Sunday, August 31, 2008

الشعب قالها بدون كلام : "أنا اعتزلت السياسة وليس الغرام"!

شباب الغراميات والحشيش
عندما غنت ماجده الرومي رائعتها : " أنا اعتزلت الغرام " كانت بالتأكيد كاذبة ، ولعلها كانت تؤكد مقولة إن أعذب الشعر أكذبه ، لأن المرأة لا تعتزل الغرام إلا إذا ما أصيبت بحالة اكتئاب نفسي تجعلها تنطوي على نفسها ، وتزهد في كل شـيء . وهي في هذه الحالة تلتزم الصمت أو تفكر في الانتحار، ولا تعلن على الملأ أنها اعتزلت الغرام ، وتتغني بذلك.
وفي حالات أخرى من حالات القلق والاكتئاب ، يهرب المكتئب إلى الشبق أو الغرق في بحر الغرام ،حتى ،ولو لم يكن يجيد السباحة فيه ،أ و يلجأ إلى إدمان المخدرات . وفي مصـر المحروسة حاليا ، يوجد أزيد من خمسة وثلاثين مليون مصري ومصرية في سن الشباب ، إذا ما صدقت بيانات جهازالتعبئة والإحـصـاء ، وإن كنت لا أخالها صادقة . وإذا بحثنا في مدونات الشباب المصــري على الانترنيت نجد أن الاهتمام الغالب عليها هو الحب والغرام والشبق فضلا عما تداولته وسائل الإعلام عن التحرش الجماعي بالنساء. والقليل منها شغل نفسه بكرة القدم أو التباكي عما أصاب شعوب أخرى من أذي ونسي ما يصيبه هو طول اليوم من ألم يكتمه بين ضلوعه . أما الثقافة والعلوم وتبادل المعارف فلا تجد لها فيها أثرا . كما تأتي الآخبار بأن الحشيش صار متداولا في أيدى الأطفال وليس حكرا فقط على الكبار، الذين كانوا يستعينون به لآنقاذ فحولتهم المتردية. إذن ثمة هروب كبير خلال حالة الاكتئاب الجماعي نحو الشبق والمخدرات في مصر المحروسة.

الاكتئاب الجماعي وما يفعل
والشـيء الوحيد الذي اعتزله الشعب المصـري هو السياسة ، ويشهد على هذا الاعتزال عزوفه الجماعي منذ أربعة عقود عن المشاركة في أية انتخابات أو استفتاءات . ووتركها للأموات المسجلين في الدفاتر الانتخابية لكي يصوتوا نيابة عنه .وللتدليل على احترامه لأرواحهم وعدم انتهاكه لحرمتها.
و لم يعد يعبأ الشعب أيضـا بتحريض الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة له بالخروج في تظاهرات ،أو الانتظام في انتفاضات واحتجاجات ،أو عصيان مدني. حتي لا يتعرض لمهانة تزيد هوانه هوانا .
ولا يمكن إعزاء هذا الاعتزال للسياسة لغير الإصابة الجماعية بالقلق والاكتئاب. وقد كشف عن هذا الاعتزال بالصمت والانسحاب من الحياة السياسية دون صخب أو لغب. ولا يلعب قمع السلطة ،أو انعدام أو محدودية الوعي السياسي دورا كبيرا في هذا العزوف عن السياسة ، على النحو الذي ذهب اليه تفسير محللي المعارضين .الذين لايقيمون وزنا لعلم النفس السياسي .وإنما هو الاكتئاب وحده ولا شـيء سواه. وهو الذي خيب أمل الحالمين بثورات برتقالية أو متعددة الألوان مثل بيض شم النسيم.

ويأتي الاكتئاب النفسـي الفردي والجماعي نييجة الإحسـاس الشديد باليأس والقنوط والإحباط وانسداد الأفق. و يتراوح في شدته بين الإحساس بالحزن والضيق والغم وبين الشعور باليأس من الحياة ومحاولة الانتحارفي أقصي حالاته أو التفكير فيه. وهو يصيب النسـاء أكثر مما يصيب الرجال ،والشباب أكثر من صغار السن والمسنين. ومن أعراضه المعروفة :
1- الشعور بالحزن والكآبة.
2- عدم وجود الرغبة في عمل أي شيء.
3-الإنطواء والعزلة وكثرة التفكير السلبي.
4- التشاؤم والنظر إلى الأمور بمنظار أسود.
5-قلة التركيز والنسيان.
وتوجد أعراض أخرى متناقضـة مثل الإقبال على الطعام بنهم أو فقدان الشهية ، والشعور بالخمول والرغبة في النوم ، أوالأرق الذي لا يأتي معه نوم. العزوف عن الشبق أو العجز عنه والإقبال عليه بشدة . وهذه الميول المتناقضـة تأتي من اختلاف ظروف الإصابة وما تتيحه من وسائل الهروب فيه وليس منه.

قوي المعارضة المعوقة
استطاع النشطاء السياسيون النجاة من الاكتئاب الجماعي بفضل ما يتمتعون به من ثقافة وإصرار مسبق على عدم الاستسلام للقنوط واليأس ومن ثم الاحتفاظ بصحة سياسية أفضـل . علما بأن الثقافة وحدها ليسـت عاصما من الاكتئاب . فواصلوا نضالهم السياسي من أجل الحرية والديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون والعزة القومية والعدالة الاجتماعية والتنمية الإنسـانية ، إلى أخر هذه المطالب المشروعة التي يعلنوها ،والشعارات التي يرفعونها . ولم يعتزلوا السياسة .، ولكنهم لم يتمكنوا مع ذلك من تحقيق أي تقدم يذكر. إذ من السهل عليهم ممارسة السياسة على طريقتهم ، ولكن من المستحيل أن يحققوا شيئا من أهدافهم دون مسـاندة كاملة من الشعب الذي اعتزل السياسة قبل أن تدعي ماجدة الرومي بأنها اعتزلت الغرام.

خرجت النخب السياسية أو المتحزبة إلى الشارع ، واصطدمت بالقوى الأمنية الحارسة للنظام الحاكم ، وانتظرت أن يلحق بها الشعب الذي تتحدث بإسمه، دون أن تهتم بالحصــول على تفـويض منه ، فلم تجده حولها، ولا معها ،ولا حتى ضدها ، وقد يكون معها بقلبه وغائب عنها بعقله وجسـده . وزاد ذلك من تعاليها على الشعب ومن نرجسيتها وتمركزها حول ذاتها ، والتحقير له ، واعتبرته فاقدا الوعي والإرادة ، ويجهل سوء حاضره وسوء مآله ، وزادت بذلك الفجوة بينها وبين الشعب اتساعا.

ورغم إخفاقها في تحقيق أي تغيير تنشده أو أي من الأهداف الصحيحة والنبيلة والمشروعة التي تطالب بها ، فإنها لم تتوقف لمراجعة حساباتها ، وتبحث عن الخلل الذي جعل صوتها وجهدها يضيعان سدى ، وجعلها غير قادرة على جني أي ثمرات منهما، حتى تصحح مسارها ، وتقيل عثارها.

والملاحظ أيضا أن أي من أحزاب وقوى المعارضة تلك لا تمتلك قاعدة شعبية عريضـة مسـاندة لها ، تناسب عملها في شعب تعداده سبعون مليونا أو يزيد كما يتردد في وسائل الإعلام المصرية. ولم تحاول جادة الحصول على مثل هذه القاعدة الشعبية بغير النشرات والخطب المنبرية أو النارية أو النعيق في مكبرات الصوت. أو تستقطب جميعها مليونا من شباب تعداده خمسة وثلاثون مليونا ربعهم على الأقل نال حظا من التعليم ، إن كان الباقي يتخبط في الأمية أو شبه الأمية ، وجلهم عاطل عن العمل وساخط أكثر منهم على الوضع.

مأساة الشعب في مصر المحروسة
إن الوضع البائس والمأساوي الذي أمسي يعيش فيه الشعب المصـري ، يجعل من إصابته الجماعية بالاكتئاب النفسي نتيجة منطقية لها مسبباتها ، ويكفي أن نقرأ بعض ما نشرته وسائل الإعلام هذا العام لنتأكد من ذلك ، ومن أمثلة ما نشر :
كتب محمد عبد الحكيم دياب في القدس العربي يوم 29مارس 2008 مقالا جاء فيه أن تقريـرا صدر عن للسفارة الأمريكية بالقاهرة في العام الماضي، عن اتجاهات الاقتصاد المصري، (...) "أول ما يكشف عنه التقرير هو أن 52% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وهي نسبة الذين يعيشون علي أقل من دولارين في اليوم الواحد، أي أقل من احد عشر جنيها مصريا، وذكر أن معدل البطالة الرسمي حوالي 11% وفي نفس الوقت يشير إلي تقارير وصفها بالمستقلة تقدرها بـ22%، بجانب إشارته للبطالة المقنعة وقال إنها بين 40 و50% من حجم القوي العاملة، وعرج علي التضخم وبين أن نسبته أعلي بكثير من النسبة المعلنة حكوميا بـ12.4%، ورصد حالة التراجع التي أصابت الزراعة، و انخفاض مساهمتها في إجمالي الناتج الوطني من 20% عامي 86/ 1987 إلي 14.5% في النصف الأول من 06/ 2007 ..."وأضاف :"ويري الخبير الاقتصادي عبد القادر فاروق أن الفساد تحول إلي مؤسسة شاملة، بداية من عام 1982، أي العام التالي لحكم حسني مبارك. وكشف النقاب، في ندوة الفساد وحقوق الإنسان (16 مارس 2006)، بالمركز المصري للدراسات والتنمية. عن وجود خمس آليات للفساد في مصر هي:
1) وجود سياسات لإفساد المؤسسات وأفرادها.
2) وجود جماعات منظمة للفساد لديها قواعد نظامية وعرفيه تنظم علاقاتها ودورها.
3) وجود علاقات بين هذه الجماعات والنخبة الحاكمة سياسيا.
4) توظيف سياسة إفقار محدودي الدخل ودفعهم للقبول بالرشوة.
5) إفساد الرقابة في صورتيها الشعبية والأمنية. وهذا أهدر 34 مليار جنيه، تبددت في صورة عمولات برنامج الخصخصة، وبيع 194 شركة بـ 6.16 مليار جنيه فقط، أقل من ثمنها الحقيقي. وتحدث عن مافيا الفساد، التي تشكلت في المصارف، وأهدرت وحدها 60 مليار جنيه مصري، بجانب وجود ما أسماه فاروق فساد الصغار ، المعتمد علي إفسـاد الموظفين والمدرسين، وأدي إلي إنفاق 18 مليار جنيه مصري علي الدروس الخصوصية، ولذلك صنفت مصر ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.(...) أ ولو كان هذا اقتصادا عفيا ومشروعا وأخلاقيا، لأدخل المليارات إلي الخزانة العامة. من الضرائب، ومن عائد بيع الأراضي والخصخصة.واستثمر ذلك في إنشاء مجالات وفرص عمل جديدة، ولتمكن من الصرف علي الخدمات والدعم، ولحرك دورة الاقتصاد بشكل طبيعي ومنضبط، ولكان مقابل ارتفاع الأسعار عالميا أن بيان نصيب مصر من عائدها الذي حصلت عليه داخليا.من ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت والمعادن، ومن حصيلة المضاربة علي الأراضي والمساكن، ومن دخل النفط، وتكلفة الخدمات، وكان هذا النصيب كفيل برفع دخل المواطنين وأجورهم، كما حدث في باقي بلاد العالم. (...) إذا كانت هذه المافيا تفهم ما معني إنسان، فالجوع وهو يلغي المسافة بين الحياة والموت. يفقد الحياة قيمتها ومبررها، وهذا مصدر خطر حقيقي، لا يعطيه المسؤولون أدني اهتمام، وقد يدفعون ثمنه وهم صاغرون!. الجوع يولد التمرد والفوضى والثورة، ومصر دخلت مرحلة التمرد، والأمل أن تلج إلي الثورة بدون المرور بحالة الفوضى، فثمن الفوضى باهظ، وينتظره الأعداء، من أصحاب نظريات الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة. "
ونشـر موقع ميدل ايست أون لاين في ٦ أغسطس ٢٠٠٨: وكذلك صحيفة"المصريون" بنفس التاريخ ما يلي : "قالت كبرى المنظمات المصرية لحقوق الإنسان أن 14 عذبوا حتى الموت العام الماضي في مصر وان التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز سياسة منظمة في أكبر الدول العربية سكانا. وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقرير عن حالة حقوق الإنسان في مصر عام 2007 أعلن الأربعاء إن مصر تواصل "الاستهانة" بالحق في الحياة. ودلل التقرير على ذلك بموت ستة فقط تحت وطأة التعذيب في البلاد عام 2006. ومنذ عام 2000 إلى الآن رصدت المنظمة موت 93 في مصر خلال تعذيبهم. وتقول المنظمة إن تقاريرها لا ترصد جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان في البلاد....الخ"

وفي النماذج السابقة وجدنا الكاتب يقول :" إن مصـر دخلت مرحلة التمرد ، والأمل أن تلج إلى الثورة بدون المرور بحالة الفوضي.." ولكن من الذي سيقوم بهذه الثورة ومن سيقودها؟ هل هي تلك الأحزاب العديدة المعارضة التي لا تمثل سوى نفسها؟ أم هذا الشعب المكتئب الذي يقول عبد الحليم قنديل في القدس العربي أيضـا بأن علي كل أربعين فردا منه يوجد حارس مسلح بينما لا تجد البلاد من يحرسها.والذي قال بدوره يوم 13أبريل الماضي في نفس الصحيفة أنه :”طبقاً للإحصاءات الرسمية المصرية، فقد ارتفع متوسط أسعار الطعام بنسبة 26.5 في المئة خلال العام المنقضي، فيما ما زالت معدلات دخل الطبقتين المتوسطة والدنيا ثابتة ”ويقول يوم 8 أبريل : “بينما يبدو النظام المصـري مرتبكا، تبدو قوي التغيير علي حالة من الارتباك أيضا، وتبدو علي حال من الإعاقة الظاهرة، بعض الإعاقات ينتسب لبيئة السياسة العامة، وبعضها ينتسب لمخاوف من انزلاق إلي المجهول، وأكثرها يتعلق بمصاعب سياسة في تنظيم غضب اجتماعي غير مسبوق في الثلاثين سنة الأخيرة، “

إخوان ثمانية عقود
وإذا نظرنا إلى أكبر وأقدم قوي المعارضة السياسية وهي الإخوان المسلمين ، سنجد أنه قد مضت ثمانية عقود على تأسيسها في الإسماعيلية عام ١٩٢٨ ، ومع ذلك لم تتوقف يوما لأجراء حساب الأرباح والخسائر ، وتري كم ربحت وكم خسرت ؟ ، وأي ربح حققته للبلاد والعباد من نضالها والزج بأعضائها وقياداتها في السجون من حين لآخر؟...أربعة عقود كانت كافية لتغيير وجــه مصـر السياسي والاقتصادي محليا وإقليميا ودوليا لو أن الجماعة أكتفت بما أراده مؤسسها منها، وهو تقديم الخدمات التربوية والثقافية والاجتماعية للنهوض بالشعب المصري ،وتقديم مثالا تحتذيه مجتمعات الدول العربية والإسلامية ، ولم تورط نفسها في الصراعات السياسية مع السلطة . لقد اقترح محمد سليم العوا ، على نحو ما كتبه باحث إسرائيلي يدعي إسرائيل إلاد إلتمان، بأن تتوقف عن ممارسة السياسة لمدة عشر سنوات وتكرس كل جهودها لأداء تلك الخدمات . ومن المؤكد أن دعوته لقيت سخرية من الجماعة . وربما اعتبروه رجلا كبر سنه وبدأ يخرف. وأقول أنا لو أنهم توقفوا عن ممارسة السياسة نصف هذه المدة ، أي خمس سنوات فقط وتفرغوا لتقديم ما الشعب في حاجة فعليه إليه لحققوا في الخمس سنوات بإذن الله وتوفيقه ما لم يتمكنوا من تحقيق عشره في ثمانين عاما. ولأمكنهم أيضا على الأقل إنقاذ ما لا يقل عن نصف الشعب من حالة الاكتئاب التي أصابته وشلت فاعليته السياسية ، وضمنت ملايين الناس خلفها عندما تعود لمباشرة السياسة بعدها. ويا حبذا لو أن الأحزاب السياسة جميعها سارت مع الإخوان في نفس الطريق. فالإخوان وحدها لايمكنها أن تحقق شيئا ما لم تضع يدها في يد الجميع ممن ينشدون التغيير.

إن أغرب ما في حالة أحزاب المعارضة المصرية العديدة أنها جميعها تطالب تقريبا بنفس الشيء ومع ذلك لم تتحد في حزب واحد يجمعها وتتفق فيه على كلمة سواء وأرضية مشتركة جامعة وتنبذ كل ما تختلف عليه حتى تتمكن من توحيد جهودها وتحقيق أهدافها وقبل كل شيء اكتساب احترام الشعب الذي هانت في نظهر بسبب تفرقها إلى قبائل شتي . وعليها أيضـا أن تظهر احترامها للشعب ولا يشعر أنه بالنسبة لها مطية توصلها إلى كراسي السلطة ثم لا يجد منها أكثر مما يحده من الممسكين بالسلطة حاليا. ولم لا ؟ أليس كلهم مصريون؟. كل ما هنالك أنه يوجد في جانب عسكر و”حرامية “معا وفي الجانب الأخرضحايا منهوبون مهانون مستذلون من الفريق الأخر.وتوجد بين الفريقين صلات رحم ممتدة لآخر الأفق.

معالم الحل الوحيـد
من حق الشعب أن يعطي الأولوية لرغيف الخبز ، وأن تحترم الأحزاب السياسية ذلك. وإن أرادته أن يصطف معها في نضالها ،فعليها أن تساعده في ضمان حصوله على رغيف الخبز ، دون انتظار تسلمها للسلطة الذي قد لا يأتي أبدا ، ودون تعويل على الحكومة العاجزة والمتسببة في فساد الوضع حتي التعفن والتحلل والتي أثبتت أنه تهمها السلطة أكثر من وظيفتها في أي دولة تحترم نفسها وشعبها ، وتخشـي الخارج ولاتقيم لشعبها في الداخل وزنا، على النحو الذي سجلته كتابات الإعلاميين المصـريين.السابق الإشارة لبعضها. وهذا ليس بمطلب تعجيزي ، وإنما تستطيع الأحزاب مع الشعب وبالشعب أن تحقق ما يبدو لها الآن أشبه بالمعجزات. هنا فقط يمكن أن يستعيد الشعب ثقته بنفسسـه وبالنخب السياسية التي نزلت إليه من أبراجها العاجية ،واحترمت إنسانيته ، وعرضت عليه ما ينفعه ويمكنه النضال والتضحية من أحله. ولا يتطلب هذا الأمر من القوى السياسية سوى إخلاص النية وصفاء القلب والذهن وأن تتحرر من ذاتيتها وتؤثر مصلحة الوطن والمواطنين على مصلحتها وطموحاتها ، سواء على صعيد السلطة أو الثروة ، وأن تتجد كلها ، فيما بينها ، ومع الشعب ، يدا بيد ، تخطط وتنفذ على الأرض ما هو محسـوب بدقة ومعروف سلفا نتيجته .

إن أهدافا سياسية مثل الديمقراطية والحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته وغيرها تفقد أهميتها للشعب ما لم يكن الهدف منها هو تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والموارد. أي ضرورة أن تسـفر في نهاية المطاف عن نتائج اقتصـادية متحققة ملموسة وليست مجرذ وعود بها . علينا هنا أن نقتنع بأنه بإقامة الاقتصـاد الشعبي والإنتاجي الوطني والذي يمكن الاعتماد فيه على الشعب وحده ، وليس اقتصاد الأوليغارشيا الاستهلاكي والريعي ، أو اقتصـاد رؤوس الأموال الأجنبية أو المرتبطة بالخارج ، هو الذي يمكنه تحقيق التغيير السياسي . بكلمة أخرى علينا أن نحقق طموحاتنا السياسية بوسائل اقتصــادية وليس الاقتصــاد بوسائل سياسية لأن الوسائل السياسية تحتاج لكي تكون فاعلة أن تمتلك القوة المادية :المالية والعسكرية ، أي السلطة. وهذه القوة في يد الحكومة وليست في يد المعارضة. ولذا حبط العمل السياسي لقوى المعارضة خلال السنوات العشـر السابقة ، وسيظل فاشلا إن استمرت عليه ولم تغير وسائلها خلال العشرين عاما القادمة . والمقصـود هنا بوسائل اقتصادية هو إقامة شبكات تنمية اقتصادية أفقية تغطي مصـر من واد ي حلفا جنوبا حتى بورسعيد ودمياط ورشيد والإسكندرية شمالا ، ويساهم في تمويلها وإنجازها وتشغيلها والحصول على أرباحها جميع أفراد الشعب بقدر مساهماتهم المالية فيها. هنا يستطيع الشعب أن يحمي بعسكره ومدنييه ما يعرف أنه ملكه ويعود بالنفع عليه وعلى نسله من الأجيال القادمة ، ويقطع يد كل من تمتد إليه بسـوء، ولا يقبل بغير حكومة يختارها وتمثله وتحمي مصالحه ،ولا تفرط في حقوقه أو تساوم عليها. إنها ليست يوتوبيـا غير قابلة للتحقيق ، وحتى لو كانت كذلك ،فكل الإنجازات الكبيرة بدأت حلما. إن كل ما نحتاجه هو أن نبدع مناهج جديدة للعمل ، مبتكرة وغير مستنسخة ، وتتوافق مع ما نواجهه من تحديــــات ومـصـاعب ، هي في غالبيتها محلية وممتدة للخارج ،أكثر منها خارجية وممتدة للداخل ،مثلما يحاول المتسببون فيها والمنتفعون بها إيهامنا بذلك. وهنا يمكن القول بأن الوضع لم يعد يكفي لعلاجه التداوي منه ذاخل مصر وحدها ، وإنما يجب مد التجربة المصرية الجديدة وغير المسبوقة عبر الحدود السياسية للدولة جنوبا وغربا حيث طريق الشرق أمسـي مسدودا بوجود إسرائيل ولن يفتح بغير زوالها٫

فوزي منصور

No comments: