Wednesday, November 14, 2007

الأسرة والحياة الزوجية - متاع الدنيا والآخرة

الأسرة والحياة الزوجية:

متاع الدنيا والآخرة

متاع الدنيا:

قال الله سبحانه وتعالي : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث . ذلك متاع الحياة الدنيا . والله عنده حسن المآب . قل أؤنبئكم بخير من ذلكم : للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار، فيها أزواج مطهرة ورضوان من الله ، والله بصير بالعباد. الذين يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار. شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما با لقسط . لا إله إلا هو العزيز الحكيم."(آل عمران-من 14-18).

باستعراض هذه الآيات الكريمة نجد أن الآية رقم 14التي ذكر فيها الله سبحانه وتعالي متاع الحياة الدنيا قد عرضت ما يشتهيه الإنسان في الحياة الدنيا بدافع مما أودعه الله في نفسه من غرائز حيوية وفطرية. وقد بدأت بذكر أكبر هذه المتع وهي متعة النساء التي تحركها غريزة الشبق ،ثم تلتها بما يتصل بها مباشرة ،وهو حب البنين، الذي تحركه غريزة الأمومة عند النساء. ثم أوردت الاية بعد ذلك ما تحركه غريزة التملك من حب الاستحواذ علي الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث... هذا متاع الحياة الدنيا. .ولكن يوجد ما أخير منه كله في الحياة الآخرة .حيث توجد جنات تجري من تحتها الأنهار فيها أزواج مطهرة ورضوان من الله. هنا سنجد أن العامل المشترك الوحيد بين متع الحياة الدنيا ومتع الحياة الآخرة هو الأزواج في كل منهما، والمعاشرة الشبقية التي يتمتعون بها معا في الدارين ، الا أنه في الآخرة لاينالهم فيها تعب أونصب أو ينتابهم منها ملل أو عزوف عنها ، وإنما هي متجددة باستمرار، مع تأكيد على طهرية الأزواج في الآخرة وأن هذه النعمة الكبري هي ثمرة رضوان الله عليهم أو عنوانا لهذا الرضوان ودليلا عليه . وفي الآخرة لا حاجة مع وجود هذه الأزواج المطهرة الي بنين أو بنات أو ذهب وفضه وخيل ونحو ذلك مما يتسابق عليه الناس في الدنيا ، وإنما الزوجية المطهرة هنا تغني عن كل ما عداها من متع وأخير منها جميعها.ثم تأتي الآية 16 لتصف هؤلاء الذين ينالون رضوان الله سبحانه وتعالى بأنهم الصابرون والقانتون والمنفقون والمستغفرون في الأسحار . ثم تأتي الآية 18 لتؤكد أن هذا الجزاء الأوفي هو شهادة بقسط الله أي عدله مع عباده.هذه الشهادة التي يعلمها ويعيها ويعرف قدرها الله وملائكته وأولي العلم ويعلمون أن الله هو العزيز الحكيم.

سنلاحظ أيضا أنن الاية 14 والتي بدأت بذكر النساء قد انتهت بذكر الحرث ، والمقصود هنا المباشر أو الذي يرد الي الذهن هو الأرض الزراعية ، الا أن المعني يمكن صرفه أيضا إلى المتعة الشبقية ، جيث يفسر القرأن بعضه ببعضه ، وحيث ورد في القرآن وصف النساء بالحرث في الآية التي تقول : " نساؤكم حرث لكم فأتوا نساءكم أنا شئتم.." . فتكون الآيات بذلك قد بدأت بذكر النساء صراحة وانتهت بذكرهن تلميحا أو على سبيل الاستعارة .

وقد علق فخرالدين الرازي علي أسبقية ذكر النساء في الأية 14 عن باقي متع الدنيا الأخري بأن "الالتذاذ بهن أكبر، والاستئناس بهن أكبر". وعندما أقول بأن الآيات بدأت بذكرهن وانتهت أيضا بذكرهن فإن المتعة الأولي من معاشرتهن هي الاستئناس بهن والمتعة التي تتم بهن هي الالتذاذ بهن والذي يكشف عنه معني الحرث والذي يتضمن معني النسل أيضا الناتج عن الحرث ولو أنه لا وجود للنسل في الجنة. وربما لم ينتبه الرازي الي أن متعة النساء فقط هي التي تنتقل معهن من الحياة الدنيا الي الآخرة لمن كتبت لهن الجنة واستحققنها وأزواجهن عندما توفرت لديهما شروطها.

وسنلاحظ أيضا أن المشتهيات بالطبع والغريزة قد زينها الله وجملها حتي يتم الإقبال عليها ، وهو ما يتفق مع ما سبق أن ذهبت إليه من أن أكثر زينة للمرأة هي ما حباه الله به من تكوين جسدي خاص ومتميز. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، صنعة الله وما أحسن من الله صنعا. وكان حظ النساء في ذلك عظيما. إن النساء اللائي فقدن ما حباهن الله به من حسن أول مرة ، إنما حدث ذلك بسبب سوء التغذية أما بالإقلال منها أو الإفراط فيها أو في سوء اختيارها أو الحرمان منها وعدم اشتمالها على جميع الأنواع التي أنعم الله بها علي الإنسان وتتكامل في منح الإنسان حاجته منها للمحافظة علي صحته وجمال خلقته وتصونه من أمراض يتعرض لها وتشوه خلقته.ثم ينتقل هذا التشويه عبر الأجيال بالوراثة وقوانينها التي جعلها الله حاكمة لها. ولا يحتاج المرء إلي كثير علم ليدرك أن المرأة العجفاء الضامر صدرها حتى لا يكاد يظهر فيه نهداها، أو تلك المكتنزة لحما وشحما أفسد حسن قوامها ورشاقتها وجمالها إنما يرجع كل ذلك الى سوء تعامل كل منهما مع الغذاء المتاح لهما بالإضافة إلى تأثير للوراثة قد يكون محدودا دون أي شيء آخر.

والمرأة التي تفسد الزينة التي حباها الله وخصصها بها ، إنما تلحق أكبر الأضرار بنفسها . وهذا الأمر يدخل أيضا ضمن مسؤوليات الآباء والأمهات إزاء بناتهن منذ الصغر . وهم غالبا لا ينتبهون الي ذلك . بل يوصي الكثيرون من المهتمين بصحة النسل تجنب الزواج ممن توجد في عائلاتهم أمراض وراثية يمكن أن تنتقل الي نسلهم وهو ما تزداد خطوره في الزواج بين اثنين من نفس العائلة . ولذا يوجد حديث منسوب لرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول فيه : "اغتربوا(أي في الزواج) تصحوا (أي يصح نسلكم).والمشاهد في الزواج المختلط يأتي الأبناء وقد ظهرت فيهم الصفات الوراثية الجيدة المتنحية لدي الوالدين وتختفي الصفات الوراثية الأقل جودة لدي الوالدين. وتعتبر تحسن الصفات الوراثية لدي الأمريكيين ناتجا عن أن الزواج يتم بين مهاجرين أتوا الي أمريكا من مختلف بقاع الأرض .

ويتساءل القرآن الكريم بصيغة الاستنكار عمن حرم زينة الحياة الدنيا التي أحلها الله لعباده ، قال تعالي:" يا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " (سورة -الآيتين 31،32).

وقد رأينا أن النساء و المعاشرة الشبقية بين الزوجين في الآية 14 من سورة آل عمران تأتي في مقدمة زينة الحياة الدنيا ومتعها وهما في الآخرة أيضا في مقدمة ما أنعم الله به علي عبادة الذين حظوا برضوانه.

بل سنجد أيضا أنه إذا جاز في الإسلام العزوف عن متطلبات بافي الغرائز الفطرية والزهد فيها، لم يجز ذلك بالنسبة للغريزة الشبقية طالما يتم تلبيتها وانفاقها في ما أحله الله. والحظر الوحيد عليها هو إنفاقها فيما حرمه الله.

ونجد أيضا أن الله قد حرم اكتناز الذهب والفضة أو عدم إنفاق المال في سبيل الله بما ينفع صاحبه والناس، أو قصر تداوله على فئة قليلة داخل المجتمع المسلم ، بينما لم يفع تحريم المعاشرة الشبقية بين الأزواج الا في الحالات التي ينجم عنها أذي مثل حالات الحيض والنفاس أويكون فيها إخلال بالعبادات مثل الصوم وأداء مناسك الحج والحاج مازال حرما لم يفك إحرامه أو في حالة العكوف بالمساجد. وفي غير هذه الحالات المحدودة والقليلة ، فهي ليست حلالا فقط وإنما هي مطلوبة أيضا من الزوجين المسلمين على نحو يمكن القول بأنه يتسم بالإلحاح لآن ممارسة الشبق تتعلق بصيانة الصحة النفسية والفسيولوجية للزوجين مما يدخل ضمن المحافظة علي النفس التي هي من مقاصد الشريعة الخمس التي حددها الفقهاء الأصوليون ، وهي أيضا من صميم العدل والإحسان والتراحم وأداء الأمانة وغيرها من مقاصد الشريعة الغراء ومن أساسيات الدين الخالص .ومطالب كل من إمتلك القدرة عليها من الشباب أن يتزوج حتى لايحرم نفسه منها . قال في ذلك النبي صلي الله عليه وسلم : " يامعشر الشباب من بلغ منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء(أي حفظ له من معصية الله بإنفاق باءته فيما حرمه الله عليه ، أي خارج إطار الزواج). ولذا فإن الشاب مطالب أذا ما توفرت له فرصة الزواج والقدرة عليه ماديا وعضويا ولم يعد لديه عذر يمنعه عنه أن يبادر اليه ويعجل به فقد نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله : " إن من سننا النكاح . شراركم عزابكم ، وأراذل موتاكم عزابكم.". ويحذر الرسول أيضا أهل الفتاة من الامتناع عن تزويجها إن جاء من يصونها ويصون دينها خاطبا فيقول : " إن جاءك من ترضون دينه فزوجوه ، إن لم تفعلوا يكن فساد كبير في الأرض" . وأكثر الفساد المنتشر اليوم ناتج عن شبان وشابات تجاوزوا وتجاوزن سن الزواج من أمد بعيد ولم يتزوجوا بعد. وعوض الشكوي من الفساد وإدانته يجب إدانة السياسات والعادات الفاسدة التي تسببت في هذه الظاهرة وانتشارها واستفحالها الي هذا الحد المزعج .الذي يعد حرمانا من الحقوق الإنسانية للمسلمين. وبذل الجهد لتدارك الوضع عوض تركه هكذا والاكتفاء بالتحسر علي وجوده . وأن يأتي الإنقاذ متأخرا للشاب والشابة خير من ألا يأتي أبدا.

وقال صلى الله عليه وآله: " الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة "وقال أيضا:"

استفاد المؤمن بعد تقوي الله عز وجل خير من زوجة مؤمنة إذا نطر اليها سرته وإن أمرها أطاعته إليها ، وإن غاب عنها حفظته في نفسه وماله". وحفظ الغيب جاء في قوله تعالي:" َالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ".

وجاء في مستدرك الوسائل وسنن أي داوود أن المصطفي صلى الله عليه وسلم قال :" من سعادة المرء المسلم : الزوجة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والمركب الهنيء ، والولد الصالح ".

ونفل عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله: خير نسائكم الخمس ، قيل يـا أمير المؤمنين ومـا الخمس ؟ قال: الهينة اللينة ، المؤاتية ، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى ، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته فتلك عامل من عمّال الله وعامل الله لا يخيب ".

غلمة الذكور والإناث:

قد يكون فيما سأقوله هنا الآن قد تعرضت له فيما قبل ونسيت ذلك ، وبالتالي يكون فيه تكرار، أو ربما عرضته ولم أفه حقه فاضطررت الي العودة إليه ثانية بشيء من التفصيل. ولذا ألتمس العذر ومد حبال الصبر.

تختلف استجابة الذكور للغريزة الشبقية عنها لدي الإناث. ففي حين يشعر الرجل أحيانا بالرغبة في المرأة عندما تبدي زينتها أو بمجرد الإمساك بيدها ، ويكون مستعدا لممارسة الفعل الشبقي معها علي الفور. ونجد أيضا لديه مستوى الرغبة أثناء المعاشرة الشبقية يكاد يكون ثابتا نسبيا. بينما يجد المرأة في حالة الي إثارة جميع حواسها لكي تنمو رغبتها إلي الحد اللازم وتزداد وتيرة الرغبة باستمرار المعاشرة الشبقية إلي أن تصل إلي حدها الأقصى .الا أن المرأة يمكن أن تثار أيضا بالتخيل.أي إذا صاحب نظرتها الي الرجل تخيل نفسها معانقة له تمارس معه الفعل الشبقي، وبطريقة لاشعورية تمتد يدها لتتحسس الأماكن الحساسة في جسمها ، مما يزيد رغبتها في الجماع حتي لو لم يلمسها الرجل. إلا أن تأجج الرغبة لديها لا يتم الا بعد أن يحتضنها زوجها ويلامس الأماكن الحساسة لديها ويضاجعها. قد تحدث الرغبة لديها أيضا إذا ما تصادف ورأت رجلا يضاجع زوجته لم تكن تتوقع وجودهما يفعلان ذلك عندما فتحت الباب عليهم ، أو مشهدا مثل ذلك على شاشة التلفزة. فينشط خيالها وتتصور نفسها في موضع المرأة.

عندما طالب الرسول المرأة ألا تمتنع على زوجها ولو كانت على رأس التنور أو على ظهر بعير، ولم يطالب الرجل بمثل ذلك، لم يكن السبب نظرة دونية للمرأة لاتري فيها سوي أداة تحت الطلب لإمتاع الرجل دون اعتبار لإنسانيتها ودليل على نزعة ذكورية متسلطة أو متعالية عليها ، على نحو ما ذهب إليه المتنطعات من النسوانيات والمتنطعون من النسوانيين. ممن يرددون كالببغاوات ما يصدر إليهم من أفكار معلبة ، دون تفكير فيها أو تبصر. وإنما كان ذلك لحكم لم يتبينوها نتيجة ما أصابهم من استلاب وتغريب حجب بصائرهم. إذا لا يعدوا غير أن يكون تقديرا حكيما للتمايز بين الرجال والنساء في الطبيعة الشبقية ، ومراعاة لمبدأ : لا ضرر ولا ضرار. وتتمثل تلك الحكم والأسباب فيما يلي:

1. المرأة تقوم بدور المستقبل ، وإذا انعدمت عندها الرغبة ساعة طلب الرجل ، فإن هذه الرغبة تنشط بمجرد أن يبدأ زوجها في تحضيرها لذلك ، ويضاجعها ، فقد طلب من الرجل أيضا أن يقدم لنفسه. ولذا لن تؤذيها الاستجابة لزوجها عندما يطلبها للجماع ولكنه سيتأذي إن رفضته وامتنعت عليه نفسيا وعصبيا وهو في ذروة رغبته فيها. وقد يترتب على امتناعها عليه زهده فيها، في الحد الأدني من الضرر، فيما بعد فلا يلبى رغبتها . وقد يصل الضرر الى حد أن يرغب في وصالها فيجد نفسه مصابا بحالة من العجز الطارئ اللاإرادي. أي أنها في النهاية ستكون هي المتضررة وستكون أشبه بالزوجة التي أرادت الانتقام من زوجها في فورة غضبها فعمدت الي قطع عضوه التناسلي.

2. إن القدرة الشبقية للرجل غير مرتبطة دائما برغبته ، بل قد تستعصي عليه أحيانا ، ويخذله جهازه التناسلي ويأبي الاستجابة له بينما القدرة الشبقية للمرأة تظل متوافقة دائما مع رغبتها. يستثني من ذلك أن تكون مريضة أو متعبة فهي فى هذه الحالة لن يكون لديها لا رغبة ولا قدرة علي ذلك. وأسباب العجز المؤقت لدي الرجل الذي لا تتوافق فيه القدرة مع الرغبة متعددة . منها ما يكون مرتبطا بمرض عضوي مثل زيادة الإصابة بمرض السكري أو ضغط الدم المرتفع أو المنخفض أو الإنيميا ويزول العجز بزوال المرض أو انخفاض حدته. ومنا ما يكون نفسي ناتجة عن سلوك غير مقصود من المرأة ، قد يكون الغرض منه زيادة طلبه لها فيحدث العكس. فالمرأة تحب أن تكون مطلوبة أكثر منها طالبة ، وأن تبدو مرغوبة أكثر منها راغبة . ولكنها إذا تمادت في التمنع أرسلت رسالة لاشعورية خاطئة لزوجها بأنه غير مرغوب فيه فيفقد على الفور استمرار فدرته رغم استمرار رغبته فيها . ولا يفيدها بعد ذلك إن عادت وأظهرت رغبتها ولا تتمكن من إصلاح ما فسد الا بمرور وقت على ذلك قد يطول أو يقصر.ولكن هناك أسباب أخرى سبق لي ذكرها . فقد تنجح المرأة في استثارته وتشتد رغبته ولكنه يعاني من إجهاد عضلي أو نفسي أو عصبي أصابه عندما كن خارج البيت ومازال يعاني من تبعاته فلا يستجيب له . ففي ظروف الإجهاد والتوتر الشديد يسارع المخ الي إفراز هرموني :"الأندروفين " و "الانكفالين" بينما تفرز الغدة الكظرية فوق الكليتين المزيد من "الأندرالين". ويعمل هذا النشاط الهرموني المكثف والطارئ على الحد من الإحساس بالألم المترتب على الإجهاد وحماية الجسم من الانهيار العصبي.وفي ذات الوقت يترتب علي هذه الإفرازات في الدم شل مؤقت لفاعلية الهرمونات الشبقية وخاصة التسترون بالنسبة للرجل وتكف أعضائه التناسلية مؤقتا عن القيام بوظائفها فتتوقف الخصيتان عن إنتاج الحيامن وغدة البروستاتا عن انتاج التسترون والسائل المنوي .وقد يكون من الملائم هنا التذكيربأن الخصيتين تفرزان هرمونات الذكورة: الأندروجين و هرمون التستوستيرون، وأيضاً تفرز كميات من هرمون الأنوثة (الأستروجين) ويخضع إفراز التستوستيرون لضبط أحد هرمونات (الجونادوتروفين) الذي يفرزه الفص الأمامي للغدة النخامية . حيث يقوم الجونادوتروفين بتنظيم هرمونات الذكورة في شكل دائرة مرتجعة من خلال محور هرموني عصبي يربط بين الخصية والغدة النخامية في المخ ( فعندما يقل إفراز التستوستيرون ) يزداد إفراز الجونادوتروفين ليستثير و ينبه إفراز هرمون الذكورة من الخصية فإذا ما وصل إفراز الأخير إلى مستوى عال انخفض نشاط إفراز الغدة النخامية الجونادوتروفين.

حالة أخرى ، لا بأس من ذكرها – ولو أنها لا تخص من يتقون الله ويطيعونه وينتهون عما نهاهم عنه ، وهي حالة شرب كمية من الخمر. فالمشهور عن الخمر أنها تزيد من الرغبة وتقلل من القدرة. هناك أيضا المدمنين علي المخدرات وخاصة الحشيش إذ قد يفقدون القدرة تماما بسبب تليف يصيب الأوعية العصبية فتتوقف عن حمل الإشارات بين المخ والجهاز المركزي العصبي فلا يتدفق الدم الي العضو التناسلي للرجل وبالتالي لا ينتصب ولا يكون باستطاعته بالتالي ممارسة الجماع إلا بعد إتمام العلاج.. قد يحدث الإجهاد أيضا للرجل ضعيف البنية أو الذي يشكو من ضيق في التنفس خلال ممارسته الجماع مع زوجته فلا يستطيع إكماله إذ يحدث له سرعة القذف أو يفقد عضوه انتصابه فجأة.

لقد أشرت في فصل أخر من هذا البحث الي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه : " إذا ما أحكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه فليعمد الي امرأته فيواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه ". وقلت إن علي الزوجة أن تستجيب الي هذا الطلب المفاجئ أو الغير معتاد أو ملائم من حيث الوقت أو المكان دون أن تسأله عن السبب. وقلت إعمالا لقوله تعالي : "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" أن من حقها أيضا إذا نظرت الي رجل فوقع في قلبها أ، تعمد الى زوجها وتطلب منه مواقعتها وعليه أيضا ألا يسألها عن السبب. ولكن تطبيق ذلك لايجوز تطبيقه بشكل ميكانيكي من قبل المرأة وإنما يجب أن يتم بدون تعسف منها ومع تقدير ظروف الزوج ساعة الطلب منه ذلك والتلطف معه حتي تنال مأريها منه. فإذا كان الزوج مجهدا ولن يتمكن من تحقيق رغبتها على النحو الذي يرضيها وجب عليها أن تهيئ له فرصة تكفل راحته ، وأن تخفي رغبتها، وتدعي مثلا أنه انتابتها نزوة أن تستحم معه وتجهز له ولها حماما دافئا وتعطره وتعطيه كأسا من الحليب الدافئ بعد خروجه من الحمام وتدعه يتمدد في الفراش قليلا الى جانبها فإن تأكدت من أنه حصل على الراحة التي يحتاجها ضمته اليها وتحسست جسمه وتركت الأمور تسير وتتطور بينهما بشكل طبيعي. أو اذا كانت متعجلة الأمر، أخذت بزمام المبادرة و علته من البداية حتي النهاية، وحصلت على متعها كاملة منه.

والتوتر الشبقي الشديد بالنسبة للرجل والذي يحسب ضمن التوتر العصبي أو شكلا من أشكالة ويسبب بالتالي أجهادا عصبيا له قد ينتج عنه العجز أو سرعة القذف من قبله ولا يتحقق الإشباع من الجماع للطرفين. ويختلف الأمر بالنسبة للأنثى فكلما زاد توترها زادت الرغبة لديها والقدرة على مواصلة الجماع حتي تتحقق فيه ومنه نشوتها مرة واحدة وربما أكثر من مرة.

نعود مرة أخرى لألف ليلة وليله لنستعير منها صورة تصور حالة التوتر الشبقي عند المرأة وإن كانت صورة ماجنة و شبه خيالية لما فيها من مبالغة. تقول شهر زاد على لسان أحد شخصيات قصصها:

" عندما تخلت الصبية عن لا مبالاتها ، وركضت نحوي، وكأنها مدفوعة برغبة لا تقاوم ، وأخذتني بين ذراعيها ، وضمتني إليها بحرارة ، وشحب وجهها ، ثم سقطت بين يدي مغشيا عليها . ثم ما لبثت أن عادت الحركة إليها وأفاقت ، وأخذت تلهث حتي أن الولد(كناية عن عضوه التناسلي) دخل في سريره من غير صراخ ولا ألم كالسمكة تدخل في الماء. ونفسي المتحررة من خطر المزاحمين ، لم تنتبه من شدة التأثر إلا للذة الصافية البريئة من الخطأ. وقضينا كل نهارنا وليلنا من غير كلام أو طعام أو شراب بين ثنايا الساقين والخاصرة ، وفي كل ما ينجم عن ذلك من حركات...".

المتصوفة والشبقية:

بدأ التصوف في الإسلام بأناس سلكوا مسلك الرهبان في المسيحية فالتزموا الزهد في متع الدنيا على أمل أن يعوضهم الله بأفضل منها في الآخرة ، واعتبروا أن هذا الزهد يمكن أن يصل بهم الي علم أكثر مما لدي العلماء ، وكان مثلهم الأعلى في ذلك الخضر عليه السلام الذي علمه الله مالم يحط به النبي موسي علما.والذي ورد في القرآن موصوفا بالعبد الصالح. واعتبروا أنه مادامت النبوة قد ختمت بالنبي صلي الله عليه وسلم فإن مقام العبد الصالح الذي يكشف الله عن أسرار لم يكشف عنها للأنبياء والمرسلين مازال قائما. ما حفزهم علي ذلك أيضا حديث قدسي يذكر أن العبد لا يزال يتقرب الي الله حتى يصبح ربانيا يقول للشيء كن فيكون.وأنه يمكن التوصل علي هذه المنزلة والمكانة العالية بالاستغراق في محبة الله وبلوغ أقصي ما يمكن الوصول اليه من مراتب التقوى، وأنه يمكن للعبد الصالح أن يتقرب إلي الله بالصالحات والمداومة علي التعبد والذكر حتي يصبح ربانيا. ومنهم من أقام رباط في الصحراء أو في واجد بها، وجمع حوله تلاميذ له وقادهم بعد ذلك الي الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله في الأرض مثل الشيخ عبدالله ياسين الذي كان تلميذه يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين بالمغرب وكذلك الشيخ الأقاوي في جنوب المغرب أيضا وغيرهما ممن سلك طريقهما. ومنهم من اعتزل الناس جميعا وحرم نفسه من كل متع الدنيا وملذاتها. فعلوا ذلك دون أن يأمرهم دينهم بذلك أو يزكيه حيث لا رهبانية في الإسلام وتوجد أحاديث نبوية تنهي عنها.

جاء من بعدهم أناس ألتقطوا منهم فكرة حب الله وقارنها بحب النساء باعتباره أشد وأكمل حب في الدنيا . وطالما أن حب النساء في تطوره والوصول به الي أبعد مدي يمكنه أن يصل اليه ينتهي الي العشق والمعاشرة الشبقية التي تنتهي بدورها الي النشوة أو قمة اللذة الحسية والتي هي في ذات الوقت عبارة عن لحظة يفني فيها المحبوب في محبوبه وتتحرر فيها الروح من أسر الجسد حتى كأنها حالة موت أو تشبه حالة الموت ويتم فيها معايشة لحظة من الصفاء النفسي والروحي. وأن هذه اللحظة إن تم لهم الإمساك بها أمكن بلوغ مثلها في الحب الالهي. ولذا اعتبروا أن حب النساء يمكن أن يكون تدريبا علي حالة فناء العبد المحب لإلهه في الإله والاندماج بالذات الإلهية بالروح والجسد معا مثلما يندمج العاشقان في الوصال الشبقي. واعتبروا أن ممارستهم عشق النساء هو سبيل الوصول الي العشق الأسمى وليس ملهاة عنه.من أشهر من قال بذلك واعتقد فيه محيى الدين بن عربي.وهذا الرجل بالذات اهتم به المستشرقون اهتماما خاصا وبما غثروا عليه من كتاباته وخاصة الفتوح المكية وفصوص الحكم وسعوا هم ومن اتبعهم وفتن بهم من تلآميذهم أو عملائهم الغرب علي استغلالها لإفساد دين المسلمين عليهم بدعوي وجود تفسير باطني للقرأن أهم من التفسير الظاهري له حتي ولو لم تسعفهم كتابات بن عربي بأمثلة يعتد بها لهذا التفسير الباطني المزعوم. والذي لايأخذ بظاهر الكلمات ومعانيها في اللغة العربية وإنما يعتبرها رموزا وكنايات واستعارات تحتاج الي علم السيمياء وليس فقه اللغة.أو لا ينكشف سرها لغير أهل الطريق من المتصوفة.

مثال بن عربي:

استقي بن عربي أفكاره من أمرأة سوداء تزوج بها في الأندلس تدعي مريم بنت محمد الباجية علمته فنون العشق وكيف يمكن الارتقاء من عشق المخلوقة الي عشق خالقها متخذة من علاقتهما الشبقية دليلا لإثبات ذلك ثم أرشدته الي إمرأة عجوز في زمانها تدعي فاطمة بنت المثني القرطبية بدعوي أنها بلغت شأوا عاليا في التصوف فلزمها وخدمها عامين. أي أنه تعلم التصوف علي هذا النحو علي يد امرأتين ، واحدة منهما كانت زوجته التي علمته كيف يصل الي النشوة عن طريق الجماع والثانية عجوز من قواعد النساء اللواتي لايرجون نكاحا ولكنهن يعشن على ذكريات ماضيهن الأنثوي ولديهن تخيلات عنه ، وهن بذلك لا يختلفن عن حالة الرجل العجوز الذي لم يعد بإمكانه إشباع غريزته الشبقية فعوض العجز بإثارة مخيلته شبقيا، وقد ذكرتها في مكان آخر من هذا البحث. والتقي بن عربي بعد ذلك بقتاة تدعي نظام خلال رحلة الحج فهام بها حبا وكتب فيها قصائد شعر يعبر فيها عن وجده بها.

ما كتبه بن عربي نثرا وشعرا يمكن اعتباره هلوسة مجذوب ، دون أن يمنع ذلك من أنه كتب أيضا كتابات جيدة حاول فيها التوفيق بين الأفكار ذات الطبيعة الفلسفية التي كانت شائعة في زمانه وبهرته وبين الشرع فوفق حينا وأخفق أحيانا وجاء بكلام ملتبس يمكن تأويل بعضه بما يتفق مع الايمان ويمكن اعتبار البعض منه شططا يقترب من الكفر. ولكن المستشرقين راحوا يأولونها وفق ثقافتهم المسيحية، ويعتبرون ظاهرها غير باطنها، ومثال لذلك ما كتبه هنري كوبان وترجمه فريد الزاهي عن قصيدة لبن عربي ، فيقول:

" . لقد حضرت المؤلف وهو يمشي علي الرمل بعض الأبيات التي أنشدها. فلم يشعر إلا بتجلي كائن لم يفطن له فيما قبل، سوف تمكننا الحكاية من أن نتعرف فيه علي الصورة العينية المحاطة بهالة سماوية. فتحدثت إليه بلهجة تنم عن مصدرها الإلهي وبتأنيب قاس يكشف عن سر الديانة الحكمية للحب. أما الأبيات التي كانت وراء هذا التأنيب فكم هي محيرة، بحيث لايمكننا فهمها إلا اذا علمنا في الآن نفسه من صاحبها سر لغة شبيهة باللغة الملتبسة 'للتروبادور. غير أننا نربح من ذلك سبيل فك حروف مجمل قصيدته باعتبارها احتفاء بلقاءاته مع الحكمة الصوفية، وباعتبارها سيرته الذاتية الباطنية، علي إيقاع قلقه ومسراته.
يقول الشاعر: 'كنت أطوف ذات ليلة بالبيت فطاب وقتي وهزني حال كنت أعرفه فخرجت من البلاط من أجل الناس وطفت علي الرمل فحضرتني أبيات فأنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني لو كان هناك أحد، وهي قوله:
ليت شعري هل دّروّا أي قلب ملكوا وفؤادي لو دري أي شعب سلكوا
أتراهم سلموا أم تراهم هلكوا حذر أرباب الهوي في الهوي وارتبكوا
فلم أشعر إلا بضربة بين كتفي بكف ألين من الخز، فالتفت فاذا بجارية من بنات الروم لم أر أحسن وجها ولا أعذب منطقا ولا أرق حاشية ولا الطف معني ولا أدق إشارة ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفا وأدبا وجمالا ومعرفة.
إننا بالتأكيد نتعرف علي الشبح في العتمة، لكن ليس لنا أن نخطيء، ففي حضرة المحبوبة، التي تجسدت له في تلك الليلة المشهودة، ما يراه الشاعر المتصوف بشكل تزامني هو الصورة المتعالية التي لا يراها سواه، الصورة التي يعلن عنها جمالها المحسوس. ويكفيه ملمح رفيع واحد لاقتراح ذلك: فالفتاة الفارسية تعاش كما لو كانت أميرة إغريقية. وإذن فإن الحكمة التي تنبعث من نص الأشعار ومن شروحها تمكننا من هذا الملمح الرائع: إن المرأة التي يمنحها الشاعر وظيفة ملاكية، لأنها بالنسبة له التمظهر المرئي للحكمة الخالدة، تمتلك من حيث هي كذلك وجودا بالتجلي. وبهذا المعني فهي تشابه حالة المسيح كما يفهمها ابن عربي ومعه كل روحانيي الاسلام، أي تبعا لفكرة 'ظاهرية'، وبالأدق 'عيسوية ملائكية' كانت هي معتقد المسيحية القديمة. وبما أن الفتاة بدورها تمثيل لملك في صورة إنسانية، فذلك سبب وجيه لكي يعتبرها ابن عربي من 'سلالة المسيح'، مسميا إياها 'حكمة عيسوية' ومستنتجا أنها تنتمي لبلاد الروم، أي إلي المسيحية الإغريقية والبيزنطية. والحقيقة أن هذه التداعيات الذهنية لها نتائج بعيدة المدي علي حكمة مؤلفنا. بيد أن النقط الأولية التي تهمنا هنا هي أن الصورة المتجلاة قد تم التعرف عليها باعتبارها صورة الحكمة أو الحكمة الإلهية، وبهذه المرجعية والمرتبة سوف تخبر محبوبها.
وللوقوف علي قيمة تعاليمها، علينا، بمعونة الشاعر، أن نفك شيئا ما معني الأبيات الأربعة التي حضرته علي إيقاع تجواله الليلي، والتي صيغت، مثلها في ذلك مثل كل أشعار 'ترجمان الأشواق' بلغة ملتبسة خاصة. علام يحيل ضمير الغائب الجمع؟
فنحن نعرف من خلال شرحه أنه يشير إلي المناظر العلا. واذا ما نحن ترجمناها ببساطة 'بالأفكار الإلهية' فإننا قد نقف عند حد المستوي الفلسفي المفهومي. وتدعونا السياقات إلي أن نري فيها تلك الصور التي تعتبر حكما، وحكمة فردية مخصوصة في كل منها بأحد الأنبياء السبعة والعشرين الممثلين في كتاب الفصوص، وهي الحكم التي تهيم فيها الأرواح في الأزل، كما تهيم فيها في الزمن......".

رأينا كيف أن بن عربي يقول : جارية رومية وهنري كوبان يصر أنها فارسية ولكنه تخيلها رومية لكي تتفق مع ما يريده من مفاهيم مسيحية وكأنه كان معه وشاهدا على الواقعة..الاستغلال هنا واضح بل ومفضوح أيضا.

وقد أفتي ابن تيمية فيما ترك بن عربي من كتابات فقال:

مقالة بن عربي مع كونها كفرا فيها الجيد كثيرا فهو أقربهم إلى الاسلام لما يوجد في كلامه في فصوص الحكم الكثير من الكلام الجيدولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره بل هو كثير الاضطراب فيه وانماو مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى والله أعلم بما مات عليه

.أما الشيخ السبكي فقد قال عنه وعن أضرابه:

"ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين ، كابن العربي وأتباعه ، فهم ضلاّل جهال ، خارجون عن طريقة الإسلام ، فضلاً عن العلماء".

أما بن عربي فيعرض معتقده في فاتحة كتابه الفتوحات المكية فيقول:

"..أنه يشهد قولا و عقدا, أن الله تعالي إله واحد ، لا ثاني له. وفي ألوهيته منزه عن الصاحبة و الولد ، مالك لا شريك له ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل كل موجود سواء مفتقر إليه تعالي في وجوده فالعالم كله موجود به ، و هو وحده متصف بالوجود لنفسه ، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان و لا بعرض فيستحيل اليه البقاء و لا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهات و الأقطار، مرئي بالقلوب و الأبصار، اذا شاء استوي على عرشه كما قاله و على المعني الذي أراده كما أن العرش و ما سواه به استوي، وله الآخرة الأولي ، ليس له مثل معقول و لا دلت عليه العقول. لا يحده زمان و لا يقله مكان بل كان و لا مكان و هو على ما عليه كان. خلق المتمكن و المكان و أنشأ الزمان و قال : أنا الواحد الحيي. لا يؤوده حفظ المخلوقات و لا ترجع اليه صفة كم يكن عليها من صنعة المصنوعات. تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان و لا شيء معه فإن الله قبل و البعد من صيغ الزمان الذي أبدعه. فهو القيوم الذي لا ينام و القهار الذي لا يرام ليس كمثله شيء."

الرأي فيما قاله المتصوفة:

حكايات التصوف كثيرة وكل حكاية تختلف عن الأخرى ، وكل حالة قد تكون بعيدة الشبه عن الأخري ، فقد اتخذ المتصوفة طرقا قددا ، وانتحل التصوف أيضا نصابون وأفاقون وجهلة ، استغلوا به انتشار الجهل لدي العامة ، فاختلط فيه الحابل بالنابل ، والذي دخل التصوف بنية حسنة حتي وإن أخطأ الطريق ، ومن دخله وهو دخيل عليه يريد به الدنيا وليس الآخرة.

وفيما يعد من أعلام أو أقطاب التصوف الحلاج وجلال الدين الرومي وابن السماك وعمر الخيام

ورابعة العدوية وألاف مؤلفة خلف بعضهم طرقا صوفية انتشرت من أسيا الوسطي حتى غرب أفريقيا.

مايهمنا الآن هو الإجابة على سؤال : هل أخطأ الذين اعتبروا أن العشق الشبقي هو الطريق الموصل الي العشق الإلهي؟.

الإجابة علي هذا السؤال محفوفة بالمخاطر سواء نتيجة مبالغة من قالوا بذلك من المتصوفة وتجاوزهم حد المعقول أو نتيجة ما وصف به قولهم بأنه زندقة وكفر وقد خالطه فعلا أو انطلقوا فيه من معتقدات قديمة باطلة رفضها أهل السنة والجماعة. وكذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ما قالوا بأنه سيصلون اليه عن طريق العشق الشبقي لم نجد في آثارهم سوي كلام ملتبس لا يثبت شيئا من هذا الادعاء.بل يمكن القول دون تجني عليهم – وإن اتهمنا أنصارهم بالجهل وعدم فهم ما يسمونه من معان لطيقة ثاوية داخل الألفاظ- بأن ما تركوه لا يختلف كثيرا عن هلوسة الواقعين تحت تأثير مخدر رغم احتفاء المستشرقين بها والإعلاء من شأنها ، ومحاولة من سار في ركابهم اعتبار هذه الهلوسات دليلا علي التدين الصحيح في مقابل التدين القائم علي كتاب الله وسنة رسوله عند المسلمين. وما يزيد الحرج أن كتابات هؤلاء فيها حق متفق عليه وفيها ما يعد باطلا وفيها الجيد والرديء وهو ما تنبه اليه ابن تيمية. وبالنسبة لكتابات بن عربي

فلاأستبعد أن يكون من سارعوا بالحكم عليها بالكفر لم يفهموا مافيها ولم يألفوا الموضوعات التي تناولها وليس لهم باع فيها وأن يكون موقفهم منه قد بني علي جهل أو حسد كما أن شهادة ابن خلدون ضد كتاباته ليست شهادة شاهد عدل غير قابلة للتجريح إذا ماأخذنا في الاعتبار تاريخه الشخصي ومواقفه.

ولهذا لا يمكن القول بأن كل ماقاله المتصوفة من جماعة بن عربي، رغم مافيه من شطط غير صحيح، أو باطل جملة وتفصيلا، أو مناقض لرؤية الاسلام، وموقفه من الشبقية. بل إن ما قاله هؤلاء قد يكون هو الأقرب الي الرؤية الصحيحة للشبقية في الإسلام .وإنما أفسد مقالتهم خروجها عن الاتسام بسمتي العدل والاعتدال في الإسلام . وليس من العقلانية والإنصاف في شيء أن يكون رد فعلنا على ما قال به المتصوفة وبلغوا فيه شططا طمس الرؤية الإسلامية الصحيحة للشبقية أو تشويهها أو تجريحها أو الحط من قيمتها.أو إنكارها علي النحو الذي لجأ اليه من يعادون التصوف والمتصوفة رغم علمهم أن المتصوفة ليسوا قبيلا واحدا وأن منهم الصالحون وفيهم المقسطون ومنهم من دون ذلك بكثير، ولا يمكن جمعهم كلهم في سلة واحدة .

رمزيات الشبقية:

يحتوي الفعل الشبقي علي رموز كثيرة أو علي معان لا يمكن تبينها إلا بعد إخضاع ذاك الفعل لتأملات عميقة تتناول كافة جوانبه.

أول تلك الرمزيات : الانتقال من الفردانية إلي الغيرية ، والاندماج في تلك الغيرية حتى تتحول الي من جديد الي نسق جديد من الفردانية أي إلي فردانية تجعل من الاثنين فردا واحدا.

يعني أن كل من الزوجين ، أي طرفي العلاقة الشبقية يتخلص من أنانيته وهو متجه للآخر للآتحاد معه والاندماج فيه لكي يتحول الاثنان إلى فرد واحد عالمه منغلق عليه ومنفصل تماما عن العالم خارج نطاق فراش الزوجية الذي يتم فيه ممارسة الفعل الشبقي.

ثاني هذه الرمزيات : أن الفعل الشبقي أذا نجم عنه أخصاب الزوجة وحملها فإنه يعني أن الزوجين به قد ساهما في خلق انسان جديد بمشيئة الله وبالتالي أصبحا جزءا من المشيئة الالهية ولو للحظات . وهما أيضا في هذه الحالة يعيدان نفس المسيرة التي خلقا بها من قبل في رحمي أمهاتهما.هذه الميزة وتلك الرمزية وذلك المعني لو تم الاكتفاء بها لكفلت إضفاء الطابع القدسي علي الفعل الشبقي.

ثالثها : هذه المتعة التي يحققها الفعل الشبقي هي نسخة من الفعل الشبقي الذي يتمتع به الزوجان اللذان رضي الله عنهما في الجنة , وسواء كانت مساوية لنفس الفعل في الجنة والمتعة المحصلة منه أو أقل ، فإن ذلك أن الفعل هنا وهناك من جنس واحد وبالتالي يكون هذا الجنس الواحد الذي ينتميان اليه – أي الشبق- يربط بين الدنيا والآخرة والحياة في الدنيا والحياة في الآخرة.

رابعها: وصول الزوجين إلى ذروة النشوة يعني وصولهما إلي لحظة أشبه بلحظة الموت ، قد تكون قصيرة جدا،ولكن ليس المهم قصرها أو طولها ،وإنما المهم أن الحياة تعود بعدها ، وهو ما يمثل تجربة الموت والبعث علي نحو ما.

خامسها: من المؤكد أن بلوغ النشوة يتبعه مباشرة تخلص الجسم والنفس من جميع التوترات التي كانت لديهما سواء قبل الفعل الشبقي أو خلاله. وخلال هذه الراحة البدنية والنفسية يصفو الذهن صفاء لا مثيل له يتيح للزوجين أن يتأمل كل منهما الآخر بذهن صاف غير مشوش ونفس صافية لا يشوبها كدر، مما يوثق روابط المحبة بينهما . هذه المحبة التي هي في ذات الوقت نعمة ربانية ، وتنعكس هذه المحبة وتمتد لتشمل باقي الأهل والأقارب والناس.مما يجعلها ذات إشعاع داخلي وخارجي علي السواء.

سادسها: الفعل الشبقي ليس شهوة حيوانية أو بهيمية كما يصفه الكثير من الجهلاء من أدعياء العلم والتقوي في مجال الحط من شأنه والتقليل من قيمته ونفي إنسانيته.فشتان بين الشبق الحيواني والشبق الإنساني. فالشبق الحيواني مبرمج علي إنتاج النسل وحده ، يستجيب اليه الحيوان مجبرا ولا خيرة له فيه .إذ تنتاب أنثى الحيوان حالة الشبق في مواقيت محددة حسب الجنس والفصيلة والسن ، تكون أشبه بحالة الجنون ونظهر عليها علامات ذلك وما أن يخصبها الذكر حتى تعود إلى حالتها الطبيعية ، وتمتنع عن الذكر بعد ذلك حتى تلد وترضع وليدها أو يأتي موعد ها مع الشبق والتخصيب مرة أخرى. والذكر لا يستغرق وقتا غالبا في عملية التلقيح تلك ، وان استغرق وقتا فليس سبب ذلك هو تمتعه وإنما محاولاته للتمكن من الأنثى وبلوغ عضوه التناسلي مدخل رحمها بما يجعل التلقيح والإخصاب ممكنين معا. إذن الهدف الأول والأخير بالنسبة لذكر الحيوان وأنثاه هو إتمام الإخصاب لتأمين النسل أما تحقيق المتعة من التواصل فغير مستهدف هنا. ويختلف تماما الأمر بالنسبة لذكر وأنثي الإنسان. فالفعل الشبقي عندهما هو بمثابة تأكيد لإنسانيتهما وحريتهما ودليل علي الرقي الإنساني مقارنه بباقي الكائنات الحية عامة وخاصة الثدييات منها.

سابعها: الوصال الشبقي بين ذكر الإنسان وأنثاه هو أكمل صورة لإثبات إمكانية تعايش المتناقضات معا بل وتكاملها أيضا. ومن ذلك التناقض الملازم له بين اللعب والجد.فنري الزوجان يلاعب كل منهما الآخر تحضيرا له للوصال أ و يواصل ملاعبته خلال الوصال للمحافظة علي درجة عالية من الإثارة لديه أو بعد الانتهاء من الوصال للتعبير عن امتنانه له، يقبل عليه أيضا بكل جوارحه وهو يمارس الفعل بكل جدية واهتمام . وقد ينتج عن الوصال حمل ونسل وهما أمران جديان غاية الجدية حتى لو غلب اللعب على الوصال كله. إن القول الشائع بأن الزواج هزله جد يحمل ضمن معانيه ما ذكر هنا أيضا.

ثامنها : إن العلاقة الشبقية وإن كانت ثنائية إلا أنها ذات بعد اجتماعي لا يمكن عدم التنبه اليه أو تجاهله. ليس فقط لأن كل من الزوجين ينتمي إلي أسرة أو عائلة مختلفة والجمع بينهما هو جمع بين الأسرتين أو العائلتين ، وإنما لأن الفعل الشبقي عندما ينتج نسلا فإن هذا النسل يزيد من مساحة التمدد الأفقي للمجتمع ويزيد من تعداد السكان بإضافة نسمات جديدة له . أي إذ ينفصل الزوجان خلال الفعل الشبقي عن العالم الخارجي يعيدهم الفعل ذاته إلى تواصل أكبر مع المجتمع بعد ذلك.

تاسعها: إن الفعل الشبقي هو نسك تعبدي بموجب الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أوجه شبه بينه وبين العبادات المفروضة وأوجه اختلاف عنها أيضا. فهو أشبة بالصلاة لأنن الصلاة ان كانت تربط بين العبد وخالقه فإن الفعل الشبقي يربط بين المرء وزوجه وبين الزوجين وقد أحل لهما بميثاق غلظ يربط بينهما وبين الله وقد فسر الفقهاء الميثاق الغليظ بأنه :": حق الصحبة والمضاجعة وبقية حقوق الزوجين" ،ويربط بينه وبين أصهاره وهو الفعل المنشئ لصلات الرحم المتعددة.ويختلف عن الصلاة بأن ليس له أوقات محددة وإن كان مفروضا مثلها والامتناع عنه عمدا مثل الامتناع عن الصلاة عمدا . وهو يشبه الصلاة في أنه محرم اتيانه والزوجة في حالة طمث أو نفاس أو كان احد الزوجين محرما بالحج أو معتكفا في مسجد ، ويشمل الامتناع الزوجين فقط وليس مثل الصلاة يقتصر علي الزوجة فقط إن كانت حائضا أو نفساء.وهو إفطار علي ما أحله الله بعد صيام سواء بعد صيام مفروض في رمضان أو صيام تطوعي. بل والفترات الفاصلة بين جماع وآخر تشبه الصيام عنه وإن لم يكن مرتبطا بغروب الشمس أو طلوع الفجر. وهو زكاة للجسد والنفس أيضا طالما اعتبره الرسول في منزلة الصدقات وتزكية لهما أيضا.ويختلف عن الزكاة بأنه ليس له مقدارا محددا.وهو بمثابة حج ولكن ليس الي بيت الله الحرام وإنما للملأ الأعلى مع بلوغ الزوجين النشوة علي نحو ما قاله فيه المتصوفة أمثال بن عربي ومن سار علي نهجه.

عاشر الرمزيات: يحقق الفعل الشبقي مقاصد الشريعة بأسلوبه الخاص وهو ما يؤكد علي طبيعته الدينية حيث يحفظ الدين بالإحصان والنفس بأبعادها عن الرجس واشتهائه وصيانتها من التلف الذي قد تتسبب فيه العلاقات غير الشرعية وغير ذلك من المقاصد وقد أفردت لذلك فصلا خاصا به لأهمية تبيانه وتفصيله.

هذه الرموز العشر تمثل ما حضرني من رموز وفضائل ومعاني الفعل الشبقي الذي يحقق متعة حلالا هي أيضا من نعم الله سبحانه وتعالي علي الإنسان في الدنيا والآخرة ، تستوجب منه الحمد والشكر والامتنان للمنعم. بالإضافة إلى ما يتحقق به من إعمار الأرض بالنسل والناس واستمرار خلافة الإنسان لله في الأرض كما أراد الله له عندما خلق الله أدم عليه السلام وقال للملائكة : إني جاعل لي في الأرض خليفة.

وقد اعتاد الناس على وصف العريس الذي لم يدخل بعروسه بعد بأنه : "لم يدخل دنيا". أي أن الذي لا يمارس الشبقية مع زوجته لا يعتبر قد عاش الدنيا أو يعيش في الدنيا. ولو أن مؤلفة "ألف ليلة وليلة" لها رأي أخر، فقد جعلت شهرزاد أختها " دنيا زاد " تختبئ تحت السرير عندما يمارس زوجها "شهريار" الفعل الشبقي معها . وكأن كاتبة الرواية تريد أن تقول لنا أن الدنيا ولو أنها موجودة تحت فراش الزوجية وغير غائبة عنه فإن ما يقع فوق الفراش هو الأهم لأنه لاينتمي الي الدنيا وإنما إلى عالم آخر فوق دنيوي. أو أنه إذا لم تنجح شهر زاد في ممارسة الشبق مع شهريار علي نحو يغريه بالإبقاء عليها لجماع آخر مماثل ، فإنه سيتخلص منها مثل سابقاتها من الأخريات ويأتي الدور على أختها دنيا زاد التي تمثل كل نساء العالم وبموتها ستفني الدنيا من البشر ولا يكون هناك دنيا.وبالتالي فإن نجاحها ومهارتها في ممارسة الفعل الشبقي مع زوجها الطاغية فيه إنقاذ لكل نساء الدنيا وللدنيا ذاتها. أو تريد أن تقول لنا بأنها إذا أخفقت ولم يقتلها زوجها سيطلقها ويمد يده تحت الفراش مستخرجا أختها لتحل محلها فيه وهي ليست على استعداد للتنازل عن موقعها تحت زوجها لأي امرأة أخرى في العالم حتى لو كانت شقيقتها.ولن يتأتي لها ذلك إلا بإتقان الفعل الشبقي. هذا الإتقان الذي يجعلها تحكم السيطرة على مشاعر زوجها ومتحكمة في نزواته ومحتكرة لها لحسابها وحدها في نفس الوقت و الذي يمثل أيضا قمة الكيد النسائي والذي يعد ميزة فيهن وليس عيبا أو نقيصة فيهن يؤاخذن عليها.

متاع الأخرة:

أبرز ماذكره القرأن من متاع الأخره الذي أعده الله للمؤمنين الصالحين والمؤمنات الصالحات في الجنة هو الأزواج المطهرة والذين يتمتع كل منهما بالآخر. وإن كان الخطاب في مجمله يبدو وكأنه موجه للرجال والذي يعدهم القرآن بزوجات :"فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ" ويقول الله عز وجل عنهن أيضا"إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَـاءً فَجَعَلْنَـاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا".

والعُرُب : جمع عـَرُوب . وهي المرأة الحسناء المتحببة إلى زوجها ، والعاشقة له أو المتحببة إليه المظهرة له ذلك .

فإن الجنة ليست قاصرة علي الرجال دون النساء وانما هي لهما معا .: قال سبحانه و تعالي:" : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك
يدخلون الجنة ولايظلمون نقيرا ) "النساء آية 124).وهم فيها حيث:" لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين " (الحجر آية48). وقال تعالي:" وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون " (الزخرف آية 71).: " إني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثي بعضكم من بعض" (ال عمران195).

وجاء فيما ذكره السلف عن رجال الجنة ونسائها:بأن صفة الرجال هي:

يبعث الله الرجال من اهل الجنة على صورة أبيهم آدم جردا مردا مكحلين فى الثالثة والثلاثين من العمر على مسحة وصورة يوسف وقلب أيوب ولسان محمد عليه الصلاة والسلام وقد أنعم الله عليهم بتمام الكمال والجمال والشباب لا يموتون ولا ينامون .

أما النساء فنوعان : الحور العين فصفتهن في كتاب الله:" كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ"(الرحمن58)

وأنهن أيضا :"كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ("سورة الواقعة 23)وأيضا:"كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ"( سورة الصافات 29)وقيل فيهن:وهن نساء نضرات جميلات ناعمات لو أن واحدة منهن اطلعت على أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما عليها وللمؤمن منهن ما لا يعد ولا يحصى .قال عليه الصلاة والسلام :" ان السحابة لتمر بأهل الجنة فيسألونها أن تمطرهم كواعب أترابا فتمطرهم ما يشاءون من الحور العين"

أما الصنف الثاني من النساء فهن نساء الدنيا المؤمنات اللاتي يدخلهن الله الجنة برحمته

وقيل فيهن: هن ملكات الجنة وهن اشرف وأفضل واكمل وأجمل من الحور العين .وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضى الله عنها أن" فضل نساء الدنيا على الحور العين كفضل ظاهر الثوب على بطانته وقد أعد الله لهن قصورا ونعيما ممدودا أعطاهن الله شبابا دائما وجمالا لم تره عين من قبل" .

ويضاف الي الرجال والنساء من ساكنة الجنة الولدان المخلدون الذين جاء وصفهم في القرآن بأنهم:" وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً"( سورة الإنسان 19).

ويمكنني القول – وأرجو أن أكون مصيبا في ذلك – بأن الحور هم فتيات داهمهن الموت قبل أن يصلن سن البلوغ وتربوا في الجنة ويتزوجون فيها وينالون ما فاتهن في الحياة الدنيا.أما الولدان المخلدون فهم أولاد كانوا في الدنيا وماتوا أيضا قبل وصولهم سن البلوغ وهم أطفالا فتربوا في الجنة وهم يطوقون على من صلح من أهلهم فيها لكي ينعمون برؤيتهم ويستأنسون بهم ويعلمون أن الله حفظهم لهم جزاء ما صبروا علي الحرمان منهم في الدنيا.

أما الرجال والنساء الذين يسكنون الجنة جزاء أحسن ما عملوا فهم من قال فيهم الله ورسوله:

قال الله تعالى : "يَوْم تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "(الحديد:12) صدق الله العظيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " ( رواه ابن حبان).

ولكل امرأة في الجنة زوجها الذي قدره الله لها من عباده الصالحين ، ولنساء الدنيا الصالحات حالات في هذا الشأن. فالمرأة التي ماتت قبل أن تتزوج يزوجها الله – عزوجل – في الجنة
من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما في الجنة أعزب ) أخرجه مسلم.
و قال الشيخ ابن عثيمين : إذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها
ما تقر بها عينها في الجنة .. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور
والإناث ومن جملة النعيم في : الزواج . ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة .

ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة . قال الشيخ ابن عثيمين : فالمرأة إذا كانت
من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك
من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، أي فيتزوجها أحدهم وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنةلزوجها الذي ماتت عنه وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة . وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المرأة لآخر أزواجها ). .
ولقول حذيفة – رضي الله عنه – لامرأته : "إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا
تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا". فلذلك حرم الله على أزواج
النبي أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة .

يمكن القول هنا أيضا – والله أعلم – بأنه لا تعدد أزواج أو زوجات في الجنة وأن لكل رجل أو امرأة ما قسمه الله له فيها إلا أن يكون رجل عرف التعدد في الدنيا ولحقت زوجاته به في الجنة وأنه بين كل زوجين وغيرهما ستر . ومتعة الأزواج الأساسية في الجنة كما كانت في الدنيا هي الجماع ولذا فإن الجماع هو متعة الدنيا والآخرة . وقد جمح خيال السيوطي به فقال في ذلك الكثير وكان مما قاله أن الحور العين في الجنة يعرفن أزواجهن وهم مازالوا في الدنيا ويطلبن من خازن الجنة أن يريهن هؤلاء الأزواج من شوقهن لهم. بالطبع لاأدري من أين له ولغيره جاءهم العلم بذلك. وما يستفاد مما سبق أن الزوج الصالح إن رزقه الله بزوجة صالحة أحبها وأحبته في الدنيا فيه زوجته بإذن الله في الجنة التي يدخلانها وما صلح من آبائهم وأمهاتهم وأولادهم .قال تعالي : " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " (الرعد 23). وأن صلة الرحم بين الصالحين في الدنيا بذلك تظل موصولة في الآخرة، ولذا كانت الدنيا هي زاد الآخرة ومتع الدنيا أو أهمها هي متع الآخرة أيضا سواء كانت متعا مادية أو روحية.

فوزي منصور

Fawzym2@gmail.com

No comments: