Thursday, June 21, 2007

الإحسان ومجالاته الخمسة




الإحسان ومجالاته الخمسة

الإحسان في اللغة مصدر، تقول أحسن يحسن إحسانًا، ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا
إذا اتقنته، وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع. والإحسان: ضدُّ الإساءة. إحسانًا، أي:
يَعلَمه ويُتقِنه. والحُسن: ضدُّ القبح، وحَسَّن الشيء تحسينًا زيَّنه. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا
مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: 125)
ويقول. {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. و {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم
مُّحْسِنُون}.و {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
.وفال صلي الله عليه وسلم :"إن الله كتب الإحسان على كل شيء، أي أوجب على
المؤمنين الإحسان في كل شيء.

ويكتمل يالإحسان مثلث العقيدة المكون من الإسلام والإيمان والإحسان . ويعد الإحسان الجانب
العملي المتمم للايمان باعتبار أن الإيمان هو الأساس النظري أو الثقافي للعقيدة. فالاحسان هو
الترجمة العملية للعلم اليقيني الثابت بالتجربة والبرهان ، أو الذي توصل اليه بفطرته الوجدان،أ
و وجد دليلا عليه في القرآن ، كتاب الرحمن المنزه عن كل باطل وبهتان ، وذلك بتحويله
المعرفة الي عمل منظوروواقع معاش وتقوى ظاهرة للعيان. وهو جماع أفعال وجهود تبذل في
سبيل الله ، وابتغاء مرضاته أو صدوعا لأمره وتوجيهاته .وجميعهايعد من قبيل العبادات حتى
لوكانت يسيرة كإزالة حجر أو إماطة أذي عن الطريقللتيسيير علي السالكين أو كانت تعود بالنفع
علي صاحبها مثل زرع نبتة أو غرس فسيلة أو أقبل عليها بدافع من الغريزة أو الشهوة مثل
وصا ل زوجته . فجميع هذه التصرفا تومايشبهها، مع تنوعها وتفاوتها في الأهمية ، إعتبرتها
العقيدة من الاحسان الذي يدفع اليه التقوى ومن العبادات الي يثاب عليها فاعلها ويجزيه الله عنه
خيرا ، باعتبارها فعال حسنة تحسن الحياة أوتزيد من حسنها. والحياة الدنيا في العقيدة
موصولة بالآخرة، اذ هي الطريق الموصلة اليها . فان فعل في الدنيا حسنا وجد في الآخرة ماه
و أحسن منه ثوابا حيث" لايضيع الله أجر من أحسن عمل".ا" والله يحب المحسنين."
ويقول القرطبي في شرح قول الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(التوبة: 91): "هذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن"، فـ"إن الإحسان غاية رتب
الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين!!" كما يقول المناوي.

يقول الله تعالي:" واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا ، وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب"ويقول صلي الله عليه وسلم "إن الله كتب الاحسان في كل شيء" ولذا فان الاحسان مطلوب في جميع مناحي الحياة وفي جميع العلاقات الانسانية. ويدخل ضمن الاحسان القول الطيب والعمل الصالح واسداء النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتقان العمل وحسن العشرة بالمعروف وحسن معاملة الوالدين والزوجة والأولاد والجيران والخدم وعتق الرقاب وتحريرها واطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة وإكرام الضيف واغاثة الملهوف وكذلك التسامح والمبادرة الي الخيرات وجبر العثرات ودرء المفاسد وجلب المصالح.

وكلمة الإحسان مشتقة من الحسن وهو الجمال ، والله يحب الجمال ويكره القبح والسوء والخبائث من القول والأعمال. ولذا يجزي علي العمل الحسن اذا جاء به المحسن ايمانا به وحبا فيه "ومن يعمل صالحا وهو مؤمن فلايخاف ظلما ولاهضما"(طه112). ولآنه مالك وملك عادل في ملكه وشريعته ومنهاج عمله فهو يكره الفسوق والعصيان والإثم والعدوان وحرم في شريعته الظلم والطغيان والاعتداء علي النفس أو المال أو العرض أو سلب حقوق الناس في الحرية والعزة والكرامة والكسب الحلال والتمتع بالطيبات من الرزق والزينة التي أحلها الله لعبادة ومايحقق للعباد الكفاية والأمان لاما يصل بهم الي مادون الكفاية وعتبة الحرمان.وهذه الشريعة المضيئة هي من صنع الرحمن ومن أحسن من الله صنعا وهي حكمه ومن أعدل من الله حكما، الرؤوف بعباده الرزاق الكريم المنان.
شريعة الله فوق الرأي مافتئت وفوق مايصنع الإنسان من نظم
فتلك تبعث مافي النفس من أمل وتلك تقتل مافي النفس من همم
ومافي النفوس ومافيها من عواذلها بعادلات وإن أحسن في القسم
والعقل مهما سمت بالرأي فكرته لم تخل فكرته يوما من الوهم

ولايتجنب الحكم بها سوى الكافر الطاغية أو الفاسق ذو النفس الباغية لأنها تحمي حقوق وأموال وأنفس وأعراض الناس منهما.فلايمكنهما في ظلها ممارسة الاغتصاب والنهب والسلب ولاتستطيع العصابات المسخرة في خدمتهما أن تعيث في الأرض فسادا وإفسادا . ولايخرج عن حكم الله الا من ظلم نفسه بظلم غيره . "وضرب الله مثلا بقرية كانت آمنة يأتيها رزفها حسنا فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " والخروج عن حكم الله لايعد من الذنوب التي تذهبها الحسنات كما يدعي أئمة الجهالة والجاهلية ومرتزقة السلطان وسدنة الطغيان وانما تعد كفر بالله وشرك به و"الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به " فحكم الله صيغ لحماية حقوق الناس ومنع انتهاكها أو العدوان عليها علي أي نحو كان.والذين أسرفوا علي أنفسهم وطالبهم ربهم بألايقنطوا من رحمة الله لايدخل ضمنهم من ماتوا كفارا أو مشركين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين وينتهكون حرماتهم جهارا نهارا بوقاحة علي رؤوس الأشهادويأكلون أموال وحقوق الناس بالباطل ويظاهرون المجرمين ويفرقون المسلمين شيعا تتناحرولم يحكموا في دينهم وفي دنياهم ماأنزل الله ولم يحكموا الله ورسوله فيما شجر بينهم من خلاف واتبعوا خطوات الشيطان فأضلهم السبيل.وليس بالضرورة أن الحاكم وحده هو الذي يخرج عن حكم الله وانما كل من أفسد في الأرض أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق هو خارج علي حكم الله.هؤلاء جميعا ليسوا من أهل الإحسان وإنما هم تبع للسوء أينما ذهبوا. أما" الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا الى ربهم (أي أنابوا الي ربهم ولاذوا بحكمه وأطاعوه) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون"(هود23) وكيف بهم وبمن سبق ذكرهم يستويان؟."أفمن اتبع رضوان ربه كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبأس المصير"(آل عمران162).
لا... وانما رضوان الله وتمام نعمته"للذين أحسنوا الحسنى ولايرهق وجوههم قتر ولاذلة"(يونس 26).

وللحاجة للإحسان في كل فعل وتصرف في الاسلام تنظيم له،و يمكن لي القول بأن للإحسان أركان خمسة هي : الأسرة والخلافة والتكافل والتعامل والولاية. وهي المجالات الإجتماعية الخمس التي تدخلت الشريعة لتنظيمهابمجموعة من المباديءوالقيم في كل منها لبناء مجتمع قويم يكفل العدل والأمن والحقوق والسلام والوحدة والمحبة والكرامة ...لأفراده وللمجتمع ككل على النحو التالي:
· الأسرة: وتتضمن الاحسان في الزواج وللزوجة ، والبر بالوالدين وذوي الآرحام والقربي والأصهار
· الخلافة : وتتضمن الإحسان في إعمار الأرض والمحافظة علي النظم البيئية وتنوعها وتوازنها وعلي القيم الثقافية والعمرانية.
· التكافل: وتتمن الإحسان في التصرف في الملكية والمال والعدالة الاجتماعية وحفظ حقوق الغيروالتنظيم الاقتصادي والمالي العادل والزكاة والصدقات.
· المعاملة: وتتضمن الإحسان في معاملة الانسان ومخلوقات الله التي سخرها لخدمته والبيع والشراء والقيم السلوكية الفردية والجماعية .
· الولاية : ويتضمن الاحسان في القوامة علي الأسرة والولاية على الناس وعلي المال والوصاية علي القصر والأيتام وشؤون الحكم والسياسة والقضاء.
وتصنيفها بخمس اجتهاد مني يتفق مع النسق العددي للعقيدة حيث أركان الاسلام فيها خمس وأركان الايمان خمس. وقد تم بذلك حصر جميع مااهتم به المشرع مما الاحسان مطلوب فيه وما تطرق اليه المفكرون الإسلاميون من واقع ماتم استنباطه من القرآن والسنة ويعد من الاحسان.
وقال الله سبحانه وتعالي:{ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران148]} فجعل الآخرة موصولة بالدنيا والاحسان في الاولي سبيل الحصول على الإحسان في الأخر ي وقال:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128]}[سورة النحل]. وقال: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]}[سورة العنكبوت].

وقد ورد في مقال للدكتور كمال المصري عن الاحسان معلقا علي ماجاء في حديث جبريل من أن "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهويراك"، والذي اعتبر أن الناس لم يحسنوا فهمه، مايلي:
إن الإحسان ليس إحسان صلاة وصيام فقط، بل هو منهج حياة وأسلوب معيشة، هو عبادة ومعاملة، هو صلاة وحسن خلق، هو طاعة وأداء الحقوق إلى أهلها.
قال الإمام القرطبي في شرحه لقول الله تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90): "إنه تعالى يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض، حتى إن الطائر في سجنك والسنور في دارك لا ينبغي أن تقصر تعهده بإحسانك".
وقال ابن عطية: "العدل هو كل مفروض، من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم والإنصاف، وإعطاء الحق، والإحسان هو فعل كل مندوب إليه؛ فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه، ومنها ما هو فرض، إلا أن حد الإجزاء منه داخل في العدل، والتكميل الزائد على الإجزاء داخل في الإحسان".
وقد ورد في الحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته" رواه مسلم وأصحاب السنن.
قال الإمام الآبادي في "عون المعبود": "(كتب الإحسان على كل شيء): على بمعنى في، أي أمركم به في كل شيء".
وقال الإمام السندي في حاشيته: "(إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، أي أوجب عليكم الإحسان في كل شيء".
لو كنا نعبد الله تعالى كأننا نراه، لما ظهرت كل هذه الأخطاء والعيوب والذنوب، ولما تواجدت مسوخ الملتزمين في حياتنا، ولما تراجعنا كل هذا التراجع، ولما غدونا لقمة سائغة ينهشنا أعداؤنا متى شاءوا وكيف شاءوا وأين شاءوا.
لمَّا غفلنا عن منهج الإحسان في حياتنا وتحولنا إلى "أمة الهزل" غدا هذا حالنا، وعلاجنا لا يكون مبتسرًا أو مكتفيًا بعلاج عوارض المرض، وإنما يكون بعلاج أسبابه واجتثاثها من أصولها، وليعود "الإحسان" إلى "أمة الإحسان" سابقًا.لو حمل كل مسلم إحسانه معه.
لو عرف كل فرد منا أن معنى: (كأنك تراه) هو: "بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه، فجمع بيان المراقبة في كل حال، والإخلاص في سائر الأعمال، والحث عليهما" كما يقول الإمام المناوي.
لو أدركنا أن معنى: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): "أي فاعلم أنه يراك في جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال" كما يقول الإمام القاري.
لو فعلنا كل ذلك بأفرادنا لعادت أمتنا إلى مكانها الذي أراده الله تعالى لها: "أمة الإحسان".
لقد قال الله تعالى: "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (التوبة: 91)، يقول الإمام القرطبي في شرحها: "وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن".
فإذا أردنا أن نرفع العقاب عن أمتنا فلنعد إلى "أمة الإحسان".
لتكون النتيجة: "فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران: 148).انتهي كلامه.
واذا كان الأصوليون قد قسموا المقاصد الي ضروريات وحاجيات وتحسينيات واعتبروا المقاصد الضرورية خمس هي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل فان حفظ الأمانة هي من الضروريات وحفظ العدل هو ايضا من الضروريات وكذلك الاحسان والكرامة الاسلامية ووحدة الأمة اذ بدون هذه الضروريات كلها لايمكن أن تقوم فائمة لمجتمع مسلم علي النحو الذي أراده الله ورسوله . ويمكن القول بمقاصد ضرورية للفرد المسلم وأخري للمجتمع المسلم إن لزم الأمر.
فوزي منصور
Fawzym2@gmail.com
Nawaris44@yahoo.fr






No comments: