أطر يتم أعدادهم وتدريبهم ولهم مواصفات خاصة ومهام محددة، ثم ترسلهم للخارج على هيئة مراسلي صحف أو إذاعات قد لا يكون لها وجود أصلا أو بالاتفاق معها ، أو على هيئة أعضاء في السلك الدبلوماسي أو رجال أعمال يقومون بفتح مكاتب للتصدير والاستيراد أو لتقديم الاستشارات أو لخدمات العلاقات العامة والسياحة وتزودهم برؤوس الأموال اللازمة لممارسة تلك الأنشطة. ومن حيث المهام يتم تخصيصهم بجمع المعلومات العسكرية أو الاقتصادية أو التقنية التي تحتاجها مؤسسات الدولة وشركات ومصانع الخواص لتحسين فرص التنافسية في الأسواق الدولية بتطوير تقنيات الإنتاج. أو مقاومة الأنشطة التجسسية لدول معادية لدولتهم.

أما بالنسبة للمخابرات العربية نلاحظ أنها عندما كانت تعمل تحت سلطة سياسية وطنية كان عملها قريب من عمل المخابرات الغربية، أما عندما استقلت عن السلطة السياسية وبدأت تكون لها سلطة فوق سلطة حكومة بلادها ، وتمارس السياسة بدون سياسة ، وبدون أهداف إستراتيجية واضحة لمصالح الدولة ومواطنيها واقتصادياتها لديها ، انحصرت أنشطتها في تجنيد مواطنين من المهاجرين في الخارج لكي يتجسس كل منهم على الأخر ، وليس لجمع معلومات اقتصادية أو عسكرية أو تقنية تستفيد به أوطانهم ، وتساهم فر ازدهارها . مستخدمة في ذالك وسائل الترهيب والترغيب ، بدعوى المحافظة على أمن الدولة الداخلي. بعض الأجهزة العربية إذا ما لم يقبل مواطنها العمل معها بعد أن يكتشف تفاهة اهتماماتها التي لا يري فيها أي نفع لصالح بلاده وتنميتها وتقدمها، أهملته وتركته لحاله . ولكن البعض الأخر إن رفض التعاون معها تربصت به ولفقت له التهم وأذاقته من ظلمها وجبروتها الكثير، إذا ما وقع في قبضتها .أو سلطت عليه من لا يرحم من أجهزة مخابرات أخرى، على شاكلتها ممن تتعامل معهم. وبعض الأجهزة الأمنية لا تستهدف مواطني دولتها في الخارج فقط، وإنما تستهدف مواطني الدول العربية الأخرى إن شكت بأنهم يعملون لحساب مخابرات بلادهم. وقد يسربون إليها ما تحرص على إخفائه عنها. فما يكون منها إلا القيام بطرد كل مواطنين ذلك البلد من أرضها. ولا تجرؤ أن تفعل ذلك مع الأوربيين.

هذا الإجراء الأخير هو الذي عمدت إليه مؤخرا الأجهزة الأمنية التونسية في حق العديد من المغاربة المقيمين في تونس. والذي كان منهم المواطن المغربي التطواني : مصطفي أولاد الراضي بوزكري حيث رفضت تلك الأجهزة منذ البداية عندما دخل تونس رفقة زوجته التونسية وابنتيه منها منحه تصريح إقامة . ثم قامت بسحب جواز سفره ومن بعدها اعتقاله وتعذيبه وترحيله بالطائرة على نفقته الخاصة . مفرقة بينه وبين زوجته التونسية وابنتيه: أسماء وآية. و لم تسمح له حتى بوداعهما. ويقول مصطفي بأن نفس الإجراء اتبعته تلك الأجهزة مع غيره من المغاربة . فمن استطاع تدبير ثمن التذكرة،رحلوه على أول طائرة متجهة إلى المغرب . ومن لم يستطع قادوه إلى الحدود الصحراوية مع ليبيا. ولم تتدخل السفارة المغربية في تونس لحماية مواطنيها .أ وعلى الأقل ضمان ترحيل زوجته وابنتيه اللتين تحملان الجنسية المغربية معه.

والسفارات العربية، وليس المغربية وحدها، تمتنع عن تقديم المساعدة بدعوى أنها لا تستطيع تحمل توتر علاقات محتمل مع دولة صديقة أو شقيقة بسبب حالات فردية. وهي أيضا لا تستطيع أن تتصرف بدون تعليمات يتطلب الحصول عليها إرسال خطاب في الحقيبة الدبلوماسية وانتظار رد يستغرق، إن جاء، من ثلاثة إلى أربعة أسابيع. هذا في زمن ثورة الاتصالات.

لقد كان مبرر طرد الأمنيين الفرنسيين لمصطفي بوزكري وسواه ، كما ينقل عنهم هو أن كل المغاربة جواسيس ويمارسون السحر. أو بلهجتهم : " كل المغاربة طحانة وسحاره " . بعد أن أشبعوا المغاربة ووطنهم ودينهم سبا. وهو ما يستشف منه:بأنه لابد أن يكون دين هؤلاء وأمثالهم، غير دين المغاربة الذي لم يسلم من فحشهم. و لا نحلم بالتأكيد أن يتم استدعاء السفير التونسي ومطالبته بإيضاحات، وإعلام الرأي العام الوطني بما تم.

بالنسبة لي ، وربما بالنسبة لكم جميعا ، أتمني أن يكون لي وطنا يحافظ على كرامة مواطنيه وحماية حقوقهم داخل بلادهم وخارجها ، وأن تغضب لأي ظلم يقع عليه أو انتهاك لحقوقه ، وخاصة لو حدث له ذلك وهو في دولة غربية مسلمة ، أو يفترض أنها كذلك. وإن تكون كرامة مواطنيها أهم من أي علاقات دبلوماسية واتفاقات مبرمة مع تلك الدولة يمكن تعويضها باتفاقات مع دول أفضل منها وأنفع، حتى ولو كانت دولا بوذية أو هندوسية. ولكن .. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

ربما السياسي العربي يخشي ،إن حاول الدفاع عن حق مواطن ،أن يجد من يقول له : امنع انتهاك حقوق الإنسان لمواطني بلدك في وطنهم ، ثم حاسبنا. . هذا إذا افترضنا أنه سيحاول . وأنه يملك دافعا وطنيا أو أخلاقيا ليفعل ما يفعله السياسيون في الدول الغربية. و الذين يمكن أن يقيموا الدنيا من أجل مواطن أو مواطنة لهم ، ولا يهدؤون حتى يتم تعويضه عما أصابه من ضرر..

. فوزي منصور

No comments: