Sunday, October 30, 2011

تفصيل لدور العالم والمفكر في إنتاج المعرفة

العالم هو من تخصص في علم ما فأحاط علما بكل ما به من معرفة علمية تراكمت في ذلك العلم عبر العصور ، وقد يتخصص في فرع واحد منه دون سواه، فصار مرجعا فيه.وقد يجرى العالم تجربة في المختبر بهدف التأكد من شيئ ما فيكتشف بالصدفة شيئا آخر فيضيف معرفة جديدة الى العلم ، ولكنه ﻻ يحسب رغم ذلك مفكرا.أما المفكر فقد يكون عالما متخصصا وقد ﻻ يكون عالما ومع ذلك يضيف الى علم ما ما يعد جديدا فيه لم يسبقه اليه العلماء المتخصصون.وﻻ يتحول ما توصل اليه المفكر الى حقيقة علمية اﻻ بعد أن يثبت العلماء المتخصصون صحة ما توصل اليه بتفكيره.المفكر إذن ﻻ يتحول الى عالم لمجرد أنه أضاف شيئاالى علم ما ليس محيطا به وﻻ متخصصا فيه.وفي علوم الدين مثلا سنجد أن تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي للقرآن الكريم واستفصائه للمعاني اللفظ في أية ما بالسياقات اﻷخرى التي وردت فيها ومعانيها فيها ليعطي المعني للفظ الوارد في اﻵية دﻻلته ، يكون في هذه الحالة عالما ومفكرا في ذات الوقت. نفس الشيء ينطبق على الدكتور أحمد الريسوني العالم المغربي اﻷصولي أي المتخصص في مقاصد الشريعة عندما ينتج أفكارا غير مسبوقة ويستنبطها مما جاء في كتاب الله ويعد ما استنبطه مما يطلق عليه باللطائف.ولايتسع المجال هنا لذكر كل علماء الدين المفكرين فيه.المفكر الغير عالم إذن مثقف لديه اطلاع على عدد من العلوم اﻹنسانية دون أن يكون متخصصا فيها ، وتستوقفه خلال اطلاعاته قضية ما ﻻيجد ما قيل فيها مقنعا لعقله فيستغرق في تأملات وتفكير عميق في أمرها بحيث ﻻ يغادرها اﻻ بعد أن يصل فيها إلى أمر ربما لم يسبقه اليه أحد من قبل فيكون بذلك في عداد المفكرين دون أن يكون بالضرورة عالما في العلم الذي يعد ما توصل اليه بمثابة أضافة جديدة فيه.ولذا كانت الفلسفة سابقة للعلم ومنيرة الطريق اليه.إذ يتوصل الفيلسوف الى فكرة ما يبرهن على صحتها بالمنطق ولكن برهانه عليها ﻻ يعني أنها صحيحة حتى يتناولها العلماء ويجرون عليها تجارب علمية تثبت صحة ما توصل اليه بعقله أو خطأ أو قصور ما توصل اليه.
ويمكن القول بأن المعرفة التي ينتجها المفكر تأتيه عن طريق الحدس .وثمة أقوال شتي في بيان ماهو الحدس ؟، وما يجمع بينها أنه إلهام مفاجئ بحل فيقدم تفسيرا لأمر معقد ،وجد الملهم صعوبة من قبل في الوصول اليه.أو يقدم فهما معقوﻻ ﻷمر استعصي من قبل على اﻷفهام. وقد فهم الكثيرون من ذلك أنه معرفة غير موجودة في الكتب ، وهذا صحيح، ولكن صحته لا تكتمل دون ذكر أنه أيضا من ثمار الثقافة المستمدة من الكتب ،ولولاها ماكان بالأمكان تحصيل تلك المعرفة الجديدة عن طريق الحدس.وهنا يمكن تعريف الحدس بأنه اللحظة التي يتمكن فيها العقل بعد طول عناء في التفكير من ترتيب مالديه من المعرفة ترتيبا منطقيا،بعد أن كانت مبعثرة أو مشوشةفي الذاكرة، لتوليد معرفة جديدة منها.وقد تتولد من معلومات بسيطة يلاحظ فيها المفكر شيئا غير منطقي فيها، لم يلحظه أحد من قبل أو يوليه اهتماما، فتستثير عقله وتحفزه على التفكير فيها.

أمثلة عن التفكير في اللامفكر فيه:
سأضرب هنا مثلا من علم البيولوجيا. ففي المدارس الثانوية يدرس أن اﻻخصاب للبويضة يتم نتيجة وصول حيمن ، أي حيوان منوى ،يصل قبل غيره اليها فيخصبها. هذه معلومة وإن كانت علمية تعد ضمن الثقافة أو المعلومات العامة وﻻ تجعل ممن يعرفها ، أي طالب الثانوي ، عالما بيولوجيا.وقد يأتي حين من الدهر على من يملك تلك المعلومة فيفكر فيهاويأبى عقله أن يعتبرها حقيقة علمية رغم أن العلماء المتخصصين في البيولوجيا يقولون بها. سبب اﻻعتراض هو تساؤﻻت حول ما الحاجة أن تحتوى النطفة الواحدة ملايين الحيامن طالما واحدا فيها يكفي ؟ وأيضامالذي يمنع أن يصل ألف حيمن في وقت واحد للبويضة فكيف يتم تخصيبها من واحد منها فقد من ضمن اﻷلف؟..إذن ﻻ بد أن كل هذه الحيامن رغم أن بها نفس العدد من الجينات يختلف كل منها عن اﻵخر فيما يتعلق بالجينات التي يحقق تكاملا مع البويضة، وأن البويضة تنتقي منها فقط ما يحقق هذا التكامل. وقد يشبه هذا نظرية الفوضي في النظم الحرارية .

هنا يصل بعقله وليس نتيجة تجارب علمية في المختبرات وهو غير مؤهل ﻹجرائها لأنه ليس عالما متخصصا بأن ترتيب الجينات في الحيامن يأخذ صفة العشوائية وﻻ يوجد منها ما يتكامل مع جينات البويضة سوى القليل منها بالصدفة.وعندما يصل ألف حيمن أو أكثر الى البويضة في قناة غالوب فإن البويضة ﻻ تقبل منها سوى واحدا فقط وترفض الباقي.وحتي أذا تمت العملية بنجاح على هذا النحو فإن تعاطي اﻷم الى أدوية معينة أو مسكرات أو أصبابتها بأمراض معينة قد تتسبب في تشوية تلك الجينات ويولد الطفل مشوهاأو لديه نقص في أحد الحواس.ويقر علم الوراثة بما يعرف فيه باختلال الصيغة الصبغية (بالإنجليزية: Aneuploidy‏) وهي الحالة التي فيها يكون عدد الصبغيات غير طبيعي نسبة إلى زيادة أو نقصان في عددها أيهي الحالة التي تخص الصبغيات عندما يكون عددها ليس من مضاعفات عدد صبغيات خلايا الأمشاج.وقد ينشأ هذا اﻻختلال من تكون كروموم جديد من خلال كسر وانصهار اثنين من الكروموزومات المختلفة.

في نفس العلم سنجد أن علماء الوراثة يجمعون على أنه اذا كان ممكنا أن ينتقل الى الطقل استعدادا لمرض ما بالوراثة ، فإنه ﻻ علاقة بالوراثة باستقامة أو انحراف سلوك الطقل عندما يكبر.ولكن أليس ممكنا إن تعرض مخ الطقل مثلا لتشوهات وهو جنين أن يؤثر ذلك على انحراف سلوكه مستقبلا؟..
هنا يسترعي انتباه المفكر ، الذي هو ليس عالما بيولوجياوإنما يتمتع بثقافة واسعة في ميادين علمية متعددة ، ما ورد ذكرة في القرآن الكريم من قصة النبي موسى مع العبد الصالح التي وردت في سورة الكهف.قال تعالى ::فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً" الكهف ءاية74 .ثم فسر العبد الصالح سبب قتله الغلام فقال الله تعالى على لسانه:"وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا*فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا".إذا فاﻷمر هنا ليس تخليصا للأبوين من ولد لهما قد يشغلهما عن عبادتهما وإنما استبدال ولد غير زكي سيرهقهما طغيانا منه وكفرا بأخر زكي سيكون خيرا منه زكاة وأقرب رحما..الفرق بين الولدين وهما من نفس اﻷبوين ﻻ يتعلق هنا بالوراثة عنهما وأنما يتعلق بخلل أصاب الولد اﻷول جعل نفسه ليس زكية بحيث يتوازن فيها الفجور والتقوى مثل باقي النفوس العادية، وفق قوله تعالي : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، وإنما تسبب خللها في أن تكون نوازغ الفجور فيها منذ البدء أكثر من التقوى ، مما يجعل صاحبها ﻻيرجي أو ينتظر منه سوى الشر..

ويمكن أيضا أن يستنتج من أن النفس البشرية في فطرتها تحمل الفجور والتقوى من أن اﻹسلام ليس دين الوسطية وأنما هو دين يتجاوز الوسطية دون أن يخل ذلك بطبيعته كدين يعتمد على اﻻعتدال والعدل ، ومن هذا يستخلص أيضا نظرية : اﻹخلال اﻻيجابي بالتوازنات والتي يمكن تطبيقها في اﻻقتصاد وفي علوم انسانية أخرى.

وهذا الذي يصل اليه المفكر هنا ﻻ يمكن اعتباره من العلم وإنما يفتح الطريق أمام البحث العلمي للعلماء المتخصصين ﻹثبات صحته ، فإن أثبتوها صار علما.

مثال آخر من علم التفسير فعلى مدى أربعة عشر قرنا كان علماء الدين يقرؤون في سورة البقرة قوله تعالى : "حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى " فيقولون قال فلان بأنها صلاة الفجر وقال فلان بأنها صلاة العصر وقال فلان بأنها صلاة المغرب وتركوا صلاة العشاء وحدهاهي التي لم تعتبر الصلاة الوسطى. لم يسترعي انتباه عالم بأن تعدد اﻷقوال في هذا الشأن يستدعي البحث عن أيهما أصدق فيلا أو أنها جميعها قد تكون خاطئة.وﻷن المفسرين اعتادوا على تفسير كل أية بمغزل عن السياق الذي وردت فيه فلم ينتبه أحد منهم الى السياق الذي جاءت فيه اﻵية والذي قد يقوده الى تفسير أقرب الى الصحة ويقبله السياق والعقل.وعندما يستوقف اﻷمر مسلم ماثم ينتبه الى السياق فيجده قبل اﻵية وبعدها يتحدث عن الزواج والطلاق وما قد يترتب على الطلاق من الواجبات ، واذا كانت اﻻية تقصد أحدى الصلوات المفروضة فيعد وجودها في مثل هذا السياق شاذا وبالتالي فهي ﻻ تعني قطعا أي من الصلوات الخمس المفروضة وأنما معنى أخر خفيا.ثم يبحث عن معني الصلاة في القرآن فيجد أنها تأخذ معان تتجاوز معني الصلوات المفروضة ، هنا يستقر رأيه على أن المقصود هنا هو صلة الرحم التي قد يتسبب الطلاق في قطعها بيما يريد الله أن تظل موصولة بين المؤمنين ﻻ يؤثر فيها حدث طارئ.

وقد تستوقف المفكر المسلم سورة صغيرة مثل سورة الكوثر ويقرأ ما ذكره المفسرون للفط الكوثر ، فيراهم تارة يقولون بأنه نهر في الجنة، وتارة يقولون بأن المفصود بها ابنته فاطمة الزهراء أو نسله منها ﻷنها الوحيدة التي كان لها سلالة من بناته اعتمادا على أن اﻷبتر الذي ورد في نهاية اﻵية الثالثة واﻷخيرة في السورة هو من ﻻ عقب له ، فلاتقنعه هذه التفاسير.وهو أذ ﻻيمانع في أن بكون الكوثر نهر في الجنة لورود أحاديث لرسول الله في شأنه، الا أنه ﻻيراه المقصود هنا، ويتأمل في اﻵيات الثلاث بالسورة وهي : إن أعطيناك الكوثر، فسل لربك وانحر،إن شانئك هو اﻷبتر. ويأخذ في اعتباره أنها مكية اعتمادا على سبب نزولها المتواتر ، وأنها نزلت على أثر وفاة ابن رسول الله عبدالله أو أبنه القاسم وشتم رجل له من قريش يدعى العاس بن وائل ، ويكون المقصود هنا بصل لربك وانحر ليس ذبح اﻷضحية على إثر عيد اﻷضحى كما قال بذلك المفسرون أيضا.هنا يستخلص أن المقصود بالكوثر هو كثرة اﻷتباع بينما من شتمه وعايره بأنه ﻻولد له سيكون هو المقطوع الذي لن يتبعه أحد.والمقصود هنا كل من شتمه من كفار قريش وليس الغاص بن وائل وحده. وصناديد قريش الذين آذوا النبي وقتلوا في غزوة بدر أو غيرها من الغزوات لم يعد لهم ولي وﻻنصير حين فتح مكة وأتباع الرسول اليوم يكاد يزيد عددهم عن المليار ونصف المليار مسلم.فهي أذن بشارة مستقبلية للنبي وفي مقابلها على النبي أن يصلى لله ويذبح ذبيحة يظعم بها أتباعه القليلين وقتها مثلما يولم أحد اليوم شكرا على نعمة أنعم الله بها عليه. وقد يأبي عقل المفكر أن يكون في كتاب الله آيات ناسخة ﻷخرى رغم كثرة أقوال الفقهاء في هذا الشأن ، فيفكر مليا في تلك اﻵيات التي استشهدوا بها فيتبين له بأن كل آية منها تناقش قضية مختلفة في نفس الموضوع وبالتالي الحكم في كل منهما واجب النقاذ وليس فيهما ناسخ أو منسوخ ، وﻻ يشعر بالراحة الا عند الوصول الى مثل هذه النتيجة التي يقبلها عقله ويظمئن بها قلبه.ونجد أن من سمات المفكر في هذه اﻷمثلة أنه متحرر من أي قيود في تفكيره وفي تأملاته بحثا عن الحقيقة، ﻷنه لو تقيد بما قاله اﻵخرون لن يكون بمقدوره سوى اعادة انتاج أقوالهم ولن يأتي بجديد.وفي نفس الوقت فإن مخالفته للسابقين عليه ليس فيها ابتداع في الدين وﻻإضافة فيه وانما زيادة فهم له فيها تزكية له من أي شائبة الحقها به اﻷقدمون .

هنا يمكن احتساب صاحب هذا الرأي الغير مسبوق مفكرا وليس عالما متخصصا في الدين مهما بلغ قدر اطلاعه عليه وتفهمه له.وأما لم نعتبره مجرد مفكر ﻷنه لم يصل الى ما أعلنه من رأي اﻻ بعد تفكير عميق فيه ودراسته من جميع جوانبه.وعموما فإن المسلم ﻻ يكون مسلما حقا مالم يكن متفقها في دينه ، وعارفا به ، وبمافي كتاب الله من أحكام وقيم ملزم باتباعها وتمثلها في سلوكه ومعاملاته.وبصفة عامة فإن المفكر ، رغم أن حظة قليل من العلم ، يفكر غالبا فيما أغفل التفكير فيه العلماء ، وهو بالتالى يبدع جديدا يضيفه الى معارفه.وبغير التفكير ﻻ يمكن الوصول الى الحقيقة ،وقد قرأت عبارة منسوبة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول فيها:"أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكر وإن ضلّ , لأنه سيعود إلى الحق .. ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكر وإن اهتدى , لإنه سيكون كالقشة في مهب الريح " .

تعاليم بودا وطلب المعرفة عن طريق التأمل العميق:
ويستخدم المفكر في انتاج فكره آلية التأمل العميق.والتأمل العميق هو أحد وصايا جوتاما بودا لكهنة بنارس ، والتي يقول فيها:الطريق الوسط الّذي يمكّن من الرؤية والمعرفة، ويقود إلى السلام والحكمة واليقظة والنيرفانا. إنّه الطريق الضيّق النبيل. أي الفهم الصائب والفكر الصائب والكلام الصائب والعمل الصائب والسلوك الصائب والجهد الصائب والانتباه الصائب والتركيز الصائب. هذا هو، أيّها الرهبان، الطريق الوسط الّذي اكتشفه البوذا، والّذي يسمح بالرؤية والمعرفة، ويقود إلى السلام والحكمة واليقظة والنيرفانا.

وتعتمد الفلسفة البودية على طلب : الفضيلة والحكمة والتأمل ، ويمكن القول بأن المفكر ، بصرف النظر عن دينه ، وبدراية منه وبدون دراية، يطبق تعاليم بوذا ويتصف بأخلاقياته من التواضع وأنكار الذات وحب الخير والسعي لما يعرف في البوذية بالنيرفانا والتي قوامها :لإحسان، الإشفاق، التفكير الإيجابي، والرزانة.وجاء في تعاليم بوذا أيضا أن غاية الحياة هو اعتاق الروح من سلاسل الشهوة و حب الذات و السبيل إلى ذلك هو التأمل و القناعة و الزهد في أمور الدنيا و بذل الذات لمساعدة الآخرين و استئصال الأنانية في كل وجوهها وأن الشر الأعظم يتمثل الجهل و منه يصدر العذاب و الشقاء و أسهل طريقة لتحسين أحوال الحياة في الحاضر و المستقبل هي اقتباس المعرفة الحقيقية والتي تتوقف المعرفة على علم الطبيعة المنظورة و غير المنظورة أي الغيبيات و البحث في نفس الإنسان و استقصاء مصادر الأشياء الأولية التي هي أزلية مطلقةوتتطلع الى الخير اﻷعظم الذي صدرت عنه.

العلاقة بين البودية والتصوف :
ومن المرجح أن التصوف لدى المسلمين كان نتاجا لتسرب تعاليم وقيم الحضارات اﻷخرى التي احتك بها المسلمون في الهند وأفغانستان والصين من بودية وهندوسية وكونفشيوسية. ولذا أخذ المتصوفة المسلمون آلية التأمل العميق للحصول على العرفان ، أو المعرفة التي ﻻ توجد في كتب ومؤلقات العلماء وأنما تأتي نتيجة اﻹلهام الرباني من خلال التأمل العميق الذي يتطلب الصفاء النفسي والروحي الكامل خلالة.وفي ذلك ينقل عن أبي زيد البسطامي قوله:" أخذ الناس العلم من الأموات ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت أبدا ، كلهم يقولون بالحق ، وإني أقول عن الحق ، فلا جرم أن ليس هناك شيء أصعب من متابعة العلم ، أي علم تعليم تعليم الظاهر " ولكن رغم ذلك فإن المعرفة سواء جاءت عن طريق النقل أو عن طريق العقل والتأمل العميق فإنها ﻻ تكون معرفة ﻷن فلان قال بها، وأنما ﻷنها قابلة للبرهنة على صحتها.وهنا يتساوى علم المتصوفة أو أهل الباطن مع أهل الظاهر، فإذا لم يستطع المتصوف البرهنة على صحة مقولته فهي ليس من المعرفة في شيئ ، بل هي أقرب الى الضلال منها الى الحق حتي تتم البرهنة على صحتها.وفي الواقع فإن المفكر المسلم يمكن أن يعد من المتصوفة في اتباعه مسلكهم في التوصل الى المعرفة.ولكنه ليس مثلهم في عدم ربطهم العرفان بالبرهان.وقد يختلف عن بعضهم أيضا في أن تأملاته تستفيد أيضا بثقافة واسعة يتوقر عليها في مجاﻻت معرفية متعددة ومرتبطة بها على نحو ما.وأغلب أفكار المتصوفة مجدودي الثقافة والعلم مشوشة وعير واضحة وﻻ تعد من الدين أو التدين في شئء، وقد اهتم بها المستشرقون واعتبروها رمزيات تحتاج الى علم السيمياء لفهمها، وهي تمثل بعد فك رموزها الحقائق الدينية للأسلام وليس المعاني الظاهرة في القرآن الكريم، وأن القرآن بذلك فيه تفسير باطني هو اﻷصح من التفسير الظاهري كما قال بذلك هؤﻻء المتصوفة ، وما لجؤوا لذلك اﻻ لتضليل المسلمين عن دينهم وأفساده لهم. وتبعهم في ذلك محمد أركون وتلامذته في سوريا وتونس ومصر ، ودارت حوله معظم مؤلفاتهم، وركزوا في كتاباتهم على ابن عربي وفتوحاته المكية المزعومة.

المفكر فيلسوفا:
وقد عبر قديما عن الفيلسوف والمفكر بالحكيم ووصف بأنه : "من ينظر بعين بصيرته قبل عين إبصاره , ويقيس الأمر وعواقبه ومدى محامده ومذامه .حيث تتأتى له الحكمة أولا من وهب الله له, إضافة لطول خبرته وحسن تقديره ونظره بعين البصيرة في الأمور وعدم الاغترار بظواهرها".ويحاول البعض أن يخلق فروقا وهمية بين المفكر والفيلسوف بمقارنة بين من وصفوا بالمفكرين وبين مشاهير الفلاسفة واهتمامات كل منهمابينما الفيلسوف ليس أكثر من مفكر ، والعبارة المشهورة لديكارت :"أنا أفكر، إذن أنا موجود" تشهد بذلك.ويقولون بأن الفيلسوف يفكر للعالم أجمع وأما المفكر فيفكر لنظاق جغرافي فيه ينتمي اليه غير صحيح ، كما أن القول بأن المفكر يفكر بغير منهج علمي يلتزم به في التفرقة بينه وبين العالم هو أيضا غير صحيح ، فالمفكر الحق أيضا له منهجه الذي يتبعه في تفكيره وتحليلاته.فعندما يقول المفكر بأنه في دراسته أو تفكيره لقضية ما يتناول أبعاد ثلاثة لها هي : المكان أي الجغرافيا، والزمان أي التاريخ ،واﻹنسان بكل ما يتعلق بثقافته أو يبحث في شأن من شئونه ،وخاصة اﻻنتروبولوجيا وعلم النفس والعقائد والتشريع . فلا يمكن في هذه الحالة القول بأن هذا المفكر يفتقر الى منهج في التفكير والبحث.وقد نجد لدى سواه مناهج أخرى يتبعونها. ويهتم المفكر كذلك بنفس الفضايا التي يهتم بها الفيلسوف ويستعمل مثله المنطق في البرهنة على صحة أفكاره، وقد يكون مطلعا أو غير مطلع على انتاج الفلاسفة الأقدمين أو المعاصرين له ، وما يختلف فيه عن الفلاسفة هو أنه لايستعمل المصطلحات التي استعملها الفلاسفة السابقون عليه، فهو منشئ لفكر جديد وليس مكملا لفكر آخرين ، وينفصل عن فكرهم إن كان على اطلاع عليه ، لكي يحقق حريته الفكرية بمعزل عنهم ، أي يستقيد منهم دون أن يتأثر بهم ويتبعهم ، وإنما قد يتقق معهم أو يخالفهم فيما ذهبوا اليه ..ويمكن وصف المفكر بأنه مثقف حريص على الحرية واﻻستقلالية واﻹبداع في مجال المعرفة وهو مهموم طول الوقت بمشاكل مجتمعه على كافة اﻷصعدة ويبحث لها عن حلول غير تقليدية تكون أكثر نجاعة.وهو بهذه الصفات ﻻبد أن يكون ثوريا، بمعني ساعيا لتحقيق تغيير في المجتمع لصالح جميع مكوناته، وتتحقق فيه القيم التي يؤمن بهامن حرية ومحبة وأمانة وصدق وأخلاص وعدل ...الخ. وهو ليس مثقفا عضويا بمفهوم أنطونيو جرامشي ولكنه في ذات الوقت مرتبطا عضويا بمجتمعه ومشغوﻻ أو مهموما به طول الوقت.ولتجرده منالذاتية فهو ﻻ يسعي لزعامة أو شهرة أو سلطة، وأنما يكتفي بالتوجيه وأنتاج ماينفع الناس.

القيم اﻵسيوية:
ويعزي التقدم العلمي في اليابان لممارستهم التأمل العميق وفق ديانتهم الطاوية التي تعد ديانة وضعية عبارة عن مزيج من تعاليم بوذا وكونفيشيوس.كما أن خلايا التفكير أو Thinking Tanks التي انتشرت مؤخرا في الغرب خاصة في الوﻻيات المتحدة استمدت من الثقافة اليابانية وفي محاولة لتقليدها ولكنها تفتقر الى سمتها الروحية وأيضا اﻻلتزام اﻷخلاقي.ويعزي الغربيون التقدم اﻻقتصادي الذي حققته اليابان أوﻻ ثم تبعتها فيه باقي دول شرق آسيا الى ما يسمونه بالفيم اﻷسيوية، ولكن الكبر والغرور يمنعهم من اﻷخذ بها،وتتمثل هذه القيم في : النظام والانضباط والعمل الجاد والترابط الأسرى والمحبة والحشمة والعمل الجماعي والتواضع والتكافل والتكامل وطلب المعرفة والتسامح والتقشف أو ضبط اﻻستهلاك وعدم اﻹفراط فيه.ومعظمها مأخوذ من تعاليم كونفيشيوس وبعضها أخذ عن بودا.ومن حكم كونفشيوس قوله :لو قال كل إنسان ما يفكر فيه بصدق فإن الحوار بين البشر يصبح قصيراً جداً.سلح عقلك بالعلم خير من أن تزين جسدك بالجواهر.ليس من أغراك بالعسل حبيباً، بل من نصحك بالصدق عزيزاً.العقل كالمعدة المهم ما تهضمه لا ما تبتلعه.ليست العظمة في ألا تسقط أبداً بل في أن تسقط ثم تنهض من جديد.ومذهبه يقوم على الحب - حب الناس وحسن معاملتهم والرقة في الحديث والأدب في الخطاب. ونظافة اليد واللسان. وأيضاً يقوم مذهبه على احترام الأكبر سناً والأكبر مقاماً، وعلى تقديس الأسرة وعلى طاعة الصغير للكبير وطاعة المرأة لزوجها. ولكنه في نفس الوقت يكره الطغيان والاستبداد. وهو يؤمن بأن الحكومة إنما أنشئت لخدمة الشعب وليس العكس. وأن الحاكم يجب أن يكون عتد قيم أخلاقية ومثل عليا. ومن الحكم التي اتخذها كونفوشيوس قاعدة لسلوكه تلك الحكمة القديمة التي تقول : " أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ".وفق ماجاء في الويكيبديا عنه.
ويمكن القول بأن هذه القيم تعتمد على ما أسميه بفلسفة اﻷسرة ومستمدة منها وذات صلة وثيقة بما يعبر عنه في اﻷسلام بصلة الرحم بمفهومها الواسع ،ويطلق عليها مفكر ياباني اسم : المشاعر العميقة،وكل القيم سالفة الذكر مما يدعو اليه اﻹسلام .ولذا تعد اﻷقرب الى قيم الدين اﻹسلامي وتعاليمه من قيم الحضارة اﻷوروبية وتداعياتهابما يعرف بالحداثة اﻷوروبية،والتي بدأ فلاسفة الغرب يتطلعون الى ما بعدها ، أو ما يسمونه :مابعد الحداثة،وتحاول الحد من نزعات الفردانية والمادية المفرطة التي أفرزتها الثورة الصناعية اﻷوروبية. بينما مازال المتغربون لدينا يتعلقون بالحداثة التي هجرها الغرب نفسه.والدليل على تشابه القيم اﻵسيوية مع القيم اﻹسلامية هو ما نجده في ماليزيا اﻵن بين المسلمين واتباع الديانات اﻵسيوية من هندوسية وبوذية وكونفوشيوسية، حيث يتبني الجميع قيما واحدة ﻻتستطيع أن تفرق بين ماهو اسلامي منها وماهو مأخوذ من تلك الديانات.

وعموما لم تكن تلك العقائد الدينية لدى الشعوب غير المسلمة وانفتاح المسلمين عليها دائما ايجابية ، فقد استعان بها أصحاب الشيع والملل في وضع عقائد مستوحاة منها مزقت وحدة اﻷمة وكان أغلبها فيه مخالفة للعقيدة اﻹسلامية، وتم فيها تسخير الدين لتحقيق أهداف سياسية أو عنصرية محضة تخالف الدين الخالص كما هو عليه في القرآن الكريم والسنة المشرفة وﻻيربطها بها سوى خيوط واهنة .

إن اﻷمثلة التي ضربتها ضربتها من الخبرة الذاتية وتعاملى مع بعض ما عرض لي وفكرت فيه لتوضيح الفكرة المطروحة وبيان الفرق بين العالم فقط والعالم المفكر ، والمفكر الذي ليس بالضرورة عالما ولكنه في ذات الوقت يخدم العلم ، ويضيف اليه ما قد ﻻيضيفه المتخصصون فيه رغم أنه ليس من أهله.وبالطبع إذا كان المفكر عالما أيضا كان ما يضيفه الى العلم ويسهم في تقدمه أكبر مما يضيفه المفكر غير العالم.واﻷمثلة في هذا الشأن عديدة،سواء من تاريخ العلوم أو من الخبرة الذاتية، وقد اكتفيت بما أوردته هناﻹيضاح الفكرة.

قوزي منصور

Saturday, October 8, 2011

اﻹسلام وعلاقته بالحياة العامة والسياسة

المارقون عن الاسلام أو الكافرون به يريدون ابعاد اﻻسلام علن الحياة العامة لكي يمارسون فجورهم وفسوقهم في الدنيا دون رقيب عليهم أو حسيب ، ويطالبون بالفصل بين الدين والسياسة ليسﻷنهما مجالان تداولان مختلفان ولكن خوقا أن يحتكر المتدينون السلطة ومغانمها المادية والرمزية وحرمانهم منها..في نفس الوقت نجد من المؤمنين الذين ﻻيهتمون ﻻ بالسياسة وﻻ بمغانمها من يطالب بالتمييز بين مجالي الدين والسياسة حرصا على سلامة الدين وليس السياسة. فالسياسة يجب أن تلتزم بأحكام الدين طالما من يقومون عليها من المتدينين ولكن في نفس الوقت ﻻ يجب اتخاذ الدين مطية للحصول على منافعها الدنيوية سواء من قبل المسلمين أومن غيرهم.

سأحاول هنا بأيجاز قدر المستطاع أنه ﻻ يمكن فسل الدين عن حياة المجتمع المتدين. دين اﻷسلام هو كل ما اشتمل عليه القرآن الكريم الكتاب المنزل من رب العالمين ، ويضاف الهي ما ورد في السنة المطهرة توضيحا أو تفصيلا ﻷحكامه وخاصة المناسك من صلاة وصيام وزكاة وحج. وما وافق في السنة القولية والفعلية القرآن الكريم فهو من الدين ، وما لم يوافقه أو يزيد عليه أحكاما فهو ليس من الدين وهو أحاديث موضوعة ومكذوبة أو نالها تحريف ومردودة على أصحابها ، فالرسول من خلق الله ورسول خلت من قبله الرسل ، عاش مثلهم ومات مثلهم وﻻ يعقل أن ينسخ المخلوق حكما لخالقه أو يزايد عليه ويضيف لما حكم به أحكاما من قبله.

ماهو الدين الذي جاء به القرآن ، وما معني الدين؟ ..الدين هو المنهج الذي يتبعه الخلق في حياتهم على اﻷرض ويرضى عنه الله سبحانه وتعالي ، وقد تحدد المنهج بتعاليم وأحكام وقيم يلتزم بها الناس .ولم ترد اﻵخرة في القرآن الكريم اﻻ لتذكير الناس بأنهم سيثابون إن التزموا بهذا المنهج القويم والذي عبر عنه أيضا بالصراط المستقيم وأحسنوا في الدنيا وأنهم سيعاقبون في اﻵخرة إن ضلوا السبيل وأساءوا وظلموا عوض أن يلتزموا بالعدل واﻹحسان. وعندما نجد القرآن الكريم يحرم على اﻻنسان أكل الميتة ولحم الخنزير والدم والموؤدة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع منه ويحرم عليه شرب الخمر ، ونجده كذلك يحرم الربا والغش والتطفيف والغل وجعل المال دولة في يد أقلية في المجتمع دون باقيه ويحرم كنز الذهب والفضة ، ويحدد علاقة المرء بزوجه وبنيه وذوي رحمه وأقاربه وجيرانه وأهل مجتمعه وأمته ، وينظم الميراث وحقوق المرأة واليتامي والفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين وغيرهم...فكيف إذن يمكن القول بأن الاسلام يمكن عزله عن الحياة العامة وقد تدخل في كل جوانبها وشؤونها منظما لها لخير اﻻنسان ؟..وكيف يمكن عزل الدين عن مكارم اﻷخلاق التي يدعو اليها القرآن؟..بل إن القول بإن اﻹسلام هو دين العبادات وقصر تلك العبادات في المناسك رغم أنها في اﻷسلام تتجاوزها الى ماﻻ حد له وﻻ حصر من أفعال الخير التي تعد كلها من اﻹحسان ومن العبادات وكمال الدين ، أو حصر الشريعة في الحدود وهي تشمل كل مناحي الحياة الدنيا...هذه اﻷقوال فيها افتئات على الدين وكذب وافتراء عليه.بل سنجد أيضا أن المناسك جاء ذكرها محدودا وموجزا وترك تفصيلها للسنة النبوية واتخذت الألفاظ الدالة عليها مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج معان في اﻻستعمال القرأني لها تتجاوز معني المناسك فصارت الصلاة تشمل صلة الرحم وكل الصلات اﻻجتماعية واﻹحسان فيها ولهذا قلت بإن الصلاة الوسطي هي صلة الرحم اعتمادا على السياق الواردة فيه مخالفا بذلك كل ما قاله الفقهاء في شأنها على مدى أربعة عشر قرنا لأنه إذا فهم اللفظ على غير ما يقتضيه السياق حملت النصوص ما لا تحتمل من المعاني، ورتبت عليها النتائج الخاطئة، .وجاءت الزكاة أيضا بمعني تزكية النفس إذ قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وجاء الصيام بمعني الصيام عن الكلام عندما يكون الصرر منه أكثر من نفعه مثل قول مريم : إني نذرت للرحمن صوما أﻻ أكلم اليوم أنسيا، وجاء الحج بمعني يتجاوز الفريضة بشمل التوجه لله الدائم وذكره والتفكر في نعمه وآﻻئه وآياته.والعبادة في الدين ﻻ تنحصر في المناسك وإنما لها معني عاما كما يقول ابن تيمية، وهو معنى "جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة" لكنه ويقول أيضا إنما :الأصل في العبادات أن لا يشرع فيها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله . والدين بصفته منهاجا للحياة الدنيوية يشمل العبادات والعادات التي تتفق معها والتي يعبر عنها أيضا بالمعروف.
وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم"تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأَذى عنِ الطريق صدقة" وكل هذه الصدقات من العبادات وما يماثلها مما تقتضيه التقوى واﻹحسان منها أيضا ومجموعها من الدين وﻻ تنفصل عنه.ويقول العز بن عبد السلام : " مصالح الآخرة وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح. وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها، فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته" وهو يفصل بذلك بين ما هو ديني يقصد به اﻵخرة وبين ما هو دنيوي يحقق للناس مصالحهم في الدنيا،على أن يلتزم طلبهم للمصالح والمنفعة في الدنيا بما أمر به الدين أو ما نهي عنه، ويدخل في ذلك السياسة ، فهي عمل يتعلق بالناس بمصالح الناس في الدنيا وﻻ دخل للدين به اﻻ في عدم تعارضه مع اﻻيمان.وشمولية الدين اﻹسلامي ﻻ تمنع عزل السياسة عنه باعتبارها عمل بشري يخضع لما يبدعه العقل البشري وغير مستمد من القرآن أو السنة مع خضوعه ﻷحكامهما بعدم مخالفته لها. فثمة تمييز بينهما ﻻيمنع من وجود تواصل نسبي بحيث ﻻ يندمجان معا ،وﻻ يعني فصلا مطلقا للدين عن السياسة يجرد السياسة من اﻻلتزام بأحكام وقيم الدين.وإذ ينص الدين على الوفاء بالتعهدات المبرمة بين المسلمين وغيرهم ، فالتعهدات تدخل ضمن السياسة ولكنها هنا يقتصر الدين فيها على اﻹلتزام بحكمه.وتلتزم السياسة بقيم الدين اﻷخلاقية فلايجوز للسياسي الكذب والخداع وإخفاء الحقائق أو التجسس على المسلمين، وهي قيم قد تلتزم بها السياسة لغير المسلمين أيضا، وكم من وزير أجبر على اﻻستقالة أو أقيل ﻷنه كذب على الرأي العام وتمت اﻻطاحة بنيكسون فيما عرف بفضيحة ووتر جيت عندما ثبت تجسسه على خصومه السياسيين.
اﻹسلام هنا إذن يختلف عن كل اﻷديان اﻷخرى ، وﻻيمكن اخضاعه لما خضعت له ﻷنه ليس من جنسها .

نأتي للقول بالفصل بين الدين والسياسة والقول بالتمييز بينهما.
التمييز بين الدين والسياسة يعني أن يمارس المسلم المتدين الملتزم بدينه بين دينه وبين السياسة التي يمارسها، أي ﻻ يكون مسلما متدينا فيها وهو مستحيل عقلا وعمليا اﻻ أذا كان مصابا بازدواح الشخصية علما بأن مرض ازدواج الشخصية ذاته مرضا وهميا ﻻ وجود له.ولكن القول الصحيح هو التمييز بين المجالين فليس معني أن اﻹسلام ينظم كافة شئون الحياة والسياسة تدخل ضمنها أن يتم الخلط بين السياسة والدين فتطلب السياسة عن طريق الدين أو يطلب الدين عن طريق السياسة. ويأتي الخلط من عدم معرفة ما هي السياسة ، فالسياسة ليست مجرد انتخابات وصراع على مقاعد في البرلمان وإنما السياسة هي كيفية تدبير شئون الناس والقرأن كمستودع للدين يحدد قيما وأحكاما ويترك العمل بها ﻻ جتهاد المسلمين وقق احتياجات زمانهم وتطور مجتمعاتهم وتقدمها العلمي والحضاري. اﻻجتهاد البشري في تطبيق أحكام الدين لايمكن اعتباره من الدين وإنما كل ما يمكن قوله أنه ملتزم بالدين فقط. ﻻ يوجد في اﻷسلام نظاما اقتصاديا وكل ما فيه أحكام يجب أن يلتزم بها اﻻقتصاد مثل العدل واﻹحسان وعدم اﻻستغلال في التعامل بالربا وعدم التطفيف في الكيل والميزان أو الغش أو اﻻحتكار...الخ. يمكن لمسلم أن يستنبط نظرية اقتصادية تتفق مع اﻷصلام ويأتي من بعده من يطورها أو يعدلها لكي تتوافق مع تطور اﻻقتصاد أو الظروف الدولية التي تنظم التجارة وغيرها ﻷن دولة المسلمين ﻻ يمكنها أن تعيش في معزل عن سواها من الدول اﻷخرى..والسياسة أيضا تتعلق بنظام الحكم ومن ذلك أن يكون اﻷمر بين المسلمين شوري بينهم دون تحديد لكيفية أن تتم تلك الشورى وإنما تترك ﻻ جتهاد المسلمين وظروف زمانهم وقد يعتمدون الديموفراطية البرلمانية المعمول بها في الدول الغير مسلمة باعتبارها الوسيلة الممكنة لممارسة الشورى وقد يتم اختيار الديموقراطية التشاركية والتي صار التقدم في اﻹعلاميات يتيحها وإن لم تطبق بعد في دول العالم ولكن تتجه اليها المجتمعات بعد ثورة المعلوميات.

السياسة إذن علم من العلوم اﻹنسانية ، وهي تستحق أن يطلق عليها علم العلوم ﻷنها تعتمد على الكثير من العلوم مثل العلوم القانونية والجغرافيا والتاريخ وعلم اﻻجتماع وعلم اﻻقتصاد والعلوم العسكرية وخاصة في تحديد اﻷهداف اﻻستراتيجية للدولة والمجالات الجيوسياسية واﻻقتصادية لها باﻷضافة الى علوم مثل الفيزياء والكيميا والهندسة وغيرها التي يحتاجها التقدم في اﻻنتاج والتصنيع والزراعة باﻷضافة الى علوم التربية والصحة لتكوين مجتمع صحيح بدنيا وعفليا...هذه العلوم كلها لم يعد يعرف عنها شيئا الذين اقتصرت دراساتهم ومعرفتهم على علوم اللغة والفقه فهم غير مؤهلين لممارسة السياسة لمحدودية معارفهم وجهلهم لها وﻻ يكفي أيضا أن يكون طالب السياسة متدينا حتي يكون مؤهلا لممارستها..بل عندما نرى هؤﻻء الفقهاء وهم يتطلعون للسلطة ﻻ يعرفون ماذا يصنعون بها وتنحصر اهتماماتهم في ملابس النساء وفي جواز اﻻختلاط بهن من عدمه ، فأن هذه اﻻهتمامات والتي ﻻ يدخل ضمنها كيفية ادارة اقتصاد البلد للتخلص من الفقر والبطالة وتردي مستوى معيشة الجماهير وكيفية تحقيق العدالة واﻹحسان وفق أحكام الدين فإن ما يمكن قولهم
عنهم بأن وضعيتهم تستدعي الرثاء لهم وتجعل ممارستهم للسياسة باسم الدين فيه اضرار بسمعة الدين.
ويقول الدكتور سعد الدين العثماني في التمييز بين السياسة والدين :"إن تبني التمييز بين الدين والسياسة لا الفصل التام ولا الوصل إلى حد التماهي، هو الذي سيمنع من التنكر للإنجازات التي حققتها البشرية في مجال الفكر السياسي، ويمكن من الاستفادة من تطوراته، ويفسح المجال في نفس الوقت ليكون الدين معينا للقيم الأخلاقية والفكرية، بحيث يتم استصحاب هذه القيم في الممارسة السياسية استصحابا يثريها بالمعاني الإنسانية السامية، كما يمكن أن يبقى الدين -كما كان باستمرار طيلة تاريخنا القديم والحديث- محفزا للإصلاح السياسي، ومعالجة الظواهر السلبية في الحياة الإنسانية."

إن تموذج الحكم في السودان والذي يستمد مشروعية بقائه في السلطة من مقولة أنه يطبق شريعة اﻹسلام بمن فيه من عسكريين ومدنيين وبعد 21 عاما من الحكم لم يطبق شيئا من شريعة اﻹسلام وجمر اقتصاد البلد ووحدة ترابها وأشاع اﻻضطرابات المسلحة في كافبة ربوعها والحروب اﻷهلية التي ﻻ يفرغ من أحدها حتي يتورط في غيرها...هذا النموذج السيئ ،ناهيك عن نموذج طالبان السلفي المتخلف ، يكفي للمرء الحريص على سمعة دينة أن يرفض ممارسة السياسة باسم الدين ، وإن يطالب بالتمييز بينهما تمييزا ﻻ يعني الفصل التام بينهما الذي ﻻ يقبل اﻹسلام. وعلينا في نفس الوقت التمييز بين هؤىء الحريصين على دينهم بمن يقولون قوﻻ مشابها لقولهم ويصفون أنفسهم بالعلمانيين دون أدراك بأن العلمانية كما انتهت اليه في الغرب حاليا لم يتم فيها إنكار الدين بل ثمة دول أوروبية تعتمد العلمانية ومع ذلك تعبر عن هويتها بأنها كاثوليكية أو بروتوستانتية أو أنجيلكانية في دساتيرها، وﻻ يستطيع أحد أن ينكر دور الكنيسة الكاثوليكية في تخليص بولندا من الشيوغية وتغيير نظامها السياس عندما ساندت نقابة التضامن وليس فاليسيا. وأن العلمانية هي في واقعها الحالي علمانيات وليست كلها متطابقة في مفهومها.ولقد كان السائد في شروط انتخاب رئيس للوﻻيات المتحدة أن يكون أبيضا وأنجلوسكسوني وبروتوستانتي وهي الشروط التي تعبر عنها كلمة واسب والتي هي الحروف اﻷولي من تلك الشروط ولم يستثن من تلك الشروط في تاريخها سوى بول كيندي الذي كان كاثوليكيا ولعل ذلك كان من دواعي اغتياله وباراك أوباما أول ملون يحكم الوﻻيات المتحدة وﻻ ينتمي للأنجلو سكسون ،وهو بروتوستانتي الديانة ، وقد يكون آخر آخر رئيس ملون أيضا.والهوس الديني لدى جورج بوش اﻷبن ﻻيحتاج الى دليل.
ويعادي الدين أيضا بعض من يسمون أنفسهم بالليبراليين وهم يجهلون ما هي الليبرالية وﻻ يفرقون بين السياسية منها واﻻقتصادية وﻻ يمكن القول بأنهما يتعارضان مع اﻷصلام كليا . ومنهم من يعتبر نفسه حداثيا واﻹسلام ﻻيمنع أي مجتمع بأن يقوم بتحديث نفسه وصنع حداثته وفقا لقيمه ..وهؤﻻء الدين يطلقون على أنفسهم تلك اﻷوصاف مع جهلهم بمعاني المصطلحات وأنها تتغير من مجتمع الى أخر فيما تدل عليه ومن زمن الى ﻵخر ومن سياق استعملت فيه ، ويعلم الله أنهم من المارقين عن دينه المعادين له عداوة أشد من عداوة غير المنتسبين للأسلام وأنهم أنما يغطون ذلك بما يدعونه ويضللون به الناس .
فوزي منصور

Monday, September 5, 2011

حكايتي مع الثورتين في تونس ومصر

كان تقديري قبل قيام الثورات في الشعبية في تونس ومصر ، بأن دول شمال أفريقيا المحكومة كلها بالأجهزة الأمنية والعسكرية القمعية لا يمكن أن تقوم فيها ثورة شعبية بسبب اختراق تلك الأجهزة لكل مؤسسات المجتمع الحكومية والسياسية والمدنية ، بل وكثير منها من صنع تلك الأجهزة ذاتها، وفي حالة لو افترضنا جدلا إمكانية قيامها في تلك الدولة أو تلك فلن يتم ذلك بدون سفك الدماء. وأنفر بطبعي من العنف ويصيبني الدوار لو رأيت دما ولا أجرؤ على ذبح دجاجة وأرفض حضور ذبح أضحية العيد ، وأومن بما جاء في كتاب الله بأنه من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ، فما بالك لو قامت ثورة وقتل فيها المئات أو الآلاف من المدنيين العزل؟..كانت أيضا تجارب سابقة ماثلة في دول المنطقة منها مهاجمة الجيش السوري لمدينة حماة عام 1982 وقتله عشرات الآلاف من سكانها عندما ثاروا على نظام الحكم ، وهناك ما هو أبشع من ذلك عندما قتل الجيش الجزائري أكثر من مائتي ألف جزائري خلال عقد التسعينيات أو ما يعرف بالعشرية السوداء أو الحمراء وسكن الرعب قلوب الجزائريين من يومها حتى يومنا هذا ، حيث مازال العسكر يحكمون البلد من خلف الستار، وهو ما يعيه كل الجزائريين ، وأيضا تم مواجهة تظاهرات مغربية بالرصاص الحي عدة مرات وهو ما يعرف حاليا في الأدبيات السياسية بسنوات الرصاص.
وبسبب اليأس الذي انتاب العديد من المثقفين فقد علق بعضهم الأمل في قيام انقلاب عسكري في هذه الدولة أو تلك يتولي تغيير أوضاعها والتخلص من الحكم الاستبدادي القائم فيها، ولم أكن أشاركهم هذا الرأي أيضا وأعتبرهم مثل المستنجد من الرمضاء بالنار. إن مراجعة تاريخ كل من دول منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأدنى خلال العقود الخمسة الماضية سيكتشف أن كل مصائب هذه الأمة وتخلفها وفقدانها استقلالها السياسي والاقتصادي وسقوطها في تبعية مدمرة لما يفترض أنه عدوها أو لاتهمه مصالحها، كل ذلك نجم عن تسلط العسكر من الجيش أو أجهزة الأمن أو تحالفهما معا ، على مقاليد حكمها ، وسواء تدثر نظامها بدعاوي القومية مثلما حدث في مصر وسوريا والعراق وليبيا أو بالليبرالية مثلما حدث في مصر بعد حقبة القومية وفي تونس والمغرب أو ارتدى عباءة الدين مثل النظام الذي مازال ماثلا في السودان ، هذه الأنظمة الحاكمة للعسكر أثبتت بنتائجها وبالسياسات الخاطئة الداخلية والخارجية بأن العسكريين العرب يفسدون السياسة عندما يتدخلون فيها وأنهم بالتالي يجهلون علم السياسة وحسن تدبير مصالح مجتمعات بلادهم ، ولذا فإن أي انقلاب عسكري يتولى العسكر بموجبه الحكم سيكون بمثابة استبدال وضع سيء بوضع يماثله في السوء إن لم يكن أكثر منه سوءا بعد مراجعة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول مثل مصر وسوريا والعراق والسودان وموريتانيا واليمن.

ولم يخل الأمر من بعض الكتاب الذين يأملون في انتفاضة شعبية وفي مخيلتهم ما يعرف بالانتفاضة الشعبية السودانية التي أطاحت بنظام جعفر نميري دون أدارك للظروف التي أحاطت بها وبتدبيرها وأنه بدراسة الواقع الحالي في كل دولة يجعل احتمال قيام انتفاضة شعبية يعول عليها في التغيير أمرا غير واقعيا ،وكنت استعرض في هذا الخصوص المحاولات المصرية في هذا الشأن التي تمثلت في حركة كفاية وحركة 6 أبريل التي فقدت كل منها زخمها بمرور الوقت وفقدت تأثيرها ولم تستطع أي منها تحريك الشارع المصري.
حالمون آخرون ، ممن تيقنوا أن العنف سيواجه بعنف مضاد مع عدم توازن القوى بين فئة مسلحة وأغلبية من المواطنين العزل الغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ، وأن أعمال العنف التي جربت لم يترتب عليها سوى تثبيت النظام المستبد وتحوله إلى نظام أكثر وحشية ودموية وإجراما
مثل ما حدث في الجزائر ، و نادوا بالعصيان المدني الذي يلزم فيه المواطنون منازلهم لا يغادرونها ولا يحتكون بالأجهزة القمعية أو يتعرضون لبطشها حتى يسقط النظام وكانوا في ذلك المنهج السلمي يسترشدون بفلسفة المهاتما غاندي والتي تعرف بالستياجراها أو الكفاح السلمي وتمكن الهنود باستخدامها من تحرير بلادهم من الحكم البريطاني وإقامة دولتهم المستقلة. وقد تجاهل هؤلاء أن أكثر السكان صاروا يعيشون في المدن وليس في الأرياف والكثير منهم يعيش يوما بيوم ولا يمكنهم تدبير أمورهم ومعاشهم لو امتد أمد عصيانهم المدني ، والخوف من فقداهم مورد رزقهم الذي يعينهم على الإنفاق على أسرهم، كما أن السلطة الحاكمة يمكنها أن تقطع عنهم الكهرباء والماء ، وهو ما سيضطرهم إلى إنهاء عصيانهم بل والثورة على من يلتزمون به.
وهناك أمر أخر يتعلق بانتشار الفساد ونهب المال العام في كل أركان الدولة ومؤسساتها والثورة على الفاسدين والمطالبة بمحاكمتهم وعزلهم سوف يترتب عليه إفراغ مؤسسات الدولة ممن يسيرونها وعدم القدرة على سد الفراغ الناتج عن ذلك وهو من شأنه أن يفضي إلى الفوضى فضلا من المقاومة التي سيبديها هؤلاء وهم يتوفرون على مقومات مادية ورمزية يمكن أن تكون فعالة في إجهاض الثورة التي ستهددهم في حريتهم وفيما يعتبرونه من أموالهم سواء جمعوها بطرق مشروعة أو غير مشروعة.أي أن الثورة ستولد ثورة مضادة وستدخل في صراع مكشوف معها يصعب التكهن بنتائجه.

لهذا كله انصب تفكيري في مواجهة انسداد كل هذه المسالك التقليدية بالبحث عن حل سلمي غير تقليدي ومع أدراك أن الوضع شديد التعقيد على كافة المستويات كان من الصعب تفادي أن يكون هذا الحل معقدا بدوره ، ولأن الوضع المراد تغييره تكون على مدي عقود متتالية فإن هدمه بغير أسلوب الثورة الدموية من شأنه أن يحتاج وقتا طويلا وبالتالي الصبر والعمل المتواصل لعدة سنوات ، وكان تبريري لذلك المسلك مثل انجليزي أواجه به منتقديه بأنه إن يأت التغيير متأخرا أفضل من ألا يأتي أبدا . وكان هذا الحل يتمثل في الحركة المجتمعية للتنمية الاقتصادية والإنسانية. التي دعوت إليها، والتي وإن لم تستعمل أدوات أو آليات سياسية كنت أتوقع أن تسفر عن تغيير سياسي متدرجا إلى يصير تغييرا شاملا وحاسما وثوريا بمعني مغاير تماما لما كان عليه الأوضاع عند قيام الحركة المجتمعية.

جاءت بعد ذلك الثورة التونسية والتي لم تكن متوقعة البتة من أي محلل أو مراقب سياسي أو أي مراكز أبحاث ودراسات أو أجهزة مخابرات وتمكنت بعد تقديم عددا ليس قليلا من الضحايا من اقتلاع الطاغية بن علي والقذف به خارج البلاد.وبتأثير هذه الثورة ، اشتعلت الثورة الشعبية المصرية واستجاب الشعب كله لنداء فتاة صغيرة تدعى أسماء محفوظ من حركة 6 أبريل وعلى الرغم من أن خطابها يكشف عن أنها يائسة من أن يخرج معها أحد للاحتجاج بمن فيهم من معها في الحركة ، أو أنهم رفضوا موافقتها على النزول للشارع.وحدثت المعجزة أيضا التي لم يكن يتخيل أحد إمكانية حدوثها من قبل.وصارت الثورتان أمرا واقعا واعتبرتهما إنما تمتا تنفيذا لمشيئة الله و إرادته . التي فوق مشيئة وإرادة البشر وأنه يمكرون ويمكر الله بهم ، وبالتالي ليس أمام المرء الذي يحب بلاده ويريد الخير لأمته سوى مساندة الثورتين والتضامن معهما والدفاع عنهما ، حتى تحقق كل منهما أهدافها كاملة.

وقد سقط عدد كبير من القتلى والجرحى في الثورتين كانوا يسقطون صرعي القمع والرصاص الحي وغيره من أدوات القتل كل يوم إلى أحست السلطات أنها لا تستطيع الاستمرار في مواجهة تلك الملايين الهادرة فأوقفت قمعها لها وبدأت تقدم تنازلاتها وتستجيب وإن عن مضض أو مضطرة لمطالب الجماهير التي حفزها هذا أيضا الى تصعيد سقف مطالبها فقدمت مطلبا إثر أخر.
وكان حظ التوانسة أفضل من حظ المصريين من حيث سرعة تلبية طلبات الثوار وكان السبب هو أن بن على كان ينتمي إلى الأمن ويعتمد عليه في حماية نظامه وعندما سقط ظهر الجيش كقوة مساندة للشعب وكابحة لجماح الأمن ، وقد أعملت السلطات الدستور التونسي بعد أن رفض الثوار الحكومة المدنية التي فوضها بن على بتسيير الأعمال بعد رحيله فتم تكليف رئيس البرلمان برئاسة الدولة وتعيين رئيس حكومة مقبولة من الثوار.والاستجابة لمطالبهم في إلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح بتشكيل الأحزاب ووضع دستور جديد... الخ.

حين اكتملت مدة ستين يوما على مغادرة الرئيس المصري السابق مهامه وتفويضه المجلس العسكري بها دون عودته لممارستها ، انتهي حكمه رسميا وانتهت فعالية تفويضه للمجلس ، وصار المجلس الآن فاقد لشرعيته ،وعليه أن يسلم الحكم لرئيس المحكمة الدستورية فورا ، حسب الدستور .حيث أصبح هو الرئيس الشرعي المؤقت لمصر ورئيس المجلس العسكري الأعلى ، ولو أنه مدني اعتبارا من اليوم التالي لا انتهاء الستين يوما ..والاستفتاء على التعديلات الدستورية . يعني الإقرار بوجود الدستور وبالعمل به، ويجب على الجميع بدءا من المجلس العسكري احترام الدستور المعدل. واستمرار المجلس ممسكا بالسلطة بعد ذلك يعد مغتصبا للسلطة ومخالفا للدستور .وأما الإعلان الدستوري فصدر عن جهة غير مختصة وغير شرعية ولم يستفت عليه الشعب وبالتالي لا يعتد به. بل ويعد إصدارها محاولة للخروج من المأزق الدستوري الذي وجدوا أنفسهم يواجهونه ، فواجهوا الدستور بلادستور والشرعي بلاشرعي، وابتلع الكثيرون الطعم واعتبروا أن التعديلات ألغت الدستور.
لقد تعمد حسني مبارك أن يلقي خطابه يوم 10 أبريل لكي يستبق انتهاء مدة الستين يوما وخاصه أنه لم يستقل أ و يتنحي عن الحكم ويعتبر نفسه مازال رئيس الدولة ، وكان يتوهم امكانية عودته بعد الخطاب لممارسة السلطة كرئيس للبلاد ، ولم يتوقع رد فعل الشعب العنيف على الخطاب ،
وأنه يكفي أن يقول بأن ذمته نظيفة فيصدقه الشعب ويرحب به .كان تصرفا دفعه إليه الغرور والجهل ..وتجاهل فيه رئيس المجلس الأعلى فلم يخبره بنيته توجيه الخطاب للشعب ، وربما كان قد ضاق بفشله في اعداد البلد لعودته مرة أخرى ، وقرر أن يتصرف بنفسه ويعود ويستغني عنه. وهو ما يمكن أيضا أن يكون طنطاوى قد توقعه فقرر أن يتغدي به قبل أن يتعشي به ، فضلا عن أنه و من المستحيل مع استمرار الغليان الشعبي أن يعود مبارك وتتسنى السيطرة على الجماهير الغاضبة التي ستكتسح الجميع ،وبدأت بوادر انقلابها ضد المشير طنطاوي وليس الجيش والمطالبة بعزله ،فقد شعر رئيس المجلس بأن مبارك وضعه في مهب الريح ، وهنا فضل التضحية به لكي يقتصر الضرر عليه ولا يجمعهما معا.
ولأن طنطاوي لا يختلف عن مبارك في شيء ، فإنه لم يستطع أن يكون بديلا له مقبولا من الشعب ، وأن يثبت أنه غير مبارك ويحمل سياسة مغيرة لسياساته سواء في الداخل أم إزاء الخارج.ففي الداخل واصل إصراره الاحتفاظ بقانون الطوارئ الذي كان إلغاؤه في صدارة مطالب الثورة الشعبية المصرية ، لأن هذا القانون هو الذي يتيح له فمع الشعب دون أعمال القانون أو اللجوء للمحاكم المدنية وكان أن قام باعتقال آلاف المدنيين من المتظاهرين وتحويلهم الى محاكمه العسكرية.ورغم أن رئيس الحكومة الانتقالية صرح بأن الحكومة تدرس إلغاء القانون خلال أسبوع فقد مرت الأسابيع دون إلغائه. وعندما قررت الحكومة الانتقالية استدعاء وليس سحب السفير المصري من تل أبيب ردا على قتل الجيش الإسرائيلي ضابط وجنود مصريين على الحدود قام المجلس العسكري بإلغاء القرار متحديا الجماهير الغاضبة من ناحية ومثبتا في نفس الوقت وجود خلاف في توجهات الحكومة المدنية وعسكر المجلس في شئون سياسية يفترض أن الحكومة المدنية أقدر على التعامل معها وتدبيرها. لذا يعد من التطور الطبيعي أو المنطقي لتطور الأحداث أن يطالب الشباب بالتظاهر يوم 9 سبتمير للمطالبة بتنحية المجلس العسكري وتسليم السلطة إلى مجلس مدني مقبول من الثوار.

وبينما قام الممسكون بالحكم في تونس بوضع برنامج محدد بالتواريخ لانتقال السلطة ديمقراطيا وأعلن المجلس الانتقالي أيضا في ليبيا ، عرى الرغم من أن القتال مازال مستمرا فيها مع كتائب القذافي ،نفس الشيء ، فإن المجلس العسكري المصري ما زال يماطل، وبينما كان يجب أن يتم الانتقال الديمقراطي في مصر خلال ستة أشهر يعود بعدها إلى الثكنات فأنه مازال باقيا في السلطة رغم مرور أكثر من سبعة أشهرولأجل غير مسمى.ولم يكتف بذلك وإنما واصل نشر الشائعات المضرة ومنها شائعة سداد العجز الحكومي من مدخرات القطاع العائلي المصري في البنوك وصناديق الإدخار وهو ما نفته الحكومة المدنية مؤخرا ، وأيضا إلصاق الاتهامات بالقوى الثورية وتشويه رموزها والاستقواء بالسلفيين وغيرهم ضدها. إن كل هذه التصرفات التي لا تعني سوى الاستمرار في السيطرة على السلطة دون الشعب كان كافيا لأن يفقد المجلس الثقة فيه وهو دليل في نفس الوقت على أنه لا يحسن تدبير السياسة وعليه أن يتركها لمن قد يحسن تدبيرها أفضل منه من المدنيين.

لا يمكنني كمصري يتطلع لمستقبل أفضل للشعب المصري وتغيير في صالح الشعب على كافة الأصعدة : الاقتصادية والثقافية والسياسية أن أقبل ببقاء النظام السياسي القديم الذي كان حسني مبارك على رأسه بوضع آخرين على رأسه دون أن يتم تغييره وهو التي تسبب في كل المشاكل الذي يعاني منها الشعب وثار عليها بعد أن زادت وطأتها عليه ولم يعد لديه فدرة على التحمل فانفجر. وفي نفس الوقت يحزنني ما آلت إليه الثورة في مصر. فبينما كانت الثورة في مهدها ومازالت تلعق جراحها ، خرج عدد من الشخصيات السياسية التي لم تشارك فيها ولم يكن لها فضل عليها ، ترشح نفسها لرئاسة الدولة عوض أن تقود الثوار أولا من أجل تحقيق أهداف الثورة ووضع تصور للمستقبل السياسي والاقتصادي والشكل الذي يجب إن يكون عليه الدستور الجديد للبلاد والذي يحدد نوع النظام السياسي الجديد الذي سيحل محل النظام السياسي الذي ثار الشعب من أجل إسقاطه والتخلص منه ،ثم سيان بعد ذلك من يتولى الرئاسة. نفس الخطيئة سقطت فيها جماعات سارعت بتشكيل
أحزاب للمشاركة في الانتخابات التي وعد بها المجلس العسكري من اجل احتلال السلطة وليس من أجل تنفيذ برنامج وطني وثوري للتغيير متفق عليه من الجميع ومع كثرة تلك الأحزاب بدأ مبكرا الصراع على السلطة دون أن يعرف أي من المتصارعين ما ذا سيفعل بها أو يقول ذلك للشعب إن كان يعرف واكتفى كل منهم باطلاق شعارات ليست ذات قيمة عملية إن ظلت مجرد كلمات لا هدف لها سوى حشد أنصار لهذاالحزب أو ذاك.واختلفوا حول كل شيئ بما في ذلك بقاء المجلس العسكري أو التخلص منه.لذا لا يوجد لدي أي تقبل لأي من المرشحين أو لأي من المجموعات المتصارعة في السلطة أو على استعداد لتأييد أو مناصرة أي منها ، وأعتبر نفسي خارج اللعبة ، أتفرج عليها من بعد وأنتظر ماتفضي اليه من نتيجة وأقبلها حينئذ كأمر واقع ، وعلى أساس أنه لم يعد في الإمكان أفضل ممن شغل في النهاية المكان.

هذا كمصري ، ولكن أيضا فإنني لا أفرق بين مصالح الشعب المصري ومصالح الشعوب الأخرى ، أي أنني أعتبر نفسي فوق الجنسية المصرية وأنتمي إلى منطقة جغرافية واسعة تتمثل في شمال أفريقيا هي التي تشكل هويتي ، وأن كل ما فيه خير شعوبها يهمني وأعنى به. ولذا فإن ما حدث في مصر حدث مثله أيضا في تونس ، فهناك المغترب الذي عاد إلى تونس بعد الثورة وقبل أن يغادر المطار بعد وصوله أعلن عن ترشيح نفسه للرئاسة وكنت من قبل أؤمل فيه خيرا، ونفس الانقسامات والتنابز والتشاحن حدث بين الأحزاب التونسية عوض التنافس على برامج اقتصادية وسياسية طرحتها ،ولكن الوضع في تونس ما زال أفضل .ولايمنع ذلك أن القوى السياسية القديمة التي عملت مع الرئيس المطاح به سابقا مازالت تبذل قصارى جهدها ليكون لها نفس النفوذ السياسي السابق ، ولكن من الواضح أيضا بأنها لا تمانع في مشاركة القوى السياسية الأخرى لها في السلكة ويهمها أيضا إنهاء الفترة الانتقالية بسرعة حتى لا تتطور الأوضاع في الداخل إن طالت لغير صالحها.وقد ساعد على جعل الوضع في مجمله بتونس أفضل منه في مصر و أن الجيش في تونس لم تظهر له أية أطماع في السلطة ، ويرجع ذلك إلى أنه كان على هامش الدولة الأمنية السابقة ولم يكن مستفيدا من وجودها مثل باقي القوى التي اعتمد عليها النظام السياسي للرئيس المطاح به.
وإذا كنت لم أقصر في متابعة الثورة التونسية منذ بدايتها وحتى اليوم ومؤازرتها ، فإنني لم أتدخل في شؤونها على أساس أن الأصدقاء في تونس أقدر مني على تتبع مجرياتها والحكم عليها، وعلى أساس أن أهل مكة أدري بشعابها مني وأن درايتي بالشعاب المصرية أكثر. ولذا أرجو المعذرة أن كنت قد قصرت في الكتابة عن تطوراتها وأبداء الرأي فيها.

وما يمكن لي أن أقوله الآن بأنه كما لم أستطع من قبل التنبؤ بقيام الثورتين التونسية والمصرية من قبل ، فإنه يصعب علي أيضا التنبؤ بمصيرهما وما يمكن أن يحدث لهما في الشهور القادمة ، دون التخلي عن التفاؤل أو الاستسلام للتشاؤم. وفي نفس الوقت فقد وصفت الانتفاضات في تونس ومصر هنا بالثورات ولو أني ما زلت غير مقتنع بأنها ثورات وفق المفهوم العلمي للثورة،
وإنما هي انتفاضة شعبية متواصلة ومستمرة في التشبث بتحقيق مطالبها. وهذه الاستمرارية هي التي تجعلها أشبه بالثورات أو أقرب لأن توصف بها من وفها بأية أوصاف أخري.
فوزي منصور

Saturday, August 13, 2011

هل ثمة علاقة بين القرآن الكريم والسحر والشعر والكهانة؟



عندما قرأت أول مرة في صباي أن المشركين في قريش ظنوا أن القرآن ضرب من السحر أو الشعر أو الكهانة حتي شهد خبير منهم بأنه ليس من هذا وﻻذاكه وأنا أفكر فيما دعاهم الى هذا اﻹدعاء وهل كان ذلك من قبيل اﻻفتراء عليه أم استشكل عليهم اﻷمر . وفي الحالة اﻷخيرة ﻻ يكون ما توهموه اختلاقا وله ما يرره ،وبالتالي هل يكون ثمة علاقة بين القرآن وتلك المجاﻻت التي ذكروها جعلتهم ﻻ يفرقون بينه وبينها ويشتبه أمره عليهم ؟..
بمرور الزمن اتضح لي أن ما سبب لهم هذا الخلط أو تلك اﻹشكالية هو صياغة وأسلوب القرآن المكي وحده الذي بدأ به نزول القرآن.وتبين لي بأن سبب هذه اﻹشكالية أو اﻻستشكال عليهم هو اﻵتي :
أولا : لغة القرآن لم تكن اللغة المستعملة في الحياة اليومية وإنما كانت لغة يعتبرونها مقدسة وﻻ تستخدم في غير السحر والشعر والكهانة أي التنبؤ بالمستقبل بألفاظ غير مفهومة أو ظاهرة المعني.وهذه اللغة الخاصة هي لغة العرب البائدة مثل عاد وطسم وجديس وغيرهم والتي تعد امتدادا للغة اﻵرامية التي نزلت بها التوراة واﻻنجيل من قبل وكان يتكلم بها المسيح في أورشليم وما حولها رغم انتشار لغات أخرى فيها متفرعةمن اﻵرامية أيضا مثل العبرية والسريانية. وكان هذا هو السبب الذي جعل التجار العرب الذين يتاجرون في بلاد الشام يفهمون لغات أهلها ﻷن جذورها اللغوية واحدة. والذين لهم علم باﻵرامية هم أقدر الناس على توضيح معاني ألفاظ القرآن بإعادتها لدذرها اللغوي في اﻵرامية.

ثانيا :أما عن علاقته بالسحر فكل الكتب السماوية المنزلة مثل التوراة واﻻنجيل والزبور والقرآن وغيرها مما ﻻ نعلم ، ﻻ بد أن يكون لها علاقة به ، ﻷن السحر أنما مأخوذ منهايستفاد ذلك من قول الله تعالى عن الجن أنهم يعلمون من يتبعهم السحرفيقول سبحانه وتعالي : " ... يعلمون الناس السحر وماأنزل على الملكين هاروت وماروت . وما يعلمان من أحد حتي يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء وزوجه وماهم بضارين به من أحد الا بإذن الله . ويتعلمون مايضرهم ولاينفعهم . وقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق.ولبئس ماشروا به أنفسهم لوكانوا يعلمون"(البقرة 102).
فالجن تعلمت السحر مما كان ينزل من السماء على ملكي بابل ، وقد قال المفسرون ، ربما تأثرا بالإسرائيليات ، بأنهما ملكان غضب عليهما الله فأرسلهما يعذبان في اﻷرض بينما قد يكون الأصح أنهما شخصان كانا يجمعان معا بين الملك والنبوة وينزل عليهما الوحي من السماء وقد رجحت بأنهما جلجاميش وأنكيدو اللذين ورد ذكرهما في اﻷسطورة البابلية.ويتفق ذلك أيضا مع ما جاء في القرآن الكريم في الأيتين 95و96 من سورة طه في ذكر موسى السامري الذين صنع بالسحر لبني اسرائيل عجلا من ذهب ليعبدونه في غياب النبي موسي : " قال فماخطبك ياسامري . قال بصرت مالم يبصروا به (أي بني اسرائيل) فقبضت قبضة من أثر الرسول(جبريل عليه السلام)فنبذتها (أي وضعتها جانبا لحين الحاجة اليها) وكذلك سولت لي نفسى".وقوله بصرت مالم يبصروا به يعني رأيت بعيني مالم يروه إذ تقصر أبصارهم عن رؤيته ، حيث يقول بأن المﻻئكة تعهدت بالحفاظ على حياته بعد أن ماتت أمه وهي تلده. ويقصد بالرسول : الروح القدس جبريل وتم تفسير : قبضة من أثر الرسول بأنها قبضة من التراب الذي وقف عليه ولكن قد يكون المقصود بعض مما نزل به الرسول على سيدنا موسي ، ونبذتها ، أي احتفظت بها جانبا لحين الحاجة ﻻ ستعمالها.
وقد استعمل اليهود آيات التوراة ،زمازالوا يشتهرون به ، ونحد في تراث المسلمين كتبا في السحر منسوبة لبعض اﻷعلام مثل ابن سيناء. وأستعملت بعض آيات من القرآن متفرقة فيه في علاج السحر والتخلص منه وما زالت تستعمل كرقية.بل وبلعني أن بعض القساوسة المصريين استعملوا آيات من القرآن الكريم في السحر لكي يفتنوا به المسلمين ممن لجئوا اليهم للمداواة مما ألم بهم. وبعضهم اعتبر أن أمكانية استعمال القرآن في السحر أو التداوي منه هو أكبر دليل على أنه كتاب منزل من لدن الله، ولكن عنادهم صور لهم بأنه كتاب منزل مجهول عثر به محمد لدي بحيرى الراهب أو ورقة بن نوفل فادعاه لنفسه فصدقوا بأن القرآن كتاب منزل من لدن الله وكذبوا حقيقة أن يكون الله قد أنزله عليه وبعثه نبيا ورسولا ،وقد سمعت هذا اﻻدعاءمن أكثر من صديق مسيحي في شبابي ، مع أن ارتباط الكثير من آياته بوقائع مثل الغزوات وغيرها، ونزوله منجما قبل أن يمليه جبريل قبل وفاة الرسول مجمعا، دليل قاطع على كذب ادعائهم وصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم .

ثالثا:أما عن علاقة القرآن بالشعر ، ففضلا عن أنه يستعمل لغة أكثر استعمالا لها في الشعر الجاهلي على وجه الخصوص وهو ما أهليه لأن يكون من مصادر معرفة معاني ألقاظ القرأن ،فهناك وجه شبه بين نوع الشعر الذي يعرف باﻷرجوزة وبعض قصار السور المكية ، مثل : قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفؤا أحد ، أو قوله تعالي : إن اعطيناك الكوثر ، فسل لربك وانحر ، إن شانئك هو اﻷبتر ، أو قوله تعالي : والعصر ،أن اﻻنسان لفي خسر ، اﻻ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، فهذه السور القصيرة تشبه ماروي عن على بن أبي طالب من أنه قال عندما نزل لمبارزة قائد جيش اليهود في غزوة خيبر :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ..أكيلكم بالسيف كيل السندرة .. ليث بغابات شديد القسورة.

رابعا :أما الشبة بينها وبين كلام الكهان أو المتكهنين وما نقل عن شق وسطيح فهي آيات ﻻيمكن فهم ما بها من استعارات اﻻ أذا كانت تتحدث عن أحداث مستقبلية بما يشبه اﻷلغاز مثل اتنبؤات المشهورة للعرنسي نوستراداموس المتوفي في 2 يوليو 1566 والذي ترك كتابا ينمبـأ فيه بالأحداث التي إعتقد أنها سوف تحدث في زمانه وإلى نهاية العالم الذي توقع أن يكون في عام 3797م. وكان يقوم بكتابة الأحداث على شكل رباعيات غير مفهومة وقيل أن هذه النبوءات في بعض الحالات كانت نتائج لتفسير رموز الكتاب المقدستم تأويلها فيما بعد باسقاطها على أحداث وقعت فعلا ولم يحدث أن فسر أحد رباعياته وتنبأ بها عن أحداث مستقبليةمحددة وصدقت نبوءته.وقد ولد في أسرة يهودية تمارس الطب تحولت الى الكاثوليكيةعندما كان عمره تسع سنوات.ومع أني ﻻ أعبأ بكل ما قيل عن صحة تنبؤاته فإني أميل الى احتمال أن قوله بنهاية العالم عام 3797 قد يكون قريبا الى الصحة ، والله تعالي قال عن موعد قيام الساعة أو نهاية الدينا : أكاد أخفيها، وهو ما يعني أنه لم يتم إخفاء موعدها تماما وأنه يمكن التوصل اليها بالتقريب من القرآن الكريم لمن يوفقه الله الى ذلك. أما أنه يستحيل تحديد موعدها بدقة فيرجع الى أن التقويم الميلادي تعرض الى تغييرات كثيرة في زمن الرومان ولم يكن عدد أيام السنة ثابتا لديهم.بل قد يكون قوله تعالى والعصر إن اﻻنسان لفي خسر ..تنبؤ بأن قيام الساعة سيتم في عصر يوم مقداره خمسين ألف عام والله أعلم ، وبالتالي يمكن لمن لديه قدرة على حساب ذلك إن علم بدء اليوم وهل بدأ مع أول الليل أم بعد ذلكومتي يكون فيه الصبح والشروق والضحي والظهر والعصر أن يتوصل الى نتيجة في هذا الشأن .
.
وسنجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف كتاب الله بأن :"فيه أخبار من قبلكم وأخبار من بعدكم "، أي أنه يتنبأ بأحداث مستقبلية مثلما ورد به ذكر بعض اﻷمم السابقة على اﻹسلام. ومن أشهر ما ورد في القرآن من تنبؤات بلغة صريحة واضحة قوله تعالي : غلبت الروم في أدني اﻷرض وهم من بعد غلبهم سيعلبون ، وكان وقتها قد انتصر الفرس على الروم في موقعة وصدقت نبوءة القرآن بعدها فهزم الروم الفرس بعد عدة سنوات . وقد تكون هذه اﻷحداث المستقبلية ضمن ما ورد في أوائل بعض السور المكية أضرب هنا مثلين منها، أولهما: قوله تعالي في سورة المرسلات :
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًافَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًاوَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًافَالْفَارِقَاتِ فَرْقًافَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًاعُذْرًا أَوْ نُذْرًاإِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ..فقوله تعالي إن ما توعدون لواقع يؤكد أن كل ما سبق وأن كان يحيل الى الخيل والرياح في ظاهره إنما يجمل تنبؤات بأحداث مستقبلية. ففي هذه اﻵيات وكل ما جاء بعدها حتي نهاية السورة تنبؤات ووعيد ونذر .

وثانيهما : في سورة النازعات والتي تبدأ هي اﻷخرى بقوله تعالي :
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًاوَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًاوَالسَّابِحَاتِ سَبْحًافَالسَّابِقَاتِ سَبْقًافَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُتَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِأَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةًقَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌفَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌفَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ..
وإذ تنتقل السورة بعد ذلك للتذكي بقصة النبي موسي تعود الى ذكر اﻵخرة في نهايتها فتقول :فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَاإِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا.

وإني لأرى في هذه السورة بأنها تذكر أحداث العصر الحديث حتي قيام الساعة ، حيث يمكن تأويل أوائل السورتين و ما ورد فيهاكاﻵتي :
بالنسبة للسورة اﻷولى:
يمكن تفسيرها بأنها تتحدث عن الفتوحات اﻷسلامية وانتشار اﻹسلام في اﻷرض وحمل المسلمون للقرآن الكريم وما فيه من أعذار وأنذار للبشرية.

وأما أوائل السورة الثانية فيمكن تأويلها كاﻵتي:
النازعات غرقا : هو تصوير لحالة اﻷمة المسلمة بعذ زوال حضارتها وغرقها في الجهل والتخلف دون باقي اﻷمم التي كانت ضعيفة ومتخلفة فبدأت تستعيد قوتها وتحقق تقدمها ، والمعبر هنا : بالناشطات نشطا.ثم تأتي : السابحات سبحا لترمز الى اﻷساطيل الغربية التي حققت ما عرف باﻻكتشافات الجغرافية فتم فيها اكتشاف اﻷمريكتين واستراليا ودزب المحيط الهادي وكانت كلها مجهولة ﻷوروبا.وترمز : السابقات سبقا، لعصر النهضة اﻷوروبية وما تلاها من ثورة صناعية وسبقت بها باقي دول العالم علما وثراء وحضارة .ثم تأتي فالمدبرات أمرا والتي يمكن القول بأنها تنطبق على أمة تخطط لمستقبلها لكي تحرز السبق فيه أو القوة أو يكون المقصود بها الحرب العالمية الثانية وما انتهت اليه من تفجير فنبلتين نوويتين على نجازاكي وهيروشيما باليابان حيث رجفت الراجفة اﻷولي وتبعتها الراجفةالثانية...الخ.

ويمة أمثلة في سور مكية أخرى مماثلة للمثالين السابقين.

ونجد أن ذلك التشابه الذي استشكل أمره على المشركين بالنسبة للسور المكية وخاصة القصيرة نسبيا منها ، قد اختفي تماما في السور واﻵيات المدنية وﻻ أثر له فيها.وهذا ما جعلهم يؤمنون به بعد ذلك ، الى أن جاء نصر الله والفتح ودخلوا في دين الله أفواجا . وكان اختلاف الصياغة بين أسلوب اﻵيات المكية واﻵيات المدنية يتقق مع الهدف من كل منهما ، فكانت الصياغة شبه الغامضة في السور المكية تستهدف أكبر قدر من التأثر النفسي وأما السور المدنية فقد كان الهدف منها توضيح الشريعة وتفصيل ما أجمل في السور المكية من قبل بأسلوب واضح ﻻ لبس فيه وﻻ يحتاج الى تفسير أو تأويل ﻵياته.أو بمعني آخر فأن معظم السور المكية يتم فيه مخاطبة النفس البشرية بينما كل السور المدنية يخاطب بها العقل البشري لكي يعقلها ويتدبرها ويفكر فيها ويعمل بها.

وفي نفس الوقت فإن الذين فسروا تلك اﻵيات المكية بظاهر الكلمات لم يحالفهم التوفيق في ذلك ، وﻻ يعني ذلك أن لها ظاهر وباطن أو أنها ذات بنية أسطورية تحتاج الى علم السيمياء فالقرآن ليس مثل أسفار العهد القديم الذين لم يتمكنوا من تفسير تناقضاته اﻻ بهذا اﻻدعاء وﻹزالة التعارض فيهاأو لتبرير مافيها مما يشبه الغزل والنسيب مثل محتوى نشيد اﻹنشارد أو سوء اﻷدب في مخاطبة الرب مثل ما في سفر اللاويين وغير ذلك ، أو نص أدبي يحتاج الى اخضاعه لمناهج النقد اﻷدبي المحدثة مثل البنيوية بمافيها من تفكيك وتجميع ﻻ معني له أو لمقوﻻت ألتوسير في علم اللغة لفهمه كما ادعي محمد أركون وتلاميذه أو على اﻷصح شياطينه وإنما يعني أن فهم تلك اﻵيات يحتاج الى الكير من التفكير والتدبر وقد ﻻ يستطيع أحد رعم ذلك فهمهاﻷن هذا القهم موقوت بزمان يتجلى فيه للناس ، وكان اﻷولي بالمفسرين القدامي بأن يدركوا بأن تفسيراتهم لها غير ذات معني يقبله العقل ،وأنه كان اﻵحرى منها أن يقولوا : علمها عند علام الغيوب .كما أن بداية هذه السور بحرف الواو والتي قال المفسرون القدامى بأنها واو القسم، قد تكون واو للتنبيه الى ما يأتي بعدها وهو ما يتفق مع منهج التنبؤ ،أو اﻻستصحاب لما جاء في السورة قبلها، بحيث تكون بمثابة استطراد لما ورد فيها.

ومحق من يرى بأن بالقرآن كنوزا لم يتم التوصل اليها بعد ، تتجلى بمرور اﻷزمنة ، ومن ذلك ماقيل في عصرنا هذا عن اﻷعجاز الرقمي وبعض ما قيل عن اﻹعجاز العلمي في القرآن ، وهذه الكنوز مازالت تنتظر من يكتشفها ، واﻻجتهاد في التوصل اليها، وهو ما يتطلب عدم التقيد بما ورد في كتب التفسير من قبل ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
فوزي منصور

Thursday, August 11, 2011

مبدأ : عدو عدوي صديقي في الممارسة السياسية للعرب عبر التاريخ



من أسوء المبادئ التي اتبعتها الممارسات السياسية للعرب عبر التاريخ وحتي اليوم رغم فساده ونتائجة المدمرة ، حيث كان يترتب عليه دائما أن عدو من اعتبر عدوا وتمت مصادقته أكثر عداء من ذلك العدو وأكثر منه خطورة وضررا. بدأ اتباع هذا المبدأ بجلاء في التاريخ مع الصداقة التي عقدها هارون الرشيد مع شارلمان ملك بلاد الغال ، أي فرنسا الحالية ، ضد الدولة اﻷموية في اﻷندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل باعتبارها عدوا مشتركاللدولة العباسية التي يوجد على رأسها الرشيد ومملكة الغال التي يحكمها شارلمان.ثم اتبعه حكام ممالك الطوائف في حروبهم الداخلية باﻷندلس فكانت كل مملكة منهم تستعين بالقوط المسيحيين ضد الممالك اﻷخرى وينتهي اﻷمر بتدمير القوط للمملكة التي استعانت بهم بعد تدمير المملكة التى تحالقا ضدها.ولم تتعظ باقي الممالك وارتكبت نفس الخطأ المميت حتي انتهى اﻷمر بطرد المسلمين مع أصلامهم من شبه دزيرة أيبريا بعد ملاحقتهم بمحاكم التفتيش وطرد اسلامهم معهم ليس من شبه الجزيرة فقد وإنما من جزر البليار ومالطة وصقلية وكان معظم سكانها جميعا من المسلمين فتم ابادتهم عن بكرة أبيهم ولم ينج منهم سوى من تمكن من أن يسلك البحر هربا. وبعد انهيار الدولة السعدية في المغرب اﻷفصي نشأ فيه أكثر من 15 دولة تقاتل كل منهم اﻷخرى وتحرص على أن يكون لها منفذا على البحر حتي تستطيع منه استيراد المدافع والذخيرة من البرتعاليين واستخدامها ضد منافسيهم في الداخل. واستمر الحال عليه حتي ظهرت الدولة العلوية وآل الحكم الى السلطان المعروب بالمولى اسماعيل الذي اتخذ من مدينة مكناس عاصمة له وكون جيشا عرف بجيش البخاري ﻷنه كان يقسم يمين الوﻻء على اصحاح البخاري وليس على القرآن الكريم وحارب به باقي الدول حتي تمكن من هزيمتها واحدة تلو اﻷخرى وتوحيد المملكة. في هذا الوقت امتدت اﻹمبراطورية العثمانية حتي الجزائر وصارت تهدد وجود الدولة العلوية التي اضطرت الى عقد معاهدات دفاع مضترك مع فرنسا وأسبانيا وفق مبدأ عدو عدوي صديقي أيضا وانتهى اﻷمر الى استيلاء الدولتين على المغرب عام 1912 الى أن حضل على استقلاله منهما في نهاية الخمسينيات مع موجة استقلال المستعمرات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.واعتبرت المملكة المغربية أن العدو الجديد لها هو حكومة الثورة الجزائرية وخاصة مع تداعيات ماعرف بحرب الرمال التي شنتها قوات مغربية على الصحراء الجزائرية ثم انسحبت منها في نهاية السنة اﻷولي للثورةالجزائرية وبعد أن آل الحكم فيها الى بومدين وحرصت الدولة المغربية على اﻻبقاء على علاقات خاصة مع فرنسا ومع أسبانيا التي تحتل جيبين في شمال المغرب يتمثلان في مدينتي سبته ومليلية منذ أكثر من خمسة قرون.وبسبب هذا التحالف اشترك جيش السلطان أو ما عرف بجيش المخزن قبل اﻻستقلال مع فرنسا في القضاء على جيش هيبة الله ماء العينين الذي زحف من وادي الذهب والساقية الحمراء لتخليص المغرب من اﻻستعمار الفرنسي ووصل حتى شمال مراكش ومع قوات اﻻستعمار في القضاء على تمرد القبائل ضد اﻻستعمار الفرنسي وعلى جيش تحرير الجنوب الذي شكله مغاربة وصحراويين بزعامة المغربي بن سعيد أيت يدر ضد اﻻحتلال اﻷسباني للصحراء مع الفرنسيين واﻷسبان الذين تحالفوا ضد جيش الثوار وتمت هزيمته في موقعة عرفت باسم افيكون ثم ضد جبهة تحرير الصحراء ووادي الذهب المعروقة بالبوليزاريو والذين لجئوا الى الجزائر فاحتضنتهم باعتبار أن عدو المغرب عدوهم هو صديقهم كما دعمهم القذافي بالمال والسلاح عندما كان يناصب ملك المغرب العداء ونشأ الصراع على الصحراء بين دولةالمغرب والبوليزاريو منذ عام 1975 حتي اليوم ولم يجد حلا وكان من مصلحة بعض الدول ومنها الجزائر استمراره ﻻ ستنزاف قوى المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

فإذا انتقلنا الى المشرق العربي في العصر الحديث سنجد أن دول الخليج قد حرضت صدام حسين على الهجوم على ايران خوفا من امتداد الثورة اﻹيرانية اليها بعد أن هدد الخميني بتصديرها اليهم وكان الهدف هو أسقاط الخميني فكانت النتيجة أن أثارت العصبية الفارسية العنصرية وجعلت اﻻيرانيين يلتفون حول حكم الملالي ولو لم تقم تلك الحرب التى استمرت ثمان سنوات وقتل فيها أكثر من نصف مليون نسمة باﻵضافة الى مئات اﻵلاف من المعطوبين لكان من المحتمل سقوط حكم الملالي بسبب التناقضات والعداوات التي أثارهاداخل ايران. وبعد ذلك تحالفت مع الوﻻيات المتحدة وبريطانيا ضد صدام حسين بعد أن مارس البلطجة السياسية ضدهم وقام باحتلال الكويت وكان كل هدفهم هو تخليصهم منه وليس تحرير الشعب العراقي منه وترتب على هذه الحرب تدمير العراق وقتل مئات اﻵلاف من مواطنية وهجرة ثلاثة ملايين الى كردستان أو دول الجوار أو مختلف دول العالم بحثا عن اﻷمان. واليوم عندما تخرج الوﻻيات المتحدة من العراق سيحل محلها النقوذ اﻻيراني عدو دول الخليج.واﻷمثلة بخصوص اعتماد هذا المبدأ الخطر في التاريخ ﻻ تعد وﻻ تحصي ، وما سقته هو أكثر ما علق في ذاكرتي منها وأرجو أﻻ يكون قد شابته أخطاء محدودة في اﻷسماء .

وإذا عدنا الى منطقتنا سنجد تحالف قوى الثورة الليبية ضد القذافي مع حلف الناتو يندرج ضمن هذا المبدأ ولو أني ألتمس لهم العذر بعد أن استنجدوا بمصر فلم يستجب لهم المجلس العسكري الحاكم الذي صرف كل جهده لضمان استمرار هيمنة العسكريين على الحكم في مصر الى جانب ارتباط بالمال الليبي الذي يمثله في مصر أحمد قذاف الدم والذي ما زال مقيما فيها ويعمل منها ضد الثورة وإن ادعي انشقاقه عنها وتمثل ذلك في صفقة السلاح التي عقدها مع السوريين واستولت عليها اسرائيل ثم أفرجت عنها وأرسلتها على سفينة اسرائيلية اعترضتها قوات حلف الناتو مما ترتب عليه انسحاب وقتها مؤقت للقوات اﻷمريكية من الحرب ضد القذافي .والمراقب لتطورات الوضع الميدانية سيجد أن قوات الناتو لو أرادت القضاء على قوات القذافي العسكرية لما استغرق ذلك منها بضعة أيام أو أسابيع ولكنها توجه ضربات محدودة ﻻ تمنع استمرارها في القتال حتي يتواصل قتال الليبيين وطالما أن الضحايا من المسلمين وﻻيقتل جندي واحد من الناتو فلامانع من استمرار الحرب حتي يقضي كل من الطرفين على بعضهم البعض ويخلو الجو بعدها للدول الغربية وتحقيق مصالحها.

واﻵن اذا انتقلنا لمصر بعد ثورة 25 يناير سنجد من المفارقات مؤخرا أن تتحالف الطرق الصوفية مع قوى الثورة من العلمانيين والشيوعيين والليبراليين حسب التسميات التي يطلقها هؤﻻء على انفسهم وﻻ يدفعهم الى ذلك التحالف سوى مواجهة تحالف السلفيين مع اﻹخوان الذي يعتبرونه عدوا مشتركا لهم واتباعا ايضا لمبدأ عدو عدوي صديقي وسنجد قبل ذلك تحالف اﻹخوان المسلمين والسلفيين مع المجلس العسكري ضد باقي قوى الثورة إعمالا لنفس المبدأ دون أخذ العظة بتحالفهم السابق مع قادة الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1925 وكيف انقلب عليهم عبد الناصر ونكل بهم بعد أن استقر له أمر الحكم وظهرت رغبتهم في مشاركتهم له بينما أصر على اﻻنفراد به وحده دون شريك.
إن استمرار هذا المبدأ الفاسد في الممارسات السياسية حتي اليوم هو ما بت أخشى منه على الثورة المصرية وكل القوى التي قامت بها أو شاركت فيها بعد صمودها أو تحاول اليوم الركوب على ظهرها من أجل الانفراد بالسلطة أو المشاركة فيها في الحد اﻷدني .
فوزي منصور

د

مشروع منخفض القطارة



منخفض القطارة هو منخفض يقع في جمهورية مصر العربية في الصحراء الغربية يمتد من الشرق إلى الغرب, يقترب طرفه الشرقي من البحر الأبيض المتوسط عند منطقة العلمين, مساحته حوالي 20000 كم مربع, ويبلغ طوله حوالي 298 كم وعرضه 80 كم عند أوسع منطقة فيه, تى أن عرضه يصل الى 145 كم عند منسوب سطح البحر (منسوب الصفر)وأقصى انخفاض له تحت سطح البحر يبلغ 134 متر, ويبدأ المنخفض من جنوب العلمين على مسافة 75 كيلومتر أو 80 كيلومترا..وتغطى أرضية المنخفض التى تبلغ مساحتها 5800 كم2 السبخة ، وتتكون من خليط من الرمال والأملاح والمياه ،الناتجة عن تسرب تسرب المياه الجوفية إلى أرضية المنخفض مذيبة فى طريقها أملاح الصخور التى تمر بها، فضلا عن التساقطات المطيرية خلال فصل الشتاء.

وقد ظهرت فكرة استغلاله لتوليد الكهرباء عن طريق توصيله بقناة توصل له ماء البحر اﻷبيض المتوسط عام 1933 أي منذ قرابة 80 عاما باستغلال فرق المنسوب ﻻدارة توربينات الكهرباء.وعندما يمتلئ المنخفض بالماء تتكون فيه بحيرة مساحة سطحها حوالى 19500 كم2 وعندها يتوقف توليد الكهرباء منه ويكون ما تم الحصول عليها منه لحين امتلاء البحيرة أضعاف قيمة ماتم انفاقه على حفر البحيرة وعلى انتاج الكهرباء وخطوط نقلها وقد أن يستغرق ذلك مدة تصل الى أكثر من 30 عاما حسب العالم البريطاني الذي فكر في المشروع أول مرة. واقترح أن يتم توصيل ماء البحر الى المنخفض أما عن طريق قناة مكشوفةيتراوح عرضها ما بين 136 الي 256 متر أو عن طريق حفر نفق ضخم واحد أو ثلاثة صغار لتمرير 650 متر مكعب/ث وإسقاطها لمنسوب -60. وسيتم الحفر سواءللقناة المفتوحة أو النفق في أرض صخرية يرجح أنها تتكون من الحجر الجيري.
وفى إطار التعاون المشترك بين حكومة مصر وحكومة ألمانيا الإتحادية (الغربية) ، شكلت وزارة الإقتصاد الألمانية عام 1964 فريقا من الخبراء يرأسه الدكتور بازلرBassler الأستاذ بجامعة دارمشتات التكنولوجية لدراسة مشروع منخفض القطارة ومشروعات التنمية الممكنة بالمنطقة .

بعد إن إطلع بازلر على كافة الدراسات التى أجراها صاحب فكرة المشروع اﻷصلية، . وبعد دراسات جيولوجية وهندسية تفصيلية ، قام فريق الخبراء الألمان عامى 1964 ، 1965 بتحديد الجدوى الفنية والإقتصادية لمشروع منخفض القطارة .

وكان الحل الأمثل الذى ثبتت جدواه الفنية هو إختيار المنسوب – 60 لسطح البحيرة كأعلى سطح تشغيلى للبحيرة بمساحة 1200 كم2 تبعا لذلك ، وفى هذه الحالة سوف تنقص كمية مياه البحيرة سنويا نتيجة البخر 19000 مليون متر مكعب طبقا لنتائج اختبارات وحسابات الفريق الألمانى ، الذى وضع فى اعتباره كمية المياه التى يمكن أن تتسرب للبحيرة من المياه الجوفية . وكان صاحب فكرة المشروع قد قدر كمية الفقد بالبخر بـ 17000 مليون م3 عند منسوب -60 لسطح البحيرة .

كما حدد بازل معدل التدفق الأنسب لمياه البحر للبحيرة بـ 600 م3/ث وذلك لتعويض الفقد السنوى بالبخر لمياه البحيرة ، وهذا التدفق سيكون من خلال نفق طوله 80 كم تحت سطح الأرض ليتساقط فى نهايته على غرفة التوربينات عند منسوب -54 م تحت سطح البحر .

ووضع بازلر فى دراسته ضرورة وجود محطة ضخ وتخزين ، تعمل على ضخ المياه أوقات الأحمال المنخفضة لخزان علوى عند منسوب + 215 م فوق سطح البحر سعته 50 مليون م3 . ويقع هذا الخزان على حافة المنخفض ، وهو خزان طبيعى كان قد تم اكتشافه أثناء الأبحاث الجيولوجية والطبوغرافية التى قام بها الفريق الألمانى .

وتبعا لذلك فإنه فى أوقات ذروة الأحمال على الشبكة الكهربائية بدلتا مصر ، سوف يصل مجموع القدرة الكهربائية المتاحة من مشروع منخفض القطارة مع تشغيل محطة الضخ والتخزين إلى 4000 ميجاوات .

ز توفريغ مياه البحر فى منخفض القطارة سيكون متدرجا بحيث يمكن ملء المنخفض خلال ٦٠ عاما آخذين فى الاعتبار معدلات التبخير السنوية ومعدلات الأمطار فى شمال الصحراء الغربية. ويتطلب ذلك ضخ مالا يقل عن ٣٣ مليار متر مكعب من مياه البحر سنويا إلى المنخفض عبر القناة الموصلة بين البحر والمنخفض، بمعدل يومى لايقل عن ٩٠ مليون متر مكعب يوميا. وقد تم تحديد أفضل المسارات المقترحة لشق هذه القناة من الناحية الطوبوغرافية، وتعيين مواصفات كل مسار وتضاريسه وطوله ومعدلات الارتفاعات على طول المسار بالنسبة لمنسوب سطح البحر وذلك لتيسير الاختيار النهائى للمسار الأفضل.

وأفضل المسارات للقناة من الناحية الطوبوغرافية وأكثرها إنتاجا للطاقة الكهربائية يقع غرب مدينة الضبعة بمسافات تتراوح بين ٦.٣كم و٢٠.٠ كم إلا أن الاختيار النهائى لأفضل المواقع متروك للجنة الفنية المختصة بهذا الشأن. ولن تحول مدة امتلاء المنخفض دون إنتاج وتوليد الكهرباء من تاريخ أول بدء تساقط شلالات المياه فى المنخفض بعد إنشاء القناة، فالفارق بين منسوب المياه فى القناة ومنسوب أرضية المنخفض (عمود المياه) سيكون أكثر من ٢٧٥متراً عند بدء ملء المنخفض، ثم ينخفض هذا الفارق تدريجيا إلى نحو ٢٢٥ متراً عند ملء المنخفض.

وفى غضون ٨ سنوات من بدء ضخ المياه تتكون بالمنخفض بحيرة مساحتها ١٢٤٠٨ كم٢ بمتوسط عمق ١٨.٢٦ متر بعد حساب معدلات التبخير والأمطار السنوية، وهى مساحة تعادل أكثر من عشرة أضعاف المساحة المغمورة حاليا فى البحيرات الشمالية للدلتا مجتمعة (البرلس– المنزلة– إدكو– مريوط)، مما يساهم فى بدء استغلال المنخفض فى إنتاج الثروة السمكية بوفرة كبيرة.

وفى غضون ٢٥ عاماً من بدء ضخ المياه يكون المنخفض قد امتلأ بنسبة ٨٠% من إجمالى مساحته بمنسوب يقل عن منسوب سطح البحر بنحو ٣٠ مترا وبمتوسط عمق ٤٠.١١ متر، ومن ثم يمكن استغلال الشواطئ الشمالية والغربية والجنوبية الغربية فى النشاط السياحى. وفى غضون ٦٠ عاما يكون المنخفض وملحقاته من المنخفضات الثانوية قد امتلأت بالكامل حتى الصفر (منسوب سطح البحر) بمتوسط عمق ٥٨.٩ متر. وكلما زادت المساحة المغمورة زادت كمية المياه التى يتم فقدها بالتبخير، حتى تتعادل كمية الفاقد من المياه مع كمية المياه الواردة إلى المنخفض.

وقد تم حساب جملة تكاليف المشروع الرأسمالية المتوقعة بالأسعار الحالية ووجد أنها لاتتجاوز ٥٥ مليار جنيه مصرى. وتشمل هذه التكاليف نفقات إنشاء القناة، وإنشاء من ٤ إلى ٥ محطات طلمبات بقدرة تصرف لكل منها لا تقل عن ١٠٤٠ متراً مكعباً/ثانية، وبطاقة رفع استاتيكى ٥٠ متراً لكل منها، شاملة فى ذلك تكاليف محطة المحولات وخطوط نقل الكهرباء، وقيمة توريد وتركيب التوربينات المخصصة لتوليد ونقل وتوزيع الكهرباء من المنخفض، بالإضافة إلى تكاليف إزالة الألغام فى المنطقة المرشحة لحفر القناة.

كذلك تم حساب تكاليف التشغيل السنوية، شاملة فى ذلك استرداد نفقات استهلاك رأس المال لمدة ٥٥ سنة، وقيمة استهلاك الكهرباء لمحطات الطلمبات، وقيمة قطع غيار ومصروفات الصيانة، والأجور والمرتبات السنوية.

وتكلفة مشروع توصيل مياه البحر إلى المنخفض عبر قناة سطحية يمكن تعويضها من بيع الشريط الساحلى المحيط بمنخفض القطارة من ناحية الشرق والجنوب والغرب لاستغلاله سياحيا، حيث تم حساب مساحة هذا الشريط القابل للاستغلال حول المنخفض الرئيس وكذلك حول المنخفضات الفرعية التى سوف تتحول إلى بحيرات متصلة بالمنخفض.

وارتفاعات الشواطئ على طول هذا الشريط متوسطها ١٧ متراً فوق منسوب سطح البحر وهى بذلك تعادل نفس ارتفاع الشريط الساحلى المستغل سياحيا على طول الساحل الشمالى للصحراء الغربية، فلو افترضنا أن ٤٠% من مساحة هذا الشريط سوف تعد للاستغلال، بينما يخصص باقى المساحة للمنافع العامة،


وقد حددت مزايا المشروع في اﻵتي :
1 – _ سيتم أنتاج الكهرباء نتيجة انحدار الماء من 15 انبوبة ( 15 انبوبة كل 10 متر ارتفاع ) أي 15 مولدكهرباء وذلك يعني 150 مولد كهرباء في أجمالي 100 متر ارتفاع
2 – سيتم زراعة ما يقرب من 1500000 فدان
3 – سيمكن من تنفيذ مشروعات إنتاج حيواني سيتم أنشاء مزارع أنتاج حيواني لسد اﻻحتياجات المحلية.
4 . انشاء مصانع حول المنخفض ومشروعات سياحية.
5. امكانية استغلال البحيرة في تنميةالثروة السمكية.


وظلت فكرة طيلة عقود تظهر على السطح ويتم المطالبة بتنفيذ المشروع وتبدي الحكومة المصرية اهتماما به ثم يفتر هذا اﻻهتمام ويطويه النسيان لسنوات تالية الى أن يتم أثارته مرة أخرى .

وظهر مؤخرا من يفكر في توليد الكهرباء عن طريق مده بمياه النيل من فرغ رشيد عوض اهدار الزائد منها في البحر اﻷبيض المتوسط وزراعة المنطقة شرق المنخفض والتي كانت قديما حسب أسحاب هذا الرأي مزارع زمن امتداد الأمبراطورية الرومانية الى مصر، وأن تربة تلك المنطقة خصبة لدرجة عاليةأو عن طريق قناة أو أنبوب مياه يحمل ماء النيل من مفيض توشكي جنوب مصر عبر الواحات الى موقع البحيرة.ويقول أصحاب الرأي الاخير ومنهم العالم المصري فاروق الباز بأن ثمة دﻻئل على أنه كان قديما ثمة نهر قديم متفرع عن النيل يمر في الواحات البحرية ويصب في منخفض القطارة.وأن تنفيذ المشروع سيكون بمثابة أحياء ذلك النهر القديم وزراعة المناطق التي يمر بها بطول الصحراء الغربية المصرية.اﻻ أن بعضهم تصور بأن المنخفض كان ذلك الوقت بحيرة مياه عذبه علما بأن جميع البحيرات المفلقة تكون عادة شديدة الملوحة. كما تم تجاهل كل ما كان يتررد خلال السنوات السابقة حول ندرة المياه واﻷمن المائي والحروب التي ستنشأ بسبب المياه في المستقبل وكذلك المشاكل حول حصة مياه مصر من النيل مع دول المنابع اﻷفريقية.كما أن توصيل مياه النيل الى المنخفض يعد أهدارا لها عوض استخدامها في زراعة أراض جديدة ولن يعوض ذلك مايتم الحصول عليه من كهرباء يمكن الحصول عليها من مصادر عديدة منها استفلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية والغاز الطبيعي عوض تصديره ﻹسرائيل ودول أخرى.وفي نفس الوقت فإن استغلال البحيرة في انتاج اﻷسماك واﻻحياء المائية يتطلب تزويدها بكمية من الماء العذب لتقليل نسبة اﻷملاح فيها. كما أن تنفيذ المشروع ﻻ يغني عن تنفيذ مشروع يتم فيه زراعة أكبر مساحة ممكنة من الصحراء الغربية المصرية بعد توصيل مياه النيل اليها مع اﻻقتصاد في المياه والمحافظة عليها ويتم تصريف الفائض منها فقط في القناة عندما تزيد عن قدرتها اﻻستيعابية ويهدد الفائض بفيضانها واﻻضرار بالمحاصيل الزراعية وهي بالتالي لن تكون مستمرة التدفق نحو المنخفض بحيث يمكن استغلال هبوطها فيه في توليد الكهرباء منها. وقد تم اقتراح مشروع جسر النوبة للتنمية والذي يشمل شق قناة من النيل اﻷبيض في السودان تتجه شمالا عبر الصحراء الغربية المصرية وتنتهي في منخفض القطارة وتستطيع جلب مياه أكثر من مياه النيل مع اﻻتفاق مع دول المنابع والتي تتمثل أساسا في رواندا التي يأتي منها النهر الذي يغذي بحيرة فيكتوريا وأثيوبيا والتي تزود النيل عن طريق أنهار السوباط والنيل اﻷزرق بحوالي 80 في المائة من المياه التي تتدفق فيه وهو ما يتطلب أن تكون اﻷراضي الجديدة التي سيتم تعميرها في الصحراء الغربية بالسودان ومصر تعود بالنفع على شعوب دول المنابع. كما تم اقتراح أيضاقناة تأتي من الغرب الى منخفض القطارة وتحمل مياه منطقة الساحل اﻷفريقي اﻻستوائية اﻻ أنه ﻻ يتوقع أن يصل منها كميات مياه كبيرة الى المنخفض بسبب مايتم استهلاكه منها في طول مجراها عبر شمال الصحراء الكبري اﻷفريقية وكذلك تعرضها خلال ذلك الطريق الطويل الذي ستسلكه الى البخر والتسرب .

تنقيذ المشروعات:
لهذا فإن تلك المشروعات جميعها توجد حاجة لتنفيذهاوفي صدارتها مشروع منخفض القطارة وعلى أساس حفر قناة بحرية توصل بينه وبين البحر اﻷبيض المتوسط يقترح أن تكون مفتوحة ويتم شقها بالمتفجرات والوسائل العادية اﻷخرى بعد أن تعذر استخدام الطاقة النووية في حفرها بسبب اعتراض الدول الكبرى على ذلك.. وبالنسبة لمشروع منخفض القطارة فالرأي هو أن يتم الشروع في تنفيذه مع اعتباره مشروع للمستقبل بعيد المدي وبتصميم بسيط يسمح بالحصول على الكهرباء منه على مدى خمسين عاما وعدم المبالغة في كمية الكهرباء المستخلصة مهه أو ألتطلع الى جحم كبير منها وإنما يكفي الحجم الذي تستلزمه احتياجات المنطقة وليس الشبكة الوطنية بما يعني أن يكون منفصلا عن الشبكة الوطنية الحكومية وبالتالي منفصل عن كل ما يتعلق بالدولة والوزارات وتداخل اختصاصاتها والتي يوضح تاريخ المشروع أن تدخل هذه الوزارات ترتب عليه تعطيل تنفيذه فمنها من أفتي بأن طائرات اﻻستطلاع اﻷمريكية "اﻷواكس" قد صورت شقوقا في قاع المنخفض في حالة امتلائه بالماء سيسبب زﻻزل في المنطقة ومنها اعتراض القوات المسلحة على حقر قناة مكشوقة واسعة ومنها من قال بأن التربة في قاع المنخفض ستتحول الى عجينة وكأنه ستتم زراعتها...الخ
وعموما فإن الفكرة اﻵساسية التي قامت عليها الحركة المجتمعية للتنمية أن يتم تنفيذ مشروعات التنمية في معزل عن الحكومة ، ونفس الشيئ اشترطه الدكتور الباز بالنسبة للمشروع الذي قدمه وأطلق عليه : ممر التنمية.
والداعي لتنفيذ المشروع في معزل عن الحكومة ما يلي :
1. التخلص من تعقيدات البيروقراطية المصرية وتداخل اختصاصات الوزارات .
2.عدم وجود موارد مالية لدي الحكومة لتنفيذ مشروعات التنمية وهو ما يعني أن تنفيذها سيتطلب منها اﻻعتماد على القروض اﻷجنبية مما يثقل كاهل اﻻقتصاد الوطني فضلا عن أن انتهاجها للنيوليبرالية في اﻻقتصاد جعلها من قبل تصفي القطاع العام وتنسحب من ميدان التنمية.
3. ماتكشف مؤخرا من استغلال النافذين في الدولة لمواقعهم واﻻستيلاء على أراضي الدولة أو بيعها لمستثمرين أجانب بأقل من ثمنهاوهذا الفساد الذي انتشر في ادارة الدولة على مدى ما يقرب من الخمسين عاما ﻻ يتوقع نهاية قريبة له لمجرد قيام ثورة شعبية مازالت خطاها متعثرة حتى اﻵن.

وبناء على ما سبق فإن تنفيذ المشروعات بما فيها مشروع منخفض القطارة سيتم عن طريق شركات مساهمة مفتوحة رأس المال بحيث يتم زيادته كل عام وفق متطلبات تنمية هذه المشروعات وتقدمها واحتياجاتها للتمويل على مدى 25عاما أو خمسين عاما بالنسبة لمشروع المنخفض ويتم ذلك عن طريق تنظيمات الحركة المجتمعية في دول شمال أفريقيا ودول المشرق العربي التي تسمح بها باﻹضافة الى دول حوض النيل ودول الساحل اﻷفريقي وجنوب الصحراء باعتبارها مصدر المياه التي تقوم عليها المشروعات وأيضا مصدر للعمالة أو القوى البشرية الكبيرة التي تحتاجها تلك المشروعات.

مشروع منخفض القطارة:
وبالنسبة لمشروع المنخفض فإنه يلزم تزويده بالمياه العذبة من النيل باﻻضافة الى المياه الجوفية إن وجدت الى جانب تحلية المياه وهو ما يتطلب مد قناة من النيل الى منطقة المشروع لسد احتياجات الزراعة والصناعة والتعمير بالتزامن مع بدء حقر قناة أو قناتين توصلان ماء البحر الى المنخفض.

ويقترح في هذا الشأن أن يتم تنفيذ مشروع منخفض القطارة على النحو التالي بعد إنجاز الدراسات المتعلقة به:
يقترح حفر قناتين بطول 75 كيلومتر ويكون منسوب القاع في كل منها تحت مستوى سطح البحر بحوالي 20 مترا وعرض كل منهما من 30 الى 35 مترا ويتركان بينهما مسافة حوالي عشرة كيلومترات أي بمساحة اجمالية قدرها حوالي 750 كيلومتر مربع لتلك الجزيرة والتي سيقام عليها منطقة للتجارة الحرة وللصناعة المخصصة للتصدير مع جسور علوية تسمج بمرور البواخل البحرية .ويتم توصيل المياه العذبة اليها عن طريق أنابيب من اﻷسمنت أو اﻷنتيمون أو الصلب المغلف بطبقة عازلة، تعبر قاع القناة من الشرق الى الغرب وتصب في حوض وفق نظرية اﻷواني المستطرقة ويتم رفع الماء منها لتغذية المنشآت المقامة على الجزيرة وأيضا تشجيرها . وتنتهي القناتان الى حوض كبير طوله من الشرق الى الغرب 25 كيلومتر وعرضه من الشمال الى الجنوب خمسة الى سبعة كيلومترات وعمقه 32 مترا ويفتح في مواجهة القناتين حيث يركب على مخرج المياه منه توربينات توليد الكهرباء .ويسمح ذلك بدخول السفن من البحر الى أحدي القناتين ومنها الى الحوض والذي سيكون بمثابة ميناء بحري داخلي لصيانة السفن ولبناء السقن أيضا،ثم العودة عن طريق القناة الثانية وبمسافة بعيدة عن موقع التوربينات.ووجود القناتين بعرض صغير نسبيا يعالج اعتراض القوات المسلحة التي اعترضت على قناة عرضها 200متر من قبل ، بينما عرض القناتين معا في هذه الحالة لن يتجاوز 70 مترا وفي حالة احتياج مرور السقن الكبيرة الى عرض أكبر لكل من القناتين ذات الاتجاه الواحد فإن ذلك لن يتجاوز زيادة بضعة أمتار .، ويصير بالتالي ﻻ مبرر له مع اتخاذهاكافة متطلبات الدفاع عن المنطقة شرق وغرب القناتين..
وإذ يترك ﻷهل اﻻ ختصاص دراسة كمية الكهرباء التي يمكن الحصول عليها في هذه الحالة فإنه يجب أﻻ يتم الربط بين قيمة ما سيتم الحصول عليه من الكهرباء وقيمة تكلفة قناتي التوصيل ومحطات توليد الكهرباء الهيدروليكية ﻷن مكاسب حفر القناتين على المدي البعيد لها أيضا من اﻷهمية ما يتجاوز أهمية توليد الكهرباء منها.
وفي نفس الوقت سيتم زراعة اﻷراضي المحيطة بقناة المياه العذبةمن الدلتاحتي موقع المنخفض وزراعة اﻷراضي شرق وجنوب المنخفض وأقامة مستوطنات /قري بها للمزارعين مزودة بكافة بالمرافق والخدمات ومتصلة هذه المستوطنات بطرق تفضي الى الجسور العابرة للقناة الشرقية الى الجزيرة بين القناتين.
والدفق هنا سيكون أقل من 600 متر مكعب ثانية الذي حدده رئيس البعثة اﻷلمانية لتعويض البخر وقق دراسته ،إذ قد ﻻيزيد في هذه الحالةعن 400 متر مكعب /ثانية ، ولكنه سيطيل أمد استخدام مياه البحر في توليد الكهرباء.
.فوزي منصور


.


Thursday, August 4, 2011

تعمير ساحل غرب أفريقيا وشما ل الصحراء

تعتمد فكرة هذا المشروع وهو من مشروعات تنمية شمال القارة الأفريقية وأعادة توزيع السكان فيها ، على حفر قناة لنقل المياه العذبة من المناطق شبه الإستوائية في سواحل غرب أفريقيا الى المناطق الساحلية الصحراوية في شمال أفريقيا لزراعتها ولاقامة مجتمعات عمرانية فيها ،و يبلغ طول القناة أكثر من 8000 كيلومتر أي أطول من نهر النيل .ولذا قد تكون أطول قناة في العالم أجمع. تبدأ من غرب ساحل وتنتهي في شمال غرب الصحراء المصرية عند منخفض القطارة. و هذه القناة الطويلة بنقل جزء من مياه أنهار المنطقة الاستوائية ،الموسمية الجريان و التي تصب في المحيط الأطلسي في دول : ساحل العاج و ليبريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال إلى غرب وشمال الصحراء الكبرى للاستفادة بها في تنمية وتعمير المناطق الصحراوية في كل من : موريتانيا و جنوب المغرب و الجزائر وتونس وليبيا ومصر.

ومعظم هذه اﻷنهار فيما عدا نهر السنغال والتي يبلغ عددها حوالي 17 نهرا متوسطة الطول نسبيا بخلاف أنهار قصيرة أخرى عديدة لا تستغل حاليا مياهها في الزراعة، وإنما تذهب إلى المحيط دون الاستفادة منها، وسيتم في هذا المشروع الاستفادة من نهرين منها في ساحل العاج وخمسة أنهار في ليبريا وخمسة مماثلة لها في سيراليون وثلاثة في غينيا واثنان في غينيا بيساو وكلها موسمية قصيرة وسريعة الجريان، بالإضافة إلى نهري جامبيا والسنغال.

. ويستهدف المشروع زيادة المحاصيل الزراعية وتأمين المواد الغذائية محليا لشعوب تلك الدول وتحسين ظروفها المعيشية واكتشاف إمكانيات التعدين و التصنيع والإفادة من المواد الخام المحلية، وتأمين فرص عمل كافية ومستمرة للأجيال الشابة، والتخلص من البطالة والفقر ، فضلا عن تخزين المياه للاستفادة بها خلال شهور الجفاف التي لا يتساقط فيها المطر.

ويمتد موسم سقوط الأمطار في ساحل غرب أفريقيا ما بين شهري مايو وديسمبر والشهور الباقية في السنة من يناير حتى ابريل شهور جفاف تهب فيها على كامل المنطقة رياح هارماتان الساخنة ، القادمة من الصحراء الكبرى الأفريقية ،والمحملة بالأتربة.

وهو ما يعني أن المياه الواردة من القناة ستشح في موسم الجفاف إلا أنه من المحتمل أن يكفي المخزون منها سد احتياجات الزراعة والصناعة وسد وسكان المستوطنات التي سيتم إقامتها حول القناة .وسيتم الاعتماد في تدبير مياه الشرب للسكان على المياه الجوفية، وهي متوفرة في العديد من المناطق الصحراوية في الشمال ومنها ما هو قريب من سطح الأرض ، وستسهم القناة في تعويض ما يستهلك منها .

ويتطلب مشروع القناة إقامة سدود على كل من هذه الأنهار تخزن قدرا من المياه خلفها ، وتتزود منها القناة بالمياه التي ستنقلها إلى الشمال ، بينما يتم تصرف فائض المياه في مجرى النهر المتجه نحو مصبه المعتاد ، و توليد الكهرباء منها قدر المستطاع خاصة في موسم المطر
.ولن تؤثر كثيرا الحصة التي سيتم نقلها من مياه تلك الأنهار على البيئة البحرية عند مصباتها حيث سيكون هناك فائض باستمرار يأخذ طريقه إلى المحيط. كما ستصب في القناة أيضا مجاري السيول في الصحراء سواء في موريتانيا أو جنوب المغرب..
.
ويمكن في الأراضي الصحراوية في الشمال زراعة العديد من المحاصيل مثل : القطن قصير التيلة والفول السوداني والذرة والدخن والشعير والأرز وقصب السكر والبطاطا والكاسافا ونبات الجويا الذي تستعمل زيوته في تحسين جودة شحوم المحركات ويمكن استخدامه أيضا كوقود أو إدخاله في صناعة مستحضرات التجميل. وذلك إلى جانب تربية الماشية والأغنام والماعز والدواجن.

مسار القناة:
تسير القناة على الهضبة الأفريقية ابتداء من غرب ساحل العاج ومرورا بليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وجامبيا والسنغال وموريتانيا وجنوب المغرب وتبلغ المسافة حوالي 4000 كيلومتر حتى دخول القناة في واد درعه جنوب جبال الأطلس الصغير بالمغرب قبل مصبه في المحيط الأطلسي بين مدينتي جولميم و طانطان حيث تصب في مجراه شبه الجاف و تتجه فيه شرقا إلى زاكورة قبل أن تنفصل عنه عندها وتكمل مسيرتها شرقا حتى نهايتها والتي تبلغ حوالي 8000 كيلومتر أخرى، فتمر بجنوب كل من شط ملغير بالجزائر و شط الحريد بتونس ثم إلى شمال ليبيا بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط (خليج سرت )إلى جنوب بني غازي وأجدابيا والجبل الأخضر وواحة جغبوب في إقليم برقة الليبي ، ثم الصحراء الغربية المصرية جنوب واحة سيوه، ومنها إلى الواحات البحرية فتلتقي عندها بالقناة الملاحية القادمة من السودان و حيث تصبان معا الفائض من مياههما في منخفض القطارة شمال غرب الصحراء الغربية المصرية لتوليد الطاقة الكهربائية الهيدروليكية من ذلك . وستكون هذه القناة صالحة للملاحة النهرية طول العام في المسافة من السنغال حتى منخفض القطارة في مصر، أي حوالي 8000 كيلومتر أخرى.
وستتخذ القناة مسارها فوق الهضاب الغربية بساحل العاج بدء بمنسوب في حدود 400 متر فوق سطح البحر في شمال غرب ساحل والعاج وشمال شرق ليبريا، ثم تتجه إلى المناطق المنخفضة على حافة الهضبة في ليبريا وسيراليون وغينيا وكناكري وغينيا بيساو على منسوب 350 متر فوق سطح البحر، ثم تهبط تدريجيا إلى سهول السنغال لكي تغادرها وهي على منسوب في حدود 300 متر فوق سطح البحر في اتجاه موريتانيا. وتصل الصحراء جنوب المغرب على ارتفاع 250 متر فوق سطح البحر أو أقل بالقرب من الحمادات وعند مصبها في واد درعه ولحين انفصالها عن نهر درعه عند زاكوره واتجاهها بعد ذلك شرقا إلى مصر في نفس المستوى تقريبا أو أقل فليلا.

وحيث ترتفع الهضبة الأفريقية من جنوب ليبريا في اتجاه الشمال ونصل ذروة ارتفاعها في سيراليون وغينيا كوناكري متخذة شكل قوس قبل أن تبدأ في الانحدار في اتجاه السنغال، وتتجه الانحدارات أيضا من الشرق نحو الغرب تجاه ساحل المحيط والسهل الساحلي به والذي يتسع ويضيق حسب امتداد الارتفاعات في اتجاهه وحتى يكاد يختفي تماما في شمال سيراليون حيث تطل المرتفعات مباشرة على مياه المحيط..
ويزيد التضاريس تعقيدا حفر هذه الأنهار مجار عميقة لها في الهضبة و اعتراض ألسنة من المرتفعات الصخرية مجرى القناة ممتدة من الهضبة في غرب سيراليون وبالقرب من الحدود بين غينيا وغينيا بيساو فإن القناة ستضطر في هذه المنطقة إلى أن تكون بجوار مياه المحيط وربما مطلة عليه مباشرة ، ولهذا ،فإن هذه التضاريس المعقدة ستحول دون استقامة مسار القناة المزمع حفرها فتتعرج للمحافظة على منسوب ارتفاعها ومتطلبات تدفقها من الجنوب إلى الشمال. وقد تأخذ شكل أنفاق أيضا داخل ما قد يعترضها من مرتفعات ولا تستطيع تفاديها أو الالتفاف حولها. وبسبب كثرة الأنهار فإن الإنشاءات المدنية المتمثلة في أقامة سدود غرب مسار القناة فوق الهضاب الجنوبية ستكون أيضا كثيرة ومكلفة.و لا تقتصر فائدة هذه السدود على تحويل مياه النهر الى القناة وإنما تسمح بإطلاق فائض المياه الناتجة عن الأمطار الاستوائية الغزيرة نحو المحيط تفاديا لإحداث الفيضانات في المنطقة ولكي يتم المحافظة على البيئة البحرية والثروة السمكية فيها، وأيضا لتوليد قدر من الطاقة الكهربائية الهيدروليكية لسد الاحتياجات المحلية منها .و سيترتب عن معظم هذه السدود تكون بحيرات عذبة خلفها، تزيد من القدرة على تخزين المياه خلال موسم المطر للاستفادة منها في موسم الجفاف.. وقد تساعد تلك السدود على الحد من امتداد غابات المنجروف داخل الشريط الساحلي عند مصبات الأنهار وزراعتها بالأرز وقصب السكر أو الجوت وبأشجار جوز الهند . .

وستساعد القناة الدول التي تمر بها و الدول شمال الساحل في زراعة محاصيل أضافية في موسم الجفاف سواء على الهضاب التي ستبدأ القناة مسارها عليها أو في السهول الساحلية المتاخمة للهضبة فيما ما بين القناة والمحيط الأطلسي والتي يتسع نطاقها في موريتانيا والصحراء جنوب المغرب.

وتنتهي القناة الجديدة في مرحلتها الأولى عند واد درعة وهو نهر عرضي طوله 1200 كيلومتر ينبع من شرق جبال الأطلس الكبير من على ارتفاع 1627 متر، وحجم صبيبه قرب المنبع 24 متر مكعب في الثانية ولكنه يجري قرب المصب في مجرى بأرض منبسطة فلا يكاد يصل المصب من مائه شيئا تقريبا ، حيث تضيع المياه إما بالتسرب إلى عبر الرمال إلى باطن الأرض أو تتعرض للبخر الناتج عن شدة حرارة المنطقة.قيجف النهر وتتبقي مياه في الخمسين كيلومتر الأخيرة منه فقط ،وقد يكون سبب جفاف المجرى الأدنى ناتجا عن تراكم رواسب النهر فيه وارتفاع منسوب الأرض بما يحول دون تدفق المياه القليلة جهة المصب . ومعدل تساقطات الأمطار في المنطقة لا يزيد عن 65 مم في السنة وهي غير منتظمة ،ويمكن أن يتحول نهر درعة إلى خزان مائي كبير عندما تصب فيه القناة الجديدة. و يمتد هذا الخزان من مدينة طنطان على ساحل المحيط إلى أكثر من 100 كيلومتر شرقا في اتجاه زاجورا ويسمح بزيادة مساحة واحات نخيل التمر وزراعة بعض الخضروات ونبات الفاغيا (الحنة ) المشهورة به المنطقة..وفي درعه الأوسط فيما بين ورزازات وزاجورة توجد ست واحات للنخيل المثمر و هي من الشمال إلى الجنوب : مزكيطة، تنزولين،ترناتة، فزواطة، اكتاوة و محاميد الغزلان. وتمتد لمساقة 200 كيلومتر.

وستنحصر الزراعات في الأراضي الصحراوية في الشمال على محاصيل المناطق الحارة مثل القطن قصير التيلة والفول السوداني والذرة والدخن والشعير والأرز وقصب السكر والبطاطا والكاسافا ونبات الجوبا الذي تستعمل زيوته في تحسين جودة شحوم المحركات وكذلك بعض التوابل والأعشاب والنباتات الطبية.

الحاجة إلى اتفاقية دولية :
وسيتطلب تنفيذ هذا المشروع عقد اتفاقية إقليمية بين الدول التي ستمر القناة في أراضيها أو تستفيد منها أو لها حقوق في مياه الأنهار التي ستنقلها القناة سواء كدول منابع أو عبور. و يتم بموجبها تنفيذ المشروع لتقاسم المياه وإقامة تنمية مشتركة لصالح شعوبها، وتحديد حقوق وامتيازات الشركة المنفذة وحقوق مساهميها ، وحقوق ساكني المستوطنات الجديدة من غير من يحملون جنسية الدولة التي يقيمون فيها في التمتع بنفس حقوق مواطنيها وفي حمل جنسيتها ،وكذلك استقلالية تلك المستوطنات بالنسبة لأدارتها المحلية. وهذه الدول من الغرب إلى الشرق هي : ساحل العاج وليبريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو ومالي (لحقوقها في نهرالسنغال) وجامبيا والسنغال وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر.

معلومات عن الدول التي ستمر القناة في أراضيها :

ساحل العاج:
تبدأ القناة من شمال غرب ساحل العاج من نهر ساسندرا ، ثم تمتد غربا نحو الحدود الغربية مع ليبريا التي يحددها نهر كيفالي عند منسوب في حدود 450 متر فوق سطح البحر، ثم تتجه غربا فوق الهضبة الوسطي بليبيريا ومنها إلى سيراليون .
يبلغ طول الشريط الساحلي لساحل العاج 515 كيلومتر.رتفع أراضي جمهورية ساحل العاج بشكل تدريجي من المحيط الأطلسي لتصل إلى ارتفاع 395م فوق سطح البحر ويتكون السطح من هضبة جبلية كتلية (1000ـ1650م) في الشمال الغربي، تتحول في الوسط إلى هضبة بنائية عالية (500ـ600م)، ثم تصبح سهلية مستوية في الجنوب (100ـ200م)،يبلغ معدل سقوط الأمطار سنويا فيها ما بين 150-250سم
تنساب الأنهار الطبيعية في جمهورية ساحل العاج نحو الجنوب، وهذه الأنهار هي من الشرق للغرب: نهر كومويه ونهر بانداما، ونهر ساسندرا، وتيركالي الذي يقع على الحدود الغربية بين ساحل العاج وليبيريا. وُيعد نهر بانداما الذي يبلغ طوله 800 كم من أطول الأنهار في ساحل العاج. ولوجود الشلالات والمنحدرات لا تزيد المسافة الصالحة للملاحة في كل نهر على 65 كم. ، وهي أنهار متوسطة الطول جيدة الغزارة (200ـ450م3/ثا)، ونظام جريانها مداري في الشمال، ويتحول إلى استوائي منتظم الجريان والغزارة. يقع ساحل العاج في أحضان القاعدة الإفريقية المتبلورة المكونة من الغرانيت والديوريت والكوارتزيت والسينيت والشيست والصخور البركانية كالبازلت والغابرو وقليل من الصخور الرسوبية كالكلس والدولوميت والحجر الرملي، وفي الأودية النهرية تكثر اللحقيات الطينية الرملية والحصوية.
ليبريا :
وتكون الأرض في ليبريا من سهول ساحلية يتراوح عرضها ما بين عشرين إلى ثمانين كيلومتر ، يبلغ طول الشريط الساحلي 579 كيلومتر ، وتغطي غابات المانجروف أجزاء كبيرة من السهل الساحلي الضيق والمليء بالمستنقعات . ويلي السهل الساحلي من الشرق هضبة غير مستوية متوسطة الارتفاع،تتخللها بعض التلال ويزيد ارتفاعها عن 200مترفوق سطح البحر ، وتليها هضبة جبلية أعلى منها تتضمن جبالا ويزيد ارتفاع هذه الهضبة عن 400متر فوق سطح البحر . وتسود الغابات الدائمة الخضرة في المناطق المرتفعة من الهضبة، حيث توجد أشجار الماهوغني والأخشاب الصلبة. و في الوقت الذي تتجه فيه الأرض إلى الارتفاع كلما اتجهنا شرقا، فإنها تتجه أيضا إلى الارتفاع التدريجي نحو الشمال لكي تندمج في جبال فوتاجالون في غينيا كناكري. وتشق الهضبة الليبيرية عدة أنهار قصيرة تتجه نحو الساحل وتتناثر في السهل الساحلي المرتفعات الرملية المترسبة من الأنهار الكثيرة التي تصب في المحيط والتي يعد من أهمها من الجنوب إلى الشمال أنهار :كيفالا الذي يفصلها عن ساحل العاج ويعد أطول أنهارها و نون وسيستوس وسان جون وسان بول ولوفا وجبيا ومانو الفاصل بينها وبين سيراليون. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المروية 30 كيلومتر مربع. وتزرعها شركات أجنبية بالمطاط والبن والكاكاو ونخيل الزيت. ويلاحظ هنا بأن الأنهار قطعت الهضبة وجعلت السهول الساحلية تمتد على هيئة ألسنة بداخلها تنمو فيها أشجار المنجروف.
سيراليون :
تنتقل القناة بعد ذلك إلى سيراليون مع إنقاص الارتفاع عن سطح البحر تدريحيا إلى أقل من 400 متر الذي كانت عليه في ليبريا.
وتتكون الأرض في سيراليون من شريط ساحلي يبلغ طوله 402 كم، وتغطي المستنقعات معظمه وتمتد نحو 23 كم داخل السهل الساحلي وتصب فيه أنهار موا وسيوه وجونج وروكيل ونهران آخران و يتسع في شمال سيراليون ليبلغ عرضه 160، ويبدأ السهل الساحلي في الارتفاع التدريجي حتى يلتحم بالهضاب والجبال المنتشرة في شمال شرقي البلاد والتي تغطي أكثر من نصف مساحة سيراليون ، ويزيد ارتفاع الجبال في هذا الإقليم على 1800متر ، خاصة في المناطق المتاخمة للحدود الشرقية مع غينيا . تتميّز سيراليون بمناخ مداري ممطر. وتقتصر فترة الجفاف على شهري يناير وفبراير في المناطق الجنوبية، وعلى الفترة ما بين ديسمبر ومارس في المناطق الشمالية.
وتغطي أكثر من نصف مساحة سيراليون طبقة من الرمل الخشن توفر تربة جيدة لنمو الحشائش القصيرة وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية حوالي 300كم مربع تشكل حوالي 8 في المائة من مساحة سيراليون. ويصل معدل الأمطار على الساحل إلى 495 سم في السنة .

غينيا كوناكري :

يبلغ طول ساحلها على المحيط الأطلسي 310 كيلومتر وتصب فيه أنهاتنكيسو وكونكوري وكوجون وكلها قصيرة وتنبع من هضبة فوتاجالون. وتبلغ مساحة الأراضي المستغلة في الزراعة المروية حوالي 5 في المائة من مساحة الدولة وهو ما يعادل 950كم مربع طبقا لتقديرات 2003وتتراوح درجات الحرارة في غينيا السفلى على امتداد الساحل، مابين 23 و 29°م. وتحظى غينيا السفلى بحوالي 280سم من الأمطار كل عام. وتُعتبر منطقة فوتا جالون أبرد من الساحل وتتراوح كمية الأمطار بها مابين 150 و250سم سنويًا. سُجِّلت أيضًا اختلافات كبيرة في درجات الحرارة في غينيا العليا والمنطقة المرتفعة بالمقارنة بالمناطق الساحلية. تحصل منطقة غينيا العليا على كمية من الأمطار أقل من أي منطقة أخرى في البلاد.تتضمن مرتفعات غينيا أعلى قمة في البلاد وهي جبل نيمبا. الذي يرتفع 1,752م فوق مستوى سطح البحر. وينبع منها أنهار: النيجر والسنغال وجامبيا. وتنمو أشجار المانجروف في السهل الساحلي عند مصاب الأنهار .وتشمل الحياة الفطرية في غينيا حيوانات الظبي والجاموس والفيَلَة وفرس النهر والنمر الأرقط والأسود والقرود والثعابين السامة. يعمل حوالى 80% من شعب غينيا بالزراعة، حيث ينتجون الموز والمينهوت والبن والذرة والفول السوداني والأناناس والأرز والبطاطا الحلوة ومحاصيل أخرى. كما يشتغل المزارعون في السهول والمرتفعات بتربية الماشية. ويعمل بالتعدين والصناعة والبناء حوالى 10% من إجمالي العمال في غينيا. وتقوم المصانع بتصنيع منتجات الأغذية والغزل والنسيج. ويمثل خام البوكسيت والألومنيوم، الصادرات الرئيسية حيث يسهمان بأكثر من 95% من قيمة صادرات غينيا. كما تصدر غينيا أيضًا السلع الزراعية، مثل الموز والبن ومنتجات النخيل والأناناس. أما الواردات الرئيسية، فتشمل مواد البناء والغذاء والآلات ومنتجات النفط ومعدات النقل والسلع الاستهلاكية.

غينيا بيساو:
يبلغ طول شريطها الساحلي 350 كيلومتر والساحل منخفض تغطيه الغابات الاستوائية ويتجه إلى الارتفاع نحو الشرق. حيث ترتفع الأرض إلى أعلى مستوي في الشمال الشرقي فتصل فيه إلى 300 متر فوق سطح البحر. تغطي المروج والمراعي حوالي نصف مساحة الأرض بينما تكسو الغابات والأحراش حوالي ثلثها. وتهطل الأمطار الموسمية مصحوبة برياح جنوبية غربية ما بين شهري يونيو ونوفمبر وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المروية 250 كم مربع. وتخترق البلادَ العديدُ من الأنهار القصيرة.

غامبيا :
هي أصغر دول غرب أفريقيا وتحيطها السنغال من كل جانب، ويخترقها نهر غامبيا الذي يصب في المحيط الأطلسي وتم تحديد حدودها بحيث تمتد 10 كيلومترات على جانبي نهر غامبيا التي تكسوها الغابات . . أعرض نقطه في البلد لا تتعدى 48 كم, والمساحة الكلية للبلد 11,300 كم2. 1,300 كم2 من مساحة البلد مغطاة بالماء. تمتد أراضي غامبيا على هيئة لسان ارضي، نشأ بفعل فيضانات نهر غامبيا الذي يعبرها طولاً، يمتد هذا اللسان بطول 300كم، ولا يزيد أقصى عرض له عن 50كم.
ونهر غامبيا يمتد لمسافة قدرها 1,130 كم(700 ميل) من منبعة في هضبة فوتا جالون الواقعة في شمال غرب غينيا ,حتى يصب مجرى النهر في المحيط الاطلسي عند مدينة بانجول, عاصمة غامبيا.و من هضبة فوتا جالون يجري النهر شمالاً إلى محاقظة "تومباكوندا" السنغالية حيث تشق محمية نيوكولو كوبا الوطنية حتى تدخل المياه حدود غامبيا عند قرية صغيرة اسمها فاتوتو. من هذه النقطة, يسير النهر غرباً في شكل متعوج حتى يصب في المحيط الأطلسي ، وبعد حوالي 100 م يبدأ النهر في الاتساع, لتصل المسافة بين الضفتين إلى 10 كم. وتمتد المستنقعات التي تنتشر بها الشجيرات الاستوائية على طول ضفاف النهر بدءًا من الساحل باتجاه وسط غامبيا، وخلف هذه المستنقعات تقع مناطق تتصلب أراضيها في مواسم الجفاف، بينما تتحول إلى مستنقعات خلال موسم الأمطار. تتجمع المياه المالحة الناجمة عن المد والجزر بالقرب من الساحل، وتختلط مع المياه التي تحملها فيضانات نهر غامبيا، وتقضي هذه المياه المالحة التي يطلق عليها اسم بانتو فارو على التربة، وتمتد خلفها سهول رملية، على جانبي النهر باتجاه أراضي السنغال، وتغمر مياه النهر بعض المناطق الداخلية خلال موسم الأمطار والتي تستغل في زراعة الأرز. مناخ غامبيا مداري بصفة عامة، فهو حار رطب مطير من يونيو إلى نوفمبر، وبارد جاف من نوفمبر إلى مايو.
وتقطع القناة المزمع إقامتها نهر غامبيا عند أو قبيل دخوله أراضي غامبيا من السنغال.

السنغال :
تقع السنغال عند خط عرض 14 درجة شمال خط الاستواء وهي عبارة عن أرض سهلية في وسط البلاد وغربها على الساحل تتخللها بعض التلال والبحيرات وترتفع قليلا في الجنوب الشرقي ويبلغ أقصى ارتفاع للبلاد فيها حوالي 581 وتوجد بعض الجبال في المنتصف وفي الجنوب الشرقي مع حدود البلاد مع غينيا وفي الشرق في حدود البلاد مع دولة مالي، و يشكل نهر السنغال الحدود الشمالية للبلاد مع موريتانيا. من أهم أنهارها الأخرى نهر غامبيا السابق ذكره والذي تنتشر روافده في السنغال ونهر كازامانس إلى الجنوب منه بالإضافة إلى مجاري سيول تنقل الأمطار التي تسقط على المناطق الجبلية الشرقية نهر السنغال في الشمال على هيئة شبكة واسعة تتخلل بعضها بحيرات. وتبلغ مساحة السنغال 196190 كم2، 4190 كم2 منها ماء. كما يمتد ساحل السنغال لمسافة 499كم على طول المحيط الأطلسي. وهو ساحل تكثر فيه الشواطئ الرملية، في و ترتفع الكثبان الرملية في شماله. وتتساقط عليها الأمطار من قرب نهاية شهر مايو إلى أوائل شهر نوفمبر. و فصل جاف يمتد باقي شهور السنة. وتهطل أكبر كمية من الأمطار في إقليم كازامانس تتراوح بين 150، 180سم في السنة. وتقل كمية الأمطار تدريجيًا كلما اتجهنا نحو الشمال، حتى يصل المعدل السنوي للأمطار قرب نهر السنغال إلى أقل من 5
سم. أما درجات الحرارة، فالمتوسط السنوي قرب الساحل حوالي 22°م. ويزداد في الداخل إلى نحو 29°م. وتتعرض السنغال لفيضانات موسمية خلال موسم المطر كما قد تتعرض إلى الجفاف أيضا وشحة المطر في بعض السنوات.وتتكون المنتجات الزراعية في السنغال من : الفول السوداني، والدخن، والذرة، والذرة الرفيعة، والأرز، والقطن، والطماطم، والخضروات، والمواشي، والدواجن ، والأسماك.و توجـــد الغابات في جنوبي الســـنغال في منطــــقة كازامانس، وكلما اتجهنا نحو الشمال يقل الغطاء النباتي. وفي الجنوب الشرقي توجد في تلك الغابات بقايا نجد حيوانات بريةمثل التيتل والتماسيح والشمبانزي والأفيال التي توشك على الانقراض بسبب الصيد الجائر لها
موريتانيا :
يمتد ساحل موريتانيا على المحيط الأطلسي 754 كم وهي سواحل مستقيمة قليلة التعرجات . وتنقسم أراضي موريتانيا إلى قسمين : السهول الساحلية الصحراوية المطلة على المحيط والتي تتصل بها مستنقعات مالحة متصلة بالمحيط ، والهضبة شرقها التي تتخللها بعض النتوءات الصخرية أو التلال قليلة الارتفاع وتتراوح ارتفاعات الهضبة ما بين 200 إلى 400 متر فوق سطح البحر ويزداد الارتفاع فيها في اتجاه الشرق والجنوب الشرقي ،ويصل الارتفاع إلى 950 مترا في ولاية تيرس زمور وفي مرتفعات أشنف وفي ولاية تكانت.وتوجد أدنى الارتفاعات: تنحدِر في سِبخة ندرهمشا والتي تقع تحت مستوى سطح البحر بثلاثة أمتار.. ولا تستغل سوى 2 بالمائة من الأراضي الموريتانية في الزراعة وتتركز في الجنوب على شاطئ نهر السنغال. تعتبر أراضي هذه المنطقة من أخصب أراضى موريتانيا. ويوفِّر نهر السنغال، من الأراضي الموريتانيّة، واديَين، يَفيضان بالمياه، خلال موسِم المطر، وهما: الوادي الأبيض، والوادي الأخضر. ويمتد على الضفّة اليُمنى لنهر السنغال، سَهلٌ فَسيح، تغمره مياه الفيَضان، خلال فصل الصيف، وهو سهل شمامة، الذي يُعتبَر أكثر مناطق موريتانيا، خصوبةً، وقابليّةً للاستثمار الزراعي. وتنتشِر الواحات، في القسم الجنوبيّ، والغربيّ، من موريتانيا، وبخاصةً في سهل شمامة الخِصب. بينما تسيطر الصحاري الجرداء على باقي مساحة الدولة. و تسقط الأمطار بشكل غير منتظم وتصل إلى معدل سنوي قدره خمسمائة ملليمتر في السنة تقريبا ويزيد معدل المطر السنوي في الجنوب الشرقي ليصل إلى حوالي ستمائة ملليمتر في السنة. بينما يكون معدل المطر في الشمال ما بين300-400 ملم في السنة وهي عموما ذات مناخ مداري حار ممطر صيفاً دافئ جاف شتاء

الصحراء جنوب المغرب:

وتشمل إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب وتبلغ مساحتها 266000كم مربع وهي موضوع نزاع الصحراء الحالي بين المغرب وجبهة البوليزاريو، ومن المتوقع في حالة تنفيذ المشروع أن يتم وضع حد نهائي لهذا النزاع المستمر من عام 1975 حتى الآن وأن تقبل البوليزاريو العرض المغرب بتمتيع سكان المنطقة بحكم ذاتي.
كما تشمل أيضا الصحراء المغربية فيما بين شمال الساقية الحمراء ووادي الذهب وجنوب جبال الأطلس في اتجاه مدينة أغادير الساحلية كما تمتد شرقا في اتجاه إقليم تافيلالت جنوب شرق المغرب ، وهي إقليم جاف أجرد يغطيه الحصى و الرمال و الفتات الصخرية و الواحات المتناثرة ،و مناطق صحراوية جافة قليلة المطر ويعتمد السكان على مياه الآبار ورعي الإبل..ويتوقع أن تكون غنية بالثروات المعدنية والبترول والغاز.وتنتشر الحمادات فوق مساحة شاسعة في الصحراء المغربية.وهي عبارة عن هضاب صحراوية ذات ارتفاعات متوسطة وتتكون في معظمها من الإرسابات الكلسية ويعلو سطحها أحيانا الحصى والحجارة نتيجة عوامل التعرية التي أدت إلى تفكك الجزء الأعلى من طبقاتها الصخرية.وهي تشرف على السهول والمنخفضات المجاورة لها بواسطة حافات قوية الانحدار.ومن أهم الحمادات درعة والكعدة وكير وكمكم .أما السهول فتتميز تضاريسها بالانبساط وقلة الارتفاع,وتشمل السهول والمنخفضات والأحواض الصحراوية.ومن أهم السهول في الصحراء المغربية سهل الركيبات الذي يشغل مساحة شاسعة وهو عبارة عن سهل نحاتي تكون من صخور قديمة متحولة صلبة ومن الجرانيت.ولا يتجاوز ارتفاعه في الغالب 200 متر وتوجد في جهاته الشمالية والشمالية الشرقية نبوءات من الجرانيت وأعراف كوارتزية. وتقع السهول والمنخفضات في الغرب في الشريط الساحلي بين الحمادات شرقه والمحيط ،وفي الشمال بين الحمادات العرضية جنوبه وجبال الأطلس الصغير شماله..

الجزائـــر:
يبلغ عرض الصحراء الجزائرية التي ستمر فيها القناة حوالي 2400 كيلومتر منها 1644 كلم تقابل ساحلها على البحر الأبيض المتوسط وحوالي 800 كيلومتر حدودها مع جنوب المغرب وستأخذ القناة طريقها شرقا جنوب جبال الأطلس وشمال منخفض الجوف وفي اتجاه خط واحات الجزائر الصحراوية يما في ذلك منطقتي شط ملغير في الجزائر وشط الجريد بالجزائر لكي تزود مناطق التعمير الجديدة فيهما بالماء العذب للأغراض الصناعية والزراعية ، وهي المناطق التي سيتم فيها تنفيذ المشروع الخاص توصيل الشطوط بالبحر الأبيض المتوسط شرق تونس عند قابس.
وتقع الواحات في شمال الجنوب الجزائري في ورقلة ، غارداية ، بسكرة ، الوادي،بشار وادرار وحاسي مسعود وتتوفر على تروة مائية جوفية بالإضافة إلى البترول والغاز كما يتركز فيها انتاج التمور بأنواعها المختلفة.
تبلغ تساقطات الأمتار في الصحراء خلف الأطلس الصحراوي اقل من200مم في السنة

تونس:
تمر القناة جنوب شط الجريد وهي منطقة صحراوية توجد فيها واحات في مناطق تتوفر فيها المياه الجوفية والتي تتفجر أحيانا على هيئة ينابيع .والمناخ في هذه المنطقة حار وجاف في الصيف وبارد في و تقل فيه الأمطار عن 200 مم سنويا. وتنقسم منطقة جنوب تونس اداريا ولايات : قفصة، توزر، قبلي. تنقسم كل ولاية إلى معتمديات، وهي التي تنقسم بدورها إلى عمادات.

ليبيا:
يبلغ طول الساحل الليبي المطل على البحر الأبيض المتوسط 1,850 كيلومتر، تشكل الصحارى القسم الأكبر من الأراضي الليبية، والأراضي عبارة عن هضبة هي امتداد للهضبة الأفريقية، وعن سهل ساحلي يمتد على طول البحر المتوسط. فيها واحات كثيرة، وأهم جبالها الجبل الأخضر على المتوسط في الشمال الشرقي، جبل نفوسة في الشمال الغربي. تنحصر السهول بموازاة الساحل المتوسطي تضيق في الشرق وتتسع في الوسط. وهي قاحلة متموجه.و-يتأثر الشريط الساحلي من حيث المناخ بالمؤثرات المتوسطية السهول الشمالية المطلة على البحر المتوسط مناخها حار في الصيف، معتدل الحرارة وماطر في فصل الشتاء، وتصلح تلك المنطقة لزراعة القمح والذرة الشامية والأرز ونخيل البلح والزيتون والعنب والتين والموالح وجميع أنواع الخضروات إذا تحسنت طبيعة التربة .
مصر:
أهم معالم شمال الصحراء الغربية المصرية التي ستنتهي اليها القناة: واحة سيوة ومنخفض القطارة ويقعان تحت مستوى سطح البحر ، وكذلك الساحل الشمالي الممتد من غرب الإسكندرية حتى السلوم على الحدود المصرية الليبية وتنتشر فيه القرى السياحية كما يقوم البدو بزراعة أراضيه علي مياه المطر والمياه الجوفية وتعتبر مدينة مرسى مطروح أهم مدنه. ويحد من التوسع في التنمية والعمران جنوب مرسى مطروح وجود حقول ألغام متخلفة عن الحرب العالمية الثانية مازالت ألغامها حيه وقابلة للانفجار ولم يتم إزالة تلك الألغام بعد وقد شارك في غرس تلك الألغام الجيشان البريطاني والألماني اللذان تقاتلا في تلك المنطقة بما يعرف بموقعة العلمين.
ويكتسب الساحل الشمالي أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة للزراعة حيث يسمح مناخه المتوســـطي أ ي الحار جاف صيفا والدفيء ممطر شتاء. بزراعة القمح والذرة الشامية والأرز والبطاطس ونخيل البلح والزيتون والعنب والتين والمشمس والموالح وفي جنوبه بالإضافة إلى الموالح أشجار الرمان و الجوافة والمانجو من الأنواع التي تجود زراعتها في مصر .


تمويل المشروع:
يتم تمويل المشروع من:
- حصة من قبل جمعيات الحركة المجتمعية للتنمية الاقتصادية والإنسانية في شمال أفريقيا وبعد تأسيس منظمة إقليمية للشباب تقوم بالتنسيق بين تلك الجمعيات ، وتأسيس شركة قابضة لتنفيذ المشروع تتفرع منها شركات فلاحية (للزراعة والإنتاج الحيواني والصناعات الغذائية والريفية) وأخرى للإنشاءات المدنية والمواصلات والاتصالات والصناعة والتعدين .
- حصة من قبل حكومات الدول المعنية والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية والوطنية أو التابعة لدول صديقة على هيئة استثمار مباشر وليس قروضا.
- حصة من قبل شركات المقاولات التي ستقوم بتنفيذ المشروع مقابل الحصول على جزء من مستحقاتها وأسهم في رأسمال المشروع .
ويتم زيادة رأس مال الشركة القابضة سنويا من قبل المساهمين ، ولمدة 25 سنة متتالية بما تتطلبه مراحل التنفيذ أو رؤوس أموال الشركات المتفرعة من الشركة القابضة.

التنفيذ:
لا تتيح الأمطار الغزيرة على هضاب ساحل غرب أفريقيا الجنوبي تنفيذ أي إنشاءات مدنية خلاله ولذا سيتم العمل في حفر القناة بالهضبة وإقامة السدود على مجاري الأنهار في موسم الجفاف فقط ، بينما لا توجد أي عوائق مناخية في المناطق الصحراوية في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. وتوزع مقاطع تنفيذ القناة على شركات المقاولات المدنية بواقع 50 كيلومتر في هضاب الساحل الاستوائي و100 أو 150 كيلومتر في المناطق الصحراوية. ويتم فيما بعد توطين من يرغب من العمالة التي استعانت بها تلك الشركات في تنفيذ القناة والمنشئات الملحقة بها، بصرف النظر عن الجنسية التي ينتمون اليها.

المستوطنات الإنتاجية:
يتم تعمير الصحراء في موريتانيا والمغرب بإقامة مستوطنات سكنية على ضفة القناة الجنوبية تتكون من أسر أفريقية شابة مختلطة من شعوب شمال أفريقيا. ويتم في تلك المستوطنات تقديم حق الانتفاع بالأراضي الزراعية والمساكن باسم الزوجات ويتم تقسيم المستوطنة إلى أحياء سكنية يتم في كل حي سكني إسكان الزوجات في الأسر المختلطة من دولة عربية أو قبيلة أفريقية في حي واحد. فيجمع الحي السكني بين وحدة الزوجات وتنوع الأزواج بما يحقق الاختلاف ضمن الوحدة ويسهم في تحسين النسل وزيادة المناعة ضد الأمراض. ويتنوع سكان المستوطنة بين خريجين وبين حرفيين وصناع من مختلف المهن والحرف والصناعات.

وتتكون المستوطنة/القرية من 25 مجمع/حي سكني يحتوي كل مجمع على 50 مسكن تقطنها 50 أسرة ،.ويخصص لسكان كل مستوطنة 15.000فدان توزع على الأسر للزراعة المقيمة فيها بالإضافة إلى مباني الإدارة والخدمات (مدرسة – ناد- مكتبة عامة – ملاعب رياضية- محطة لتحويل وتوزيع الكهرباء ، محطة للمياه الصالحة للشرب – مستشفى- أسواق تجارية – ورش للصناعات اليدوية والحرفية – مطحنة للحبوب – دار للسينما والمسرح...الخ) كما يلحق بها 10.000فدان تستغل بواسطة الشركة المنفذة للمشروع أو يقام عليها مزرعة جماعية.

ويعهد بحفر القناة إلى شركات مقاولات وطنية أو تابعة للدول الصديقة المشاركة في رأسمال المشروع ، بحيث تقوم كل شركة مقاولات بحفر 100 كيلومتر وفق برامج زمنية محددة وتقوم باستعمال ناتج الحفر في أقامة جسر ترابي يستخدم كطريق بري أو مسار لسكك حديدية مستقبلا .يترتب على الحفر العميق في الصخور معرفة خصائص الأراضي الجيولوجية وإمكانيات صناعة التعدين فيها خاصة وأن هذه المنطقة تعد غنية بالثروات المعدنية وإن استنفدت الشركات الاستعمارية العديد منها إلا أنه مازال فيها بعض الخامات المعدنية التي يمكن الاستفادة منها في تحسين الأوضاع الاقتصادية وفي تحديد توجهات التنمية .و لن يقف المشروع لن عند حد الزراعة والإنتاج الحيواني وما تقوم عليهما من صناعات غذائية أو زراعية، وإنما سيتم من خلال تنفيذه بحث كل إمكانيات استغلال الثروات الطبيعية التي يمكن اكتشافها في موقعه وتسمح باستغلال اقتصادي لها، ويمكن الاستفادة منها في نهضة صناعية تزيد من حجم الناتج القومي لتلك الدول وتحسين ظروف معيشة سكانها.
وستوضح الدراسات مساحة الأراضي التي يمكن زراعتها والصناعات التي يمكن اقامتها ،وعدد المستوطنات وأجمالي عدد السكان بها عند بداية تنفيذ المشروع و بعد 25 عاما من بدء تنفيذه
فوزي منصور