Sunday, August 31, 2008

الخطــــوبة

الأسرة والحياة الزوجية

الخطــــــوبة
يطلب الشاب أو الشابة الزواج بغرض الحصول على :المتعة الملازمة لإشباع الغريزة الفطرية بما أحله الله ، تحقيق الراحة النفسية والإحساس بالأمن والطمأنينة، تكوين أسرة توفر الاستقلالية والخصوصية، التحصين بالزواج للمحافظة على العفة وحسـن السمعة والسيرة، النسل ،وإشباع غريزة الأمومة بالنسبة للمرأة .

وأول خطوة في هذا السبيل هي الخطوبة .فالخطوبة هي مرحلة تسبق مرحلة الزواج. وهي وعد بالزواج قبل العقد الشرعي . والمسلمون عند وعودهم بشرط ألا يكون ثمة ضرر ولا ضرار.
وهي في نظر الشرع والقانون : طلب الفتاة للزواج دون عقد قانوني .وبالتالي لا يترتب عليها أية حقوق أو واجبات، وهي كفترة للتعارف، لا تحتاج أن تطول مدتـها. لأنها تكون بلا غطاء قانوني يحافظ للفتاة بالذات حقوقها، في حالة تراجع الشاب عن خطبتها. وتكفي لتحقيق الغرض منها شهورقليلة يتوجها العقد الشرعي والقانوني الذي يكرس مصداقية الطرفين .
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم: من الرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها لكي يتعرف علي ما فيها من صفات تدعوه للاقتران بها ولكي يؤدم بينهما أي تدوم العشرة و تتعرف هي أيضا عليه فإن قبلت به وقبل بها بدأ كل منهما يحضـر نفسـه لإتمام الزواج خلال فترة الخطوبة . أي أن فترة الخطوبة بعد أن يقتنع كل من الخطيبين بصلاحية الآخر له تصبح وظيفتها هي التحضير للزواج ، وليس لها أية وظيفة أخرى ولاينبعي أن يكون لها غير ذلك.

الخطبة المعروفة والمطلوبة شرعاً هي التي تتصـف بالعلنية، ولو أن ذلك ليس شرطا فيها ، وأن تتم بحضور أهل الطرفين، وفق ما جرى به العرف .فهي إعلان رسمي للمجتمع بأن فلانه أصبحت مخطوبة لفلان، ومن خلالها تتفاعل الأسرتان لإقامة علاقة مصـاهرة فيما بينهما . ودور الأسرة فيها هو القبول بما يقبله أولادها ،وإعانتهما على أتمامه بما يرضي الله ورسوله ويتفق مع العادات والتقاليد السائدة ، الو النصح لهما إن كان ثمة اعتراض لديهما له أسبابه الوجيهة على إتمام الخضوبة أو المضـي فيها قدما . ويجب أن يكون كل من المخطوبين راض عن عائلة الأخر وألا يقول أحدهما مثلا : أنا سأتزوجه أو أتزوجها ولن أتزوج أهله أو أهلها.. فالزواج عقد بين عائلتين مثلما هوعقد بين رجل وامرأة .والزوج لن يعيش مع زوجته بمفرده منقطعاً عن العالم من حوله ، وإنما سيعيشان معاً ، داخل مجتمعهما وأسرتيهما مهما تمتعا باستقلالية مادية ومعيشية .وكلما كانت العلاقة بالوالدين حسنة كلما بارك الله في هذا الزواج ، وتم تفادي الكثير من المشاكل المحتملة كنتيجة لاختلاف المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو الأخلاقي بين العائلتين.
وأنصح الأهل بألاّ يقفوا حجر عثرة في طريق زواج ابنهما أو ابنتهما إن اختار أو اختارت من يعرف بالصلاح وليس عليه شبهة ، ولا يحاولون إرغام الابن أو البنت بالزواج بمن يريدون من الأقارب أو غيرهم ، فالأصل في الزواج هو الاختيار من قبل الزوج أو الزوجة والرضى بالشخص المتقدم ، ولا يجوز الإجبار في مثل هذا الأمر .
فإن توفرت صفات الصلاح والإيمان فيمن يختار الابن أو البنت ، فلا يجب أن يقف الأهل في طريقه حتى لا تنبت بذور الكراهية فيمن وقع عليه الاختيار حين يعلم أن أهل زوجته لا يرحبون به زوجاً لابنتهم ، وستظهر هذه المشاكل بعد الزواج لتوفر سوء النية مسبقاً ، وإن رأى الأهل في الشخص الذي وقع عليه الاختيار عدم الأهلية فعليهم إبداء النصيحة لابنهم وإطلاعه على عيوب من اختارها حتى يكون على بصيرة من أمره ، فإن لم ينتصح وأصر على رأيه ، فلا يحرموه حقاً من حقوقه أو يعتزلوه ، فإن فعلوا فإنهم يزيدون الطين بلة ، بل عليهم أن يقفوا بجانبه إن احتاجهم ، فيكونون أول من يساعده ويقدم له يد العون عسى الله أن يصلح زوجته .

ولا حرج أن يتفق شاب وفتاة على الزواج فيما بينهما على كتمان الأمر فترة قبل إعلانه. يقول تعالي : " أو أكننتم في أنفسكم" إلا أن الفترة السابقة للإعلان عن الخطوبة لا تعد خطبة، وإنما هي مقدمة لها. والتراجع عن إتمام الخطوبة لمن تم بينهما التعارف والمتفقين فيما بينهما على إتمام الخطوبة، ليس مثل فسخ الخطوبة بعد إعلانها ، والذي يترتب عليه ، في الكثير من الأحوال ، آثاراً اجتماعية ونفسية سلبية على الخطيبين وخصـوصـاا على الفتاة . ولذا - يفضـل أن يكون ذلك بالتراضي بينهما وولأسباب مقنعة للطرفين ، وألا يتم ذلك في ساعة غضب أو نزق وطيش، لأنه إذا ما فشلت الخطوبة ، سيشعر أحدهما أو كلآهما بأنه فشـل في إقامة مشروع كانت آماله فيه عريضـة . وقد يكون من الصعب عليه نفسيا تحمل ذلك ما لم يكن متمتعا بقوة الإرادة والصلابة التي تمكنه من تحمل الصدمة والقدرة على تجاوزها . وينصح في هذه الحالة أل لا يقدم على تجربة أخرى قبل البرء من المتاعب النفسية التي سببها فشل التجربة السابقة. إذ أنه عندما تكون النفس مرهقة لا يكون العقل أيضا في أحسن حالاته، ولا هو قادر على استخلاص الدرس من التجربة الفاشلة على نحو صحيح ، وهو ما قد يقود إلى الفشـل مرة أخرى سواء في الخطوبة أو الزواج. وعموما فشل الخطوبة أهون وأخف ضررا من فشل الزواج.

و فترة الخطوبة: أنها “ فرصة للتعارف والتفاهم واكتشاف الأخلاق والطباع، ولمعرفة تفاصيل دقيقة حول طبيعة الطرف الآخر مما يساعد على تجنب الكثير من المشكلات التي قد تقع بعد الزواج، بالإضافة إلى التقريب بين القلوب وتثبيت المحبة بما تظهر إيجابيته بعد الزواج.
ولكن ما تنطوي عليه من سلبيات أحيانا فهي كثرة المجاملات والتصـرفات المصطنعة، الأمر الذي يؤدي إلى بناء تصورات غير صحيحة عن الشريك، حيث يرسم به قصورا من الأحلام والآمال والأماني المستقبلية والأسرية، سرعان ما يتبين أنها كانت أوهام بعد الزواج بعد أن يغلب الطبع التطبع..

الاستخارة ثم الاستشارة :
وإذا عزم الشاب على التقدم لخطبة الفتاة فعليه استخارة الله تعالى ، ثم يستشير من لديه الخبرة ، فعن جابر رضي الله عنه قال : "كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها كالسورة من القرآن ، وصفتها : يقول صلى الله عليه وسلم : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - ويسمى الأمر - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ" رواه البخاري .
ويصلى الرجل أو المرأة المقدمان على الزواج صلاة الاستخارة في أي وقت شاء ، ركعتين ، ثم بعد التسليم يدعو بدعائها، وله أن يكررها ولا حرج في هذا ، فصلاة الاستخارة دعاء ، ولا حرج في تكرار الدعاء ، ولا يلزم بعد الاستخارة أن يرى وترىالعبد رؤيا ، بل سيرى كل منهما إما التيسير أو التعسير، أو الراحة النفسية للأمر والإقدام عليه أو النفور منه وتهيبه.
وعلى كل منهما أن يستشير أهله وأقرب الناس إليه حيث المسلمون"أمرهم شوري بينهم " والشورى ليست ملزمة. ولكنها قد تتكشف بها ما لم ينتبه له طالب المشورة رغم أهميته ويكون لهذا الذى أطهرته المشورة محفزا عن الاستمرار في الخطوبة أو فسخها.

من يبادر بإبداء الرغبة في الزواج:
إذا كنا نقول بأن الزواج يتم بموجب إيجاب –أي عرض- من المرأة وقبول من الرجل فعلينا أن نلاحظ أن العرض سابقا هنا علي القبول. وهو ما يفترض أن يستخلص منه حق الفتاة في أن تخطب لنفسها من ترضاه زوجا لها ، وواجب الأب التقي الذي يرعي الله في ابنته أن لا يجد حرجا في أن يسعى لتزويجها ممن يرتضيه لها ، و ألا ينتظر أي منهما أي يدق الخطاب علي بابهما. لا يعني هذا أن تذهب الفتاة أو أن يذهب أبوها إلى دار الفتى لخطبته ، وإنما يعني التعبير عن معني العرض للشاب علي نحو ما ولو تلميحا. أعرف أن ما أدعو إليه هنا يعد مخالفا للأعراف السائدة ولكنه يكفيه شرفا أنه يتفق مع مقاصد الشريعة في حفظ الكرامة والعرض ويتفق مع أسس العقيدة ولا يخالفها. وله في تراث الإسلام سند. وكم من فتى صالح أعجب بفتاة وهو ند لها وكانت راغبة فيه وتردد في التقدم إلي خطبتها خوفا من أن ترفضه أو خشية أن يعجز عن الوفاء بمتطلبات أسرتها أو هكذا توهم أو ظن أنها منشغلة عنه بسواه بعد لاحظ اهتمامها به ، وقد يكون من رآه معها من محارمها، وامتنعت هي عن تحفيزه أو مفاتحته بشكل مباشر أو غير مباشر بدعوي الكرامة أو أن الخطوة الأولي يجب أن تأتي منه ثم تكون نتيجة التردد من الطرفين أن يقبل كل منهما ا لزواج بمن لا يصلح له فيعانيان بسبب ذلك وينتهي زواج كل منهما إلى فشل كان من الممكن تفاديه لو كان لديه الجرأة لكي يعبر عما في نفسه.

كانت السيدة خديجة بنت خويلد من أشراف قومها وذات مال فلم يمنعها ذلك من أن ترسل صديقتها نفيسة لتعرض الزواج علي من يتاجر لها وتم الزواج وأكرم الله زوجها بالنبوة والرسالة.وان قيل كان هذا قبل الإسلام فإن الإسلام لم يمنعه . بل لو كان يتم قبل الإسلام في السر فقد تم بعد الإسلام في الجهر وكم من امرأة جاءت للرسول في المسجد تقول له علنا بأنها وهبت نفسها له وهي تعلم أنه لم يعد بمقدوره الزواج بأي امرأة فوق ما لديه من زوجات ولكنها بكلمتها تلك تطلب من النبي أن يزوجها لم يرضاه لها وترتضيه لنفسها.فيقوم بتزويجها لأحد المسلمين بموافقتها. وما استنكر أحد هذا التصرف منهن بل أكبرنه .وإذا قيل كان هذا مجتمع بدوي غير متحضر حتى نقلد أصحابه فأ ليس أصحابه هؤلاء هم بذاتهم صحابة الرسول والسلف الصالح الذي تطالبون بتقليدهم والأخذ عنهم حتى في شكليات لا نفع فيها ولا ضرر من تركها؟.أنا لاأطلب من الفتاة أن تكون علي هذا القدر من الشجاعة ، وليتها تمتلكها، ولكن يمكنها أن تتصرف علي النحو الذي تصرفت به السيدة خديجة فتعرض عليه الزواج عن طريقة صديقة لها ولو أن ذلك لن يمنع الصديقة إن لم تكن وفية أو متزوجة أن تخطبه لنفسها.

أما خطبة الرجل لابنته فالتراث ينقل إلينا الكثير من تصرفات لعلماء من الزمن الأول وأناس صالحين في هذا الشأن . ولنا في ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلا عندما أكملت ابنته حفصة عدتها. فقد جاء في البخاري نقى عنه ما يلي :
"- إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيمت ابنته حفصة من خنيس بن حذافة
السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفي بالمدينة ، فقال عمر
بن الخطاب أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي , ثم
لفيني فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق
فقلت له إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً وكنت
أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه. فلقيني أبو بكر فقال لعللك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم
أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكرها فلم أكن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله لخطبتها منك.
ونجد في القرآن الكريم أن نبي الله شعيب قد عرض علي موسي الزواج من احدى ابنتيه بعد أن أنس منها الإعجاب به عندما طلبت من أبيها أن يستأجره وحفزته على ذلك بقولها :" إن خير من استأجرت القوي الأمين " ، فكان أن زوجها من القوي الأمين.بعد أن عرضا على موسي عليه السلام قائلا له: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ "(الفصص٢٧)
ونجد في التراث أن سعيد بن المسيب رفض أن يزوج ابنته للخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان وكانت من أجمل النساء وأحفظهن للكتاب والسنة وعرضها علي أحد المترددين علي حلقة علمه ممن لمس فيه التقوى والصلاح وإن لم يكن ميسور الحال وما أن قبل بها فرحا حتى عقد له عليها وحملها إليه في مساء نفس اليوم.
وبصرف النظر عما جرى به العرف أو ورد في كتب الفقه أو في قوانين الأحوال الشخصية فأنه لا يوجد في شرع الله ما يمنع المرأة من أن تخطب لنفسها أو يخطب لها وليها من ترضى به زوجا ولا يوجد فيه ما يمنع أن تزوج فيه البالغة الرشيدة نفسها من تشاء سواء كانت بكرا لم يسبق لها الزواج أو ثيبا وإنما من الأدب ألا تفعل البكر ذلك إلا بإذن وليها ، وهذا التأدب مكرمة وليس شرطا. ولها هذا الحق إن كان قد سبق لها الزواج حتى لو كانت مازالت قاصرة. أما اذا كانت قاصرة ولم يسبق لها الزواج فليس من حقها أن تزوج نفسها لمن شاءت دون موافقة وليها لأنها لا تملك أهلية التصرف لا في النفس ولا في المال ، وفي ذات الوقت لا يحق لوليها أن يزوجها بمن لا ترضاه لنفسها. وإن عقد لها كان ذلك خروجا عن حدود الولاية والتقوى وحق ابطال العقد حتى لا تجبر على البقاء على ذمة رجل تبغضه.

والرأي أيضـا أن تتزين الفتاة وتتجمل بالملابس والحلي والكحل وتصفيف الشعر.. والخضاب طلبا للخطاب.وإذكاء للطلب عليها دون مبالغة أو ابتذال أو خروج عن مقتضيات الحشمة والاعتدال. وأن ترجو بذلك فضلا من الله ورضوانا ولاتتبع خطوات الشيطان . قال تعالي: " إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله عدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "(البقرة٢٦٨).
وألا تهمل ذلك بدعوى التقوى فان التقوى الحقة هي التي تدعوها لأن تظهر في أحسـن صورة ممكنة. وعندما تتزوج ، عندها لا تبدي زينتها إلا لزوجها. وجاء فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " أما والله لو كان أسامة جارية حليتها وزينتها حتى أنفقها" أي حتى تروق لاعين الخطاب فيقبلون عليها وتتزوج. وقد زوج رسول الله أسامة فاطمة بنت قيس ولما يبلغ السادسة عشرة من عمره ، وهو ما يلفت النظر إلى التبكير في الزواج لرفع العنت عن الأولاد والبنات. وإذا كان يحول دون ذلك ما يقال عن ظروف العصـر وما يسـوده من بطالة وغلاء والحاجة للحد من النسـل وطول مدة التعليم....الخ فان كل هذه الظروف نتيجة للسياسات الحكومية الخاطئة والعقيمة والخضوع المذل للتعليمات الأجنبية والتقليد الأعمى للغرب في أسوء ما لديه وإغفال أحسن ما لديه.. وأقل ما توصف به هذه النتائج التي صنعت بجهل ونزق أو عن قساد وعمد هي أنها منافية للفطرة والطبيعة وجوهر الدين ومقاصده ومتطلبات الدنيا وما أخذ الله علي الدر من بني أدم من مواثيق بعد أن جعلهم من الأنبياء والمرسلين وأخذوا بدورهم بيع وعهود علي أتباعهم لحفظ تلك المواثيق والتي هي بذاتها الأمانة التي عرضها الله على السموات والارض والجبال فأشفقن منها وحملها الانسان.. وقد أنذرنا المولي بذلك في قوله ::"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، أولئك هم الخاسرون"(البقرة٢٧). وإذا بقيت السلطة في يد منفذي تلك السياسات فلن تتحسـن تلك الأوضاع وإنما ستزداد سوءا وتدهورا بمرور الوقت وهذا ما تثبته بالفعل الأبحاث الجامعية والتقارير الدولية. لن يتغير شيء ما لم يتم تغيير أصحاب الهمة الفاترة والعزيمة الخائرة والنفوس التي في غيها سادرة بمن هم أقدر علي حمل الأمانة والمسؤولية.

ومن العقل ما منع االزواج جهلا :
سأضرب مثالا لذلك من التجربة الذاتية لهذا العقل المعتقل الذي أضلني ، ليعتبر به الشباب :
ذهبت لأداء فريضة الحج لأول مرة عام 1965 وكنت ربما أصغر حاج مصري في ذلك الموسم وجمعتني الصدفة في المسجد الحرام بفتاة تصغرني سنا خرجت تحج مع عمتها .كنت في رفقة طبيب فارب الستين من العمر وكان يعمل مدير مستشفي "أبو الريش" في القاهرة للأطفال يدعي الدكتور صادق. كنا جلوسا في المسجد بعد انتهاء جميع مناسك الحج وننتظر بلوغ موعد العودة بالباخرة ونقضي الوقت في ذكر الله فانتحت عمة الفتاة جانبا بالدكتور صادق وأسرت له شيئا فاتجه لي مشيرا إلي الفتاة قائلا: فلانة ..أحبتك وتريد الزواج منك فما تري؟.. كان السؤال مفاجئا لي وللفتاة أيضا ونظرت إليها فأطرقت رأسها حياء . كانت الفتاة جميلة ومكتملة الأنوثة وذات دين وتقوي وابتسامة عذبة وأدب وحياء وكل ما يجعل منها فرصة العمر. أحسست لحطتها أن حبها وقع في قلبي أيضا وأحمر وجهي خجلا وتصبب العرق علي جبيني وجف حلقي وأحسست بارتباك كبير وأنا أتمتم :موافق طبعا.. وأرجو الله أن يتمم لنا بالخير.باركت لنا عمتها وقالت سنعطيك العنوان لتأتي إلي والدها لخطبتها واستطردت في الحديث عن أسرة الفتاة وعن أملاك أبيها من الأراضي الزراعية والعقارات وهي تظن أنها بذلك تشجعني بينما انقبض قلبي وصارحت عمتها بأنه إذا كان والدها بهذا الثراء فأني أعتذر لأنني لا أستطيع أن أوفر لفلانة نفس مستوي المعيشة في بيت والدها بدخلي المحدود. شعرت الفتاة بالانزعاج بينما أجابتني عمتها بأن والدها لن يجعلها في حاجة إلى شيء لأنها عزيزة عليه فكان جوابي بان هذا سببا كافيا لكي أعتذر عن الزواج . وكان ذلك أخر لقاء معهما.لم أتذكر لحظتها أن السيدة خديجة تزوجت النبي وهي غنية وهو يعمل في تجارتها بمقابل. لم أتذكر بأنها هدية من الله سبحانه وتعالي وفي بيته الحرام وأن مثل هذا الحب يباركه الله . كل ما تسلط علي عقلي أفكار مكتسبة من المحيط الثقافي وعن سلطة الذكر المستمدة من إنفاقه علي زوجته وأنه إن كان لزوجته فضل عليه فقد تلك السلطة الذكورية التي حلت محل المودة والرحمة والتقوى.. بهذه الأفكار التي كنت أعتبرها مثالية ولا أراها اليوم وفي الحالة تلك سوى أفكار غبية أضاعت مني زوجة صالحة لم يوفقني الله لخير منها بل ربما انتقم مني لأجلها بعد أن خذلتها و كسرت بخاطرها في بيته الحرام.نعم.. العقل المعتقل لا يحسن التفكير واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب وهو لذلك يضيع الفرص التي قد تتاح له وتكون سببا في سعادته . أما العقل الحر الذي لا تثقله أفكار خاطئة يرفعها إلي مستوي القيم فهو وحده الذي يمكن أن ينتفع به صاحبه وينفع به الناس. لقد كنت وقتها علي علم بحديث رسول الله الذي يقول فيه :" تنكح المرأة لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" ، وحديثه " إن جاءكم ذو الدين خاطبا فانكحوه ، إن لم تفعلوا يكن إثم وفساد كبير في الأرض " ومع ذلك غلبت علي شقوتي في القصة التي رويتها. لقد امتعض الدكتور صادق من تصرفي ولم يوافقني عليه ولكنه لم يشأ أن يمارس أي ضغط علي وكان معنا في نفس رحلة الحج الشيخ سيد سابق رحمه الله صاحب كتاب فقه السنة ولو استشرته لأشار علي بالمضي قدما فيما اختاره الله لي وأكرمنى به في بيته الحرام..ولو كنت أحسن فهم شرع الله لوجب علي طلب المشورة من الصالحين عملا بقوله تعالي في وصف المؤمنين وأمرهم شوري بينهم. خاصة وأن الزواج أشبه أن يكون قد انعقد فعلا فالفتاة عرضت وأنا قبلت وفي حضور شاهدي عدل عمتها والدكتور صادق ولم يبق سوي المهر، وكنت أتوفر عليه مهما شط أهلها في تحديد مقداره ، والإشهار يأتي تبعا لذلك. ه وتم الأمر في أطهر بقعة علي وجه الأرض بجوار الكعبة المشرفة. ولكن هل لو كنت قد استشرت الشيخ سيد سابق، هل كنت سأنزل عند ما أشار علي به واحترم علمه وكبر سنه ومقامه في بيت الله الحرام؟ .. إن غرور الشباب وعناده والذي يصور أن كل ما يعرفه حق وهو صورة أخري من صور اعتقال العقل كان بالتأكيد سيمنعني ولم لا يمتلكني الغرور وكل من يعرفني يشيد بما أتمتع به من ذكاء؟. وأسوء ما يسبب الغرور هو المديح.لم يكن هذا هو الاختبار الأول لي الذي أخفقت فيه وإنما تلته اختبارات مماثلة لم يكن حظي فيها أفضل اذ عرض علي فيها من هو أزكي فتمسكت فيها بمن هو أدني لأن كلمة مني سبقت ولا يجدر بي التراجع عنها . للأسف كل ما اعتبرته من المثاليات لم يكن سوى فهم خاطئ للمثالية مستمد من انطباعات متولدة عن قراءة الروايات الرومانسية لم أخضعها للتفكير والتأمل وفهم متسرع لشرع الله وفق ما قدمته كتابات للإمام فلان أو الإمام فلان أم أتباعه . لم أتمكن من تحرير عقلي أو النزوع إلي تحريره إلا بعد أن تقدمت في العمر ولم يعد تحريره يفيدني.
والنفس التي يلازمها العقل الحر في وحدة القلب هي نفس عاقلة إن أحبت امتلكت حبا حقيقيا معقولا .بينما أذا رافقت عقلا معتقلا في حبها أو إذا انفصلت عن العقل ،هو ما لا يحدث عادة في غير حالات الأمراض والانحرافات النفسية ،وأحبت، كان حبها مبنيا علي الأوهام ولا يقوي علي الصمود أمام محدثات الأيام.

فعن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد لله ( الصادق ): إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة ، وقد هممت أن أتزوج . فقال لي : انظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينـك وسـرك ، فإن كنت لابد فاعلاً ، فبِكراً تنسب إلى الخير وإلى حُسن الخلق ، واعلم أنهن كما قال:
ألا أنّ النساء خلقنّ شتى فمنهـن الغنيـمــة والغـرام
ومنهن الهـلال إذا تجلى لصـاحبــه ومنهـن الظـلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد ومن يغبن فليس له انتقام .
وهن ثلاث :
فامرأة : بِكر ، ولـود ، ودود ، تعين زوجهـا عـلى دهره لدنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه .وامرأة : عقيم ، لا ذات جمال ، ولا خلق ، ولا تعين زوجها على خير.وامرأة : صخّابـة ، ولاّجـة ، همّـازة ، تستقـل الكثير ولا تقبل اليسير.
ولا يمكن التمييز بين هذى وتلك بغير العقل ويعمي الإنسان عن التمييز إذا سلم أمره للهوي أو استبدت به الأوهام.
الخطوبة عند قبيلة الطوارق:
قد يكون من المفيد هنا ذكر عادات وتقاليد قبيلة الطوارق المنتشرة علي الحدود المشتركة لكل من الجزائر والنيجر ومالي . فهذه القبيلة ما أن تبلغ الفتاة عندهم حتى يقيمون حفلا يتم فيه دعوة شباب القبيلة الأعزب اليه يسمونه حفل التندي والغرض منه الإعلان أن البنت لم تعد طفلة وانما أضحت صالحة للزواج. ينزل الشباب الذين لديهم رغبة فيها إلى حلبة الرقص فان فضلت البنت أحدهم أابانت عن موافقتها عليه بالنزول والرقص معه فينسحب الباقي ويتم إعلان الخطوبة وتستمر الخطوبة عاما كاملا يري فيهما كلاهما الآخر كل يوم فان توافقا أتم الزواج و إلا عادت الفتاة وأقام لها أهلها حفل تندي آخر. نفس الشيء يحدث للمرأة التي استوفت عدتها بعد أن طلقت أو ترملت فتقيم هي أيضا حفلا للتندي للإعلان عن انتهاء موانع زواجها ورغبتها في الحصول علي زوج جديد . هذا التقليد أتمني أن يتم الأخذ به في جميع المجتمعات الإسلامية.
ويحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق لقوله تعالى : " وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ"(البقرة: الآية235). ويباح التلميح بذلك فقط.والتلميح أو التعريض كأن يقول : إني في مثلك راغب ونحو ذلك والتصريح : كأن يقول أريد أن أتزوجك .
وكما لا يجوز للمسلم أن يخطب علي خطبة أخيه المسلم حتى يدع فلا يجوز للفتاة المسلمة أن تفاتح شاب فى أمر الزواج بها وهي تعرف أنه خاطب لغيرها حتى يدع. ولما كانت فترة الخطوبة طال أم قصر أمدها يظل الغرض منها الإعداد للزواج ولكي يتأكد كل من المقبلين علي الزواج بصلاحية الطرف الأخر له، وتوافقه معه نفسا وخلقا وطباعا وفكرا وعادات ، فانه يجب إزالة أي قيود تحول دون تحقيق فترة الخطوبة أهدافها كاملة والاكتفاء بأن يوجه أهل كل من العروسين أولادهما الالتزام بالفضيلة وبما لا يمس بالشرف أو يعد خروجا علي حدود الدين ومن أساء منهما بعد ذلك فلنفسه و"كل نفس بما كسبت رهينة" "ولاتزر وازرة وزر أخرى". ودون أن يعني هذا أيضا التفريط الكامل الذي يتعدي تحقيق الخطبة أغراضها وآدابها ويهدر مسؤولية الأسرة عن أولادها وبناتها. إذ لا يتطلب تحقيق الغرض من الخطبة أن يصطحب الفتي الفتاة إلى بيت يخلوا بها فيه أو إلى فراش يتقاسمانه سويا أو السفر معا إلي بلد يبيتان في فنادقه أو ما شابه ذلك من السماح لهما بقضاء الليل خارج المنزل . ويجب أيضا ألا تطول مدة الخطوبة وتجاهل أن كل يوم منها يِؤجج الرغبة إلى التواصل ألشبقي لدي كل منهما. وإنما أن تكون في الحد الأدنى الذي يكفل أن يتم ما يكفي من تعارف وتفاهم لبدء حياتهما الزوجية . فإذا كانا قد سبق لهما التعارف والتفاهم قبل الخطوبة،فإن عليهما التعجيل بإتمام الزواج في أقرب وقت ممكن. لآن فترة الخطوبة ليس الغرض منها هو إعداد بيت الزوجية وترتيبات الزواج والزفاف حتى يستهلك وقتها في ذلك. تمكين كل من الخاطب والخطيبة من أن يتعرف كل منهما علي الأخر وأن يؤدم بينهما ويكون كل منهما على بينه من أمره .
وهناك طرق أخرى لتدبير الخطوبة والزواج لدي القبائل الأفريقية لا تتفق مع تعاليم الإسلام نضرب صفحا عنها.

ضرورة نهي النفس عن الهوي:
يجب أن يحذر الخطيبان ممارسة أية علاقات شبقية خلال فترة الخطوبة وقبل أن يتم الزواج بدافع من الغريزة الثائرة المنفلتة عن مقتضيات الدين والعقل . فكرامة الفتاة تعتمد على المحافظة على عفتها حتى ليلة زفافها إلى عريسها وشرف وأمانة الخاطب هو المحافظة على عفة خطيبته وعرض أسرتها لا يمسهما بسوء حتى تنتقل عرسه إلي بيتهما. ومن أضرارها التي يحذر منها محرر موقع "صحة" بالاضافة الي أنها تعد شرعا زنا محرم ورجس من عمل الشيطانمايلي:
1.توليد عدم الثقة: فالشاب الذي استهوى فتاة ومارس الشبق معها سرعان ما يستفيق لنفسه ويتساءل ترى كم من شاب آخر سلمت هذه الفتاة نفسها له قبلي؟ ومن ثم يعتبر الشاب انه في نظر حبيبته لا يختلف كثيرا عن بقية الشباب الذين أوقعوها في شراكهم من قبل. والفتاة أيضا تراودها أفكار عدم الثقة والشك في حبيبها الذي استهواها وتتساءل ترى كم من فتاة سلمت نفسها له قبلي؟ واذا كان قد مارس الجنس مع اخريات قبل الزواج فما الذي يمنعه عن ذلك بعد الزواج؟ هذه الشكوك تتزايد في عقول الذين يمارسون الجنس قبل الزواج وتستمر بعد أن يتزوجوا فتصبح العلاقة الجنسية مجرد روتين ممل.
2.منشأها البواعث المريضة: فهناك الشاب الذي يود أن يثبت رجولته، والفتاة التي تسعى لشراء الاكتفاء العاطفي بتقديم جسدها. آخرون يسعون نحو الإثارة بدافع الشهوة. والذي يتخاذل أمام شهواته وانفعالاته الغريزية سيقع فريسة الزنى. فالعلاقة الجنسية قبل الزواج تجمع رفقاء السوء وتحطم الصداقات الحقيقية بين الشباب. ومخطئ من يظن انه عن طريق الجنس يستطيع الاحتفاظ بالطرف الآخر حتى يتزوجا.
3.تجربة لاجدوي منها :يوجد اعتقاد خاطئ مفاده على الذين يزعمون الزواج أن يمارسوا الجنس حتى يقرروا فيما إذا كانوا يتلاءمون مع بعضهم شبقيا أم لا. ولكن هذا الاعتقاد خاطئ من أساسه. فهل سيمارس الشاب الشبق مع كل الفتيات حتى يرى التي تناسبه قبل أن يتزوجها؟ ...التوافق والانسجام الشبقي يتولد في نطاق الرابطة الزوجية المقدسة التي تجد الحماية والأمن في ظل القانون والعرف الذي يصادق على علاقتهما الشرعية. فالتقدير الكامل الواعي لعطية المحبة هذه التي حبانا بها الخالق المحب لا يتم اكتشافه أو اختباره إلا في نطاق الرابطة الزوجية.
4.عرقلة القدرة على التمتع بجمال العلاقة بعد الزواج:اكبر حجة في صالح إبقاء العلاقة الشبقية إلى ما بعد الزواج هي أن تلك العلاقة لا يمكن اكتشاف جمالها التام إلا في الزواج ففي اختبارات البشرية لا يوجد ما هو أعمق وأجمل من الوحدة الجنسية المتكاملة والصحية بين الزوج وزوجته. ففي رابطة الزواج يجتمع شخصان ترعرعا في بيئات مختلفة ولم يعرف أحدهما الآخر من قبل ويتحدا في علاقة وثيقة وشركة متبادلة. هذا الاختبار الرائع أساسه إعطاء الذات بكاملها للآخر. فالزوج لا يطالب بشيء لنفسه بل يعطي ذاته. والزوجة تكون لها مطلق الحرية أن تقدم ذاتها أيضا في محبة مشتركة ومتبادلة دون أن يكون لها أدنى شك في أنها قد أجبرت على شيء أو قد استغلت. في هذه العلاقة يتعهد الاثنان بالإخلاص لبعضهما فيعطي كل واحد نفسه للآخر. وبموجب هذا الوعد يكون كل طرف حرا من المنافسة أو من طلب أية ميزات لنفسه على حساب رفيقه. الممارسات الجنسية قبل الزواج تعكر صفو هذه العلاقة بعد الزواج لأنها تسلب من يمارسها القدرة على التمتع بجمالها الحقيقي ومعناها السامي. وهي في الوقت ذاته تسلب الزواج إحدى ركائزه التي توجد بين الطرفين وهكذا تضعف رابطة الزواج. المؤمن الحقيقي يدرك أن الله قصد أن يكون الزواج جميلا ودائما دوام حياة من يقدمون عليه. ولهذا فمن حق الله علينا أن يطلب منا الامتناع عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه العلاقة الوثيقة، إذ أنه يأمرنا بإبقاء العلاقة الجنسية مقصورة على الزواج.
 أهمية التعارف والمحبة قبل الخطوبة والزواج
من الضرورى ،خاصة في هذا الزمان ، أن يقتنع كل من المقدمين على الخطوبة بالأخر وبميل قلبه له وحبه له حبا حقيقا وليس متوهما أو زائفا. وليس الوسامة والجمال واكتمال الصفات العضوية سببا وحيدا للمحبة المفضية للخطوبة والزواج. دون أن يمنع أنك يكون لهذه المواصفات دورا هاما في ذلك ، ومع ذلك ، فد لايعبا رجل بامرأة أو امرأة برجل حتي إذا ما تحدث كل منهما للآخر وتعارفا أحس كل منهما بأن لاغني لأحدهما عن الآخر.
يتميز الحب الحقيقي عن سواه بأنه يقوم علي أسس موضوعية ، أحيانا تكون نفسية غير ظاهرة، وأنه قابل للنمو والتطور والدوام مدي الحياة اذا ما تم تعهده والحرص عليه في الحياة الزوجية من قبل الزوجين.
الائتلاف النفسي أو الروحي ليس سببا في الحب الذي يقود إلى الزواج ، وإنما هو فقط يمهد الطريق له ،إذا كان كل من الرجل والمرأة اللذان يشعران بالتآلف علي استعداد المضـي قدما لبناء علاقة حب تفضي للاتفاق علي الزواج.وما أسميه بالأسس الموضوعية الظاهرة أو المادية ،هي مؤثرات حسية يلعب بعضها أو كلها دورا في زيادة التقارب بين المحبين. ومن أهم الحواس التي تلعب دورا في ذلك ثلاثة:
1.حاسة النظر:
لقد طلب الرسول صلي الله عليه وسلم من الذي يخطب فتاة بأن ينظر إليها وأن تنظر إليه وبرر ذلك بقوله : "حتى يؤدم بينهما " أي يلق الله بذرة المحبة في قلبهما إن شاء وتدوم تلك المحبة أيضا ، هذا إذا ما تآلفت نفسيهما. أما إن أحس أحدهما نفورا من الأخر فعليه العدول عن الزواج واليوم غير الأمس حيث.كان الاكتفاء بالنظر وفقا للتقاليد والأعراف السائدة ساعة الخطوبة .
إذ تختلط الفتاة اليوم مع الفتى ابتداء من التعليم الابتدائي في بعض البلدان وابتداء من التعليم الجامعي في بلدان أخري مما يتيح ادامة النظر والحصول علي معرفة أفضل عن الطرف الاخر.

مايهتم به النظر هو التأكد من اكتمال صفات الرجولة عند المحبوب بالنسبة للمرأة واكتمال صفات الأنوثة عند المرأة بالنسبة للرجل . فمن الطبيعي الاتقبل المرأة برجل فيه بعض صفات النساء أو يتشبه بهم في شيء ما وألا يقبل الرجل بالمرأة المسترجلة. فما يخص الرجال والنساء تحدده التقاليد والأعراف المجتمعية السائدة بما لا يسمح بالخلط بينهما وقد يبدو الرجل أكثر وسامة بدون لحية أو شارب ولكن وجود واحد منهما يهم المرأة لأنه يمثل علامة تدل علي الرجولة.

حضرت حفلة أقامها المركز الثقافي المصـري بالرباط شارك في إحيائها مغني أشبه بالبنات منه بالرجال ،وكانت فتاة تعمل ممثلة تبدو مهتمة به التقيت بها بعد ذلك فسـأ لتها عما يعجبها فيه ، فقالت : إن مثله تشعر معه بالأمان .فسألتها إن كانت تقبله زوجا إن تقدم لها خاطبا ، فانتفضت وردت علي الفور: بالطبع..لأ.

يذكرني بمثل هذا ما ورد في قصص ألف ليلة وليلة ولو أنه يخدش الحياء، ففي مواجهة امرأة قالت بأنها تفضل المرد ترد عليها من تقول لها:
" يا رعناء.. هل يزين الشجر إلا ورقة؟..أما علمت أن اللحية للرجل مثل الذوائب للمرأة .. ومالي وفرش نفسي تحت الغلام الذي يعاجلني بإنزاله ويسابقني إدخاله ، وأترك الرجل الذي إذا شم ضم ، وإذا أدخل أمهل , وإذا فرغ رجع، وإذا هز أجاد, وكلما خلص عاد...."

يأتي ضمن النظر أيضا مراقبة تصرفات الطرف الآخر لسبر أغواره ومعرفة مدي تدينه وتقواه.فالمؤمن التقي هو الذي يخشي الله في السر والعلن ويصون الأمانة ولا يكذب أو يغش أو يخون وهو الذي يحافظ عل المودة والتراحم. وهو بالتالي الذي يؤمن جانبه عند العيش معه.

التقوى الحقيقية عند الرجل ليست لحية مرسلة أو مسبحة متدلية أو مواعظ مستهلكة وتدخل في شئون عباد الله وانتقادهم وتوزيع اللعنات عليهم بدعوي الغيرة علي الدين والتشبث بتلابيب التقوى.والتقوى الحقيقية عند المرأة لا تقتصر على حجاب ولا يثبتها أو يؤكدها نقاب.
التقوى أكبر دليل عليها هو أخلاق المرء وشيمه وشممه . وشمم التقي ليس الكبر وإنما العزة والعفة والترفع عن الصغائر وعدم التدخل فيما لا يعنيه من أمور الناس إلا نصيحة لمن يحب من قبيل التراحم معه والمحبة له والإشفاق عليه . وصف الله رسوله فقال:"وانك لعلي خلق عظيم" وسئلت عنه السيدة عائشة فقالت : "كان خلقه القرآن". الأخلاق الكريمة والتي تشمل طائفة كبيرة من القيم التي حض الله ورسوله المسلمين علي التمسك بها أو وصف الله المؤمنين بها في كتابه أو ماورد في القرآن من وصايا النبيين السابقين لمن تبعهم من المؤمنين ، هي من أهم الأدلة علي التقوى .

مررت يوما علي مسجد في مدينة طنجة علي مسجد وجدت مكتوبا علي بابه :" شيده المحسـن فلان" فقلت في نفسـي ذهبت هذه العبارة المكتوبة بإحسانه. ولم تستطب نفسي الصـلاة فيه بعد أن وقر فيها بأنه مسجد لم يؤسس علي تقوى الله ولم يستهدف به مرضاته.

واذا تأملنا في قوله تعالي:" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين " أدركنا أهمية التقوى للأخلاء أي الأحباء لأنهم اذا كانوا أتقياء فلن تتحول محبتهم إلي عداوة بينهم .حتى لو انقطعت الصلة التي تربطهم وانصرف كل عن الآخر سنجده يذكره بالخير.

وتأتي أهمية حاسة النظر من تأثر عاطفة الحب بالإحساس بتوفر الصفات المتخيلة مسبقا عن الحبيب أو الحبيبة أو كثير منها علي الأقل. هذه الخيالات التي تلازم فترة المراهقة في ما يعرف بأحلام اليقظة وتطاردهم أيضا في الأحلام. هذه الخيالات إن كانت علي فطرتها ولم تتأثر بمعرفة مكتسبة من أية مصدر تقدم في الغالب صورة مثالية للتكوين الجسماني للرجل أو المرأة ولو أن تخيلها تتحكم فيه عوامل نفسية محضة مرتبطة بالشبق كرغبة من ناحية وكموضوع سري يتم الاستحياء من ذكره أو مجرد الإشارة إليه في العلن.
من هذه الصفات بالنسبة للرجل أن يكون قوي البنية، عريض مابين المنكبين ، أطول قامة من المرأة ، مهضوم الخصر والبطن غير مكرش ، صغير الاليتين أو متوسطتان في الحجم كحد أقصي . تدفع إلي هذه الصورة ما تشعر به الفتاة من ضرورة أن يغطيها بالجزء الأعلى من جسمه إذا ما افترشها فلا يرى وجهها أحد ، وأن يكون مرنا أوسطه وخفيفا أسفله بالقدر الذي يمكنه من تحريكه علي النحو الذي يحقق إمتاعها.

لفد أرانا الله سبحانه وتعالي كيف أحبت ابنة النبي شعيب موسى عليه السلام بعد أن خرج من مصر وكان عمره عشرين عاما ،عندما رأت قوته وهو يدفع الرعاة عن البئر حتى سقي لها ولأختها أغنامهما ثم كيف ازداد حبه لها عندما عرفت أمانته وعفته بعدما جاءت علي استحياء تدعوه لكي يأتي معها لمقابلة أبيها لكي يكافئه علي حسن صنيعه فمشى أمامها وليس بجورها أو خلفها.تقول الآيات:" وقالت إحداهما يا أبت استأجره لنا إن خير من استأجرت القوي الأمين . قال: إني أريد أن أنكحك أحدى ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك ، ستجدنني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلاعدوان علي .والله علي ما تقول وكيل"(القصص26-28). وتقول الروايات أن موسى طاب له المقام في مدين ذات الأيكة فعاش فيها عشرين عاما أتقن فيها اللغة الآرامية التي نزلت بها التوراة عليه فيما بعد.
ولقد كنت في مبدأ شبابي ضعيف البنية نحيل العود خجولا فلم تكن تأبه بي الفتيات.

بالنسبة للرجل نجده يهتم بالمرأة الرشيقة البارزة النهدين والخفيفة الوزن وأن تكون واسعة الحوض ممتلئة الأرداف دون إفراط.أما الطول فهو يريدها في طول قامته أو أقصر قليلا ولا يجد لديه قبولا لمن هي أطول منه قامة إلا في حالات قليلة تعد استثناء عن القاعدة. في الحقيقة فان اتساع حوض المرأة ييسر الولادة الطبيعية لها وقد شاع أن اتساع الصدر يدل علي اتساع الحوض مما دفع الكثير من النسـاء إلي الحرص أن تبدو أكتافهم عريضة بإضافة حشو من القطن لأكتاف ثيابهن .
وفي التراث الفرعوني وجدت نقوش يصف فيها كاتبها من يحبها بأنها :
"أنها الفريدة المحبوبة التي لا نظير لها، أجمل جميلات العالم، انظر إليها كمثل النجمة المتألقة في العام الجديد على مشارف عام طيب. تلك التي تتألق و التي تبرق بشرتها بريقا رقيقا ولها عينان ذواتا نظرة صافية وشفتان ذواتا نطق رقيق ولا تخرج من فمها أبدا أية كلمة تافهة".
"هي ذات العنق الطويل والصدر المتألق وشعرها ذو لون لامع. ان ذراعيها تفوقان تألق الذهب وأصابعها تشبه كؤوس زهرة اللوتس. أنها ذات خصر نحيل. وهي التي تشهد ساقها بجمالها. ذات المشية المتسمة بالنبل عندما تضع قدميها على الأرض."
ونجد وصفا فى ألف ليلة وليلة لفتاة تدعى منار السنا بأنها :" صاحبة وجه مليح ، وقد رجيح،أسيلة الخد، قائمة النهد، دعجاء العينين ، ضخمة الساقين، بيضاء الأسنان، حلوة اللسان،طريفة االشمائل ، كأنها غصن مائل، بديعة الصفة، حمراء الشفة، بعيون كحال ،وشفاه رقاق، ..وجهها منير كالقمر المستدير، وخصرها نحيل،وردفها ثقيل، وريقها يشفي العليل، كأنه الكوثر والسلسبيل.....".
ووصف أخر لفتاة تدعى قوت القلوب :" أسيلة الخدود ، بوجه أقمر وجبين أزهر، سكنت جفونها فتورا، وابتهج وجهها نورا، كأن الشمس تطلع في غرتها،ظلام الليل من طرتها،والمسك يفوح من نكهتها،والأزهار تزهو من بهجتها،والقمر يبدو من جبينها،والغصن يميل من قدها كأنه البدر التام قد أشرق في جنح الظلام. وقد تقوس حاجباها، وصيغت من المرجان شفتاها. تذهل من حسنها من نظرها، وتسحر بطرفها كل من رآها.جل من خلقها وكملها وسواها."

وسئل أعرابي عن أحسـن النسـاء فقال: أطولهـــــــن إذا قــــــامت وأعظمهــــن إذا قعــــدت وأصدقهـــــن إذا قـــــالت .التي إذا غضبـت، حلمت وإذا ضحكــت، تبسمــت. وإذا صنعـت شيئاً جودته. التـي تـلـــــــــزم بيتـــــها ولا تعصـي زوجــــــــها. العــزيــزة فــي قومــــها الذليلـــــــــة في نفســــها. الـــودود الــــــولــــــــود وكــــل أمرها محمـــــود.

عندما تعثر المرأة على رجل قريب تكوينه الجسماني مما كانت تتخيله فانه سيجذب انتباهها وأن أتيحت الفرصة لآن يكون قريبا منها بحيث تتبادل معه الحديث فقد يكون ذلك بداية لبزوع الحب بينهما ونفس الشيء بالنسبة للرجل ان وجد في المرأة ماكان يتخيله فيها من زمن المراهقة.
وبعد التكوين الجسماني يأتي حـســن المنظر والمظهر فكل من الرجل والمرأة المتحبان لابد أن يحرص علي أن يبدو في عين الآخر في أحسن صورة ممكنه وتوفرها الظروف المتاحة ٫
ولايمكن تفسير اهماله لنفسه في لقاءه من يحب بغير عدم اهتمامه بمحبته. حسن المنظر والمظهر قد يلفتان النظر في بداية الأمر قبل أن يتولد الحب ودوامهما هو دليل علي استمرار ذاك الحب.

وإذا كان لايجوز شرعا للمرأة المتزوجة أن تبدي زينتها لغير زوجا ، فإنه مطلوبا من المرأة الغير متزوجة أن تتزين طلبا للزواج حتي وإن لم تكن مخطوبة ،على نحو ما سبق الإشارة إليه ، وبالتالي فإن على كل من الخطيبين أن يتزين للآخر حتي يروق منظره في عينيه ، ويزداذ محبة له ، وإقبالا على الزواج منه.

ويقول محرر موقع السراج:" ينبغي التفريق بين الجاذبية الباطنية ( والتي لهـا معادلات غير معروفة بشكل واضح ) وبين الجاذبية الشكلية ، ولهذا يفرقون بين المليحة والجميلة .. ومن المعلوم أن الأول نوع جمال يستند إلى الخصال الباطنية ، التي لو اكتملت في فردٍ ، قذف الله تعالى محبته في قلوب الآخرين ، كما هو مشاهدٌ بالوجدان." ويركز على ضرورة التوافق الثقافي والمزاجي فيقول:" لا مانع من الزواج فيما لو كان الزوجان في سنين متطابقة أو متقاربة ، مع وجود شيء من التوافق الثقافي والمزاجي .. فالملحوظ أن الفارق الشاسع بين مستوى الزوجين في المجال العلمي والثقافي ، مما يوجب شيئاً من الإرباك في الحياة الزوجية ، لعدم وحدة لغة التفاهم والتخاطب بينهما ، مما يعمّق هوة الخلاف عند أدنى مثير في الحياة الزوجي"
كما لا يفوتني أيضا ذكر مما للهدايا الغير متوقعة من تأثير وخاصة التي كان المهدي اليه بها في حاجة اليها أو كانت ذات دلالات رمزية محببة اليه مثل تقديم بضعة ورود أو حتى وردة واحدة.

2- حاسة السمع:
كثيرا ما يقال إن الأذن تعشق قبل العين أحيانا ، وهذا حق.فالصوت يكشف عن مزيد من صفات الذكورة والأنوثة . كما يكشف أيضا عما خفي من صفات الشخصية وطباعها وما انطوت عليه من مشاعر، فنبرات الصوت وطريقة النطق يمكن أن يشستشف منها دلائل علي الشفقة والرحمة أو العتو والجبروت والقسوة وعما اذا كانت عاطفة الحب ذات جذور عميقة أم مجرد قشرة علي السطح. بالطبع لن يتنبه لذلك سوي المرأة أو الرجل عندما يحتفظ كل منهما بعقله يقظا أثناء اللقاء ، أما من غيب عقله بدعوى ألا حاجة إليه في غمرة

العاطفة والحب فعليه أن يلوم نفســه إن إكتشف بعد ذلك أنه كان مخدوعا قبل أن يلوم من يعتبره قد خدعه .
هناك أيضــاحقيقة مؤداها أنه ما من رجل يستطيع أن يقاوم مديح أنثي له. وبالطبع كلما كان المديح صادقا ومعبرا عما تحس به المادحة كلما كان تأثيره كبيرا عليه فإن كان لم يشعر بالحب بعد جذبه المديح إلى حب من مدحته وإن كان الحب في بدايته زاد حبه لمادحته.
نفس الشئ يمكن أن يقال عن المرأة ، إذا لا توجد أنثي لا يعجبها إطراء الذكر لها وتغزله فيها وتكاد أن توقف ولو لكي يبتلع ريقه أن تقول له : زدني.

ولكن هذا لا يمنع أن بعض الرجال والنسـاء تنطلق ألسنتهم مثرثرة كما تشاء وبطلاقة يحسدون عليها أما إذا التقي الرجل بحبيبته أو المرأة بحبيبها وجدتهم قد تحولوا الي بكم لايملون من النظر كل منهما إلي الآخر في صمت وكأنهما لا تدل هذه الحالة علي نقص في العاطفة أو تردد فيها وإنما هي دليل على تغلغلها في العمق.في هذه الحالة يعرف الصامت أنه لو نطق صادقا فلن يقل سوى الألفاظ المعبرة عن الاشتهاء الشبقي. وطالما أنه لا يحق له أو لها التعبير عن ذلك لمن لا يحل له أو لها ، رغم حبه الشديد ، فلا مفر من الصمت، لأن أي كلام آ خر سيكون بمثابة لغو. للآسف أحيانا لا يفهم الأمر علي هذا النحو من أحد الجانبين ويفسر تفسيرا خاطئا ويكون سببا في قطع علاقة صادقة مبنية علي العفة والإخلاص والمحبة الحقيقية. الرجل الذي يحب بصدق يعتبر حبيبته شيئا مقدسا طاهرا لا يجوز مسه حتى تكون حليلته ، بل هو ينظر للفتاة كما لو كانت وعاء هشا قابل للكسر ويجب أن يحافظ عليه سليما حتى يجمعهما فراش الزوجية الذي يحل فيه ما كان محرما وينطلق من عقاله كل ما كان مكبوتا. ولاغرو من أن هذا الصنف إلى حبس شوقه في صدره وشبقه بين صلبه وترائبه من خشية الله وتقواه ومن فرط حبه وخوفه علي حبيبته أن يتصرف ليلة زفافه ولكأنه جن وفقد عقله بعد أن تهيمن عليه الشهوة وأن تكون مثله حليلته التي التزمت العفة بإصرار انتظارا لهذه الليلة الميمونة لكي تطلق المخبوء كله دون انتظار.

3- حاسة الشم :
حاسة الشم هي الحاسة الثالثة التي لها تأثير علي نشوء حب ما قبل الزواج ويظل تأثيرها الايجابي أيضا خلال الزواج مطلوبا لاغني عنه مع باقي الحواس الخمس.
مما لا شكك فيه أن كل من الذكر والأنثى تستهويهما رائحة العطر الذكي مع التحفظ بأن النساء لا يحببن شم رائحة عطر تستعمله النساء يفوح من رجل ولا يستطيب الرجل رائحة عطر علي امرأة هو من عطور الرجال.

ويأتي بعد رائحة العطر رائحة الجسم النظيف سواء للمرأة أو الرجل فرائحة جسم الأنثى التي تدل علي نظافته تزيد من اشتهاء الرجل لها ورائحة جسم الرجل النظيف تزيد من اشتهاء الأنثى له. وحيث الباب مسدود أمام الاشتهاء قبل الزواج فوجود المتناقضين في وقت واحد داخل النفس والعقل معا ، أي وجود الرغبة التي تجذب والمنع الذي يصد ، هذا التعارض يزيد من حرارة الحب وشدته.

ولعل أكثر ما يبين أهمية العطر والروائح الذكية عامة في التأثير علي الأخر ما روي عن مسيلمة الكذاب ولقائه مع المتنبئة الكاذبة مثله سجاح علي النحو الذي جاء في أحد كتب التراث .فقد اعتبر مسيلمة أن ادعاء سجاح النبوة مثله فيه تحد له وتهديد لمركزه ومصداقيته لدى قومه مما أزعجه ولما زاد ضجره قرر إتباع نصيحة أحد أصحابه الذي قال له : إذا كان صبيحة غد اضرب خارج بلدك قبة (خيمة) من ديباج ملون وافرشها بأنواع الحرير وانضحها نضحا بأنواع المياه الممسكة مثل ماء الورد والزهر والنسرين والقرنفل والبنفسج وغيره . فإذا فعلت ذلك فأدخل تحتها المباخر المذهبة بأنواع الطيب مثل العود والمسك والعنبر ، وأرخ أطناب القبة حتى لا يخرج منها شيء من ذلك البخور . فإذا امتزج الماء بالدخان فأجلس على كرسيك وأرسل لها واجتمع بها في تلك القبة أنت وهي لا غير. فإذا اجتمعت بها وشمت تلك الرائحة ارتخي منها كل عضو وذهلت عن نفسها، فإذا رأيتها في تلك الحالة راودها عن نفسها فإنها تطيعك . فإذا نكحتها (أي جامعتها) نجوت من شرها وشر قومها. وقد أتت هذه الحيلة أكلها وما إن خàرجت سجاح من القبة حتى أعلنت لقومها بأنها دخلت في دين مسيلمة وتزوجته بعد أن تلي عليها ما أنزل إليه فوجدته علي الحق واتبعته.

وكما للرائحة الطيبة تأثيرها في تقريب النفوس لبعضها فإن الرائحة الكريهة تعمل بقوة علي نفور النفس من النفس. وتأتي الريحة الكريهة من الفم المصاب بداء البخر والذي تأتي الرائحة من تعفن فضلات الطعام بين ثنايا الأسنان بسبب إهمال تنظيفها أو بسبب التهاب اللوزتين أو نتيجة مرض صدري ويزيد من سوئها اختلاطها برائحة التبغ المحترق لدي المدخنين. مصدر أخر للرائحة الكريهة التي لا تطاق هو عرق الجسم غير النظيف وخاصة العرق الذي ينتج عن أماكن بها شعر لم تتم إزالته مثل تحت الإبط والعانة حيث تتحول هذه الأماكن إلي مزارع للبكتيريا. أما المصدر الثالث فهو إفرازات المهبل لدي المرأة عندما تعيش في هذه الإفرازات بكتيريا تفسـد رائحتها وتجعلها نفاذة كريهة.وهناك أيضا رائحة عرق القدمين المنبعث من أحذية الرجال نتيجة عدم استبدال الجوارب التي اتسخت بأخرى نظيفة. الخلاصة أن أي رائحة كريهة تنبعث من الرجل أو المرأة كفيلة بأن تثير النفور منه أو منها.
علما بأن رائحة الإبط النظيف المنزوع الشعر لدي الرجل تثير الرغبة لدي النساء.

لا يبقي من الحواس بعد ذلك سوي حاستي اللمس والذوق وهاتان تبدو فاعليتهما بعد الزواج وخاصة في الإثارة الشبقية خلال ممارسة الشبق في فراش الزوجية أو التحضير له وبا لإضافة إلي الحواس الثلاثة السابقة والتي تظل مطلوبة أيضا وإن في إطار سياق مختلف. إلا أن اللمسـات العادية مثل المصـافحة باليد أو الإمسـاك بها ، خلال فترة الخطوبة أو حب ما قبل الخطوبة والزواج ، لها تأثير أيضـا كبير علي التقريب بين القلوب وتثبيت المحبة.

مراحل الخطوبة :
الخطوبة فترة مهمة قبل الارتباط بالزواج وخوض كل من المقبلين على الزواج تجربة الخطوبة حتي لو لم تنته بالزواج أقوم سبيلا .فالفشـل في الخطوبة أفضل بكثير من الفشل في الزواج . ويجب علي الأهل ألا يتسرعوا بإتمام الزواج، حتي يتاح لكل طرف أن يتعرف علي الآخر، وعلي طباعه وحقيقة ظروفه، عن قرب، فبالعشرة وحدها تتم معرفة الآخر . وفي مصر يجري مثل على هيئة سؤال وجواب يقول : هل عرفت فلان؟ - نعم . هل عاشرته؟ - لا ..إذن لم تعرفه.
وتمر الخطوبة بثلاثة مراحل هم :
1/ التعارف : حيث يتعمق كل من الخطيبين في معرفة الأخر : تدينه وأخلاقه وأفكاره وعاداته وطباعه وما يحب ويكره ومزاياه وعيوبه ...الخ
2/ التآلف : وهي المرحلة التي يفتنع فيها كل منهما بالآخر ويشعر بالراحة معه والاطمئنان له والثقة به والاستعداد للدخول في الحياة الزوجية معه.
3/ التكاتف : وفي هذه المرحلة يعملان معا على تيسير أية عقبا تواجههما لإكمال الزواج وتأثيث بيت الزوجية ويدركان أنهما بصدد بناء حياة مشتركة ممتدة مدى الحياة وتحتاج إلى التخطيط والتنسيق والصبر والتلاحم في التنفيذ ودراسة كل ما يتطلبه عقد الزواج والزفاف والحياة الزوجية في حدود الموارد والإمكانيات المتاحة ودون أن يعضـل احدهما الآخر، وبالوصول إلى هذه المرحلة تكون فترة الخطوبة قد استنفدت أعراضها ، ووجب وضع نهاية سعيدة لها وعدم السماح بإطالتها لأي سبب.
ونظرا لآهمية المرحلة الأولي سيتم التعريف بها باعتبار أن ما يليها متوقف عليها.

الخطوبة لدي الأقباط المصريين:
تحاط الخطوبة عند الأقباط المصريين الأرثوذكس بطقوس دينية تتم غالبا في الكنيسة وأحيانا في بيت العروس بواسطة الكاهن أو القسيس وتعد بمثابة نصف زواج لآن يإرادة الطرفين قد اتجهتا نحو الزواج والسير في طريقه لحين تحقيقه مالم يتراجع أحدهما أو يترجعان معا عن اتمامه ويكتب محضر للخطبة الرسمى يدون فيه الاسم والسن والشبكة وموعد اتمام الزواج ثم يتم التوقيع عليه من الخطبيين والوكيلين والشهود ثم يعتمده الكاهن.
وتجلس الخطيبة على يمني خطيبها حسب المزمور القائل "جلست الملكة عن يمين الملك" (مزامير 45: 9)،. وهذا هو وضعها الطبيعى لأن حواء خلقت من جنب آدم الأيمن. وهو الوضع الذي نشاهده في تماثيل الفراعنة أي كان معمول به قبل ظهر موسي والمسيح. ويقوم بإعلان الخطوبة على ألنحو التالي :يتم في فى هذا المحفل خطوبة الابن المبارك الأرثوذكسى (فلان) ثم يصلى الجميع: أبانا الذى فى السموات......
وييصلى الكاهن صلاة الشكر. وبعد ذلك يتم تلبيس الدبلتين والشبكة للخطبيين.ويقوم الكاهن بالدعاء لهما ويردد الدعاء خلفة الشمامسة بأن يفيض الله على الخطبيين برضاه وفضله وأن يبارك مشروع الزواج ويكتب له التوفيق وحسن الختام.و أن تكون هذه الخطبة طاهرة وشرعية ومقدمة لمصاهره فاخرة مرعية وأن يملأ قلب الخطبيين بالتهانى والحبور وأن يبلغهما نيل الأمانى بوافر السرور.و أن يقرن الله هذه الخطبة بحسن القبول وأن يمنح الخطبيين حياة هنيئة أن يحفظهما ناهجين فى طاعة الله وأن يرتبطا بأصول الايمان والفضائل وأن يحفظهما مصونين من شوائب الخلاف والرذائل وأن يتمم لهما الفرح بحفل الاكليل المبارك.
والحقيقة أن الخطوبة تنعقد فيها النية على الزواج في نهاية فترتها منذ البداية ونادرا ما يتم فسخها وهو ما يتطلب احاطتها بقدر من الإحترام والقداسة مثل ما للزواج في الدين ، وأن لايتم الاقدام عليها بنية التلهي أو اللعب أو قضاء وقت وإنما بنية صادقة وخالصة في الارتباط ، ويعترض أن يكون الخطيبان قد تعارفا قبل الخطوبة وأن إعلان الخطوبة هو لمزيد من تعميق التعارف . وإذا كانت الكنائس المسيحية قد ابتدعت الطقوس الدينية في حالتي الخطوبة والتي يسمونها الأقباط باللجبنيوت والزفاف الذي يسمونه بالأكليل فهي بلآشك بدعة حسنة تؤكد على روحانية الزواج وصلته بالدين وأنـه عقد بين الله والزوجين وميثاق غليظ على النحو الذي وصفه الله في القرآن الكريم.

التعارف خلال الخطوبة
إن فترة الخطوبة هي فترة تعميق معرفة كل من الخطيبين بالآخر ، إذا ما كان لهما سابق معرفة كزمالة في الدراسة أو العمل أوكجيران أو ما شابه ذلك . وهي بالتالي فرصة لتحليل الشخصية، ومعرفة تفاصيل دقيقة حول طبيعة الطرف الآخر، ما يساعد علي تجنب الكثير من المشكلات التي قد تقع بعد الزواج .
ويقترح كثيرون طرح كل من الخطيبين على الآخرأسئلة في عشرة موضوعات ، على النحو التالي والإجابة عليها:
1/ ماهو طموحك المستقبلي وماهو هدفك فالحياه؟ وهل المال عندك وسيلة أم غاية في حد ذاته؟.
2/ ماهو تصورك لمفهوم الزواج؟ وكيف تتحقق السعادة الزوجية في نظرك.؟ ومن هما أسعد زوجين صادفتهما في حياتك؟ وما ذا تظن أسباب سعادتهما؟
3/ ماهي الصفات التي تحب أن تراها في شريك حياتك؟
4/ هل ترى من الضروري إنجاب طفل في أول سنه؟ ، وكم عدد الأولاد الذين تطمح في أن يكون لذيك ، وأيهما تفضل الذكر أم الأنثي ؟ وماذا لو رزقك الله بأحدهما ولم يرزقك بالآخر.
5/ ما هي الأمراض التي تعرضت لها وهل تركت أثارا بعد العلاج؟ هل توجد ثمة أمراض منتشرة في عائلتك ؟ هل تعاني من مشاكل صحيه أو عيوب خلقيه؟
6/ هل أنت أجتماعي وتحب أن يكون لك أصدقاء كثيرين ؟ ومن هم أصدقائك؟ وماهي الصفات التي تعجبك فيهم؟ وهل تطلعهم على خصوصياتك؟
7/ كيف علاقتك بوالديك؟ ، وما هي مظاهر برك بهما واحترامك لهما؟ وما الذي يعجبك أو لا يعجبك فيهما أو في أحدهما؟.
8/كيف تقضي وقت فراغك ؟وماذا تعملفه أو تشغل نفسك به؟
9/ ماهي علاقتك بربك ودينك ؟ وماالذي في تصورك يجعل الله راضيا عنك؟
10/ ماهو رأيك لو تدخلت أمي في مشاكل أو شئ يخصنا؟
ومثل هذه الأسئلة التي تحدد الإحابة عليها مصير الخطوبة يجب التلطف في طرحا ، وألا يتم طرحها دفعة واحدة. وأن تنتهز الفرصة المناسبة لطرح كل منها.

محاذيـر الخطوبة
ما يجب أن يكون محظورا في الخطوبة ، ليس فقط لأن الدين يمنع ذلك ، وإنما لمصلحة المخطوبين ، وسبق الإشارة إليه وأعيد التأكيد عليه هنا ،هو ألا يتعجلان إرضاء رغباتهما الغريـزية على أي نحو ما ، أو تبادل القبلات أو الاختلاء معا فيما يعرف بالخلوة الشرعية التي تتيح لهما أن يكون بينهما ما يكون بين الزوجين وهما لم بتزوجا بعد. قد يلجأ أحدهما لذلك للتدليل على فرط محبته وشوقه للآخر أو ثقته فيه ، ولكن لذلك أضرار كبيرة تحدث إن لم يتم الزواج ويمكن أن تحدث أيضا بعد الزواج عندما يتصور الشاب أن خطيبته لم تستسلم لمداعباته وممارساته معها الا لأنها سهلة المنال . ولذا من الأفضل للفتاة ، مهما كانت ثقتها في نفسها ، وقدرتها على التحكم في رغباتها أن لا تنفرد بخطيبها في غير وجود أحد . وياحبذا لو حرصت عندما تخرج معه أن تصطحب معها أخ أو أخت أو قريبة لها حتي ولو كان طفلا. وإذا دعاها إلى بيته أن تشمل الدعوة أفراد من أسرتها كأحد الوالدين أو أخ لها أو تعتذر عن قبولها. وقد تسبق وتدعوه هو وعائلته على غداء أو عشاء في بيتها بحضور أهلها حتي يكون ذلك عذرا لها إن دعاها وحدها.
يجب دائما عدم الخلط بين الخطوبة والزواج وأن يكون الفرق بينهما كبيرا ، وأن يتم كل ما يحله الزواج إلى بعد أن يتحقق الزواج فعلا. الذي لايحتاج إلى تأكيد أن الذين والأخلاق القاضلة والأعراف المجتمعية كلها ترفض أن يكون في الخطوبة ما يحله الزواج فقط ، ولكن حتي لو افترضنا أن الدين والإخلاق والأعراف لاتمنع ذلك ، وهي فرضية خاطئة لو جب على الخطيبين تفادي ذلك لصالح زواجهما مستقبلا ولكي تحافظ الفتاة على سمعتها وطهارتها إن لم يتم الزواج لأي سبب ، سواء كان سببا متصـورا أو غير منظور ولايمكن التنبؤ به سلفا. وكثيرا ما يتم فسخ الخطوبة تسـاهل الفتاة وهروب الشاب بدعوى أن من نال مأربه منها لا تصلح للزواج .كما أن سيطرة الغريزة على عقول المخطوبين لأنها تصنع حجاباً على قدرة العقل على الحكم على الطرف الآخر وتقدير مدي صلاحيته للزواج ، إذ تعيق الشهوة الغريزية إكتشاف حقيقة الطرفين .
ومما يجب أيضا عدم الخوض فيه أو الســؤال عنه هو العلاقات السابقة لكل منهما ، ويكفي عند السؤال الإجابة بأن ما فات قد مات وما هو قادم هو الحي الذي سنعيشه وهو الأولى بالحذيث عنه والاهتمام به، عوض إحياء لميت لن نستفيد من إحيائه.
والحذر الحذر من الغيرة العمياء سواء في فترة الخطوبة أو بعد الزواج ، بل إن ظهور مثل هذه الغيرة خلال فترةالخطوبة تعدد سببا كافيا ومقنعا لفسخ الخطوبة وعدم استمرارها ، وجاء في حديث رواه ابن إسحاق في كتابه الكافي :بَيْمَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَاعِدٌ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ .
فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي فَجَرْتُ فَطَهِّرْنِي .
قَالَ ـ الراوي ـ : وَ جَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو فِي أَثَرِهَا وَ أَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْباً .
فَقَالَ ـ رسول الله ـ : " مَا هِيَ مِنْكَ " ؟
فَقَالَ : صَاحِبَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَوْتُ بِجَارِيَتِي فَصَنَعَتْ مَا تَرَى .
فَقَالَ : " ضُمَّهَا إِلَيْكَ " .
ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ الْغَيْرَاءَ لاتُبْصِرُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ "
ومما يجب أيضـا الحرص عليه هو ألا تطول فترة الخطوبة بعد أن تحقق هدفها وبدون أي مبرر أو عذر قوي أو قهري.فإنها إذا طالت أكثر مما يجب فقد تكون سبباً في أن يشعر الطرفان بالملل، فالكلام الجميل استهلك والكثيرمن المشكلات قد تظهر بالإضافة للضغوط الاجتماعية وكلام الناس.وتناسل الشائعات.
وثمة ما يجب الحرص عليه أيضا هو صدق النية عند الخطوبة من الجانبين في الزواج بعد أن تحقق فترة الخطوبة الغرض منها . ولقد شهدت حالات أقبل أحد الخطيبين على الخظوبة بغير نية الزواج في آخرها، وراح يماطل في إتمام الزواج بعد ذلك .

لقد كان الفقهاء القدامي يعتبرون الخطوبة مجرد وعد بالزواج يمكن التراجع عنه ، وكان قولهم يناسب ظروف زمانهم وخاصة في المدن حيث لم تكن النساء يختلطن بالرجال والشاب لايرى من خطبها له أهله ، وعلى الأصح والدته إلا ساعة الخطوبة ، أما في هذا الزمان ، والذي شاع فيه الاختلآط ولا يتقدم فتي لفتاة مالم يكن بينهما معرفة كافية ، ويعرف كل منهما عن اللآخر معرفته فإن الخطوبة لم تعد وعدا بالزواج وإنما تعهدا به يلزم كل من الطرقين. وكثيرا ما يجدث هذه الأيام أن يتم عقد القران والزفاف في يوم واحد دون أن تسبقهما فترة خطوب’ معلنة ، أو يتم عقد القران وإرجاء الزفاف لحين استكمال الترتيبات٫ ومع تغير الزمان وعاداته فلايمكن الاعتداد بأقوال السلف بالنسبة للخطوبة ، ووجب أن يكون لزماننا فقههه المختلف والذي يناسبه ويعبر عنه. وأن ترقي منزلة الخطوبة إلى ما يقترب من منزلة العقد ، وبالتالي لا يجوز فسخها بغير علة . وفسخها بدون علة موجبة للفسح من طرف واحد ، بمثابة ظلم للطرف الآخر وإلحاق أضرار معنوية به بدون وجه حق , والاسلام هو دين العدل والاعتدال والإحسان. والمتضرر يستحق التعويض عما أصابه من ضرر، لكن القوانين الجاري العمل بها لا تنصفه لاعتبارها الخطبة مجرد وعد بالزواج لآي من الطرفين الحق في التراجع عن الوقاء به دون إبداء الأسباب ، ودون أن يترتب للطرف الأخر أي حقوق.

فوزي منصــور

(* ملاحظة :ضم إلى هذا الموضوع جزء سبق نشره ضمن موضوع “الحب قبل الزواج” بعد أن تم فصل ما يتعلق بالخطوبة منه.)

No comments: