Monday, August 11, 2008

الدين والزواج


الديـــــــــــن والــــــــزواج
(دراسة مقارنة لعلاقة الدين بالزواج في الإسلام والمسيحية واليهودية)
ما هو الدين؟
الدين هو منهاج حياة وضعه الله للإنسان لتنظيم علاقته بخالقه وبمحلوقاته ، وأول هذه المخلوقات شركائه في المجتمع الإنساني الذي تربطه بهم صلات رحم ممتدة في المكان وفي الزمان بلانهاية .وإذا كنا نؤمن بأن الخالق هو واحد أحد ، فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له في ملكه شريك أحد، وبالتالي لا خالق سواه، ووجوده أزلي ولا بـد أن يكون ســابق لوجود مخلوقاته. فإن الدين الذي وضعه للإنسـان لابـد أن يكون واحدا لا يتغير ولا يتبدل من قبله ، وإن تغير أو تبدل أو تعدد ، لا يكون ذلك من فعل صاحب الدين وإنما من فعل من وضع لهم الدين ، فلم يحفظوا حرمته وتلاعبوا به. ويكون تعدد الأنبياء والرسل وما أنزل اليهم من كتب ، لم يأتوا لينشئوا أديانا جديدة ،ولكن لإعادة الناس إلى دين الله كلما إنحرفوا عنه بإعادة إقامته على أصوله الأولي ، مع حضهم على الاستقامة عليه كما جاء من عند الله ، دون تحريف أو تشويه أو تأويل له لكي يتلاءم مع أهوائهم أو ما تسوله لهم أنفسهم.
ويكون تبعا لما سبق، أول من جاء بالدين من عند الله ، هو أول الأنبياء والمرسلين ، أي آدم عليه السلام ، ولم تكن مهمته قاصرة على نقل الدين لسكان الأرض، وإنما تحويلهم قبل أن يعلمهم الدين من بشرية عجماء بكماء يتخبطون بها في ظلمات الجهالة ،قاصرة فيها عقولهم وألسنتهم وأيديهم ، إلى إنسانية عاقلة مفكرة مميزة عالمة حاملة للأمانة ، وأيد ماهرة زارعة صانعة ، قادرة على تعمير الأرض وجلب الخيرات منها والاستفادة بها . ويكون بمقدورها أيضا فهم الدين وتعلمه وتعليمه والالتزام والتعبد به. وقد جاء آدم إلي الأرض بعد أزمنة عاشت فيها البشرية ، تفسـد فيها وتسفك الدماء بجهالة ، ولذا عندما خلق الله آدم على هيئة أهل الأرض ، وإن اختلف عنهم في صفاته ، وأنبأ الله الملائكة بأنه جاعله في الأرض خليفه ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ، أجابهم الله إني أعلم ما لا تعلمون ، وعلم الله آدم الأسماء كلها ، وهيئه لحمل رسالة الدين، إذ بالعلم والتقوى لن يكون في الأرض فسـادا أو سفكا للدماء إلا من غلبت عليه شقوته، ولم يرع دينه ، وخرج عليه ، وعصـي الله ، ولقد كان أول من فعل ذلك المنكر أحد ابني آدم ، الذي قتل أخوه ، وكان هو وأخوه أبناء لبنات الناس اللآتى تزوجهن آدم قبل أن يلتقي بحواء وينجب أول أبنائه منها شيت، والذي أنجب بدوره إدريس ،ومنه تسلسلت الأنبياء والمرسلين حتى نوح ومن بعده إبراهيم ومن إبراهيم خرج فرعان: فرع إسحاق الذي جاء منه أنبياء بني إسرائيل، وفرع إسماعيل الذي جاء منه محمد بن عبد الله أخر المرسلين .
ولقد جاء الإسلام متفقا مع ما سبق بيانه ، ومتسقا معه، عندما تحدد الإيمان فيه بأنه إيمان بالله وحده لا شريك له ،وبملائكته الذين نقلوا الدين مرارا وتكرارا من الخالق إلى من اصطفي من الناس ليكونوا أنبياء ورسل يجددون لهم ما درس من الدين ، أو يذكرونهم بما نسـوه أو يتناسونه منه ، وإيمان بهؤلاء الأنبياء والرسل جميعا، من آدم حتى عيسى و محمد ، دون تفرقة بينهم بأنهم كانوا يبلغون كلمات الله إلى الناس الذي تأتي به الملائكة إليهم ، لكي يعيدونهم إلى دينهم الأول الذي لا يتغير أو يتبدل،إلا بما غيره أو بدله الناس فيه. ويكتمل الإيمان هذا بالأيمان باليوم الآخر والقضاء خيره وشره. ويكون بذلك ما أتي به نوح وإبراهيم وموسي وعيس ومحمد وكافة النبيين والمرسلين من علمنا منهم ومن لم نعلم ، لم يأت أي منهم بدين غير الذي جاء به أبوهم وأبو الإنسانية آدم عليه السلام ، إلا من أية في الكتب القديمة، نسخها الله في القرآن وجاء بمثلها أو بأحسن منها ، رحمة منه بعباده ، ولكي يرفع عنهم الإصر والمشقة.
وعندما يقول القرآن بأن إبراهيم لم يكن يهوديا أو نصـرانيا ، فهذا ما يتفق مع العقل والمنطق والتاريخ ، حيث لم تظهر اليهودية إلا من بعد موسي ،ولا المسيحية إلا من بعد المسيح عيسى بن مريم ، بل يمكن القول أيضا إن موسي لم يكن يهوديا ،ولا عيسـى كان نصـرانيا، وأن عيسـى المسيح ،لم يكن مسيحيا ،وإنما بشهادة أتباعه اليوم : كان محسـوبا ضمن اليهود. بينما لا ينطبق ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم ،الذي كان أول المسلمين. فالديانة اليهودية يحكمها التلمود وشروحه ونصوص كتبت بعد موسي بقرون ، وتخص أناس جاءوا بعده وتم ضمها إلى التوراة، التي لم تعد قاصرة على الأسفار المحسـوبة على زمن موسي مثل التكوين والتثنية والخروج والعدد، وإنما أضيف إليها الكثير غيرها بعد موسي بعدة قرون. وعيسي المسيح لم يكن مسيحيا أو نصرانيا ولم يبن له كنيسـة ، ويقيم له أكليروس وكهنة ورهبانا ، وإنما الذي نظر للمسيحية والكنائس ووضع لها تعاليمها وما تسميه بأسرارها،التي سارت عليها بعد ذلك هو بولس ،الذي لم يشاهد المسيح قط ،ولم يكن من تلاميذه . وكان يهوديا قبل أن يتحول للدعوة للمسيحية، يدعى شاؤول وهو من سمي نفسـه بولس .وكان معاديا لأتباع المسيح، و قد ساهم في السطو على الكنائس و في اتهام أتباع المسيح بالزندقة و تعذيبهم و سجنهم. (أعمال الرسل 8/3 ). و لكن حسب قوله سمع صوتا في البرية يدعوه ليكون أحد رسل المسيحية فقام برحلة طويلة يبشـر فيهـا بالمسيحية كرسول للمسيح،استمرت 21 عاما وشملت آسيا الصغرى وكيليكية واليونان، وأسس خلالها عدة كنائس وكتب رسائله الشهيرة إلى أهل غلاطية وكورنثوس. وعاد إلى أورشليم سنة 58. نقم عليه اليهود واتهموه بمخالفة الشرع، فاعتقل ثم نقل إلى قيصرية، مركز القيادة الرومانية في فلسطين، ثم أرسل إلى قيصر روما حيث أقام في السجن سنتين كتب فيهما أربع رسائل. أطلق سراحه فاتجه شرقاً وأسس كنيسة في كريت. وعاد إلى روما سنة 67 فاعتقل وأعدم. و كان أول من قال بألوهية المسيح وأنه مرسل منه ،خلافا لما كان عليه والموحدون ثم الأريسيـون(.أريوس ،256-336 ،كان البابا أرشيلاوس قد رسمه كاهناً وسلمه كنيسة بوكاليا ، وهى كنيسة الإسكندرية الرئيسية فى ذلك الوقت , مما أعطاه شهرة وجمع الأتباع بما لديه من موهبة الوعظ والخطابة . وكان يقول ،على نحو ما جاء في الملل والنحل للشهرستاني:، إن الله واحد، سماه: آبا، وأن المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاصطفاء؛ وهو مخلوق قبل خلق العالم، وهو خالق الأشياء. وزعم: أن لله تعالى روحاً مخلوقة أكبر من سائر الأرواح، يقصـد الروح القدس،وأنها واسطة بين الآب والابن، تؤدي عملية الوحي. وزعم أن المسيح ابتدأ: جوهراً، لطيفاً، روحانياً، خالصاً، غير مركب، ولا ممزوج بشـيء من الطبائع الأربع؛ وإنما تدرع بالطبائع الأربع عند الاتحاد بالجسـم المأخوذ من مريم. وهذا آريوس تبرءوا منه؛ لمخالفتخ إياهم في المذهب. “وكانت فكرة الثالوث المقدس قد خرجت من الاسكندرية التي كان أريوس في خدمة كنيستها ، متأثرة، على ما يبدو بفكرة الثالوث المقدس عند الفراعنه المكون من أوزيريس وايزيس وحورس . كما يقال بأن آريوس استوحي أفكاره من الفيلسوف السكندرى “أفلوطين “فى نظريته عن “النوس “أو مركز الكلمة المتوسط بين الإله أو " الواحد" وبين العالم .٫وكان الثالوث مكونا من الله /الأب ،والروح القدس/ملاك الوحي ،والابن / متلقي الوحي ، دون أن يعني ذلك بأن الروح القدس والمسيح شركاء في ألوهية الله الواحد ،ولكن وسطاء بينه وبين الخلق. وكتب أبياتاً شعرية تحمل أفكاره في كتاب معروف بإسم " تاليا" ووقّعها على الآلآت الموسيقية وعلمها للشعب،والنتهي في تعاليمه الى اخضاع الابن للآب, وهذا يعني ان الوهية الابن ليسـت حقيقية ولا كاملة. ذلك انه اذا كان اآب الها كاملا, فلا يمكن الابن ان يكون كذلك وفسـرأريوس مقولة للمسيح :”خلقني السيد الرب في بدء طرقه لاحقق أعماله “، بأن هذه الاية تقول ان يسـوع هو كلمة الله المخلوقة ،وهذه الكلمة (خلقني) تبطل كليا الوهية الابن . فليس هو الا كائنا مخلوقا، قد يكون له امتيازات، لكن حتما هو ادنى من الله .ولا يحق لنا عبادته. وهذا ما جعله يوصف من أعدائه فيما بعد الذين أصروا على ألوهية المسيح بالمهرطق. وانتشرت عقيدة أريوس في حياته ومن بعد موته ،في مصر والشرق الأدني واليمن وشهدت مدا وجزرا ، الى أن غلب عليها خصـومها ، وطاردوا أتباعها وفتنوهم وشردوهم ولحقهم منهم أذي شديد ، وهو ما عبر عنه الرسول في رسالته الى هرقل بعبارة:” فعليك إثم الأريسيين “، وفهمها المؤرخون العرب بمعني الفلاحين ، وهو فهم صحيح أيضـا فقد اعتاد الرومان وشعوب الشرق الأدني وحتي زمن الأتراك العثمانيين ،كلما أرادوا تحقير المصـريين أن يصفونهم بالفلاحين ، إذ اعتبروا أن الرعاة الذين يخرج منهم الفرسان والمحاربون أسمي درجة من الفلاحين المسالمين المرتبطين بأرضهم. وانتهي الأريوسيون بسبب ما لحقهم من اضطهاد وتقتيل ،أو بسبب دخولهم إلى الإسلام ،ولم يعد يتبعهم أحد ، اويظهر لهم أثر منذ ظهور الإسلام ،في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي. وربما كان منهم رهبان وقساوسة اليمن الذين وردوا على النبي صلي الله عليه وسلم واستمعوا إلى القرأن منه ، وسالت دموعهم من مآقيهم ،وربما كان منهم النجاشي أيضا ملك الحبشة".
وأول بولس كلمات وردت في أناجيل الحواريين علي غير مفهومها . فالمسيح كان يخاطب الله في صلواته بقوله أبانا الذي في السموات و لا يعني بها أنه ابن الله وحده ، وإنما أن جميع المؤمنين أبناء الله ، من حيث رعايته وتربيته لهم رعاية الأب لأبنائه ، ومنع ختان الذكور ،لا استنادا على قول من المسيح ، وإنما لكي يتميز أصحاب الدين الجديد عن اليهودي . وبينما كان الحواريون أصحاب الأناجيل ينقلون عن المسيح الحث على الزواج والنسـل ، كان بولس يدعو أكثر إلى الرهبنة ،ويحط من شأن الزواج حتي يضمن رهبانا متفرغين لخدمة الكنيسـة ،وأسفار العهد القديم تذم عدم الزواج في سفر القضاة 11: 38؛ اشعياء 4 :1 و ارميا 16: 9، و مع ذلك فإن بولس جعلها مقبولة في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس 7: 7-8، 24-40 . ولما كانت التوراة تقر بتعدد الزوجات ، منع هوالتعدد ،لأنه كما للمسيح كنيسـة واحدة ، فلا يجب أن يكون للمسيحي سوى إمرأة واحدة .وربط بين حب الرجل لامرأته بحب المسيح لكنيسته، رغم أنه لم يكن للمسيح في حياته كنيسـة ، وإنما هو الذي أقام كهنوت الكنيسة ، ونظم إكليروسها ولاهوتها، . لتقابل الكنيسـة "كنيس" اليهود . و روج للصلب مقترنا بفكرة الخلاص ، أي أنه هو في الحقيقة من وضع أسس المسيحية الحالية بتفرعاتها ، خاصة الأورثوذوكسية والكاثوليكية ، مما يجعلها صناعة بشرية أكثر منها إلاهية أو سماوية ، وإن توسلت بماجاء في أسفار العهد القديم والأناجيل على نحو انتقائي يأخذ ما يتفق معها وينبذ ما يخالفها.
واتبعه رجال الدين المسيحيينممن للحفاظ على مكانتهم الدينية والمكانة التي أضفاه بولس عليهم وعلى كنائسهم ، واعتبروا رسائله إنجيلا مثل أناجيل الحواريين ، وقديسا سموه بالرسول. وإن خالف كلام المسيح ، بحثوا له عن تأويل يموه على الاختلاف. ولأنه صار قديسـا فإن أحدا لا يمكنه أن ينقد كلامه ومواقفه. ويتم غالبا الاستشهاد في كل ما يتعلق المسيحية بما ورد في رسائله أو ما ينتقونه من العهد القديم أكثر مما قال به المسيح نفسـه، ونقله عنه حواريوه .
وأحكام الزواج والطلاق مستمده كلها من تعاليم بولس ، وتم تأويل كلمات المسيح القليلة بأكثر مما تحتمله لكي تتفق مع ما ذهب إليه بولس. وفي الحقيقة لم تؤثر كلمات للمسيح عن الزواج سوى حواره مع الفريسيين عندما أرادوا أن يختبرونه : فَسَأَلُوهُ: ' هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لأَيِّ سَبَبٍ؟ ' فَأَجَابَهُـم قَائِلاً: ' أَلَـم قْرَأُوا أَن الْخَالِـق جَعَلَ الإِنْسَانَ مُنْذُ الْبَدْءِ ذَكَراً وَأُنثى، وَقَالَ: لِذَلـك يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَتَّحدُ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصــر الاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً؟ فَلَيْسَا فِي مَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَلاَ يُفَرِّقَنَّ الإِنْسَانُ مَا قَدْ قَرَنَهُ اللهُ »
فَسَأَلُوهُ: « فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى بِأَنْ تُعْطَى الزَّوْجَةُ وَثِيقَةَ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟ »
أَجَابَ: « بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ، سَمَحَ لَكُمْ مُوسَى بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتِكُمْ. وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا مُنْذُ الْبَدْءِ. وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِن الَّذِي يُطَلِّلـق زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، وَيَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهَا، فَإِنَّـه يَرْتَكِبُ الزِّنَى. »
وإذ ابتدع بولس الأسرار التي تختص بها الكنيسة ، أضافت الكنائس اليها “ سر الزيحوت “في القرون الوسطي، أي بعد أكثر من ألف وخمسمائة عام اكتشفت الكنيسـة أن للزيجوت سـر يخصها. والذي يمكن بإضافته إلى الأسرار السابقة إلى الكنيسة ، ربط المسيحي بها جول حياته،عند الزواج مثلما تم ربطه عند ولادته بسـر" التعميد" أو القربان ،وعند مرضه أووفاته بسـر" المسـح" وفيما بين الولادة والوفاة بأسرار الاعتراف والتناول والميرون..ألى جانب سر الكهنوت.ويفسـرون الأسرار تلك بأنها :"نوال نعمة غير منظورة بواسطة مادة منظورة" وذلك بفعل روح الله القدوس الذي حل بمواهبه على التلاميذ القديسين ورسل السيد المسيح الأطهار، وبحسب ما أسسه السيد المسيح نفسه ،وسلَّمه للرسل الأطهار، وهم بدورهم سلَّموه للكهنة بوضع اليد الرسولية. (1كو23:11). وإذا كان المسيح هو من أعطي الرسل الأسرار ، قمن أعطاه ما يتعلق بسـر الزيجوت بعد زمان الرسل بألف وخمسمائة عام ، وهل نسي أن يعطيه للرسل قديما؟. وبمقتضي سر" الزيجوت" الجديد لا يكون الزواج دينيا ومباركا من الرب ما لم يتم في الكنيسة، وعلى يد قسيس منها، وهذا يطرح التساؤل ضمنا عن وضع الزيجات المسيحية التي تمت قبل ذلك ، وخلال قرابة ألف وخمسمائة عام ، هل لم تكن دينية أو مباركة من الرب ، لأنها لم تتم في الكنيسـة وعلى يد قساوستها؟، وهل كان الناس منذ عهد أدم في حالة زواج غير شرعي ، بما فيهم الأنبياء والرسل ،لأنهم لم يتزوجوا في الكنيسة.؟
بالطبع، ليس الغرض هنا التعرض لصحة الأديان، أو القدح فيها، وإنما كما افترضنا في أن الأديان كلها واحده ، فإنها لابد أن تكون معالجتها لمسـائل الأسرة والزواج والطلاق وما يتصـل بذلك من حقوق وواجبات الزوجين واحده ، ولا يجوز لها أن تختلف في ذلك ، وعندما يحدث اختلاف بينها ، وجب علينا البحث عن سببه وعن مصـدره وتبيان أي دين أقرب ما يكون إلى الدين الواحد ، قبل أن تتعدد الأديان. خاصة أن الزواج سابق لجميع الأديان، الحالية، حيث كان أول زواج هوعندما خلق الله حواء لتكون عونا لآدم وزوجة له.كما ورد في التوراة ذاتها.
وما يتطلب التأمل والتفكير هون أنه عندما جاء المسيح إلى أورشليم واستقبله أهلها يحملون سعف النخيل مرحبين به وملتمسين منه البركة وقالوا له : إهدنا يا معلم ، أجابهم :أنا لم أرسل أو لم أبعث إليكم وإنما أرسلت أو بعثت لكي أهدي خراف بني إسرائيل الضالة. ويستفاد من هذا ثلاثة أمور، أولها:أنه إقرار منه بأنه رسول وهناك بالتالي من أرسله ، وليس إلها. والثاني أنه لم يرسل إلي العالمين ، وإنما رسالته قاصرة على بني إسرائيل وحدهم ، ولم يأت إليهم بدين جديد وإنما يعيدهم إلى الطريق المستقيم الذي ضلوا عنه. وثالثها أن أهل أورشليم من الفلسطينيين والكنعانيين وغيرهم كانوا ما زالوا على دين الحق ، ومستقيمين عليه ، بينما الانحراف عن الدين لحق بني إسرائيل وحدهم من سكان أورشليم زمن المسيح. إذ لا يعقل أن يكون عيسى إلها أو نبيا ويطلب منه قوم ضالون أن يهديهم أو ويعظهم ويعلمهم أمور دينهم، ويمتنع عن ذلك . كما أن اليهودية لم تكن قاصرة على أورشليم وإنما كانت قد انتشرت منذ زمن سليمان في اليمن والحبشة ومناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية و في شمال أفريقيا أيضا خاصة في المغرب الأقصى ، ولو كان اليهود في كل مكان قد فسدت ديانتهم ، وكان المسيح إلها أو نبيا ويعلم أن نهايته في أورشليم ستكون الصلب ،لطاف في تلك البلاد التي تهودت قبل أن يذهب ويهدي خراف بني إسرائيل الضالة في أورشليم.
أي دين كان قبل موسي وعيسي ؟:
وإذا كان سكان أورشليم زمن المسيح على الدين الصحيح، دون أن يكونوا يهودا ، فأي ديانة صحيحة كانوا عليها إذن؟.
القرآن يقول لنا إن الدين عند الله الإسلام ، وأن إبراهيم عليه السلام هو الذي سماكم : مسلمون ،
إذن من اتبعوا محمد في الدين الذي جاء به والذي حمل اسم الإسلام إنما اتبعوا نفس الدين ألذي كان عليه إبراهيم . ولما كان ما جاء به محمد في مجال التشريع هو بذاته تقريبا ما جاء به موسي فيما عدا تعديلات بسيطة ، فهذا يعني أيضـا أن الديانة التي جاء بها موسي ليست ألا صورة من ديانة إبراهيم. ولا يمكن لإبراهيم أن يكون قد جاء بغير ما جاء به آدم ، إذن كان في الأرض ديانة كان عليها نوح وإبراهيم من بعد آدم غير اليهودية والنصرانية.ويعزز ذلك أن زوجة فرعون موسـى كانت مؤمنة.
ونجد القرآن وهو يتحدث عن اليهود والنصارى ، وهما الديانتان المشهورتان في المنطقة يضم إليهما ديانة اسمها الصـابئة، لم يكن يعرف العرب عنها شيئا . فلقد كانت اليهودية قد انتشرت انتشارا واسعا في الجزيرة العربية وفي شرق وشمال أفريقيا ، ثم جاءت بعدها المسيحية فحلت محلها في اليمن والحبشة ومصر والشام ، وفيما عدا مجوسية الفرس ، لم تكن ديانات أخرى في أقاليم أخرى من العالم معروفة .. ولكننا سنجد أن نفرا قليلا عندما بلغتهم جيوش الفتح العربي في العراق ، ولم يكونوا هودا أو نصــارى أو مجوسا ، وخافوا أن يعاملهم العرب معاملة الكفار والمشركين، عصموا أنفسهم من العرب بالقول إنهم من بقايا الصابئة ، وقد يكونوا من الصادقين لم يكن بمقدور العرب رفض ما يدعونه وهم لا يعرفون شيئا عن تلك الصابئة .وكل ما يعرفونه عنها ، أن لها وجودا ما، لأنها ذكرت في القرآن. أي أنهم قبلوا مقولة هؤلاء الناس رغم شكهم في صدقيتها .وصابئة العراق هؤلاء، مازالوا حتي اليوم على ديانتهم تلك، ويطلقون على أنفسهم اسم: الصابئة المندائية. وهم يقولون بأن ديانتهم ترجع إلى سيدنا أدم .وأن لديهم كتاب مقدس أنزل عليه. وحيث ليس بإمكاننا أيضا تصديق أو تكذيب روايتهم ، فبإمكاننا افتراض صدقها، حينها تكون الديانة التي سادت المنطقة قبل اليهودية ، وخاصة في مصـر الفرغونية وبابل العراق وإلى ماوراء القوقاز،كان اسمها : الصابئة.
وتدعو المندائية للإيمان بالله و وحدانيته و يسمى لديها بالحي العظيم أو الحي الأزلي حيث جاء في كتاب المندائيين المقدس” كنزا ربا “أن الحي العظيم أنبعث من ذاته، و بأمره و كلمته تكونت جميع المخلوقات و الملائكة التي تمجده و تسبحه في عالمها النوراني .و بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال ،عارفين بتعاليم الدين المندائي . و قد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.والكتاب المقدس لديهم”كنزا ربـا” والذي يعني إسمه: الكنز العظيم يجمع في اعتقادهم صحف آدم وشيت وسام .ويقع في 600 صفحة. وينقسـم إلى قسمين :القسم الأول: ويتضمن سفر التكوين وتعاليم "الحي العظيم" والصراع الدائر بين الخير والشـر والنور والظلام وكذلك هبوط "النفس" في جسد آدم ،ويتضمن كذلك تسبيحا للخالق وأحكام فقهية ودينية.
القسم الثاني: ويتناول قضايا "النفس" وما يلحقها من عقاب وثواب.ولديهم كتب أخرى منها:كتاب (القلستا): وهو تراتيل طقوس الزواج عندهم.وكتاب (النياني): وهو كتاب الصـلاة والأدعية عندهم. .وأركان دينهم هي التوحيد والصلاة والصيام والصدقات وفق عقيدتهم ويمارسون الوضوء قبل الصلاة مثل المسلمين تقريبا. ويعتبرون أن أنبياءهم هم :آدم ، شيت بن آدم (شيتل) ، سام بن نوح ، يحيى بن زكريا (يهيا يوهنا)بالاضافة إلي ابراهيم الخليل عليه السلام.ومن المحرمات عندهم :التجديف باسم الخالق (الكفر) ،عدم أداء الفروض الدينية القتل والزنا والسرقة والكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل وعبادة الشهوات والشعوذة والسحر وشرب الخمر والتعامل بالربا والبكاء على الميت ولبس السواد وتلويث الطبيعة والأنهار وأكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس والطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا)والانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض والرهبنة والزواج غير الصابئة وهم لايختتنون.واختلافاتها إذن عن الدين الخاتم ليست جوهرية. وربما كانت إرادة الله ألا يتحول أهلها إلى الإسلام لكي تكون شاهدة على وحدة الدين الأزلية التي أشرت إليها.
مـــــا هو الزواج؟
الزواج هو اتفاق ذكر وأنثي بالغين على العيش معا تحت سقف واحد بموجب عقد معلن، و مقبول به من قبل المجتمع، ومكتمل شروطه وتتحدد به حقوق وواجبات الطرفين كل قبل الآخر.
وإذا نظرنا في اليهودية والمسيحية والإسلام، وفي الأديان التي تعد أديانا غير سماوية سنجد أن ثمة إجماع على شروط محددة يجب أن تتوفر في عقد الزواج ليكون ساري المفعول ،ومعترف بصحته من قبل المجتمع.وهذه الشروط هي كالتالي :
موافقة الطرفين على الزواج أو ما يعبر عنه بوجود إيجاب ( أي عرض من المرأة الراغبة في الزواج ) وقبول (من قبل الرجل الراغب في زواجها) ، وأن تكون هذه الموافقة غير مشوبة بأي عيب يشوب حرية إرادة أي منهما. وبأن يكون كل منهما خال من الموانع الشرعية للزواج ، ويشترط بالنسبة للقاصر موافقة ولي أمرها في الإسلام والمسيحية واليهودية.
سداد مهر مدفوع نقدا أو عينا بأكمله ويمكن أن يكون مدفوع منه جزء معجل والباقي مؤجل لأقرب الأجلين ، وفي بعض المعتقدات والتقاليد تدفع المرأة المهر وفي معتقدات وتقاليد أخرى منها الإسلام واليهودية يدفع الرجل المهر لمن يريدها زوجته؟"وفي المسيحية لا تولي الكنائس للمهر أو ما يسمونه "الدوطة " أهمية وبالتالي لا يعد سداده شرطا لإتمام العقد.
وجود شاهدين حاضرين على الأقل وقت ابرام العقد
إشهار الزواج والذي يتخذ صورا شتى تتيح لأكبر عدد ممكن من الناس أن يعلموا بإتمام الزواج.
ويضاف إلى هذه الشروط شرطا خامسـا لدي بعض المجتمعات هو أن يتم عقد الزواج بواسطة رجل دين لكي يكون زواجا مباركا متفق مع الالتزام الديني . كما تشترط قوانين معظم الدول لكي تعترف بعقد الزواج رسميا أن يكون مقيدا في السجلات الرسمية.وإلا أعتبر الزواج غير معترف به منها ، ولايترتب عليه أية آثار قانونية و بمثابة معاشرة غير شرعية .
والواجب في الإسلام أن يتم عقد الزواج باسم الله وأن يتم الإيجاب والقبول مقترنا بالقول على كتاب الله وسنة رسوله. ومع وجوب ذلك إلا أنه لا يعد شرطا واقفا، تتوقف عليه صحة انعقاد الزواج إذ عندما تتوفر الشروط الأربع، ويتم العقد بين ذكر وأنثى مؤمنين في الإسلام ،و لم يذكرا أنهما تزوجا على كتاب الله وسنة رسوله سهوا منهما او جهلا، فإن ذلك لا يمنع من أن زواجهما يظل خاضعا للكتاب والسنة لخضوع طرفيه أصلا إليهما.
والواجب أيضا في عقد الزواج، والذي يعد بدوره ضروريا ولازما ،ولكنه لا يعد شرطا لصحة ووإثبات ونفاذ العقد إن تعذر تنفيذه، هو أن يثبت العقد وشهادة الشهود عليه بالكتابة . وحيث لا يضار كاتب ولا شهيد. وعقد الزواج هو أولي العقود بالكتابة من عقود البيوع والديون وغيرها.
وقد ذهبت بعض الدول في شططها من مجرد عدم الاعتراف بعقد الزواج مالم يكن مقيدا في سجلاتها، فأبت الاعتراف بعقود زواج مسجلة في دول أخرى حتى لو كانت دولا مسلمة. ومن ذلك الحالة التي أثارتها الصحف المصرية في منتصف مارس ٢٠٠٨ عن سيدة سعودية تزوجت مصريا بعقد موثق خارج السعودية ، فرفضت السلطات السعودية الاعتراف بالعقد والاعتراف بشرعية الأولاد الناجمين عن هذه الزيجة ، واعتبرتهم أولاد زنا ، وذلك لأنها منعت زواج السعوديات من أجانب ، وهكذا تكون السعودية قد وضعت قوانينها الوضعية ، أو مقرراتها العرفية، فوق الشريعة الإسلامية التي تقول بأن نظامها قائم عليها . بل وسنجد العديد من الدول المسلمة تبرر رفضها لعقود الزواج المسجلة في الدول الغير مسلمة بدعوى أنه زواج مدني وليس زواج ديني معترف به شرعيا
ولكأن الزواج لكي يكون متفقا مع الدين يجب أن يكون مثبتا في سجلاتها هي دون غيرها.فمن هذه الدول واحدة أصدرت مدونة للأحوال الشخصية ، وحتي لا يحتج الزوجان عند الخلاف أمامها بأنهما تزوجا وفق الشريعة الإسلامية وليس وفق مدونتها، أوعزت لمن يقومون بإبرام عقود وتسجيل عقود الزواج أن يقتصر دورهم علىطلب توقيع العروسين والشهود في سجلاتهم ، وأن لا يذكروا في الشهادة المسلمة للزوجين بأن الزواج تم على كتاب الله وسنة رسوله . أي لم يعد ثمة فرق بين الزواج المسجل في السجلات المدنية بأوروبا والزواج المسجل لديها، والذي يعد مدنيا مثله ،وليس زواجا دينيا على النحو المتعارف عليه . ومع ذلك تصـر محاكمها على رفض الاعتراف بالزواج المسجل مدنيا في أوروبا، واعتباره كان لم يكن ، ولا تترتب عليه قيام زوجية أو أية آثار أخرى.
وبعض الدول العربية التي لم تتجرأ على إصدار قوانين تمنع رحالها ونسائها من الزواج بأجنبيات وأجانب ، حتي لا تشوه صورتها بالخارج ،وتبدو ضد حقوق الإنسـان، ولو أن بعضها تجرأ على ذلك، عمدت إلى وضع قيود وشروط تعسفية وإجراءات معقدة بهدف منع الزواج المختلط بشكل غير مباشر أو الحد منه ، رغم أنه في صالحها ، وصالح مواطنيها، وربما النساء خصوصا، ولا يلحق بها أدني ضرر، ولا يوجد دافع مشروع أو مقبول إنسانيا لها في هذا المسلك التعسفي، غير أنه التعصـب الأعمى والعنصـرية المقيتة وجهالة نخبها البيروقراطية والسياسية الحاكمة ، وافتقارها إلى الوازع الديني والأخلاقي والحس الإنساني ومراعاة مصالح شعوبها.
ولعل من أهم إيجابيات الزواج المختلط المشهود بها ، هي قدرته على تحسين الصفات الوراثية لذي النسل المنحدر منه، فهو لا يضيف فقط صفات إلى الصفات الموجودة ، وإنما يفجر صفات كامنة ومتنحية ولم تظهر ربما من عقود داخل أسرتي الزوجين ، رغم إيجابيتها ، مثل طول القامة ، فتعود بعد غياب بقوة. وهذا نشاهده في المجتمع الأمريكي القائم على اختلاط الدماء والأعراق من جميع دول العالم والذي تحسنت فيه الصفات الوراثية لدي السكان من المهاجرين إليه القدامى والجدد ، وفي دول أخرى جاء إليها مهاجرون من مختلف بقاع العالم، ناهيك عن إثراء الثقافة والعادات والسلوكيات المحلية بمزجها بغيرهاوافدة عليها قد تكون أحسن منها.
علاقة الدين بالزواج:
الزواج في الإسلام آية من أيات الله سبحانه وتعالي ، ال تعالي : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"( الروم:21) ونعمة أيضا من نعماءه على عباده سبحانه وتعالي: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل٧٢)فالزوجة نعمة من نعم الله تعالي بالنسبة للرجل ، والزوج نفس الشيء بالنسبة للمرأة.
وتعده المسيحية أيضــا نعمة من نعم الله فقد خلق الله حواء لكي تؤنس أدم ولا يكون وحيدا ولكي تكون عونا له في حياته :«لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18) وكل منهما يكمل الأخر فيكونان بالزواج كيانا واحدا متكاملا :”لِذٰلِكَ يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحداً» (تكوين 2: 24)ولايجوز طلاقها إلا أن زنت وفي الكاثوليكية لا تطلق حتي وإن زنت :”«كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ ٱمْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَكُلُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ مِنْ رَجُلٍ يَزْنِي» (لوقا 16: 18). ولو أن ذلك يفترض ألا ينطبق إلا على الطلاق بدون سبب المنطوي على ظلم ولكن قامت الكنيسة بتعميمه مما يعد تطرفا وتشددا منها في الفهم والتأويل.
وفي اليهودية قضاء وقدر وأن المولود عند ولادته يكتب له من سيكون زوجه في مستقبل أيامه فقد ورد في المشنة أنه (قبل ميلاد الطفل بأربعين يوماً يعلن في السماء أنه سيتزوج بنت فلان).والمرأة ليست دائما نعمة ، فإن كانت فأنعم بها ، وإن لم تكن وجب طلاقها :”إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ ٱمْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ...الخ» (تثنية 24: 1) والمرأة عندهم لاهي أية من آيات الله كما في الإسلام /ولاهي نعمة من نعمه ، بل هي شر وأمر من الموت ،حيث ورد في التوراة: “درت أنا وقلبي لا علم ولا بحث ولا طلب حكمة وعقلاً ،و لا عرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها إشراك، ويداها قيود .”يقول غوستاف لوبون عن الزواج عند اليهود : إن الزواج في اليهودية صفقة شراء تعد المرأة به مملوكة تشترى من أبيها فيكون زوجها سيدها المطلق فقد اعتبروا المرأة المتزوجة كالقاصر والصبي والمجنون، لا يجوز لها البيع ولا الشراء .و كل ما تملكه المرأة هو ملك لزوجها وليس لها سوى ما فرض لها في مؤخر الصداق في عقد النكاح تطالب به بعد موته، أو عند الطلاق منه ، وعلى هذا فكل ما دخلت به من مال، وكل ما تلتقطه وتكسبه من سعي، وكل ما يهدى إليها في عرسها ملك حلال لزوجها يتصرف فيه كيف شاء بدون معارض ولا منازع .ومع ذلك الزواج مطلوب عندهم بشدة وهم يرون أن من يبلغ العشرين ولم يتزوج فقد استحق اللعنة.وقد ورد في المادة 16 من مجموعةا بن شمعون أن الزواج فرض على كل إسرائيلي، وقد ورد في المشنة بالزواج المبكر : زوج أولادك ولو كانت يديك لا تزال على رقبتهم “
وفي الإسلام والمسيحية يعتبر عقد الزواج بمثابة ميثاق بين الله والزوجين ـ عبر عنه القرأن بأنه ميثاق غليظ قال تعالي : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلاتأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الى بعض وأخذا منكم ميثاقا غليظا (النساء٢١) وفي المسيحية نفس الشيئ ، يقول/اللاهوتي إميل برونر : “ الزواج يتم عندما يعترف الطرفان بالترتيب الإلهي لشريعة الزواج كرباط مقدس، وإقرار الطرفين بأنهما مرتبطان بهذا الرباط.”، ويتأسس الزواج في الإسلام على المودة والرحمة والرفق ، وتركز المسيحية على المحبة بين الزوجين . وكثيرا ما يتم الاستشهاد بتلك الكلمات التي وردت في نشيد الأناشيد :”أنا لحبيبي وأَشْواقُه إليَّ ، هلُمَّ يا حبيبي ، لِنَخرُجْ إلى الحقول ولنبِت في القرى ، فلنُبكِر إلى الكروم وننظُرَ هل أَفَرخَ الكرم وهل تفتحت زهوره وهل نَوَّرَ الرُمان ، وهناك اَبذُلُ لَكَ حبُيِّ … اجعلني كخاتمٍ على قلبك ، كخاتمٍ على ذراعِكَ ، فإن الحب قويٌ كالموت والهوى قاسٍ كمثوى الأموات ، سهامه سهام نار ولهيبُ الرب المياه الغزيرةُ لا تستطيعُ أن تُطفِئَ الحب والأنهارُ لا تغمُرُه ، وَلَو بذل الإنسانُ كلَ مالِ بيته في سبيل الحب لاحتُقِرَ احتقاراً … "( نشيد الأناشيد 7/11 – 13، 8/6 – 7 ) ، وأيضا بأن الله محبة ،وكل بيت للزوجية يجب أن يتأسس على المحية لكي يدوم.
ويحض الدين المؤمنين على الزواج والتكاثر عن طريقه لحفظ النسل ، وتعاقب الأجيال ،ونجد هذا في الإسلام والمسيحية واليهودية :
ففي الإسلام ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على الزواج من أجل النسل قوله : “تناكحوا وتناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”. وقال تعالي:والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (النحل٧٢)وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء"
وفي المسيحية بارك الله البشر «وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ» (تكوين 1: 28) . «هُوَذَا ٱلْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ» (مزامير 127 : 3 و5).
وتعتبر أي علاقة بين ذكر وأنثى تستجيب للغريزة الشبقية خارج نطاق الزواج علاقة غير شرعية ، ومدانة ، ومعاقب عليها من الله ، ومن سلطات الأرض المنفذة لأحكام الله إن ثبت اقترافها من قبل ذكر وأنثى على مشهد من أناس لا يقلون علن أربعة في الدين الإسلامي.
وينظم كل دين علاقة الرجل والمرأة خلال الحياة الزوجية ، وغالبا ما يحمل الزوج مسؤولية الإنفاق على الأسرة باعتباره رب الأسرة ورأسها والقوام عليها ، ولأن الدين حمله ذلك ، يطلب من الزوجة طاعته والخضوع إليه ، ويطالب الزوجين بأن يحب كل منهما الأخر، وأن يخلص له. وهذا موجود في الإسلام والمسيحية واليهودية . ولو أن النظرة إلى المرأة وقيمتها تتفاوت ، وهي عموما تبدو من خلال النصوص الدينية بأنها أفضل في الإسلام عنها في المسيحية ، وفي المسيحية عنها في اليهودية .
ومع ذلك فإن مكانة المرأة واحترامها ، ودورها في مجتمعها ، غالبا ما تحدده العادات والتقاليد في مجتمعها أكثر من الدين ، بل إن ما جاء في التوراة بالنسبة للمرأة ، والذي جعلها بمثابة الجارية القابلة للبيع وزوجها هو سيدها ، كان تعبيرا عن وضع المرأة في مجتمعات بني إسرائيل عندما كتبوا التوراة ، ومن المستحيل أن نتخيل أن أكثر اليهود تمسكا بدينهم يعامل امرأته اليوم على النحو الوارد في التوراة وإنما هو مضطر أن يماشي العصر. أو أن اليهودي المعاصر يستغل الحق الدي أعطته نصوص ديانته في تعدد الزوجات بغير حدود ، ولو أن بعض اليهود جمع بين أكثر من زوجة في اسرائيل، ولكن السائد فيا يسمونه بالمجتمعات اليهودية في الدياسبورا هو الالتزام بزوجة واحدة والذي تقضي به القوانين في الدول المسيحية المقيم فيها اليهود. وقد منعت المسيحية الزواج بأكثر من زوجة واحدة ، بينما أجاز الإسلام التعدد بحد أقصى أربعة زوجات وفي ذات الوقت انحاز لتفضيل الزوجة الواحدة وعدم التعدد لغير ضرورة. والزواج في الأدبان الثلاثة هو زواج دائم أبدي ، وفي الإسلام والمسيحية قإن الزوجان التقيان في الدنيا يجمع الله بينهما في الجنة أيضـا، وبالتالي فإن الزواج يتجاوز الحياة والموت في أبديته .قال تعالي : " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " (الرعد ٢٣).
وصرح مذهب الشيعة بزواج مؤقت محدد المدة يعرف بزواج المتعـــة يعد استثناء من مبدأ أبدية الزواج..
كما تمنع الأديان زواج الرجل بامرأة على غير دينه ، أو المرأة برجل من غير دينها ، بينما يصــرح الإسلام بزواج الرجل المسلم بالكتابية فقط ، أي بالمسيحية واليهودية ، ويمنع المرأة المسلمة من الزواج بغير المسلم ، وإن تزوجت بغير المسلم فلا يحق لها أن تسمح له بأن يعاشرها معاشرة الأزواج حتى يؤمن بدينها ويلتزم بأحكامه ، أي حتى يصير مسلما. .
وتحرم الأديان الزواج من الأصول والفروع وبعض ذوى القربي ، وتتفق في تحديد بعضهم وتختلف في البعض الأخر.
سنلاحظ هنا أيضـا بأن الزواج كما هو متعارف عليه منذ آلاف السنين ، وشروط صحة عقد الزواج ،موجود لدي جميع شعوب العالم في القارات الخمس ، ولكن في بعض المناطق التي عاشت منعزلة عن الحضارات القديمة ، مثل سكان جزر المحيط الهندي ، وجزيرة غينيا بابوا الأصليين ، وجدت لديهم تقاليد شاذة ، وأيضا بعض الجيوب المنعزلة في جبال الهيملايا ، مثل التبت ، وبعض المجتمعات التي اختل التوازن بين الذكور والإناث ، عرفت أنواع شاذة من الزواج ـ تعدد فيها أزواج المرأة الواحدة ، أو كانت تتم فيها العلاقات الزوجية ضمن مجموعة صغيرة ، أو أسرة واحدة في الغالب بنوع من المشاع.
تحدد الأديان أيضـأ حقوق الزوجين ، كل قبل الآخر، خلال قيام الزوجية أو انقضائها بالوفاة أو فسخ عقد الزواج (الطلاق) ، وقواعد الميراث ، وحضانة الأولاد في حالة الطلاق ، وغير ذلك.
تحظر الديانات المسيحية الطلاق وتمنعه منعا باتا ، وإن تفاوت موقفها منه مؤخرا ، بين المنع التام والترخيص بشروط ، بينما أجاز الإسلام الطلاق والتطليق عند استحالة العشرة الزوجية ، وعدلت بعض الدول الإسلامية قوانين الأحوال الشخصية بحيث جعلت الطلاق لا يتم إلا بتصريح من القاضي، بغرض الحد منه، وهو ما خلق حالات شاذة لطلاق يعتبر واقع شرعا وغير معترف به قانونا لعدم موافقة القاضي المسبقة عليه. ولم تنقص حالات الطلاق وإنما زاد معدلها ، حسب الإحصاءات.
بالطبع لا يمكن الإحاطة هنا بالتشريعات الدينية المقارنة حول الزواج وتدخل كل دين لتنظيمه ولكن يكتفي بالأمثلة السابقة لبيان أن الدين له هيمنة على الحياة الزوجية في جميع المجتمعات ، وهو غالبا ما يسعي لتقديم صورة مثالية إلى حد كبير للحياة الزوجية ، ليس من الصعب أن تلتزم بها الأسر الناتجة عن الزواج ، ولكن الواقع يوضح أن عوامل أخرى قد يكون تأثيرها أقوي من تأثير الدين ، بمعني أن الصورة المثالية لا تتحقق في العديد من المجتمعات أو الأسر بسببها. دون أن يقدح ذلك في التزامها بدينها على نحو عام.
زواج المسلمة بمن على غير دينها:
منع الإسلام المسلمة من الزواج بمن ليس على دينها ولو كان كتابيا. قال تعالي :" ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولوأعجبتكم ، ولاتنكحوا(الخطاب هنا للنساء) المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم" (البقرة ٢٢١)
وظهرت نسـاء من الحركات النسـوانية المعاصرة يطالبن باسم المسـاواة بين الذكور والإناث ، بحق المرأة المسلمة بأن تتزوج بالكتابي لكي تتساوى في هذا الحق مع الرجال المسلمين ألذين أعطاهم الدين الإسلامي هذا الحق. ولم تنتبه تلك النسـوة ،اللائي تحركهن وتنفق على أنشطتهن دول مسيحية /يهودية ، بأن الكنائس المسيحية في الشرق والغرب تمنع زواج المسيحية من غير المسيحي ، ولا تعترف به. وتمنع المسيحي أيضـا منالزواج ممن ليست على دينه. ونفس الشيء تقريبا عند اليهود.حيث تعتبر اليهودية غير اليهودي وثني، ومن أجل ذلك فهي لا تجيز زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهودي, وفي المسيحية نجد في رسالة كورنثوس الثانية 14:6 ،15 قائلاً: "لا تدخلوا مع غير المؤمنين تحت نير واحد. فأي إرتباط بين البر والإثم؟ وأية شركة بين النور والظلام؟ وأي تحالف للمسيح مع إبليس؟ وأي نصيب للمؤمن مع الغير المؤمن؟”
فالإسلام لم يبتدع بدعه غير موجوده في الأديان السابقة عليه عندما حرم على المرأة المسلمة أن ينكحها زوج غير المسلم حتي يسلم.
وقد أفتي حسـن الترابي في السـودان بصحة زواج المسلمة بغير المسلم ، وهي فتوى صحيحة نسبيا شكلا، وتعد قاصرة وغير كاملة موضوعا. و غلبت فيها ثقافته القانونية على ثقافته الشرعية ، أو مكره السياسي، ومحاولة الظهور بمظهر المدافع عن حقوق النسـاء والظهور بمظهر المصلح الديني أمام القوي الغربيـــــة ليضمن عدم عرقلتها مشروعاته السياسية. وقد سبق لي أن وصفته قبل أكثر من عشـرسنوات بأنه أحسـن عالم بالشريعة،ولايظهر حسن فقهه إلا عندما يكون سجينا، وأسوء سياسي عندما يكون طليقا حرا. فقوله صحيح تماما بالنسبة لصحة عقد زواج المسلمة سواء من كتابي أو غير كتابي. وصحة عقد زواج المسلم أيضا ممن ليست على دينة حتى ولو لم تكن كتابية. فعقد الزواج منذ الأزل ، وفي جميع المجتمعات الإنسانية ، لا تتوقف صحته على ديانة أطرافه إن اتفقت أو اختلفت ، أو كان زواجهم متفقا مع أحكام دينهم أو مخالفا لها. فطالما عقد الزواج قد اكتملت اشتراطات صحته السابق ذكرها من ايجاب وقبول لبالغين وشهود وصداق مدفوع وإشهار، فهو صحيح حكما ،ولا يحق الطعن في صحته. والدين الإسلامي لم يمنع زواج المسلمة من كتابي ، وإنما حرم على الزوجة المسلمة أن تمكن زوج غير مسلم منها ،ولو أن عقد زواجها منه كان صحيحا، لأنه غير كفء لها في إيمانها ، ولأسباب أخرى.وعبر عن ذلك بلفظ :”ينكحها” وهو لفظ يتجاوز كتابة العقد إلى معني الجماع٫
ويدل على ذلك المهاجرات اللآئي هجرن أزواجهن المشركين في مكة بعد إسلامهن ، ومنهن ابنتين لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولم يعدن إلى أزواجهن إلا بعد إسلامهم. ولم يحتجن إلى عقد زواج جديد ، لأن عقد الزواج الذي تم وهن مشركات مثل أزواجهن ظل صحيحا وساري المفعول . أي أنه عندما اختلف دين الزوجة عن دين الزوج تم تجميد عقد الزواج فقط فيما يتعلق بمعاشرة الزوجة لزوجها في الفراش فقط. وعندما اتفق إيمان كل منهما تم تفعيل العقد في هذا الجانب.
إذن يجوز بالفعل عقد زواج مسلمة على يهودي أو نصـراني أو حتى مشـرك ، بشـرط ألا يترتب على ذلك أن تسلم جسدها له وتسمج له بأن يجامعها. وهنا يحق التسـاؤل عن معني هذا العقد إذا كان الزواج به لا يكتمل بدخول الزوج بزوجته؟. وما الحكمة من عقد زواج امرأة من رجل لا يشبع حاجتهما الغريزية ولا ينجم عنه متعة حسية لهما أونسل .؟
صحيح ، قد يبدو ذلك نوعا من العبث ،وقد يكون القول بصحة عقد الزواج ، قول نظرى أو سفسطائي. ولكن صحيح أيضا ،أن يكون عقد الزواج الموقوف تنفيذه في جانب منه مطلوبا في حالات معينة شـاذة أو استثنائية قليلة. فمن حالاته الواقعية ما يعرف بالزواج الأبيض الذي تتزوج فيه مسلمه بأجنبى على غير دينها لمجرد أن يسمح لها عقد الزواج بالإقامة أو العمل في بلاده ، فإذا ما حقق العقد المطلوب منه مرادها تم فسخه. أى أن الزواج في هذه الحالة صورى وليس حقيقي ، ولكن العقد مع دلك صحيح.، وقابل لأن يكون نافذا حتي ولولم تنصـرف نية الطرفين في البدء لتنفيذه. ويسمح لها بالإقامة معا تحت سقف واحد ولا يمنعها من تمكينها له منها في الفراش سوى دينها فقط إن طلت ملتزمة به، والرقيب عليها هنا هو الله وحده ولا أحد له الحق التدخل في الأمر بأكثر من تذكيرها بشرع الله وبحدوده وتقع هذه المهمة على عاتق أهلها وحدهم ، وتتحمل هي وحدها المسؤولية عن الالتزام بذلك أمام الله ، ولا دخل للناس بذلك.وثمة حالات أخرى قد تبدو خيالية ، ولكن يمكن أن تحدث ولو نادرا، مثل حالة رجل يهودي أو نصراني بلغ من العمر ما لم يجعل له رغبة في النساء أو لديه الرغبة ولم يعد لديه القدرة عليها ، وخدمته امرأة مسلمة بإخلاص وأراد أن يكافئها بأن يتيح لها أن ترثه أو أن تظل مقيمة في بيته بعد موته كأرملة له ، فيتزوجها لهذا السبب. وفي هذه الحالة لا يحق لأحد مسلم أو غير مسلم أن يسألها عما إذا كان قد دخل بها أم لا.
يمكن أيضا أن تتفق مغتربة مع غير مسلم على أن تقيم في بيته كزوجة شرعية له على ألا يمسها حتى يسلم ، وكان إشهار إسلامه يحتاج إلى وقت وإجراءات يطول وقتها، علما بأن نطقه بالشهادتين وإقامته الصلاة يكفيان بالنسبة لها ، إذا ما وجدت أن هذا الوضع أكثر راحة وأمانا لها، وأفضل وأسلم لها أو حتي تجد لها محلا آمنا لإقامتها .و صحة عقد الزواج لمسلمة من غير مسلم ، تجعله ملزما بالإنفاق عليها ، وتأمين مأوى لها، وحمايتها كزوجة قانونية له ، وبصرف النظر عما إذا كان قد دخل بها أم لا، وسمحت له بذلك أم امتنعت عليه، مادامت مقيمة معه في بيته. وإذا مات عنها من حقها أن ترثه ، ولا يمنع حقها في الميراث بدعوى أنه لم يدخل بها لأن دينها لا يسمح بذلك ، ولا يجوز لأحد أو أية سلطة أن تسـألها عما كان بينها وبينه ، طالما كانت تعيش معه تحت سقف واحد. وقد يكون الزوج النصراني أمام الناس مسلم في السر ويكتم إسلامه ولا يعلم به سوى الله وزوجته المسلمة ،وفي إعلانه خطر عليه أو ضرر له . ولذا يجب عدم السماح لمتطفل فرد أو جماعة أو جهة حكومية رسمية بالتدخل بين المرء وزوجه ، وبينه وبين خالقه، أو التفتيش فيما هو من صميم حياته الخاصة وممارسته لحريته الشخصية، وليس فيهما ما يضـر أحدا أو يعنيه ، بدعوى غيرة من المتطفل على الدين، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحت أية ذريعة أخرى .فكل نفس بما كسبت رهينه ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ولا يجب أيضا سن قوانين تحد من فرص الزواج وتضع قيودا عليه ، بينما يشيع الفسـاد في المجتمع، دون قوانين تردعه أو تضع حدا له.
.وفي تعليق لعالم الدين المغربي محمد زحل علي إعلان وزير العدل المغربي إحصائيات تبين أن المحاكم رفضت السماح بتزويج 4151 فتاة قاصرسنة 2007 بعد ان تم رفع سن زواج الفتاة من ١٥ إلى ١٨ عام لتحقيق المساواة بين الذكور والإناث في سن الزواج،فال إنه ينبغي مراجعة هذه الملفات لأن هناك من الفتيات مَن زواجها يعتبر أمرا ملحا، فقد تتعرض الفتاة لكثير من المخاطر أو قد تقع في المحظور (من زنا ودعارة ) إذا لم تتزوج رغم عدم بلوغها السـن الذي حددته مدونة الأسرة الجديدة. ودعا زحل المسؤولين إلى مراجعة هذه المدونة في بعض بنودها وقوانينها وأن تعود إلى سابق عهدها حتى لا يكون هناك أي تجاوز للشريعة الإسلامية ومقتضياتها، مشددا على أنه في قضية طلبات الزواج يجب أن تتم معالجتها بكثير من المرونة لما فيه خير للشباب وللمجتمع، بعيدا عن التقيد بالقوانين الجامدة، بمراعاة مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة.وكما أن كثرة تدخلات الأفراد في شؤون الزواح قد تعطل أو تمنع انعقاده ، و كما أن تدخلات الأفراد من خارج الأسرة في شؤونها الداخلية يضرها وقد بكون سبب تدميرها ، حتى ولو كانت بحسن نية فإن التدخلات القانونية الكثيرة في أمور الزواج والأسرة ، تضر بهما ، حتى ولو كان هدف المشرع تحقيق مصالح للأسرة أو مكوناتها.
وجاء في المادة ١٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق الزواج وتأسيس أسرة من دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين, ولا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين كلاهما ولا إكراه فيه”.
وزواج المسلمة من غير المسلم كثيرا ما يحدث بسبب تقدم الفتاة في العمر دون أن يتقدم لها شاب مسلم لخطبتها ، وهي لو بقيت على حالها بدون زواج كان ذلك بمثابة حرمان لها من حق طبيعي ، وإن امتد عمرها إلى ما بعد الآربعين ستتضائل فرصة الحمل أو تنعدم وتفقد الحق في أن تكون أما مثل باقي النساء. ومن الطبيعي أن ينتابها القلق ، وأن تكون في حالة نفسية سيئة تدفعها إلى المعامرة بقبول الزواج بمن يقبل الزواج بها حتى ولو لم يكن على دينها، وإن خالفت بذلك تعاليم الدين. وهي في هذه الحالة قد تسلم له نفسها دون انتظار أسلامه، ولايجب علينا أن نلومها ، وأن نترك أمرها إلي الله ، إن شاء عاقبها وإن شاء غفر لها .وهي في أسوء التقديرات قد تزوحت زواجا علنيا ولم تتخذ لها خدنا أو عشيقا بدون زواج ، وهي الطريقة الوحيدة التي أتيحت لها لكي تحصن نفسها. وقد تحل ذلك لنفسها بدعوي الضرورة. وكم من فتاوي لفقهاء بهذه الذريعة خالفوا فيها الذين.
علينا قبل أن ننحي بالملامة عليها ،أن نبحث عن الأسباب التي دفعت الفتاة المسلمة إلى ذلك ، ، وبانتفاء هذه الأسباب ، إن بدلنا في ذلك حهدا كافيا ،نحمي غيرها من نفس المنزلق.وهو الدور العملي والإنساني الذي يجب أن يكون في صلب عمل الجماعات والحركات الدينية المسلمة . هذه الجماعات التي يعتبر البعض أن توجيه النقد لعملها وأولوياتها من المحرمات، وتمتنع المواقع ووسائل الإعلام عن نشره ،بينما هو الذي يتيح لها الازدهار والفاعلية الاجتماعية ، ويزيد من بركة عملها ، ويرشد توجهاتها لما هو أكثر نفعا للناس.ومرضاة لله من الخطب والمواعط
والتنديد بهذا الفعل أو ذاك.
فوزي منصور
كاتب مصري مقيم بالمغرب
e-mail:fawzy_mansour@hotmail.com
fawzym2@gmail.com

No comments: