Tuesday, August 21, 2007

إقامة أسرة وعلاقة زوجية علي أسس متينة-الأسرة والحياة الزوجية

الاسرة والحياة الزوجية:


إقامة أسرة وعلاقة زوجية علي أسس متينة


عقد الزواج أو 1+1=1
تبدأ العلاقة الزوجية بعقد زواج يحول اثنين الي واحد ، أي ذكر وأنثي الي أسرة واحدة. وهو عقد ليس بعقد مشاركة أو معاوضة يتقاسمان أو يتبادلان بموجبه المصالح والمغانم . وهو أيضا ليس بعقد اذعان يخضع أحدهما للاخر الذي يملي عليه شروطه. بل إنه في صيغته الاسلامية ليس عقدا مبرما بينهما هما طرفاه وانما هو عقد مبرم بينهما وبين الله سبحانه وتعالي يمثلان فيه معا متضامنين ومتكافلين أحد طرفيه ويمثل الله الطرف الثاني الذي يتم الاقرار في العقد أن الزواج تم علي اسمه ووفق أحكام كتابه وسنة رسوله وأن الزوجين بموجب العقد لحكم الله يذعنان واليه ينيبان. ولذا سمي بالرباط المقدس وسماه الله في كتابه بالميثاق الغليظ . قال تعالي : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلاتأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الى بعض وأخذا منكم ميثاقا غليظا (النساء21). والأصل في الزواج الذي عقد علي اسم الله وعلي كتابه أنه لايحق للزوجين أو لأحدهما فسخ العقد علي أساس أن ماأبرمه الخالق لاينقضه المخلوق الاأن رحمة الله التي وسعت كل شيء وحتي لايكون في الدين عنت علي المؤمنين جعلت الله لايلزم عباده بميثاق قد يتعذر عليه في حالة استمرار نفاذه اقامة جدود الله فأحل الطلاق للضرورة الملحة التي تجعل من الزواج مصدر شقاء وتعاسة لكل من الزوجين عوض أن يكون مصدر سعادةوهناء وأمن وسلام وسكينة ويفقد الزواج أهم خصائصه المتمثلة في المودة والرحمة. أو أن يكون في بقاء العلاقة الزوجية ضرر بين لأحدهما أو لكليهما حيث لاضرر ولاضرار في الدين.فالله لايشرع الشرائع لاتعاس الناس وانما لإصلاح أحوالهم مصداقا لقوله تعالي : " طاها ماأنزلنا عليك القرآن لتشقي ، الاتذكرة لمن يخشي".
أود أن أنبه هنا الي أن الزواج معروف منذ القدم وشروط صلاحيته كعقد بين رجل وامرأة من ايجاب وقبول وصداق وشهود علي العقد واشهارله هي نفس الشروط لدى جميع شعوب الارض تقريبا وان اختلفت أديانهم أو الطقوس المصاحبة لاتمام الزواج . وعقد الزواج المكتمل الشروط السابقة هو عقد منتج لاثاره بالنسبة لطرفيه حتي لولم يذكر فيه اسم الله وحتي لوكان بين مسلمة ومشرك الا أن المؤمنه محرم عليها أن تمكن منها مشرك يطأها حتي يؤمن فان آمن بالله وبوحدانيته حلت له علي الفور ودون عقد جديد. واذا لم يذكر في العقد أن الزواج لمسلم ومسلمة تم علي كتاب الله وسنة رسوله فان ذلك لايمنع خضوع الزوجين المسلمين لاحكام الزواج في كتاب الله طالما ظلا علي اسلامهما ولكنهما اذا كانا يعيشان في ظل حكم غير اسلامي لايكون بوسع احدهما المطالبة بحق في كتاب الله والذي لم يرد في العقد بأن الزواج يخضع له وانما يكون لكل منهما الحقوق المقررة في عرف المجتمع وقوانين الدولة الوضعية. في احدي الدول العربية المسلمة يكلف كاتبان معتمدان من السلطة القضائية بعقد وتوثيق الزواج وقد حضرت زواجا اكتفي به الكاتبان بالحصول علي توقيع الزوجين وشاهدين علي دفتر معهما واعتبرا أن ذلك يكفي لعقد الزواج باعتبار أن توقيع العروسين يعد بمثابة اقرار ضمني بالموافقة علي الزواج وعلي اتمام الايجاب والقبول . أنا لاأشكك في صحة الزواج علي هذا النحو المعيب والغير مسبوق في تاريخ المجتمعات الاسلامية والذي لايوجد مثيل له حتي لدي المجتمعات الوثنية ولكنه لايمكن أن يكون زواجا دينيا .والغريب أن هذا الزوا ج الذي لايختلف في أي شيئ عن الزواج المدني في أوروبا تعتبره سلطات تلك الدولة زواجا شرعيا أما الزواج الذي انعقد في دولة أوربية فلا تعتبره شرعيا ولاتعترف به. وقد يكون موقف تلك الدولة يجد مبررا ولو ضعيفا لوكان عقد الزواج الصادر(هو في الواقع لايأخذ صورة عقد وانما اشهاد من الكاتبين بوقوع الزواج) قد ذكر فيه بأن الزواج تم علي كتاب الله وسنة رسوله كما كان معتادا لديها من قبل وانما هذه العبارة لم تعد مذكورة في الوثائق الجديدة التي اطلعت عليها . وحدث ذلك متزامنا بقانون جديد ينظم العلاقات الزوجية تم اصداره بضغط من المنظمات النسائية المحلية المساندة من قبل التجمعات العلمانية في الداخل والهيئات الدولية في الخارج. فاذا كان هذا التحول قد تم بتعليمات من وزير جاهل ظن أنه بذلك يكون قد تخلص من الشريعة الاسلامية وأبعدها عن أخر مجال تحصنت به فان ذلك يدلنا علي نوعية من يحكمونا ولماذا تزداد مجتمعاتنا تخلفا وفقرا وتفككا واضطرابا ويصعب حل مشاكلها التي تتفاقم وتزداد تعقيدا.

عقد الزواج اذن ليس عقد تملك أو عقد نكاح كما يطلق عليه في بعض الدول الاسلامية لاهدف له سوى احلال تمتع الرجل بالمرأة وهو أيضا ليس عقد معاوضة تقدم فيه المرأة بضعتها مقابل الانفاق عليها كما ذهب الي ذلك الفقهاء ولاعقد اذعان من المرأة للرجل وانما هو عقد كما سبق ايضاحه يذعن فيه الزوجان لحكم الله وماقضي به الله ورسوله ، والمبادئ العامة التي تحكم ذلك العقد هي الوحدة والمودة والرحمة وبالتالي لامجال للحديث عن الحقوق والواجبات المتبادلة في اطار علاقة زوجية تسودها تلك المبادئ العامة وانما عن واجباتهما وسلوكياتهما في طل تلك المبادئ والتي تدخل في عداد الاحسان الذي يحاسبهما الله عليه : الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها.
إن توحيد الاثنين ، الزوج والزوجة ، في واحد – وإن مجازا- هو عودة بهما الي الأصل أو النشأة الأولى. قال تعالي : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" وقال : " أيحسب الانسان أن يترك سدى، الم يكن نطفة يمنى ، ثم كان علقة فسوى ، فجعل منه الزوجين : الذكر والأنثى".
الأسرة اذن تتكون من اتحاد رجل بالغ بامرأة بالغة اتحادا نفسيا وبيولوجيا واجتماعيا كاملا . وكما تتحد دولتان في وحدة اندماجية فتفقد كل منهما هويتها وسيادتها وحدودها وعلمها ونشيدها وعملتها النقدية وكل مايميزها عن غيرها لحساب هوية وسيادة وعلم ونشيد جديد وخصائص جديدةناتجة عن الوحدة الاندماجية فهذا عين مايجب أن يحدث في حالة اتحاد رجل وامرأة لتكوين أسرة واحدة تتكون منهما معا. وفي الطبيعة لاتتكون الثمار الا بعد أن تتحد الذكورة مع الأنوثة أي 1+1=1 وليس 2 أيضا.
يقول جان جاك روسو في كتابه العقد الإجتماعي بأن التعاقد الاجتماعي يتطلب أن يتنازل كل فرد مشارك في الجماعة عن جميع حقوقه كاملة للجماعة ، وأنه عندما يهب كل واحد نفسه للجماعة فإنه لايهب نفسه لأحد ، وطالما كل مشارك في الجماعة نحصل منه على نفس الحق الذى تنازلنا نحن بدورنا عنه فاننا –كجماعة – نكسب مايعادل كل مافقدناه . وأكثر من ذلك ، نكسب قوة للمحافظة على مالدينا.
إن كلمات جان جاك روسو تلك تنطبق أكثر ماتنطبق على عقد الزواج ومايترتب عليه وهو عقد حقيقي ثابت وليس عقدا متوهما أو مفترضا مثل العقد الاجتماعي. في الزواج لايجب الحديث عن حق الزوجة على الزوج وحق الزوج على زوجته وانما على حقوقهما معا كأسرة وجمع تتلاشى فيه الفردانية بعد أن تم فيه توحيد فردين في واحد.

الأسرة في الفكر التوحيدي عبارة عن شخصية مستقلة اعتبارية مندمجة في كيان يضم أسر عديدة مثلها وتتكون شخصيته الجماعية من حاصل جمع الأسر وليس الآفراد . ويستمد الأفراد حقوقهم من واقع الانتماء للآسر وليس بصفاتهم الشخصية. بمعني لايتم الإقرار في الفكر التوحيدى بالفردانية أو يتم الفصل بين الذكور والاناث وهما عنصري جنس انساني واحد وينتمي كل ذكر وأنثي حكما وضرورة الي أسرة ما ، سواء كانت أسرة كوناها بالزواج أو أسرة نشئا فيها كونها والداهما من قبل. وعلي سبيل المثال اذا كان أحد المؤشرات الاقتصادية في الفكر الاقتصادي الغربي المؤسس على الفردانية هو نصيب الفرد في الناتج القومي الخام للدولة فإنه في الفكر التوحيدي القائم علي فلسفة الأسرة فإن المؤشر يجب أن يكون نصيب الأسرة وليس الفرد في الناتج القومي .



الخطوبة الممهدة لبناء الأسرة:
الوحدةبين الذكر والأنثي تتم وتأخذ وضعها القانوني والشرعي والاجتماعي بعد ابرام عقد الزواج واقامة الزوجين تحت سقف بيت معا الا أن التحضير والاعداد لاتمام تلك الوحدة سابق في الكتاب على عقد الزواج.يتبين ذلك من قوله تعالي : ّ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكما مودة ورحمة "( الروم21) وقوله تعالي : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل72) . بل نجد أن الأسرة الطيبة الصالحة لاتحتفظ بكيانها في الدنيا فقط وانما يمتد كيانها ويستمر في الأخرة أيضا مصداقا لقوله تعالي : " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " (الرعد23). ولايحرم من هذا الحق سوى سوي من خرج على حدود الأسرة الصالحة وحق عليه الطرد منها ككيان و من مفهومها بما يحمله من معنى خاص ، كما قال الله تعالي لنوح فى شأن ولده الذى عصاه وأبي أن يركب معه السفينة لينجو وقال سآوي الي جبل يعصمني رغم تنبيه والده له من أنه لاعاصم اليوم من أمر الله ، قال الله في شأنه : " إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح"(هود46). وورد في أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزوجة الصالحة للرجل الصالح في الدنيا تظل زوجته في الآخرةوتعيش معه في الجنة.
واذا كانت المرأة تريد زوجا لها في الدنيا والآخرة فإن عليها أن تحسن اختياره لتضمن أن يكون من أهل الجنة وأن يرافقها فيها إن أكرمهم الله بها ونفس الشيء بالنسبة للرجل المقدم على اختيار زوجة له وجب عليه أن يحسن الاختيار.
اذا تم الزواج بين رجل وامرأة غير متوافقان في طباعهما وصفاتهما وغير متآلفة نفوسهما تحت ضغط ظرف ما أو لسبب ما قد يكون الرعونة والاندفاع الطيش أو تأثير الغير أو السحر أو الطمع أو الكيد أوبلوغ هدف ما من الزواج يتم التخلص من الزوجية بعد الحصول عليه أو غير ذلك مما لايكون فيه تبصر وحكمة وأناة ، ولم تتوفر في عقده بسبب ذلك أو بالاضافة اليه النية الحسنة من الطرفين أو من أحدهما فإن مثل هذا الزواج مآله الي الفشل حتما. ويصعب أن تتوفر فيه المودة والرحمة أو التوافق النفسي أو الجسدي. فإذا انتهي الي النتيجة المحتومة وهي الطلاق ، وانفك عقد الأسرة واسترد كل من الزوجين فرديته المطلقةلحين معاودة الزواج مرة أخرى فسيظلان موصومان بأنهما ارتكبا أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق وجلبا بالتالي غضب الله عليهما لذلك .غضب علي الذى لم يحسن الاختيار في البداية وغضب أشد عمن تسبب في أن تصل الأمور الى الطلاق بينهما.ولتفادي ذلك وجب أن يحسن المقدم علي الزواج اختيار شريكه فيه. ولكي يتمكن كل من المقبلين على الزواج من اختيار شريكها اختيارا حسنا مأمونة عواقبه باذن الله لضمان دوام العشرة واستقرار أسرتهما وتحقق السعادة الزوجية بالمحبة والسكن والأمان والمتعة فانه يجب أن تتوفر لديهما حرية الارادة والتصرف والاختيار دون أدني تأثير أو ضغوط خارجية عليهم ودون التدخل في شأنيهما من أحد الا لتنبيهما لما قد يكونا قد غفلا عنه أو لاعلام أحدهما بمايجهله عن الأخر حتي تكتمل لديه صورة حقيقية عنه.
لقد اهتم الاسلام بحق اختيار الزوج وأرشد الى صفات إن توفرت في الزوج ذكرا كان أو أنثي كان الزواج منه مأمونا ولو في الحد الأدنى . وقد طالب الاسلام الايتزوج الرجل بغير المؤمنة العفيفة والاتتزوج المرأة بغير الرجل المؤمن العفيف . فإن قصر مال الزوج عن الزواج ممن تطلب مهرا فوق استطاعته وجب عليه الزواج ممن تقنع بصداق أقل ولوكانت أقل مكانة اجتماعيا مادامت مؤمنة أحصنت فرجها . وفي ذلك يقول المولى عز وجل : " ومن لم يستطع منكم طولا(أي سعة في المال )ا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض (أي الله أعلم بايمان كل منكما فلإن دلستما على أنفسكم وتركتم المؤمنة فالله أعلم بايمانكم ويحاسبكم عليه ولايمكنكم خداعه والتدليس عليه) فأنكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن (أي مهورهن) بالمعروف " (النساء25). وقال تعالي ناهيا وأمرا في نفس الوقت : " ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولوأعجبتكم ، ولاتنكحوا(الخطاب هنا للنساء) المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم" (البقرة 221) .وقال صلي الله عليه وسلم : " اياكم وخضراء الدمن " ، قيل له وماخضراء الدمن؟ ، قال: " المرأة الحسناء في المنبت السوء" . ولقد شاهدت نبتة "الداتورة" المخدرة السامة في ارض سبخة لاينبت فيها زرع وأوراقها وساقها خضراء لامعة وزهراتها يانعة رائعة تسر الناظرين وفيها يتركز سمها القاتل ، فعلمت أن هذه ومثلها هي مايعنيه الرسول بخضراء الدمن وشبه بها المرأة الحسناء ذات المنبت السوء، وأن الله علمه مالم يكن له ولا لقومه علم به. ولابد أن هذه الحسناء ذات المنبت السوء هي أيضا عشرتها سامة وقاتلة . وما ينطبق على الأنثي ينطبق أيضا على الرجل الوسيم أو القوى البنية والمفتول العضلات الذي يلفت الأنظار اليه وهو من منبت السوء. وشبيه بذلك قوله صلي الله عليه وسلم : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " مشيرا بذلك الى تأثير العوامل الوراثية على سلامة النسل وجودته .ويعتبر لذلك الاختيار الحسن للزوج أو الزوجة هو احسان للنفس باهداء مايسعدها اليها وابعاد عنها من قد يكون سببا في شقوتها واحسانا لمن تم اختياره وتفضيله تقدريرا لمحاسنه واحسانا للنسل أيضا عندما تتزوج الحسنة بالحسن فلاينجبان الا ماهو حسن مثلهما ، إن شاء الله تعالى.

علي المؤمن والمؤمنة طالما أنهما يطمحان في أن يتوفقا في الزواج على كتاب الله وسنة رسوله فان عليهما أن يتبعان ماأمر به الله ورسوله في اختيار الأزواج الملائمين لهم. ولقد حرم الله الزواج من المشرك والمشركة والزاني والزانية. قال تعالي : " والزاني لاينكح الازانية أو مشركة والزانية لاينكحها الا زان أو مشرك، وحرم ذلك علي المؤمنين." (النور 3) والمقصود بالزاني والزانية هنا من اشتهرا بمقارفة الزنا وأنهما لايكفان عنه ، أما من أخطأ وستر الله عليه خطيئته وتاب من قريب فان" الله يغفر الذنوب جميعا الا أن يشرك به" ولاتنطبق عليه أو عليها هذه الآية ماداما يريدان من الزواج احصانا يمنع من السقوط مرة أخرى في براثن الرذيلة.
ولأن الله سبحانه وتعالي يعلم أن الزواج يتم غالبا نتيجة الاعجاب المتبادل إن لم نقل الغرام والعشق المتبادل ، فان هذا الإعجاب أو الغرام يجب ألايمنع طاعة الله أو يحل ماحرمه ، واذا كان الاسلام قد أحل الزواج من الكتابية فلأنه كان في زمن بعثة الرسول من أهل الكتاب من هم يعدون موحدون خاصة في اليمن والحبشة ومصر وفلسطين من النصارى . وقد أخبرنا الله في كتابه بأن أهل الكتاب ليسوا أمة واحدة موحدة وانما فيهم أمم مؤمنة وأخرى مشركة وأمم من المؤمنة قانته وأخرى مقتصدة . واذ حرم الله الزواج من المشركين فسواء كان المشرك من أهل الكتاب أو من غيرهم . بل قد يعد أناسا في المجتمع المسلم من المسلمين وهم الي أهل الشرك أقرب فهؤلاء ايضا يحرم التزاوج معهم مالم يكن ايمانهم وتوحيدهم صريحا وبينا لايشوبه لبس ولا شبهة. فمن أهل الاسلام اليوم أمم مؤمنة وأخرى مشركة ومن المِؤمنين فيهم من هو قانت ومن هو مقتصد. بل في داخل الاسرة الواحدة من مجتمع المسلمين يمكن أن نجد هذه التشكيلة من الناس. والأمة هي التي تتبع اماما فمنهم من إمامه الرسول ومنهم من إمامه فقيه في الدين ومنهم من إمامه شيطان رجيم من شياطين الجن أو الإنس هو له من التابعين.
من يبادر بابداء الرغبة في الزواج:
اذا كنا نقول بأن الزواج يتم بموجب ايجاب –أى عرض- من المرأة وقبول من الرجل فعلينا أن نلاحظ أن العرض سابقا هنا علي القبول. وهو مايفترض أن يستخلص منه حق الفتاة في أن تخطب لنفسها من ترتضاه زوجا لها ، وواجب الأب التقي الذي يرعي الله في ابنته أن لايجد حرجا في أن يسعى لتزويجها ممن يرتضيه لها ، والاينتظر أي منهما أي يدق الخطاب علي بابهما. لايعني هذا أن تذهب الفتاة أو أن يذهب أبوها الي دار الفتى لخطبته ، وانما يعني التعبير عن معني العرض للشاب علي نحو ما ولو تلميحا. أعرف أن ماأدعو اليه هنا يعد مخالفا للأعراف السائدة ولكنه يكفيه شرفا أنه يتفق مع مقاصد الشريعة في حفظ الكرامة والعرض ويتفق مع أسس العقيدة ولايخالفها. وله في تراث الاسلام سند. وكم من فتى صالح أعجب بفتاة وهو ند لها وكانت راغبة فيه وتردد في التقدم الي خطبتها خوفا من أن ترفضه أو خشية أن يعجز عن الوفاء بمتطلبات أسرتها أو هكذا توهم أو ظن أنها منشغلة عنه بسواه بعد لاحظ اهتمامها به ، وقد يكون من رآه معها من محارمها، وامتنعت هي عن تحفيزه أو مفاتحته بشكل مباشر أو غير مباشر بدعوي الكرامة أو أن الخطوة الأولي يجب أن تأتي منه ثم تكون نتيجة التردد من الطرفين أن يقبل كل منهما ا لزواج بمن لايصلح له فيعانيان بسبب ذلك وينتهي زواج كل منهما الي فشل كان من الممكن تفاديه لوكان لديه الجرأة لكي يعبر عما في نفسه.

كانت السيدة خديجة بنت خويلد من أشراف قومها وذات مال فلم يمنعها ذلك من أن ترسل صديقتها نفيسة لتعرض الزواج علي من يتاجر لها وتم الزواج وأكرم الله زوجها بالنبوة والرسالة.وان قيل كان هذا قبل الاسلام فإن الإسلام لم يمنعه . بل لوكان يتم قبل الاسلام في السر فقد تم بعد الاسلام في الجهر وكم من امرأة جاءت للرسول في المسجد تقول له علنا بأنها وهبت نفسها له وهي تعلم أنه لم يعد بمقدوره الزواج بأي امرأة فوق مالديه من زوجات ولكنها بكلمتها تلك تطلب من النبي أن يزوجها لم يرضاه لها وترتضيه لنفسها.فيقوم بتزويجها لأحد المسلمين بموافقتها. وما استنكر أحد هذا التصرف منهن بل أكبرنه .واذا قيل كان هذا مجتمع بدوي غير متحضر حتي نقلد أصحابه فأ ليس أصحابه هؤلاء هم بذاتهم صحابة الرسول والسلف الصالح الذي تطالبون بتقليدهم والاخذ عنهم حتي في شكليات لانفع فيها ولاضرر من تركها؟.أنا لاأطلب من الفتاة أن تكون علي هذا القدر من الشجاعة ، وليتها تمتلكها، ولكن يمكنها أن تتصرف علي النحو الذي تصرفت به السيدة خديجه فتعرض عليه الزواج عن طريقة صديقة لها ولو أن ذلك لن يمنع الصديقة إن لم تكن وفية أو متزوجه أن تخطبه لنفسها.

أما خطبة الرجل لابنته فالتراث ينقل الينا الكثير من تصرفات لعلماء من الزمن الاول وأناس صالحين في هذا الشأن . ولنا في ماروي عن الفاروق عمربن الخطاب رضي الله عنه مثلا عندما أكملت ابنته حفصة عدتها فذهب يعرضها علي صديقيه أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان فلما يجيباه بقبول أو رفض مما أغضبه، وذهب يشكوهما للرسول عليه الصلاة والسلام فتزوجها الرسول مرضاة لله ولعمر أو لرغبة فيها والله أعلم .

ونجد في القرآن الكريم أن نبي الله شعيب قد عرض علي موسي الزواج من احدى ابنتيه بعد أن أنس منها الاعجاب به عندما طلبت من أبيها أن يستأجره وحفزته على ذلك بقولها : إن خير من استأجرت القوي الأمين ، فكان أن زوجها من القومىت الأمين.
ونجد في التراث أن سعيد بن المسيب رفض أن يزوج ابنته للخليفة الوليد بن عبدالملك بن مروان وكانت من أجمل النساء وأحفظهن للكتاب والسنة وعرضها علي أحد المترددين علي حلقة علمه ممن لمس فيه التقوى والصلاح وإن لم يكن ميسور الحال وماأن قبل بها فرحا حتي عقد له عليها وحملها اليه في مساء نفس اليوم.
وبصرف النظر عماجرى به العرف أو ورد في كتب الفقه أو في قوانين الأحوال الشخصية فأنه لايوجد في شرع الله مايمنع المرأة من أن تخطب لنفسها أو يخطب لها وليها من ترضى به زوجا ولايوجد فيه مايمنع أن تزوج فيه البالغة الرشيدة نفسها من تشاء سواء كانت بكرا لم يسبق لها الزواج أو ثيبا وانما من الأدب الاتفعل البكر ذلك الا بإذن وليها ، وهذا التأدب مكرمة وليس شرطا. ولها هذا الحق إن كان قد سبق لها الزواج حتى لوكانت مازالت قاصرة. أما اذا كانت قاصرة ولم يسبق لها الزواج فليس من حقها أن تزوج نفسها لمن شاءت دون موافقة وليها لأنها لاتملك أهلية التصرف لافي النفس ولافي المال ، وفي ذات الوقت لايحق لوليها أن يزوجها بمن لاترضاه لنفسها. وإن عقد لها كان ذلك خروجا عن حدود الولاية والتقوى وحق ابطال العقد حتى لاتجبر على البقاء على ذمة رجل تبغضه.
والرأي أيضا أن تتزين الفتاة وتتجمل بالملابس والحلي والكحل وتصفيف الشعر.. والخضاب طلبا للخطاب.واذكاء للطلب عليها دون مبالغة أو ابتذال أو خروج عن مقتضيات الحشمة والاعتدال. وأن ترجو بذلك فضلا من الله ورضوانا ولاتتبع خطوات الشيطان . قال تعالي: " إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله عدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "(البقرة268).
والا تهمل ذلك بدعوى التقوى فان التقوى الحقة هي التي تدعوها لأن تظهر في أحسن صورة ممكنة. وعندما تتزوج ، عندها لاتبدي زينتها الا لزوجها. وجاء فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " أما والله لو كان أسامة جارية حليتها وزينتها حتى انفقها" أى حتي تروق لاعين الخطاب فيقبلون عليها وتتزوج. وقد زوج رسول الله أسامة فاظمة بنت قيس ولما يبلغ السادسة عشرة من عمره ، وهو مايلفت النظر الي التبكير في الزواج لرفع العنت عن الأولاد والبنات. واذا كان يحول دون ذلك مايقال عن ظروف العصر ومايسوده من بطالة وغلاء والحاجة للحد من النسل وطول مدة التعليم....الخ فان كل هذه الظروف نتيجة للسياسات الحكومية الخاطئة والعقيمة والخضوع المذل للتعليمات الآجنبية والتقليد الأعمى للغرب في أسوء مالديه واغفال أحسن مالديه.. وأقل ماتوصف به هذه النتائج التى صنعت بجهل ونزق أو عن قساد وعمد هي أنها منافية للفطرة والطبيعة وجوهر الدين ومقاصده ومتطلبات الدنيا وماأخذ الله علي الدر من بني أدم من مواثيق بعد أن جعلهم من الأنبياء والمرسلين وأخذوا بدورهم بيع وعهود علي أتباعهم لحفظ تلك المواثيق والتي هي بذاتها الامانة التني عرضها الله على السموات والارض والجبال فأشفقن منها وحملها الانسان.. وقد أنذرنا المولي بذلك في قوله ::"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ماأمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، أولئك هم الخاسرون"(البقرة27). واذا بقيت السلطة في يد منفذى تلك السياسات فلن تتحسن تلك الاوضاع وانما ستزداد سوءا وتدهورا بمرور الوقت وهذا ماتثبته بالفعل الابحاث الجامعية والتقارير الدولية. لن يتغير شىء مالم يتم تغيير أصحاب الهمة الفاترة والعزيمة الخائرة والنفوس التي في غيها سادرة بمن هم أقدر علي حمل الأمانة والمسؤولية.

قد يكون من المفيد هنا ذكر عادات وتقاليد قبيلة الطوارق المنتشرة علي الحدود المشتركة لكل من الجزائر والنيجر ومالي . فهذه القبيلة ما أن تبلغ الفتاة عندهم حتي يقيمون حفلا يتم فيه دعوة شباب القبيلة الأعزب اليه يسمونه حفل التندي والغرض منه الاعلان أن البنت لم تعد طفلة وانما أضحت صالحة للزواج. ينزل الشباب الذين لديهم رغبة فيها الي حلبة الرقص فان فضلت البنت أحدهم أابانت عن موافقتها عليه بالنزول والرقص معه فينسحب الباقي ويتم اعلان الخطوبة وتستمر الخطوبة عاما كاملا يري فيهما كلاهما الاخر كل يوم فان توافقا أتم الزواج والا عادت الفتاة وأقام لها أهلها حفل تندي اخر. نفس الشيء يحدث للمرأة التي استوفت عدتها بعد أن طلقت أو ترملت فتقيم هي أيضا حفلا للتندي للاعلان عن انتهاي موانع زواجها ورغبتها في الحصول علي زوج جديد . هذا التقليد أتمني أن يتم الأخذ به في جميع المجتمعات الاسلامية.

وكما لايجوز للمسلم أن يخطب علي خطبة أخيه المسلم حتي يدع فلايجوز للفتاة المسلمة أن تفاتح شاب فى أمر الزواح بها وهي تعرف أنه خاطب لغيرها حتي يدع. ولما كانت فترة الخطوبة طال أم قصر أمدها يظل الغرض منها الاعداد للزواج ولكي يتأكد كل من المقبلين علي الزواج بصلاحية الطرف الأخر له، وتوافقه معه نفسا وخلقا وطباعا وفكرا وعادات ، فانه يجب ازالة أي قيود تحول دون تحقيق فترة الخطوبة أهدافها كاملة والاكتفاء بأن يوجه أهل كل من العروسين أولادهما الالتزام بالفضيلة وبما لايمس بالشرف أويعد خروجا علي حدود الدين ومن أساء منهما بعد ذلك فلنفسه و"كل نفس بما كسبت رهينة" "ولاتزر وازرة وزر أخرى". ودون أن يعني هذا ايضا التفريط الكامل الذي يتعدي تحقيق الخطبة أغراضها وآدابها ويهدر مسؤولية الأسرة عن اولادها وبناتها. اذا لايتطلب تحقيق الغرض من الخطبة أن يصطحب الفتي الفتاة الي بيت يخلوا بها فيه أو الي فراش يتقاسمانه سويا أو السفر معا الي بلد يبيتان في فنادقه أوماشابه ذلك من السماح لهما بقضاء الليل خارج المنزل . ويجب أيضا ألا تطول مدة الخطوبة وتجاهل أن كل يوم منها يِؤجج الرغبة الي التواصل الشبقي لدي كل منهما. وانما أن تكون في الحد الادني الذي يكفل أن يتم مايكفي من تعارف وتفاهم لبدء حياتهما الزوجية . فاذا كانا قد سبق لهما التعارف والتفاهم قبل الخطوبة، فان فترة الخطوبة يمس الغرض منها هو اعداد بيت الزوجية وترتيبات الزواج والزفاف . وهم مايجب أن يتم في أقصر وقت ممكن.





وخطبة رجل لامرأة علي أساس أن يتمم الزواج بها بعد عام أو عامين أو بعد أن يعود من سفره في غضون هذه المدة أو أكثر يفقد الخطوبة من مبررها ويحولها الي مايشبه حجز متاع لدي بائع علي ذمة دفع ثمنه وهو مايجب أن ترفضه المرأة وأهلها لان فيه حطا بكرامة المرأة لو كان ثمة من أبدى استعدادا للزواج الفوري منها ولاعيب فيه الا أنه أقل مالا مثلا أما خلقه ودينه ليس فيهما مايشينهما. وكذلك عقد الزواج ويترك بعده زوجته لحين عودته بعد عام من عمله بالخارج أو بعد أعوام من دراسته في الخارج فهو أيضا شبيه بحجز المتاع ولايبرره القول بتعلق كل منهما بالاخر أو أي مبررات أخرى وانما يجب لمن أراد العقد على زوجة أن يكون علي استعداد لأن يحملها معه أينما حل أو ارتحل.

أن يعقد الرجل علي المرأة حلت له وحل لها وبامكانها ممارسة العلاقة الشبقية والتمتع بها في أي وقت وأي مكان، ولكن الاقضل والاكرم لها ألا تمكنه من نفسها حتي تنتقل من بيت أهلها الي بيت الزوجية الذي ستقاسمه الحياة فيه .كل ماتحتاجه هو الصبر والعزيمة وستجد أن ذلك في صالحها من نواح كثيرة.

فوزي منصور

e-mail fawzym2@gmail.com

No comments: