Tuesday, August 21, 2007

الأسرة والحياة الزوجية- مملكة الأسرة



الأسرة والحياة الزوجية

مملكةالاسرة





الأسرة مملكة مستقلة لها دستورها ونظامهاوقوانينها وحدودها وحرمتهاومواردها المالية وميزانيتها وعلاقاتها الداخلية بين حكومتها ورعيتها أو بين الرعايا أنفسهم وعلاقاتها الخارجية مع الممالك المجاورة أو المرتبطة بها بعلاقات الدم والرحم والمصاهرة أو مع المجتمع كله.
وهي المملكة الوحيدة التي تبدأ بالملك والملكة وحدهما بدون رعايا ويمكنها أن تستمر بدونهم . ويبدأ ظهور الرعايا فيها مع ولادة الملكة أو استئجار خدم لمعاونتها أو تربية ورعاية أيتام داخل الأسرة أولحوء أبناء أو بنات أقارب للعيش في حمايتها . ولذا يختلف عدد الرعايا من أسرة الي أخرى . الاأن مايمكن اعتباره من مزايا مملكة الأسرة المسلمة أن رعاياها متساوون في حقوقهم سواء كانوا من الأبناء أو من الأقارب أو من المتبنين أومن الخدم .فلهم نفس الحقوق فى المأكل والمشرب والمأوى والتربية والرعاية والتعليم والصحة والكساء والترفيه والجميع يخضعون لنظام واحد ويعملون معا في خدمة مصالح الأسرة والمحافظة علي وحدتها ومصالحها وأمنها وسلامتهاواستقرارها وازدهارها عملا بقوله سبحانه وتعالي :" ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولايظلمون نقيرا"( النساء 124) وقوله : " إني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثي بعضكم من بعض" (ال عمران195).

ويمثل الزوج والزوجة السلطة العليا الحاكمة في المملكة كشخص واحد أو يتقاسمان وظائفها كل منهما يأخذ بقسط منها ، ويحل كل منهما محل الآخر في غيابه ، وقد يفوضان جزء من المسؤولية الى الإبنة الكبرى كتدريب مبكر لها على سلطة الحكم ، فإن تزوجت فوضت من تليها وقد يفوض أحد الأبناء أو أحد الخدم أيضا . ويظل الحكم بماأنزل الله هو النظام السائد في الأسرة وفق دستورها وميثافها الذى تقرر منذ ارتبط ملكة وملكة الاسرة بعقد زواج علي كتاب الله وسنة رسوله.فقد التزما بأن يكون كتاب الله وسنة رسوله هما المرجعية الوحيدة لهما والتى بها أحل كل منهما للآخر.هذا بالاضافة الي مايشرعه الملك والملكة معا مما لايخرج عن كتاب الله وسنة رسوله ولايتعدي حدود الله ويريان فيه مصلحة الأسرة وأعضائها . مع اعتماد مبدأ الشورى في كل مايمس مصالح الرعية أو يضيف أعباء جديدة عليهم. وتتولي الحكومة تدبير الموارد والعمل على زيادتها ومراقبة الانفاق حسب الميزانية وضبط النظام وتحقيق العدالة وتحديد العلاقات الداخلية والخارجية وتأمين التعليم والمعرفة والوقاية من الأمراض والعلاج منها ، وجميع متطلبات الرعية التي تتعاون مع الحكومة بدورها كل حسب امكانياته وقدراته وظروفه لبلوغ الأهداف المقررة أو تنفيذ السياسات الموضوعة. وفي إطار من التكافل والاعتماد علي الذات الجماعيةوحشد الامكانيات وحسن استغلالها. ويندرج هذا كله في إطار الإحسان الذي أمر به الله ورسوله . وماينطبق على أسرة واحدة ويصلح أمورها ينطبق أيضا علي دولة كبيرة ليست في حقيقة أمرها سوى عائلة ممتدة تنتمي اليها كل الآسر الصغيرة وتكونها.


لايستطيع حاكما الأسرة تعديل دستورها متى شاءا أولتحقيق غاية أو ارضاء نزعة ذاتيه ولايؤثر في ذلك موافقة الرعية بعد استفتائها ، إذ طالما الأسرة باقية مدي الحياة ، بل قد يموت الملك أو الملكة أو هما معا وتستمر الاسرة مع ماخلفا من أبناء وبنات ، فان دستورها يتمتع أيضا بالديمومة والثبات. ودستور الأسرة يستمد قداسته من أنه عبارة عماأوصي به الله ورسوله وأمرا ولآنه بهذه الصفة أيضا يعد ثابت القيم والاحكام. وغير قابل للتعديل أو التحريف أو الاضافة أو الحذف ولاتتغير أحكامه بتغير ظروف الاسرة وأوضاعها فالزوجة التي كانت طائعة زوجها ومقدرة فضله ومزاياه لاتتبدل أن تحولت أحوال الاسرة من يسر الي عسر . والزوج الذى صمدت معه زوجته في العسر لايمكن أن يتنكر لها في اليسر. هذا الثبات في القيم والسلوكيات الملتزمة بها هو الذي يعبر عنه بوصف أسرة ما بأنها أصيلة خاصة اذا كانت خصالها قد توارثتها أيضا عبر الأجيال السابقة عليها من أباء وأجداد.ان فيما مثل الصدق والوفاء والامانة والمحبة والاخاء والعدل والاحسان والبر بالوالدين وصلة الرحم والتراحم والخير والحق والجمال والكرم والايثار ...كل هذه القيم ومااليها لا يمكن أن تتغير لأنه في حالة تغييرها سيتم الانتقال مما هو أقوم الي ماهو أسوء وأضل سبيلا.

دستور الأسرة:
دستور الأسرة هو كتاب الله وسنة رسوله التي عليهما تم عقد الزواج المنشئ لللأسرة وخاصة قوله تعالي :" قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون (والصلاة هنا تأخذ جميع معاني اللفظ من الصلوات المفروضة الي الصلة او العلاقة الزوجية وصلة الرحم وصلات الجيرة والقربي والمصاهرة...والخشوع فيها هو ممارستها بأدب ومحبة وتقوى وبدون استعلاء أو كبر أو ظلم أو صخب ...) والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون (والزكاة هنا أيضا زكاة النفس والثمرات والمال والماعون) والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين .فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( الذين عادوا الله ورسوله وتعدوا حدود الله)والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم علي صلواتهم يحافظون (والمحافظة هنا تنصرف أكثر علي العلاقات بينهم)أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" (المؤمنون من 1-11)
ويمكن أن يندرج في دستور الأسرة أيضا ما أوصى به لقمان الحكيم ولده كما جاء في سورة لقمان في القرآن الكريم كالاتي :
"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ . "(لقمان من12-19)
ويدخل في دستور الأسرة أيضا الوصايا العشر التي عاد بها النبي موسي الى قومه بعد مناجاته لربه مكتوبة في ألواح من الطين وهي الواح ظلت باقية حتي عهد الملك سليمان وهو مايجعل احتمال تعرضا للتحريف من قبل كتبة التوراة ضعيفا الا مايكون نتج عن الترجمة الي لغات متعددة حيث جاءت أول مرة بالآرامية ثم ترجمت منها الي العبرانية والسريانية ومنهما الي اللاتينية ومنها الي اللغات الآوربية ومنها الي الترجمة العربية الموجودة الان.وتقول الوصايا العشر.
(1 )"لا يكن لك آلهة أخري أمامي".(2) "لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب الهك اله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع احسانا الي ألوف من محبي وحافظي وصاياي 3) " )لا تنطق باسم الرب الهك باطلا، لأن الرب لا يبريء من نطق باسمه باطلا". (4) اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك. (5) "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض التي يعطيك الرب الهك". (6) "لا تقتل". (7) "لا تزن". (8) "لا تسرق". (9) "لا تشهد علي قريبك شهادة زور.(10) "لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا مما لقريبك".
عندما سئل المسيحعليه السلام عن أعظم وصية في االوصايا العشر, أجاب : " أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل عقلك. هذه هي أول وأعظم وصية. والثانية مثلها, أحبب جارك كنفسك. كل الأنبياء تمسكوا بهاتين الوصيتين."
اذن يستمد نظام الأسرة احترامه من تقيده بقيم ثابته ناتجه عن ثبات مصدرها الذي قامت الأسرة علي أساس منه وهو كتاب الله وسنة رسوله. وكذلك ومع ثبات دستورها فإن نظام الأسرة يتميز بتوافقه مع احتياجات الأسرة المتغيرة ومع الفطرة ومازودت به الانسان من غرائز طبيعية أو طبائع موروثة أو مكتسبة أو تزعات وميول ومشاعر منبثقة عن الغرائز والطبائع.كما أن نظامها يعبرعمليا عن وحدة الاسرة وتضامنها وتكافلها وتراحمها وتوائمها أيضا مع المحيط الاجتماعي والبيئي في دوائر توحيدية متتالية تجمعها وتدمجها في نسيج الامة والدولة.

إن الالحاح هنا علي الربط بين الاسرة والمجتمع وماهو اجتماعي بما هو سياسي وما سيتم التعرض اليه في حينه من أن المعاشرة الشبقية بين الزوجين والتي تعتبر علاقة حميمية خاصة بهما وحدهما لها في الواقع ابعادا اجتماعية كما أنه كما يتم تنظيم الأسرة يمكن أيضا تنظيم الدولة والمؤسسات الافتصادية علي نفس الأسس . هذا ماأسميه بفلسفة الأسرة التي نحتاج الي ادراكها واستيعابها والعمل بها.

مكانة الملكة في الأسرة:
والزوجة أو ملكة الأسرة وإن تضامنت مع زوجها في مسؤولية الحكومة ، إلاأن لها وحدها سلطةشبة مطلقة – دون تسلط أو استبداد أو طغيان- على جميع رعاياها داخل مملكتها باستثناء زوجها لقوله صلي الله عليه وسلم : " كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالزوج مسؤول عن رعيته والزوجة مسؤولة عن رعيتها في بيت زوجها" . واسناد البيت هنا للزوج يرجع الي أنه هو الذي وفره وجهزه وأعده لها أو لأنه لارعية لها في غير البيت الذي يجمعها بزوجها . ففي بيت والدها أو بيوت أقاربها تكون فيها ضيفة بعد زواجها، وفي بيت والدها قبل زواجها كانت من ضمن الرعية ولم تكن راعية. وفي سياق أخر نجد القرآن الكريم ينسب البيت للزوجة مثل في قوله تعالي :" ولاتخرجوهن من بيوتهن ولايخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة". وعموما هناك دائما تقديم في الاسلام للرجل علي المرأة فيما يتعلق بالسلطة ، وهو مايتفق مع الفطرة. وهذا التقديم ليس تمييزا ولايتناقض مع مبدأ المساواة بين الرجال والنساء . ونلاحظ في الطبيعة أن الذكر سواء في الانسان أو الحيوان مزود بغريزة السيطرة أكثر من الأنثى والأنثي فى الانسان مزودة بغريزة حب التملك أكثر من الرجل ، ومحصلة تأثير الغريزتين لديهما في اجتماعهما يجعل الأنثي تبدو أكثر خضوعا للذكر من الذكر للآنثي ، وهو خضوع لايشوبه أدنى شبهة لقهر وانما تقدمه الأنثى ظواعية وبرغبة منها لإنه سبيلها للتملك. ولاعجب أن تغني أم كلثوم : " ويعجبني خضوعي اليه". والتجاذب بين السيطرة والتملك هو مايجذب كل منهما للآخر الي جانب الغريزة الشبقية لكي يتواصلان ويتحدان نفسيا وجسديا في الزواج. ولوأن الجاذبية إقتصرت علي الشبق وحده لتم اشباعها – مثل الحال في الحيوان- دون حاجة الى الزواج والاسرة والي التوحد فيهما ومن خلالهما. يمكن لنا أن نفهم من هذا أيضا أن حاجة المرأة للزواج والي الحياة الأسرية أقوي من حاجة الرجل وأن حاجتها الي إشباع غريزتها الشبقية(=الجنسية) في نطاق الشرعية وليس خارجا أكثر من الرجل . ويمكن أن يعزى ذلك الي عامل إضافي هو تمتع المرأة بغريزة الأمومة كغريزة طبيعية بينما عاطفة الأبوة هي أشبه بغريزة مكتسبة وليست فطرية أو طبيعية . ولذا هي تبحث عن الزواج لأن فيه تتحقق لها فرص التمتع بالأمومة اللآمنه والتي تزيد من خلالها مكانتها الإجتماعية أيضا وتشعرأيضا في الزواج بأنها امتلكت رجلا ومنزلا مستقلا وأطفالا لاينازعها في امتلاكهم أحد..هذه النزعة موجودة لدي الرجل ربما بحكم العادات أو التقليد أو الثقافة ولكنها لدي المرأة أقوى لأنها وإن تأثرت مثله بالعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية السائدة فإن ذلك كله يجد دعما إضافيا من غرائزها التي تريد اشباعها علي نحو ملح ومتعجل ويمثل التأجيل فيه معاناة نفسية مستمرة.

وجود غريزة الأمومة لدي المرأة فطرية ولدت بها دون أن يقابلها مثيل لها لدى الرجل سوى عاطفة الأبوة المكتسبة من تعاطفه مع أطفالهم ورحمته بهم وماقاساه من عنت أو متاعب في تربيتهم وحبه لهم المتبادل أو من معاشرته لأبيه ، واذ الغرائز الفطرية مقدمة علي الطبائع المكتسبة فإن ذلك يجعل من حق المرأة أن يكون لها أفضلية على الرجل في نطاق الأسرة. وهذا مايجب فهمه من الآية الكريمة : " الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافطات للغيب بما حفط الله..."( النساء34) اذ أن قام علي الشيء يعني تعهده ورعاه وحفظه وواظب علي خدمته. وربط القوامة بمافضل الله بعضهم علي بعض يمكن فهم الفضل بمعني الزيادة أم بمازاد به بعضهم علي بعض ويزيد من دوافع القوامة ماأنفقه الرجل من أجل الزواج والأسرة والذي يريد أن يشعر أنه لم يذهب هدرا ولذا يواصل الانفاق بدافع من ذلك أيضا . القوامة هنا ليست ميزة للرجل وانما هي اكرام للمرأة التي كلف الرجل بالقيام بتوفير كافة احتياجاتها حسب استطاعته بينما هي لم يكلفها الشرع بغير المضاجعة وفيها متعة لها ولديها نفس الرغبة والحرص علي إشباعها مثلما مالدي الرجل وفيماعدا ذلك ترك لها التعاون علي البر والتقوي مع رجلها القائم عليها كما تشاء.ولكن من هي تلك الزوجة التي تستحق أن يكون لها هذه القوامة التي تجعل زوجها في خدمتها أكثر مماهي في خدمته؟ ..تصفها الآية الكريمة بانها الصالحة القانته الحافظة للغيب بما حفظ الله ، فإن فقدت أي شرط من هذه الشروط فقدت الحق في قوامة الرجل عليها التي هي ميزة لها وليست ميزة له . لفد فسرت القوامة بمعنى السلطة والسيطرة والتحكم ومايدخل في هذه المعاني وهو مالا تحتمله اللغة أو السياق وإنما ربما يستجيب لنزعة ذكورية لم تأت الاية الكريمة من أجلها . عندما يوصي النبي رجلا بأمه ثلاثا قبل أن يوصيه بأبيه فإن هذا يعني أن مرتبة الزوجة الأم داخل الأسرة تعلو مرتبة الزوج الأب بدرجتين وليس درجة واحدة كما للرجال بصفتهم تلك علي النساء خارج نطاق الأسرة.

التأثير المتبادل للزوجين:
ماسبق الاشارة اليه من غرائز السيطرة والتملك والخضوع قد نجد مايدل عليها لدي الرجال والنساء معا بعد الزواج . فتظهر الرغبة في السيطرة والتسلط عند الزوجة علي زوجها وتبدوا مظاهر الخضوع التام من قبل الزوج لزوجته. هنا يحسن التفرقة بين الغرائز الفطرية وبين ماقد يتغلب عليها من طبائع موروثة أو مكتسبة وما قد تدفع اليه ظروف غير طبيعية أو شاذة الزوجين لتبادل الأدوارمضطرين أو تحت ضغط دوافع نفسية مرضية أو ناتجة عن نوع من الانحرافات النفسية.هناك أيضا اتحاد المرأة بالرجل اتحادا كاملا بالزواج والذي يأخذ صورته القصوى أو الأبرز في المعاشرة الشبقية. في هذا التوحد لايستبعد أن تنتقل بعض الغرائز التي هي تزيد عند الذكر علي ماهي عليه لدي الأنثي الي الزوجة أو تتأثر بها في أعماقها. أو أن يتم التأثير المتبادل عن طريق العشرة الزوجية بفعل غريزة المحاكاة الموجودة لدي كليهما معا أو كنتيجة لعمليات التكيف المستمرة من أجل التوصل الي توافق مرض للطرفين تفرضه المعايشة والحرص علي استمرارها دون عوائق.وعمليات التكيف تتم غالبا علي حساب الغرائز الفطرية سواء بوسائل التسامي أو التحويل أو التعويض أو الكبت أو الإسقاط أو النكوص... . ومنه مايعد صحيا لاغني عنه ومنه مايعد مرضيا ، إن لم يؤذي صاحبه ألحق الأذى بالغير.

قد يكون من المفيد أن غريزة السيطرة عند الرجل مالم يتم ضبطها تتطور الي السادية أي التلذذ بايلام الغير، فاذا كان لايمارس السيطرة علي غير زوجته وأصابته السادية كانت هذه الزوجة هي ضحيته الوحيدة. نفس الشي ء فأن غريزة التملك والتي تتخذ من إظهار الخضوع كأداة لتحقيقها قد تدفع الي المبالغة في الخضوع ذلك الي حد الاصابة بالماشوزستية أي التلذذ بالألم الذى يسببه لها الآخر ولنقل إنه هنا الزوج. بل إن لم يعاملها الزوج بعنف خاصة عندما يشاركها الفراش بحثت خارج نطاق الزوجية عن عاشق يعوضها عماتفتقده عند زوجها.
الرجل أيضا كما هو معرض للإصابة بالسادية يمكن في حالات شاذه أن يصاب بالماشوزيستية ونفس الشىء يمكن للمرأة في حالات شاذة أن تصاب أيضا بالسادية.
السادية الماشوزيستية يندرجان ضمن الشذوذ المرضي والشبقي وعندما يظهر لدي الرجل خضوعا مبالغا فيه وعند المرأة تسلطا مبالغا فيه ومخالفا أو متجاوزا مافطرا عليه يعد ذلك حالات شاذة ليست في صالح الحياة الأسرية واستقرارها وسلامتها وتحقيق الأمن والعدل بداخلها
بل قد يكون ذلك سببا في اضطراب العلاقات بداخلها.
ولكن هناك حالة ثالثة يصعب ادراجها ضمن ماسبق تتمثل في إثارة توترات شديدة عن عمد من أحد الزوجين قبيل المعاشرة الشبقية قد تكون عفوية أول مرة كاحتجاج أو ثورة علي غيابها أو انقطاعها ثم تتكرر دون سبب بعد ذلك. كان أول اكتشاف لي لهذه الحالة في شبابي عندما كانت تجاورني في العمارة التي أسكنها بالقاهرة أسرة صديقة مكونة من زوجين شابين يأتيان الي بالليل للمسامرة أو أزورهمافي شقتهما. ذات مساء سمعت أصواتهما يتشاجران ويتضاربان علي غير العادة فهرعت اليهما. الزوج بادرني بالقول أنظر ماذا فعلت بي هذه المتوحشة وغادر الشقة وصفق الباب خلفه. في الواقع كان كلاهما طويل القامة وقوي البنية وتبادلا الأذي بقدر متساو علي مايبدو. كانت الزوجة مازالت تلهث من الانفعال وانتطرت حتي هدأت. بادرتني بالقول بأن لايجب أن أشعل بالي بهم. عندما أشرت الي أن زوجها قد ترك البيت فوجئت بها تضحك وتقول لي سيعود قبل أن تكتمل عشر دقائق. قلت لك وكيف ستتصرفين معه ؟. أجابتني سأرتدى الثياب والألوان وأتجمل وأتعطر وأسبقه الي الفراش.ظننتها تسخر منى ولكنها استطردت قائلة : وسيلحق بي وإن لم يتحرش بي تحرشت أنا به حتي يكون بيننا مايكون بين الآزواج عادة. تملكني العجب والحياء معا واستأذنتها وعدت الى شقتي ولم تكتمل الدقائق العشر حتي كان قد عاد ولم أسمع أي صوت صادر من شقتهما وفي الليلة التالية جاءا عندى وهما سمن علي عسل.
تصورت أن هذه الحالة فريدة من نوعها ولكن أتيح لي فيما بعد معرفة أنها متكررة وأنها في البداية تحدث عندما ينشغل الزوج عن زوجته مدة طويلة ينقطعان فيها عن ممارسة الشبق فتثور الزوجة عليه ثورة عنيفة تتهمه فيها بالخيانة الزوجية وأنه يقضى وطره مع امرأة أخرى وتطلب منه الطلاق وتسمعه اهانات تهيج أعصابه فيقوم اليها يضربها ليسكتها ولايسمع الجيران اهاناتها له فاذا مالتصقت به باكية لتمنعه من ضربها تطور أمريهما بسرعة الي المضاجعة. يقول أحد الأزواج الذي حكي لي ذلك أنهما حظيا بمتعة غير مسبوقة لم يخبراها من قبل وهما في حالة الغضب تلك مما شجع زوجته التي كانت طوال حياتهما الزوجة مثال المرأة الهادئة الطبع تفتعل أحيانا المشاجرات لآسباب تافهة وصولا الي تلك النتيجة ولايدرك الزوج في بداية الأمر من فرط غضبه التي نجحت في إثارته أن ذلك كان مقصودا.
هذا المسلك الذى عرضته لاأظن أنه مأمون ومحاولة تجربته قد تكون مغامرة محفوفة بالمخاطر تقوض بيت الزوجية اذ لاأحد يستطيع مسبقا أن يحدد نوعية تصرف الغاضب خاصة اذا كان من النوع الهادئ وتحضرني هنا مقولة : " احذر الحليم اذا غضب".
الأسرة في حقيقة أمرها تعيد صهر وتشكيل أفرادها دون وعيهم أو احساسهم بذلك.واذا اعتبرنا المجتمع عائلة جامعة للأسر والأسرة بالتالي أصغر وحدة فيه أو نموذج له ، فإنه داخل الأسرة الصغيرة يتم توجيه القوي الغريزية الي أهداف مشتركة قد تبدو ثنائية وذاتية ولكنها تمتد ، علي نحو ما ، لتأخذ صبغة اجتماعية أوسع نطاقا. وتتحقق تلقائيا داخل الأسرة توازنات تقتضيها توحد الغرائز الفطرية والطبائع المكتسبة الناتج عن توحد الزوجين معا . حب الرجل للمرأة ورغبته فيها يدفعه الي بذل الجهد لإرضائها وإروائها خارج ضغوط غريزة السيطرة حتي يتحول الارضاء الي عادة بقضل التكرار. المرأة في بيت الزوجية تحقق أيضا نوعا من التوازن بين حب التملك الغريزى وحب السيطرة المكتسب ومتطلبات كل منهما في حدود مصلحة الأسرة وعدم الحاق الضرر بها وهو مايكسبها حكمة كبيرة إن نجحت في ذلك.
كل من الزوج والزوجه مطلوب منه أن يعمل كل مافي وسعه لكسب محبة شريك حياته والتقرب منه لتوفير مقومات التعايش معه. مشكلة الكثيرمن النساء أنهن يعتبرن الحياة الزوجية امتدادا للعلاقة الشبقية في الفراش ، وكما تكون المبادرة والفعل غالبا من جانب الرجل ودور المرأة هو الاستقبال والتفاعل معه في الفراش فهن يردن أن يستمر هذا التقسيم الأداتى خارج الفراش أيضا وأن لم يبد الزوج ماتتوقعه منه بكت سوى حظها وقسوة زوجها وضياع حبه. في موقع اخوان أون لاين كتبت الدكتورة هند أحمد عن حالة مماثلة وكيف كان موقفها منها ، فقالت:

قلت لها: "في جلسة هادئة تتجاذبان فيها أطراف الحديث أو تشاهدان التليفزيون أو تناقشان أمرًا أين تجلسان؟" أشارت بملل إلى الأريكة وقالت: "هو يجلس هنا أما أنا فأجلس على المقعد المقابل.

أشرت إلى الأريكة على بعد سنتيمتر واحد من مكانه المفضل وقلت لها: "مكانك يجب أن يكون هنا".

نعم.. يحق لكل زوجة أن تحلم أن يكون زوجها سكن لها.. ولكن ذلك لا يكون أبدًا قبل أن تبدأ هي أولاً فتكون له السكن والملاذ من وحشة الحياة وبرودتها وقسوتها.

وتعالَي نتأمل السطر الأول في نصيحة أم لابنتها عند زواجها، والجدير بالذكر أن الابنة كانت من كبراء قومها وأن زوجها كان أميرًا.. قالت: كوني لزوجك أمة يكن لك عبدًا، واحفظي له عشرًا تكن لك ذخرًا:
الخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة، ولا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والتفقد لوقت طعامه ومنامه، والحفاظ على ماله بحسن التدبير ورعاية أولاده بحسن التقدير، ولا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًّا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمنِي غدره، وإياك والفرح إن كان ترحًا (حزينًا)، وإياك والكآبة إن كان فرحًا.

تعالي نتخيَّل جارية تعامل أميرها- دون ذلٍّ أو هضمٍ لقيمتها العظيمة كزوجة- لكن معنى كلمة أمة بالنسبة لهذه الزوجة هي أن مشاعرها عاشت أسيرةً لدى زوجها، وتعالَي نتخيل لو أن كل زوجة تُعامل زوجها مثلما تعامل هذه الجارية أميرَها لتربَّعت على عرش قلبه ولعاشت ملء صدره ولحفظها في عينيه.

1- تدعو بدعاء زوجها "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا".
2- تُعد له أشهى ما يحب من الطعام قبل أن يصل إلى البيت وتهيِّئ له مكان نومه وهي تشعر بـ"قرصة" جوع حبيبها في معدتها وتعب جسده يصدع رأسها.
3- تتزين وتتجمل وتتعطر وترتدي أبهى ما لديها وقد ارتسمت في مخيّلتها صورة عينَي حبيبها تجتهدان في غض البصر في زمن ضعُفت فيه أعين الأتقياء أمام المغريات والفتن.
4- تستقبله بأرقِّ الكلمات وأعذبِ الابتسامات وهي تمسح غبار وجهه بثغرها وتُزيل تعب كتفيه بكفيها.
5- تشكره وتمدح ذوقه ومهارته في الشِّراء ولا تذم فاكهةً حامضةً اشتراها، بل تتركه بذكائها يكتشف ذلك بنفسه.
6- تحكي له بمرَحٍ مواقفَ وأحداثًا مسلية وتنسى خلاف الأمس وهي تُطعِمه بيدها لقيمات يحبها في فمه وتتجنَّب تمامًا الشكوى والكئيب من الكلام.
7- تغطي جسده المتعب بدثارها الدافئ، وتمسح جبينه، وتتمنَّى له نومًا هادئًا وتمنع ضوضاء الأطفال من الوصول إليه.
8- تُطعمه الحلوى مع الشاي وتُربِّت على كتفه وتمسح كفَّه وهي تواسيه في مشكلة أصابته وتشجِّعه على تحقيق طموحه.
9- تسانده في وقت الشدة بأرقِّ الكلمات وتبشِّره بتفاؤل وقد تردّد صدى صوت أمها خديجة- رضي الله عنها- عندما عاد رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده وهو يخبرها بنزول الوحي عليه، فقالت: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا.. إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ (العاجز)، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر".
10- وهي قانعةٌ بما آتاها، إن أعطاها شكرت، وإن ضاق بهما العيش صبرت، فلا تنظر إلى أختها أو جارتها، ولا ترهق زوجها بأشياء مبالَغ فيها، ولا تُحزن زوجها، ولا تشق عليه ولا تدفعه إلى الحرام.
11- وهي تُشعر زوجها دائمًا بالسعادة والفرح عند وجوده في البيت وتتفرَّغ له وتمدحه دائمًا وتُظهر له كم هي سعيدة بارتباطها به.
12- وهي تجدِّد دائمًا في مظهرها وتبدو أمام عينيه جميلةً في كل وقت وظَرف، وتتخذ النظافة والبساطة شعارًا لها ولأولادها وبيتها، وتهتم بأغراض زوجها فترتبها دائمًا وتنظِّمها وتدلُّه على مكانها.
13- وتتجنَّب فترات الصمت الطويلة بينها وبين زوجها وتتجنَّب شعور الغُربة بينها وبين زوجها، فتصنع أوقاتًا للصفاء في البيت وخارجه، في نزهات لطيفة، يسترجعان فيها أجمل الذكريات ويجدِّدان الودّ.
14- تجدِّد وتتفنَّن في إسعاد زوجها والبحث عمَّا يحبُّ، مظهرًا، وهمسًا، وسلوكًا، وتفعل كل ما يُحبه ويُرضيه خلال العلاقة الخاصة بينهما.
15- وحين يجلسان معًا جلسة صافية ليتسامرا أو يشاهدا التليفزيون أو يناقشا أمرًا.. فإن مكانها دومًا بجانبه على الأريكة ولا يفصل بينهما سنتيمترٌ واحدٌ

مقولة : " ما أفلح قوم ولوا أمورهم إمرأة" الشائعة والمنسوبة الي النبي صلي الله عليها وسلم قد أخرجت عن سياقهاوأمست تقال قي غير موضعها.وهي مقولة لاتتفق مع الفطرة ومع فلسفة الآسرة التي أقول بها ولامع التاريخ الذي لايوجد فيه مايشين حكم المرأة. قد يكون صحيحا القول بأن امرأة بدون رجل أو رجال الي جانبها تقودهم ويساندونها لايمكن لحكمها أن يفلح ، وهو مثل القول يد واحدة لاتصفق ، وهذا يتفق أيضا مع فلسفة الأسرة حيث إمرأة وحيدة لايمكنها بناء أسرة وكذلك رجل وحيد لايمكنه بناء أسرة . ومن ذلك يمكن استنتاج بأن رجلا واحدا أو امرأة واحدة لا يمكن أن يحكم دولة منفردا دون أن يجني عليها ويتسبب في خرابها.الحكم الفردي المستبد سواء علي مستوى الأسرة أو الدولة هو في غير صالح أي منهما. كثير من الآباء تركوا تربية ابنائهم لزوجاتهم أو العكس فما كانت النتيجة الا أن ساءت تربيتهم أو علي الأصح لم تنجح تربية الأم وحدها أو تربية الأب وحده في بناء شخصية الولد أو البنت وكل منهما يحتاج الي تأثير الأب والأم معا في أن واحد عليهما وتكامل هذا التأثير. عندما كنا نسمع العوام يصفون رجلا لايفي بالعهد أو ينطق بالفحش أو لايحسن العمل أو يتهرب من حمل المسؤولية بأن ذلك راجع لأنه : "تربية امرأة" ، اذ تربي في حجر مطلقة أو أرملة ، فانهم في الواقع قد أصابوا الحقيقة. ليس في هذا انتقاص من قدر المرأة وانما تأكيد علي أن كل ماهو مشترك لايقبل الانفراد به أوفيه ، ونفس الشيء لاتفلح تربية الآب وحده لابنائه في غياب أمهم ولذا يعد الأولاد ضحايا الطلاق والاكثر معاناة منه وتعرضا للضرر بسببه.

اذا كانت المرأة بمقدورها تولي شئون الآسرة الصغيرة شبه منفردة وبعون محدود من زوجها فإن ذلك يجعلها مؤهلة لتولي شئون الأسرة الكبيرة – الدولة – بمعونة محدودة من زوجها أو من يقوم بدوره المساعد في ادارة شئون البيت. على هذا النحو نجحت مرجريت تاتشر، الزوجة والأم وابنة البقال فبل زواجها والتي كانت تساعد أبيها في محل البقالة ، في إدارة شئون بريطانيا بعقلية ربة البيت . ومن قبلها نجحت حتشبسوت في صنع مالم يسبقها اليه حاكم مصري أو يصنع مثله أو مايضاهيه حاكم مصرى في التاريخ الفرعوني أو في الزمن الحالي. يمكن التذكير أيضا ببلقيس والزباء وملكات الممالك الاسيوية الاسلامية القديمة وبفيكتوريا أيضا والقائمة طويلة لنساء أمسكن بزمام الحكم فأفلحن ومنهن كثيرات كن يحكمن من خلف الستار. وفلح أقوامهن في ظل حكمهن المباشر وغير المباشر.

التكامل في الغرائز والصفات:
تكامل الرجل والمرأة والذي يتجلى في الزواج وبناء الأسرة يأتي من أنه إذا فضل الله أحدهم في أمر ميزه به فضل سواه عليه في أمر أخر، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالي : " ولاتتمنوا مافضل الله به بعضكم علي بعض ، للرجال نصيب مما كسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ،وسألوا الله من فضله ، إن الله بكل شيء عليما" ( النساء32). فالايه صريحة هنا بأن هناك مافضل الله فيه الرجال عن النساء وهناك مافضل فيه النساء علي الرجال والفضل هنا يعني الزيادة ومالدي الرجال مماثل في نوعه مالدي النساء ولكن يختلف مفدار كل نوع منه عند هذا وذاك . ولايجب أن يتمنى الرجل أن يكون لديه نفس القدر الذي لدي المرأة أوالمرأة نفس القدر الذى لدي المرأة من شيء ما لأن هذا التفاوت هو الذي يميز الرجل عن المرأة ويميز المرأة عن الرجل تمييز صفات بدنية أو نفسية بدونها لايكون الذكر ذكرا ولا الأنثي أنثى. يكفي مثلا القول بأن الهرمونات الذكرية (التستيرون أبرزها) والهرمونات الأنثوية ( الاستروجين أبرزها) موجودان في جسمي الرجل والمرأة علي السواء ولايكمن الفرق الا في مقدار ماتفرزه الغدد منهما في كل من الذكر والانثى وكمية وجودهما في دم كل منهما.
تجدر الاشارة هنا الي أن الغرائز الفطرية وماينجم عنها من انفعالات وميول ونزعات ومشاعر منبثقة عنها أو ردود فعل منعكسة شرطية أو غير شرطية مرتبطة بها ، بخلاف مايكتسب من هذا كله ن كلها منح ونعم زود بها الخالق الإنسان مثل باقي مخلوقاته للأمن والحماية وحفظ النوع والبقاء . الا أن مازود الانسان به منها له خصائص لاتوجد في غرائز الحيوان منها تحقيق المتعة لذاتهاالي جانب وظيفتها الاصلية والتمكين من التوحد الذي تقوم عليه الأسرة عبر التزاوج بين الرجال والنساء فضلا عن التمكين أيضا من عبادة الخالق بعد أن جعل له صور وسبل العبادة للانسان تشمل كل التحركات والسكنات الصالحة في حياته التي تحقق نفعا ولاينجم عنها أو يرافقها مفاسد. هذه النعم اذن تستوجب الاعتزاز بها وعدم الخجل أو الحرج من امتلاكه لها وتمتعه بها وتقتضي أيضا حمد المنعم وشكره عليها. فالعبادة عبادتان : واحدة محددة علي الفرد أن يقوم بها في مواقيتها وحسب ضوابط سواء كان وحيدا أو في وسط جماعة. وهي تتمثل في الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وعبادة ثانية تخرج الفرد من فردانيته الى رحاب الجماعة أو التعدد حيث لايمكن له أن يؤديها الا بالتوحد مع سواه أو الاندماج في المجموعة بدءا بتكوين أسرة يعترف بشرعيتها المجتمع وانتهاء باندماج أسرته الجديدة ضمن النسيج الاجتماعي للأمة الذي يجعلها مثل الجسد الواحد الذى اذا اشتكي عضو منه تداعي له سائر الأعضاء والسهر أو كزرع أخرج شطئه ليعجب الزراع ويغيظ به الكفار..
الموروثات والمكتسبات:
إن الصفات و الطبائع والجبلات والأمزجة تتحكم في تكوينها عوامل متعددة أشهرها خمس هي :
1. الفطرة : وتتمثل في الغرائز الطبيعية المزود بها الكائنات الحية .
2. الوراثة : وتتمثل في فيما تنقله الجينات الورائية من صفات ظاهرة وكامنة أو متنحية لدي الوالدين والسلالات المنحدرين منها.
3. الاكتساب : ويشمل كل مايكتسبه الفرد من البيئة الطبيعية أو الاجتماعية ومن تأثيرات الخصائص الجغرافية للبيئة الطبيعية من تضاريس ومناخ وظروف عيش وأيضا من البيئة المجتمعية من عادات وتقاليد وثقافة سائدة.
4. فصائل الدم : حيث لوحظ أن أصحاب كل فصيلة منها (A و B A وB وO) لهم طباع متشابهة فمنهم العملي البراجماتي ومنهم الخيالي الحالم الرومانسي...الخ
5. زمن الولادة:اذ يوجد تشابه أيضا في طباع المولودين في برج فلكي معين مثل الجدي أو القوس أوالأسد أو العذراء والجوزاءأو الميزان...الخ. وهو من الأمور التي يصعب تفسيرها وإن أضطر للإقرار بصحة ولو نسبية لها . وهي علي أي حال تشير الي علاقة الانسان بماهو غيبي وميتافيزيقي ويندرج ضمن أسرار الكون.
بينما تتأثرالغرائز و الطباع في قوتها وضعفها بالغذاء والصحة والمرض والضغوط الإجتماعية والنفسية والارهاق الجسدي والنفسي وعمليات التوجيه والتكلييف والتربية والتعليم. ..فتقوى أو تضعف. فقد تقوى أو تضعف غرائز وطباع لدي الأب أو الأم فتنتقل بحالتها المعدلة عبر الجينات الوراثية الي الأبناء.ولوأن ذلك في الصفات(الطول والقصر- لون البشرة والشعر والعينين....الخ) وفي الطباع ، أوضح منه في الغرائز باعتبار أن الموروث والمكتسب فيها أكثر مماهو فطرى وثابت نسبيا في الانتقال عبر الآجيال المتعاقبة. الصفات تخضع لقوانين مندل في الوراثة وتبدو واضحة ولكن الطباع لايمكن ملاحظة انطباق قوانين الوراثة عليها. ويشيع في شأن الوراثة مقولات مثل الولد يخرج مثل خاله والبنت تخرج مثل عمتها وهي مقولات ناتجة عن ملاحظات الناس لايمكن تأكيد صحتها أو نفيها. ومع ذلك فان الموروثات التي لاتخضع لقوانين مندل لايمنع ذلك من أن يكون لها قوانينها الخاصة. من المعقول أن الانفعالات الناشئة عن طباع معينه وكذلك ردود الأفعال النفسية يتسبب عنها تغييرات كيميائية في الدم وهذا من شأنه أن يقتح الباب أمام تغييرات فسيولوجية أيضا بمرور الوقت ويتم توريثها للابناء . والأمراض الوراثية أو الاستعداد الوراثي للاصابة بأمراض محددة في تاريخ العائلة يمكن أن يكون نتيجة ذلك.

إن الطباع المكتسبة في جيل يمكن أن تتحول الى وراثية في الجيل التالي. لذا فان الصفات الوراثية ليست كلها فطرية. والفطري من الموروثات يمكن أن يتأثر من حيث الحدة والضعف والاعتدال بثقافة المجتمع وبالبيئة الطبيعية وبنوعية الغذاء. وسنجد أن أنواع من التغذية لها تأثير بالايجاب والسلب علي الانفعال الشبقي سواء في الاشتهاء أو قضاء الوطر وفي ردود الفعل الناتجة عن تلك الانفعالات مثل الاثارة والتهيج والمتمثلة في الانتصاب واحتقان الخصيتين بالنسبة للرجل وانتصاب حلمتي الثدي والبظر وزيادة الافرازات المهبلية عند المرأة.والخمور مثلا تزيد من الرغبة وتضعف القدرة الجنسية علي نحو ماهو شائع عنها أي تزيد من قوة الإنفعال وتضعف من رد الفعل. وفي المخدرات ماهو محفز وماهو مثبط واذا اعتبرنا الحشيش من المخدرات المحفزة فا ن ادمانه يمكن أن يتسبب في اتلاف الالياف العصبية بالعمود الفقري فلاتصل إشارات المخ الي الجهاز المركزى العصبي وبالتالي يتعذر الانتصاب تماما ويعتبر مصاب بالعنة أن العجز الجنسي حتي يتم معالجته منه . وفي نفس الوقت توجد طائفة كبيرة من أنواع الأغذية والتوابل والأعشاب الطبية التي تلعب دورا مشهودا به في المحافظة علي الكفاءة الشبقية. ولكن سواء وجدت المؤثرات الايجابية أو السلبية عل الغريزة الفطرية فانها تظل في جميع الحالات موجودة بذاتها ولايمكن الاستغناء عنها أو التخلص منها.
ويتوحد كل ماهو فطرى أو وراثي أو مكتسب من غرائز وميول وطباع ومشاعر وقيم وعادات في الفرد مكونا شخصيته.لذا تبدأ عملية التوحيد عند الفرد في ذاته أو في نطاق الأناث ثم تتطور الشخصية وتكتسب سمات جديدة مع توحيدها مع الزوج ، الأنثى مع الذكر ، من خلال الزواج وبناء الأسرة. ويتواصل تطوير الشخصية من خلال عمليات التوحد المتوالية مع الدوائر المجتمعية المحيطة الأوسع ، الاقرب منهاثم البعيد فالابعد , والأصغر فالأكبر. ويمثل الفعل الغريزى نفسه صورة مثالية للوحدة إذ تتوحد جميع أجهزة الجسم لانجازه واتمامه. والتوحد مع الأخر والذي هو الزوجة بالنسبة للزوج والزوج بالنسبة للزوجة يعتبر في حد ذاته غريزة مستقلة عن الغريزة الشبقية بحيث يمكن أن يتم في حياة زوجية خالية من الشبق ، والدليل علي صحة ذلك : زواج رجال عجائز فقدوا الاهتمام بالشبق مع نساء قواعد لايرجون نكاحا من المسنات وكثيرا ماتنشر الصحف أخبارا من هذا القبيل.
( أرجو أن يلاحظ القارئ بأنني استعمل لفظ التوحد هنا بمعني توحيد من هم أكثرمن واحد في واحد .وهو طبعا توحد أو توحيد مجازي. علما بأنه يوجد في علم النفس مرض أطلق عليه في العربية لفظ التوحد يصيب الأطفال والكبار فيجعلهم يميلون الي العزلة والانفراد بأنفسهم بعيدا عن الآخرين)
والحقيقة أن أعضاء الجسم كله تشارك في حالتي الانفعال الغريزى والفعل الغريزى معا. نأخذ على سبيل المثال غريزة الخوف وتفادى الخطر المرتبط بها.سنجد أن الإنسان اذا ما واجه خطرا لاقبل له به تعرق وجهه وانحبس صوته واصفر لونه وجف حلقه وارتجفت أطرافه انفعالا بالخوف.ويكون رد فعله الطبيعي في غمرة هذا الإنفعال هو الهرب الفورى من الخطر . فإن سدت أمامه المسالك ولم يجد منفذا للهرب والانفلات من قبضته أصيب بشلل مؤقت يعوقه عن الحركة وانقباض في الشرايين يزيد من صفرةوجهه وقد يصاب بسكتة قلبية وقد يشيب شعره في لحظتها حتي لوكان مازال طفلاصغيرا . ولذا فان الجسم كله ككيان موحد يشارك في الفعل والانفعال الغريزى أيا كان نوعه.وفي نفس المثال السابق سنجد أن الخائف يزداد سرعة في الجرى عند الهرب لايصل اليها في الظروف العادية ولكن هذه السرعة التى تتجاوز ذروة مايحتمله الجسم قد تفضي فجأة الي انهيار كامل قد يتسبب عنه توقف القلب عن النبض. الغريزة في حالتها الطبيعية المتسمة بالاعتدال فطر الله الانسان عليها لمنفعته وحمايته ، فغريزة الخوف مثلا تدفع الانسان الي الدقة والحرص واليقظة الحسية مما يجعلها ذات أهمية كبيرة له ولا غنى له عنها. الاأن غريزة الخوف مثل كل الغرائز تخضع لقانون : " مازاد عن حده انقلب الي ضده" فاذا زاد الخوف عن حده تحول الي مرض نفسى أي الي "فوبيا".لذا فإن الافراط في الاستحابة للغريزة والانفعال بها يعد ضارا وخطرا. اذ قد يتحول الخوف الغريزى في حالةالاحساس المفرط او المتطرف الي جبن وتهرب من تحمل المسؤولية ويفسد الحياة الاجتماعية للخائف بأكملها وحالات الصرع التي يعزونها الي مس الجن هي في أغلب حالاتها حالات خوف مفاجئة دواعيها حقيقية أو متوهمة يلجأ فيها المريض الي الهروب من مواجهتها في الصرع ، أي هو مرض عصبي ونفسي محض لاعلاقة له بالجن وانما لهعلاقة بمظالم الانس وتجبرهم. والدليل علي ذلك هوأنه في معظم تلك الحالات لو انتقل المريض من البيئة التي تواتيه فيها حالات الصرع الي بيئة يشعر فيها بالامان، حتى لولم يتلق أية علاجات ، فإن نوبات الصرع تتوقف تدريجيا عن الحدوث. وقد لاحظت ذلك بنفسي في حالة فتاة لم تعد تأتيها تلك النوبات بعد أن انتقلت من بيت أسرتها التي كان أقرادها يسيئون معاملتها وتخاف أذاهم الى بيت زوجها.
بل وقد لايكون الخوف فيها من الغير وانما يخاف المريض من نفسه بعد أن يتخيل أنه إذا مااستسلم للغضب الذى تسببه له زوجته مثلا، سوف يقتلها ويقضي باقي حياته في السجن. وهروبا من ذلك الفعل والمصير، وبمجرد احساسه بأنه قد يغضب تواتيه نوبة الصرع . وقد يعلمنا هذا أهمية أن يشعر الزوج أو الزوجة بالأمان المطلق في بيت الزوجية.

مقاصدالأسرة ومقاصد الشريعة:
الاصوليون متفقون منذ الشاطبي أن مقاصد الشريعة خمس هي: حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل وإن كنت أقترح أن يزاد عليها حفظ الآمانة والاحسان والعدل والتراحم والكرامة الانسانية ووحدة الأمةوالإمامة.. سأبدأ أولا بالمقاصد المتفق عليها ثم أضيف المقاصد التي أقترحها لكي أثبت أن مقاصد الأسرة هي بذاتها مقاصد الشريعة أو تحققهاا بكاملها أويجب أن تكون كذلك . واذا كانت الشريعة والاسرة لهما نفس المقاصد فان هذا يكفي للدلالة على ضرورة دمجهما معا وعدم امكانية الفصل بينهما. واذا ما أخذنا بفلسفة الاسرة في جانبها السياسي واعتبرنا بالتالي الدولة أسرة كبيرة لوجدنا أن حاجة الدولة للشريعة أكبر من حاجة الشريعة للدولة ، بل ربما لاتحتاج الشريعة للدولة كبيرة أو صغيرة. ولأهمية موضوع وحدة المقاصد لدى الشريعة والأسرة سأفرد له بحثا مستقلا إن شاء الله تعالي.


فوزي منصور
e-mail:fawzym2@gmail.com







No comments: