Friday, March 7, 2014

الدجالون


عرف تاريخ العالم العديد من الدجالين ، وفي أسطورة المسيخ الدجال ، التي يؤمن بها اليهود، وانتقلت الى المسلمين ، وتوجد أحاديث نبوية تذكره أشك في صحتها وأظنها من الاسرائيليات ، تقول الأسطورة أنه في آخر الزمان يظهر في بلاد الغرب رجل كذوب يدعي أنه المسيح قد عاد إلى الأرض ، والغرب هنا يقصد به غرب العالم القديم وينطبق على أسبانيا وفرنسا والمغرب الأقصى، ويأـي هذا الرجل بعجائب تشبه ما كان يأتي به المسيح في حياته من شفاء المرضي وقيل إحياء الموتي أيضا ، فيفتتن به الناس ويتبعه خلق كثير يقودهم نحو الشرق حيث يلتقي فيه بالمسيح الحقيقي وتدور بينهما معركة في موقع بالقرب من أورشليم إسمه أرمجدون ،وينتصر في المعركة المسيح الحقيقي وأتباعه على الدجال وأتباعه ويتوج ملكا على العالم

ويقولون بأن المسيخ الدجال سيولد في فلسطين من إمرأة فلسطينية إسمها مريم مثلما ولد المسيح الحقيقي من قبل من السيدة مريم العذراء ، ولكي يتحكم اليهود في القضاء والقدر،حسب نهجهم وتفكيرهم ، فإنهم يخطقون كل مولود لفلسطينة إسمها مريم وينقلونه الى دولة في الغرب ، ويعهدون به إلى أسرة يهودية تربيه دون أن تعلمه شيئا من الدين ، وتعلمه فقط بعض الحيل السحرية وتسخير الجن فيها، ويراقبونه فإذا ظهرت له خواص غير عادية تبنوه، وإن كبر ولم يظهر عليه شيء غير عادي ، تخلت عنه الأسرة اليهودية التي ربته وتركته يد=بر أمور معيشته بنفسه. وقد قابلت رجلا في المغرب ينطبق عليه ما سبق، وأخبرتني سيدة أنها في شبابها التقت بشاب في فرنسا يعمل في السكك الحديدية مثله وعرض عليها الزواج ولم تهتم به حين أخبرها بأنه لادين له ولو أنه تربي في أسرة يهودية صارحته بأنه اختطف بعد ولادته من فلسطين وتم إيهام أمه بأنه مات حين ولادته.

ما يهمنا هنا هو إمكانية ظهور دجالين يتبعهم خلق كثير بعد أن يتمكنون من خداعهم .ومنهم من له شهرة عريضة مثل راسبوتين في روسيا ومن ادعى كل منهم بأنه المهدي المنتظر وتسبب في سفك دماء مئات الآلاف من المسلمين في عالمنا العربي ومنهم من تمكن من إقامة إمبراطورية مترامية الأطراف بعد أن هدم مدائن عامرة وأغرق بلاده في بحور الدم مثل بن تومرت مؤسس دولة الموحدين الذي هدم مدينتي أغمات ودخل بجنوده مراكش فأباد سكانها بعد أن استعصت عليه زمنا وحاصر مدينة مكناس وعندما قرر سكانها التسليم له أباحها لجنودة ينهبونها، واستعان أحد خلفائه بجيش من المرتزقة الأوروبين هاجم به مدينة تمبكتو شمال مالي الحالية فقتلوا رجال الدين المسلمين وعلقوهم على أبواب المساجد وأحرقوا مكتباتها، وجعلوا الأفارقة يكرهون الدين الإسلامي بعد أ، كانوا يقبقلون عليه يعد أن شاهدوا ما يفعله المسلمون في المسلمين مثلهم من فظائع ، رغم أن القتلة لم يكونوا من المسلمين.
ومع أن بن تومرت كان سفاحا ودجالا، نجد شوارع ومؤسسات تحمل اليوم إسمه بينما قبر يوسف بن تاشفين ، الحاكم الزاهد الورع، والذي أسس قبله دولة المرابطين لا يكاد أحد يعرف القبر المدفون به والمهمل عمدا في مدينة مراكش بالمغرب.

وإذا كان أكثر الدجالين يستخدمون الدين طلبا للسلطة والسيادة والثروة فقد شاهدنا فى زماننا دجالين يتخذون من قيم ومبادئ السياسة وغيرها وسيلة لهم لاستقطاب الأتباع وتحقيق هوى النفس ويتمكنون من خداع ملايين البشر ، ويستغلون جهلهم للتمكن من إغوائهم وخداعهم وتسخيرهم في خدمة أهدافهم ، والتي لاتختلف عن أهداف دجالي الدين ، أي السلطة والنفوذ والثروة.

وقد يكون من أهم الأسئلة التي تقرض نفسها في زماننا هو سؤال : كيف نحمي الشعوب من الدجالين؟...قد تكون الإجابة سهلة بأن حمايتهم لا تتحقق بغير تمكينهم من المعارف الصحيحة والعلمية التي يسهل إثبات صحتها والبرهنة على تلك الصحة، إلا أن الصعب هو كيف يمكن أن يتحقق ذلك عمليا؟..وقد يقول قائل : إن تحقق ذلك يقتضي إصلاح وتطويو مناهج وأساليب التعليم، وهو محق في ذلك، ولكن كيف يتحقق ذلك؟ومن الذي سيعهد إليهم بإصلاح التعليم وفي ظل أي نظام حكم ؟..لقد اطلعت في مصر على منهج أحد العلوم ووجدته قد تطور كثيرا بالمقارنة بما درسته منه قبل حوالي ستين عاما، ولكنني شككت في أن يكون قد تم تطوير المدرس الذي سيدره بحيث يسهل عليه تعليمه لتلاميذه. وتداعي في هذا الشأن ما قرأته عن تجربة دولة فنلندا حين قررت تطوير مناهج التعليم فيها وأخضعت المدرسين لديها لدورة تكوين بحيث تمكنهم من تدريس العلوم الحديثة وكل الظروف تؤكد صعوبة تحقيق مثل ذلك في مصر، إن لم نقل استحالة ذلك ، إن ظلت الأمور على ماهي عليه حاليا

قبل عدة أعوام ، دعوت شعوب دول شمال أفريقيا لتحقيق ما سميته وقتها : الحركة المجتمعية للتنمية، وكنت وقتها استبعد تماما قيام ثورات أو انتفاضات تغير الأوضاع القائمة، وأرها مستحيلة في ظل تحكم الاستبداد والفساد في الدول ، واخلال موازين القوى، وأنه في حالىة قيام تلك الثورات أو الانتفاضات التي أستبعد قيامها ، فلن يتحقق التغيير المنشود.وسافرت الى السودان قرب نهاية عام 2010 وتصادف أن التقيت بثلة من أساتذة الجامعات المهتمين بالسياسة في أم درمان ،وعرضت عليهم الفكرة ، فلم يأخذوا عليها إلا أنها ستتطلب أكثر من عشرين عاما حتي تتمكن من تحقيق التغيير المنشود ، وهم يتطلعون إلى تغيير فوري، وقلت لهم وقتها مثلا إنجليزيا ترجمته:أن يأتي الشيء متأخرا خير من أن لايأتي أبدا ولأن الإنسان خلق عجولا ، فلم يتحمسوا لتحقيق الفكرة ، ولم يبذلوا بعد ذلك أي جهد من أجلها.
وقامت ثورات في تونس ومصر وليبيا، وتابعتها، وظننت أنني كنت مخظئا عندما استبعدت احتمال قيامها، وهرب من تونس إلى السعودية رئيسها بن علي وترك السلطة في مصر محمد جسني مبارك وذهب وقتها الى قصره في شرم الشيخ قرب الحدود مع اسرائيل ، وقتل في ليبيا بعد ذلك معمر القذافي ، إلا أن حكم البلاد في الدول الثلاثة تمكن منه دجالون من جميع الأنواع ، ولم يتحقق للشعوب الثلاثة ما كانت تأمله من الثورة حتى اليوم. وظل السودان الذي انقسم الى دولتين فاشلتين، على حاله، إن لم أكن في حال أسوء مما كان عليه، ولم يتغير شيء في المغرب أو الجزائر، ونفس الشيء في دول جنوب الصحراء الكبرى.

لقد قلت حين اندلعت تلك الثورات إنه لن يتحقق منها شيء ما لم تمتلك تلك الثورات نظاما أفضل من النظام القائم ونقافة مغايرة له، ولقد استطاعت الأنظمة أن تحافظ على نفسها وأن تظل الثقافة السائدة على ماهي عليه ، ولذلك لم يحدث التأخير المنشود.

No comments: