Sunday, August 19, 2007

الأسرة والحياة الزوحية- الحب قبل الزواج

الأسرة والحياة الزوجية

الحب والزواج

الحب بصفة عامة:
يعبر عن الحب في اللغة العربية بألفاظ كثيرة تستعمل كل منها لوصف حالة من حالاته مثل :الود والمحبة والصبوة والوصب والشغف والهوى و العشق والغرام والوجد والعشق والجوى .وهي وإن بدت مترادفات إلا أن كل منها لها دلالتها في التعبير عن الإحساس بتلك العاطفة الإنسانية التي تتعلق بالمحبة للآخر.
ويندرج البحث في العواطف الإنسانية ضمن الميتافيزيقيا .ومن خصائص الظواهر الميتافيزيقية مراوغة العقل إن أراد الإمساك بها لتحليلها من أجل فهمها ومعرفة أسبابها وبواعثها وحالاتها .وهي في حقيقة ألأمر شديدة التعقيد .وتتأثر كل منها بطيف واسع من المؤثرات الظاهرة والخفية . ويأتي الحب أو الغرام أو العشـق وأية تسمية أخرى تعبر عن تلك العاطفة التي تجمع غالبا بين الرجل والمرأة في طليعة ما تنطبق عليه تلك الأوصاف من الظواهر الميتافيزيقية . وباعتبار حالة الحب تلك تعد حالة نفسية يهتم بها علم النفس ، فان فهم علم النفس لها عبارة عن المعلومات التي تم الحصول عليها من العديد من الحالات التي عاينها الباحث أو خضعت لجلسات استماع أو تحدث عنها الشعراء، بصرف النظر عن ميلهم للمبالغة أو أن أجمل الشعر أكذبه،وكذلك الخبرة الذاتية .ومحاولة الإمساك بالعوامل المشتركة بين كل تلك المصادر. وإذا أخذنا في الاعتبار اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والطباع والأسباب وحداثة هذه الأبحاث فإن بالإمكان القول بأن كل ما يستطيع للباحث الإسهام به لا يعدو أن يكون افتراضات أو احتمالات ناتجة عن بحث حالات محدودة لايمكن تعميمها أو اعتبارها حقائق علمية ،ولكنها في أحسن الأحوال تقرب من فهم الظاهرة النفسية بنسبة كبيرة وإن لم توفر الفهم الكامل.
يقول ابن القيم الجوزية في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين": "اختلف الناس في العشق: هل هو اختياري أو اضطراري خارج عن مقدور البشر؟ وفصل النزاع بين الفريقين أن مبادئ العشق وأسبابه اختيارية داخلة تحت التكليف (أي أن الأسباب الأولى للعشق اختيارية). فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أُتي بالأسباب كان ترتب المسبب عليها بغير اختياره (أي أن النتيجة المترتبة على هذه الأسباب من وقوع المحبة غير اختيارية). ولهذا؛ إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه (أي أنه لو كانت الأسباب الأولى للعشق مباحة فإن وقع العشق بعد ذلك لا يُلام عليه صاحبه) كمن كان يعشق امرأته أو جاريته.
ويقول ابن القيم الجوزية في موضع آخر: "العشق لا يُحمد مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما يحمد ويذم باعتبار متعلقه؛ فإن الإرادة تابعة لمرادها، والحب تابع للمحبوب. فمتى كان المحبوب مما يُحبُّ لذاته، أو وسيلة توصله إلى ما يُحبُّ لذاته، لم تذم المبالغة في محبته، بل وتُحمد. وصلاح حال المحب كذلك بحسب قوة محبته.
في الثقافة الغربية يرتبط الحب بين الذكر والأنثي ارتباطا وثيقا بالشبق بسبب تأسيس هذه الثقافة علي الفلسفة اليونانية واصطباغ الحضارة الغربية بالنزعة المادية التي تجعلها عزوفة عن الاهتمام بكل ما هو روحي أو ميتافيزيقي غير مرئي أو ملموس أو الاعتراف بوجوده أصلا في أغلب الأحيان. ولذا فان الحب في تلك الثقافة يتم ربطه بالجسد و إشباع الغريزة الشبقية أو سبيل لإشباعها. وعندما يقولون : ممارسة الحب أوMaking love فإنهم يعنون بذلك ممارسة فعل الشبق.
أما في الثقافة العربية الإسلامية فإنه ينظر للحب علي أنه عاطفة مستقلة عن ممارسة الشبق وإن أفضت إليه أو التحمت به. ولذا فإن انفصالها عن الشبق في المنظور العربي والإسلامي والشرقي عموما لا يمنع من الإقرار في تلك الثقافات بأن هذه العاطفة تكتمل وتغتني وتبلغ ذروتها في الممارسة الشبقية ،لأنه مع الشبق تكتمل الوحدة الروحية والجسدية بين الزوجين في آن واحد.ولكنها أيضا في تلك الثقافات لا تنحصر في العلاقة بين رجل وامرأة متزوجان حيث يمكن أن يرتبط كل من الرجل والمرأة بعلاقة حب مع الغير ، فرادى وجماعات بتلك العاطفة دون أن يخالطها شهوة أو يرجى من ورائها شبق .
وفي جميع الأحوال ينبغي أن يكون الحب صادقاً، بعيداً عن الرياء، صافياً من كل الشوائب، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب والوجدان.
وتثني شهر زاد على الحب في قصص ألف ليلة وليلة معبرة في ذلك عن مفهومه لدي المسلمين ،فتقول عنه : " وجد الحب قبل كل وجود (تقصد هنا بأن الله هو المحبة المطلقة) وسيظل بعد كل فناء (حيث لا تفنى ذكرياته ) فهو أقصر طريق إلى الحقيقة (وهو تعبير صوفي يعتبر أنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا عبر الحب الذي يقود النفس نحو الكشف والتبيان) ، وهو الرفيق الخالد في ظلمة القبر(حيث يأمل المتوفي بأن يكون حبيبه بعد البعث رفيقه في الجنة) .

ويقول في ذلك ابن حزم الأندلسي في كتابه الشهير "طوق الحمامة " عن الحب والوصال :"الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا (يقصد إفتاء )ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: "هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود".
ويضيف:"ومن وجوه العشـق الوصل، وهو حظ رفيع، ومرتبة سرية، ودرجة عالية، وسعد طالع. بل هو الحياة المجيدة، والعيش السني، والسرور الدائم ، ورحمة من الله عظيمة. ولولا أن الدنيا دار ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه، وكمال الأماني؛ ومنتهى الأراجي(جمع رجاء). ولقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان ولا للمال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ولا الأمن بعد الخوف، ولا التروح على المال، من الموقع في النفس ما للوصل؛ لا سيما بعد طول الامتناع، وحلول الهجر حتى يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق، وتنصرم نار الرجاء. وما أصناف النبات بعد غب القطر، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجسج ولا خرير المياه المتخللة لأفانين النوار، ولا تأنق القصور البيض قد أحدقت بها الرياض الخضر، بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه، وحمدت غرائزه، وتقابلت في الحسن أوصافه. وأنه لمعجز ألسنة البلغاء، ومقصر فيه بيان الفصحاء، وعنده تطيش الألباب، وتعزب الأفهام.(...) وما في الدنيا حالة تعدل محبين إذا عدما الرقباء، وأمنا الوشاة، وسلما من البين، ورغبا عن الهجر، وبعدا عن الملل، وفقدا العذال، وتوافقا في الأخلاق، وتكافئا في المحبة، وأتاح الله لهما رزقاً دارا، وعيشاً قاراً، وزماناً هادياً، وكان اجتماعهما على ما يرضي الرب من الحال".
ويستدل ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يملك".
وفي الحب العذري يكفي المحب أن يوجد في مكان واحد مع حبيبة وإن كان معزولا عنه يكفيه فيه أن يراه عن بعد أو يشعر بأنه قريب منه حتى لو لم تكن تراه عيناه ، يقول قيس بن الملوح عن ليلاه:
أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وَلَيلى كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني
تَرى وَضَحَ النَهارِ كَما أَراهُ وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني
ويقول عن تعلقه بحبها:
وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقلتُ لهمْ فانِّي لا أشَاءُ
وكيف وحبُّها عَلِقٌ بقلْبي كما عَلِقَتْ بِأرْشِيَة ٍ دِلاءُ
لها حب تنشأ في فؤادي فليس له-وإنْ زُجِرَ- انتِهاءُ

الإسلام هو الحب :
يقوم الإسلام على الحب ويعد الحب فيه نعمة من الله وامتداد لحب المخلوق لخالقه ، وهو بالتالي مجموعة علاقات متعددة الأطراف تنطلق كلها من العلاقة بين المسلم وخالقه وبينه وبين مخلوقاته والتي قوامها الحب .يقول لله عزّ وجلّ:"قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" (آل عمران 31). ويقول عزّ وجلّ:"حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم" (الحجرات : 7).والله يبادل عباده الذين يحبونه الحب فيحبهم مثلما يحبونه ، وتتعدد في ذلك الآيات مثل : :(... إِن اللهَ يُحِب المحْسِنِين). (البقرة- 195) (إِن اللهَ يُحِب التّوّابِينَ وَيُحِب المتَطَهرِين). (البقرة : 222) (... فَإِن اللهَ يُحِب المتقِين). (آل عمران :76) (... وَاللهُ يُحِب الصّابِرِين). (آل عمران: 146) (... إِن اللهَ يُحِب المقْسِطِين). (المائدة 42)..ويشيد المولي بحب المسلم للمسلم ، وفي ذلك يقول :" وَالذينَ تبوءوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يـوق شُح نَفْسِهِ فأولئك هُــم المُفْلِحُون". (الحشر 9) وفي الآية التالية لها يقول سبحانه:" وَالذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبنا اغْفِرْ لَنا وَلإخْوَانِنا الّذينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاً لِلذينَ آمَنُوا رَبنا إِنكَ رءوف رَحِيم". (الحشر 10) .وفي ذلك أيضا يقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
ويرتبط حب الله وحب المؤمنين بالإيمان كشرط له ودليل عليه كما يتضح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والّذي نفسـي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم".وقوله :" ودّ المؤْمِنِ للمؤْمنِ في اللهِ مِن أعظمِ شُعب الإيمان، ومَنْ أحب في اللهِ، وأبْغَضَ في اللهِ، وأعْطى في اللهِ، ومَنَعَ في الله، فهوَ مِنَ الأصفياء" . ويقول أيضـا: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ أحدكم أخاه، فليُعلِمه إيّاه".أي يدعه يعلم بحبه له .
فالدين هو الحب ولا دين لمن لم يعمر قلبه بالإيمان ولا أيمان لمن لم يعمر قلبه بالحب. قال تعالي." إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ".روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : " ما استجلبت المحبة بمثل السخاء ، و الرفق ، و حسن الخلق ، فالسخاء يزرع المحبة
.إلا أنه يجب أن يخضع هذا السخاء إلى ثلاثة ضوابط :
أولها : أن يكون الحب متبادلا بين الطرفين .
ثانيهما : ألا يتجاوز الحد ،حيث ما زاد عن حده انقلب إلي ضده. وثالثهما : أن يكون السخاء لمن يستحقه أخذا بمقولة المتنبي:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقريب من ذلك ما ورد في الأناجيل عن حب الله عندما نجدها تقول :" تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قدرتك و من كل فكرك ... " ( لو 10 : 27 )
.وأن محبة المرء لأخيه هي نعمة من الله :" أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضاً لأن المحبة هى من الله ... " ( 1يو 4 : 7 ) .ثم تجعل محبة المرء لأخيه شرط لتحقق محبة الله فيقول على هيئة تساؤل:"لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذى لم يبصره " ( 1يو 4: 20 ) .
أحبّوا بعضكم بعضاً (يوحنا، 13:34؛ 15:12)؛ أحبِب قريبك حبّك لنفسك (متّى، 19:20)؛
وهي متشابهة لما جاء في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحب الله من يحبه ودليل المحب لله إقباله على عبادته في فوق ما فرضه عليه أي بالنوافل من أعمال الإحسان وهي كثيرة التي يثاب عليها إن فعلها أو أقدم على فعلها ولا يحاسب عليها إن لم يقم بها ، فهو يحرص على الإكثار منها ليس خوفا من عذاب الله وإنما حبا له ، ويقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي :ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وعقله الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإن استنصرني نصرته، وأحب ما تعبدني به النصح لي" والمقصود بالنصح هنا الإخلاص في العبادة.وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".
ولكن كيف يعرف من امتلأ قلبه بالمحبة؟ إن المحب يحب الله أولا ومن ثم يحب كل ما يحبه الله ويبغض كل ما يبغضه الله وفي حبه لما يحبه الله يقبل على ما أحله الله له وينفر مما حرمه الله عليه. وقد رأينا فيما أوردته من آيات القرآن الكريم أن الله يحب المتقين والصابرين على البأساء والمحسنين في القول والعمل ويحب التوابين والمتطهرين والمقسطين ، وهذه الصفات التي يحبها الله هي أيضا صفات من يحبون الله خالقهم ويمتد حبهم له فيحبون كل مخلوقاته إلا من يعادون الله ورسوله منهم فيبغضهم المحب لله حبا فيه دون أن يفقد في كراهيته لهم الأخلاق التي يحب الله أن يراه متمسكا بها. فلا يسمح لنفسه في بغضه لم يبغضه الله أن يكون معهم فاحشا أو لعانا أو ظالما أو مغتابا.وأحق الناس بحب المحب الأقرب اليه عصبا ونسبا ثم من يليهم في القرابة والرحم ثم باقي خلق الله.
والمحب في الله مخلص وصادق وأمين في علاقاته وتصرفاته وسلوكه : يكره الكذب والنفاق فلا يمارسهما ،ولا يقبلهما من أحد. إن وعد لم يخلف وإن عاهد لم يغدر،وإن إؤتمن لا يخون، وإن خاصم لا يفجر في خصومته. وكان في كل حالاته من المحسنين.

الحب والزواج:
وتعد الحياة الزوجية الطيبة تجسيدا للحب الكامل بشقيه المادي والروحي وآية من آيات الله سبحانه وتعالي ، وفي ذلك يقول المولى عز وجل " ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" .
والمودة هي المحبة والوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، ويقول سبحانه:”إن ربي رحيم ودود” (هود90) ..
وفيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح" أي أن أفضل ما يصنعه رجل وامرأة تحابا هو أن يتزوجا.وهذا الحديث بمثابة إضفاء للمشروعية على الحب المفضي إلى الزواج.وسبب الحديث كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح".
ولا يلام عاشق نظر مصادفة إلى آخر فملك عليه قلبه ، و تمكن العشق منه بغير اختياره، ولم يستطع له دفعا.
و من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا مما لا يُلام عليه كما في قصة بريرة ومغيث.
وقصة بريرة كما وردت في كتب الحديث: كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت: أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه" (رواه البخاري). ومما يستفاد من هذا الحديث أنه لا يكفي الحب من طرف واحد لإقامة حياة زوجية، وإنما يجب أن يكون متبادلا بين الزوجين منذ بداية الزواج. وقد علق ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث فقال : "فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره".ولا دواء لعشق الحبيبين عير الزواج . وقد نقل عن عمر بن الخطاب قوله : "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما" وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.ويظل أفضل حب بين الزوجين أدومه ولذا وجب على كل منهما صيانة حبه للآخر حتى لا يفتر أو تخفت جذوته.
يقول مؤلف كتاب الأسرة وقضايا الزواج: تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
ثم يضيف :" إن جذوة الحب وحدها لا تكفي، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب.
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والألفة، وهو شكل من أشكال الاندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
و المحبة الصادقة عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبدا، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري . ولا تشترى بمال . ولذا فإنه يمكن بالمال شراء أشياء كثيرة جدا فيما عدا الحب. ويمكن لرجل أن يغوي امرأة بماله فينال منها ما يشتهيه ولكنه لن ينل حبها أبدا مالم تحبه هي منذ البداية، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي يمكن أيضا أن تغوى رجلا بمالها ولكنها لن تتمكن من نيل حبه إن لم يكن يحبها منذ البداية.
و يمكن لكل من الزوجين أن يبعث في قلب الآخر الإحساس بالراحة والسكينة والأمن والسلام والحيوية من خلال محبته له ..

عقلنة الحب :؛
وتتفق الثقافتان العربية والغربية في اعتبار الحب أو الغريزة الشبقية ظاهرة نفسية قابلة للتعقيل. وهنا تختلف الثقافتان أيضا فيما يعنيه التعقيل أو العقلنة بالنسبة لكل منهما. الثقافة الغربية تقصد العقلنة مجرد الفهم لها في ارتباطها باحتياجات الجسد واضطراب الغريزة فيه الذي لا يهدأ دون إشباعها ، بينما الثقافة الإسلامية تقصد بالعقلنة سيطرة العقل علي الظاهرة النفسية سيطرة تروم توجيهها الوجهة الصحيحة وليس بغرض منعها أو منع تطورها ونموها.
الحب مناطه القلب والقلب في اللغة القرآنية يشمل النفس والعقل معا. وفي الحب لا يمكن استبعاد العقل وإن جاز القول إن دور النفس أكبر في التأثير. العقل قد يعجز عن تفسير كيف استمالت امرأة رجلا فتعلق بها دون غيرها وربما دون علم منها ونفس الشيء بالنسبة لامرأة أحبت رجلا منذ رأته أو تحت تأثير مما يسمونه النظرة الأولى ولكنه، أي العقل ، يستطيع على الأقل أن يحول بينهما والخطيئة.
العقل سمي عقلا لأنه يعقل ، أي يقيد نزوات النفس ، إلا أن ذلك ينطبق علي العقل الحر وليس العقل المعتقل الذي تسيطر عليه وتخضعه لها العادات والتقاليد وتراث السلف الصالح والطالح معا. هذا العقل المعتقل يمكن أن يقتل الحب بنزقه أو يقطع الطريق عليه .
عندما كتبت شابة هي بمثابة ابنتي تعرب عن رغبتها لأن تفلت من رقابة العقل لتعيش ولو للحظات ما تريده ودون أن ينتبه لها العقل فيخنق رغبتها ، قلت لها إن هذا فهم خاطئ لدور العقل . لأن العقل لا يخنق رغباتنا ولا يجب أن يفعل ، وإنما وظيفته الأساسية هي كيف نحققها دون أن نلحق الأذى بأنفسنا أو بالغير.
وبالنسبة للحب فهو الذي يملكنا ولسنا نحن الذين نملكه ، ولذا ليس بإمكاننا مغالبته ، وإنما تعقيله ، لتكون حريته في نطاق قيم أخلاقية أو دينية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.ولذا طلب النبي من الله أن يعذره فيما لا يملك .وهو يقصد بذلك الحب لإحدى زوجاته أكثر من حبه للباقيات. والعقل يقتصر دوره علي توجيه مشاعر الحب نحو الإشباع الكامل لها في نطاق الزواج ،والبعد بها عما حرمه الله وتدينه الأعراف ، فإذا كان الحب بين من لا سبيل إلى الزواج بهم ، تم المحافظة عليه بواسطة العقل في حدود مقتضيات العفة والاحتشام.
ومن متطلبات التعقيل أنه يجب على كل من الرجل المحصن والمرأة المحصنة إلا تعدو عيناه زوجه .ويعينه علي ذلك غض النظر وان حدث ، كما جاء في حديث لرسول صلي الله عليه وسلم ، أن رأى الرجل امرأة أعجبته واشتهاها أن يذهب علي الفور إلى زوجته ويضاجعها ليطفئ الشهوة العارضة التي ألمت ولتظل زوجته فقط موضع اشتهائه ، ونفس الشئ يمكن قوله للزوجة إن رأت رجلا غير زوجها فاشتهته عليها أن تعود علي الفور إلى بيتها وتطلب من زوجها أن يضاجعها. وتفاديا لذلك طلب الاسلام من المسلمة والمسلمة غض النظر لتفادي نظر يرافقه أو يتبعه الاشتهاء أو تحريك الغرائز إزاء الغرباء ممن لايحل معهم الوصال.قال تعالي:"قل للمؤمنين:يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم ، ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات:يغضضن من أبصارهن ، ويحفظن فروجهن ،ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها . وليضربن بخمرهن على جيوبهن ،ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ، أو آبائهن ، أو آباء بعولتهن ، أو أبنائهن ، أو أبناء بعولتهن ، أو إخوانهن ، أو بني إخوانهن ، أو بني أخواتهن ،أو نسائهن ، أو ما ملكت أيمانهن ، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء . ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن . وتوبوا إلى الله جميعا - أيها المؤمنون - لعلكم تفلحون" (النور:30و31). والغرض من ذلك هو الحد من فرص وظروف الاغواء والإثارة من كل من الذكور والإناث على السواء.
ولكن تعقيل الحب يظل محدودا في نطاقة ، وغير قادر على أن يشمل كل حالاته ، فالإنسان يحب إنسانا آخر دون سواه دون أن يعرف سببا لحبه له وتعلقه به. أي أنه لا يستطيع أن يخضع حبه للعقل ولا يستطيع بعقله أيضا أن يتحكم في حبه.ومن هنا يأتي طلب الرسول من أن يعذر فيما لا يملك أي فيما لا قدرة له على منعه وهو حبه لزوجة له أكثر من باقي زوجاته بينما العقل يطلب المساواة الكاملة بينهن.
وثمة حديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف "، وهو ما يفهم منه أنه يحدث بينها اتصال ، يجعل الروح إن وجدت روحا أخرى متلائمة معها انجذبت إليها و تآلفت معها ، وإن وجدتها متنافرة اختلفت معها ، فيشعر المرء بالميل نحو الآخر أو النفور منه ، ولا يدري ما السبب .. وغالبا ما تتآلف الروح مع روح من جنسها. فتتآلف أرواح المؤمنين الأخيار مع بعضها البعض فقد قال تعالى عن المؤمنين " وألف بين قلوبهم" ، وتتألف أيضا أرواح الأشرار مثلما قال سبحانه وتعالى: ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) ممن تتنزل عليهم الشياطين . كما يستفاد من فوله سبحانه وتعالى " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) .
غير مقبول في ديننا أن تحب مسلمة مؤمنة مشركا أو أن يحب مؤمن مشركة أو أن يحب أي منهما من يعادي الله ورسوله حتى وأن كان محسوبا عل مجتمع المسلمين عملا بقوله تعالي:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". فإن حدث مثل هذا الحب وجب مقاومته وصرف النفس عنه بكل الطرق الممكنة حتي لا يستحكم فيها ويتغلب على العقل.
ويقتصر الحديث هنا على حب المؤمن للمؤمنة التي يرجوها زوجة له علي كتاب الله وسنة رسوله . ويمكننا أن نستخلص منه ما يلي :
• المحبة تنتج عن تآلف روحي وهذا التآلف قد يتم بين أشخاص عديدين مثلما يتم بين فردين: ذكر وأنثي.
• هذا التآلف ينم عن وجود تقارب في الطباع بين المتآلفين ويكون لذلك متبادلا.
ويمكن أن نستبدل عبارة " تآلف روحي" ب "تآلف نفسي" دون أن يتغير المعني . وإذا كان هذا التآلف هو بداية طريق الحب فان التآلف مع عدد كبير من الأشخاص يعطي فرصة للاختيار بينهم ولاختبارهم أيضا لمعرفة أصلحهم للحب والزواج. أن يخطئ المرء في اختيار من يصلح له ممن يتآلف معهم لا يمنعه من المحاولة مرة أخرى مستفيدا من الدرس السابق وحريصا علي التوفيق في اختياره .وان يعوض الله المرء عن الشخص الذي خاب الظن فيه بأحسن منه.
بينما إذا استسلم المرء ،الذي خاب ظنه فيمن أحب أو حيل بينهما لأي سبب،للفكرة الخاطئة القائلة بأن المرء لايحب إلا مرة واحدة وليس بإمكانه أن يحب شخصا آخر، فان ذلك سيوصله إلي حالة من الاكتئاب النفسي قد تقوده الي الانتحار. والحوادث في هذا الاتجاه كثيرة.
ويحاول الأستاذ محمد إبراهيم مبروك عقلنة ظاهرة الحب نسبيا بايجاد تفسير لها فيقول: "المحبوب بدوره يحب إما نفسًا تماثله في القوة، وإما نفسًا أقوى منها. فإذا وقع التماثل تحقق السكن، وإلا فإن النفس الأقل قوة تسعى لتحقيق التماثل مع النفس الأولى، وإن كانت هي نفسها ترى أنها تماثلها في القوة. ومن هنا يأتي المعنى الذي قاله البعض بأن العاشق يحقق صورة نفسه؛ لأنه يسعى لتحقيق قوة ذاته كما يمكن أن تكون، وهو يرى أن هذه الصورة هي التي تماثل المعشوق في القوة، فيكون سعيه إلى التماثل مع قوة محبوبه هو في نفس الوقت سعيه إلى تحقيق صورة ذاته التي يرى إمكانية تحقيقها، وكلما اقترب التماثل تحقق السكن، فإذا تحقق التآلف والسكن تقاربت صفات المحبوبين، ويثور بينهما التساؤل: هل صفاته هي صفاته هو نفسه أم صفات محبوبه؛ لأن المزج جعل من ذاتيهما كينونة واحدة، وداخل هذه الكينونة الواحدة لا يعود أحدهما يدري الفرق بين صفاته وصفات محبوبه.
ولكن ...من الذي وضع هذا في طريق ذاك؟ ومن الذي وضع ذاك في طريق هذا؟ ومن الذي جعلهما يعتقدان أنهما متماثلان في قوة ذات كل منهما هذا التماثل مع أن ذلك أمر ذاتي وليس موضوعيًا؟ الإجابة عن ذلك مستحيلة؛ لأن هذه الأمور أمور قدرية لا يعلمها إلا الله.
وعملية اكتمال التماثل في الصفات الأخرى حتى يتحقق المزج بين نفسي العاشقين أمر عجيب، لأنه بعد حدوث التآلف بين المحبوبين فإن كل محب يكون منجذبًا إلى أن تشابه صفاته صفات محبوبه؛ حتى يقتربا في كل صفة إلى نقاط التماس، ثم إلى المطابقة الجزئية، ثم إلى التطابق التام في كل الصفات.

. الحب الوهمي:
ما يمكن تفسيره إلى حد ما في علم النفس هو الحب الوهمي وليس الحب الحقيقي المجهولة أسبابه غالبا .ويرى البعض بأن كل الحب هو وهم ولكن لاغني عنه وأنه لو لم يكن موجودا ، أي الوهم ، لخلقناه لحاجة النفس إليه. والحب الوهمي هو حب مبني على أوهام استبدت بالنفس فطغت عليها وعلي العقل معا وتوجد جذورها وأسبابها مدفونة خفية في أغوار النفس أو ما يسمي بما تحت الشعور أو اللاشعور. وهو يأخذ صورا شتي تتنوع وفق تنوع الأسباب. ولكن قد تكون الأوهام التي بني عليها الحب عبارة عن أفكار خاطئة سائدة في المجتمع وثقافته تستهوي النفس وتستبد بها وبالتالي لا علاقة لها في هذه الحالة باللاشعور. إذا الحب الوهمي ذو طبيعة نفسية(سيكولوجية) محضة ويمكن إدراجه تحت تسمية الانحرافات النفسية أكثر من اعتباره من الأمراض النفسية . والانحرافات النفسية التي نعنيها هنا تقترب إلى حد ما مما ذكره فرويد عن عقدتي أوديب و اليكترا ولكنها تختلف أيضا عنهما بل يمكن أن يكون البحث فيها بمثابة تصحيح لأخطاء فرويد . وسيتم التركيز علي انحرافات محدودة تتعلق بموضوعنا وبالتالي لن يكون بالإمكان التوسع في البحث.

أحد أبرز هذه الانحرافات هو تعلق فتاة صغيرة السن برجل أكبر منها سنا دون سواه وبدون سبب واضح كأن يكون له فضل عليها أو عايشته مدة طويلة كان يزيد فيها إعجابها به حتى تحول إعجابها إلي غرام أو تورطت معه في علاقتها به أو أي من هذه الحالات التي يمكن اعتبارها قابلة للفهم. الحالة التي نعتبرها منحرفة هي أن تترك الفتاة شباب في مثل عمرها وتبحث عن شخص له مواصفات معينة منها العمر الذي قد يكون ضعف عمرها فما أن تجده حتى يملك نفسها وعقلها وجسدها أيضا إن أراد دون أدني مقاومة منها. وفق كلام فرويد الشائع فسيقال إن الفتاة تبحث عن صورة مماثلة للأب الذي تعشقه ولا سبيل إليه لأنه محرم عليها. أقول هنا إن الأمر يرتبط علي نحو ما بالأب ولكن ليس بالأب المعشوق وإنما بالأب المبغوض والبحث هنا يتم عن ما يمكن اعتباره صورة مناقضة للأب كما تتخيلها الفتاة.إنها صورة للرجولة الكاملة المتوهمة والتي لم تكن متوفرة للأب حسب الأوهام التي تسلطت علي عقل الفتاة لمدة طويلة واستقرت في نفسها وكمنت فيما تحت شعورها.
لنتصور الأمر علي النحو التالي : فتاة في سن المراهقة تعيش في أسرة مستقرة إلا أنها لا تشعر بوجود الأب في حياتها ، لا عطوفا ولا قاسيا، فالأب المدرس أو الطبيب يقضى طول الوقت خارج المنزل وإن جاء عاد من عمله مرهقا وانفرد بنفسه في غرفته أو استسلم للنوم. لم يكن يهمل أمر بناته عمدا ولكنه كان يعتبر أن الأم هي الأقرب إلى فهم احتياجاتهن في هذه المرحلة من العمر وخاصة أنها متعلمة إلا أن اعتاد علي هذا الأمر واكتفي بأن يسأل أمهن عن أخبارهن قتطمئنه عليهن. تذهب الفتاة المراهقة لزيارة قريبة لها في مثل عمرها فتجد الأب وهو في الأربعينيات من العمر معمرا بيته وجالسا مع بناته يدللهن ويراجع معهن دروسهن ويشترى لهن احتياجاتهن وهي المهام التي تقوم بها والدتها نيابة عن أبيها. تعود الفتاة إلى بيتها فتشكو لأمها إهمال أبيها لها مقارنة مع ما رأته من أب زميلتها أو قريبتها. لا تجد الأم ما تقوله لتخفف علي أبنتها إلا أن تدعي أنها هي الأخرى أن زوجها يهملها مثلما يهمل بناته رغم أن هذا غير صحيح .وهي تظن أن ذلك يرضي ابنتها طالما أنهم سواسية في المعاناة منه. النتيجة هي أن البنت يتحول غضبها من أبيها إلى كراهية له. يتصادف أيضا أن تأتي والدة زميلتها تلك لزيارة أمها وتسترق الفتاة السمع لما يقولانه فإذا أم صديقتها تحدث أمها بصوت خافت عن فحولة زوجها في الفراش وتمتعها بها رغم أن الخوض في مثل ذلك الحديث محرم في الإسلام . وأحيانا تلجأ إليه المرأة المتزوجة وتبالغ فيه بدوافع نفسية مرتبطة بجفاف علاقتها الحميمية بزوجها أو تراجع علاقته الشبقية بها رغم أن ذلك محرم شرعا إلا أن مثل هؤلاء النسوة يلجئن اليه علي سبيل التعويض عما يفتقدنه في حياتهن . الفتاة التي سمعت ما قيل ومع مقارنة هذه السيدة التي يمتعها زوجها مع أمها المهملة من زوجها، كما ادعت لها ، تعتبر أن زوج السيدة هو مثال الرجولة الكاملة كزوج وكأب وأن عليها عندما تكبر وتتزوج أن تبحث عن شخص في الأربعينات من عمره أو تجاوزها يشبهه. تمضى الأيام وتلتقي يوما برجل أعزب يكبرها بأكثر من عشرين عاما ويظهر لها بعض الاهتمام بها ويجد استجابة سريعة منها فيزيد الجرعة ويلمح لها برغبته في الزواج دون أن يقول بأنه يستهدفها بكلامه ولكنها تأخذ الإشارة علي أنها المقصودة بها. الرجل الذي بلغ هذا العمر بدون زواج وهو وسيم وميسور ومقتدر ماليا يعني أنه زئر نساء يستبدلهن في فراشه مثلما يستبدل ملابسه. الفتاة المتيمة به تصدق كل معاذيره وتثق فيه ثقة تامة وتفرح بهداياه الصغيرة وأخيرا يبلغ منها ما يريده منذ التقي بها أول مرة وتستسلم له بسهولة وهو بالتأكيد خبير بالنساء وفنان في أمور الشبق..لو وجدت تلك الفتاة من ينصحها فلن تسمع له..وتمضى الأيام ولا تجد إلا المماطلة وتنقطع أخباره عنها حتى تيأس فيتصل بها فتهرول إليه وتقبل كل أكاذيبه إلى أن ينتهي الأمر بصدمة لها بعد أن تتأكد بأنها عاشت معه في عالم من الأوهام والأكاذيب.وأستطيع القول بأن هذه قصة حقيقية لفتاة أعرفها وهي تكرار لقصص مماثلة سمعت بها.
أن تحب وتتزوج فتاة رجلا أكبر منها سنا أو يحب شاب ويتزوج امرأة أكبر منه سنا ليس في حد ذاته مشكلة ،وإنما تكمن المشكلة في أن يتم هذا الحب والزواج بسبب انحرافات نفسية وأوهام اعتقلت العقل وجعلته خارج الأمر وليس شريكا فيه.

هناك الحب الذي بني على معرفة مغلوطة أو حقيقة تمت المبالغة فيها حتى أمست وهما مثل الفتاة البيضاء التي تصادف أن شاهدت أفلام بورنو مما اعتاد اليهود علي إنتاجها وترويجها وإظهار ذكور الزنوج واليهود فيها وكأنهم يمتلكون فحولة خارقة للعادة لا يملكها سواهم فترى الفتاة تمتلئ مخيلتها في أحلام اليقظة بصور شبقية تجمعها بزنجي فضلا عما يثيره تخيل تناقض اللونين الأبيض والأسود معا وقد تعانقا من أحاسيس غير عادية فما أن تتعرف على شاب زنجي أو يظهر توددا إليها حتى تجد نفسها قد انجذبت إليه وأهملت عقلها وتخلت عن فطنتها وحذرها. لا تثريب على فتاة بيضاء أن تتزوج زنجي أو أن تتزوج زنجية برجل أبيض طالما تم الزواج بناء على محبة حقيقية غير مبنية على أوهام .وتم الزواج على أساس زواج إنسان بإنسانة بصرف النظر عن لون البشرة.
بل أنا أدعو إلى توطيد العلاقات الإنسانية بين سكان شمال أفريقيا شمال الصحراء الكبرى المعدودين من البيض وسكان جنوب الصحراء من الزنوج وعلي أساس أن مثل هذه الزيجات من شأنها أيضا أن تكون سببا في تحسين النسل وتمتيع الأجيال الجديدة بمقاومة أكبر ضد الأمراض المتفشية سواء في شمال الصحراء أو في جنوبها.

حالات كثيرة لم تتصور فيها الفتاة البيضاء أن مولودها من الزنجي سيكون أسود البشرة مثل أبيه فلما فوجئت بذلك بعد ولادتها كرهت نفسها وكرهت المولود وأصيبت بالشيزوفرانيا (الذهان) وباتت خطرا علي المولود لوجود رغبة عارمة لديها لقتله والقضاء عليه. إن العنصرية الموجودة لدي المرأة البيضاء ، خاصة الأوروبية ، إن تمكنت من تخطيها بسبب الهوس ألشبقي فإنها لا تموت في داخلها وإنما تظل حية وكامنة وتنتظر أي فرصة لكي تطفو علي السطح.

في كتاب طبي بالانجليزية اطلعت عليه قبل أكثر من عقدين لم يذكر فيه احتمال تعرض الحامل للإصابة بالشيزوفرانيا فور ولادتها سوى في الحالة السابقة التي تلد فيها سيدة بيضاء مولودا أسود ، وأنه أثناء الحمل ل تتعرض المرأة الحامل للأمراض النفسية . ولكن بإمكاني ذكر حالة لسيدة حامل أصيبت بالشيزوفرانيا وعولجت منها بالعقاقير مرتين خلال فترة الحمل، ثم عادت إصابتها أشد بعد الولادة، وتم علاجها بالعقاقير والصدمات الكهربائية في المرة الأخيرة، حتى تم السيطرة على حالتها. لقد اعتقدت هذه السيدة لسبب ما بأن حملها من زوجها قد تلوث بعد أن استقر الجنين في بطنها ، وفي محاولة للتطهر استبدت بها فكرة شق بطنها بسكين واخراج الجنين منه وطرحه لكي تحمل بغيره تشعر بأنه أكثر تطهرا٫بعد أن استقر الجنين في بطنها ، وفي محاولة للتطهر، استبدت بها فكرة شق بطنها بسكين، وإخراج الجنين منه وطرحه بعيدا،ثم تعويضه بحمل جديد تحافظ على طهارته .وعندما ولدت مولودتها عاودتها نفس الوساوس والأوهام. كان الأمر يتعلق بالإحساس بالذنب علي نحو ما. وهو الآمر الذي يتطلب من الفتاة أن تنظر أين تضع قدمها وكيف تقي نفسها من الزلل، وقاية لنفسها مما قد تجره عليها رعونتها واندفاعها.
من الحب الوهمي أيضا الذي يعود إلى أسباب نفسية حالة رجل أو امرأة أحس أي منهما بأنه في حاجة لجب الآخر والرواج منه لكي يحقق له ما عجز هو عن تحقيقه من أهدافه وآماله ويكون في هذه الحالة أشبه بالممثل الذي يتقمص دور العاشق حتى يبدو للنظارة ولكأنه عاشق حقيقي وينخدع الطرف الآخر ، ليس بسبب جودة التمثيل فقط وإنما لأنه في حاجة إلى الحب أيضا بسبب خروجه من تجربة حب وهمي فاشلة كان مخدوعا أيضا فيها وتعرض في النهاية للغدر أو الخيانة ممن ظن أنه يحبه وهو في حالة نفسية قلقة تجعله يرحب بأي بادرة حب تلوح له .هذا الحب ينتهي إما في حالة الإحساس بأنه حقق الغرض منه أو في حالة اليأس من أن يحقق غرضه. من هذه الحالات التي عاينتها حالة رجل فاشل في حياته العملية ترسخ في ذهنه إنه يمكن أن يتخلص من فشله إذا ما قبلت بالزواج منه امرأة أجنبية وأمنت له تأشيرة دخول بلدها وتذكرة السفر والإنفاق عليه حتى يجد له عملا في بلدها ، وكلما وجد امرأة تسايره توهم أنه يجبها فعلا وأنه لا يستطيع العيش بدونها، ويظل قلبه متعلقا بها حتى لو انصرفت هي عنه وإلى أن يجد من تحل محلها، وقد يستمر على هذا الحال لعدة سنوات وهو يتنقل ما بين واحدة وأخري ويظن أنه يحب كل منهن. هناك حالات أخري أيضا مختلفة ولكنها تندرج في نفس هذا النوع من العلاقات الوهمية وتنتهي بالزواج ولكن الزواج يظل محكوما بالفشل سواء حقق الهدف الذي كان يسعى له أحد الطرفين أو أخفق في أن يحققه. وعندما تكثر حالات الطلاق فإن كثرتها تعد مؤشرا على كثرة أو انتشار حالات الحب الوهمي في المجتمع، أو أن الزواج لم يعد ينعقد على أساس الحب الحقيقي والذي يعد الدعامة القوية له التي تضمن استمراره وعدم انهياره مهما كانت الظروف التي يتعرض لها أو يعاني منها الزوجين.

الحب والزواج:

وتعد الحياة الزوجية الطيبة تجسيدا للحب الكامل بشقيه المادي والروحي وآية من آيات الله سبحانه وتعالي ، وفي ذلك يقول المولى عز وجل " : من آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" والسكون إلى آخر هو الشعور بالراحة النفسية معه وإلى جواره .
والمودة هي المحبة المستمرة المتبادلة بين الزوجين ومنها الوُدّ : وهو خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، ويقول سبحانه:”إن ربي رحيم ودود” (هود90) .. ولا تكتمل المحبة بين الزوجين الا عندما يشعران بأنهما صارا كيانا واحدا بالزواج لاغني عن أي منهما عن الآخر وأنهما متدخلان على نحو ماوصف الله تعالى الزوجين "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"(البقرة:187).
والرحمة هي العطف والشفقة وحسن الخلق والمعاملة ولين الكلام والحرص على رضى الآخر والتألم له إن أصابه مكروه . فال الله سبحانه وتعالى لنبيه "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.."(آل عمران:159)، والتراحم أي تبادل الرحمة يقر ب بين القلبين والنفسين ويساعد على اكتمال تساكنهما ومودتهما.أى أن السكن والمحبة والرحمة هم ثلآثة دعائم لقيام لحياة الزوجية ولاستقرارها ودوامها، بدونها لا تقوم وإن قامت لاتدوم.

ويأتي مع التساكن والمودة والرحمة أو نتيجة لتوفر أي منها لدي الزوجين : المعاشرة بالمعروف .قال تعالى “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسـى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً”.ويقول فيها القرضاوي:"إن المعاشرة بالمعروف تتمثل في بشاشة الوجه وحسن الخلق وحلاوة اللسان والسؤال عن المرأة باستمرار، وعدم إفشاء أسرارها وعدم إيذائها لا بالكلام ولا بالضرب ولا بالتعيير فيقول لها أنت كنت كذا
وأبوك كذا، بل الملاطفة بل أكثر من ذلك يجب عليه أن يطيِّب نفس امرأته ويستمع إليها، النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً مع نسائه ويقول "أحسنكم أحسنكم خلقاً لأهله وأنا أحسنكم خلقاً لأهلي"..
ويحفز على هذا كله الإحساس بأن المحبة والزواج لن ينتهيا في الدنيا وإنما سيستمران في الحياة الأخرى ، حيث يبعث المرء مع من يحب ويدخل الزوجان الجنة معا إن كانا من الصالحين ويواصلأن حياتهما الزوجية فيها.
ولادواء ولارواء لمن ابتليا بالعشق غير التعجيل بالزواج ، وفيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح" .أي أن أفضل ما يصنعه رجل وامرأة تحابا هو أن يتزوجا.وهذا الحديث بمثابة إضفاء للمشروعية على الحب المفضي إلى الزواج.وسبب الحديث كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح".
ولا يلام عاشق نظر مصادفة إلى آخر فملك عليه قلبه ، و تمكن العشق منه بغير اختياره، ولم يستطع له دفعا.
و من خطب امرأة أو أراد خطبتها ونظر منها ما يشجعه على خطبتها كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له فهذا مما لا يُلام عليه كما في قصة بريرة ومغيث.
وقصة بريرة كما وردت في كتب الحديث: كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت:أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه" (رواه البخاري).
ومما يستفاد من هذا الحديث أنه لا يكفي الحب من طرف واحد لإقامة حياة زوجية، وإنما يجب أن يكون متبادلا بين الزوجين منذ بداية الزواج. وقد علق ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث فقال : "فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره".ولا دواء لعشق الحبيبين عير الزواج . وقد نقل عن عمر بن الخطاب قوله : "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما" وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.ويظل أفضل حب بين الزوجين أدومه ولذا وجب على كل منهما صيانة حبه للآخر حتى لا يفتر أو تخفت
جذوته.
يقول مؤلف كتاب الأسرة وقضايا الزواج: تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
ثم يضيف :" إن جذوة الحب وحدها لا تكفي، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب.
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والألفة، وهو شكل من أشكال الاندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
و المحبة الصادقة عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبدا، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري . ولا تشترى بمال . ولذا فإنه يمكن بالمال شراء أشياء كثيرة جدا فيما عدا الحب. ويمكن لرجل أن يغوي امرأة بماله فينال منها ما يشتهيه ولكنه لن ينل حبها أبدا مالم تحبه هي منذ البداية، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي يمكن أيضا أن تغوى رجلا بمالها ولكنها لن تتمكن من نيل حبه إن لم يكن يحبها منذ البداية.
و يمكن لكل من الزوجين أن يبعث في قلب الآخر الإحساس بالراحة والسكينة والأمن والسلام والحيوية من خلال محبته له ..

لا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر وأن تكون مرضية لطرفيها وللنسل الناجم عنها ما لم تكن قائمة على حب حقيقي وراسخ وليس حبا متوهما يظل مهما طال أمده مؤقتا أو مقرونا بشرط ظاهر أو خفي ، معلوم أو مجهول ، فإدا انهار شرط وجوده انهار الحب وانهارت معه الحياة الزوجية.

نقل عن ابن القيم الجوزية قوله : الحب من حرفين حاء وباء ، فأما الحاء فإنه يخرج من أسفل الحنجرة من الفم ، وأما الباء فيخرج من الشفتين من اول الفم وبقية الحروف مخرجها بين ذلك ومعنى هذا إنها جمعت كل الحروف ، وكذلك الحب يجمع كل المعاني .والمعاني التي يقصدها تشمل الإيثار والشفقة والعطف والسخاء والتراحم والتعاون والاهتمام بالآخر والترضية له والوفاء والإخلاص وكلها قيم وصفات تحتاجها الحياة الزوجية لكي تزدهر وتستمر منتجة الهناء وراحة البال وسكينة النفس لجميع أفراد الأسرة.
من الطبيعي في الحياة الزوجية القائمة على الحب أن يسلك كل من الزوجين سلوك العاشقين ولكن ذلك لا يغني عن تبادل كلمات لها دلالة على المحبة وحيث يظل أجمل مافي الحياة الزوجية إن يسمع كل من الزوجين من زوجه كلمة :" أنا أحبك " ولنتذكر هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أحب أحدكم أخاه فليقل له إني أحبك " لكي نعرف أهمية تلك العبارة المكونة من كلمتين فقط، فكل من الزوجين يحتاج إلى سماع تلك العبارة من حين لآخر مهما كان كل منهما كل ما يفعله يدل على محبته لزوجه .

قد يبدأ الزواج دون اكتمال عاطفة الحب المتبادلة بين الزوجين وهنا يتوجب عليهما أن يوطنا نقسيهما على المحبة ويعملان على تطوير وتنمية محبتهما مع مرور الأيلم. وهناك تصرفات كثيرة وكلمات في حالت تبادلها بينهما تحقق نمو المحبة يوما بعد يوم.من ذلك إبداء كل منهما اهتمامه بالآخر. وقد تحدث ظروف مساعدة على ذلك فمثلاً عندما يمرض أحد الزوجين ويقوم الآخر على رعايته والاهتمام به ، فكلما كانت هذه العناية فائقة كلما كبرت معها مشاعر المحبة بين الطرفين . وتسهم العلاقة بين الزوجين في القراش واهتمام كل منهما براحة الآخر وإسعاده في توطيد المحبة أيضا بين الزوجين . لقد كنت أقول دائما بأن سلاح الأنوثة الذي تملكه المرأة يمكن أن ينتج عنه نتائج جيدة إن أحسنت الزوجة استعماله.
وما جاء في قصة يوسف في القرآن الكر يم على لسان أحد شخصياتها : إن كيدهن عظيم فإن المقصود بها هو إن فتنتهن عظيمة لا غالب لها.

فوزي منصور
e_mail:fawzym2@gmail.com

No comments: