Thursday, November 8, 2007

الأسرة والحياة الزوجية - الزواج والسحر

الأسرة والحياة الزوجية:

الزواج والسحر

علمنا الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم بأن الشياطين تعلم الناس السحر وأنهم لا يعلمونهم الا ما يفرقون به بين المرء وزوجه. قال تعالي:" واتبعوا ما تتلو الشياطين علي ملك سليمان وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل علي الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أ حد حتي يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق، ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون".

إذن ..للسحر علاقة ضارة بالحياة الزوجية ولا يمكن إغفاله كعامل هدم لها عند الحديث عنها وإنما يجب معرفة كيف يؤثر فيها وكيف يمكن تخليصها من مضاره. مع الأخذ في الاعتبار بأن الاستعانة بالسحر هو ضرب من الكفر.فعن عمران بن حصين ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحـر أوسـحر له و من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مـحمد صلى الله عليه".
وقال عنه أبو محمد المقدسي في( الكافي) "السحـر عزائم ورقي وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل ويفرق به بين المرء وزوجه ويؤخـذ أحـد الزوجين من صاحبه. قال تعالـى: "فيتعلمون منهما ما يفرقون بـه بيـن المـرء وزوجه" . وقال تعالى: ومن شر النفاثات في العقد" يعنـي السواحـر اللواتـي يعقـدن في سحرهن وينفثن في عقدهـن. ولـولا أن للسحـر حقيقـة لم يؤمـر بالاستعاذة منه" .
ويقول ابن القيم الجوزية في كتابه الطب النبوي ,” قد أنكر طائفة من الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسحر و قالـوا:لا يجوز هذا عليه ؛ وظنوه نقصا وعيبا. وليس الأمـر كما زعموا، بل هـو من جنس ما كان يعتريه صلي الله عليه وسلم: من الأسقام والأوجـاع وهـو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم: لا فرق بينهما". وقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها ، أنـها قالـت( سحـر رسول لله صلي الله عليه وسلم، حتى ان كان ليخيل اليه أنه يأتي نسائه ، ولم يأتهن)".ووصفه قائلا: في كتابه ( بدائع الفوائد)”السحرة إذا أرادوا عمل السـحر عقدوا الخيوط ونفثوا على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدونه من السحر، ولهذا أمر الله تعالى بالاستعاذة من شرهم في قوله تعالي :"ومن شر النفاثات في العقد".

ويقول عنه أبو العباس القرطبي: (والسحر عند علمائنا: حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم، والاكتساب، غير أنها لخفائها ودقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، فيندر وقوعها، وتستغرب آثارها لندورها، ومادته الوقوف على خصائص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها، وأزمان ذلك، وأكثره تخيلات لا حقيقة لها، وإيهامات لا ثبوت لها ، فتعظم عند من لا يعرفها، وتشتبه على من لا يقف عليها،

صور السحر:
بداية أنا لا أمتلك معرفة واسعة ومدققة وموثوق بها في موضوع السحر، ولكن تجمعت لدي بعض المعرفة من الخبرة الذاتية الناتجة عن المشاهدة أو السماع أو ما أتيح لي قراءته عرضا ووجدته متواترا أو متكررا في الكثير من الكتابات بما يضفي عليه بعض المصداقية.

ووفقا لهذه المعرفة ، والتي قد تكون محدودة ، يمكن لي القول بأن السحر يمكن أن يتخذ ثلاث صور ، وهو ما أرجحه، وقد يكون له صور أخري لا علم لي بها أو ل اأثق في صحة ما كتب عنها.

أول هذه الصور للسحر هو خداع البصر بحيث يري المسحور الشيء على عير حقيقته . وهذه الصورة هي التي أعلمنا الله بها عندما أخبرنا سبحانه بما حدث بين النبي موسي والسحرة الذين جمعهم فرعون له. قال الله علي لسان موسي" القوا ما أنتم ملقون".." فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون "ولما رأى السحرة عصا موسى التي ألقاها قد تحولت إلى ثعبان مبين ابتلع ما ألقاه السحرة من عصيٍّ وحبال؛ عرفوا أن هذا ليس بسحر وإنما هو معجزة وبرهان على أن موسى رسول من رب العالمين ، فخروا لله ساجدين ."فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " . فعندما ألقي السحرة حبالهم وعصيهم خيل لموسى أنها حيات على الأرض تسعى وتتلوي من خداع سحرهم للنظر فتملكته الرهبة والفزع منها وخيل اليه بأنها حيات حقيقية قال تعالي :" يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى" فثبت الله قلبه وأمره بأن يلقي عصاه فال تعالي:" قلنا لا تخف انك أنت الأعلى". ولكي يمده بالأمن والاطمئنان أمره تعالي:" وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيـد ساحـر، ولا يفلـح الساحر حيث أتى" .ولوأن موسي عندما ألقى بعصاه تحولت إلي ثعبان عظيم فقط لكن ذلك سحر ومن خداع البصر ولكنها ابتلعت أيضا ما ألقوه وهو ما لا يفعله السحر، مما جعل السحرة يدركون أنهم أمام معجزة لرب العالمين.

ومما يتعلق بالزواج من هذا النوع من السحر أن تبدو لأحد الزوجين صورة الزوج الآخر دميمة بينما هي في حقيقة الأمر جميلة ـ أو أن يري الزوج مثلا عندما يباشر زوجته في الجماع أعضائها التناسلية مشوهة أو لا يجد أمام ناظرية ما يدل علي وجودها أصلا. أو لا يرى وجود أثر للنهدين في صدرها رغم ضخامتهما ..أو نحو ذلك. وهذا الضرب من خداع البصر قد يربك الزوج أو يجعله ينفر من زوجته وقد يتسبب في فراقهما.
وقد عرف السحر بأنه :" ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما"..".."""".
يأما الصورة الثانية للسحر فتتمثل في سلب إرادة المسحور فيتصرف وكأنه منوم مغناطيسيا ـ ولو أنه يعي كل ما حوله ويعقله- ولكنه يفعل كل ما يطلب منه حتى ولو لم يكن مقتنعا به ، أو كان من المستحيل أن يقبله أو يوافق عليه إن كان ممتلكا كامل إرادته.
أما الصورة الثالثة فتأخذ شكل بث التوتر والقلق في نفس المسحور، وفقدانه الثقة في نفسه، وقد يصاب من جراء ذلك بحالة تشبه حالات الاكتئاب . ويدفعه ذلك الي الانطواء علي نفسه واعتزال من حوله والضيق بوجودهم . وفي الحياة الزوجية قد ينقلب حب أحد الزوجين للآخر إلي نوع من النفور منه والكراهية له وعدم احتماله له..

وقد يكون ما يعرف بربط الزوج بحيث يمتنع عليه جماع زوجته ويسمونه المغاربة ب"الثقاف" يدخل ضمن هذه الصورة الأخيرة والتي يصعب التفرقة بينها وبين أمراض نفسية مشابهة لها
والمعتقدات الشعبية حول السحر قد يكون فيها الكثير من الأوهام والتي ربما لا تمت الى السحر بصلة. وغالبا ما يستغل شيوعها المشعوذون والدجالون وقد يكون لما يستعمله هؤلاء من طقوس تأثير نفسي يشبه تأثير السحر حتى ولو لم يكن بالضرورة سحرا.
ويقول الفقهاء في علاج المربوط مما وجدوه في كتب التراث وجربوه الآتي :
علاجا للمربوط: أن يأخذ سبع ورقات من السدر (النبق ) الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ، ويجعلها في إناء ويصب عليها من الماء ما يكفيه للشرب وللغسل ، ويقرأ فيها "آية الكرسي " و"قل يا أيها الكافرون " و"قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق " و"قل أعوذ برب الناس " وآيات السحر وهي " الآيات من 118 إلى 122 سورة الأعراف ، الآيات من 81 إلى 82 سورة يونس ، الآيات من 68 إلى 69 سورة طه " ( تقرأ كل من السور والآيات التي ذكرت 11 مرة ) مع ملاحظة وضع اليد اليمنى ضمن الماء بعد وضع أوراق السدر وتدويرها في الماء أثناء القراءة .
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعض الشيء ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله ، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء.

المعتقدات السحرية في المغرب:
.ويورد الباحث المغربي مصطفي واعراب في كتابه : (المعتقدات السحرية في المغرب)ما هو شائع لدي المغاربة في شأن السحر. ويظل بحثه مندرجا ضمن علم : الأنثروبولوجيا، و ليس بحثا في علم السحر ذاته، إذا ما افترضنا أن للسحر علما. وقد ذكر بخصوص السحر الخاص بالربط وكذا الخاص بجلب المحبة أو زرع الشقاق بين الزوجين فصلا مطولا أنقله عنه فيما يلي:

"في اللغة المتداولة يعني «الربط» او «العقد» في معتقد المغاربة التدخل في القدرة على الاتصال الجنسي لدى الشخص، من خلال عمل سحري يستهدف توجيهها في اتجاه وحيد «حالة المرأة التي ترغب في شل قدرة زوجها على معاشرة غيرها جنسيا»، او شلها بالمرة, وتسمى هذه العملية في المغرب «الثقاف», وعكس ما هو شائع، فإن الثقاف لا يستهدف الرجل فقط، بل المرأة ايضا, وتشمل مجالات اللجوء اليه اغراضا اخرى.
الربط في لغتنا العامية تعني القيد، وهو فعل يستعمل عادة حتى للحديث عن شكل حركة دابة، من خلال ربط احد قوائمها الاربع بحبل، يشد الى شيء ثابت, والربط في قواميس السحر له معنى التحكم في قدرة الرجل على المجامعة الجنسية مع النساء, بحيث تكون ممكنة مع امرأة وحيدة هي زوجته او عشيقته ومستحيلة مع الاخريات.
وفي مجتمع يبيح تعدد الزواج، يبدو الثقاف حلا سحريا بالفعل، بالنسبة للنساء الخائفات على دوام استقرارهن الاسري من علاقات الزوج خارج اطار الزوجية, لذلك ليس نادرا ان تلجأ ربة البيت المتوجسة من ضياع زوجها في حضن امرأة اخرى، الى تطبيق واحدة من الوصفات الكثيرة التي ينتج عنها ثقاف الرجل, وهي وصفات تصلح ايضا للمرأة التي تريد ثقاف عشيق لها حتى لا يعود الى زوجته.
وتتباين وصفات ثقاف الرجل حسب درجة تعقيدها والادوات المستعملة فيها, والملاحظ ان وصفات السحر الشعبي (سحر العامة) الذي لا يحتاج لتنفيذه الى ساحر، تعتمد على وسائل غاية في البساطة، هي في العادة كل ما ينفتح وينغلق: كعلبة اعواد الثقاب «الوقيد» او القفل، او المقص او الباب وغيرها.
وهي من الكثرة والتنوع والغرابة، ولذلك سنكتفي بتقديم نماذج منها: تؤخذ الخرقة التي استعملت عقب المجامعة الجنسية، وتوضع بها الحنوط وهي المواد التي تستعمل في تحنيط الميت ثم تدفن في قبر بالمقبرة المهجورة «الروضة المنسية».
ومن الواضح ان ترابط الافكار في هذه الوصفة يقوم على مبدأ الدفن الرمزي للقدرة الجنسية للرجل بهدف قتلها، من خلال وضع بقايا الموت «الحنوط» في خرقة بها مني، ثم دفنها بقبر مجهول الصاحب!
ولإحداث العجز الجنسي لدى الرجل أيضا تفتح الزوجة علبة الثقاب وتضع كل جزء منها على جانب من الباب وحين يخرج الزوج ويجاوز الباب، تنادي عليه الزوجة باسمه، ولا تكلمه حين يرد عليها، بل تقول في نفسها «غوت عليك الوقيد، ما غوتش عليك انا» أي أن الوقيد «الثقاب» هو الذي نادى عليك، وليس أنا,, ثم تغلق بعد انصرافه علبة الوقيد، مطمئنة الى أن الزوج لن يكون في مستطاعه مجامعة امرأة أخرى غيرها، لمدة عام كامل!
ومن الوصفات الأخرى التي ذكرها لنا ساحر: تحمل المرأة منديلا به أثر من مني الزوج او العشيق الى فقيه «الساحر» كي يكتب عليه بعض الطلاسم السحرية التي تتضمن أسماء ملوك الجن، المطلوب تدخلهم لربط أو حل فحولة الرجل.
إن الربط ليس ممارسة تستهدف شل النشاط الجنسي او تقييده، عند الرجل وحده حتى لا يصير ممكنا إلا في اتجاه وحيد، فللأنثى أيضا حقها!
وفي هذه الحالة يسمى الثقاف عقدا, وفي مصنفات السحر نجد الكثير من الوصفات «لعقد المرأة كي لا يطأها احد غيرك» كما يقدم السحرة وصفات أخرى لثقاف البكر التي يلجأ اليها الآباء الخائفون من ضياع بكارة شرف بناتهم من طرف واحد من بني الإنس أو الجن!
ويبدو مرة أخرى أن تأثير ألف ليلة وليلة كبير جدا في فولكلورنا الوطني، إذ نقرأ في حكايات شهرزاد عن الكثير من خيانات النساء، رغم إحكام الإنس والجن الإغلاق عليهن، داخل علب مظلمة أو في أعماق البحار!
فكيف يمكن إذن تقييد عفة المرأة، بحسب معتقداتنا السحرية؟
بالنسبة لعقد البكر، يلجأ الفقيه الساحر كذلك الى القفل او الغربال وصنع الطلاسم المحروسة بالجن، لقطع أي إمكانية في إقامة المرأة لعلاقة جنسية قبل الزواج! ومن الوصفات المنتشرة في مجتمعات النسوة المنغلقة على أسرارها، نذكر طريقة «المنسج» والمنسج هو شبكة من خيوط الصوف التي تصفف بشكل عمودي وسط هيكل خشبي، وحولها تعقد أيادي النساء قطعا صغيرة من خيوط الصوف الملونة لتصنع زربية «السجاد», وتتضمن عملية ثقاف الفتاة البكر مرورها بين تلك الخيوط المتشابكة ثم يغلق «المنسج» بعدها.
وإذا كنا رأينا في ما سبق أن كتب السحر الأساسية تذكر حلولا لعلاج ربط الرجل، من دون أن تقدم وصفات لإحداثه، فإنها لا تستنكف ذلك، حين يتعلق الأمر بالمرأة.
وهكذا يقدم السيوطي مثلا في كتاب «الحكمة»، وصفات عديدة بأعضاء بعض الحيوانات خصوصا المرارة.
ويقول في إحداها انه إن طلي ذكر الرجل بها المرارة يقوم مجامعة امرأته يجعل من غير الممكن ان يطأها احد غيره، حيث ان «الرجل منهم إذا أتاها وهو يطئها ولم يبق غير الإيلاج، انطوى ذكره، وارتخى وفترت همته ولم يقدر على وطئها».
ومن الوصفات الأخرى التي يزعم إنها تحدث هذا المفعول العجيب، نذكر مسح ذكر الرجل قبل أن يجامع المرأة بدم الغراب أو مرارة الضبع أو مرارة الذئب، الخ.
وطبعا يقدم الققهاء السحرة وصفات أخرى، تقوم عناصرها على تخصصهم المعروف: صنع الجداول والطلاسم، باعتماد اسم المرأة واسم أمها، ثم ينقع الطلسم في الماء ويمسح ذكر الرجل به قبل المجامعة.
يقسم السحر الرسمي أنواع الربط إلى ثلاثة:
- ما يكون من أرياح الجن، وعلامته أن يسبقه الماء «المني» قبل الالتحاق بها، وهو ما يعرف طبيا بالقذف المبكر.
- ما يكون من سحر بني ادم «أي الثقاف».
- ما يكون عنينا بارد الهمة على أصله «العجز الجنسي».
وتختلف أنماط العلاج التي يُنصح بها باختلاف الحالات، طبعا, وبحسب أقدميتها في المريض أيضا, وتتضمن في الغالب كتابة خواتم «جداول سحرية»، ونقعها في الماء، ثم يرش المربوط بها، او كتابتها على مواد غذائية ليأكلها المسحور، الخ.
لكن السحر الشعبي، في المقابل، يقدم وصفات علاجية أقل تعقيدا، تقتضي عادة إزالة أسباب الربط فقط، فالمرأة التي «ربطت» زوجها بعلبة الوقيد (الكبريت)، يكفيها أن تخبره بالأمر, أما إذا استعملت القفل أو المقص أو الباب، فيجب عليها أن تفتح ما أغلقته ليزول الربط.
أما إذا لم يزل المفعول، فيجب عليها التبخر بالدخان المتصاعد من حرباء بعد رميها حية في النار، أو الاستحمام بماء مقروء عليه آيات من القرآن، أو التبول على سمكة حية ثم إرجاعها إلى البحر أو النهر.
وفي بعض الحالات المستعصية يتطلب العلاج تدخل عدة أطراف، كأن يكتب الفقيه الساحر طلسما على حديدة فأس ويذهب بها المعني بالثقاف إلى حداد ليضعها في النار، وحين تحمي يُرمى بها في الماء، و«المربوط» متجرد من ملابسه السفلى بشكل يسمح للبخار المتصاعد من أن يلمس جهازه التناسلي، وفي بعض الحالات الأخرى يمسح المربوط أعضاءه التناسلية بالماء الذي يطفئ فيه الحداد الحديد الحامي.
ولئن ارتبط الثقاف في القاموس اليومي للمغاربة بالجانب الجنسي الحساس لديهم، ككل الشعوب العربية، لكثرة استعماله في أغراض تخريب العلاقات الحميمة بين الأزواج والعشاق، فإن مجالات أخرى لا تقل أهمية يطلب السحرة لقضائها, وبشكل عام ثمة في جعبة السحرة عدد لا يحصى من الوصفات لإحداث «الثقاف» أو «العقد» لأغراض أخرى.
والسحر الذي يجلب الكراهية والبغضاء ويحمل علي تفريق المحبين لا يمكنه في نظري أن يكون له دخل بالمحبة أو جمع المحبين، بينما الذين يسعون في طلبه والذين يلجؤون إليهم ممن يمارسون أعمال السحر يدعون أن السحر قادر علي كليهما معا.

ثم يضيف بعد ذلك الأستاذ / مصطفى واعراب في كتابه تحت عنوان : سحر المحبة والتفريق مايلي:
تعتبر قضايا الحب والزواج وما يرتبط بها من مشاكل من أهم أغراض الممارسة السحرية, فحسب المعتقد السحري، يعتبر الحب الشديد أو الكراهية بين الرجل والمرأة من أعمال السحر التي لا يعالجها إلا السحر نفسه، ولذلك يقدم السحر حلولا في شكل وصفات، لكل من الفتاة أو المرأة التي تبحث عن الإيقاع برجل في هواها، والرجل الذي يريد الإيقاع بامرأة في غرامه، أو الذي يرغب في الخلاص من هوى يؤرقه ويشقيه، وما إلى ذلك من الأغراض."" " و يندرج سحر التفريق ضمن وصفات السحر الأسود التي تتداول مهموسة من فم لأذن، أو في عيادات السحرة، كغيرها من وصفات الشر التي تروم إلحاق الأذى بالغير, وتلجأ إليها في الغالب نساء «أو حتى رجال» ينوون تفريق شريكين في علاقة زواج أو حب أو أعمال، بهدف الاستفراد بأحدهما. ومن الوصفات التي تستعمل لهذا الغرض، نذكر: يؤخذ التراب من تحت القدم اليمنى للزوج» في الحالة التي يتعلق فيها الأمر بزوجين، وتتلى عليه أسماء زعماء الجان الأربعة سبعمئة مرة، مع تلاوة الآية الكريمة «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الألباب».
وإذا كان القصد الشرير هو تبغيض الرجل للمرأة، فإن الأمر ليس أسهل في زعم السحرة من أخذ شعر المرأة وتبخير إناء ماء لم يسبق أن استعمل للشرب به، ثم يملأ بالماء ويسقى منه الرجل -بعد ذلك- وهو لا يعلم من العملية شيئا؛ فإنه سيبغض تلك المرأة إلى درجة أنه لن يطيق النظر اليها بعد ذلك!
قد يكون التفريق عملا ظالما -في نظر المجتمع- حين يكون بين رجل وزوجته، ولكنه يصبح مشروع من وجهة نظر أخلاقية، حين يستهدف قطع علاقة زنا بين عشيقين، وقد يكون خلق الغيرة بينهما بداية لزرع بذور الشقاق, ولأجل ذلك يكفي أن تسقى المرأة مرارة ذئب بالعسل، وهي لا تعلم ماهيتها ولا الغرض منها، فإنها تشتعل غيرة!
في زعم السحرة أنه من أجل كسب حب امرأة يؤخذ من شعرها، ويوضع في تميمة، أي في ورقة مكتوب عليها تعزيم، ثم تعلق في غصن شجرة, وكلما داعبت الريح تلك التمــيمة، إلا وخفــق معـها قلب المطـلوبة بهــوى عاشــقها!
ومن الوصفات الأخرى المتداولة لأجل إعادة الدفء إلى علاقة امرأة بزوجها أو عشيقها: أن تفرغ المرأة العسل على رأسها بحيث يتدلى خيطا رقيقا نازلا من الجبهة إلى الذقن، وتتلقفه عند الذقن لتجمعه في ملعقة بعد ذلك، وتحك طرف لسانها بورقة من شجرة التين إلى أن يسيل منه الدم، وتأخذ منه بعد ذلك، بضع قطرات تغمس فيها سبع حبات من الملح، ثم تخلط كل ذلك بالعسل ويضيف اليها قليلا من التراب المأخوذ من اثر ثلاث خطوات خطاها الرجل المطلوب، برجله اليمنى، وتمزج كل تلك العناصر وتقدمها له في الأكل من دون أن يعلم شيئا، بالطبع، فإنه سيهيم بها حبا.
ومن الوصفات التي تنصح لكل من يخطب ود فتاة أو امرأة لا تبادله المشاعر نفسها، أن يحصل على شعرة من رأسها ويضعها في تمرة بعد أن يفرغها من نواتها, ويدفنها في مكان لا تطأه الأقدام، فإن المرأة «أو الرجل» ستشعل رغبة في لقائه!
ولإشعال نار المحبة في قلب امرأة «المرأة المسكينة دائما» بأخذ طالبها أظفار هدهد وأظفاره ويحرقها جميعا ويسقيها من رمادها مخلوطا بسائل، فإنها لن تطيق عليه صبرا, وكذلك الأمر اذا غسل الرجل قدميه وسقى امرأته من ذلك الماء, فإنها تحبه حبا شديدا!! ويأخذ الرجل منيه ويلطخ به قطعة سكر ويطعمها للمرأة, من دون أن تعلم من ذلك شيئا فإنها تحبه حبا شديدا!
والواضح مما سلف أن المعتقدات السحرية في المغرب تعكس بأمانة النظرة الدونية التي تحظى بها المرأة في المجتمع، فهي دوما الطريدة التي تلاحقها سهام هوى الرجال وليس العكس, وإذا ما أرادت المرأة أن تثبت حب الزوج أو العشيق، فإن عليها- حسب المعتقد العامي- أن تحمل تميمة تتضمن شفة أنثى الضربان, فطالما حملتها معها فإن المطلوب سيظل مرتبطا بها!
(لاسترجاع الزوج أو العشيق::
المغرب ودنات على «فلان ولد فلانة» بالوحش والغمة وحشي بكى من وحشي شكى
من وحشي طرطق السلاسل وجا)
إن هذا السجع الذي يسمى في مصنفات السحر «دعوة الشمس»، هو طقس سحري تقوم به المرأة التي غاب عنها الزوج أو الحبيب بسبب الهجر، أو لدواعي السفر، وتفصيله كما يلي: في وقت المغيب، توقد المرأة النار في مجمر وترمي فيها بعض البخور وتقف مواجهة لمطلع الشمس تلوح بمنديل استعمله سابقا أثناء الجماع «الشرويطة» وهي تتلو دعوة الشمس.
وتبدو قوة هذا الطقس متجلية في القوة السحرية للكلمات المنظومة في شكل سجع يعتقد أنه سينقل للشمس التي تغيب أمنية المرأة في أن يكسر زوجها القيود المعنوية والحقيقية التي تمنعه من وصالها، كي يلبي نداء شوقه إليها!
والحقيقة أن الكثير من طقوس دعوة «الزوج» الغائب تتضمن سجعا يُتلى بشكل طقوسي، ويكـون الكـلام الدعوة موجها إما لقوى الطبيعة التي لها قدرة على التأثير المباشر أو غير المباشر على الحبيب الغائب، أو إلى قوى فوق طبيعية كالجان، أو إلى المواد المستعملة خلال الطقس السحري (البخور، مثلا).
ونقدم فيما يلي بعض النماذج:
تأخذ المرأة البخور التي من ضمنها الشيح وترميها في مجمر ناره موقد وهي تردد:
(الشيخ يا الشيخ.. الناس تقول ليك الشيخ وأنا نقول للطالب المليح اطلع للسما وصيح
جيب «فلان» عند فلانة بنت فلانة).
وتضع بعد ذلك مزيدا من البخور في المجمر وعلى ضوء نار شمعة تنادي الجن:
(دخلت عليكم يا موالين المكان هاكوا التفاح باش تسكنوا أولا د كمو زيدوا لي في النار
باش يجي «فلان» عند «فلانة» بنت فلانة.
تستعمل الزوجة لاسترجاع زوجها أيضا، البخور السبعة المعروفة في نار المجمر وهي تقول: صيفطت(أي بعثت) لك ميات(مائة) جنية وجنية ثلاثة يهود وثلاثة نصارى وثلاثة من حانوت الجزارة..يكتفوك بالحبال المثنية ويجيبوك لبين يدي.
تحرق المرأة البخور السبعة دائما، عند طلوع الشمس وتردد:سلامي عليك يا شمس...الناس يقولوا ليك الشمس...وأنا نقول ليك لا لا زيرارة...يا اللي قاسمة السما بحرارة ما تقسمي الفكوسة والخيارة حتى تقسمي قلب «فلان» ولد «فلانة» ماشي بقولي، بقول الرسول سيدي محمد المذكور وبجاه مكونة بنت لمكون بنت لحمر سلطان الجنون كل ما قالوا لساني يسجي ويكون!)
تأخذ المرأة مجموعة من المواد وترميها تباعا وهي تردد:بخرت بالحرمل باش يجي كيتحرمل بخرت بالزعتر باش يجي كيتعثر بخرت بفليو باش يجي كفيو) (العرعار يا لعر عار يا اللي ما كيخلي عار الناس يقولو العر عار وأنا نقول بالهدهد اللي يحمي ما كتبو الطلبة جيب ليا «فلان» ولد فلانة.
كيف نفهم غاية العملية السحرية في هذه الوصفات التي تعتمد على السجع، لدعوة الحبيب الغائب؟
- إن الكلام الموزون قيمة سحرية كامنة في إيقاعته التي تناسب طبيعة الطقوس السحرية، ولذلك نجده حاضرا بكثرة في طقوس السحر لدى العديد من الشعوب المتفرقة عبر العالم, وكما يشير إلى ذلك إدموند دوتية، في مؤلفه الموسوعي حول الدين والسحر في أفريقيا الشمالية، فإن الشعوب العربية القديمة كانت تمنح للكلام الموزون قدرات تأثيرية تتجاوز التأثير على الكائن البشري إلى ما سواه من عناصر وقوى الطبــيعة الأخرى، حتى أصبح الشاعر ينعت بأنه ساحر والشعر بأنه سحر.
ومنه نستنتج أن الطقوس الشفوية لدعوة الحبيب تعتمد بالأساس على القوة السحرية للكلمات، أكثر من اعتمادها على العناصر الأخرى «البخور، طلوع أو غروب الشمس، إلخ» التي تعتبر عناصر سحرية مساعدة أو مكملة، فقط ." .

ما سبق نموذج لما هو شائع لدي شعب واحد من شعوب شمال أفريقيا حول ضربين من ضروب السحر ولدي الشعوب الأخري معتقدات فيه قد تختلف كثيرا أو تتشابه إلى حد ما مع ما سبق. وما يمكن أن يسترعي النظر هو أن تمدين هذه الشعوب لم يضع حدا لهذه العقائد الباطلة، ولم يتوقف الناس عن طلب السحر أو البرء منه، خاصة بالنسبة لمن أصابه مرض أو حيل بينه وبين ما يريده وتوهم أن ذلك من نتائج السحر ولم يرجعه إلي أسبابه الحقيقية.

والذي أظنه هو أن السحر لا يمكنه أن يجلب الحب مطلقا لأنه فعل من أفعال الشر والحب ليس من أفعال الشر ولأن مفعوله مؤقتا بينما الحب يتميز بديمومته الي حد كبير. وكل ما يمكنه فعله هو أن يجعل المسحور مسلوب الإرادة في مواجهة شخص ما ولمدة ما وتنتهي هذه الحالة بزوال مفعول السحر بتدخل خارجي لإزالته أو لتعرضه لسبب من شأنه إزالة السحر حتى ولو لم يسع لهذا السبب أو يطلبه وكذلك لانتهاء مفعول السحر من تلقاء نفسه بمرور مدة عليه دون أن يتم تجديده.

إبطال السحر:
ومن الشائع حول ما يبطل السحر، والذي قد يكون صحيحا صحة مطلقة وينفع في معظم أنواع السحر ، أو صحة نسبية ، أي أنه يصلح في بعض أنواعه فقط، هو أن المسحور إذا ما نزل ليستحم في البحر وتعرض جسمه لموجات متلاحقة من موجات البحر، قيل أنها يجب ألا تقل عن سبع موجات، وحتى لو لم يكن قد ذهب إلى البحر ونيته التخلص من السحر فإن السحر يزول عنه. وأيضا أذا ما عبر المسحور بحرا فيه مد وجزر من شاطئ لآخر على ظهر مركب أو في طائرة فإن السحر يزول عنه . وننبه هنا الي أن البحر الأبيض المتوسط لا توجد فيه ظاهرة المد والجزر بينما توجد تلك الظاهرة في البحر الأحمر كما توجد بداهة في المحيطات.
ولأن ظاهرة المد والجزر في البحار متأثرة بالقمر فمن المعتقد أيضا أن السحر الذي عقد في ليلة كان فيها القمر في أحد صورة أو منازله فإن الكثير من أنواعه ينتهي مفعوله من تلقاء نفسه بعودة القمر بعد شهر الي الحالة التي كان عليها.
والسحر الذي لا ينحل بمياه البحر أو بعبوره أو بمرور شهر قمري عليه هو السحر الذي يدفن في مكان ما من الأرض،ولا يبطل مفعوله إلا بإخراجه منها. وتخبرنا كتب السيرة أن النبي صلي الله عليه وسلم عند ما أثر فيه سحر يهودية بالمدينة أرشده جبريل إلي بئر ألقت فيه اليهودية سحرها فذهب إليه وأخرج السحر منه فزال مفعول السحر عنه.
ويزول السحر أيضا في غير الحالات السابقة، والتي تعد أيسر حالات إزالته ، برقي المسحور بآيات خاصة من القرآن الكريم ، تواتر ذكرها في العديد من كتب التراث . ولعل أصحاب تلك الكتب قد أخذوها عمن يزاولون السحر من السحرة وتعلمها السحرة من الجن ، فهذا وارد وغير مستبعد، وربما تعلموها أيضا من التجربة والخطأ . وهنا يمكن الإشارة إلى أنه لو افترضنا جدلا أن ساحرا أراد أن يعقد سحرا وتصادف أن كان من يريد سحره يقرأ القرآن أو المعوذتين خاصة وأية الكرسي فمن المستحيل أن يستطيع الساحر عقد السحر حتي يتوقف الآخر عن التلاوة . كما أنه لو كان في المكان الموجود به الساحر شخص يقرأ القرآن ولو سرا بحيث لا يسمعه أحد فإنه يستحيل علي الساحر عقد سحره ما لم يغادر ذلك الشخص المكان. وهذه أمور مشهود بها وخبرت بعضها.

ليس القتل بالسم سحرا:
وقد تلجأ إمرأة حاقدة علي زوجها أو علي غيره أو راجل حاقد علي سواه من رجل أو إمرأة لمن يزاولون السحر ليصف لهم سحرا قاتلا يخلصهم ممن يحقدون عليه. فيعطي الساحر له أو لها ما يتم خلطه بطعام الشخص المقصود فيسبب له الهزال والمرض وينتهي به الي الموت بعد فترة ما.ويطلق على ذلك في المغرب لفظ:" التكال". وهذا في حقيقة الأمر ليس سحرا وإنما هو نوع من التسميم البطيء الذي يحار فيه الأطباء العصريون ولا يعرفون له سببا أو علاجا ولا تظهرة التحاليل الطبية. وقد علمته الشياطين للسحرة. ويعد استعماله جرائم قتل عمد مع سبق الإصرار تستوجب توقيع أقصي العقوبة على مرتكبها لكنها أيضا جرائم يصعب إثباتها علي الجاني أو الجانية حاليا مما يجعلهما يفلتان غالبا من العقاب.ويتهم اليهود ، وهم أكثر من اهتموا بتعلم السحر ومزاولته وخاصة حاخاماتهم الذين لا ينكرون ذلك وإنما يعلنونه ، بأنهم يلجأون الي ارتكاب هذه الجرائم للتخلص من أعدائهم ، وأنه كان من هذا القبيل وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بتواطئ مع بعض الخونة الفلسطينين المحيطين به والذين كانوا موضع ثقته فأمن لهم وأثيرت شبهات مماثلة حول وفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر وقيل وقتها أن اليهود توصلوا الي تسميمه عن طريق طبيبه الخاص ، بعد أن استقطبوه، بسم يسري عبر خلايا الجلد.
مخاطر اللجوء للسحرة:
إن خطورة السحر لا تقف عند حد من أريد به وإنما خطره الأكبر في الحقيقة تحدث لمن لجأ الي السحرة أو استعان بهم لكي يعقدوا له سحرا، وقد تسوقه اليهم أوهامه ليطلب منهم العون في أمر ليس لهم فيه حيلة ، مثل أن تذهب إمرأة الي ساحر أو مشعوذ تطلب منه أن يصف لها دواء للعقم أو لإزالة سحر تتوهمه وتتوهم أن ثمة من أصابها به لكي يحول بينها وبين الحمل . وهنا يمكن الإشارة إلي أن ذلك لا يتوقف في مجتمعاتنا علي النساء الأميات ، بل قد نرى نساء جامعيات قد فعلنها دون أدني تردد منهن.
فهذا الذي يذهب الي الساحر ويستدعي الساحر شياطينه في حضوره أنما يسلم نفسه في الواقع للشياطين أو يبيعها لهم دون أن يدري. ولذا يصعب عليه فيما بعد التخلص من تأثيرهم أو تسلطهم عليه، أو الإنعتاق من أسرهم.
وعلينا نستحضر هنا ما نبهنا إليه النبي صلي الله عليه وسلم من أن من أتي ساحرا فقد كفر بما أنزل عليه ، وأن تفقد النفس إيمانها يعني أنها تفقد قوتها وخير عاصم لها.والإيمان مرتبط بسلامة العقل . وطالما أن اللجوء للسحرة يلغي دور العقل ، ويتسبب في إصابة العقل بعد ذلك في خلله،فإ، ايمانه يذهب بذهاب عقله ، وإن ذهابا جزئيا ، ول ايعني زوال الإيمان سوي الكفر.
واذا كان الذاهب الي الساحر ، قبل ذهابه الي الساحر ليعقد له سحرا، يمتلك نفسا قوية أو للعقل سلطة عليها فإنه يخرج من عنده بنفس هشة إن لم نقل عليلة، وقد فقد عقله السيطرة عليها ، ويكون بذلك أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية. وبالتالي يمكن القول بأنه بذهابه للساحر فقد ماكان لديه من مناعة ذاتية.
ويلاحظ أن المرأة التي تلجأ الي السحرة، حيث أن معظم من يلجأ اليه عادة هم النساء ، تسيطر عليها الأنانية الي حد كبير وتتحكم فيها غرائزها ، وتكون شبقية تطلب الجماع ولا تمل منه أو تملك القدرة علي مقاومة الرغبة فيه إن راودها رجل حتى ولو لم يكن زوجها. أي تكون أكثر عرضة للسقوط في الخطيئة والخيانة الزوجية أكثر من غيرها. وإذا كانت في بداية أمرها أو مازال لديها بعض التقوى فإن الخطيئة التى تورطت فيها بسبب غلبة الغريزة على عقلها ، تتسبب لها في إحساس بالذنب ونشوء رغبة عارمة في تطهر لا تعرف السبيل اليه فينتهي بها هذا التعارض الي الإصابة بمرض الذهان( الشيزوفرينيا ) وفي أقل الأحوال سوءا الإصابة باكتئاب نفسي شديد. وتتأكد علاقة الشياطين بما أصابها عندما يتصاعد عندها الانفعال وهي تحت وطأة الذهان فتردد ما سبق أن سمعته من أسماء الشياطين أو ملوك الجن عند السحرة والمشعوذين وهم يحضرون الجن في وجودها.
هنا أيضا تلزم الإشارة الى حقيقة قد تبدو غريبة وصادمة وهي أن الفعل الشبقي بين ذكر وأنثي في مجتمعات شمال أفريقيا المنتمية الى الثقافة العربية : مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب،لايتم دائما هذا الفعل عن محبة معقودة بينهما وليس كما يوصف في الثقافة الأوروبية بأن فعل حب Making love وإنما قد تحدث المعاشرة الشبقية نتيجة ما يمكن تسميته بالتداعي النفسي أو العدوي النفسية أو الاستجابة الشرطية والتي تطغي عليها الغريزة الشبقية أو مشاعر أخري غير الحب وعاطفته.
يتضح ذلك في حالة الزوجة التي تلجأ للسحرة ، ويصيبها ذلك بالهوس الشبقي ، خاصة إذا كان يحركه الرغبة أيضا في الحمل أكثر من أي شيء آخر مثل الحب . وهي غالبا ما تكون في حالة استعداد لممارسة الفعل الشبقي وفي غير حاجة لأن يبذل الزوج أي جهد أو وقت لأثارتها أو تحضيرها له أو دغدغة مشاعرها بعبارات تنم عن الحب والحميمية. المفترض أن المعاشرة الشبقية يتم فيها الإنعتاق من الذاتية والاندماج في الغيرية . هذه هي صورتها المثالية ، ولكن في حالة أن يكون أحد الطرفين قد تأصلت فيه الأنانية، فإنه في الفعل الشبقي يسعي الى تحقيق رغبته منه بصرف النظر عن رغبة الآخر ، وهو لاينقل إلي الآخر المحبة وإنما الرغبة والتي يستجيب لها الآخر بغير محبة أيضا وينقل اليه الأنانية أيضا، ولو خلال الفترة التي تستغرقها المعاشرة . أنه شيء مثل العدوي أو رد الفعل الشرطي الذى تتم الاستجابة فيه على نحو تلقائي أو لاشعوري
ولا يحتاج لوجود أية عاطفة ملازمة له . ولأن الزوج لم يستهلك طاقته في إثارتها ولم تتوتر نفسه من العاطفة تجاهها فإن جماعه لها قد يطول أكثر من المعتاد وبكفاءة شبقية عالية يحسد عليها دون أن ينتابه إجهاد نفسي يزيد من الإجهاد البدني له ورغم عدم شعوره بأي عاطفة حب نحوها.
وعدم إحساسه بحبها خلال وصالها لايعني أنه لا يحبها فعلا أو لا يريد أن يحبها ، وإنما لأن الأنانية الظاهرة لديها ولا تستطيع إخفائها ، وافتقارها أيضا لعاطفة الحب نحوه، تجعل قلبه في الحد الأدني غير مبال بها ، بعد أن أصابته أنانيتها بأنانية مماثلة.ولعل كاظم الساهر يعبر عن هذه الحالة وهو يصدح بأغنية يقول مؤلفها: أكرهها وأشتهي وصلها...لذا نجده ولو أنه يتمتع بوصالها ربما لأنه يشعره بفحولته ، أي لسبب ذاتي ،يمكنه أن يزهد فيه ولا يستجيب لرغبتها متى راودته عن نفسه إن ضاق ذرعا بأنانيتها ، وسهل عليه هجرانها وإهمالها ، وتكون هذه بداية سعيه للتخلص منها والبحث عمن تشبع حاجته للحب بقدر ما تشبع حاجته للشبق.
أعتقد أن الحالة السابقة جديرة بالدراسة والتأمل العميق فيها لمعرفة النفس على نحو أفضل وتأثيرها على العلآقة الشبقية بين الرجال والنساء ، وما يمكن استخلاصه منها من دروس. قد تكون حالة نفسية شاذة ، ولكن شذوذها لا يبرر صرف النظر عنها ، وعن تأملها ، لأن تأملها قد يكون سبيلا لأن نعرف من أسرار النفس مالا تكشف عنه الحالات الطبيعية أو ما نعتبرها طبيعية.وبالتالي نزداد معرفة بأنفسنا وما تؤثر فيه أو يمكن أن تتأثر فيه ، وما ينجم عن هذا التأثير.
الدروس المستخلصة:
ومن الدروس التي يمكن استخلاصها فيما أظن ما يلي:
1. إن الأنانية لدى أحد الزوجين يحسها الآخر، ولا يمكن أن يتم إخفائها عنه أو لا ينتبه إلي وجودها ، وأن إحساسه بها يقتل لديه الإحساس بالحب تجاه شريك حياته وينتهي به الأمر أن يفقد الزواج به أهميته ، وتتولد لديه الرغبة في الزهد فيه والتخلص منه.
2. أن الرغبة في الشبق يمكن أن تنتقل من نفس إلى أخري ، بمعني تواصل نفسي سابق على التواصل الجسدي ، قد يسبب الإقبال على التواصل الجسدي أو الإعراض عنه ، والتواصل النفسي قد يكون معبرا عن الغريزة فقط وليس بالضرورة حاملا معه عاطفة الحب. وهو عبارة عن رسائل متبادلة إرسالا واستقبالا أو أن تكون فعلا ورد فعل عليه.
دون أن يواكبها حاجة إلي التعبير بالكلمة أو أية وسيلة أخرى ،أي أنها في الغالب رسالة صامتة، وقد تخطئ مع ذلك أحدي النفسين فهمها ، فلا تحقق الغرض منا.
ولذا أوصي الزوجة إذا ما أحست بزوجها الي جانبها قد مد يده اليها وبدأ يتحسس بها جسدها كرسالة صامته منه تنبئ برغبته في معاشرتها ومضاجعتها شبقيا ، وهي راغبة في ذلك، فلا تقوم بدفع يده بعيدا عنها من قبيل التدلل أو التمنع أو إظهار أنها ما زالت غاضبة منه لأمر ما ، لأنه قد يقهم رد فعلها على رسالته خطأ ، خاصة إذا ما كان عاطفيا و شديد الحساسية ، فيصيبه تصرفها بإحباط فوري يزيل علي الفور رغبته فيها . وقد يخشي أيضا إن أعاد المحاولة أن يكون رد فعلها أكبر وأن يعلو صوتها فينتبه اليه أولادهم في الغرفة المجاورة ، فيتفادى ذلك. خاصة إذا كان يعتبرها من النوع العصبي الذي لا يتورع عن ذلك. وحتى إن أرادت إصلاح الخطأ وأراد أن يتجاوب معها عجز عن ذلك قبل مرور وقت ليس بالقصير قد يتسبب في إزعاجها وضيقها ، وقد تظن أيضا أنه لا يحبها ولا يرغب فيها وأنه عندما مد يده اليها كان ينتظر منها أن تبعدها لكي ينصرف عنها. أي أن سوء الفهم قد تكون تداعياته أكبر منه وخطورته شديدة على الحياة الزوجية.
3-إن ما يقال عن أن المرأة المسكونة بالجن أو الشياطين ، تعمد هذه الجن إلى شحنها بالحرارة الغريزية لأن الجن والشياطين من أصل ناري هذا صحيح بالفعل. ولكن هذا لا يعني أن الحرارة الغريزية مستمدة من الشياطين ، وإنما هي داخل جسم المرأة والرجل معا . وقد يكون قدرها في بعض الرجال أكثر منه في بعض النساء أو العكس ، إذا كان الرجل أو المرأة ممن يطلق عليهم : أصحاب الطبع الناري. وهم عادة مواليد الجدي والقوس .وكل ما تفعله الجن أو الشياطين أنها تجعلها مشتعلة طول الوقت وتزداد حدتها مع ممارسة الشبق.
وعموما فإن وجود المحبة بين الزوجين والتصاق جسديهما وهما متعانقين في الفراش لمدة قصيرة وبدون أدني حركة منهما ، وإن لمن يمارسا الشبق أو يفكران في ممارسته ، يخلق هذه الحرارة ويبقي عليها ، وتجعلهما جاهزين لممارسة الشبق متي شاءا دون حاجة إلى استهلاك وقت طويل في الإثارة . لذا من الأفضل ألا يرتبط الذهاب الى الفراش في ذهن الزوجين بممارسة الجماع الفوري .إن نوم الزوجين متعانقين ، وكل منهما في حضن الآخر يشعل هذه الحرارة الغريزية ، ويجعل الزوجة لا تحتاج إلى وقت طويل لأثارتها يتم فيه استهلاك الزوج إلي طاقة نفسية يحتاجانها معها خلال الجماع.
يمكن هنا أن نتذكر ما يشيعه اليهود عن فظائع النازية معهم عن حق وقع أو باطل متخيل منهم فيه كذب وتضليل وتهويل ، ففي جميع الأحوال، صدقا أم كذبا، يقولون ما هو ممكن حدوثه، حتى ولو لم يحدث فعلا. ومن ذلك قولهم بأن النازي كان يستغل الحرارة الغريزية في أجساد النساء اليهوديات لإعادة الحياة للجنود الألمان الذين تم نقلهم من ميادين القتال في سيبيريا وشمال روسيا بعد أن تجمدت أبدانهم من فرط البرودة. وبعد أن جربوا وضعهم في غرف دافئة فكانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة فيها. عندئذ اهتدي الألمان إلى تجربة إحضار إحدي االيهوديات المعتقلات وإجبارها علي إحتضان جسد الجندي الألماني المتجمد، وكلاهما عاريا تماما ، حتى لو انتهي الأمر بأن تفقد هي حياتها ويتم إنقاذ حياة الألماني من الموت.
نجحت التجربة كما تقول الدعايات اليهودية: إذ بدأت الحرارة الغريزية تفعل مفعولها وتنتقل ببطء من جسد المرأة الي جسد الجندي المتجمد تدريجيا و بدأت تعود الحياة اليه وفي لحظة معينة ينتبه الجندي الى وجود المرأة جانبه دون أن يعي أين هو ولا أي شيء أخر فيعتليها ويجامعها بجنون بما يشبه الاغتصاب وما أن يقذف بداخلها نطفته يسقط مغشيا عليه فيتم نقله الى غرفة أخرى لإنعاشه وعندما يفيق لا يتذكر إطلاقا ما فعله بالمرأة أو يتعرف عليها إن تصادف والتقي بها. بينما يهتم الألمان بالمرأة وتحظي بمعاملة وتغذية أفضل ويتم الاحتفاظ بها أيضا لتجربة أخري.و حتي لو كانت القصة مختلقة فلابد أن تكون هذه التجربة قد أجريت في مكان ما وحققت المراد منها وتم نسج باقي القصص علي منوالها.
إن التقاء الزوجين في الفعل الشبقي بعد أن يتم تنمية الحرارة الغريزية في جسميهما ، بانتقالها من جسم لآخر ، يزيد من كفاءة الرجل الشبقية ، ومن متعة الزوجين معا. وتقل الفترة اللازمة للحصول على حرارة غريزية كافية إذا ما رافق التصاق جسميهما تحسس كل منهما جسد الآخر بلطف وبطء وبدون تبادل قبلات حارة أو ملامسة مواطن الإثارة الا عندما يتم الانتقال إلى الشروع في المضاجعة الشبقية.

3- إن الكفاءة الشبقية للزوج والتي يعبر عنها أيضا بالباءة والتي تتمثل في شدة الإنعاظ
(الإنتصاب) وفي الاحتفاظ به طوال الممارسة الشبقية علي حالته إلي أن تبلغ الزوجة
معه النشوة القصوى ، تنتمي في ظاهرها إلى الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) بينما هي في حقيقة الأمر مرتبطة بالسيكولوجيا (علم النفس).فقد يتزوج رجل امرأة ما ويفشل في معاشرتها شبقيا على نحو مرض ، بينما لو انفصل عنها وتزوج بغيرها وجد نفسه مكتمل اللياقة الشبقية أو الفحولة علي نحو قد يدهشه بالمقارنة بتجربته السابقة، ولا يدري كيف حدث له ذلك أو سبب التغيير الطارئ. لا يمكن تفسير ذلك بغير زوال العوامل النفسية التى كانت وراء فشله في التجربة السابقة، والتي جعلت بالإمكان تحقق التوافق النفسي أو ما يعبر عنه بالتوافق الشبقي.ولكنه يمكن أن يتحقق ذلك في أحوال لا يمكن أطلاق لفظ التوافق النفسي عليها.
4- إن الشيطان لا سلطان له علي المؤمنين ولا خوف عليهم منه، ولكنهم يفقدون حصانتهم ضده عندما يلجأون اليه ويستعينون به لقضاء حوائجهم عوض الاستعانة بالله سبحانه وتعالى. والذي يتمثل في استعانتهم بالسحر والسحرة. فالذي يلجأ الي السحر يخسر نفسه الي يصبح الشيطان سيدها ومولاها ويخسر إيمانه بالتالي ولا يفيده في ذلك صلاة أو صيام أو حج. ولا أقول زكي وتصدق ، لأن الأنانية التي ستتملكه بفعل الشيطان ستجعله متصفا بالبخل والشح وعاجزا عن ممارسة الإحسان علي أي نحو كان.
والسحر لأنه من طبيعة ميتافيزيفية محضة فإن تأثيراته نفسية ، أي أن تأثيره ينصب علي النفس وليس علي البدن . ومن ذلك قول العامة : " الدوي على الودان أقوي من ففعل السحر في الأبدان". أي أن وسوسة الشياطين من الجن والإنس لها مفعول أقوي من فعل السحر في البدن ، وبالتالي فإن تأثير الشيطان علي النفس أقوي من تأثيره علي البدن ، إن كان له ثمة تأثير عليه. وإنما قد يأتي اعتلال البدن كنتيجة لاعتلال النفس ، مثلما قد تعتل النفس أيضا كنتجة لاعتلال البدن لأن كيان الإنسان واحد ولا يمكن فيه فصل الجسم عن النفس ، وإن صح الكل صحت الأجزاء ، بينما إن اعتل الكل اعتلت جميع الأجزاء.
مثال لذلك حالات من الأمراض العضوية يعزي أسبابها الي متاعب نفسية. وكذلك حالة المصروع التي يعزونها عادة – ومن قديم الزمن – الي الجن ، فالصرع حالة نفسية ولكن المصروع الذي لا يدري بنفسه خلال نوبة الصرع يمكن أن يؤذي جسمه ناهيك عن احتمال إلحاقة الأذى بالغير.

5- قد يكون ظهور القلق والتوتر بشكل مفاجئ وغير مرتبط بأسباب واضحة ناتجا عن السحر، سواء حدث ذلك للزوجة أو الزوج. وغالبا من تصيبه هذه الحالة يكون عاجزا عن اتخاذ أية قرارا ت سليمة في صالحه. فإن أصابه السحر بالقلق وحده تشابهت حالته مع حالة بالاكتئاب ، وفقد القدرة على المبادرة والتصرف.أما إذا أصيب بالتوتر هاجت أعصابه لأتفه الأسباب وظهر كأنه مستعد دائما للشجار.
وبسبب تأثير هاتين الحالتين علي السلبي علي الحياة الزوجية ، وردود الأفعال الناتجة عنهما وكذلك سوى الفهم والتقدير، قإن المحبة التي كانت بين الزوجين ستتحول بمرور الوقت الى كراهية وبغضاء ، وسيطلب المتضرر الطلاق ويجد الآخر لا يمانع فيه . وهكذا يحقق السحر بمرور الوقت هدفه في التفرقة بين زوجين متحابين.
قد يكون الذي قد لجأ للسحر للأضرار بأحد الزوجين يستهدف تحقيق مصلحة له ولا يستهدف أصلا التفريق بين الزوجين ولكن النتيجة ستنتهي بالتفرقة بينهما وسواءنجح بالسحر في أن يحقق هدفه أم لم يتحق له منه شيء.
.


اكتفيت هنا بهذه الحالة لأنها ترتبط بما يمكن أن نسمية بضحايا عالم السحر الملعون. ولكن توجد حالات كثيرة أخرى مماثلة قد لا تكون مرتبطة بالسحر و إنما ترتبط بالثقافة المجتمعية السائدة وبطبيعة الرجال والنساء التي أفرزتها الظروف التاريخية للمجتمعات التى نشأوا فيها. وإذا كانت شعوب شمال أفريقيا – علميا وليس عاطفيا- شعب واحد من حيث العرق، واللون، والصفات الوراثية، واللغة سواء المصرية القديمة أو الليبية (الأمازيغية) أو العربية، والدين سواء أيضا ديانة الصابئة أو أمون وما تعرضت له من تحولات الي اليهودية والمسيحية وأخيرا الإسلام، إلا أن كل شعب منها في مصر أو الجزائر أو تونس أو المغرب قد تعرض لظروف ومسارات تاريخية مختلفة، خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وتأثر كل شعب بما مر به تأثيرا مختلفا بسبب اختلاف المؤثر. وهم في ذلك يختلفون أيضا عن شعوب المشرق العربي خاصة في الشام من ناحية والخليج من ناحية أخري . ويختلفون أيضا جذريا عن الشعوب الأوربية مهما كان تأثير أوروبا علي شعوب شرق وجنوب المتوسط. ولذا فإن العلوم الإنسانية الأوروبية والتي أنتجها الإنسان الأوروبي وفق ثقافته المتجددة والسياق التاريخي الخاص ، لا تصلح في أغلبها لتفسير سلوكيات الرجل والمرأة في أي مجتمع أخر خارج نطاق الحضارة والمجتمعات الرأسمالية الأوربية، وخاصة على أقرب الشعوب الأخرى إلى أوروبا جغرافيا وهي شعوب جنوب المتوسط. هذه الشعوب التي لم تجد بعد من بنيها من يكتب عنها دون الاعتماد عما كتبه الأوروبيون عنها ، إذا ما استثنينا كتابات قليلة مثل ما كتبه الدكتور جمال حمدان رحمه الله عن مصر.

تعامل الأزواج مع السحر:
لا تختلف الأعراض التي تظهر علي من أصابه السحر عن أعراض الأمراض النفسية حتي يصعب التفرقة بينهما . عموما أذا لوحظ تغيير مفاجئ في تصرفات الزوج غير مرتبط بأسباب معروفة ولم يظهر علي نحو متدرج أو متصاعد فإن أغلب الظن في هذه الحالة أن تكون ناتجة عن الإصابة بسحر مباشر. في هذه الحالة يكون من الأوفق ألا تستجيب الزوجة لاستفزازاته وأن تلتزم بالحلم والصبر وأن تتفادي توجيه اللوم له أو النصائح علي نحو يتسبب في ضجره وإثارته.
إذا كانت الظروف تسمح باستدراجه للاستحمام في البحر كان ذلك أول ما يجب تجريبه وإلا عملت الزوجة أن تنتظر حتي يستغرق في نوم عميق بحيث لا ينتبه لوجودها بجانبه وتضع يدها علي رأسه وتقرأ الرقي المبطلة للسحر عليه .فإن عاد الزوج الى حالته الطبيعية- سواء نتيجة الاستحمام في البحر أو من الرقي القرآنية- وجب على الزوجين الانتقال الي العيش في مكان آخر
وقطع أي صلة قائمة مع كل من يحتمل أن يكون قد لجأ الي استعمال السحر معه.
لقد أجاز فقهاء اللجوء الى السحرة أو من لديهم علم بالسحر وخبرة فيه لإبطال سحر المسحور على اعتبار بأن في ذلك التصرف جلب منفعة ودرء ضرر وتحكمه الضرورة. يجب في نظري عدم اللجوء الي ذلك الا بعد فشل جميع المحاولات والتي تبدأ باستشارة طبيب نفسي وباستخدام الرقي وبالاستحمام في ماء البحر أو عبور بحر فيه مد وجزر...بحيث يكون اللجوء الي من يتعاملون بالسحر هو لجوء المضطر فعلا. والذي ينطبق عليه المثل : "آخر علاج : الكي". والسبب الذي ندعو الزوجة أو الزوج –حسب الأحوال – الي تفادي ذلك هو تعرضها أو تعرضه لتأثير الشياطين خلال التواجد عند من يتعامل معهم.


لا أعرف طريقة لحماية الزوجين من شرور السحر والسحرة . وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم قد تواترت الأخبار بأن السحر أصابه وتأثرت به تصرفاته حتي جاء اليه جبريل وأرشده الي كيفية ابطال مفعوله ، وثمة رواية عن تمكن الشيطان يوما من إفساد صلاته عليه وجعله يخطئ في قراءة القرآن ويدخل فيه ما ليس منه. إذا كان ذلك صحيحا ، وصدقت تلك الروايات فيما روته، إذن: ليس بإمكان إنسان ألا يتأثر بسحر استهدفه.
في العصور الوسطى كانوا يحرقون كل من يشتبه فيه بأنه يمارس أعمال السحر ، وفي العصر الحديث باتوا يفرقون بين السحر الذي يقتصر على خداع بصر مؤقت أو خفة اليد ويفصد به الساحر تسلية المشاهدين وبين من يسمونه : السحر الأسودBlack magic . بالنسبة لي السحر هو السحر ويجب تحريمة بكافة أنواعه وألوانه تحريما قطعيا.

علاقة السحر بكلام الله:
علم الشياطين الناس السحر ولكن كيف تعلم الشياطين السحر؟ .. قد يكون من غريب الأمور أنه لولا نزول كلام الله علي الأنبياء والمرسلين ما عرف الشياطين السحر وما علموه للبشر. وإذا كان كلام الله استهدف الإيمان به فقد استعملت الشياطين نفس الكلام بعد أن غيرت في نظمه ونسقة في أغراض السحر والذي هو كفر بالله. بل يمكن أن نستنج من ذلك بأن أي كلام يمكن استخدامه في السحر ، تكون هذه القابلية فيه دليل على أنه في أصله وقبل التلاعب في تركيب الكلمات بأنه من كلام الله. يتضح هذا مما ورد في القرآن الكريم بخصوص السحر،علي النحو التالي:
- في قوله تعالي فيث سورة البقرة: " يعلمون الناس السحر وما أنزل علي الملكين ببابل هاروت وماروت". في كتب التراث نجد أساطير حول هاروت وماروت تذكر أنهم ملكان من الملائكة بينما أغلب الظن أنهما ملكان من ملوك بابل كانا يجمعان بين الملك والنبوة مثل داوود وسليمان ولعلهما كانا من أبناء نوح أو من سلالة" أنكيدو" الوارد ذكره في أسطورة" جلجامش" البابلية وربما كان أيضا مايعرف بشريعة" حمورابي" بعض ما أنزل عليهم من وحي ، وكذلك ما يوجد حتي اليوم لدي الصابئة المندائية من كتاب مقدس يرجعونه الي زمن أدم عليه السلام. فمن هذه الكلمات المقدسة المنزلة من السماء على هاروت وماروت بدأ السحر. تلقفته في البداية الشياطين ثم علموه الناس.
- في قوله تعالي في سورة طه: "قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِي ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي"
هنا نجد موسي السامري الذي قيل أن أمه ماتت وهي تلده فتولت الملائكة رعايته وأرضعته لبان غزال في البرية قام بعمل سحري جمع فيه مااستولي عليه بنو اسرائيل من حلي المصريين الذهبية قبل رحيلهم مع موسي وصنع منه عجل مثل عجل أبيس الذي كان يقيمه المصريون في معابدهم وزاد علي ذلك بأن جعل له خوار مثل العجل الحقيقي ليفتن به بني اسرائيل ويغريهم بعبادته دون عبادة الله سبحانه وتعالي . فلما رجع موسي من مناجاة ربه وفوجيء بما أحدثه السامري في غيابه وسأله عنه ، أقر السامري بأن ما فعله سحرا وأنه أخذه من أثر الرسول أي جبريل عليه السلام الذي كان ينزل على موسي بالتوراة. هنا أيضا ذهب المفسرون الي أن المقصود بالقبضة هي قبضة من تراب خلطها بالذهب بينما قد يكون أنه اختار بضعة آيات مما نزل به جبريل فاحتفظ بها لحين حاجته اليه بعد أن أدرك خواصها السحرية.. أما قوله بصرت لما لم يبصروا به فيعني به أدركت ببصيرتي ما لم يدركونه ولا يقصد البصر بالعين.
من هاتين الآيتين ندرك علاقة السحر بالكتب المقدسة المنزلة من عند الله بالوحي ، ونعرف أيضا

لم اشتهر اليهود بطول باع في السحر الذي استعملوا فيه آيات التوراة ولم احتفظوا في التلمود بآيات وشروح باللغة الآرامية لكي يظل الحاخامات هم الذين يعرفون أسرارها الروحية وكيف يستخدمونها في السحر. ولقد آمن أقباط مصريون ومنهم قساوسة بأن القرآن كتاب منزل من عند الله عندما وجدوا سحرة يستعملون آيات منه في سحرهم وغيرهم يستعملون أيات القرآن لإبطال السحر فأدركوا أنه ليس كلام بشر ودخلوا في الإسلام. بينما نقل غيرهم من الأقباط لي ما قاله لهم قساوسة من أقاربهم بأن القران كتاب منزل فعلا من السماء كان مجهولا و لا يعرف أحد عنه شيئا وعثر عليه محمد فادعاه لنفسه.
في مدينة العدوة الصغيرة التابعة لمحافظة المنيا بمصر كانت تعيش أسرة قبطية تحمل اسم "عقل"، ميسورة الحال ومعروف عن رجالها اهتمامهم بالعلم والدين . وكانت لذلك منازلها يفد اليها رجال الدين الآقباط وأهل العلم المسلمون أيضا. بعد مناقشات كثيرة دينية حضرها يوسف منصور عقل واستمع اليه أختان له قرر يوسف وأختاه الدخول في الإسلام وغادرا بيت الأسرة بليل وجدا في الهرب شمالا حتي بلغوا قرية برج مغيزل عند ملتقي بحيرة البرلس بالبحر المتوسط في أقصي شمال دلتا النيل في مصر وتزوج فتاة منها أنجب ولدا أسماه علي وعرف بالفلاح لأنه ترك مهنة صيد السمك واتبع المهنة التي علمها له أبوه وهي الفلاحة ومازالت عائلة الفلاح في البرلس ، لكن يوسف بعد ذلك هبط بأسرته وأختية الي بلدة" سنهور المدينة"شمال غرب الدلتا، حيث تزوجت أختاه فيها. ثم نزح الي قرية تابعة لمركز كفر الزيات حيث عمل ناظرا لضيعة لأحد كبار ملاك الأراضي ومازالت سلالته بتلك القرية والمعروفة باسم : قصر نصر الدين. أما عائلة عقل التي تركها جدي يوسف منصور عقل في مدينة العدوة فقد قرأت قبل حوالي خمسين عاما أن رجلا منها يدعي محمد عبدالله عقل هو نائبها في البرلمان وهو ما يعني أن باقي العائلة التي لم نعد نحمل اسمها قد أسلمت أيضا وبقيت في موطنها لم تغادره خوفا علي نفسها بعد أن بدلت دينها.
معذرة إذا كنت قد خرجت عن الموضوع .. ولكن ما أردت التأكيد عليه أنه يمكن استخدام الرقي القرآنية لفك السحر ، ويمكن أيضا للمسيحيين من أهلنا استعماله لهذا الغرض سواء أسلموا أم ظلوا علي دينهم ، وهو كتاب الله المنزل سواء آمنوا بأنه منزل علي رسول الله محمد أم صدقوا خرافة أنه كتاب قديم مجهول عثر عليه. فالمهم هنا المنفعة التي يحصلون عليها من استخدامه وتجعلهم في ذات الوقت بعيدين عن عالم السحر ومخاطره. وقد بلغني بالفعل، قبل عدة عقود، أن قسيسا بكنيسة مصر القديمة كان يستعمل القرآن في أعمال سحرية يستهدف بها التنصير ويستعمله أيضا في إبطال السحر دون أن يجد في ذلك حرجا.
فوزي منصور
e-mail:fawzy_mansour@hotmail.com






No comments: