Sunday, November 18, 2007

الأسرة والحياة الزوجية - جدل الظاهر والباطن

الأسرة والحياة الزوجية:

جدل الظاهر والباطن

كل شيء في هذا العالم له ظاهر وباطن أو مظهر وجوهر أو هوية وماهية كما يقول الفلاسفة. وفي الفلسفة الهوية انعكاس للماهية مثلما تعكس المرآة الصورة ، ولكن المرآة تعكس الظاهر ولا تعكس الباطن أو تعكس الشكل ولا تفصح عن المضمون. ولذا- فإنه يمكن الاستدلال علي الماهية من وجود الهوية دون معرفة كنهها أو ما تنطوي عليه. بل وقد يوحي المظهر بغير ما يتضمنه الجوهر أو بعكسه .فالأرض تبدو أمامنا مسطحة وثابته وهي كروية وتدور. وعندما قال بكرويتها ودورانها حول نفسها وحول الشمس في البدء أنكر عليهم ذلك رجال الدين والعامة ممن يأخذون بظاهر الأشياء ولا يبحثون عما يمكن أن يكون الظاهر قد أخفاه عنهم ، بل واتهموهم بالزندقة والمروق عن الدين وحادثة محاكمة جاليليو بواسطة رجال الكنيسة والتي كان مهددا بالموت مالم يتزاجع عن قوله ، وقوله هو الحق، واضطر أن يتراجع عنه في الظاهر حتي ينقذ حياته، سجلها تاريخ العلم. ولذا فإن غير أولي العلم لا يعرفون سوي ظاهر الأشياء والذي قد يغيب عنهم جوهرها وحقيقة ماهيتها التي يجهلونها.

وإذا كان العلم هو الوسيلة أو الألية التي يمكن بها معرفة الماهية انطلاقا من الهوية ، أي أنه يتوسطهما، فإننا نجد ذلك واضحا في بنية الدين الإسلامي عندما نجدها تتكون من الإسلام والإيمان والإحسان. فالإسلام هو مدخل العقيده والإيمان يحل محل العلم هنا في معرفة جوهرها والوصول إلي ماهيتها،الذي هو الإحسان.

ما علاقة ذلك بالزواج؟

إن الزواج في الإسلام هو نصف الدين كما وصفه النبي صلي الله عليه وسلم.ونصف التفاحة أو البرتقالة مماثل للنصف الثاني منها.وفهم الزواج في الدين الإسلامي يقتضي معرفة الدين. وخاصة جوهره وماهيته.

الإسلام في العقيدة هو الشهادة بالتوحيد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وسيام رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. وهو بهذه المكونات كل لا يتجزأ.وهذه الكلية الغير قابلة للتجزئة أدركها الخليفة الأول أبوبكر الصديق عندما اعتبر مانعي الزكاة مرتدين عن الدين وحاربهم عليها. بينما عارضه في ذلك عمر بن الخطاب الذي لم يدرك هذه الكلية. كان عمر متمسكا بحديث للنبي يقول فيه : "أمرت أن أحارب الناس حتى يقولوا ألا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها". وكان حقها في نظر عمر: الزنا بعد إحصان ، وقتل النفس والردة (عن الشهادة) وأن منع الزكاة ليست منها. ولكن أبي بكر كان يقول إن الزكاة من حقها، لأن المسلم ملتزم بالأركان الخمسة للإسلام والزكاة منها وقال أبوبكر: "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونها للرسول الله لقاتلتهم عليه".

أركان الإسلام تلك لا تتضمن الإيمان والإحسان . لأنهما مرتبتان يعلوانها ولا يكتمل الدين إلا بهما. والمسلم مطالب بهما بقدر علمه وإدراكه لهما.

إذا تصفحنا كتاب الله سنلاحظ أنه يوجه الخطاب إلى" الناس" لدعوتهم للدخول في الإسلام والالتزام بأركانه الخمسة .ولكن الناس الذين يدخلون الإسلام لا يخاطبهم الله بعد ذلك ويقول : يا أيها المسلمون، ولكنه يوجه الخطاب إلي" الذين أمنوا وعملوا الصالحات ".أي الذين أسلموا و جمعوا بين والإحسان بعد اسلامهم فيقول : "يا أيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات."... . ودائما يسبق الإيمان العمل الصالح ، أي الإحسان، والعمل الصالح يتبعه. والإثنان لا ينفصلان في الخطاب إلا نادرا. وإذا جاء الخطاب بصيغة:"يا أيها الذين آمنوا " فقط ، تبع ذلك مطالبتهم بالإحسان.

إذن الإسلام هنا هو الهوية، والإيمان هو سبيل العلم بالماهية ، والماهية هي الإحسان.فالإيمان هو سبيل التقوى، والتقوي هي التي تفرض الإحسان على النفس فرضا .

وإذا تأملنا كتاب الله أيضا سنجده لا يتحدث عن زواج المسلم بالمسلمة وإنما عن زواج المؤمن بالمؤمنة. وهذا له دلالة كبري. إذ أن زواج المسلم بالمسلمة ممن يقف تدينهم عند حدود الشهادة وأداء النسك المفروضة لا يختلف عن زواج غير المسلمين الذين تكتمل فيه لديهم أركان الزواج أو الشروط الموجبة لصحته المعروفة وهي: الإيجاب والقبول والشهود والصداق المدفوع والإشهار. لذا فعندما هجرت زوجات مسلمات أزواجهن من المشركين ، عدن إلي أزواجهن بعد اسلام الأزواج بدون حاجة الي عقد جديد لآن عقد زواجهما استمر صحيحا وتم إيقاف مفعوله فقط بسبب شرك الزوج فما إن اسلم حتى زال العارض وعاد ساري المفعول. ومن هنا كان ما قال به حسن الترابي من أن عقد زواج المسلمة بمشرك أو نصراني صحيح، ولكن صحته لا تجيز لها كمؤمنة من أن تمكنه من نفسها، وأن يطأها، حتى يسلم. بينما زواج المؤمن بالمؤمنة هو زواج مسلم ومسلمة تجاوزا الحد الأدني في الدين الذي هو الإسلام إلي ما يعلوه وهو الإيمان أي العلم بالدين وهذا العلم الذي يقود حتما إلي الإحسان أو لابد أن يقترن بالإحسان الذي هو عمل الصالحات. وهو أحسان بين الزوجين وبينهم وذوي أرحامهم وجيرانهم وقومهم وللإنسانية جمعاء حيث لا حدود له.

إذن زواج المسلم المؤمن با لمسلمة المؤمنة، وليس زواج المسلم بالمسلمة هو الذي يتغياه الدين ويحتفي به ويهتم بوضع قواعده وأحكامه وضوابطه . وهو الذي يعتبر نصف الدين حقا. ويؤكد ذلك ما أوصي به الرسول عندما قال : "إن جاءكم من ترضون دينه فأنكحوه..." ولم يقل إن جاءكم المسلم فأنكحوه.. فقد يكون مسلما وليس ممن يرتضي دينهم.

وزواج المؤمن بالمؤمنة هو الذي أهتم به هنا وأربط حركاته وسكناته بالدين لآنه نصف الدين وبالتالي هو في جوهره من أمور الدين. فظاهره علاقة تجمع بين ذكر وأنثي، ومن أمور الدنيا. وباطنه عمل ديني محض. والصورة المثلي له هي تلك المجسدة لمعاني الإحسان والتي يظهر فيها على نحو مستمر، وقد اتصلت فيه الدنيا بالدين كعمل دنيوي وأخروي في أن واحد.

ويؤكد هذه الحقيقة أيضا ما جاء في كتاب الله وما استنبط منه ومن أحاديث الرسول من أن زوجة المؤمن الصالح في الدنيا إذا كانت مثله مؤمنة صالحة هي أيضا زوجته في الجنة. وأن الزوج المؤمن الصالح إذا لم تكن زوجته في الدنيا مماثلة له في الإيمان والإحسان أبدله الله بخير منها في الآخرة.ونفس الشيء بالنسبة لزوجة مؤمنة صالحة في الدنيا كانت تحت رجل ليس مؤمنا ومحسنا في الدنيا يبدله الله بأحسن منه في الجنة.واقتصار القرآن على ذكر زواج المؤمن بالمؤمنة فلأن هذا الزواج هو الذي يرضي عنه الله ويبارك فيه وهو وحده الذي له طبيعة أبدية

متواصلة لا تنقطع بانتهاء الحياة والموت وإنما تستمر في العالم الأخر أيضا.

والمتعة المحصلة من العلاقة الشبقية بين المؤمن والمؤمنة تجسد هذا المعني أيضا ، إذ هي في طليعة المتع الدنيوية التي تزخر بها الجنة . وتعد من نعم الله عليهما في الجنة كما هي من نعم الله عليهم في الدنيا . بينما لا متع مثلها لغير المؤمنين والمؤمنات في جهنم.

وإذا كان الدين له طبيعة قدسية فإن العلاقة الزوجية بين مأمن محسن ومؤمنة محسنة، وهي نصف الدين، لها أيضا قداستها قياسا على ذلك وتنسحب قداستها أيضا على علاقتهما الشبقية.

والزواج المؤقت أو زواج المتعة يعد زواجا شاذا لافتقاره الي خاصية الدوام والاستمرارية والأبدية التي يتسم بها الزواج العادي بين مؤمن محسن ومؤمنة محسنة. إلا أن المتعة الشبقية فيه غير منبتة الصلة بالدين لأنها قائمة على زواج شرعي بين مؤمن ومؤمنة، رغم عدم استمرارها بعد انتهاء مدة الزواج لا في الدنيا ولا في الآخرة.

كما أن الزواج الذي تنفصم عراه بالطلاق يعد أيضا زواجا شاذا ، لأنه لم يحمل ضمانات ديمومته منذ بدايته.ومن غير المنطقي في زواج انتهى بطلاق أن يجمع الله بين طرفيه المنفصلين مرة أخرى في الجنة ، لأنه لو كان حب كل منهما للآخر صادقا أو كان كل منهما محسنا ماتفرقا أبدا مهما واجها من ظروف. ولهذا كان الطلاق أبغض الحلال الي الله لأنه تم به فسخ عقد أراد الله له أن يكون دائما. وهنا تبرز مرة أخري أهمية حسن اختيار الزوجة لزوجها والزوج لزوجته حتي لا ينتهي زواجهما بطلاق يبعضه الله . وهنا يأتي أهمية الحب قبل الزواج الذي قد يساعد أو يضمن استمراريته بعد أن يتطور ويزداد بعد الزواج بحسن العشرة.

ولما كان ظاهر الدين هو الإسلام والمتضمن نسك ظاهرة للعيان، وباطنه هو الإحسان وهو عبادة خفية ، حيث وصفه النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله عنه جبريل بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فيهو يراك". لذا يعد أفضل العبادات وأفضلها وأكثرها ثوابا عند الله. أنها الدين الخالص والعبادة الخالصة لله . لأنها عبادة لا يشوبها مراءاة للخلق أو ادعاء لتقوي قد لا تكون متحققة فعلا. والمؤمن المحسن الحق قد يعمل عملا صالحا لا يدفعه إليه سوى تقوي الله فيظنه الناس من أهل النار وهو من أهل الجنة. بينما قد يعمل مسلم عملا حسنا لا يدفعه إليه سوي مراءاة الناس ولكي يشيدون بإحسانه، فيظنه الناس من أهل الجنة ، وهو من أهل النار. وفي هذا حديث مروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكره الوعاظ ويخطئون في فهم مراميه .

مثال لذلك كنت شاهدا عليه : رجل أعرفه، مؤمن يخشي الله ولا يهمه في خشيته لله الناس، ذهب للعزاء وكان على غير وضوء فأذن لصلاة العشاء فقام المعزون لأدائها وعددهم يفوق الأربعين ،وفيهم من لا يصلي أصلا، وبالتالي لا يمكن أن يكون علي وضوء. بينما تخلف هو عنهم وظل جالسا في مكانه لم يبرحه من تقوى الله المطلع على أحواله ، وأبي أن يسخط الله عليه بمشاركة الناس صلاتهم، أو التظاهر بالصلاة ،وهو علي غير وضوء، لكي يرضيهم.

الإحسان وعباداته الخفية :

المحسن لا يعرف الناس عادة إحسانه الذي يتوجه به حبا فى الله وحده وطلبا لمرضاته ، وإن عرفوا بعضا من إحسانه كان ذلك عرضا ودون قصد منه . وإذا كان مطلوبا في ديننا ألا تبدي المرأة المتزوجة زينتها لغير زوجها وتستطيع ذلك ، فإن من الإحسان ما يتعذر إخفاءه ويظهر دون قصد أو عمد من المحسن ، بل قد يستحي من ظهوره وتتضرر نفسه منه.

والإحسان الخفي الذي لا يطلع عليه سوى الله سبحانه وتعالي هو الإحسان الذي يحبه الله ويحب صاحبه ومنه الإحسان الذي يتم داخل بيت الزوجية ولا يعلم به سوي الله وأهل البيت.

ولذا تم التشديد من قبل الرسول صلي الله عليه وسلم على الزوجين ألا يخبران أحدا بما يحدث بينهما ، ولم يطلع عليه سوى الله سبحانه وتعالي ، وإن كان القصد هنا ينصرف الي المعاشرة الشبقية على وجه الخصوص ، والتي هي من عبادات الإحسان.

وكما أن الإسلام فيه عبادات ظاهرة هي الصلاة والصيام والزكاة والحج لبيت الله لمن استطاع اليه سبيلا فإن الإحسان أيضا فيه صلوات وزكوات وصيامات وحجج غير ظاهرة أو مشهودة ولا يعلم بأداء المحسن لأكثرها غير الله ، ولا يقصد منها المحسنون غير مرضاته ، ولا يأتونها الا حبا قيه. وهي أهم وأفضل من العبادات الظاهرة المفروضة التي يحسبها أناس معيارا للتقوي عندهم بينما التقوي الحقيقية في الإحسان . وفي نفس الوقت فإن الإحسان لا يغني عن العبادات المفروضة ولا يكتمل إلا بأدائها. ولكنه أيضا يجبر أي تقصير فيها حيث الحسنات يذهبن السيئات.

ومن أهم الصلوات في الاسلام صله الرحم التي قلت بأنها الصلاة الوسطي ويأتي بعدها العديد من الصلوات التى تتطلبها العلاقات الإنسانية بين الناس ومتطلبات إعمار الأرض والاستخلاف فيها. و أهم صيام في الإحسان هو الامتناع عن إلحاق الأذى بالناس ويأتي من بعدهم الصيام عن إلحاق الأذى بباقي مخلوقات الله في الأرض والصيام عن إتلاف الطبيعة وإفساد البيئة الطبيعية خاصة في الأشهر الحرم. وأهم زكاة في الإحسان هو تزكية النفس والموعظة الحسنة وحسن تربية الأولاد والتعجيل بتزويجهم ونشر العلم والمعرفة والدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنفاق العفو ....الخ . وأهم حج في الإحسان هو الارتقاء بالنفس في اتجاه ملكوت الله الأعلى والعرش الإلهي وكان ذلك مقصد المتصوفة الحقيقيين قبل أن يدخل في التصوف الجهال ممن هم أبعد الناس عن التدين والمعرفة الدينية والإحسان. والإحسان في حقيقة الأمر : علم . لأن الإيمان هو سبيل الوصول اليه والإيمان علم ومعرفة. إلا أن علم الإحسان لم ينل حظه مثل باقي العلوم الدينية من الفقهاء كعلم وإنما جاء في كتاباتهم في معرض الوعظ والدعوة الي التحلى بالأخلاق الكريمة . هذه الأخلاق الكريمة التي اختلط أمرها على بعضهم فاعتبروها من الكماليات والتحسينات وهي من الضروريات.

الإحسان في الحياة الزوجية:

إن الحياة الزوجية المبنية علي الإحسان ، تتضمن صورا وتمثلات لكل تلك العبادات الخفية بما في ذلك المعاشرة الشبقية في الزواج. فمن مظاهر الإحسان وأخلاقه وشيمه في الحياة الزوجية نجد المودة والمحبة والرحمة والتساكن والسلام والإيثار والتحرر من الأنا التي تجسد الأثرة والشح للإندماج في أنا الأخر بكل ما يحمله الاندماج من إيثار وكرم .

لقد استقر في أذهان المسلمين الأوائل أن متعة الشبق بين الزوجين هي من نعم الخالق التي يجب أن ترتبط بشكر وحمد المنعم عليها ، كما كان يقول متكلمة الأصوليين، ولذا أوصوا بالصلاة بعدها شكرا للمنعم . ومن أدركوا أنها بين الزوجين عبادة قالوا بضرورة الصلاة ركعتين قبل الشروع فيها.

وكان الزوجان – عندما كانت هذه المعرفة شائعة ومعمول بها- يحرصان علي الاغتسال من الجنابة قبل أذان الفجر لكي يصليانه معا .فإن اغتسلا قبل الأذان، قام كل منهما بصلاة ركعتين ثم انتظرا أذان الفجر.

كاتبة ألف ليلة تصور ذلك في صورة بديعة تقول فيها:

" ثم قامت وتعرت ونامت بجانب نور الدين وكبسته فانتبه من نومه، فوجد بجانبه صبية كأنها فضة نقية ، أنعم من الحرير ، وأطرى من الليل، فعند ذلك انتبه نورالدين من وقته وساعته الي تلك الجارية وضمها الي صدره، ومص شفتها الفوقية بعد أن مص التحتية ، ثم زرق اللسان بين الشفتين . وقام إليها فوجدها درة ما ثقبت ، ومطية لغيره ما ركبت ، فأزال بكارتها ، ونال منها الوصال ، وانعقدت بينهما المحبة بلا انفكاك أو انفصال. وتابع في خدها تقبيلا كوقع الحصا في الماء، ورهزا كطعن الرماح....ونام هو وتلك الجارية الي الصباح في لذة وانشراح ، لابسين حلل العناق محكمة الأزرار، آمنين طوارق الليل والنهار...فلما أصبح الصبح ولاح ، انتبه نور الدين من نومه فرآها أحضرت الماء ، فاغتسل هو وإياها ، وأديا ما عليهما من الصلاة..".

ونلمس هنا أن الصلاة المفروضة أو التطوعية تتوج الراحة النفسية المترتبة عن الجماع وتعززها فتقر أعين الزوجين العاشقين . ويعد ذلك مفتاح لفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:"حبب الي في دنياكم العطر والنساء وجعل قرة عيني في الصلاةé فالصلاة هنا ليست بديلا عن العطر والنساء وإنما هي مكملة لهما ، وهما هنا مقدمة لها.

إذا كانت الفلسفة أو الحكمة تستهدف الوصول إلى الحقيقة ، فإن البحث في خفايا العلاقة الشبقية المبنية علي المحبة والمشروعية ، وليس أخذها بظاهرها ، وفهم رموزها ، وما تنطوي عليه تلك

الرموز.هو الوحيد الذي يوصلنا الى الحقيقة الثاوية بداخلها والتي لا تظهر لغير المنقب عنها.

وهو ما قصدته كاتبة ألف ليلة وليلة ، وجاءت به علي لسان شهرزاد، عندما قالت: " وجد الحب قبل كل وجود، وسيظل بعد كل فناء (لأن الله محبة) ، فهو أقصر طريق الي الحقيقة ، وروعته تفوق كل كلام، وهو الرفيق الخالد في ظلمة القمر" وتقول أيضا:

لم يخلق الرحمن أحسن منظرا من عاشقين في فراش واحد

متعانقين عليهما حلل الرضي متوسدين بمعصم وساعد

وإذا تآلفت القلوب على الهوى فالناس تضرب في حديد بارد

وكيف لا يكون الحب الشبقي كذلك والملائكة تعجبها رؤية ممارسته من قبل زوجين عاشقين؟.

النسوانيون وتعلقهم بالظاهر:

يبرر النسوانيون دعواهم بأن الدين الإسلامى دين ذكوري ينحاز للذكور ويميزهم عن النساء بأن جميع الآيات القرآنية المتعلقة بالشبقية تم فيها توجية الخطاب للرجال وليس النساء ، ولا يتم توجيه الخطاب لهما معا إلا عند مطالبتهم بحفظ الفروج. وبصرف النظر عما يتضمنه قولهم في باطنه من اتهام للدين بأنه وضعي وليس سماوي وهم بذلك خارجون منه وعليه بتطاولهم عليه وتشكيكهم في قداسته ، فسأحاول هنا بيان زيف الظاهر الذي استندت اليه دعواهم وافتراءاتهم.

يتجاهل هؤلاء أن القرآن في هذه الحالة يوجه الخطاب الي من يحتاجون تعليما وتأديبا ،وأن المجتمع الجاهلي وخاصة في مكة المكرمة ، ومازال، يتصف سكانه بالجفوة والخشونة في الطبع والتعامل مع الغير بسبب الطبيعة القاسية . وأن الرجال في المجتمع الجاهلي كانوا لا يقيمون وزنا للنساء، ويئدون البنات . ولذا – حرص القرآن الكريم علي تعليمهم مبادئ المساواة بين الذكور والإناث والرفع لديهم من مكانة المرأة . ونجد في هذا السياق الرسول صلي الله عليه وسلم يكرر التوصية بالنساء مرات عديدة في خطبة الوداع .

ولقد نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : " كنا في مكة نغلب النساء حتى أتينا إلى المدينة فوجدنا قوما (يقصد الأنصار تملكهم النساء" ، مستنكرا ذلك ، لا من واقع الدين وتعاليمه وإنما من بقايا تأثير الجاهلية في مكة . ولقد غضب منه الرسول صلى الله عليه وسلم يوما وقال له : إنك امرؤ مازال فيه بقية من جاهلية . ولعله من مظاهر القسوة التي بلغت حد الوحشية عند أهل مكة مارأيناه في غزوة أحد من هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان عندما وقفت على جثة عم النبي حمزة بن عبد المطلب فشقت بطنه وانتزعت كبده وراحت تمضغها بأسنانها من فرط حقدها عليه وهو ميت. فضلا عما لاقاه من أسلم من تعذيب قريش له .وعلينا أن نتخيل ما إذا كان ثمة مكان لمحبة في نفوس اتسم طبعها بالقسوة والجفاء والخشونة بسبب تأثير بيئتها الجبلية الجرداء وقساوة العيش فيها وانعدام الخضرة ولا ماء فيها غير بئر زمزم التي كانت تكفي بالكاد لتأمين شرب السكان ودوابهم.

وقد نقل التراث أيضا قصة الأعرابي ، المعظم في قبيلته، إذ استننكر أن يقبل النبي أحد حفيديه من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها في حضوره بدعوى أنهم لم يعتادوا على ذلك فيرد عليه النبي قائلا: وماذا أصنع لكم إذا كان الله قد انتزع من قلوبكم الرحمة.

القرآن إذن بتوجيهه الخطاب الى الرجال كان يوجهه الى من يحتاجون تأديبا وتهذيبا ويراعي طبعهم وطبيعتهم . ولم يكن إهدار كرامة النساء وقفا ذلك الزمان علي أهل مكة والبوادي الصحراوية القاحلة وإنما كان منتشرا عند الرومان الذين كانوا آنذاك أسياد زمانهم وكان أيضا عند اليهود والنصاري عامة وتوارثه الأوربيون جيلا من بعد جيل حتى بدايات القرن التاسع عشر بعد أن تبدلت الأوضاع الاجتماعية بتأثير من الثورة الصناعية ومبادئ الثورة الفرنسية . فهل من النسوانيين أو النسوانيات من قارن بين وضع المرأة في القرآن ووضعها في الكتب السماوية الأخري وعند غير المسلمين حتى يوجهون اللوم والانتقادات لدين يفترض أنهم ينتسبون اليه؟ .ومن شكك في انتمائهم إليه يتهمونه بالتطرف والتكفير. صحيح أن المتزمتين في الدين والمتنطعين فيه يقدمون بأفكارهم وسلوكهم صورة مشوهة عن المرأة وحقوقها ومكانتها في الدين الذي ينتسبون بدورهم إليه ويدعون أنهم أكثر علما به وتمسكا بأحكامه ، وهم بدورهم يقدمون صورة للإسلام غير صورته الحقيقية كما في كتاب الله وسنة رسوله يستغلها العلمانيون وأعداء الدين وأولياء الشيطان في الإساءة له مدعين أن هذا هو الإسلام. وإذا قلنا لهم إذا ما أردتم محاكمة الإسلام فلنحاكمه وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ، قالوا بأن الإسلام في الكتاب والسنة هو صورة مثالية أو خيالية وليست واقعية ، وإنما نحاكم الإسلام كما هو متحقق في واقع المجتمعات المسلمة وتاريخها.واستشهدوا بما كتبه المتزمتون أو نقلوه عن أسلافهم من طينتهم أو ما شاع في المجتمعات المسلمة قديما أو حديثا من أوضاع وأحكام مخالفة للكتاب والسنة. وبعض السلف قال ما قاله بعد أن بلغ أرذل العمر وأصابه الخرف ولم يعد يعلم من بعد علم شيئا.

وفي زماننا هذا أصدر شيوخ ممن أصابهم الخرف ، ويعتبرهم أتباعهم وأشياعهم أئمة لهم ومراجع شرعية عليا فتاوي ليست مناقضة للدين فقط وإنما صادمة أيضا للعقل السليم المتدبر في أمور دينه ، ظاهره وباطنه علي السواء ، والعارف بالتالي بأحكامه وحكمه ومقاصده.

وقد يكون من المفيد هنا أن نتدبر فيما تنطوي عليه حكمة وفاة النبي صلي الله عليه وسلم بعد أن بلغ ستين عاما شمسية ، ولم يمتد عمره بعد ذلك مثل باقي الأنبياء والمرسلين. في ظاهر الأمر أنه مات عندما حل أجله ولكن في باطن الأمر حكمة ثاوية في ذاك القضاء المحتوم. تتمثل هذه الحكمة أن عقل الإنسان يبدأ في الاكتمال مع بلوغه من العمر واحد وعشرين عاما شمسية وأطلق علي هذا السن : سن الرشد. ثم يواصل العقل نضجه إلي أن يبلغ كماله في سن الأربعين . وهي السن التي بعث فيها معظم الأنبياء والمرسلين أذا استثنينا منهم يسوع المسيح باعتباره حالة خاصة.بعد ذلك يدخل العقل في منحنى آخر لمدة أربعين عاما أخرى يظل في أحسن حالاته في منتصفها أي في سن الستين ثم يبدأ الانحدار فتضعف الذاكرة وتقل القدرة على التأمل والتركيز بسبب وهو القوة الجسمانية وزيادة أعراض الشيخوخة ويستمر هذا التدهور وتزداد خلاله وتيرة تلف خلايا الدماغ التي لايتم تعويض التالف منها، حتى يصل العقل الي أدني مستوى له مع بلوغ الثمانين. وبعد الثمانين يدخل العقل في حقبة أرذل العمر وفي مرحلة الخرف ويكون المسنون في هذه المرحلة عرضة للإصابة بمرض" الزهايمر" الذي يفقدون معهم الذاكرة كلية أو مرض "باركنسون" الذي تفقد فيه الأعصاب قوتها وسلامتها. فضلا عن أمراض الشيخوخة الأخرى التي تؤثر جميعها على سلامة العقل.

الأنبياء السابقون علي الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تطول أعمارهم لأنهم كانوا يورثون النبوة لأحد أبنائهم فيحل محلهم في هداية الناس بينما يعتكفون هم للعبادة أواخر أيامهم أما في حالة النبي ولأنه قدر له أن يكون آخر الأنبياء ولا وريث له في النبوة فقد اقتضت حكمة الله أن يتوفاه وهو في كامل صحته البدنية والعقلية ، وقبل أن تبدأ هذه الصحة مرحلة النقصان ناهيك عن مرحلة التدهور. فإنتقال الرسول إلي الرفيق الأعلى جاء في سن الستين بقصد عدم تعريضه للسهو والنسيان وبعد أن أتم تبليغ الرسالة علي أحسن وجه وأكمله.

أن يتعهد الله بحفظ القرآن الكريم فيقول : "إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وحفظ الرسول من أي عوامل تؤثر على سلامة تبليغه الرسالة فإنه يعني بأن هذا هو الدين الذي يجب الرجوع اليه لمعرفته والاحتكام إليه. وليس ما فعله المنتسبون إليه في أي زمن من الأزمان ، والذي لم يكن أي منهم مكلف بتبليغ رسالة من ربه. لذا فإن القول بالتعامل مع الإسلام كما هو متحقق في أرض الواقع هو قول لضالين ومضللين لا يريدون الخير لا للإسلام ولا المسلمين.

المسنون والشبق:

في صيف عام 1984كنت أسير مع زوجتي في أحد شوارع بروكسيل عاصمة بلجيكا فانتبهنا الي وجود محل للسربتيز على الرصيف المقابل وأمام بابه صف طويل من الناس الذين يلجون الباب واحدا تلو اللآخر. وقد دفعني الفضول وقصور الرؤية التي تتيحها لي النظارة الطبية أن أنتقل الي الرصيف الآخر لأري من هؤلاء الذين يهتمون برؤية النساء وهن يخلعن ملابسهن قطعة إثر أخرى حتي يقفن أمامهم في نهاية الأمر عرايا كما ولدتهم أمهاتهم. ولقد فوجئت وقد اقتربت منهم بأنهم جميعا من عجائز الرجال الذين تتجاوز أعمارهم السبعين والثمانين من العمر وربما أكثر،وأكثرهم جاء متكئا علي عصاه. تملكني العجب ولم أفهم آنذالك سر هذه الظاهرة الغريبة . وفيما بعد وبعد كثير من التأمل والتفكير انتهيت الي أن هؤلاء المسنين لا يفقدون الشهوة الشبقية ، لأن الغريزة لا تموت بداخلهم ، وإنما يفقدون الباءه أن القدرة علي الجماع ، وهم يجدون في رؤية النساء العرايا تعويض عما فقدوه.

وربما لا يختلف عن هؤلاء الكثير من شيوخ الفقهاء الذين أسرفوا فيما كتبوه عن الشبق والباءة من مؤلفات اتسمت بالمجون والابتذال وفحش القول الي حد البذاءة أحيانا ، وقد نقلت عينات مما كتبه أحدهم . وقد أخذ بعض الدارسين كتبهم كدليل علي أهمية الشبق والشبقية في الدين الإسلامي حتي اهتم بالكتابة فيهما شيوخ يعد بعضهم ضمن الأئمة الذين يؤخذ عنهم الفقه وعلوم الدين

الإسلامي، وما أكتبه هنا هو أقرار بأهمية الشبق والشبقية في الدين ٌلإسلامي ولكن ليس لأن هؤلاء كتبوا فيه وإنما لأن الكتاب والسنة والتأمل فيهما من ناحية وفي الموضوع من ناحية أخري يؤكد مالهما من أهمية.

اهتمام الدين بالعلاقة الشبقية أمر لا جدال فيه ، خاصة بعد أن جهدت في تبيانه وتفصيله من كافة النواحي ، ولكن اهتمام هؤلاء الفقهاء بها لم يكن لتبيان موقف الدين منها والتأكيد علي إعلائه من شأنها في مجمل ما كتبوه . وإنما يشتبه في أن يكون ما كتبوه إنما كان تلبية لحاجة نفسية بسبب ما أصابهم من شيخوخة من ناحية ومن تمادي الناس في زمانهم ،وخاصة الأمراء الذين كانوا يعايشونهم هؤلاء الشيوخ ويعيشون علي عطاياهم ، في الترف والمجون واستخدامهم فيه ألفاظ ساقطة وبذيئة لا يستعملها سوي السوقة ، بعد أن أعجزتهم الشيخوخة عن ممارسة الجماع ، فعوضوا العجز بأحلام شبقية تكاد تكون مستحيلة أنتجتها مخيلتهم. ودون أن يمنع ذلك من أن كتبهم أيضا تضمنت فوائد خاصة فيما يتعلق بالحفاظ علي الباءة أو تقويتها عند الذكور والإناث وأثبت الطب الحديث صحة ما ذهبوا إليه. رغم أنه من غير المستبعد أن يكونوا قد جربوا بعض الوصفات ولم تفدهم ومع ذلك كتبوها. ما ذكروه من بذاءات أيضا لا ضرر منه علي بالغين متزوجين ، وإن لم ينفعهم لا يضرهم ولا يفسد أخلاقهم مثلما يتصور بعض الواهمين.

السلفيون أخذوا عن هؤلاء الشيوخ ما كتبوه في علوم الدين والفقه وما أفتوا به، وأهملوا ما كتبوه في الشبق والشبقية ولم يستنكروه منهم وإنما استنكروا ما كتبه من لم يبلغ نفس القدر من الجرأة التي بلغها الأقدمون بدعوي الدفاع عن الفضيلة والآداب العامة . وعوض أن يرد السلفيون كل شيء إلى الكتاب والسنة والعقل، أصروا علي اتباع من نقلوا عنهم حتى لو كانوا قد أخطأوا فيما قالوا به وتبين الحق من بعدهم، وكأنهم منزهون عن الخطأ، ولم يكونوا بشرا .بل وقال شيوخ لهم بأنه إذا تعارض المنقول مع المعقول أخذوا بالمنقول . وهو قول يمكن أن يكون صحيحا فقط في الغيبيات التي لا يحيط بحكم طبيعتها الخاصة العقل البشرى ولكنه يعد قولا معيبا في غيرها من الأمور.

لهذه الأسباب قلت إن وحدة الأمة الإسلامية ووحدة ما يدين به الناس لن تتحقق إلا بوحدة الإمامة

، عندما يجتمع المسلمون علي إمام واحد لهم هو النبي صلي الله عليه وسلم . سيقولون من يريدون تحويل إسلامنا الي ما يشبه الكنيسة عند النصاري ويدخلون فيه الكهنوت للمحافظة علي مكانتهم لدي العامة واستثمارها في الكسب : من يفتي الناس في النوازل والمستجدات التي لم تكن علي عهد الرسول ، ولم ترد في الكتاب والسنة ، ويستعمل القياس ويرجح بين المتعارضين ويعلل الأحكام ويجدد الواجب والمندوب والمكروه من بعد الرسول سواء الأئمة وعلماء الدين؟

أقول لهؤلاء: تعلموا دينكم ، وليجتهد كل منكم بعد علم باللغة والكتاب والسنة في النظر في كل جديد ويتبع ما يهديه الله اليه ونحن في زمن الاتصالات هذا ليس من الصعب تطبيق مبدأ الشورى في الرأي بعد عرضه علي المسلمين .وبحيث يتم إعادة النظر فيه بعد استقبال ما أيده وما عارضه من قول ، وترجيح كفة الأقوي حجة. فهذا أفضل من أن يتبع امرؤ آخر في ضلالة ويكون في تبعيته له مثل الإمعة الذي نهانا رسول الله أن نكونه ، فقال : لايكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساءوا أساء ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا

أن تتجنبوا إساءتهم. وإذا صلحت النوايا قل احتمال الخطأ.

إن ذلك أفضل ألف مرة من أن يتبع الناس شيخا طاعنا في السن في الدين والسياسة وقد اختل عقله حتي لم يعد يفرق بين الحلال والحرام وما يرضي الله وما يغضبه|، بل وغلبت على عقله خيالات شبقية منحرفة بعد أن بات عاجزا عن تصريف شهوتهنن

، مثل ذلك المرجع الشيعي الأعلي في العراق أو من سبقه ويشبهه في ايران ممن أفتوا بجواز اللواط مع الزوجة إن وافقت عليه أو قبلت به ، وأن موافقتها عليها ورضاها لا يجعله محرما مثل اللواط مع الذكور وإنما فقط مكروها. رغم أن الإتيان في الحالتين يتم في موضع واحد نجس لا فرق فيه بين أست الذكر وإست الأنثي وأنه شذوذ عن الفطرة ويعارض ما أمرنا الله به وثبت أن هذا الشذوذ هو أكثر وسائل نشر أمراض قاتلة مثل السيدا. فالذي يفتي بمثل هذا لا يؤخذ عنه دين حتي وإن وجد من يلقبونه بأية الله العظمي ولا يستشار في السياسة أيضا وهو يجهلها أصلا. ولو لم يكن يجهلها فقد أثبت بقتواه اختلال عقله.وصدق تعالي وهو أصدق القائلين عندما قال : " ومن نعمره ننكسه في الخلق ، أقلا تعقلون" (يسن67).وقال تعالي:" والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد الي أرذل العمرلكي لا يعلم من بعد علم شيئا إن الله عليم قدير" وقال أيضا "يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء الي أجل مسمي ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد الي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.".

علي المسلم أو المسلمة إذا ما سمع بقول أو قرأه في كتاب أو صحيفة ألا يتقبله كأنه حقيقة مسلم بها ، حتى لو كان الكاتب موصوفا بالعلم أو متمتعا بالشهرة . وإنما عليه أن يعرضه على ما يعرفه من كتاب الله وسنة رسوله ثم علي عقله ثم يسأل فيه من يتوسم فيهم رجاحة العقل والذكاء وسعة العلم والمعرفة والأمانة والصدق والنزاهة ، فإن اطمأن له قلبه بعد ذلك أخذ به وإن لم يطمئن اليه نبذه. وحتى إن أخذه مصدقا به ، أخذه بحذر، تاركا مساحة من الشك في قبوله ، حتى إذا ظهر فيما بعد من هو أصدق منه حديثا وأقوي حجة وسندا تحول إليه ووجد يقلبه يتسع له ولا ينغلق دونه. فكثير من الأقوال تبدو من ظاهرها مقنعة فإن تم إعمال النظر فيها ، وفحص ظاهرها وباطنها ، اتضح أنها لم تكن سوي أحد الأوهام السائدة التي يتم ترويجها عن جهل بها أو عن غير روية ، وليس لها نصيب من المعرفة الصحيحة.

علينا إذن أن ننتبه لضرورة التفرقه بين المظهر والمخبر أو الظاهر والباطن ، فليس كل من أطال لحيته ولف عمامته بالضرورة إمام يلزم اتباعه وليس كل من أجاد الغزل بعاشق ، فقد نجد شابا يصاب بالبكم عندما يلتقي بحبيبته وليس في العالم من هو أكثر حبا لها منه. وإن جمعهما فراش الزوجية فلن تجد مثيلا له في فحولته وعشقه لها. إذ ليس كل فاجر متبجح بالفسق بفحل.

بل قد نجد رجلا أو امرأة أصواتهما عالية فنتوهم أن ذلك ناتج عن قوة في الشخصية وهو في الحقيقة تعبير عن جوع شبقي يعجزان عن إشباعه أو إحساس بالنقص يحاولان إخفائه وصدق لقما وهو يعظ ابنه فأخبره بأن أنكر الأصوات لصوت الحمير.

يلزم الإشارة هنا أن ما نقلته عن ألف ليلة وليلة أو عن الشيخ النفزاوي لم يكن بغرض التوثيق أو الاستشهاد به لتزكية أو إثبات صحة ما ذهبت إليه. وإنما كان الهدف منه ما يأتي :

1- إنعاش مخيلة القارئ وإثارته نفسيا وغريزيا من وقت لأخر حتى لا يصيبه الملل من كتابات مطولة ويستطيع متابعة القراءة واستيعاب ما يقرأ. وقد برر أيضا هؤلاء الشيوخ ما كتبوه من مجون بمثل هذا، وهو تبرير وجيه من وجهة نظر علم النفس أيضا.

2- التعود علي مواجهة الأمور عوض الهروب منها. خاصة أنه إذا ما اقتصرت قراءته علي البالغين المتزوجين،وأثار رغبة الزوج في زوجته، ورغبة الزوجة في زوجها، لكان في ذلك منفعة حصلت ، وفي جميع الحالات ليس فيها ما يضرهما.

3- إن هذه الكتابات وجدت من ينشرها في شبكة الإنترنيت. وباتت في متناول المراهقين والمراهقات. ولا توجد طريقة لمنعهم من التأثر بسلبياتها. وجاءت حكاياتها في الأصل ضمن سياق أقرب إلي علاقات الزنا. فكان من الأفضل أن يعاد توظيفها على نحو يحول سلبياتها إلي إيجابيات، وفي سياق مختلف يتناول العلاقات الشرعية وليس غيرها.

النكاح حلال ينشئ محرمات:

لفظ "النكاح" ملوله شبقي صرف.وهو يعني ممارسة الزوجان الشبق. وتسوية عقد الزواج في بعض البلدان مثل المغرب يعني العقد أحل النكاح بموجبه للزوجين.وبمجرد دخول الزوج بزوجته يحرم عليه الزواج علي الفور بأصولها وفروعها وسواء ظلت بعد ذلك زوجته أو فرق بينهما الموت أو الطلاق.وبالتالي يضيف هذا النكاح أو الجماع محرمات جديدة من جنس المحرمات بالنسب الدائمة وشبيهة بها. فضلا عن محرمات مؤقتة مثل الزواج من أختها والتي لا يصرح للزوج بأن يتزوج بها إلا بعد طلاقها أو وفاتها أي يحرم عليه الجمع بين الأختين. أما إذا ماعقد عليها ولم يدخل بها لم يترتب علي العقد نشوء أية محرمات ويجوز له الزواج من أمها أو من بنتها أو عمتها أو خالتها....الخ

إذن ..الجماع في الزواج أحل بموجب عقد الزواج ، وعقد الزواج وقد أحله فلم يحرم شيئا .بينما بمجرد أن يباشر الزوجان الجماع لأول مرة بعد زواجهما ينشئ هذا الجماع على الفور، حتي ولو لم يتم ببلوغ الزوجين نشوتهما منه، طائفة من المحرمات. ولما كان الدين هو الذي يحلل ويحرم ، فإن نشوء هذه المحرمات من جماع الزوجين يجعل هذا الجماع ذا خصائص دينيه، ويرتفع به الي قداسة الدين لهذا السبب أو يجب أن يضفي عليه قداسة لا تكون لغير الدين. اذن الجماع في ظاهره تلبية وإشباع غريزة وطلبا لمتعة أو نسل، ولكنه في جوهره أو باطنه ، أكثر مما يظهر على سطحه، أمور ذات أهمية وخطورة. إذا ما أخذنا في الاعتبار ما يترتب عليه من أحكام شرعية.

فبمجرد أن يتم الجماع بين الزوجين تنشأ محرمات منها أربع حرامها دائم هي الزواج من:

1- زواج الرجل من أم زوجته وزواج المرأة من والد زوجها، ويدخل معهما الجدات والأجداد.

2- زواج الرجل من أبنة زوجته وزواج المرأة من ابن زوجها ويدخل معهن بنات الابن، وبنات البنت وان نزلن. لقوله تعالي:" وَلا تَنكِحُوا ما نَكَحَ آباؤكُم مِن النِّساءِ".

3- زواج أي من الزوجين من عمات أو خالات الآخربما في ذلك عمات وخالات الاباء والامهات.

4زواج الرجل من بنات الأخ لزوجته وان نزلن، أوبنات الأختلزوجته وإن نزلن، وزواج الزوجة من أبناء الأخ أو الأخت لزوجها...

فيضيف محرمات على محرمات النسب الواردة في قوله تعالى: "وَلا تَنكحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُم مِنَ النِّساءِ اِلاّ ما قَد سَلَف اِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقتاً وَساءَ سَبيلاً، حُرِّمَت عَلَيكُم اُمَّهاتُكُم وَبَناتُكُم وأخَواتُكُم وَعَمّاتُكُم وَخالاتُكُم وَبَناتُ الأخ وَبَناتُ الأخت وأمَّهاتكُم اللاتي أرضَعنَكُم وَأَخَواتكُم مِنَ الرِّضاعَةِ وَأَّهاتُ نِسائِكُم وَرَبائِبكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِنَ نِسائِكُم اللاتي دَخَلتُم بِهُنّ فَاِن لَم تَكُونُوا دَخَلـتم بِهنَّ فَلا جُناحَ عَلَيكُم وَحَلائِل أبنائِكُم الّذينَ مِن أصلابِكُم وَاَن تَجمَعُوا بَينَ الأختَينِ إِلاّ ما قَد سَلَف إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَّحيماً، وَالمُحصَنات مِنَ النِّساءِ إلاّ ما مَلَكَت أيمانكُم كِتابَ اللهِ عَلَيكُم وَاُحِلَّ لَكُم ما وَراءَ ذلِكُم"(سورة النساء).

ويحرم بالرضاع ما يحرم من النسب.

إذن .. النكاح أو الجماع في الزواج الشرعي ليس مجرد اجتماع ذكر وأنثي بغرض الاستمتاع أو طلب النسل ، وإتما هو كما أكدت عليه في أكثر من موضع وبأكثر من دليل، هو علاقة ذات أبعاد دينية وميتافيزيقية واجتماعية وحقوق مالية .إذ الي جانب ما ينشأ عن من محرمات يترتب عليه حقوق سواء في حياة الزوجين أو بعد وفاة أحدهما مثل الحق في الإرث. وتكمن حرمته وشرعيته وقدسيته مما يحلله ويحرمه ، وارتباطه أو خضوعه طول الوقت لشرع الله وحكمه.

وهو بهذه الخاصية علاقة دينيه رغم طابعها الدنيوي الظاهري وعلاقة ممتدة أيضا إلي العالم الأخر إذا ما توفرت شروط الامتداد والتي تتمثل في صلاح الزوجين ، ويلحق بامتداد علاقة الزوجين الصالحين امتداد علاقة ما صلح من أبنائهم وبناتهم أيضا بحيث تعود الأسرة الي الاجتماع في الآخرة مثلما كانت مجتمعة في الدنيا من قبل. وفي هذا يقول المولي عز وجل :"جنات عدن يدخلونها وما صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم.والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم ، فنعم عقبى الدار."(الرعد 25).والصبر هنا صبر علي حفظ الفرج لمن لم يتيسر له استعماله أو التمتع في الحلال ، وعلي حفظ حدود الله وعدم تعديها، وعلي التغلب على أهواء النفس وعلي العبادة والإخلاص لله وتوحيده وعدم الإشراك به ، وعلي العمل الصالح واجتناب كل ما حرم الله.

إتيان ماسبق والتمسك به وعدم الانحراف عنه يعلم الله تعالى أنه يشق على أنفس تحيط بها شياطين الإنس والجن من كل جانب ، تسعي لإغوائها وإفسادها من خارجها . وفي داخلها أيضا نوازع للنفس لو تم الانصياع لها والسماح لها بالانفلات من سيطرت العقل المؤمن الملتزم بالتقوى لأبعدت أصحابها عن مرضاة الله وجلبت عليهم غضبه . وفي مقاومة هذه المفسدات معاناة والمعاناة تحتاج الى صبر، فإن الله يجزي الصابرين منهم على ذلك وعلى ماقضي به وقدره عليهم. ولأن المؤمن والمؤمنة لا يعيشان في عزلة وإنما في مجتمع عريض أصغر مكون له هو الأسرة الناشئة عن رباط الزوجية وما نتج عن النكاح فيه من نسل ، فإن المطلوب منهما ليس الصبر فقط وإنما التواصي أيضا بالصبر . يقول تعالي: " والعصر ، إن الإنسان لفي خسر، الا الذين أمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"(سورة العصر).

ويقول الله عز وجل أيضا تأكيدا لاستمرار الأسرة الصالحة في الأخرة:" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم و ذريتهم ، إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته. وذلك الفوز العظيم."(غافر 6-8).

و تطرأ أحوال وظروف يكون الجماع بين الزوجين فيها حراما خلالها والي أن يزول سبب التحريم . وهذه الأحوال هي:

1- الزوجة الحائضة: يحرم جماع الزوجة الحائضة حتى ينقطع سيلان الدم منها ولمدة لاتقل عن ثلاثة أيام من بدء ظهور دم الحيض حتى لو انقطع خلالها ولا تزيد عن خمسة أيام حتي لو استمر بعدها. حيث لايعد مازاد عن خمسة أيام دم حيض.

ويحرم علي الزوجة الحائض أداء الصلاة أو الصيام حتي تغتسل من الحيض مثلما تغتسل من الجنابة.ويعد الجماع قبل اغتسال الزوجة وبعد التأكد من انتهاء الطمث: مكروها وإن لم يكن محرما.

2- الزوجة النفساء : وحكمها حكم الحائض ويحرم جماعها الى أن تتم مدة النفاس وقدرها أربعون يوما في حدها الأدني وتغتسل منه.

3- خلال صيام رمضان : حيث يفسد الجماع الصيام إذا ما تم خلال نهار الصوم للزوجين معا. قال تعالي: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نساءكم ، هن لباس لكم ، وأنتم لباس لهن.علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ، فتاب عليكم وعفا عنكم .والآن باشروهن وابتغوا ماكتب الله لكم وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر..."(البقرة186).

4- الا يتم الجماع وأحد الزوجين عاكف في المساجد لقوله تعالي في نفس الآية السابقة :"ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ، تلك حدود الله فلا تقربوها . يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون".

5- خلال الإحرام بالحج: يحرم الجماع إذا كان أحد الزوجين محرما بالحج لآنه يفسد الحج فإن أحل إحرامه ارتفع الحظر.

أما المحرمات مطلقا وتستوجب الحد فتتمثل في اللواط بإتيان الزوجة في الدبر سواء بموافقتها أو بطلب منها أو بغير رضاها حتى لوتم إدخال جزء صغير منه بينما لا يعد محرما احتكاك قضيب الزوج بدبر الزوجة من خارجه ودون الضغط عليه كأحد الوسائل لإثارة المرأة لطلب الجماع أو خلال الجماع . ولا حرج من أن يولج الزوج طرف إصبعه في داخل دبرها خلال جماعه لها إن وجد أن ذلك لا يؤلمها ويزيد من إثارتها واستمتاعها بالجماع كنتيجة للاحتكاك بهذا الجزء الحساس من جسمها. إذ أن إتيان المرأة في دبرها لايعد سوي تنويع في اللواط المحرم تحريما قطعيا وحيث لا يوجد أي فرق فسيولوجي بين دبر الذكر والأنثي. واللذان يثبت عليهما ذلك، سواء كانا ذكران أم ذكر وأنثى /وسواء كان الذكر والأنثي زوجان أو غير متزوجين، يجب إقامة الحد عليهما.

ولقد كتب خالد بن الوليد إلي الخليقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه يوجد في بعض نواحي الغرب رجل ينكح كما تنكح المرأة ، فاستشار الخليفة الصحابة ، فكان علي بن أبي طالب كرم الله

وجهه أشدهم حكما ، فقال: إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا واحدة(أي قوم لوط) فصنع الله فيهم ما علمتم. وانتهي إلي القول بأن يحرقوا بالنار. فكتب أبو بكر إلى خالد أن يحرقوا فحرقوهم. ويجب ألا يعبأ المسلمون بما انتهت إليه دول غير مسلمة بالاعتراف بالمثلية والمثليين وبالشذوذ الشبقي ، واعتبارهم ذلك من حقوق الإنسان . فلهم دينهم ولنا دين والأمر هنا لا يتعلق بحقوق الانسان وإنما بحقوق الله خالق الإنسان.

الزنا والخيانة الزوجية:

إن ممارسة الشبق خارج نطاق الحياة الزوجية هو خطيئة متعددة الخطايا ويزداد قبحها وسوءها في حالة الزوجين اللذين يفترض أن الزواج قد حصنهما ضدها وأغناهما الله به عن اقترافها والسقوط في هاويتها. أما أنها أم الخطايا أو متعددة فيها الخطايا فلأن فيها خيانة الأمانة وفيها انتهاك لعرض وفيها معصية لله تعالى وتعدي لحدوده وخروج علي شرعه وفيها إتيان فاحشة منكرة ينكرها المجتمع وأعرافه ومقدساته. ولهذا فإن هذه الخطيئة المركبة مذمومة في كل الكتب المقدسة والأديان والمجتمعات الإنسانية. وأسوء حالات الزنا وأكثرها فسوقا وعصيانا وإثما والتي تستوجب أن يكون عقابها القتل هي حالة الزنا بالمحارم أي الذين يعد الزواج بهم محرما سواء كانت حرمته دائمة أو مؤقتة مثل حالة أخت الزوجة. وإخوة الزوج يعتبرون من محارم الزوجة أيضا طالما كانت على ذمته. وهذه الخطيئة التى تعد جناية وجريمة كبرى غالبا ما يفتضح أمرها ، ولا يسترها الله علي مقترفيها ، حتي وإن بقيت مستورة أحيانا لبعض الوقت ، فقد يمهل الله فيها ولكنه لا يهمل.بينما قد يستر الله غيرها من حالات الزنا إن تاب مقترفيها عن قريب، وقدر الله بحكمته ورحمته أن سترهما وعدم فضحهما ،فيه مصلحة لهما ولغيرهما .

ومن المتفق عليه أن الزنا الذي يتم بالإكراه وتحت التهديد بسلاح ، أي جريمة الاغتصاب، يطبق علي الجاني حد قاطع الطريق فيقتل أو يصلب أو تقطع أيديه أو أرجله من خلاف وإن اشترك أكثر من واحد في اغتصاب امرأة واحدة طبق الحد على الجميع . ويستوي في ذلك أن تكون المجني عليها زوجة أو عازبة وبالغة أم قاصرة، وعما إذا كان الجاني أيضا أعزبا أو متزوجا.

وزنا المحارم يعد جريمة لا تقل سوءا عن جريمة الاغتصاب بل هي أشد منها نكرا ولذلك لا يجوز التسامح فيه وإنما يتم التسامح فقط مع من أكره عليه ولو كان إكراها معنويا وليس تحت التهديد بسلاح. . وبالنسبة للواط ، وسيان أن يكون مع ذكر أو أنثي ، وسواء كانت الأنثى زوجة من فعل بها ذلك أو غير متزوجة منه ، فإن فاعل هذا الإثم والمفعول فيه يستحقان أن يطبق عليهما أو علي غير المكره فيهما فتوى علي بن أبى طالب كرم الله وجهه بحرق من شارك في هذا العمل الدنيء.

إذن حالات الزنا وإن كانت في ظاهرها من جنس واحد يتمثل في رجل واقع امرأة لا تحل له إلا أن إثمها يختلف من حالة إلي أخري والعقوبة عليها،إن افتضح أمرها وثبتت شرعا، تختلف أيضا تبعا للحالة.

الدروس الثاوية في قصة النبي يوسف:

كثير الذين يحفظون قصة النبي يوسف أو يقرءونها أو يستمعون لترتيلها ولكن القليل جدا منهم من يستوعب الدرس منها أو يفهم مغزاها أكثر من فهمه أن يوسف عف عن امرأة ذات جاه وسلطان دعته الى الزنا بها فرفض فهددته بالسجن فلم تضعف مقاومته ودخل السجن وظل به سنينا الي أن أخرجه الله منه وأكرمه وجزاه عن تمسكه بالعفة والصبر عما لاقاه بسبب ذلك. هذا هو أقصي ما يستوعبه أو يخرج به معظم الناس من سورة يوسف عليه السلام. بينما هى أكثر من ذلك التبسيط في الرؤية لها بكثير . أي أن ما هو ثاو في باطنها و يحتاج إلى استخراجه منها من قبل من يتأملها ويتفكر فيها أكثر وأهم مما يأخذه معظم الناس من ظاهرها. الظاهر والباطن هنا لاعلاقة بما يدعيه أو يقول به بعض المتصوفة عن الكشف الرباني الذي يمكنهم من تفسير اللفظ بغير دلالته اللغوية الظاهرة، وإنما القصد هنا هو إثراء دلالات النص الرباني بالمزيد الذي يمكن استخلاصه من معان قد لا تفصح عنها الألفاظ ما لم يتم تأملها والتفكير فيها بعمق . وهو تأمل وتفكير يطالبنا الله به في الكثير من آياته. أي أننا هنا لا نحتاج إلي علم السيمياء،وإنما إلي علم البيان أو القدرة على استيعاب البيان القرآني بكل حواسنا.

يعرض لنا القرآن الكريم قصة النبي يوسف مع سيدته التي ربته في بيتها زليخا زوجة طيفور عزيز مصر التي راودته عن نفسه ، أي دعته الي الزنا بها، فاستعصم منها ، بعد أن كاد يقع في الخطيئة معها لولا أن رأى برهان ربه ، وبعد أن اشتعلن نار الشهوة فيهما معا وتأججت. ويروي لنا أيضا كيف شاع الخبر وافتتن أيضا نساء المدينة بيوسف بعد أن زينته زليخا وأخرجته اليهن في أبهى صورة لإنسان فأكبرنه وقطعن أيديهن، وهن لا يشعرن، بأمواس كانت قد أتاحتها لهن ليقطعن بها الفاكهة.

لقد زين الله المرأة بتكوين جسدي يثير شهوة الرجل ، وهي زينة نجدها فى الطبيعة متع الله بها إناث المخلوقات لإغراء الذكور بتلقيحها لكي يستمر نسلها ووجودها. وتختلف من جنس لآخر ومن نوع لآخر أيضا داخل الجنس الواجد.وزود كل من الرجل والمرأة بغريزة فطرية يولدان بها وتكتمل في سن معينة لكل منهما. ويأتي الجمال في كل منهما ، عاملا مضاعفا لتأجيج الشهوة لدي كل منهما بقدر قد تصعب مقاومته لو لم يعتصم صاحبه بتقوي الله ، خاصة إذا ما كانت كل الظروف مهيأة للقاء شبقي لا يطلع عليهما فيه أحد سوى الله عز وجل الذي تنسيهما الشهوة إطلاعه عليهما.ولذا قيل إن الزاني لا يزني وهو مؤمن ، إذ يغيب إيمانه عنه في حال الزنا.

كانت زليخا سيدة جميلة ومن أشراف قومها ومتزوجة رجل ممن يماثلها شرفا ولم ترزق بأولاد منه وقد كبر يوسف في بيتها حتي صار شابا مكتمل الرجولة ، فلم يهيج غريزة الشبق لديها فقط وإنما أيضا غريزة الأمومة إذ قد تلد منه إن واصلها إبنا جميلا مثله يدخل الفرحة على قلبها وقلب زوجها دون أن يعلم أحد الأب الحقيقي لطفلها أو يساوره شك في أنه ابنها من زوجها. فلن يتصور أحد بأنها ترضى أن يواقعها خادمها الأصغر منها سنا، وبذلك يظل الأمر سرا بينهما.

نمت الفكرة فى رأسها حتى سيطرت علي عقلها ونفسها ويمكن القول أنها توددت للشاب وقربته منها الى أن تأتي فرصة ملائمة لتأمره بتنفيذ ما تريده منه. وجاءت الفرصة عندما غاب زوجها عن المنزل ولم يعد فيه سواها وفتاها يوسف.فزينت نفسها واستدعت يوسف الي غرفتها ، وما أن استقر فيها حتى سارعت وأغلقت الأبواب : باب الدار وباب غرفتها عليهما . ثم اتجهت اليه تقبله وتعانقه حي أيقظت حواسه وشعرت بقضيبه وقد انتصب تحت ثوبه فزادها ذلك جنونا فاستلقت علي ظهرها وشدته اليها ليكون فوقها وقالت له : هيت لك وهي كلمة أرامية معناها تهيأت لك. أي مستعدة لدخوله بها... ارتبك يوسف وأدرك أي خطيئة ستوقعه فيها إن استجاب لدعوتها وأوشك أن ينهض من عليها أو من جانبها قائلا:" معاذ الله ، إنه ربي( يقصد زوجها الذي رباه) أحسن مثواي.. إنه لا يفلح الظالمون".لم تكن زليخا على استعداد لأدنى تراجع بعد أن بلغا ما بلغاه من الرغبة فازدادت تشبثا به ونهضت اليه واعتلته ورفعت ثيابها وثيابه وهمت به أي بادخال قضيبه في فرجها وهم بها ، أي كف عن مقاومتها وضعف لها ورغب فيها كما ترغبه بعد أن أحس أنها غلبته على أمره ، فإذا به يرى في سقف الغرفة "برهان ربه ، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء.إنه منن عبادنا المخلصين"كما ورد في كتاب الله فانتفض ودفعها عنه بكل قوته فأفلت منها وأسرع هاربا ومتجها الي باب الغرفة ففتحه وخرج منه متجها الي باب الدار فلحقت به وهو يفتحه وجذبته من ثوبه فانشق في يدها وتعرى ظهره مما زادها رغبة فيه وإصرارا علي إجباره على وصالها الا أنه تمكن من فتح الباب وما أن انفتح حتى فوجئا بزوجها على عتبة الدار ومعه بعض من أهله "وألفيا سيدها لدي الباب ، قالت : "ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم" بعد أن بلغ غضبها عليه وتوتر أعصابها ما بلغا ولا تستطيع تفسير وجودهما خلف الباب وقد انحسر ثوب يوسف عن أكتافه بعد أن مزقته له ، فسارعت باتهامه لكي تبرئ نفسها وبعد أن فوجئت بزوجها ومن معه. دافع يوسف عن نفسه : "قال هي راودتني عن نفسي . وشهد شاهد من أهله : إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كانقد من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قد من دبر ، فال : إنه من كيدكن ، إن كيدهن عظيم."

وقد فسر البعض عبارة : "هم بها" نقلا عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه بأنه "حل تكة سرواله" وقال اخر نقلا عن ابن عباس :" أنه جلس بين ساقيها وهم بخلع ثيابه". وفاتهم أنها همت به قبل أن يهم به، أي أنها عندما همت به كانت في وضع تتمكن فيه منه. وفي زمانها ومكانها لم يكن ثياب الفراعنة سوي قميص قصير للرجال كي لا يعوق حركتهم ومثله لدي النساء ولكنه أطول منه ويصل الي قدمي المرأة تقريبا يستر عريها ولم يكن لديهم سراويل أو ملابس داخلية أخرى .وهو ما يظهر من صورهم فوق جدران المقابر والمعابد. وهو ما يعني أن ما قاله صحابيان ليس بالضرورة منقول عن النبي صلي الله عليه وسلم وإنما قالاه بالظن.

تعلمنا القصة فيما تعلمه لنا أن السر إن زاد من علموا به عن اثنين ، حتى وإن كان الثالث من الأهل والأقارب ، لم يعد سرا، وإنما ينتشر الأمر ويذيع ، وإن بمرور الوقت. وهو ما يعلمنا أيضا أن ما ستره الله لا يجوز فضحه والحديث خاصة وأنه يتعلق بأعراض الناس وسمعتهم.فقد ذاع في المدينة خبر زليخا ويوسف . "وقال نسوة في المدينة إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه فقد شغفها حبا، إنا لنراها في ضلال مبين. فلما سمعت بمكرهن ، أرسلت اليهن ، واعتدت لهن متكئا

وآتت كل واحدة منهن سكينا. وقالت : أخرج اليهن .. فلما رأينه وأكبرنه وقطعن أيديهن ، وقلن حاشا لله ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملاك كريم".

كثيرون لم يفهموا معنى "أكبرنه" وماذا يعني قولهن"حاش لله ماهذا بشرا إن هذا إلا ملاك كريم"واعتبروه مجرد تعبير عن الافتتان بجماله ، بينما هنا افتتان بعفافه بعد أن افتتن بجماله وقطعن أيديهن دون أن يشعرن. لقد أدركن هنا أن جمال الشيم والأخلاق يضيف الي جمال الخلقة المزيد من البهاء الذي يرتقي بصاحبه من مرتبة البشر الي مرتبة الملائكة المكرمين.وكان في وصفهم له بالملاك تعريض مبطن بزليخا فهمته وزاد ذلك من غضبها علي يوسف وغيظها من النساء أيضا اللآئي رفعن منزلة الخادم علي منزلتها.ودفعها ذلك الي أن تتحداهن وتتحداه أيضا وأوقعها الكبر والعناد في المزيد من الإثم ولا مزيد في الإثم مثل الظلم."قالت : فذلكم الذي لمتنني فيه ، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن و ليكونن من الصاغرين"وقد زجت به في السجن فعلا عندما لم يطعها. لكي تطوعه لها فيطيعها، ولكنها حاولت أن تنسى الأمر كله ، وما لحق بها بسببه من فضيحة فأسقطته من ذاكرتها وحسابها ، فمكث يوسف في السجن سنينا عدة لا يهتم أحد به ولا بالظلم الذي لحق به.بينما كان مقررا أن يسجن فترة قصيرة تأديبا له علي عصيانه أوامر سيدته من وحتي يهدأ القيل والقال حوله وحولها.

يقول في ذلك تعالي : " ثم بدا لهم بعد أن رأوا الآيات ليسجننه حتي حين" والآيات هنا قدرته علي مقاومة غواية سيدة جميلة وذات سلطان عليه واعتصامه بالعفاف. ووصفها بالآيات يجعلها في حكم المعجزات التي لم يكن بمقدوره أن يستمر عليها لولا أن استجاب الله لدعائه:"قال : ربي السجن أحب الي مما يدعونني إليه وألا تصرف عني كيدهن أصب اليهن ، وأكن من الجاهلين"

فالمراودة كما يظهر من الآية هنا لم تعد قاصرة على زليخا وإنما امتدت إلى غيرها من نساء المدينة اللائي ربما قد تنافسن علي الإيقاع به وزاد تمنعه من شغفهن به. وربما لو قضت أية امرأةمنهن وطرها منه لفقد أهميته عندها وأهملته مهما بلغ جماله ، فالذي يزيد من الإصرار علي الإيقاع به هو امتناعه .وفي هذه الآية عود الى ذكر كيد النساء ولكنها تظهر أكثر من المرة الآولي معني الكيد والذي يتأكد هنا أن المقصود به فتنة جمال وتكوين النساء الذي حباهن به الله فكادوا به للرجال، أي فتنوهم به. ولم يكن يستطيع يوسف لو بقي خارج السجن ويراهن أن يضمن ألا يضعف ويصبوا إليهن.

يمكن أن نتعلم هنا أن الفتاة التى تتمسك بعفتها، وتقاوم شهوتها، وتصبر على تلك المقاومة ، في علاقتها بالشاب الذي تهواه ، والي أن تتمكن من إشباعها معه بالحلال.فإن ذلك هو الذي سيزيد فقط من رغبته فيها وتمسكه بها.أما إن فرطت في عرضها له مهما كان جمالها وفتنتها فقد يكون هذا التفريط الذي قضي فيه الشاب وطره منها سببا فى تركها وانصرافه الى غيرها مكررا التجربة معها. ونفس الشيء بالنسبة للشاب الذي يريد فتاة زوجة له ولم يتمكن حبه في قلبها بعد ويخشي أن ينافسه عليها وتفضل عليه من هو أكثر وسامة أو مركزا أو مالامنه ، لو أنها فقط وجدت لديه عفافا وحرصا عليه تجعله ممتنعا عليها بغير زواج لتمسكت به وما فضلت عليه أحدا.

حالات قليلة جدا هي التي أعرفها يمكن وصفها بالنادرة جدا تزوج فيها الشاب بفتاة يحبها وكان له علاقة شبقية معها قبل أن يعقد عليها. تقابلها حالات كثيرة جدا ترك الشاب الفتاة التي استسلمت له بعد إلحاح منه وترغيب وترهيب بتركه لها إن لم تقبل وتستجيب لمراودته لها عن نفسها فلما ضعفت وسلمت له ووثقت في وعوده لها بالزواج منها وبلغ منها مأربه ، انصرف عنها ، وتزوج غيرها ممن لم يفلح معها. وكم من فتاة اشتكت لي ممن كانت تحبه وتخلي عنها أو يواصل المماطلة في الزواج منها. بل أحداهن دفعت له ثمن الشبكة لكي يشتريها ويأتي لخطبتها من أهلها فكان ذلك أخر عهدها به.

في حالة زليخا طلت كانت رغبتها في يوسف مندمجة في حبها له، وظلت على حبها له حتى بعد ما انقطع أملها فيه وأدخلته السجن وتعمدت أن تبقيه فيه هربا من حبها له.فعندما علم فرعون بأمره وقرر إعادة بحث قضيته ، استدعي النساء ومعهن زليخا، وسألهن عنه . " قلن حاشا لله ماعلمنا عنه من سوء. قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق ، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين . ذلك ليعلم أنني لم أخنه بالغيب.وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وما أبرئ نفسين إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ".إذ أن الإيمان بالله والتمسك به هو وحده الذي يعطي المرء قوة يقاوم بها ما تدفعه اليه نفسه الأمارة بالسوء.

وزليخا تعلن أنها ظلت وفيه لحبها له في غيابه ورغم اجتهادها لنسيانه ولكن خروجه من السجن من شأنه أنن يجعل محبتها له عصية على النسيان. وهي تعلنها صريحة وأمام الملك : " ليعلم أني لم أخنه بالغيب".

القرآن في سورة يوسف يعبر عن النفس البشرية كما هي بكل ما ينتابها ويموج فيها من انفعالات عرضا محايدا ولا يظهر للشيطان دور في الأحداث ، فهو لا سلطان له علي النفس وإنما دورة تكميلي ، إذ يزين للنفس ما هي مقبلة عليه من سوء فقط. ولذا نجد إخوة يوسف يتآمرون عليه بدافع من الغيرة والحسد والرغبة في الاستئثار بحب أباهم بعد أن وجدوا أن عاطفته قد مالت نحو أخيهم غير الشقيق وشقيقه بنيامين من دونهم ، بعد أن ماتت أمهم وتزوج أم يوسف وبنيامين.

وكذلك زليخا امرأة العزيز راودت يوسف بما سولته لها نفسها. ولأن الله خلق الذكر والأنثي من نفس واحدة ، فقد مال اليها يوسف وهم بها بعد أن هامت به وهمت به ، ولم يمنعه عنها الا أن رأي برهان ربه ، ولم يقل لنا الله ماذا رأي ، ولكن المفسرون قالوا إنه رأى صورة يعقوب والده.

والقرأن إذ يعرض القصة دون أن يوجه اللوم فيها لأحد ، وإنما يتركها بين يدي قارئها يستخلص منها ما شاء. وسيجد فيها الكثير من الحكمة والرموز الغير مستعصية عن الحل وكشف مكنونها مع أقل محاولة معها. من ذلك:

1-نجد في الفصة مواجهة بين الشهوة الثائرة المتوهجة المتمثلة في أنوثة زليخا وجمالها ورغبتها الغريزية وبين العلم والحكمة أو لنقل المعرفة المعززة بالإيمان وبإرادة الله ممثلة في يوسف عليه السلام.فالذي يتسبب في العلاقات الشبقية خارج نطاق الزواج لايرجع فقط الي الغريزة وإنما يعود أيضا الي نقص في المعرفة والإيمان. والتخلص من هذه الأقة لا تفيد فيه المواعظ التقليدية ، وإنما الذي يحصن الشباب من الزلل هو التزود بالمعرفة من ناحية وتيسير سبل الزواج له من ناحية أخرى.

فالنزوع الشبقي لدي الرجل والمرأة وضعه الله في النفس البشرية وجعل العقل والمعرفة بما يشتملان عليه من علم وحكمة وإيمان وحكما ، لخلق التوازن مع النزعة الشبقية في نفس الإنسان

2-ويمكن أيضا أن نستنج أن الزوجة الخائنة أو الزوج الخائن مهما اتخذ كل منهما من احتياطات وعلق الأبواب فإن خيانته ستظل عرضة للافتضاح ما لم يسترها الله عليه. فالباب المغلق مثلما تقف خلفه الخطيئة تنتظر أمامه أيضا الفضيحة.

3-يمكن أيضا أن نستنتج أن القلوب تتقلب بسرعة إذا أصيبت بالإحباط . فالمرأة العاشقة إن لم يبادلها من تعشقه المحبة لم ينقلب حبها الى كراهية فقط وإنما إلى حقد مدمر ، دون أن يتلاشي في نفسها الحب أيضا. أي يجتمع الحب والكراهية لشخص واحد في أن واحد ولكن تظهر الكراهية بينما يختفي الحب ، وقد يظهر مرة أخرى وقد لا يظهر أبدا.ونفس الشيء يمكن أن يحدث مع الرجل العاشق أيضا.

4- قول زليخا :" إن لم يفعل ما آمره به ليسجنن"ليس بقول إمرأة عاشقة استبدت بها الشهوة والرغبة فيمن عشقته وإنما هو قول سيدة شعرت بجرح في كبريائها بعد أن تمرد على طاعتها عبد في خدمتها وفضح ضعفها البشري ، وهي هنا في حاجة لإثبات الذات والشعور باستعادة مكانتها وسلطتها التي كانت عليه وكسب المعركة معه أو الزج به في السجن . الحب هنا أصبح خارج القضية رغم أنه سبب القضية وكان محورها.ورغم أنه مازال باقيا لديها ولكن أمام كرامتها نحته جانبا وغلبت الإحساس بالكرامة عليه. وتحولت الرغبة في ممارسة الشبق لتحصيل متعة حسية أو حمل وأمومة الي رغبة لترميم ذات جريحة.

5- لو كان الذين فسروا سورة يوسف والتمسوا لزليخا العذر في خيانة زوجها بأنه كان رجل دولة مشغولا عنها فإنه في هذه الحالة لايجب أن ننحي باللائمة علي الزوجة إن تعرضت للزلل بسبب إهمال زوجها لها ولحقوقها وإنما وجب أن يتحمل الزوج مسؤوليته ونفس الشيء بالنسبة للزوجة التى هجرت زوجها في الفراش فتطلع لغيرها لقضاء حاجته.

هنا نحتاج الي تأمل قوله تعالي: " الآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم" (البقر 186) لكي ندرك أن المضاجعة كتبها الله على الزوجين مثلما كتب عليهما الصيام في رمضان وعليهم ابتغاؤها خاصة وأن العبارة جاءت ضمن اية تتحدث عن مباشرة الزوجات في ليالي رمضان.ففي نهار رمضان صيام مكتوب وفي ليالي رمضان مضاجعة للزوجين مكتوبة عليهما أيضا. وينتهي الصيام المكتوب بانتهاء شهر رمضان بينما الجماع المكتوب بستمر باقي شهور السنة. وإهمال أحد الزوجين لهذه العلاقة المكتوبة من شأنه أن يقود المحروم منها الي طريق الزلل والخظيئة ، وهنا لايمكن تحميل الذي سقط الوزر كله ونعفي منه من دفعه اليه دفعا .

فوزي منصور

Fawzy_mansour@hotmail.com

No comments: