Wednesday, March 5, 2008

الأسرة تحقق مقاصد الشريعة

الأسرة والحياة االزوجية:

الأسرة تحقق مقاصد الشريعة

اتفق الأصوليون منذ العز بن عبد السلام ثم ألشاطبي علي أن مقاصد الشريعة خمس هي: حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل وإن كنت أقترح أن يزاد عليها حفظ الأمانة والإحسان والعدل والتراحم والكرامة الانسانية ووحدة الأمة والإمامة.. سأبدأ أولا بالمقاصد المتفق عليها ثم أضيف المقاصد التي أقترحها لكي أثبت أن مقاصد الأسرة والمعاشرة الشبقية فيها هي بذاتها مما يدخل ضمن مقاصد الشريعة أو تحققها بكاملها أو يجب أن تكون كذلك . واذا كانت الشريعة والاسرة لهما نفس المقاصد فان هذا يكفي للدلالة على ضرورة دمجهما معا وعدم امكانية الفصل بينهما. واذا ما أخذنا بفلسفة الأسرة في جانبها السياسي واعتبرنا بالتالي أن الدولة أسرة كبيرة، لوجدنا أن حاجة الدولة للشريعة أكبر من حاجة الشريعة للدولة ، بل ربما لاتحتاج الشريعة للدولة كبيرة أو صغيرة. وبإمكانها أن تحيا بدونها ، أما الدولة فلا يستقيم حالها وحال أهلها بدون أن يكون لها شريعة وكذلك الحياة الأسرية والعلاقة الزوجية بين زوجين مؤمنين يتقيان اللـــــه تحتاج بدورها الى شرعة وقد أنزل الله في كتابه ما ينظم هذه العلاقة ويكون بمثابة شرعتها.وكل

ما تحتويه حياتهما وما تتضمنه من قيم ومعاملات والتزام بشرعة الله ، هي صورة مصغرة لمجتمع الإيمان والمؤمنين.وبتعدد مثل هذه الأسرة في المجتمع المسلم تتم المحافظة علي الدين ، وبانعدامها يتلاشي الدين . وهي لا تحقق المحافظة علي الدين فقط وإنما تحقق الدين ذاته على أرض الواقع وعلى نحو علني وملموس . وبحيث لا يظل الدين حبيس الكتب ، سواء كانت الكتب هي القرآن الكريم الذي يحفظ كلام الله ورسالة نبيه إلى العالمين أو كانت كتب السنة المشرفة أو ما سطره الفقهاء والمهتمون بأمور دينهم وبالمعرفة الدينية من بحوث. من هنا تبرز أهمية الأسرة المتدينة التقية علي مستوى الاعتقاد وعلي مستوى الاجتماع وعلي مستوى المعرفة الشاملة وعلى مستوى السياســــة وعلى مستوى التقدم الحضاري. وتكون جديرة بالنظر اليها كصورة مصغرة لدولة المسلمين ، وجديرة بأن يتم بناء الدولة على أساسها ، ووفق الفلسفة المستقاة منهـــا .

. الدولة المسلمة الموحدة التي لا تعرف التجزئة والتشرذم والتشتت والفردانية وتختفي فيها نوازع الأثرة والأنانية لصالح الإيثار والإحسان وتندمج فيها الأنا الفردية في الجماعية أو الغيرية .فيكون للجماعة" أنا "جماعية واحدة تحدد هويتها وماهيتها. وتتحدد مهمة الدولة المسلمة تبعا لذلك بتحقيق ما هو ممكن من رخاء وأمن ومتع حلال لكل الأسر المسلمة التي تتكون منها، وتحقيق آمال هذه الأسر المشروعة في مستقبل واضحة صورته لها إلى حد ما .

إن الاستيعاب الكامل والشامل لمفهوم الأسرة والعلاقات الزوجية هو الذي يمكن أن نهتدي به إلى تحديد ما يمكن تسميته بفلسفة الأسرة التي يمكن أن نبني علي أساسها دولة قوية ناجحة سياسيا واقتصاديا. و إذا تبين لنا أن الأسرة تحقق مقاصد الشريعة فإن هذا يعني بأن أي دولة للمسلمين تتخذ من فلسفة الأسرة منطلقا لإعادة البناء والإصلاح السياسي والاقتصادي ستكون الدولة الأكثر قدرة على تحقيق مقاصد الشريعة .

وفي بحث العلاقات الزوجية أعطيت اهتماما كبيرا للعلاقات الخاصة والحميمية المرتبطة بالغريزة الشبقية ، ليس لأنه موضوع يتم التهيب من معالجته بدافع من الحياء ويحتاج إلى من يتناوله بجرأة ، طالما كان ذلك مفيدا ، وإنما لأن مقاصد الشريعة تتحقق في الزواج ضمن هذه العلاقة الغريزية التي مازالت مغلفة بغموض لا يظهر قيمتها.

وهنا تجدر الإشارة بان الإسلام لا يعترف باكتمال الزواج ما لم يتم فيه النكاح ، أي تلك العلاقة الخاصة الحيوية والمعبر عنها أيضا بالجماع. فلا ينتج عقد الزواج كافة آثاره مثل حق الزوجة في كامل المهر أو في النفقة أو في الميراث ما لم يتم النكاح أي دخول الزوج بزوجته. والمرأة المطلقة ثلاثا لا يحل لها الرجوع إلى من طلقها مرة أخرى إلا بعد أن يتزوجها غيره ويدخل بها ويطلقها ، فإن عقد عليها ولم يدخل بها ، لم تحل لزوجها الأول.

وفي جماع الزوجين حفظ لكافة مقاصد الشريعة وتحقيق لتلك المقاصد أيضا رغم تنوعها . فهو يحافظ على الدين والنفس والعقل والنسل والمال والأمانة والإحسان والعدل والتراحم والكرامة

ووحدة الأمة التي الأسرة أصغر مكوناتها ووحدة الإمامة حيث لا تلتزم الأسرة المسلمة بغير كتاب الله وسنة رسوله التي تأسست عليهما..ولكي تكون هذه الفكرة واضحة فإن المرأة العاهرة بالمقابل ، التي تقضي وطرها خارج نطاق الأسرة والزواج ،لا يمكنها أن تحافظ على أي من مقاصد الشريعة سالفة الذكر. بل هي تخسرها جميعها. والجماع وإن كان من ضروريات الحياة الزوجية إلا أن جزء منها ، ولا يعبر الجزء عن الكل ، ولكن إذا كان في الكل جزء يحقق مقاصد الشريعة أمكن اعتبار الكل يحققها.

ولأهمية إدراك ذلك ، أفردت للموضوع هذا البحث المستقل ،آملا من الله تعالي أن يوفقني فيه.

أولا : المقـــــــــــــاصد الخمس المتفق عليها:

1 – المحافظة علي الدين:

طالما أن الزواج هو نصف الدين – كما وصفه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم – فمن البديهي أن تكون المحافظة عليه محافظة على نصف الدين . وإذا كان على الزوجين أن يتقيا الله في النصف الآخر ، يكونان قد حافــظا بذلك علي النصف الآخـــر أيضــا . بينما غير المتزوجين لا يمكنهــما المحافظة علي النصف ولا على الكل، لأن في الزواج إحصـان ، وغير المتزوجين يفتقــرون إلى هذا الإحصان ، وبالتالي أكثر عرضة للزلل.

إذن.. العشرة الزوجية بين زوج مؤمن تقي وزوجة مؤمنة تقية يحققان مقاصد الشريعة فيما يتعلق بالمحافظة على الدين.

2- المحافظة على النفس :

المحافظة على النفس لها محوران ، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. أولهما: المحافظة على بقاء النفس وحياتها ، وثانيهما : تزكية النفس وبعث خيريتها . لأن النفس التي تفتقر إلى التزكية و الخيرية هي نفس موتها أفضل من حياتها. بل هي وإن كانت حية فسيولوجيا تعد ميتة وجوديا ، ويتضح ذلك من قوله تعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" فبالاستجابة لما دعا إليه الله ورسوله فقط تتحقق الحياة الحقة في الدنيا ، وبغير ذلك ، تكون حياة الخارج عن طاعة الله ورسوله من قبيل العدم. والمسلم وإن بلغ مرتبة الإيمان يظل في حكم الميت ما لم يتجاوزها إلى مرتبة الإحسان. حيث بالإحسان فقط تتحقق حياة المؤمن بمعناها الوجودي أو الأنطولوجي. المؤمن في المجتمع المسلم هو موجود داخل المجتمع ولكنه لم ينوجد فيه بتعبير" هيدجر" ما لم فاعلا فيه ، يتفاعل معه، وينفعل به ، ويؤثر فيه ويتأثر به. أي بالمعني الديني : محسن فيه ويعمل الصالحات.

على مستوى حفظ الحياة : فإن الأسرة منبع تجدد الحياة ، بما ينتج عن العلاقة الشبقية بين الزوجين من نسل حي يضيف إلى الأحياء أحياءا جددا.فهي إذن صانعة للحياة بإذن الله ، أو أداة لصنع الله لها ، وهي حافظة لها بحفظها لبقاء النوع البشري.

والعلاقة الشبقية بين زوجين سليمين من الأمراض الوراثية يحافظان أيضا على لحياة بطرائق شتي . فالأمراض التي لها علاقة بالشبق مثل : الزهري والسيلان وأخيرا السيدا ، والتي تسبب هلاك النفس والنسل، تنتشر خارج نطاق المحصنين الأتقياء الذين حصنوا أنفسهم منها بالزواج والتقوى .

واهتمام المجتمع بتزويج الشباب من الذكور والإناث ونشر القيم الدينية الفاضلة بينهم ، ينهي ظاهرة البغاء والشذوذ ، وما يترتب عليهما من مفاسد ومآس لا حد لها ولا حصر ، لا تقف عند حد انتشار الأمراض القاتلة بينهم فقط.

وتحصين البالغين الشباب بالزواج لا يقتصر على تحصين أجسادهم فقط ، وإنما هو أيضا بداية أو مناخ ضروري لتحصين أنفسهم أيضا ووضعها على أول طريق للتزكية.وإن أهم ما أتغياه من كتابة هذا البحث هو تمكين الشباب من بلوغ هذه التزكية ، وذلك بتقديم معرفة أفضل بالحياة الزوجية والعلاقات الحسني بين الزوجين بما يحقق تزكية نفوسهما وصفائها وتفعيلها وبمعني أخر إحيائها. وما أستعين به من نصوص فيها أحيانا قدرا من الإثارة ، مما قد يحتسب ضمن المجون ، استهدف منه تنبيه النفوس لكي تظل متنبهة يقظة ومستعدة لمتابعة طلب و تحصيل هذه المعرفة والتأمل فيها بعمق واهتمام ، دون كلل أو ملل أو إعياء . وأن تتعامل معها أيضا بعين ناقدة ، فتأخذ منها أحسنها ، مما اقتنعت بجدواه وفائدته ، وتنبذ منها ما ترى أنها ليست في حاجة إليه ، أو سيق على نحو غير مقنع ، أو لا يضيف شيئا إليها ذا قيمة. وفي نهاية الأمر يذهب الزبد جفاء ويبقي الطيب في الأرض ، وقد يقتضي علاج السم بالسم ، فكما يقول أحمد شوقي :

وبعض السم ترياق لبعض وقد يشفي العضال من العضال

خلاصة القول هنا أن العلاقة الزوجية هي مصدر الحياة لدورها في التكاثر الإنساني وفي المحافظة عليها ، و تحمي النفس وتحافظ عليها وتقيها من الشرور أيضا ، وإن لم تكن كافية و حدها لأداء هذا الدور في تزكية النفس ، إلا أنه لاغني عنها فيه.

3- المحافظة على العقل :

إن الحياة الزوجية الطيبة التي يتغلب فيها الزوجان على ما يصادفهما من مشاكل بدافع من محبة كل منهما للآخر ، وحرصهما على علاقة طيبة بينهما تسودها المودة والرحمة والاحترام والتقدير المتبادل ، يترتب عليها حماية صحتهما النفسية والعقلية. حيث كل من الصحتين النفسية والعقلية يرتبطان معا ،بحيث تتوقف كل منهما على الأخرى. ونتيجة لهذا الارتباط بينهما ، فإن المحافظة على الصحة النفسية هو محافظة على سلامة العقل ،. وإشباع الغريزة الشبقية في إطار الشرع والعرف الذي يتيحه الزواج يدعم أيضا المحافظة على الصحة النفسية والعقلية والبدنية.

وكالما أن المحافظة على العقل من مقاصد الشريعة ، والزواج يحافظ على العقل ، فهو يحقق مقصد الشريعة في هذا الشأن أيضا.

والارتباط القوي بين النفس والعقل ، يجعل تزكية النفس أحد الضمانات الهامة لصيانة العقــــــل.

الا أن المحافظة على العقل من أن تصيبه الآفات النفسية ، وتتسبب في اختلاله ، ليس هو المقصود فقط بالمحافظة عليه. فكما قال الأقدمون هناك العقل المنفعل والعقل الفعال ، والعقل المنفعل استهجنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشهير : ' لا يكن أحدكم إمعة ، إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم." . أي أن العقل المنفعل هو عقل الإمعة ، العقل التابع لغيرة ، سواء كان هذا الغير من السلف أم من الخلف ممن يعاشره ويأخذ عنه المعرفة . أما العقل الفعال فهو العقل المفكر ، المدبر ، المبدع والمنتج للمعرفة. ولذا قلت بحق الأسرة في التعليم والحصول على المعرفة الصحيحة ، والعملية منها خاصة ، التي تظهر فاعليتها وجدواها في تحسين الحياة العائلية ، وتجمل بذلك في ذاتها ، بمجرد استعمالها، البرهنة على صحتها ومصداقيتها ، وتنقل الأسرة أيضا من العقل المنفعل الي العقل الفعال ، فلا تعد مجرد مستهلكة للمعرفة وإنما منتجة أيضا لها بما اكتسبته من خبرات واختبرت فاعليته.

عندما تتمتع الأسر لدينا بحقها في المغرفة وتجسد معني العقل الفعال وتلعب دورها الحيوي في الإنتاج وبناء الثروة والانخراط بفاعلية في ثورة ثقافية واقتصادية واجتماعية تنقل المجتمع من حال إلى حال وتحرره من ربقة التخلف والمظالم المسلطة عليه ، تكون الأسرة حينها قد نجحت في تحقيق المحافظة على العقل الفعال ويكون ذلك أيضا من مقاصدها المتفقة مع مقاصد الشريعة.

4- المحافظة على المال :

الأسرة التي تمتلك العقل الفعال هي التي تصنع الثروة المادية وتحافظ عليها وتحسن استعمالها. لأن أيجاد المال وتكاثره سيكون من نتاج كدها وما بذلته من جهودها. ولا يبدد المال ويسيء استعماله ،إلا من حصل عليه دون كد أو تعب أو يجهل كيفية المحافظة عليه واستثماره فيما يعود عليه وعلى أسرته وذوي رحمه خاصة ، والمجتمع كافة بالنفع..وتنمية الثروات بالنسبة للدول التي تعرف حاليا بالغنية ، باستثناء دول البترول التي تحصل على المال كريع لاستخراج النفط من أراضيها، دون أن تنتجه ودون أن تحسن استعماله، تنمية الثروات في الدول الغنية ذات الاقتصاد الإنتاجي وليس ألريعي أو ألخراجي أو الذي يعتمد على النهب ، كان أساسه ومنطلقـــه في بداياته ما تم ويتم جمعه من مدخرات الأسر التي يتم استثمارها في الشركات المساهمة . وكلما زادت مدخرات الأسر الموجهة للاستثمار كلما ارتفعت نسبة النمو الاقتصادي ، وزاد الاقتصاد قوة ومتانة وتعززت ثروة المجتمع ، وأمكن وصف المجتمع بالغني أو دولته الممثلة له بالدولة الغنية.

الرجل الأعزب أو المرأة غير المتزوجة وذات مال أو دخل ، ينفقان مواردهما المالية كلها في الغالب على الاستهلاك الشخصي. ونادرا ما يلجآن إلى الادخار الموجه للاستثمار. والرجل الأعزب الذي كان ينفق موارده المالية على نفسه ولا تكاد تكفيه سنجده بعد الزواج ينفق نفس الموارد على نفسه وزوجه وما يرزقهما الله من أولاد ، دون أن تتأثر بذلك احتياجاته الضرورية بل قد تتحسن تغذيته وبالتالي صحته عن ما كان عليه وهو أعزب. وعندما تتحسن مواردهما ، وكان كل من الزوجين حكيما ومعتدلا، سنجدهما يتجهان الى الادخار والى استثمار ينفع الأسرة في المستقبل. وعندما نجد الزوجة تقتطع جزءا صغير من مصروف البيت ، ولو بدون علم الزوج، وتدخر ما يتحقق من تراكم له للزمن ، فإنها بذلك تحافظ على مال الأسرة من التبديد. في أي من هذه الحالات فإن الأسرة الناتجة عن الزواج هي أفضل إطار اجتماعي للمحافظة على المال . وحفظ المال يدخل ضمن مقاصدها ، وهو أيضا من مقاصد الشريعة ، إذن تحقق الرابطة الزوجية أحد مقاصد الشريعة.

إن إعادة بناء الاقتصاد الوطني المدمر أو المتهالك حاليا ، لا يعد جلب الاستثمارات الأجنبية هو الحل الأمثل لها ، حيث الأجانب يأخذون أكثر مما يعطون، وإنما الأفضل له أن يتم بتجميع المدخرات الوطنية للأسر ضمن نظام اقتصادي يتيح لهذه الأسر المدخرة والمستثمرة لها دور في إدارة استثماراتها وضمان أمنها وجني ثمارها ، وعن طريق شبكات أفقية للتنمية تجمعها معا وتعمل لصالحا ، وفي معزل عن تدخلات أجهزة الدولة وسلطاتها وتسلطاتها.

5- المحافظة على النسل والعرض :

المحافظة على النسل هو أخر المقاصد الخمس التي أجمع عليها الأصوليون منذ قرون ، ومنذ جمعها ألشاطبي

عمن سبقوه وأوردها في كتابه : " الموافقات " وجاء من بعده من حاول أن يضيف إليها المحافظة على العرض ، بينما اعتبر البعض أن المحافظة على العرض يمكن أن يدخل ضمن المحافظة على النسل دون أن يعتبر مقصدا مستقلا سادسا.

الأسرة هي التي تنتج النسل المقبول اجتماعيا منذ ظهرت الأسرة في التاريخ قبل آلاف السنين ،

واللقطاء أو أطفال العلاقات غير الشرعية ، هو استثناء عن القاعدة ، وشذوذ فيها لا يعتد به . وهي الأكثر اهتماما بالمحافظة على النسل . والمحافظة على النسل فيها تحفزها غريزة الأم الفطرية ، واهتمام الأب لأي يكون له ذرية لأسباب شتي ، ثم عنايته بذريته التي تتحول عنده إلى غريزة مكتسبة بمرور الوقت تجعله يرتبط عاطفيا بالطفولة ومن في عمر أولاده من نسل غيره.

والبديل في الواقع عن الأسرة هو العلاقات غير الشرعية ، والتي غالبا ما يتم فيها تفادي الإنجاب وإن حدث ، كانت نتيجته في الغالب أيضا لقطاء يتم التخلي عنهم ، ولا يجدون من يحافظ عليهم محافظة الأسرة على أولادها . هذا إن لم يتعرضوا للموت على إثر ولادتهم بسبب الإهمال أو غيره.

إنتاج النسل إذن والمحافظة عليه من أهداف العلاقات الزوجية الشرعية مثلما هو أيضا من أهداف الشريعة المنظمة لتلك العلاقات . بل يمكن القول بأن تنفيذ هذا المقصد من مقاصد الشريعة لا يتم إلا عبر العلاقات الزوجية.

نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للمحافظة على العرض . حيث التحصين بالزواج ما هو غير محافظة على العرض في حقيقة أمره ، عرض المرأة وعرض الرجل وعرض أسرتيهما. ولذا يعبر عادة في الأوساط الشعبية عن زواج البنت بأنه ستر لها ، والمقصود بالكلمة هو حفظ عرضها.

المقاصد الشرعية الست التي اقترحت إضافتها:

6- المحافظة على الأمانة :

في المبحث الذي كتبته عن الأمانة ( أنظر مدونة : nawaris.blogspot.com ) انتهيت فيه إلى أن الأمانة هي ميثاق النبيين الذى ألزموا به من تبعهم ، والأمة الإسلامية تعد الأمة الوارثة لميراث جميع الأنبياء وبالتالي حاملة لأماناتهم. وقلت إن المحافظة على الأمانة هي محافظة على جميع مقاصد الشريعة وهي لذلك تعد أم المقاصد ومجمعها وتستحق أن يكون لها أولوية تبعا لذلك على جميع المقاصد الكلية الخمس التي قال بها الأصوليون .بل يغني مفهومها عن ذكر كل تلك المقاصد . إلا ذكر المقاصد الأخري يظل مطلوبا كتفصيل لمجمل يوضحه ويكشف عنه. أي تفصيل كاشف لما يحتويه مفهوم الأمانة .

وإذ أثبت فيما سبق بأن مقاصد الأسرة هي بذاتها مقاصد الشريعة الخمس التي قال بها الأصوليون ، فإذا كنت قد أثبت أن الأمانة في مبحثها سالف الإشارة اليه بأنها تجمع كل هذه

المقاصد في مقصد واحد ، تكون المحافظة على الأمانة من مقاصد الأسرة والزواج أيضا ، وتستهدف الأسرة تحقيقها في الواقع المعاش ،مثلما هي في نفس الوقت من مقاصد الشريعة

الكلية. وقد اعتبر الكثير من الفقهاء بأن الفرج بالنسبة للرجل والمرأة أمانة تلتزم المحافظة عليها بحيث لاتستخدم في غير ما أحل الله وشرع. والزواج وجده هو الذي يتيح لهما حفظ الفرج أو الأمانة على هذا النحو . وعقد الزواج اعتبره الله ميثاقا غليظا ، وحفظه والالتزام به حفظ للأمانة ، والتفريط فيه تفريط في الأمانة.

والزوجة مؤتمنة على دار ومال وعرض زوجها , وحفظ ذلك كله منها هو حفظ لأمانات . بالطبع ما أعنيه هنا بالزواج الملتزم بشرع الله ، أي بالأساس الذي بني عليه في بدء أمره .

7- المحافظة على الإحسان:

أدرجت ضمن المقاصد الإضافية التي تستحق أن تضاف إلى المقاصد الخمس التي قال بها الفقهاء ، مقصد المحافظة على الإحسان. ويأتي ذلك من أنه مأمور به مع العدل في قوله تعالي : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي ...." وإذا كان الإحسان هو العمل الصالح والمتقن ، فمن ما هو مجمع عليه بأن الزواج الملتزم بشرع الله هو عمل صالح ، أما عن توفر الإتقان فيه ، فهو أمر نسبي بتوقف على مدى ما حصله الزوجان من معرفة صحيحة بكل ما يتعلق به . أو بسبب معرفة مشوشة ، فإن استكمال المعرفة أو تخليصها من غيوبها وردها الى أصلها مبرأة من كل عيب ، يحقق الإتقان المطلوب في إطار الإحسان. مع ملاحظة أن لفظ الإحسان كمصطلح في اللغة العربية له مفهوم ديني متشعب الدلالات ، لا يوجد له مرادف في اللغة الانجليزية . وإنما تتم ترجمته في الانجليزية بلفظ يدل فيها على الروحانية أو بلفظ يدل فيها على الصدقة . بينما دلالات اللفظ الدينية تضم أمورا كثيرة جدا يكاد يصعب حصرها ، وكلها تعد من ضروب الإحسان. ويمكن أن تتم هذه الأمور أو التصرفات التي تدخل ضمن الإحسان من خلال الحياة الزوجية الطيبة الملتزمة بشرع الله . وأقرب مثال لذلك صلة الرحم .التي هي من الإحسان بمكانة عظيمة وهي تنشأ بالزواج وتتدعم به أيضا وأحيانا على حسابه . بل إن الأسرة هي المدرسة الأولي التي يتم فيها تعلم الإحسان بكل صوره ومعانيه. وانطلاقا من الإحسان في الأسرة يمكن أن يعم الإحسان المجتمع كله. يقول محمد عابد الجابري : " لابد من تحويل القبيلة إلى تنظيم مدني سياسي واجتماعي ، وتحويل الغنيمة إلي اقتصاد ضريبة ، وتحويل الريع إلى إنتاج .ولابد من تحويل العقيدة إلى مجرد رأي ، أي التحرر من عقل الطائفة وعقل الدوغما دينيا كان أو علمانيا والتعامل بعقد اجتهادي نقدي..." فإذا استبدلنا لفظ " القبيلة" بلفظ "الأسرة" وتركنا النص كما هو ، كان هذا متفق مع ما أقول به هنا. إذ أن القبيلة تفككت منذ زمن طويل ولم يتبق منها بعد رحيل أفرادها إلى المدن سوى هوامش متآكلة في البوادي البعيدة لا يعتد بها. وإذا كانت قد بقيت في بعض الدول الأفريقية فقد اختفت من بلد كمصر منذ قرون وحلت محلها العائلات والأسر . ألأسرة هي ما تبقي حاليا من التنظيمات الاجتماعية القديمة وتعميم تنظيمها وقيمها وفلسفتها على المجتمع كله هو الذي يمكننا من الحصول على دولة الإحسان المفتقدة حاليا ، الإحسان في التكافل والعمل الجماعي ، الإحسان في السياسة ، الإحسان في الاقتصاد ، الإحسان في التعليم وفي الصحة وفي الأمن وفي القضاء والثقافة والفنون....وفي كافة مجالات الحياة. وستتحول عندئذ دولة الإحسان من حلم خياليا أو طوبائيا إلى واقع معاش.

الأسرة الطيبة هي نموذج لمجتمع الإحسان الذي يحل فيه الإيثار محل الأثرة ، ويتم فيه التخلي عن الأنا الفردية لصالح الأنا الجماعية.

8- المحافظة على العدل :

سؤل الأستاذ أحمد الريسوني ، وهو عالم أصولي مغربي فاضل وجليل، عما إذا كان الإسلام دين الوسطية ، كما هو سائد في خطاب رفاقه في الحركة الدعوية التي يعد فيها من أهم مؤسسيها ، وحتى لا يغضب الرفاق إن خالفهم، ويخون الأمانة العلمية إن وافقهم، أجاب بما يمكن تسميته بإجابة دبلوماسية : " إذا كانت الوسطية هي الاعتدال والعدل ، كان الإسلام بهذا المعني دين الوسطية " وتبعا لهذا المنطق فإنه أذا ما كانت الوسطية لا تعبر عن معاني الاعتدال والعدل ، تكون لا علاقة لها بالإسلام ولا يكون الإسلام دين وسطية.

ليس هنا مجال نقض مقولة الوسطية وإثبات أنها مقولة خاطئة إن وصف الإسلام بها ، وبيان أن الإسلام يبدأ من الوسطية ولا ينتهي إليها وهو بهذا دين ما بعد الوسطية ، وهذا من علو شأنه وعظمته . ولكننا سنقف عند القول بأن الإسلام دين الاعتدال والعدل ، كما وصفه الأستاذ أحمد الريسوني ، ويتفق معه في هذا الوصف كل الأصوليين. والاعتدال هنا مقترن بالعدل ولا يمكن فصله عنه . بل يمكن القول أيضا أن العدل هو اعتدال في الحكم وأن الاعتدال هو موقف عادل.وعدالة الاعتدال تقتضي تجاوز الوسطية في أغلب الأحوال. ويمكن القول أيضا بأن العدل وإن كان يتضمن الاعتدال فإن دلالة الاعتدال وحده لا تحيل إلى العدل ، أذا يمكن القول بأن الإسلام دين العدل . وطالما الإسلام بهذه الصفة المتفق عليه بإجماع المسلمين ، يكون العدل من مقاصده. ويكون الاعتدال ثاويا فيه. لأن النفس لا تبلغ العدل إلا بعد أن تكون معتدلة لا يجرفها الهوى ولا تنحاز إلى جانب دون أخر حتى يتبين لها وجه الحق ، وعندما تنحاز إلى الحق أو تستقر عليه ، هنا يمكن وصفها بأنها عادلة . بمعنى أن الاعتدال هو السبيل إلى العدل والعدل هو بلوغ الحق والتزامه.

ولكن أليس في حفظ الدين حفظ للعدل أيضا ، وحفظ الدين من مقاصد الشريعة وبالتالي يغني ذلك عن القول بأن العدل من مقاصد الشريعة ؟ .. نعم حفظ الدين يقتضي حفظ العدل ولكن لم يعد بالإمكان القول بأنه يغني عن أن العدل أيضا من مقاصد الشريعة الكلية. وقد سبق لي أن بينت بأن الأمانة هي أم المقاصد ، وأن باقي المقاصد تتفرغ منها.

لماذا لم يعد ذلك بالإمكان القول به ، أو أن القول به أرجح وأكثر تبيينا وأقوم سبيلا؟ .

لقد مر على المسلمين حين من الدهر أفتي فيه فقهاء بضرورة طاعة الحاكم وإن كان مستبدا وظالما وحاز السلطة غصبا وقهرا، اتقاء لشر الفتنة التي قد تنجم عن عصيانه. وضعوا شرطا واحدا واقفا لهذا الوجوب هو عدم إقامة الحاكم للدين . هنا فقط يجوز الجهر بعصيانه. وكانت إقامة الدين في رأيهم أو غرفهم تتمثل في ترك الناس يمارسون المناسك من صلاة وصيام وزكاة وحج لبيت الله لمن استطاع إليه سبيلا دون أن يمنعهم من ذلك ،و أن يعمل على حماية التراب الوطني من أطماع غير المسلمين فيه . هؤلاء الفقهاء الذين يوصفون بالأئمة ويتبعهم السلفيون إلى يومنا هذا ، كلهم أو بعضهم ، فصلوا العدل عن الدين ، بينما العدل جزء لا يتجزأ منه لدواع اقتضتها ظروف زمانهم . وغفل من واصل القول بما قالوا به في سالف الزمان ، أن لكل زمان أحكامه وضروراته ، كما أن أئمتهم هؤلاء بشر يخطى ويصيب وليسوا أنبياء يتنزل عليهم وحي أو عصمهم الله عن الخطأ في أمور الدين. من هنا وجبت ضرورة التأكيد على أن العدل من مقاصد الشريعة ، ومن مقومات الدين ، لكي تعود للدين وحدته ولحمته وكماله ، على النحو الذي ارتضاه الله للمسلمين عندما قال : " اليوم أكملت لكم ديــنكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينــــا". وليس كما ارتضاه لهم بعض الفقهاء في سالف الأزمنة أو حاضرها.

وإذا كنت قد بينت بأن الإحسان من مقاصد الشريعة فإن العدل والإحسان مطلب واحد في حقيقتهما الدينية ، ولا ينفصل أيهما عن الأخر. قال تعالي : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذوى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون " فبدأت الآية بالأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذوي القربى وهو من الإحسان ، وانتهت بالنهي عما يتناقض مع الإحسان من فحشاء ومنكر، وما يتنافي مع مطلب العدل وهو البغي.

ومن الآية عندما نجد أن الأمر بالعدل سابق الأمر بالإحسان فإن ذلك يوضح لنا أن الأمر هنا هو أمر لنا بالعدل والإحسان في العدل أيضا. وأمر أيضا بالإحسان عامة إلى جانب العدل حيث جاء بعد عمومية الإحسان تخصيص إيتاء ذوى القربي وهو من صلب الإحسان. وهنا تتضح عظمة البيان القرآني وإعجازه التي تستدعي الكثير من التأمل والتفكير العقلي والانفتاح القلبي لاستيعاب جكمة البيان وفهم ألفاظه ودلالاتها ومراميها . هنا أيضا وحدة القيم الدينية وتداخلها معا تداخل النسيج الواحد بحيث لا يمكن الحديث عن واحدة من تلك القيم أو المبادئ فمعزل عن الأخرى وإنما يجب أن يتم ذلك في وحدة بنائية.

في الإسلام تبدأ العلاقة الزوجية الشرعية باتفاق أو عقد بين زوجين مؤسس على كتاب الله وسنة رسوله . ولما كان الدين هو جماع ما في الكتاب والسنة . فإن الزوجين ملتزمان بموجب عقد زواجهما بإخضاع زواجهما لدينهما، وبالتالي المحافظة على الدين على نحو ما سبق بيانه . وفي المحافظة على الدين محافظة أيضا على العدل ، والعدل من مقاصد الشريعة ، إذن ، العلاقة الزوجية تحافظ على مقاصد الشريعة ومنها العدل. بالطبع كل ذلك مرتبط بالعلاقة الزوجية الطيبة والتي تكتسب طيبوبتها من المحافظة على الدين وكافة مقاصد الشريعة.وإذا أخذنا بالمقولة الذائعة الصيت : " العدل أساس الملك" وأن الأسرة مملكة صغيرة ، فإن العدل أيضا هو أساس الأسرة والعلاقات بين الزوجين ، فإن حافظ أفراد الأسرة على العدل ، صمدت الأسرة أمام كل ما يمكن أو يواجهها من تحديات أو مشاكل ومتاعب وعاديات الزمن ، أما إن فرط الزوجان في العدل ، وأهدرا قيمته فقدت الأسرة مناعتها وقدرتها على الصمود وتهيأت للانهيار والتفكك.

يقول الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). كما يقول سبحانه: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا تناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

ويرتبط العدل أيضا بعلاقة جدلية مع الحق . حيث الحصول على الحق عدل والحرمان منه ظلم.ومن حق كل ذكر وأنثي الزواج . وبالتالي فإن حصول الفتاة على زوج وحصول الرجل على زوجة هو عذل . وهكذا يكون مجرد عقد الزواج تحقيقا للعدل. وحيث أن الزواج لا يكتمل بغير المعاشرة الشبقية ،وحرمان الزوج زوجته أو الزوجة زوجها من تلك المعاشرة هي حرمان من كل منهما للآخر من حقه المشروع وبالتالي هو ظلم له، وبالتالي فإن معاشرة كل منهما للأخر تعد ممارسة للعدل ، ويعد من مقاصد الزواج على هذا الأساس هو تحقيق العدل للزوجين.

9- حفظ التراحم :

لقد خلق الله الزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة وهذه من آياته ، قال تعالى : ". قال تعالي : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".وبث من الزوجين رجالا ونساء كثيرا. ومن ذرية الزوجين تتكون شعوب وقبائل تتعارف . وأكرم كل ذلك ، من بينهم ،هو أتقاهم . قال الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء" (سورة النساء، آية 1) وقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (سورةالحجرات، آية 13).

والزواج الذي لا تتحقق فيه المودة والرحمة هو زواج شاذ وفاشل أيضا ، لأنه مناقض للفطرة ومخالف للدين الذى تمت على أحكامه عقدة الزواج. والتراحم هو التعامل بمقتضى الرحمة.والتراحم بين الزوجين هو رحمة متبادلة بينهما. وهي تمتاز عن أي تراحم أخر بأنها مقترنة بالمودة أي بالمحبة. حيث يمكن للإنسان أن يصل دوى رحمه أو يرحم حيوان دون أن يعني ذلك أنه يحب من أحسن إليه . فقد يكون من أحسن إليه فظ أو سيء الخلق أو المعاملة أو السلوك مما يحول دون محبة القلب له ، ولكن يتم الإحسان إليه حبا في الله وطاعة له.وإنفاذا لما أمر به من تراحم مع ذوى الأرحام والقربى. أو يتم الإحسان إليه لأن الله أودع في قلب المحسن الرحمة أو صدوعا لما يقتضيه الواجب الإنساني أو العرف أو تطبيقا لقانون يعاقب على عدم تقديم العون لإنسان في حالة خطر. بينما التراحم في الزواج يشمل كل ذلك بالإضافة إلى المحبة الموصولة بحب الله غز وجل . حيث الله محبة كما قال المسيح . والتراحم أيضا موصول بالله حيث من صفاته : الرحمن الرحيم. وهكذا ، فإنه في الحياة الزوجية يصل الزوج أو الزوجة إلى الله عن طريق المحبة والتراحم معا. بينما في التراحم الغير مقترن بالمحبة يتم التوصل إلى الله عن طريق واحد فقط.

وفي الحقيقة القلب الذي لا يعرف المحبة لا يعرف الرحمة ولا يكون قلبه موصولا بالله.

وأن يكون التراحم من مقاصد الإسلام فهذا أمر تؤيـــــده العديد من آيات الكتاب وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم ومنها الحديث المشهور :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.

وإذا كانت الحياة الزوجية تجمع بين المودة والرحمة ، وتوحد بين الزوجين فيصيرا مثل الجسد الواحد ، فإنها بذلك تعد نسخة مصغرة من مجتمع المؤمنين ،كما وصفه الحديث النبوي السابـــــق

.ويمثل الحديث الشريف هذا أيضا إمكانية الانتقال عبر فلسفة الأسرة إلى المجتمع الإيماني الذي يكون فيه المؤمنون مثل الجسد الواحد.

من الأسرة أيضا تتشعب وتزداد صلات الرحم والتي يعد الزواج هو المنشئ لها. وإذا كانت صلة الرحم هي من العبادات المأمور بها ، والتراحم المطلق الذي يشملها هو من مقاصد الإسلام ، لذلك ، فإن الزواج والعلاقات الزوجية الطيبة تحقق مقاصد الإسلام.

10- حفظ الكرامة :

يحرص الإسلام على حفظ كرامة الإنسان حيا وميتا ، وتتغيا تعاليمه وأحكامه ضمان صيانة الكرامة الإنسانية . ولا يفرق الإسلام في هذا الشأن بين المسلمين وغير المسلمين ، وإن كانت صيانة كرامة المسلم أولى.

وتعتبر الثقافة الاجتماعية ، وهي محقة في ذلك ، أنه لا يحفظ كرامة المرأة مثل الزواج. وهذا الأمر يجمع عليه أيضا فقهاء المسلمين وعموم الناس. والمرأة في الزواج هي أحد العنصرين وليس من الصعب إثبات أن الزواج أيضا يحفظ كرامة الرجل بقدر ما يحفظ كرامة المرأة. ولو أن حفاظه على كرامة المرأة يغلب عليه الظن بأن الرجل يمكنه المحافظة على كرامته وإن لم يكن متزوجا ، بينما قد لا تستطيع المرأة ذلك.

لا يوجد إنسان ، ذكر كان أم |أنثي ، لدية استعداد في أن يفرط في كرامته طوعا ، وإنما قد يتم ذلك ، إن حدث ،جبرا وكرها وعدوانا عليه يعجز عن رده عنه ، ومن الناس من يفضل الموت على أن يقبل التفريط في كرامته ولو كرها.

والحرمة التي يتمتع بها مسكن الأسرة في جميع الأديان والقوانين بمختلف دول العالم ، بصرف النظر عن مدي احترامها ممن ينتهكون حقوق الإنسان، تجعل منزل الأسرة هو أكثر الأماكن صيانة لكرامة الإنسان وأمنه. وثمة مثل إنجليزى يقول إن " بيت الإنجليزي هو حصنه". ولا تنتهك حرمة المنازل في جميع أنحاء العالم الا من قبل العصابات الإجرامية ، وأجهزة أمنية في الدول المتخلفة تعد في عدادها ، وهي تلك التي اصطلح على تسميتها الإعلام بزوار الفجر، الذين ينتهكون حقوق الإنسان في أنظمة الحكم الفاسدة والمستبدة التي يتحكمون في شئونها ، ولا يملك جمهور الشعب فيها شيئا يحمي به كرامته من عدوانهم أو مؤسسات حزبية أو قضائية تحميه منهم، كلما ارتأوا ذلك وممارسوه. إن لم نقل بأن هذه المؤسسات تتواطأ معهم وإن بالصمت والتجاهل .

وفي العلاقات الزوجية الطيبة ، داخل بيت الزوجية ، فإن كل من الزوجين يحرص على صيانة كرامة الأخر وعدم المساس بها بسوء. والزواج الذي لايحرص فيه كل من الزوجين معا على كرامة الزوج أو الزوجة هو زواج فاسد ، ومخالف لكتاب الله وسنة رسوله الذي عليهما تم عقده ، وأولى بالزوجين فيه أن يتفرقا وأن يغني الله كل منهما من سعته.

ومن مقومات الكرامة الإحساس بقيمة الذات وفاعليتها . وهذا الإحساس يتنامى لدى الرجل والمرأة المتزوجين أكثر منه عند الرجل الأعزب والمرأة الغير متزوجة. والشاب الأعزب والشابة العازبة لا يشعر أي منهما في بيت أسرته باستقلاليته والمسؤولية وحرية التعبير عن أرائه ورغباته وغرائزه الفطرية ... وكلها من مقومات الإحساس بالكرامة ، ولا يتحقق لهما ذلك ولا يكتمل إلا في بيت الزوجية.

وحتى خارج بيت الزوجية وفي بيت أسرتيهما بعد زواجهما ، فسيشعر كل منهما بكرامته أكثر من الأول. في هذا الصدد يمكن أن نتخيل مثلا شابة متزوجة أخذت زوجا لزيارة أسرتها والحفاوة والاهتمام الزائد من الأسرة في الاستقبال والضيافة والجو العائلي الجديد الذي يجد الزوجان أنفسهما فيه محور اهتمام الأسرة : الوالد والوالدين والإخوة والأخوات ،من كل جانب.

علينا هنا أيضا بعض الحقائق الدينية والشرعية المرتبطة بالزواج والمترتبة عليه ولم تكن موجودة قبل إحداثه لها بمجرد إتمامه. من ذلك ما ينشأ على الزواج من محرمات بسببه.فأم الزوجة تصير محرمة على زوج ابنتها حرمة أمه عليه. وبالتالي هي أم ثانية له.و أخوات الزوجة يصرن محرمات عليه ، وإن تحريما مؤقتا ، مثل حرمة أخواته. إنهم أخوات جدد أضفن الى أخواته إن كان له أخوات .ولذا تسمي الأخت في هذه الحالة في اللغة الانجليزية بالأخت بموجب القانون أو" Sester in law". والمقصود هنا قانون الكنيسة الذي يقابله في الإسلام وفي العربية لفظ : الشرع.

وأسرة الزوجة تكرم الزوج خلال ضيافتها له إلى جانب أنهم يعدونه قد أسبح واحدا من الأسرة، لثلاثة اعتبارات مهمة هي :

1- صيانة عرض ابنتهن.

2- حسن معاملته لها وإكرامه لها وما تتيحه معاملته الطيبة من إحسان بأنها في أمان معه مما لا يستدعي القلق عليها.

3' اعتباره واحد من الأسرة وحلقة الوصل بينهم وبين عائلته التي صارت من أصهارهم.

وهده الاعتبارات ترتبط مباشرة بحفظ كرامة الزوجة من قبل الزوج ومعاملة الأسرة له المبنية عليها تجعله يشعر بمحبتهم له مما يزيد من قدر اعتزازه بنفسه وإحساسه بقيمته، وبالتالي كرامته.

نفس الشيء يمكن أن تلقاه الزوجة من قبل أسرة زوجها إدا أحست تلك الأسرة بأنها تحافظ أيضا على كرامة ابنهم ، وأنها لا تحاول إبعاد ابنهم عن عائلته وقطع صلة الرحم بهم أو إهمالها.

تتغير المعاملة بالتأكيد إذا ما شعرت إحدى الأسرتين بأن كرامة ابنتها الحياة الزوجية الطيبة الملتزمة بالقيم الدينية تحقق إذن الكرامة للزوجين وتحافظ عليها.

الأسرة التي تجسد معاني الحياة الزوجية الطيبة وتلتزم بالقيم الدينية المستقاة من كتاب الله وسنه رسوله تحافظ على الكرامة الإنسانية لأفرادها ومحيطهم الأسرى وتحقق بالتالي مقاصد الشريعة.

11- المحافظة على وحدة الأمة والإمامة:

يقصد بوحدة الإمامة هنا ، وحدة المرجعية والزواج الشرعي يتم وفق مرجعية واحدة وهي كتاب الله وسنة رسوله. وعندما تحولت الدولة الإسلامية الواحدة إلى دول ودويلات ، اتخذت كل دويلة مذهبا دينيا مختلفا عن الأخرى سواء كان من مذاهب الشيعة أو السنة لأسباب سياسية محضة لا علاقة لها بالدين والتدين. وإنما لإضفاء الشرعية على انشقاق الدولة بدعوى اختلاف المذهب. وكانت لذلك عقود الزواج الشرعية يضاف إلى عبارة :"تم الزواج على كتاب الله ورسوله " عبارة : " وعلى مذهب الإمام مالك أو أبى حنيفة أو..." . إلا أن الأزواج في أي مكان في العالم الإسلامي لم يكن أي منهم يهتم بهذه العبارة المضافة في عقد الزواج ، وإن سألته قال لك تزوجت على كتاب الله وسنة رسوله فقط.

لذا فإن الأسرة التي تأسست على كتاب الله وسنة رسوله والملتزمة بهما هي التجسيد الحالي الوحيد لوحدة الأمة والإمامة في أصغر صورة اجتماعية ممكنة للأمة. وإذا أردنا توحيد الأمة ومرجعيتها الدينية التي يجب أن تكون واحدة ولا تقبل الاختلاف فيها والتفرق شيعا ومذاهبا وجب أن ينطلق الجهد التوحيدي من الأسرة.

لا يمكن أن يجتمع الزوجان ويتحدا بالزواج على أساس واحد هو كتاب الله وسنة رسوله ، أي وفق مرجعية واحدة لهما معا ، ولا تكون بعد ذلك وحدتهما ووحدة مرجعيتهما دليل على المحافظة على وجدة الأمة والإمامة. أي المحافظة على أخر مقصد كلي من مقاصد الشريعة.

فوزي منصور

Fawzym2@gmail.com

No comments: