Saturday, October 8, 2011

اﻹسلام وعلاقته بالحياة العامة والسياسة

المارقون عن الاسلام أو الكافرون به يريدون ابعاد اﻻسلام علن الحياة العامة لكي يمارسون فجورهم وفسوقهم في الدنيا دون رقيب عليهم أو حسيب ، ويطالبون بالفصل بين الدين والسياسة ليسﻷنهما مجالان تداولان مختلفان ولكن خوقا أن يحتكر المتدينون السلطة ومغانمها المادية والرمزية وحرمانهم منها..في نفس الوقت نجد من المؤمنين الذين ﻻيهتمون ﻻ بالسياسة وﻻ بمغانمها من يطالب بالتمييز بين مجالي الدين والسياسة حرصا على سلامة الدين وليس السياسة. فالسياسة يجب أن تلتزم بأحكام الدين طالما من يقومون عليها من المتدينين ولكن في نفس الوقت ﻻ يجب اتخاذ الدين مطية للحصول على منافعها الدنيوية سواء من قبل المسلمين أومن غيرهم.

سأحاول هنا بأيجاز قدر المستطاع أنه ﻻ يمكن فسل الدين عن حياة المجتمع المتدين. دين اﻷسلام هو كل ما اشتمل عليه القرآن الكريم الكتاب المنزل من رب العالمين ، ويضاف الهي ما ورد في السنة المطهرة توضيحا أو تفصيلا ﻷحكامه وخاصة المناسك من صلاة وصيام وزكاة وحج. وما وافق في السنة القولية والفعلية القرآن الكريم فهو من الدين ، وما لم يوافقه أو يزيد عليه أحكاما فهو ليس من الدين وهو أحاديث موضوعة ومكذوبة أو نالها تحريف ومردودة على أصحابها ، فالرسول من خلق الله ورسول خلت من قبله الرسل ، عاش مثلهم ومات مثلهم وﻻ يعقل أن ينسخ المخلوق حكما لخالقه أو يزايد عليه ويضيف لما حكم به أحكاما من قبله.

ماهو الدين الذي جاء به القرآن ، وما معني الدين؟ ..الدين هو المنهج الذي يتبعه الخلق في حياتهم على اﻷرض ويرضى عنه الله سبحانه وتعالي ، وقد تحدد المنهج بتعاليم وأحكام وقيم يلتزم بها الناس .ولم ترد اﻵخرة في القرآن الكريم اﻻ لتذكير الناس بأنهم سيثابون إن التزموا بهذا المنهج القويم والذي عبر عنه أيضا بالصراط المستقيم وأحسنوا في الدنيا وأنهم سيعاقبون في اﻵخرة إن ضلوا السبيل وأساءوا وظلموا عوض أن يلتزموا بالعدل واﻹحسان. وعندما نجد القرآن الكريم يحرم على اﻻنسان أكل الميتة ولحم الخنزير والدم والموؤدة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع منه ويحرم عليه شرب الخمر ، ونجده كذلك يحرم الربا والغش والتطفيف والغل وجعل المال دولة في يد أقلية في المجتمع دون باقيه ويحرم كنز الذهب والفضة ، ويحدد علاقة المرء بزوجه وبنيه وذوي رحمه وأقاربه وجيرانه وأهل مجتمعه وأمته ، وينظم الميراث وحقوق المرأة واليتامي والفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين وغيرهم...فكيف إذن يمكن القول بأن الاسلام يمكن عزله عن الحياة العامة وقد تدخل في كل جوانبها وشؤونها منظما لها لخير اﻻنسان ؟..وكيف يمكن عزل الدين عن مكارم اﻷخلاق التي يدعو اليها القرآن؟..بل إن القول بإن اﻹسلام هو دين العبادات وقصر تلك العبادات في المناسك رغم أنها في اﻷسلام تتجاوزها الى ماﻻ حد له وﻻ حصر من أفعال الخير التي تعد كلها من اﻹحسان ومن العبادات وكمال الدين ، أو حصر الشريعة في الحدود وهي تشمل كل مناحي الحياة الدنيا...هذه اﻷقوال فيها افتئات على الدين وكذب وافتراء عليه.بل سنجد أيضا أن المناسك جاء ذكرها محدودا وموجزا وترك تفصيلها للسنة النبوية واتخذت الألفاظ الدالة عليها مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج معان في اﻻستعمال القرأني لها تتجاوز معني المناسك فصارت الصلاة تشمل صلة الرحم وكل الصلات اﻻجتماعية واﻹحسان فيها ولهذا قلت بإن الصلاة الوسطي هي صلة الرحم اعتمادا على السياق الواردة فيه مخالفا بذلك كل ما قاله الفقهاء في شأنها على مدى أربعة عشر قرنا لأنه إذا فهم اللفظ على غير ما يقتضيه السياق حملت النصوص ما لا تحتمل من المعاني، ورتبت عليها النتائج الخاطئة، .وجاءت الزكاة أيضا بمعني تزكية النفس إذ قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وجاء الصيام بمعني الصيام عن الكلام عندما يكون الصرر منه أكثر من نفعه مثل قول مريم : إني نذرت للرحمن صوما أﻻ أكلم اليوم أنسيا، وجاء الحج بمعني يتجاوز الفريضة بشمل التوجه لله الدائم وذكره والتفكر في نعمه وآﻻئه وآياته.والعبادة في الدين ﻻ تنحصر في المناسك وإنما لها معني عاما كما يقول ابن تيمية، وهو معنى "جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة" لكنه ويقول أيضا إنما :الأصل في العبادات أن لا يشرع فيها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله . والدين بصفته منهاجا للحياة الدنيوية يشمل العبادات والعادات التي تتفق معها والتي يعبر عنها أيضا بالمعروف.
وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم"تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأَذى عنِ الطريق صدقة" وكل هذه الصدقات من العبادات وما يماثلها مما تقتضيه التقوى واﻹحسان منها أيضا ومجموعها من الدين وﻻ تنفصل عنه.ويقول العز بن عبد السلام : " مصالح الآخرة وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح. وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها، فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته" وهو يفصل بذلك بين ما هو ديني يقصد به اﻵخرة وبين ما هو دنيوي يحقق للناس مصالحهم في الدنيا،على أن يلتزم طلبهم للمصالح والمنفعة في الدنيا بما أمر به الدين أو ما نهي عنه، ويدخل في ذلك السياسة ، فهي عمل يتعلق بالناس بمصالح الناس في الدنيا وﻻ دخل للدين به اﻻ في عدم تعارضه مع اﻻيمان.وشمولية الدين اﻹسلامي ﻻ تمنع عزل السياسة عنه باعتبارها عمل بشري يخضع لما يبدعه العقل البشري وغير مستمد من القرآن أو السنة مع خضوعه ﻷحكامهما بعدم مخالفته لها. فثمة تمييز بينهما ﻻيمنع من وجود تواصل نسبي بحيث ﻻ يندمجان معا ،وﻻ يعني فصلا مطلقا للدين عن السياسة يجرد السياسة من اﻻلتزام بأحكام وقيم الدين.وإذ ينص الدين على الوفاء بالتعهدات المبرمة بين المسلمين وغيرهم ، فالتعهدات تدخل ضمن السياسة ولكنها هنا يقتصر الدين فيها على اﻹلتزام بحكمه.وتلتزم السياسة بقيم الدين اﻷخلاقية فلايجوز للسياسي الكذب والخداع وإخفاء الحقائق أو التجسس على المسلمين، وهي قيم قد تلتزم بها السياسة لغير المسلمين أيضا، وكم من وزير أجبر على اﻻستقالة أو أقيل ﻷنه كذب على الرأي العام وتمت اﻻطاحة بنيكسون فيما عرف بفضيحة ووتر جيت عندما ثبت تجسسه على خصومه السياسيين.
اﻹسلام هنا إذن يختلف عن كل اﻷديان اﻷخرى ، وﻻيمكن اخضاعه لما خضعت له ﻷنه ليس من جنسها .

نأتي للقول بالفصل بين الدين والسياسة والقول بالتمييز بينهما.
التمييز بين الدين والسياسة يعني أن يمارس المسلم المتدين الملتزم بدينه بين دينه وبين السياسة التي يمارسها، أي ﻻ يكون مسلما متدينا فيها وهو مستحيل عقلا وعمليا اﻻ أذا كان مصابا بازدواح الشخصية علما بأن مرض ازدواج الشخصية ذاته مرضا وهميا ﻻ وجود له.ولكن القول الصحيح هو التمييز بين المجالين فليس معني أن اﻹسلام ينظم كافة شئون الحياة والسياسة تدخل ضمنها أن يتم الخلط بين السياسة والدين فتطلب السياسة عن طريق الدين أو يطلب الدين عن طريق السياسة. ويأتي الخلط من عدم معرفة ما هي السياسة ، فالسياسة ليست مجرد انتخابات وصراع على مقاعد في البرلمان وإنما السياسة هي كيفية تدبير شئون الناس والقرأن كمستودع للدين يحدد قيما وأحكاما ويترك العمل بها ﻻ جتهاد المسلمين وقق احتياجات زمانهم وتطور مجتمعاتهم وتقدمها العلمي والحضاري. اﻻجتهاد البشري في تطبيق أحكام الدين لايمكن اعتباره من الدين وإنما كل ما يمكن قوله أنه ملتزم بالدين فقط. ﻻ يوجد في اﻷسلام نظاما اقتصاديا وكل ما فيه أحكام يجب أن يلتزم بها اﻻقتصاد مثل العدل واﻹحسان وعدم اﻻستغلال في التعامل بالربا وعدم التطفيف في الكيل والميزان أو الغش أو اﻻحتكار...الخ. يمكن لمسلم أن يستنبط نظرية اقتصادية تتفق مع اﻷصلام ويأتي من بعده من يطورها أو يعدلها لكي تتوافق مع تطور اﻻقتصاد أو الظروف الدولية التي تنظم التجارة وغيرها ﻷن دولة المسلمين ﻻ يمكنها أن تعيش في معزل عن سواها من الدول اﻷخرى..والسياسة أيضا تتعلق بنظام الحكم ومن ذلك أن يكون اﻷمر بين المسلمين شوري بينهم دون تحديد لكيفية أن تتم تلك الشورى وإنما تترك ﻻ جتهاد المسلمين وظروف زمانهم وقد يعتمدون الديموفراطية البرلمانية المعمول بها في الدول الغير مسلمة باعتبارها الوسيلة الممكنة لممارسة الشورى وقد يتم اختيار الديموقراطية التشاركية والتي صار التقدم في اﻹعلاميات يتيحها وإن لم تطبق بعد في دول العالم ولكن تتجه اليها المجتمعات بعد ثورة المعلوميات.

السياسة إذن علم من العلوم اﻹنسانية ، وهي تستحق أن يطلق عليها علم العلوم ﻷنها تعتمد على الكثير من العلوم مثل العلوم القانونية والجغرافيا والتاريخ وعلم اﻻجتماع وعلم اﻻقتصاد والعلوم العسكرية وخاصة في تحديد اﻷهداف اﻻستراتيجية للدولة والمجالات الجيوسياسية واﻻقتصادية لها باﻷضافة الى علوم مثل الفيزياء والكيميا والهندسة وغيرها التي يحتاجها التقدم في اﻻنتاج والتصنيع والزراعة باﻷضافة الى علوم التربية والصحة لتكوين مجتمع صحيح بدنيا وعفليا...هذه العلوم كلها لم يعد يعرف عنها شيئا الذين اقتصرت دراساتهم ومعرفتهم على علوم اللغة والفقه فهم غير مؤهلين لممارسة السياسة لمحدودية معارفهم وجهلهم لها وﻻ يكفي أيضا أن يكون طالب السياسة متدينا حتي يكون مؤهلا لممارستها..بل عندما نرى هؤﻻء الفقهاء وهم يتطلعون للسلطة ﻻ يعرفون ماذا يصنعون بها وتنحصر اهتماماتهم في ملابس النساء وفي جواز اﻻختلاط بهن من عدمه ، فأن هذه اﻻهتمامات والتي ﻻ يدخل ضمنها كيفية ادارة اقتصاد البلد للتخلص من الفقر والبطالة وتردي مستوى معيشة الجماهير وكيفية تحقيق العدالة واﻹحسان وفق أحكام الدين فإن ما يمكن قولهم
عنهم بأن وضعيتهم تستدعي الرثاء لهم وتجعل ممارستهم للسياسة باسم الدين فيه اضرار بسمعة الدين.
ويقول الدكتور سعد الدين العثماني في التمييز بين السياسة والدين :"إن تبني التمييز بين الدين والسياسة لا الفصل التام ولا الوصل إلى حد التماهي، هو الذي سيمنع من التنكر للإنجازات التي حققتها البشرية في مجال الفكر السياسي، ويمكن من الاستفادة من تطوراته، ويفسح المجال في نفس الوقت ليكون الدين معينا للقيم الأخلاقية والفكرية، بحيث يتم استصحاب هذه القيم في الممارسة السياسية استصحابا يثريها بالمعاني الإنسانية السامية، كما يمكن أن يبقى الدين -كما كان باستمرار طيلة تاريخنا القديم والحديث- محفزا للإصلاح السياسي، ومعالجة الظواهر السلبية في الحياة الإنسانية."

إن تموذج الحكم في السودان والذي يستمد مشروعية بقائه في السلطة من مقولة أنه يطبق شريعة اﻹسلام بمن فيه من عسكريين ومدنيين وبعد 21 عاما من الحكم لم يطبق شيئا من شريعة اﻹسلام وجمر اقتصاد البلد ووحدة ترابها وأشاع اﻻضطرابات المسلحة في كافبة ربوعها والحروب اﻷهلية التي ﻻ يفرغ من أحدها حتي يتورط في غيرها...هذا النموذج السيئ ،ناهيك عن نموذج طالبان السلفي المتخلف ، يكفي للمرء الحريص على سمعة دينة أن يرفض ممارسة السياسة باسم الدين ، وإن يطالب بالتمييز بينهما تمييزا ﻻ يعني الفصل التام بينهما الذي ﻻ يقبل اﻹسلام. وعلينا في نفس الوقت التمييز بين هؤىء الحريصين على دينهم بمن يقولون قوﻻ مشابها لقولهم ويصفون أنفسهم بالعلمانيين دون أدراك بأن العلمانية كما انتهت اليه في الغرب حاليا لم يتم فيها إنكار الدين بل ثمة دول أوروبية تعتمد العلمانية ومع ذلك تعبر عن هويتها بأنها كاثوليكية أو بروتوستانتية أو أنجيلكانية في دساتيرها، وﻻ يستطيع أحد أن ينكر دور الكنيسة الكاثوليكية في تخليص بولندا من الشيوغية وتغيير نظامها السياس عندما ساندت نقابة التضامن وليس فاليسيا. وأن العلمانية هي في واقعها الحالي علمانيات وليست كلها متطابقة في مفهومها.ولقد كان السائد في شروط انتخاب رئيس للوﻻيات المتحدة أن يكون أبيضا وأنجلوسكسوني وبروتوستانتي وهي الشروط التي تعبر عنها كلمة واسب والتي هي الحروف اﻷولي من تلك الشروط ولم يستثن من تلك الشروط في تاريخها سوى بول كيندي الذي كان كاثوليكيا ولعل ذلك كان من دواعي اغتياله وباراك أوباما أول ملون يحكم الوﻻيات المتحدة وﻻ ينتمي للأنجلو سكسون ،وهو بروتوستانتي الديانة ، وقد يكون آخر آخر رئيس ملون أيضا.والهوس الديني لدى جورج بوش اﻷبن ﻻيحتاج الى دليل.
ويعادي الدين أيضا بعض من يسمون أنفسهم بالليبراليين وهم يجهلون ما هي الليبرالية وﻻ يفرقون بين السياسية منها واﻻقتصادية وﻻ يمكن القول بأنهما يتعارضان مع اﻷصلام كليا . ومنهم من يعتبر نفسه حداثيا واﻹسلام ﻻيمنع أي مجتمع بأن يقوم بتحديث نفسه وصنع حداثته وفقا لقيمه ..وهؤﻻء الدين يطلقون على أنفسهم تلك اﻷوصاف مع جهلهم بمعاني المصطلحات وأنها تتغير من مجتمع الى أخر فيما تدل عليه ومن زمن الى ﻵخر ومن سياق استعملت فيه ، ويعلم الله أنهم من المارقين عن دينه المعادين له عداوة أشد من عداوة غير المنتسبين للأسلام وأنهم أنما يغطون ذلك بما يدعونه ويضللون به الناس .
فوزي منصور

No comments: