Wednesday, June 13, 2007

هل تحسن الجزائر استخدام مواردها؟

الجزائر...هل تحسن استخدام مواردها ؟

تحسنت الموارد المالية للجزائر خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وبالتالي زيادة عائدات بيع البترول والغاز مما كان له نتائج ايجابية علي ميزانية الدولة. وقد تمكنت الجزائر علي اثر ذلك من سداد معظم ديونها الخارجية والتي كانت خدمة الدين تستهلك معظم مواردها المالية ، كما تمكنت أيضا من تأمين رصيد هام من العملات الأجنبية. وشجع ذلك الدولة علي التوسع في الانفاق ويظهر ذلك جليا في توجهين أولهما عقد صفقات ضخمة في مجال التسليح ورصدمبالغ كبيرة لتنفيذ مشروعات في مجال الاسكان.
بالنسبة لصفقات السلاح فمن واجب كل دولة أن تعزز قدراتها العسكرية لحماية أمنها القومي وصد أي عدوان خارجي محتمل أو ارهاب العدو المحتمل لمنعه من مجرد التفكير في شن العدوان ، ولكن هذا يتطلب من الدولة عند تحديد حجم ونوعية التسليح ونسبة النفقات العسكرية من الدخل القومي أن تحدد الأعداء المحتملين وأن تحدد بالتالي نوعية السلاح الذي بامكانه صد أي عدوان منهم واذا افترضنا أن العدو المحتمل هو عدو اقليمي وأن ميزان القوة العسكرية الحالي هو في صالح الجزائر فان زيادة نفقات التسليح في هذه الحالة يعد هدرا لموارد مالية كان بالامكان انفاقها في مجالات التنمية وتحسين خدمات الدولة .
بالنسبة للانفاق علي الاسكان فهو انفاق ضروري لتحسين ظروف عيش الأسر الجزائرية ولكنه يجب أن يتم في اطار مخطط للتنمية الشاملة وللعمران وأن لايقتصر علي السعي لارضاء فئات من الشعب لأغراض سياسية أو انتخابية دون الأخذ في الاعتبار مايترتب علي توسيع مدن حالية من تكدس السكان فيها وزيادة الضغوط علي الخدمات واستهلاك الموارد المائية المحدودة وظروف الطبيعة الجبلية لمعظم المدن الجزائرية وصعوبة التوسع الأفقي لها وتكلفته المالية الكبيرة.
قد لايكون المرء متجنيا لو استنتج من ذلك أن انفاق الموارد المالية للدولة الجزائرية يخضع لاعتبارين :

الأول : ارضاء المؤسسة العسكرية وسعيها لتعزيز قوتها المادية والعنفية داخل الدولة لكي تظل ضمن المعادلة السياسية المتحكمة في شئون الحكم وضمان استمرار امتيازاتها وحماية قياداتها وعناصرها من أي تقلبات سياسية تسمح بمحاسبتهم بجرائم ضد الانسانية اقترفوها خلال مايسمي بالعشرية الدامية ودعم المصالح الشخصية للجنرالات بتوفير فرص الحصول علي عمولات يكبر حجمها بقدر مايكبر حجم صفقات التسليح . أي أن الأمر لوصح ماسبق لاعلاقة له بالأمن القومي للدولة الجزائرية أو تمكينها من صد عدوان خارجي .

الثاني: ضمان استمرار نظام الحكم الحالي لمدة أطول بحقنة تخدير مؤقته طالما لايتم وضع مخطط قومي يؤمن فرص عمل لعشرات الالاف من الشباب الجزائري العاطل ويؤمن أيضا أمنا غذائيا ليمكن فصله عن الأمن القومي للدولة ويؤمن فرص زواج للشابات الجزائريات يغنيهن عن عرض أنفسهن في الانترنيت دون جدوى أوالسقوط في براثن شبكات الدعارة الدولية ويقلل أيضا من حجم الواردات الأجنبية أو يحقق تأمين قدرات دفاعية ذاتية عن طريق التصنيع الحربي.

ومن المؤكد أنه كان يمكن تحقيق نفس المصالح الذاتية للعسكريين والمدنيين علي السواء بصرف النظر عن مدي مشروعيتها ضمن خطة وطنية تحقق أيضا مصالح الدولة والشعب ، وتراعي ظروف المكان من تضاريس ومناخ وشبه انعدام للأنهار والسهول الساحلية،وللزمان ومايكتنفه من تحديات للأمن والاستقلال الوطني وأكبر مثال لها ماتشنه الولايات المتحدة من حروب وماتزمع اقامته من قواعد عسكرية في أفريقيا واحتياجات الانسان الجزائري الحالية والمستقبلية مع الاخذ في الاعتبار احتمال نضوب آبار النفط يوما ما.

والذي لم يعد يحتاج الي شرح وتفصيل أنه لايمكن للجزائر تحقيق طموحات وطنية تمكنها من حل مشاكل الحاضر وتعزيز امكانيات المستقبل والافادة من عبقرية الموقع للتوصل الي تحقيق مكانة ومهابة اقليمية وقومية ودولية دون تنفيذ مشروعات قائمة علي التعاون الاقليم والتنمية المشتركة . وهذا كله يمكن التوصل اليه دون حاجة الي وحدة سياسية مع دول الجوار علي النحو الذي كان يفكر به قادة الثورة الجزائرية زمن الاستقلال ومازال له تأثير سلبي علي العقل السياسي الجزائري كنتيجة للاحباط.

حتي لايكون الكلام نظريا ، سأضرب مثلا عمليا لمشروع يمكن تنفيذه ويحقق كل ذلك للجزائر ، والذين قد يعتبرونه خياليا عليهم أن يتذكروا أن الفكر الاستراتيجي لايكون فكرا مبدعا مالم يعتمد علي تصورات مسبقة هي بنات خيال أولا وأخيرا

يوجد غرب مدينة قادس التونسية الواقعة علي خليج تونس منخفض تحت مستوي سطح البحر بعدة أمتار يعرف بشط الجريد واذا ماتوجهنا غربا منه وقطعنا الحدود السياسية بين تونس والجزائر سنجد منخفضا آخر يقع بدوره تحت سطح البحر يسمي منخفض ملقير واذا واصلنا الاتجاه غربا بعد نهاية المنخفض داخل الجزائر
سنصل بعد مسافة ليست بالطويلة منطقة "حاسي مسعود" التي يتم فيها استخراج البترول والغاز. فكرة المشروع المقترح هو حفر قناة بحرية تمتد من خليج تونس جنوب قادس وتمر بمنخفض شط الجريد ثم تمتد غربا نحو شط ملقير مكونه في تونس والجزائر بحيرتين كبيرتين ثم تمتد القناة نحو منطقة انتاج البترول في حاسي مسعود وعن طريق هذه القناة البحرية يمكن تصدير البترول التونسي والجزائريى دون أدني حاجة لخطوط أنابيب مكلفة في صيانتها وتشغيلها وحمايتها من التخريب، بسبب وعورة المناطق التي تجتازها حاليا في اتجاه الموانئ الجزائرية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وكذلك خامات الفوسفات في البلدين.و حول هذه البحيرات يمكن إقامة مدن صناعية للصناعات الكيماوية مثل صناعة الاسمدة والصناعات البتروكيماوية ، ويمكن أقامة منتجعات سياحية ومناطق للتجارة الحرة الدولية ومنشآت لتحلية مياه البحر وأخرى لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية . كمايمكن أيضا انشاْء مدن مخصصة للتعليم التقني المتوسط والعالي وأخرى للعلاج المتخصص. من مزايا مثل هذا المشروع أن يوفر فرص عمل ومنتجات صناعية ويعيد توزيع السكان علي مجمل التراب الوطني بما ينعكس ايجابا على دواعي الآمن القومي وينقل الانشطة الصناعية من مدن الشمال الي مناطق أكثر أمنا وتتيح فرص أفضل للدفاع عنها . ويحيي المشروع أرضا موات شبه خاليه من السكان ويحسن الظروف المناخية فيها ويمنح فرصا لاقامة مناطق زراعية جديدة ولولعدد محدود من النباتات التي تتحمل قدرا محدودا من ملوحة مياه الري ، كمايتيح فرصا كبيرة لتنمية الموارد السمكية عن طريق استغلال البحيرات ويوفر فرصا لزيادة حصة كل من تونس والجزائر في التجارة الدولية بتوفير مستودعات لمنتجات دول شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية في المنطقة الحرة.
ستكون هناك مشكلة توفير المياه العذبة للشرب مع زيادة سكان المنطقة العمرانية الجديدة حول البحيرات وعلى طول القناة البحرية ، وهي مشكلة يمكن حلهاأيضا عن طريق تعاون إقليمي أوسع نطاقا في مجال المياه والتنمية والأمن الغذائي واعادة توزيع سكان دول شمال أفريقيا وبتمويل محلي ودولي , وهو مايمكن بسطه وتوضيحه في فرصة أخرى.
وتوفير التمويل اللازم لمشروع القناة البحرية سالف الذكر يمكن أن يتم بإقامة شركة مساهمة تساهم في رأسمالها حكومتا تونس والجزائر والشعبان التونسي والجزائري ومؤسسات التمويل الدولية. ويمكن أيضا تزويد الدولتين إن أبديا اهتماما بنظام يؤمن تمويلا شعبيا مستمرا للمشروع كأسهم في رأسمال الشركة
يضم جميع السكان دون استثناء أو اقصاء ويعود بالخير علي الجميع ويحسن من دخل العائلات من جميع المستويات الاجتماعية ويؤمن احتياجاتها المالية المستقبلية في جميع الظروف وبصرف النظر عمااذا كانت تستفيد من التأمينات الاجتماعية الحكومية أم لا ويجسد مبدأ التكافل الاجتماعي ومبدأ صلة الرحم في أجل صورهما.
فوزي منصور
Fawzy_mansour@hotmail.com
Fawzym2@gmail.com

No comments: