توجهت الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية الى دول شرق آسيا للتعاون في انقاذ اقتصاديات دول اﻻتحاد اﻷوروبي التي تعاني من الركود والتخبط في أزمة مالية طاحنة ، بينما لم تقدم كل من الوﻻيات المتحدة وأوروبا أي عون لدول جنوب شرق آسيا عونا غير مشروط ﻹخراجها من اﻷزمة المالية التي تعرضت لها عام 1997 حتي يكون ذلك دينا عليها تلتزم أخلاقيا برده اليوم.بل وكانت الشركات اﻷمريكية واﻷوروبية أكثر المستفيدين من تلك اﻷزمة اﻷسيوية.ومن شأن استمرار معاناة الوﻻيات المتحدة وأوروبا من اﻷزمة اﻻقتصادية والمالية الحالية أن تضطر لبيع منتجاتها بأسعار أقل وتخفيض عملاتها وهو ما يحد من كلفة الواردات منهاالى الدول اﻷسيوية والتي تحتاجها تنميتها، أي أن اﻷزمة تصب على نحو ما في صالح الدول اﻵسيوية. ويمكن اعتبار اﻷزمة اﻷوروبية الحالية بمثابة هزات ارتدادية متأخرة لزلزال أزمة القروص اﻻئتمانية اﻷمريكية عام 2007.
فقد تعرضت اﻷسواق المالية لدول جنوب شرق آسيا والتي كانت تعرف بالنمور اﻵسيوية بسبب الصعود الكبير والمستمر ﻻقتصادياتها الى هزة مالية قاتلة .2وكانت بداية الأزمة من تايلندا بعد عمليات مضاربة على الـ(BAHT) التايلندي في يوليو 1997 من خلال قيام ستة (6) من تجار العملة في بانكوك بالمضاربة على خفض سعر هذه العملة بعرض كميات كبيرة منها للبيع، أدت إلى انخفاض قيمته بالنسبة للعملات الأخرى. ولم تتمكن الحكومة في الحفاظ على قيمة عملتها بعد أن تآكل الإحتياطي النقدي الأجنبي لديها، مما أدى بها إلى خفض رسمي في قيمة العملة تسبب و بصورة فورية في تراجع حاد لأسعار الأسهم بعد أن قرر الأجانب الانسحاب من السوق.وبلغت اﻷزمة ذروتها في بداية من يوم الاثنين في الثاني من أكتوبر 1997 ،عندما انهارت اﻷسواق المالية بالمنطقة و سجلت أسعار الأسهم فيها معدلات منخفضة بشكل حاد،وسرعان ما انهارت على إثر ذلك اﻷسواق المالية للدول اﻵسيوية اﻷخرى.ولم ينفع اقتصاديات تلك الدول ما كانت تتمتع به وقتهامن معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة ( %8 - %7 كمتوسط)، وتنوع قاعدتها التصديرية، واندماج أسواقها و اقتصادياتها في الأسواق العالمية...وشاع وقتها أن أحد أهم أسباب اﻷزمة المضاربات التي قام بها الملياردير ساويرس واستغل فيها ثغرات في النظام المالي لتلك الدول ونقاط ضعف فيها..وقد تعرضت ﻷسوء تداعيات تلك اﻷزمة كل من تايلند وأندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان بينما لم تؤثر كثيرا على الصيين رغم أنها كانت المستهدفة منها.كما تضررت منها أيضا كل من كامبوديا وﻻوس حيث تسببت في ايقاف اﻻصلاحات اﻻقتصادية بها.وعرض وقتهاكل من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي مساعدة الدول المتضررة بقروض منهمامشروطة ، وكان من تلك الشروط إجراء جملة من التغييرات الهيكلية على الإستراتيجيات الإنمائية التي تبنتها هذه الدول في السنوات السابقة وإعادة تقييم عملاتهاوإغلاق عدد من بنوكها. فاستجابت له كل من تايلاند وأندونيسيا بينما قررت الدول الثلاثة اﻷخرى اﻻعتماد على نفسها في علاج اﻷضرار الفادحة التي لحقت باقتصادياتها، وكان سلوكها اﻻعتماد على الذات هو سبيلها من سرعة التخلص من آثار اﻷزمة واسترداد اقتصادياتها لعافيتها ، بينما تعثرت الدول التي اعتمدت على القروض اﻷجنبية.
ولم تتضرر اقتصاديات دول العالم خارج آسيا كثيرا بسبب اﻷزمة اﻷسيوية سوى بعض اﻷضرار التي لحقت بالشركات المتعدية الجنسية والتي عوضها تدني أسعار المنتجات اﻵسيوية بسبب ما طرأ على عملاتهاالوطنية من انخفاض حاد في قيمتها.وكانت بذلك هذه الشركات والغالبيةالعظمي منها أمريكية أكثر المستقيدين من تلك اﻷزمة.
وفي فبراير 2007 تعرضت الوﻻيات المتحدة ﻷزمة مالية طاحنة عرفت بأزمة الرهن العقارى وبدأ بعدهاعدد من البنوك اﻷمريكية يعلن إفلاسه كان أبرزها بنك ليمان براذرز الذي كان يعد رابع أكبر مصرف استثماري بالولايات المتحدة وانهارت أسهم البنوك وشركات التأمين في بورصة وول ستريت .وتدخلت البنوك المكونة لصندوق اﻻحتياط اﻷمريكي لشراء البنوك المفلسة بأسعار متدنية وضح أموال اليها لتعويمها من جديد. وانتقلت اﻷزمة لبنوك أوروبية كانت مرتبطة ببنوك اﻻستثمار والرهونات العقارية اﻷمريكية وشركات التأمين بها.
وخلال هذا العام تعرضت اقتصاديات دول أﻻتحاد اﻷوروبي المتعاملة باليورو ﻷزمة مالية بسبب عجز عدة دول باﻻتحاد اﻷوروبي في طليعتها اليونان وأسبانيا والبرتغال وأيطاليا عن سداد ديونها الكبيرة من شأنهاأن تؤثر تداعياتها السلبية على اﻻقتصاد اﻷمريكي الذي يعاني خلال السنوات الماضييةمن ضعف شديد وتزايد الدين الخارجي اﻷمريكي والعجز التجاري اﻷمريكي والذي يعد نتيجة للمغامرات العسكرية اﻷمريكية في الخارج ودخولهافي حرب بالعراق وأفغانستان مكلفة في وقت واحد دون أن تحقق منها أي مكاسب اقتصادية أو أهداف استراتيجية تعادل تكلفتها العالية.ومن شأن استمرار اﻷزمة المالية اﻷوروبية مدة أطول أن يتضرر اﻻقتصاداﻷمريكي على نحو أكثر حدة، ولم يعد بمقدور الوﻻيات المتحدة تقديم أي عون مالي ﻷوروباﻹنقاذهاوهو ما قد يتسبب في فقدان الرئيس اﻷمريكي اﻷمل في اﻻستمرار لوﻻية ثانية.
وقد حذر بالغعل مؤخرا وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر من أن ديون أوروبا قد تلحق ضررا بالغا بالاقتصاد الأميركي وفي كلمة له أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ قال غيثنر إن أزمة حادة في أوروبا قد تتسبب في أضرار كبيرة بتقويضها الثقة وإضعافها الطلب.وحث أوروبا على تعزيز آليتها للإنقاذ.
وفي نفس الوقت حاول غيثنر في الجلسة تبديد مخاوف المشرعين من أن تؤدي أزمة ديون أوروبا إلى أزمة أخرى على غرار أزمة ليمان برذرز في 2008 الذي امتدت آثاره إلى النظام المالي العالمي وفجرت تدافعا على سحب الأموال في سوق النقد قصير الأجل.وأكد غيثنر أن الشركات الأميركية في الوقت الحالي في وضع أقوى كثيرا بينما تحوز المؤسسات الأميركية احتياطيات كبيرة من رأس المال للتحوط من المخاطر المحتملة التي قد تواجهها.اﻻ أن تصريحاته تلك تعد للاستهلاك المحلي المؤقت لحين ايجاد حل للأزمة اﻷوروبية.
وجاء تحذير غيثنر للدول اﻷوربية عقب تصريحات مماثلة للرئيس باراك أوباما حث فيها أوروبا على التحرك بسرعة للتصدي لأزمة الديون، مؤكدا أنه لن يكون بمقدورها أن تنجو من الأزمة بتصديرها للخارج.وقال أوباما إن مشاكل أوروبا تضع عبئا كبيرا على الأسواق المالية العالمية، مضيفا أن بلاده لن تزيد ديونها لمساعدة اقتصادات دول أخرى.
وتعول الوﻻيات المتحدة حاليا على اقتصاديات الدول اﻵسيوية التي تعدحاليا مزدهرة ﻻنقاذ اقتصاد أوروباوبالتالي الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية من اﻷزمة المالية الحالية
ولذا نقلت وكاﻻت اﻷنباء اليوم الجمعة 11نوفمبر 2011 عن وزير الخزانة الامريكي تيموثي جايتنر قوله بمناسبة انعقاد دول المحيط الهادي الذي يضم دول شرق أسيا والوﻻيات المتحدة ،انه ينبغي للاقتصادات الاسيوية أن تتخذ خطوات لتعزيز الطلب المحلي ودعم دفاعاتها للوقاية من اثار أزمة ديون اوروبا والمساعدة في الحفاظ على النمو العالمي.وأبلغ جايتنر مؤتمرا صحفيا ان المخاوف بشان اوروبا تهيمن على معظم المحادثات الجانبية بين وزراء مالية دول منتدى التعاون الاقتصادي لاسيا والمحيط الهادي (أبك) قبل اجتماع القمة في هونولولو.
وقال ان ازمة الديون الاوروبية تبقى "التحدي المحوري للنمو العالمي" ودعا صانعي السياسة في اوروبا الي التحرك بشكل أسرع للانتهاء من اعداد خطة قوية لاستعادة الاستقرار المالي.واضاف جايتنر ان أفضل شيء يمكن ان تفعله اقتصادات أبك لحماية نفسها هو اتخاذ خطوات لتعزيز الطلب المحلي.
وقال "هذه الاقتصادات بما في ذلك الولايات المتحدة لديها القدرة على عمل اشياء الان لتحقيق نمو أقوى .. للتعويض عن بعض الضغوط التي نواجهها من اوروبا وايضا لان العالم ككل يحتاجه."وأضاف :"حتى عندما تستقر اوروبا فاننا سنرى النمو يتضرر من وقع الازمة حتى الان."وقال أيضا:وقال جايتنر ان الدول الاسيوية وخصوصا الصين تحتاج الي السماح لعملاتها بالارتفاع استجابة لقوى السوق وهو ما سيساعدها في اعادة موازنة اقتصاداتها نحو الاستهلاك المحلي مع تقليل الاعتماد على الصادرات. واضاف ان الصين تسلم بالحاجة الي تغييرات أسرع في سعر صرف عملتها.وان دعم النمو في اسيا هو أفضل السبل لان تتمكن دول أبك من حماية انظمتها المصرفية من اثار ازمة الديون الاوروبية على اقتصاداتها.
ولم تظهر الدول المشاركة في المؤتمر اعتراصات على هذا التوجه اﻷمريكي والذي يطالب فيه الدول اﻵسيوية وخاصة الصين بإنقاذ أقتصاديات أوروبا الراكدة والمتخبطة في أزمة الديون المالية باتخاذ اجراءات تحفز الطلب فيها وتخرج اقتصادياتها من الركود التي تعانيه، وقد تتخذ الصين بعض اﻹجراءات المطلوبة منها إن وجدت فيها ما يعود بالنفع عليها دون أن يترتب عليها انقاذ تلك اﻻقتصاديات المأزومة وأخراجها من أزمتها عندما ﻻيكون في ذلك من صالحها وعلى أساس "أن مصائب قوم لقوم قوائد".فرفع سعر عملتها مثلا بعد أن اكتسحت منتجاتها اﻷسواق دون منافسة حقيقية لهاقد ﻻيؤثر كثيرا على صادراتهاحيث أن العائد اﻻقتصادي من الصادرات سيظل كماهو. كما أن تحفيز اﻻستهلاك المحلي ﻻ يعني بالضرورة بالنسبة لها زيادة وارداتها من أوروبا والوﻻيات المتحدة..والحد من صادراتها لدول مأزومة ماليا ويتزايد العجز التجاري معها لصالح الصين لن يؤثر على تلك الصادرات بعد أن أمنت الصين أسواقا بديلة لمنتجاتها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.وفي نفس الوقت ستظهر الصين أنها لم تخذل تلك الدول ونفذت ما طلب منها.ونفس الشيئ يتوقع من اليابان وكوريا الجنوبية خاصة بعد معاناتهما مؤخرا من تراجع حجم صادراتها، وهي بالتالي في وضعية اقتصادية ليست صعبة ولكن ﻻ تتيح لها مساعدة الغير.يضاف الى ذلك بأن الوﻻيات المتحدة وأوروبا لم يهبان لمساعدة الدول اﻵسيوية التي تضررت من أزمتها عام 1997 واﻷعوام التالية له واكتفت بما عرضته المؤسسات المالية الدولية بشروط ضارة باﻻقتصاد وغير ناجعة في إخراجه من أزمته وهو ما أثبتته تجربة الدول التي خضعت لتلك اﻹملاءات.
إن هذا يعني أن تطول أزمة اﻻقتصاديات اﻷوروبية وأن يستمر معاناتها من الكساد طوال العام القادم وهو ما تنبأ به فعلا اﻻقتصاديون فيها.
فوزي منصور
No comments:
Post a Comment