كانت بحيرة تشاد إحدى أكبر الكُتل المائية في العالم وتعد من قبل سادس أكبر بحيرة في العالم، ورابع بحيرة في أفريقيا قبل تنكمش الى عشرمساحتها السابقة مؤخرا حتى تكاد تصبح اليوم مجرد بركة واسعة مهددة بالفناء .فقد تناقصت مساحة البحيرة من 25000 كم2عام 1963 إلى إلى أقل من 1500 كيلومتر مربّع في عام 2001..وكان معدل عمق هذه البحيرة في حدود ستة أمتار ولكن ما تبقي منها حاليا يقل عمقه عن ثلاثة أمتار. و90 % من مياههاحاليا تأتي من نهر شاري.والباقي من نهر لوغونيه القادم من الكميرون والمتصل بشارى جنوب العاصمة إنجامينا .وقد شهدت موارد النهرين تناقصا مستمرا خلال العقود اﻷربعة اﻷخيرة.ولكن تناقص مساحة البحيرة الحاد تم خلال العقدين الأخيرين فقط. و تطل بحيرة تشاد على أربع دول هي تشاد، الكاميرون، النيجر ونيجيريا.وحوض البحيرة أشبه بصحن مقعر بين أراضي تلك الدول.
وفي الشمال الشرقي للحوض قامت مملكة "كاتم "الإسلامية في القرن الثامن الميلادي والتي اتخذت العربية لغة لها و اتسع نقوذها في القرن لتاسع الميلادي، حتى شمل منطقة السودان الأوسط بأكملها.وجاءت بعدها سلطنة البلالة التي حكمت من عام(1365 حتى 1922وفي غربها قامت مملكة "بورنو " وفي جنوبها قامت مملكة "باجرمي "التي قامت في حوض نهر شاري وتعاقبت الممالك في المنطقة ومنها مملكة عويضي، التي قامت في السادس عشر الميلادي، حتي وصل الاستعمار الفرنسي في أوائل القرن العشرين فقضي عليها كلها.
ويعيش أكثر من 20 مليون نسمة حول بحيرة تشاد، ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد بعد ربع قرن ب، ومن العشرين مليونا يوجد ثمانية ملايين كانوا يعيشون على البحيرة مباشرة في تشاد والكميرون وشمال شرق نيجيريا وشرق النيجر قبل انحسار المياه فيها.
وقد اجتمعت دول الحوض في نيجيريا عام 2009 وكان من مقترحات انقاذها التي تم تداولها : تنفيذ مشروع سد بالمبو على نهر أوبنقى وربط نهر أوبنقي ، المنبثق عن نهر الكونغو، لربطه بمجرى نهر "تشاري" الذي يصبّ في بحيرة تشاد مباشرةً. لكي تتدفق المياه من نهر أوبنقي إلى نهر شارى، ومنه الى موقع البجيرة القديمة.
و حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" في أكتوبر 2009من أن الكارثة الإنسانية التي تلوح في بحيرة تشاد ذات مواردالمياه المتناقِصة باستمرار ، والتي لا بد من مواجهتها على عَجل. وتقدِّر الإدارة الوطنية الأمريكية للأجواء والفضاء "NASA" أن مياه بحيرة تشاد إذا ما واصلت انحسارها بالمعدل الحالي، فمن الممكن أن تختفي رقعة البحيرة كليّاً في نحو عشرين سنة من الآن.
ودعت الفاو إلى تعبئة الأموال لإعادة تكوين الرصيد المائي للبحيرة وتدعيم أركان الأمن الغذائي في الإقليم. وتقدِّر منظمة "فاو" أنه علاوةً على هبوطٍ بمقدار 60 بالمائة في إنتاج الأسماك من البحيرة، فقد شهدت أراضي الرعي تدهوراً أدّى إلى نقص العلف الحيواني بنحو 46.5 بالمائة في بعض مناطق الإقليم منذ عام 2006، مع تَفاقُم أوضاع الثروة الحيوانية والتنوّع الحيوي بطبيعة الحال.
و وافق مجلس إدارة المصرف الإفريقي للتنمية على الإفراج من موارد الصندوق الإفريقي للتنمية عن هبة بقيمة 70ر44 مليون دولار أمريكي.. بهدف تمويل برنامج التنمية المستدامة لحوض بحيرة تشاد .وستستفيد من هذه الهبة الدول الأعضاء في لجنة حوض بحيرة تشاد والمتمثلة في الكاميرون والنيجر ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وتشاد .
وأوضح البيان الصادر عنه أن برنامج التنمية المستدامة لحوض بحيرة تشاد(بروديبالت) يأتي ردا على تعرض بحيرة تشاد ومجمل حوضها لتضاؤل جريان المياه وجودتها وتقلص التنوع الأحيائي مقابل التعرية المائية وزيادة كمية الرمال بها.وأثر التراجع الملموس لمساحة بحيرة تشاد المسجل خلال العقود الأخيرة سلبا على المساحات الزراعيةوأدى إلى إنخفاض إنتاج الموارد السمكية .
وتم إعداد برنامج "بروديبالت" بهدف تنفيذ خطة العمل الإستراتيجية التي وضعتها لجنة حوض بحيرة تشاد .وتتمثل النتائج المنتظرة من هذا المشروع في تأمين الحماية المستدامة لبحيرة تشاد بهدف ضمان الأمن الإقتصادي من موارد النظام البيئي للمياه العذبة وإدارة متكاملة وعقلانية
للحوض النهري لتحقيق التنمية المستدامة وإستعمال عادل للموارد الطبيعية لكل دولة مع المحافظة على الأنظمة البيئية وتنوعها الأحيائي. ويستفيد من هذا البرنامج سكان مقاطعات وأقاليم وولايات الدول الخمس المكونة لحوض بحيرة تشاد .
وستسمح الأنشطة المقررة في البرنامج والمتعلقة بمكافحة مختلف أشكال تدهور الأراضي والإرتقاء بتقنيات إستغلال عقلانية للموارد المائية بتسجيل تحسن بمعدل 67 بالمائة في دخل السكان المستهدفين وخاصة بين النساء وتعزيزالأمن الغذائي .
وستمكن معظم أنشطة البرنامج بإشراك السكان الذين يستهدفهم في تنفيذها بما في ذلك عبر مشاركتهم فيتمويل وإدارة مشاريع ضخمة في التنميةالريفية .
ويستغرق إنجاز المشروع 6 سنوات إعتبارا من 2009 بتكلفة إجمالية قدرها حوالي 8ر94 مليون دولارأمريكي .ويساهم في تمويله أيضافضلا ً عن هذه الهبة من الصندوق الأفريقي للتنمية مانحون آخرون من بينهم المصرف الإسلامي للتنمية والمصرف الدولي والإتحاد الأوروبي والحكومة النيجيرية .
وثمة إجماع بأن سبب تناقص مياه البحيرة هو التغيرات المناخية والجفاف وزيادة سخونة الأرض .و لم يذكر أحد قط احتمال أن يكون سحب المياه من الخزانات الجوفية في الواحات الليبية شمال تشاد قيما يعرف بالنهر الصناعي العظيم قد يكون هو السبب فيما حل بالبحيرة في العشرية اﻷخيرة و
تهديدها بالجفاف.مع أنه احتمال وارد ولايوجد في تصورى ما يستوجب استبعاده.
فقد قامت ليبيا بحفر 1300 بئر يبلغ متوسط عمق البئر 400 متر مغلفة بالفولاذ بواحات الكفرة والسرير في جنوبها الشرقي وحوض فزان وجبل الحساونة في جنوبها الغربي شمال حدودها مع تشاد تضخ مامقداره ستة ملايين ونصف متر مكعب من المياه يومياُ عبر أنابيب ضخمة قطر كل منها أربعة أمتار تتجه شمالا لكي تصب في خمس بحيرات صناعية معلّقة اقلها سعته اربعة ملايين مترا مكعبا وأكبرها سعة اربعة اضعاف هذا الحجم مملؤة بالمياه طوال العام أي أنه يتم سحب من تلك الآبار 2372مليون متر مكعب سنويا.كما أعلنت بأنها تجرى دراسات حاليا لتغذية النهر من بعض انهار القارة الأفريقية. وقيل أنها أرسلت بعثة تقنية الى السودان للحصول على مياه من النيل وأخفقت البعثة بسبب طبيعة الصخور شمال هضبة دارفور وارتقاعها في شمال عر السودان ويبدو أن حكومة الخرطوم لم تبد اهتماما مرضيا لليبيا خاصة في ظروف الخلافات الناشبة حول مياه النيل بين دول المنبع ودولتي المصب فكادت لها القيادة الليبية بإعلانها ترحيبها بانفصال جنوب السودان حسب ما صرح به سلفا كير.وتكلف المشروع حسب الأرقام الرسمية الليبية من 1984 حتي الآن أكثر من 11مليار دولار وكان قد راج عند الإعلان عن تنفيذه بأنه سيتكلف خلال 50عاما مبلغ في حدود 33مليار دولار.
وفي 11سبتمبر 1989 وصلت المياه إلى مدينة اجدابيا، ثم وصلت مياه المشروع إلى خزان قرية سلوق قرب بنغازي في 28أغسطس 1991م ، وبعدها بيومين إلى خزان مدينة سرت في 30/8/1991م ، وفي هذه الآونة بدأت مياه يحيرة تشاد في التناقص على نحو متزايد سنويا إلى أن صارت على ماهي عليه حاليا وزاد هذا التناقص وانحسار المياه عن معظم البحيرة خلال الفترة من 1997 حتي 2009.
والرائج الآن بأنه لم تتم الاستفادة من كامل المياه التي تم نقلها الى الشمال وأنها تعد في حكم المبددة كما أن المياه العذبة المستخرجة بدأ منسوبها يقل في الآبار وبدأت تزيد في المقابل ملوحة المياه وبعد أن كانت ليبيا تقول بأن هذا المشروع سيوقر احتياجاتها من المياه العذبة لآلاف السنين القادمة أتضح أن هذا كان وهما واكتشفت بأن حاجتها للمياه العذبة بعد تنفيذ النهر صارت أكبر مما كانت عليه قبل تنفيذه حتي اضطرت العام الماضي من عقد اتفاقية مع تركيا لتزويدها بمياه الشرب.
والآن يمكن القول بأن حقن البحيرة بمياه من نهر الأوبنجي قد يعيد تغذية الآبار الليبية بالمياه ولكنه قد لا يفلح في أعادتها مياه عذبة من ناحية ولن يوقف تبديدها ولن تستفيد منها الشعوب الأفريقية المحيطة ببحيرة تشاد والتي يقدر عددها بعشرين مليون نسمة بينما تصل بعض التقديرات بالعدد الى 30مليون نسمة.
هل من الضروري أعادةالبحيرة الى ما كانت عليه سابقاأم يكفي توفير المياه في المنطقة؟
وهناك تساؤل أيضا أطرحه وهو لم لايعاد تخطيط منطقة البحيرة لكي تكون الاستفادة منها أكبر لتلك الشعوب دون الإصرار الي عودتها الى ما كانت عليه من قبل؟
في الحالتين يجب تنفيذ مشروع سحب المياه من نهر الأوبنجي وتغذية نهر شاري بها وهذا المشروع سيستغرق وقتا يمكن خلاله تنفيذ مشروع آخر بمنطقة بحيرة تشاد كبديل لتصور أعادة البحيرة الى سابق عهدها ،على النحو التالي:
يتم تحويل المنطقة التي كانت تشغلها البحيرة والمنطقة الصحراوية التي كانت تفصلها عن منخفض جوراب في الشمال ومنخقض جوراب ذاته الى أراض زراعية تتخللها قنوات ري أفقية ورأسية من الشرق الى الغرب في اتجاه النيجر ونيجيريا حول نهر نجادوجو ومن الجنوب الى الشمال في
تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون مبطنة بالأسمنت لمنع تسرب المياه منها إلى باطن الأرض مع الأخذ في الاعتبار أن أراضي النيجر ونيجيريا تنحدر من الغرب الى الشرق في اتجاه تشاد وتنحدر أراضي الكاميرون من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى الشرق مما لايسمح بالتوغل فيها.
وفي نفس الوقت يتم حفر قناة شرق بحر الغزال وعلى امتداده تتجه شمالا نحو منخض موردي شمال شرق منخفض جوراب تجمع من شرقها مياه مجاري السيول المنحدرة من هضبة دارفور ، وستكون الأراض الزراعية المحاطة بتلك القنوات مثل الجزر ، علما بأن البحيرة الأصلية قبل أن يصيبها ما أصابها كانت مليئة بجزر صغيرة غير مستغلة متناثرة قوق سطحها.
والبديل المقترح هنا يتيح زراعة أكثر من 200 ألف كيلومتر مربع داخل تشاد وحدها أي مليوني هيكتار ،ومثل ذلك أو أكثر في الدول الثلاث الأخرى.مع توزيع تلك الأراضي المستصلحة على أسر الفلاحين بالمنطقة بمعدل هيكتارين لكل أسرة مع تخصيص مساحة كمحمية طبيعية يتم زراعتها بأجار الأكاسيا وأنواع أخرى من الأشجار الخاصة بالمنطقة، وترافق تلك القنوات طرقا برية وجسور فوقها تيسر انتقال السكان في المنطقة الى القرى والمدن وربط شبكة الطرق تلك بشبكة طرق الدولة جنوب العاصمة نجامينا. كما يمكن عمل بحيرة صناعية شمال منخفض جوراب جنوب جبال تيبستي وهضاب إنيدي بوركو وتمتد في شعاب الهضاب مثل ألأذرع أو أصابع اليد وتحول دون أي تسلل برى من الجبال يهدد أمن السكان ويتم فيها تصريف مياه الرى الزائدة من تلك القنوات وأخري في منخفض موردي شمال شرق البلاد بين هضبتي إندي وإردي. وعلى أن يتم منع استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية ، حتى تظل البحيرتان الصناعيتان نظيفتين وصالحتين لتكاثر الأسماك بهما، ويتم الاعتماد فقط في تخصيب الأرض على الأسمدة العضوية.كما يمكن أيضا ذلك من تنمية الثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام والماعز وتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية.والقنوات منها الضيقة التي يمكن أن تكون مغطاه والواسعة التي تسمح بتحرك السفن الصغيرة عليها وبالتالي النقل النهري من الشرق الى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.
كما سيتيج المشروع على هذا النحو أيضا أمكانية إقامة حسر معلق فوق منخفض البحيرة للسكك الحديدية يربط أنجامينا عاصمة تشاد بمدن شمال نيجيريا :ميداجوري وداماتوروكانو وثلاثتها تقع على خط عرض 12 درجة توحيث يوجد بها خط سكة حديد يتجه منها جنوبا إلى ميناء لوجوس على خليج غينيا.مما يسهل انتقال السلع والأفراد وينشط التجارة البينية بين بين تشاد ونيجيريا والتي تمثل سوق استهلاكية كبيرة بسبب كثافة السكان بها والذين يصل عددهم حاليا الى قرابة 120 مليون نسمة مما يجعلها أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان وتجد تشاد أيضا منفذا على البحر
لتجارتها الدولية.
وإذا اعتبرنا أن كل أسرة تتكون من أربعة أفراد في المتوسط فإن هذا يعني كفالة العيش لثمانية ملايين نسمة ، أي عدد سكان تشاد حاليا ،وأخراجهم من حد الكفاف والفقر الى حد الكفاية بينما يقل عدد سكان شمال تشاد عن مليوني نسمة بما يعني امكانية ضم سكان اليهم من شرق تشاد ومن جنوبهاوأيضا من دول الجوار.
علما بأن مساحة تشاد = 1284000كيلومتر مربع.وعدد سكانها حاليا فى حدود ثمانية ملايين نسمة وتمثل المنطقة التي سيتم زراعتها فيها وفقا لهذا المشروع حوالي سدس المساحة الكلية للبلاد وهي تكفي لتحسين أوضاع سكان الشمال وتوفير مياه الشرب لهم ولآنعامهم واحتياجات الزراعة من السقي وتعمير الشمال وتحسين ظروفه البيئية.ويتكون سكان الشمال من قبائل البولالا والكوكا والميدوغو من السكان المستقرين، و المابا والتاما بالإضافة الى التوبو ـ الدازاالتي تسكن دير جبال تيبستي وهضاب إيندي ـ بوركو في الشمال الشرقي وشرق بحر الغزال.كما يمكن أن يضاف اليهم قوى بشرية أضافية من داخل تشاد أومن نيجيريا المزدحمة بالسكان ومن النيجر التي يعاني معظم سكانها من الفاقة ومن بعض سكان شمال الكميرون أيضا على نحو ما سبق ذكره.وهو ما يسهم في زيادة إنتاج البلاد من المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية وينهض باقتصاد الدولة كلها ويعود نفعه على كافة سكانها.وقد لا تسمح التضاريس في شمال غرب نيجيريا من مد خط السكة الحديد إلى الشمال الغربي في اتجاه سوكوتو بنيجيريا ونيامى عاصمة النيجر إلا أنه يوجد طريق برى قديم العهد يمتد من كانو شمالا نحو زندر بالنيجر ومنها غربا الى مارادي ثم نيامي في النهاية.ومن نيامي يوجد طريق برى يتجه شمالا إلى الجزائر عبر مالي.
وكان البنك الدولي قد وقع اتفاقاً يلزم حكومة تشاد بانفاق 85% من عوائد وأرباح البترول على مشروعات من شأنها تخفيف حدة الفقر في مجالات البنية الأساسية والتعليم والصحة، و5% لتنمية المناطق المحيطة بحقول إنتاج البترول، و10% تودع في صندوق خاص من أجل الأجيال القادمة. ويوفر هذا الاتفاق 80 مليون دولار سنويا لخزانة الدولة في تشاد على مدار الـ 25 سنة القادمة، تمثل حصتها من دخل البتيول والتي تعادل 50 في المائة منه.و مع وصول أول مبلغ من عوائد البترول ليد الحكومة في تشاد تم توجيهه لشراء أسلحة بمبلغ 4.5 ملايين دولار، اتخذ البنك الدولي قرارا بتجميد القروض المقدمة لحكومة تشاد، وأيضا تجميد نصيبها من عوائد البترول لدى الشركات المنتجة، وانتهت المحادثات إلى تخصيص ما يعادل 70% على التنمية، وتفويض الحكومة في تشاد في ضم 30% إلى الميزانية الحكومية. وهو ما يمكن أنه يمكن للحكومة تخصيص جزء من الأموال المخصصة للتنمية لهذا المشروع بالاضافة الى مصادر تمويل أخرى يمكن تأمينها.
فوزي منصور
المدونة الشخصية لفوزي منصور، تجدون هنا أبحاث وملفات تعني بالشئون الدينية والاجتماعية والسياسية
Tuesday, May 18, 2010
Tuesday, May 11, 2010
عنصران متناقضان بينهما برزخ ﻻيبغيان
الشائع أنه عندما تنسلخ الروح من البدن تنتقل إلى عالم البرزخ ،والبرزخ في العربية هو الحاجز بين الشيئين، و المانع من اختلاطهما و امتزاجهما . ولم يقل لنا أحد ما هو؟. ولكن البرزخ ليس من الدنيا وليس من اﻵخرة ، وﻻهو وسط بينهما يتكون من مزيج منهما. ولذا يمكن القول بأنه منظقة محايدة تشكل مع ثنائي الدنيا واﻵخرة ثالوثا كل ركن من أركانه ﻻيماثل اﻵخر في شئ.ووظيفة هذا الركن الثالث الظاهرةهي الفصل بين نقيضين.وهو هنا حاجز بين الدنيا والآخرة، قال تعالى :" ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ".وإذا تعقبنا كل الثنائيات المتناقضة مثل النوروالظلام والتوحيد والشرك والخيروالشر والتقوى والفجور والعدل والظلم واﻷمانة والخيانة، والصدق والكذب...الخ، وجدنا بين كل منها برزخ يعد وجوده بمثابةشرط لوجودهما معا. بحيث أذا ما اختفي البرزخ اختفي واحد منهما أو اختقيا معا.ولكن مع اختفاء الثنائيات أو الثلاثيات يتولد عن اختفائها جديد ، مختلف عن هذا وذاك ، ولو أنه يحمل بعضا منهما . ومثال ذلكالذكر واﻷنثي ان اتحدا فإنهما ينجبان مولودا فيه بعض من الذكر وبعض من اﻷنثي ولكنه ليس طبق اﻷصل ﻷي منهما.
وفيمثال برزخ الموتي فإنه في اليوم اﻷخر تنتهي الحياة البرزخية بعد أ، انتهت الدنيا من قبل ،وﻻيعد هناك سوى العالم اﻷخر وحده.
وﻻيمنع البرزخ من أن يلتقي النقيضان ولكنه يحول دون أن يطغى أحدهما على اﻵخر فيفقده ما يميزه عنه وفي ذلك يقول تعالي: " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { 19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ { 20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . [الرحمن: 21].وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ... [الفرقان: 53].
وفي المثال اﻷخير سنجد أن البجرين يلتقيان وﻻيفترقان وواحد منهما ملح أجاج واﻵخر الذي هو النهر يصب فيه ماء عذب فرات ،وفي اللقاء بينهما يحيط مياه النهر المتدفقة نحو البحر برزخ يمنع اختلاطهما على نحو يفقد أي منهما خصائصه وما يتميز به فيظل ماء البحر مالحا وماء النهر عذبا.وماء النهر ﻻسبيل اليه سوى أعماق النهر وماء البحر في أمس الحاجة الي ماء النهر ﻷنه هو الذي سيقلل من ملوحته في النهاية ويؤمن بالتالي بيئة لﻷحياء البحرية لكي تستطيع مواصلة العيش سواء كانت نباتات أو أسماك وحيوانات بحرية.النقيضان هنا ﻻزمان لحياة الكائنات الحية في البحر وعلى اليابسة وﻻغني عن وحودهما معا.وهما يتدافعان تدافعا تسميه الماركسية صراع اﻻضداد وتعزي اليه حركة المادة في المجتمع وبالتالي لتطور الحياة اﻻجتماعية ولو أنها تركز على التناقض بين القوي المنتجة والعلاقات الإنتاجية ( علاقات الإنتاج) الذي يتجلي في المجتمع الطبقي في صورة تناقضات وصراعات طبقية .وماتقول به الماركسية ينطبق على كل الثنائيات التي تجمع بين متناقضين يتفاعلان معا عندما يلتقيان ولو كان بينهما في البدية برزخ حتي ﻻيبغيان وينتج عن تفاعلهما ثالث فيه من كل منهما ولكنه مغاير لهما وبذلك يتحقق التقدم. هذا الذى تسميه الماركسية صراعا يعبر عنه اﻹسلام بالتدافع والذي يمكن أن يكون عنيفا أحيانا إن تطلب اﻷمر ذلك ولكنه في الغالب يجنح الى السلم طالما كان السلم ميسرا ويعد له اﻷفضلية عما عداه.
وفي هذا التدافع يقول الله عز وجل:: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 ).ويقول أيضا: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41).ويمكن أن يكون التدافع سلميا حتي لو تم فيه التلويح بالعنف في مثل قوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )(لأنفال: من الآية60). فامتلاك مصادر القوى المادية هنا الهدف منه أثارة الرهبة في الطرف اﻵخر حتي ﻻيغريه الضعف بالعدوان . أي أنه بمثابة برزخ يحول دون البغي ويتيح فرص أفضل للتفاعل السلمي من أجل صالح الطرفين. وعندما يقول المولي : وأعدوا لهم ما استطعتم من فوة فإن تلك الفوة يمكن تحصيلها باقتصاد فوى وامتلاك العلم والمعرفة ، وهو ما يعرف بالقوة المعنوية والتي قد يكون لها مفعول قوي يجعل صاحباها مرهوب الجانب حتي ولو لم يكدس أسلحة مدمرة ويتبجح بها. فالباطل - كما يقول سيد قطب رحمه الله - "متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول ، ولا يكفي الحق أنه الحق ليوقف عدوان الباطل عليه ؛ بل لا بد من قوة تحميه وتدفع عنه ؛ وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان " . والحضارات في التاريخ كانت تتدافع أكثر منها تتصارع وعندما كان يتحول تدافها الي صراعات مسلحة كانت تلك الصراعات الدموية بداية ﻻنيهيار العديد منها لما تستهلكه من مواردها المادية والبشرية وما تلحقه بها من دمار.ومن أبرز خصائص الحضارات خاصية اﻻنتشار وهو ﻻيتحقق لها بغير التفاعل البناء مع محيطها الجغرافي.
والتدافع كما يقوم بين الخير والشر أو بين أمة وأمة تتعارض مصالحهما ، يمكن أيضا أن يحدث بين شعب والهيئة الحاكمة له عندما تتعارض مصالحهما معا. ولكن هذا التدافع اﻷخير ﻻ يمكن أن يحدث مالم يكن الشعب كتلة واحدة تختفي فيها الذات الفردية والتمحور حولها وتحل محلها الذات الجماعية . وممن ناقش ذلك أستاذ الفلسفة وعلم اﻻحتماع اﻷلماني : يورغن همبارس . والذي يرى أنه ﻻسبيل لتجاوز هذا التناقض بغير تطهير النفس من شوائبها ونرجسيتها ومختلف امراضها. عن طريق النقد الذاتي والحوار البناء الذي يؤسس لمعرفة صحيحة للنفس والعالم وباستعمال الكلمة الطيبة وليس التنابز باﻷلقاب أو برفع الشعارات وشرذمة المجتمع عوض توحيده حول مصالحه الحيوية. ويكون هدف الحوار ليس ما نمتلكه أنا وانت من حجج وبراهين بل ما نتفق عليه سويا .أي التوصل الى كلمة سواء تجمع وﻻتفرق وتحشد الجهود وﻻتشتتها أو تفتتها. فيكون ما يتم التوصل اليه بمثابة: جذر معرفي جديد،يكون "حقيقة مشتركه"تطبعها ما يسميه بالعقلانية التواصلية و تعتبر الطريق السوي للتوصل الي عقد اجتماعي جديد.
وللفيلسوف وعالم البولوجيا الفرنسي المعاصر أدغار موران إسهامات فكرية لها أهميتهاأيضا في محاولته إعادة قراءة الحضارة الغربية من منظور أنساني وعندما يدعو لدراسة الواقع دراسة علمية متحررة من أسر اﻷيديولوجيات وهوى النفس والمصالح الضيقة واﻷفرازات الناتجة عن السياقات التاريخية التي سارت فيها المجتمعات دون انتباه لفساد تلك اﻹفرازات وأنها سبب اﻷزمات والحروب والمصائب وتلوث البيئة التي تحيق بهاأو تعرضت لها.وبما في ذلك التقدم التقني المنفصم . من كل مرجعية أخلاقية دينية أو انسانية .
... . فهو يدعو الى ادراك ما هو ثقافي في الطبيعي لابراز نقاط الوصل بينها والافكار الناظمة لها جميعا وأن أنسنة الفكر تتطلب تأصيله وأعادته الى أصوله اﻹنسانية والتي سنجد منها لدينا منظومةفكرية مركبة تتكون من «فكر عقلاني تقني وعملي، وفكر سحري وأسطوري ورمزي»، في كل المجتمعات المتحضرة أو البدائية منها.أي أنها جمعت بين تناقضين إستطاعا العايش معا يتمثلان فيما هو عقﻻني وماهو أسطوري أو غيبي ومن الخطأ تفكيك هذه التركيبة.ومن آرائه:« الواقع البسيط يتطلّب فكرا بسيطا، وتعقّد الظواهر يتطلّب فكرا معقّدا. هناك اكتشافات علمية ترتكز بالتأكيد على افتراض الوحدة والبساطة. غير أنّه، كي نفهم الظواهر البيئية والبيولوجية وديناميات التاريخ، لا أمل لنا في العثور على قوانين بسيطة. فالتعقيد هو وحدة البسيط والمعقّد».ولذا فإن الواقع عنما يكون شديد التعقيد يتطلب حلولا شديدة التعقيد ، وتعقيد الحلول هنا ﻻيجب أن يكون مبعثا لليأس أو لقصور الجهد من أجل تغيير الواقع وأنما يجب أن يزيد الجهد والحزم للعمل من أجل التغيير والتوصل اليه.ولذا كان عنوان أحدى محاضرات موران هو : " التحوّل أو السقوط في الهاوية". فاذا كانت الحلول المتاحة شديدة التعقيد وهي بالتالي سيئة فإن البديل عنها هو مواجهة اﻷسوء.وتحدث في محاضرته تلك عام 2008 فقال: تأتي مخاطر الفوضى عندما تغذّي الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعضها البعض في دورات هدّامة.وهو يقصد هنا اﻷزمة المالية اﻷخيرة التي ضربت الوﻻيات المتحدة وامتدت آثارها الي أوروبا ومناطق كثيرة في العالم والتي يجب النظر اليها على أنها ليست أزمة مالية فقط وأنما أزمة مركبة معقدة تعبر عن واقع معقد يحتاج الي تغيير للتخلص من تلك الدورات الهدامة. ثم أضاف في خاتمة محاضرته: " في بعض الأحيان تبرز داخل الفترات الحالكة بذور الأمل. أن نتدرب على التفكير بهذه الطريقة، تلك هي روح منهج التعقيد.
فوزي منصور
وفيمثال برزخ الموتي فإنه في اليوم اﻷخر تنتهي الحياة البرزخية بعد أ، انتهت الدنيا من قبل ،وﻻيعد هناك سوى العالم اﻷخر وحده.
وﻻيمنع البرزخ من أن يلتقي النقيضان ولكنه يحول دون أن يطغى أحدهما على اﻵخر فيفقده ما يميزه عنه وفي ذلك يقول تعالي: " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { 19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ { 20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . [الرحمن: 21].وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ... [الفرقان: 53].
وفي المثال اﻷخير سنجد أن البجرين يلتقيان وﻻيفترقان وواحد منهما ملح أجاج واﻵخر الذي هو النهر يصب فيه ماء عذب فرات ،وفي اللقاء بينهما يحيط مياه النهر المتدفقة نحو البحر برزخ يمنع اختلاطهما على نحو يفقد أي منهما خصائصه وما يتميز به فيظل ماء البحر مالحا وماء النهر عذبا.وماء النهر ﻻسبيل اليه سوى أعماق النهر وماء البحر في أمس الحاجة الي ماء النهر ﻷنه هو الذي سيقلل من ملوحته في النهاية ويؤمن بالتالي بيئة لﻷحياء البحرية لكي تستطيع مواصلة العيش سواء كانت نباتات أو أسماك وحيوانات بحرية.النقيضان هنا ﻻزمان لحياة الكائنات الحية في البحر وعلى اليابسة وﻻغني عن وحودهما معا.وهما يتدافعان تدافعا تسميه الماركسية صراع اﻻضداد وتعزي اليه حركة المادة في المجتمع وبالتالي لتطور الحياة اﻻجتماعية ولو أنها تركز على التناقض بين القوي المنتجة والعلاقات الإنتاجية ( علاقات الإنتاج) الذي يتجلي في المجتمع الطبقي في صورة تناقضات وصراعات طبقية .وماتقول به الماركسية ينطبق على كل الثنائيات التي تجمع بين متناقضين يتفاعلان معا عندما يلتقيان ولو كان بينهما في البدية برزخ حتي ﻻيبغيان وينتج عن تفاعلهما ثالث فيه من كل منهما ولكنه مغاير لهما وبذلك يتحقق التقدم. هذا الذى تسميه الماركسية صراعا يعبر عنه اﻹسلام بالتدافع والذي يمكن أن يكون عنيفا أحيانا إن تطلب اﻷمر ذلك ولكنه في الغالب يجنح الى السلم طالما كان السلم ميسرا ويعد له اﻷفضلية عما عداه.
وفي هذا التدافع يقول الله عز وجل:: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 ).ويقول أيضا: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41).ويمكن أن يكون التدافع سلميا حتي لو تم فيه التلويح بالعنف في مثل قوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )(لأنفال: من الآية60). فامتلاك مصادر القوى المادية هنا الهدف منه أثارة الرهبة في الطرف اﻵخر حتي ﻻيغريه الضعف بالعدوان . أي أنه بمثابة برزخ يحول دون البغي ويتيح فرص أفضل للتفاعل السلمي من أجل صالح الطرفين. وعندما يقول المولي : وأعدوا لهم ما استطعتم من فوة فإن تلك الفوة يمكن تحصيلها باقتصاد فوى وامتلاك العلم والمعرفة ، وهو ما يعرف بالقوة المعنوية والتي قد يكون لها مفعول قوي يجعل صاحباها مرهوب الجانب حتي ولو لم يكدس أسلحة مدمرة ويتبجح بها. فالباطل - كما يقول سيد قطب رحمه الله - "متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول ، ولا يكفي الحق أنه الحق ليوقف عدوان الباطل عليه ؛ بل لا بد من قوة تحميه وتدفع عنه ؛ وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان " . والحضارات في التاريخ كانت تتدافع أكثر منها تتصارع وعندما كان يتحول تدافها الي صراعات مسلحة كانت تلك الصراعات الدموية بداية ﻻنيهيار العديد منها لما تستهلكه من مواردها المادية والبشرية وما تلحقه بها من دمار.ومن أبرز خصائص الحضارات خاصية اﻻنتشار وهو ﻻيتحقق لها بغير التفاعل البناء مع محيطها الجغرافي.
والتدافع كما يقوم بين الخير والشر أو بين أمة وأمة تتعارض مصالحهما ، يمكن أيضا أن يحدث بين شعب والهيئة الحاكمة له عندما تتعارض مصالحهما معا. ولكن هذا التدافع اﻷخير ﻻ يمكن أن يحدث مالم يكن الشعب كتلة واحدة تختفي فيها الذات الفردية والتمحور حولها وتحل محلها الذات الجماعية . وممن ناقش ذلك أستاذ الفلسفة وعلم اﻻحتماع اﻷلماني : يورغن همبارس . والذي يرى أنه ﻻسبيل لتجاوز هذا التناقض بغير تطهير النفس من شوائبها ونرجسيتها ومختلف امراضها. عن طريق النقد الذاتي والحوار البناء الذي يؤسس لمعرفة صحيحة للنفس والعالم وباستعمال الكلمة الطيبة وليس التنابز باﻷلقاب أو برفع الشعارات وشرذمة المجتمع عوض توحيده حول مصالحه الحيوية. ويكون هدف الحوار ليس ما نمتلكه أنا وانت من حجج وبراهين بل ما نتفق عليه سويا .أي التوصل الى كلمة سواء تجمع وﻻتفرق وتحشد الجهود وﻻتشتتها أو تفتتها. فيكون ما يتم التوصل اليه بمثابة: جذر معرفي جديد،يكون "حقيقة مشتركه"تطبعها ما يسميه بالعقلانية التواصلية و تعتبر الطريق السوي للتوصل الي عقد اجتماعي جديد.
وللفيلسوف وعالم البولوجيا الفرنسي المعاصر أدغار موران إسهامات فكرية لها أهميتهاأيضا في محاولته إعادة قراءة الحضارة الغربية من منظور أنساني وعندما يدعو لدراسة الواقع دراسة علمية متحررة من أسر اﻷيديولوجيات وهوى النفس والمصالح الضيقة واﻷفرازات الناتجة عن السياقات التاريخية التي سارت فيها المجتمعات دون انتباه لفساد تلك اﻹفرازات وأنها سبب اﻷزمات والحروب والمصائب وتلوث البيئة التي تحيق بهاأو تعرضت لها.وبما في ذلك التقدم التقني المنفصم . من كل مرجعية أخلاقية دينية أو انسانية .
... . فهو يدعو الى ادراك ما هو ثقافي في الطبيعي لابراز نقاط الوصل بينها والافكار الناظمة لها جميعا وأن أنسنة الفكر تتطلب تأصيله وأعادته الى أصوله اﻹنسانية والتي سنجد منها لدينا منظومةفكرية مركبة تتكون من «فكر عقلاني تقني وعملي، وفكر سحري وأسطوري ورمزي»، في كل المجتمعات المتحضرة أو البدائية منها.أي أنها جمعت بين تناقضين إستطاعا العايش معا يتمثلان فيما هو عقﻻني وماهو أسطوري أو غيبي ومن الخطأ تفكيك هذه التركيبة.ومن آرائه:« الواقع البسيط يتطلّب فكرا بسيطا، وتعقّد الظواهر يتطلّب فكرا معقّدا. هناك اكتشافات علمية ترتكز بالتأكيد على افتراض الوحدة والبساطة. غير أنّه، كي نفهم الظواهر البيئية والبيولوجية وديناميات التاريخ، لا أمل لنا في العثور على قوانين بسيطة. فالتعقيد هو وحدة البسيط والمعقّد».ولذا فإن الواقع عنما يكون شديد التعقيد يتطلب حلولا شديدة التعقيد ، وتعقيد الحلول هنا ﻻيجب أن يكون مبعثا لليأس أو لقصور الجهد من أجل تغيير الواقع وأنما يجب أن يزيد الجهد والحزم للعمل من أجل التغيير والتوصل اليه.ولذا كان عنوان أحدى محاضرات موران هو : " التحوّل أو السقوط في الهاوية". فاذا كانت الحلول المتاحة شديدة التعقيد وهي بالتالي سيئة فإن البديل عنها هو مواجهة اﻷسوء.وتحدث في محاضرته تلك عام 2008 فقال: تأتي مخاطر الفوضى عندما تغذّي الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعضها البعض في دورات هدّامة.وهو يقصد هنا اﻷزمة المالية اﻷخيرة التي ضربت الوﻻيات المتحدة وامتدت آثارها الي أوروبا ومناطق كثيرة في العالم والتي يجب النظر اليها على أنها ليست أزمة مالية فقط وأنما أزمة مركبة معقدة تعبر عن واقع معقد يحتاج الي تغيير للتخلص من تلك الدورات الهدامة. ثم أضاف في خاتمة محاضرته: " في بعض الأحيان تبرز داخل الفترات الحالكة بذور الأمل. أن نتدرب على التفكير بهذه الطريقة، تلك هي روح منهج التعقيد.
فوزي منصور
Monday, May 3, 2010
مقولة: اﻹسلام دين وسياسة..هل هي صحيحة؟
عبارة : اﻹسلام دين وسياسة ، مقولة أديولوجية روجتها خلال العقود اﻷخيرة بعض الجماعات الدينية المسلمة لتبرير اشتغالها بالسياسة .وقالت أخرى: اﻹسلام دين ودولة . وﻷنه ﻻ يوجد نموذج لهذه الدولة في التاريخ فقد تبنت بعضها ما أسمته : إحياء دولة الخلافة الراشدة ومنها من قال باتباع المنهج النبوي استنادا الى حكم النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة والخلفاءالراشدين اﻷربعة أيضا.
سأحاول هنا مناقشة تلك المقوﻻت .
أوﻻمقولةاﻹسلام دين وسياسة أو دين ودولة:
وهي مقولة تخرج الدين من وحدانيته واكتماله بذاته ألى ثنائية ليست منه أو فيه. والمقولة أيضا تقسم اﻷسلام الي ماهو دين وما هو سياسة. بينما نجد الله سبحانةوتعالى يقول في كتابه الكريم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم دينكم ورضيت لكم اﻹسلام دينا. فاﻹسلام في هذه اﻵية له دﻻلة واحدةوهي الدين وﻻيحتمل معها أية دﻻلة أخرى تدل عليه.
فماهو الدين؟وما هو السياسة وما الفرق بينهما.؟
.الدين هو منهاج حياة يشتمل على أحكام وقيم ومبادىء لكي يهتدي بها الناس في عبادتهم لله ، هذه العبادة التي خلق الله اﻹنس والجن لها. وعبادة اﻹنس في هذا المنهج تشتمل على كل حركاتهم وسكناتهم قى الحياة الدنيا. فسعي المسلم للبحث عن الرزق عباده ، وعونه للمحتاجين عبادة ، وتربيته أوﻻده تربية حسنة عباده ، وأمره بالمعروف ونهية عن المنكر عبادة ، ومعاشرته زوجه بالحسني وبالمودة والرحمة عبادة ، وإزالته حجر عن الطريق حتي ﻻيعثر به أنسان أو دابة عبادة. وتأمله في خلق الله ودكره له قائما وقاعدا وساجدا عبادة..الخ وهذه العبادات كلها ﻻيمكن حصرها ولكن ما يميزها أنها تختلف في الكم والكيف من إنسان وآخر حسب طاقته حيث ﻻيكلف الله نفسا اﻹ وسعها واﻻنسان المسلم له مطلق الحرية فيها مالم يتعد حدود الله الواردة في كتابه وسنة رسوله الشارحة للكتاب الكريم أو المقصلة لما أجمل فيه بإرشاد الوحي حيث الرسول ﻻ ينطق عن الهوى وأنما هو وحي يوحي. وهناك عبادات مفروضه عرفت بأركان اﻹسلام مثل الصلاة خمس مرات في اليوم وإيتاء الزكاة المحددة قيمتها ومصارفها ،وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا.ومن زاد في هذه العبادات المفروضة تطوعا فهو خير له.
وأحكام الدين تضع ضوابط لكل تصرفات الناس تلك والتي اعتبرت ضمن عباداتهم ، سواء كانت تصرفات متعلقة باجتماعهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم ، أي ما يمكن اعتباره يتعلق بعلم اﻻجتماع وعلم السياسة وعلم اﻻقتصاد.فما وافق تلك الضوابط كان من ضمن العبادات وما خالفها أو تعداها الي غيرها صار خارج نطاق العبادة ومن الذنوب واﻵثام . ويوم القيامه يحاسب اﻹنسان وفق ذلك فمن ثقلت موازينه مما آتاه في دنياه من عبادات هي من أعمال الخير واﻹحسان فهو في جنة عالية ومن خقت موازينه من كثرة آثامه وقلة عباداته فأمه هاوية، نار حامية ، يلقي فيها جزاء ماقدمت يداه من سوء.
فيما يتعلق بالسياسة نجد في كتاب الله ثلاثة ضوابط أساسية هي : الشوري والعدل واﻹحسان. وهناك أمور مرتبطة بها مثل عدم مواﻻة أعداء الله واحترام العهود والمعاهدات وعدم النكث بها وما الي ذلك. أما كيف تمارس تلك السياسة وفق تلك الضوابط اﻹلهية الحاكمة لها فذلك يرتبط بالزمان والمكان وظروفهما وإكراهاتهماوﻻيتدخل الدين فيها. فالسياسةتتفق مع متطلبات الدين إن احترمت تلك الضوابط التي هي في حد ذاتها حدود الله ومخالفة للدين إن تعدت حدود الله.وضوابط السياسة شأن الضوابط اﻻجتماعية واﻻقتصادية الواردة في كتاب الله ، وﻻ تتميز عنها في شىء.ويمكن القول فيها بأنها من أمور الدنيا وضوابطها من أمور الدين.
فساد مقولة : اﻹسلام دين وسياسة هو في تداعاتها الضارة بالدين وبالسياسة معا.ضارة بالدين ﻷنه رسخ في وعي الكثيرين ممن يقولون بها بأن الدين يقتصر على العبادات المفروضة وما أحله وما حرمه فقط وأن مازاد عن ذلك يدخل في عداد مكارم الأخلاق ،وبالتالي تجاهلوا باقي العبادات والتي هي من جوهر الدين ، وراح أعداء الدين ومن يريدون ابقاء أمة المسلمين في تخلفها يكرسون هدا المنحي الخاطئ.ووجدوا في تراث المسلمين ما يعزز مثل هذا المعني مثل القول بأنه ﻻ يجوز الخروج على الحاكم ما ترك المسلمين يمارسون شعائر دينهم بحرية ، أي يصلون في المساجد والمنازل ويصومون الشهر ويحجون الي بيت الله من استطاع اليه سبيلا.وخاصة أن القائلين بذلك يتخذهم السلفيون أئمة لهم ، ويحيطون أقوالهم بقدر من القداسة دون اﻷخذ في اﻻعتبار الظروف التاريخية التي اضطرتهم الي القول بذلك اتقاء الفتن في المجتمع المسلم الذي كان يتربص به أعداء خارجيون له ولدينه.
الضرر الثاني هو حصر تفكير المسلمين السياسي في حكم النبي والخلفاء الراشدين دون اﻷخذ في الاعتبار أيضا الظروف التاريخية لهذا الحكم واختلاف الزمان ، وإذا كان النبي والخلفاء الراشدون قد حرصوا على العدل واﻹحسان فإن تطبيق الشوري تم في أضيق الحدود والتي لم تكن تسمح الظروف بأكثر منها. وهو ما دعا فقهاء الي القول بأن الشورى تنحصر في أهل الحل والعقد ، وكان أن قامت بعض اﻷنظمة العلمانية حتي النخاع والتي ﻻ تقيم ﻷحكام الدين وأوامره ونواهيه وزنا تؤلف مجالس وتطلق عليها اسم : مجلس الشورى تجمع فيه من تعتبرهم من أهل الحل والعقد من أتباعهاوالطائعين لها أكثر من طاعتهم لخالقهم.
هل يجوز القياس على حكم النبي وحكم الخلقاء الراشدين؟..
إذا أخذنا في اﻻعتبار الظروف التاريخية لهذا الحكم لو جدنا أنه حكم صاعته الظروف التي أحاطت به ولم تسمح له بأن يكون نظاما سياسيا يتم من خلاله أدارة شؤون الدولة المترامية اﻷطراف في زمن لم تكن فيه وسائل مواصلات واتصاﻻت سوى قوافل التجارة أو الحج.
بدايةبحكم النبي ، فصفة النبوة ﻻيمكن الفصل بينها وبين ذلك الحكم ، ومن أراده فليأت بحاكم نبي ينزل عليه الوحي ليرشده إذا واجه أزمة أو مأزق ﻻيجد منهما مخرجا، وهذا مستحيل ﻷن نبينا هو آخر اﻷنبياء والرسل. ورغم نبوته ونزول الوحي عليه فإن الله قال له: وشاورهم في اﻷمر. واﻷمر هنا هو ما يتعلق بالسياسة وليس بأحكام الدين التي ينفرد بتقريرها الله سبحانه وتعالى وﻻيشرك فيها أحدا من خلقه.المشورة هنا في أمور الناس أو الدنيا الخاضعة للضوابط واﻷحكام الواردة في كتاب الله.واﻷمر فيها للناس ﻷنهم اﻷدرى بمصالحهم.
وهنا أيضا علينا أن نأخد في اﻻعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل هو وأنصاره منذ هاجر للمدينة بالغزوات لنشر الدين في شبه الجزيرة العربية ابتداء من غزوة بدر وانتهاء بغزوات الفتح وحنين ومؤته وأنه بعد انتهاء تلك الغزوات بشهور انتقل الى الرفيق اﻷعلى وكان وقتها يجهز عزوة بقيادة أسامة بن زيد وافته المنية قبل أنفادها فأنفذها من بعده أبوبكر وكانت بداية المعرك مع الروم والفرس التي تمت في عهد عمر.لم يكن حكم النبي في المدينة يختلف عن حكم شيخ القبيلة الذي يتم الرجوع اليه في كل أمر ، ولم تكن الظروف تسمح بأكثر من ذلك ، وبالتالي ﻻيمكن أدارة دولة حديثة في زماننا به. والتي يكفي فيها لكي تتطابق سياستها مع اﻹسلام أن يتحقق فيها الشورىأي ﻻينفرد بتدبير أمورها فرد أو جماعة من الناس دونا عن باقي المسلمين وأن يعبر هذا الحكم عن العدل واﻻحسان وﻻيحل محرما أو يحرم ماأحله الله لعباده ، وأﻻ يكون المال فيها دولة في يد قلة بينما تعاني الكثرة من الحرمان. وكلها ضوابط ورد ذكرها في كتاب الله.أي أن المطلوب هو تديين السياسة بحيث تتفق مع الضوابط الدينية.
بالنسبة للخلقاء الراشدين سنجد أن الخليفة اﻷول انشغل طوال حكمة بحرب الردة وماإن انتهت قتل.والثاني انشغل طوال حكمه بالفتوحات وماإن تحقق النصر فيها حتي قتل. والثالث والذي يحكد له جمعه القرآن في المصحف المتداول بيننا حاليا تفرغ للعبادة وقراءة القرآن وترك الحكم وخاتمه ﻷحد أقاربه من بني أمية فأفسد فيه مما تسبب في مقتل الخليفة .والرابع ما إن بويع حتي واجه فتنة كبرى وكانت واقعة الجمل ثم صفين ثم الخوارج وبعدها قتل ومازالت الفتنة لم ينقشع غبارها.لم يكن أي منهم بقادر على وضع نظام حكم سياسي وﻻترك تراث أو مقررات سياسية نظرية أو عملية حتي يتخذ حكمة قدوة ولم تتعرض الدولة لتنظيم أو يعتبر أن للمسلمين دولة إﻻ على يد خلفاء بني أميةوبني العباس الذين استفادوا من تراث فارس والروم السياسي.
هذه الحقائق التاريخية يتجاهلها القائلون بإحياء الخلاقة الراشدة وبأن اﻹسلام دين وسياسة وفي زمن صارت السياسة علما ﻻأدني علاقة له بالفقه مثل علوم البيولوجيا والفلك واﻻجتماع والنفس والتربية والكيمياء والفيزياء وغيرها . وكل ماهو مطلوب في ما يأخذه المسلمون منها أن تكون منضبطة ﻷحكام وضوابط وحدود القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وﻻتحل ما حرمه الله وﻻتقضي بما يتعارض مع ما حكم به الله ورسوله وما أتانا به رسول الله من لدن ربه.وما لم يتعارض فيها مع تلك اﻷحكام يعد متمتع بالمشروعية الدينية الكاملة.
فوزي منصور
سأحاول هنا مناقشة تلك المقوﻻت .
أوﻻمقولةاﻹسلام دين وسياسة أو دين ودولة:
وهي مقولة تخرج الدين من وحدانيته واكتماله بذاته ألى ثنائية ليست منه أو فيه. والمقولة أيضا تقسم اﻷسلام الي ماهو دين وما هو سياسة. بينما نجد الله سبحانةوتعالى يقول في كتابه الكريم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم دينكم ورضيت لكم اﻹسلام دينا. فاﻹسلام في هذه اﻵية له دﻻلة واحدةوهي الدين وﻻيحتمل معها أية دﻻلة أخرى تدل عليه.
فماهو الدين؟وما هو السياسة وما الفرق بينهما.؟
.الدين هو منهاج حياة يشتمل على أحكام وقيم ومبادىء لكي يهتدي بها الناس في عبادتهم لله ، هذه العبادة التي خلق الله اﻹنس والجن لها. وعبادة اﻹنس في هذا المنهج تشتمل على كل حركاتهم وسكناتهم قى الحياة الدنيا. فسعي المسلم للبحث عن الرزق عباده ، وعونه للمحتاجين عبادة ، وتربيته أوﻻده تربية حسنة عباده ، وأمره بالمعروف ونهية عن المنكر عبادة ، ومعاشرته زوجه بالحسني وبالمودة والرحمة عبادة ، وإزالته حجر عن الطريق حتي ﻻيعثر به أنسان أو دابة عبادة. وتأمله في خلق الله ودكره له قائما وقاعدا وساجدا عبادة..الخ وهذه العبادات كلها ﻻيمكن حصرها ولكن ما يميزها أنها تختلف في الكم والكيف من إنسان وآخر حسب طاقته حيث ﻻيكلف الله نفسا اﻹ وسعها واﻻنسان المسلم له مطلق الحرية فيها مالم يتعد حدود الله الواردة في كتابه وسنة رسوله الشارحة للكتاب الكريم أو المقصلة لما أجمل فيه بإرشاد الوحي حيث الرسول ﻻ ينطق عن الهوى وأنما هو وحي يوحي. وهناك عبادات مفروضه عرفت بأركان اﻹسلام مثل الصلاة خمس مرات في اليوم وإيتاء الزكاة المحددة قيمتها ومصارفها ،وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا.ومن زاد في هذه العبادات المفروضة تطوعا فهو خير له.
وأحكام الدين تضع ضوابط لكل تصرفات الناس تلك والتي اعتبرت ضمن عباداتهم ، سواء كانت تصرفات متعلقة باجتماعهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم ، أي ما يمكن اعتباره يتعلق بعلم اﻻجتماع وعلم السياسة وعلم اﻻقتصاد.فما وافق تلك الضوابط كان من ضمن العبادات وما خالفها أو تعداها الي غيرها صار خارج نطاق العبادة ومن الذنوب واﻵثام . ويوم القيامه يحاسب اﻹنسان وفق ذلك فمن ثقلت موازينه مما آتاه في دنياه من عبادات هي من أعمال الخير واﻹحسان فهو في جنة عالية ومن خقت موازينه من كثرة آثامه وقلة عباداته فأمه هاوية، نار حامية ، يلقي فيها جزاء ماقدمت يداه من سوء.
فيما يتعلق بالسياسة نجد في كتاب الله ثلاثة ضوابط أساسية هي : الشوري والعدل واﻹحسان. وهناك أمور مرتبطة بها مثل عدم مواﻻة أعداء الله واحترام العهود والمعاهدات وعدم النكث بها وما الي ذلك. أما كيف تمارس تلك السياسة وفق تلك الضوابط اﻹلهية الحاكمة لها فذلك يرتبط بالزمان والمكان وظروفهما وإكراهاتهماوﻻيتدخل الدين فيها. فالسياسةتتفق مع متطلبات الدين إن احترمت تلك الضوابط التي هي في حد ذاتها حدود الله ومخالفة للدين إن تعدت حدود الله.وضوابط السياسة شأن الضوابط اﻻجتماعية واﻻقتصادية الواردة في كتاب الله ، وﻻ تتميز عنها في شىء.ويمكن القول فيها بأنها من أمور الدنيا وضوابطها من أمور الدين.
فساد مقولة : اﻹسلام دين وسياسة هو في تداعاتها الضارة بالدين وبالسياسة معا.ضارة بالدين ﻷنه رسخ في وعي الكثيرين ممن يقولون بها بأن الدين يقتصر على العبادات المفروضة وما أحله وما حرمه فقط وأن مازاد عن ذلك يدخل في عداد مكارم الأخلاق ،وبالتالي تجاهلوا باقي العبادات والتي هي من جوهر الدين ، وراح أعداء الدين ومن يريدون ابقاء أمة المسلمين في تخلفها يكرسون هدا المنحي الخاطئ.ووجدوا في تراث المسلمين ما يعزز مثل هذا المعني مثل القول بأنه ﻻ يجوز الخروج على الحاكم ما ترك المسلمين يمارسون شعائر دينهم بحرية ، أي يصلون في المساجد والمنازل ويصومون الشهر ويحجون الي بيت الله من استطاع اليه سبيلا.وخاصة أن القائلين بذلك يتخذهم السلفيون أئمة لهم ، ويحيطون أقوالهم بقدر من القداسة دون اﻷخذ في اﻻعتبار الظروف التاريخية التي اضطرتهم الي القول بذلك اتقاء الفتن في المجتمع المسلم الذي كان يتربص به أعداء خارجيون له ولدينه.
الضرر الثاني هو حصر تفكير المسلمين السياسي في حكم النبي والخلفاء الراشدين دون اﻷخذ في الاعتبار أيضا الظروف التاريخية لهذا الحكم واختلاف الزمان ، وإذا كان النبي والخلفاء الراشدون قد حرصوا على العدل واﻹحسان فإن تطبيق الشوري تم في أضيق الحدود والتي لم تكن تسمح الظروف بأكثر منها. وهو ما دعا فقهاء الي القول بأن الشورى تنحصر في أهل الحل والعقد ، وكان أن قامت بعض اﻷنظمة العلمانية حتي النخاع والتي ﻻ تقيم ﻷحكام الدين وأوامره ونواهيه وزنا تؤلف مجالس وتطلق عليها اسم : مجلس الشورى تجمع فيه من تعتبرهم من أهل الحل والعقد من أتباعهاوالطائعين لها أكثر من طاعتهم لخالقهم.
هل يجوز القياس على حكم النبي وحكم الخلقاء الراشدين؟..
إذا أخذنا في اﻻعتبار الظروف التاريخية لهذا الحكم لو جدنا أنه حكم صاعته الظروف التي أحاطت به ولم تسمح له بأن يكون نظاما سياسيا يتم من خلاله أدارة شؤون الدولة المترامية اﻷطراف في زمن لم تكن فيه وسائل مواصلات واتصاﻻت سوى قوافل التجارة أو الحج.
بدايةبحكم النبي ، فصفة النبوة ﻻيمكن الفصل بينها وبين ذلك الحكم ، ومن أراده فليأت بحاكم نبي ينزل عليه الوحي ليرشده إذا واجه أزمة أو مأزق ﻻيجد منهما مخرجا، وهذا مستحيل ﻷن نبينا هو آخر اﻷنبياء والرسل. ورغم نبوته ونزول الوحي عليه فإن الله قال له: وشاورهم في اﻷمر. واﻷمر هنا هو ما يتعلق بالسياسة وليس بأحكام الدين التي ينفرد بتقريرها الله سبحانه وتعالى وﻻيشرك فيها أحدا من خلقه.المشورة هنا في أمور الناس أو الدنيا الخاضعة للضوابط واﻷحكام الواردة في كتاب الله.واﻷمر فيها للناس ﻷنهم اﻷدرى بمصالحهم.
وهنا أيضا علينا أن نأخد في اﻻعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل هو وأنصاره منذ هاجر للمدينة بالغزوات لنشر الدين في شبه الجزيرة العربية ابتداء من غزوة بدر وانتهاء بغزوات الفتح وحنين ومؤته وأنه بعد انتهاء تلك الغزوات بشهور انتقل الى الرفيق اﻷعلى وكان وقتها يجهز عزوة بقيادة أسامة بن زيد وافته المنية قبل أنفادها فأنفذها من بعده أبوبكر وكانت بداية المعرك مع الروم والفرس التي تمت في عهد عمر.لم يكن حكم النبي في المدينة يختلف عن حكم شيخ القبيلة الذي يتم الرجوع اليه في كل أمر ، ولم تكن الظروف تسمح بأكثر من ذلك ، وبالتالي ﻻيمكن أدارة دولة حديثة في زماننا به. والتي يكفي فيها لكي تتطابق سياستها مع اﻹسلام أن يتحقق فيها الشورىأي ﻻينفرد بتدبير أمورها فرد أو جماعة من الناس دونا عن باقي المسلمين وأن يعبر هذا الحكم عن العدل واﻻحسان وﻻيحل محرما أو يحرم ماأحله الله لعباده ، وأﻻ يكون المال فيها دولة في يد قلة بينما تعاني الكثرة من الحرمان. وكلها ضوابط ورد ذكرها في كتاب الله.أي أن المطلوب هو تديين السياسة بحيث تتفق مع الضوابط الدينية.
بالنسبة للخلقاء الراشدين سنجد أن الخليفة اﻷول انشغل طوال حكمة بحرب الردة وماإن انتهت قتل.والثاني انشغل طوال حكمه بالفتوحات وماإن تحقق النصر فيها حتي قتل. والثالث والذي يحكد له جمعه القرآن في المصحف المتداول بيننا حاليا تفرغ للعبادة وقراءة القرآن وترك الحكم وخاتمه ﻷحد أقاربه من بني أمية فأفسد فيه مما تسبب في مقتل الخليفة .والرابع ما إن بويع حتي واجه فتنة كبرى وكانت واقعة الجمل ثم صفين ثم الخوارج وبعدها قتل ومازالت الفتنة لم ينقشع غبارها.لم يكن أي منهم بقادر على وضع نظام حكم سياسي وﻻترك تراث أو مقررات سياسية نظرية أو عملية حتي يتخذ حكمة قدوة ولم تتعرض الدولة لتنظيم أو يعتبر أن للمسلمين دولة إﻻ على يد خلفاء بني أميةوبني العباس الذين استفادوا من تراث فارس والروم السياسي.
هذه الحقائق التاريخية يتجاهلها القائلون بإحياء الخلاقة الراشدة وبأن اﻹسلام دين وسياسة وفي زمن صارت السياسة علما ﻻأدني علاقة له بالفقه مثل علوم البيولوجيا والفلك واﻻجتماع والنفس والتربية والكيمياء والفيزياء وغيرها . وكل ماهو مطلوب في ما يأخذه المسلمون منها أن تكون منضبطة ﻷحكام وضوابط وحدود القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وﻻتحل ما حرمه الله وﻻتقضي بما يتعارض مع ما حكم به الله ورسوله وما أتانا به رسول الله من لدن ربه.وما لم يتعارض فيها مع تلك اﻷحكام يعد متمتع بالمشروعية الدينية الكاملة.
فوزي منصور
Wednesday, December 16, 2009
الديموقراطية التشاركية أو التشاورية كبديل عن الديموقراطية البرلمانية الحالية
الديموقراطية التشاركية أو التشاورية كبديل عن الديموقراطية البرلمانية الحالية
الديمقراطية شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ علَى التعددية و التداول السلمي للسلطة بين من حازوا ثقة أكثرية الشعب في انتخابات عامة نزيهة مع احترام حقوق الانسان والمواطنة واتخاذ قرارات في كافة المجالات تتماشي مع رغبات ومصالح اغلبية السكان.وهي أيضا نظام سياسي واجتماعي مميز يحيل إلى محتمع تسوده ثقافةٍ سياسيّة و أخلاقية و قانونية مطبقه في واقع حال المجتمع الموصوف بالديموقراطي.
ويحدد غالبية السكان رغباتهم أو يفصحون عنها عن طريق انتخابهم الحزب السياسي اذي تضمنت برامجه تلك الرغبات أو عن طريق الاستفتاءات أو استتطلاعات الرأي وتلتزم الحكومة بنتائج تلك الإجراءات.
ولكن هل تحسن الأغلبية دائما التعبير عن مصالحها؟.. كثيرا ما تكون الأغلبية غير واعية بمصالحها الحقيقية وقد تتبع في تصور مصالحها زعيم له جاذبية أو كاريزمية خاصة تشكل سلطة رمزية عليهم ويكون تصوره لتلك المصالح خاطئا أو تستخدم الأحزاب في التأثير عليها شخصيات اجتماعية مثل الزعامات السياسية أو الدينية أومشاهير الفنانين والرياضيين ممن يتمتعون بكاريزمية خاصة تجعل تأثيرهم على الجمهور المنبهر بهم كبيرا ، وهي شخصيات ليست بالضروة واعية تمام الوعي باهتمامات الناس وبمصالح الجمهور ومصالح البلد الاستراتيجية.و لا يتم الاستعانة في العادة بمثقفين أو بمفكرين أوبعلماء متخصصين يعدون أكثر دراية بتلك المصالح في توجيه الجمهور .
ويتميز العصر الحالي الذي برزت فيه الثورة الأليكترونية والمعلوماتية بالتغير السريع للتقنية العلمية ومسايرة ايقاع العصر السريع والمختلف عن السابق يحتاج أيضا لنظام يكفل القدرة على سرعة اتخاذ القرارات السريعة التي تمس المواطنين في الحاضر وتؤثر أيضا على مصالح الأجيال القادمة. وهو ما لاتحققة بكفاءة حاليا النظم الديموقراطية الحالية في العالم والتي أفرزها عصر الثورة الصناعية بينما يتطلب زمن الثورة المعلوماتية ديموقراطية جديدة متوائمة معه.و قد حان الوقت للبحث عن ممارسات جديدة لتعالج ما يعتري الديمقراطية التمثيلية الحالية من قصور واستبدالها هي بذاتها بديموقراطية يكون فيها أمر الناس شورى بينهم. ولم أتعرض هنا لممارسات النظم الاستبدادية التي لا تعبأ بالرأي العام فيها والتي تتولي قمعه بشراسة في الغالب إن اعترض على سياساتها الضارة بمصالح أغلبية الشعب والمستفزة له في أن واحد ولا تهتم بغير الأوليغارشيا المسيطرة على الاقتصاد والحكم والمسخرة لهما في خدمتها.
لم ينصرف الناخبون عن العمل السياسي في الدول المتخلفة التي أقامت ديموقراطية شكلية أو مظهرية يتم فيها تزوير سجلات ولوائح الناخبين ونتائج الاقتراع بشتي السبل منها الوسائل الاليكترونية أو المعلوماتية الحديثة ،وممارسة ضغوط من الأجهزة الأمنية والنخب الحاكمة أو المسيطرة للآبقاء على احتكارها السلطة والثروة في يدها فقد وفقدت بذلك الديموقراطية البرلمانية مصداقيتها وإنما امتد فقدان الثقة في النظام البر لماني لمواطني الدول الممتقدمة الديموقراطية التي ظهرت فيها تلك الأنطمة مع الثورة الصناعية لأسباب عديدة على إثر الدخول الى عصر المعلوميات لأسباب عديدة منها التعددية الحزبية التي كانت تقوم عليها والتي كان فيها لكل حزب هويته بعد إن فقدت تلك الأحزاب الهوية التي كانت لديها وصار من العسير التفرقة بينها وتنامي الشعور لدي المواطنين بأن تلك الديموقراطية البرلمانية صارت عاجزة عن التعبير عن مصالحها الحقيقية والقدرة على ابتكار حلول لمشاكلها اليومية التي تواجهها في حياتها.
في كتابه "الموجة الثالثة"، يقول آلفين توفلر أن الحكومة القائمة على التمثيل و الإنتخاب، و التي ولدت من الأحلام التحرّريّة لثوار الموجة الثانية(يقصد عصر الصناعة)، كانت تقدّماً مدهشاً بالنسبة لنظم السلطة الأسبق، كانت نصراً تكنولوجيّاً أكثر إثارة من الآلة البخاريّة أو الطائرة . لقد أتاحت هذه الحكومة تتابعاً منظّماً، يختلف كثيراً عن حكم السلالة الوراثي، و فتحت قنوات الإتّصال في المجتمع بين القاعدة و القمّة، ووفّرت طقساً يتيح التعامل مع الخلافات بين الجماعات و الفئات المختلفة على أساس سلمي
و بفضل تمسّك هذه الحكومة، القائمة على التمثيل الإنتخابي، بمبدأ حكم الأغلبيّة، و بحقّ كلّ إنسان في إعطاء صوته، ساعدت بعض الفقراء و الضعفاء، في إستدرار بعض المنافع من إخصائيي السلطة الذين يديرون آلة التكامل في المجتمع . فظهرت الحكومة بمظهر الثورة الإنسانيّة
و مع ذلك، و منذ البداية الأولى، عجزت الحكومة دائماً عن الوفاء بالتزاماتها . لم تستطع، في أيّ مكان، أن تغيّر البناء التحتيّ للسلطة في الدول الصناعيّة ... بناء الصفوة و الصفوة العليا . و هكذا، تحوّل الإنتخاب، بصرف النظر عمّن يكسب فيه، إلى أداة ثقـافيّة قويّة في يد الصفوة.و على مرّ السنين تبدّدت الأحلام الورديّة للديموقراطية النيابية ومع إندفاع ثورة المعلومات، و تطوّر تكنولوجيّاتها، فقدت هذه الديموقراطيّة مصداقيّتها، في جميع الدول التي تأخذ بها . و الشواهد على ذلك لا تحتاج إلى حصر، أو تقديملقد كانت هذه الديموقراطيّة مناسبة منذ قرنين، عندما كانت المشاركة المباشرة للناس غير ممكنة أومجديّة . أمّا الآن فقد تغيّر الوضع .
فقدت النظم القديمة في الاقتصاد والممارسة السياسية و التعليم و الإدارة و الإعلام مصداقيتها، لتناقضها مع الواقع الجديد الذي أحدثه التحوّل من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات . و في جميع المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بدأ البحـث عن النظم الجديدة التي ستحل محلّ النظـم القديمة.ولهذا تطلع العديد من المفكرين الي ديموقراطية بديلة يمكنها أن تتمتع بمصداقية لدى كافة المواطنين ويشعرون بأنها تعبر عن مصالحهم .
وهذه الديموقراطية الجديدة التي يتم التطلع اليها والسعي بالفعل من بعض الدول المتقدمة لتحقيقها أطلق عليها اسم : الديموقراطية التشاركية أو التحاورية.
وهي نظام مجتمعي يشارك فيه كل فرد في اتخاذ القرارات التي تمسّ حياته، فلا ينيب أو يوكّل من يقوم نيابة عنه بذلك .. ديموقراطية لامركزية ترتبط ارتباطا وثيقا بإعطاء أهمية مضاعفة للحكم المحلّي، و تستفيد من التكنولوجيات المعلوماتية في التصويت و تبادل الآراء و الأفكار.
.. يقول الكاتب المستقبلي جون ناسبيت: أنّنا بصدد أوضاع جديدة، بعد مقدم ثورة الإتّصالات، و ما صاحبها من إرتفاع المستوى المعرفي للناخبين، ومع قدرتنا الحاليّة على معرفة الكثير عمّا يجري، بما لا يقل عمّا يعرفه ممثّلونا في البرلمان، و معرفتنا به بنفس السرعة.
قلنا أن الأحزاب كانت حجر الأساس في العمليّة الديموقراطيّة، و خط التجميع الرئيسي في مصنع التمثيل النيابي . و كانت تمثّل الخطوط العريضة لمصالح و لتوجّهات المواطنين، التي كانت تستقطب في اليمين و اليسار و أحيانا الوسط . و بشكل عام، كان الفرد ينتسب إلى هذه الأحزاب وفقا لهذا التقسيم.
الذي حدث خلال نصف القرن السابق، أن كلّ حزب من هذه الأحزاب قد لحق به ما لحق بكلّ شيئ قي حياتنا ، نتيجة الدخول المتصاعد لثورة المعلومات، التنوّع و التمايز و الإختلاف .ففقدت الأحزاب هويتها التي كانت تميز هدا الحزب عن ذاك و فقدت بعدها مصداقيّتها بالنسبة للناخبين، و تحوّلت الإنتخابات البرلمانيّة إلى حرب عصابات.
و الحقيقة أن إهتمام المواطن بالسياسيّين يقل يوما بعد يوم، و هذا هو السرّ في إنخفاض الإهتمام بالإنتخابات القوميّة السياسيّة
ويشير الى دلك المفكر الأمريكي : ناسبيت قائلا، أن إشتراك الشعب في الإنتخابات القوميّة يتناقص مرّة بعد مرّة . و رقم99% الشهير لا نراه سوى في الدول الشموليّة .. لقد إعتاد المحلّلون السياسيّون أن يربطوا بين ضعف الإقبال على الإنتخابات و بين اللامبالاة و الجهل . إلاّ أن هذا التحليل يفقد قوّته، عنما نرى أن الناخبين قد أصبحوا أفضل تعليماً، و أغزر معرفة، و أكثر تحديداً لموقفهم . لهذا، بدأ المحلّلون يفهمون أخيراً أن الناخبين يتخذون قراراً واعيا بعدم المشاركة في الانتخاباتً
يقول الناس أنهم لا يحملون ثقة كبيرة، لا في التنظيمات السياسيّة و لا في يشغلونها . و هم بموقفهم هذا، يعبّرون عن إيماتهم بأن السياسيّين: إمّا لا يستطيعون القيام بما يطلبه الناخبون، أو لا يريدون فعل ذلك.
ويستطرد ناسيت قائلا:.إنتزعنا جوهر القوّة السياسيّة من أيدي ممثّلينا المنتخبين، لكي نعيد إستثمارها في مجالين أساسيّين:
الأول هو الإقتراع السرّي المباشر، بالنسبة لحق إقتراح و تعديل القوانين، و بالنسبة للإسستفتاء على العمليّات المعيّنة، و الثاني هو النشاط السياسي الشعبي . و في كلّ من الحالتين، يكون المواطنون و ليس السياسيّون، هم الذين يقرّرون ما يفعلونه، و يمارسونه.
وقد اختلفت وتعددت التصورات حول أشكالها وآلياتها.ولو أنه يلاحظ أنها جميعها تم استنباطها من النظم المعلوماتية حيث تقوم شبكات صغرى بتزويد شبكات أكبر منها بالمعلومات دون وجود نظام هرمي مركزي يتحكم في تلك الشبكات الصغرى ويسود أيضا في انسياب المعلومات نطام التغذية والتغذية المرتدة. وبذلك تكون ديموقراطية المشاركة، بديل عصر المعلومات لديموقراطية التمثيل النيابي التي أفرزها عصر الثورة الصناعية ، حين تكفّلت الدولة بجميع المهام التي كانت تقوم بها الأسرة الزراعية، من تعليم و علاج و رعاية للكبار .. و أيضا بعد أن اعتمد عصر الصناعة على الإنتاج الكثيف واسع النطاق و قيام السوق للربط بين عالمي الانتاج والاستهلاك .وقد أحدثت الديموقراطية وقتها شرخا في جدار السلطة، دخلت منه أعدادا كبيرة من الطبقة المتوسّطة إلى عملية اتخاذ القرار لأوّل مرّة . وكان ذلك وقتها بمثابة ثورة في الفكر والممارسة السياسية.
يقول الأستاذ راجي عنايت :نتيجة لثورة المعلومات، و تطور تكنولوجيات المعلومات، تنوّع البشر، نتيجة لتنوّع ما أقبلوا عليه من ذلك التدفّق المعلوماتي . فلم يعودوا متماثلين متطابقين تقريبا، يكفي أن تتفهّم واحدا منهم حتّى تفهم باقيهم نفهم ذلك جيدا، إذا تأملنا مجموعة من البشر في قرية من القرى، خلال عصر الزراعة، أو في بدايات عصر الصناعة .. سنجد تقاربا شديدا في أفكار و توجهات و عادات الأفراد، نتيجة لقلة المعلومات المستجدة، و ندرة التغيرات و تباعدها زمنيا . و كان يكفي أن تقابل واحدا منهم حتّى تعرف الكثير عن باقيهم ..لكن، عندما يتنوّع البشر، يتغيّر الوضع .. و تنهار معظم النظم التي اعتمدها عصر الصناعة.
لتنوّع الذي طرأ على البشر أسقط أحد أهم مبدأ من مبادئ عصر الصناعة، و هو مبدأ النمطية، الذي يجعلنا ننظر إلى البشر كآحاد متطابقة .. وهو المبدأ الذي جعل من المركزية ممارسة عظيمة، و فن كبير، و مكسب ضخم، طوال عصر الصناعة .. و هو الذي أشاع كلّ ما هو جماهيري، أي كلّ ما يستهدف تنظيم خدمة الآحاد المتطابقة من البشر .. الإنتاج الجماهيري النمطي على نطاق واسع، و الاستهلاك الجماهيري للسلع والخدمات النمطية، التي تقبل عليها الجماهير النمطية .. و الإعلام الجماهيري الذي يتوجّه لجماهير نمطية، ساعيا إلى مزيد من قولبتها .. و أيضا الديموقراطية النيابية الجماهيرية، و التي تلخّص إرادة و توجّهات و مصالح أبناء الدائرة في نسق نمطي، يعبّر عنه بالتوكيل شخص واحد، هوالنائب البرلماني.
عندما تنوّع البشر، و اختلفت مشاربهم، سقط مبدأ النمطية و التوحيد القياسي للبشر، فاهتزّت النظم المركزية، و انهارت جميع المؤسسات الجماهيرية .. و كان من بين هذا التعثّر الحالي لديموقراطية التمثيل النيابي عالميا .. و بدأت تظهر بدائل للممارسة السياسية، كان من بينها ديموقراطية المشاركة.والحقيقة، أن المشاركة لا تقتصر تطبيقاتها على الممارسة الديموقراطية، فهي ثقافة أساسية في جميع مجالات النشاط البشري في مجتمع المعلومات.إنها ثقافة عصر المعلومات.
من أهم سمات الديموقراطية التشاركية : اللامركزية وتنظيم المواطنين والمؤسسات في شبكات أفقية لا تخظع لتتنظيم مركزي هرمي.ولما كان تحسين ظروف المعيشة هو من أولي اهتمامات المواطنين فإن تحقيق الديموقراطية الاقتصادية في مؤسسات اقتصادية واجتماعية تأخذ شكل الشبكات الأفقية ويشعر المواطنون فيها ، ليس فقط بممارستهم المشاركة في الشأن الجماعي وإنما أيضا بالنفع المادي المباشر الدي يعود عليهم من هذه الممارسة ، هو بمثابة تأهيل المواطنين لممارسة الديموقراطية السياسية التشاركية مستقبلا وفي صنع القرارات السياسية الخاصة بهم من خلالها.ومن هنا كان مخطط : الحركة المجتمعية للتنمية الذي عرضته كمشروع مجتمعي ينظر الي المستقبل ويعيد بناء المجتمعات الحالية في دول شمال أفريقيا بما يحقق أيضا التغيير الذى تنشده هده الشعوب على كافة المستويات ولاتهتدي الي السبيل اليه. أي أن هذا المخطط يعد بمثابة تطبيق عملي لأحدث التوجهات الفكرية في أوروبا والعالم وفي ذات الوقت تأسس على القيم الحضارية والدينية لمجتمعاتنا في محاولة لإعادة الاعتبار إليها باعتبارها من مقومات وضمانات الحفاظ على تماسك المجتمعات وبعث الحيوية فيها ودفعها نحو تقدم لايتم على حساب الحقوق والكرامة الانسانية أو إلحاق الضرر بالطبيعة والبيئة أو يفرط في حقوق الأجيال القادمة.
أنظر موقع الحركة المجتمعية لتنمية أفريقيا الشمالية في الفيسبوك ورابطه:
http://www.facebook.com/group.phpgid=up.phpgid=43863521285&ref=ts=
تجربة من البرازيـــل
.وفي ما يلي مقتطفات من حوار مطول أنجزته مجلة (أيريش لفت ريفيو) الأيرلندية مع الأكاديمي والمؤرخ الإيطالي بول جينسبورغ ،والدي يعمل حاليا مدرساً لمادة التاريخ الأوربي المعاصر في جامعة مدينة فلورنسا. قام بترجمته: عادل بدر سليمان. و تحدث فيه جينسبورغ عن كتابه الأخير الذي حمل عنوان (الديمقراطية: الأزمة والتجديد). عن ما ألت اليه الديموقراطية الحالية من ضعف وعن الحاجة إلى تجديدها.
يقول بول جينسبورغ : ثمة تناقض ظاهري في الديمقراطية: ما لدينا اليوم هو توسع (كمي) للديمقراطية بهذا الشكل أو ذاك,، ليس فقط في أوربا، وإنما أيضاً في جميع أنحاء العالم. لكن ثمة أزمة حقيقية في (نوعية) الديمقراطية، خصوصاً في داخل الوطن الواحد. تأخذ هذه الأزمة أشكالاً متنوعة، لكن الشكل الأهم ربما يكون هو ذاك الشعور بالبون الشاسع الذي يفصل بين ما يجري في البرلمانات وبين آراء الناس والحياة اليومية. يمكننا أن نستكشف تجليات أزمة الديمقراطية في نماذج عديدة ومتنوعة. أحد هذه النماذج، سواء أخذنا السويد أو بريطانيا أو إيطاليا حيث لم تكن عموماً نسبة الثقة بالمؤسسات عالية جداً، هو ما نراه اليوم من تراجع كبير في الإيمان بالمؤسسات الديمقراطية، وليس فقط في الطبقة السياسية، وهي قضية مختلفة، ولكن أيضاً في المؤسسات الديمقراطية.
فقد ضَعُفتْ مصداقية البرلمانات، وقلَّتْ ثقة الناس بأن البرلمانات الحديثة تقوم بعملها بشفافية ومسؤولية. ثمة ميل ،مع بعض الاستثناءات، نحو إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وهناك أيضاً نزعة واضحة نحو الاستخفاف بالطبقة السياسية. هذه هي بعض عناصر الأزمة التي يمكن للمرء أن يشير إليها من دون عناء، أما النتيجة التي يمكن استخلاصها من كل ذلك فهي أن الديمقراطية هي حقاً في وضع ضعيف لجهة حيازتها ثقة المواطنين. وإذا ما سحبنا هذا الأمر على الاتحاد الأوربي، فإننا سنلاحظ أن المشكلة تصبح ضخمة جداً، وذلك لأن الإقبال على التصويت في انتخابات الاتحاد الأوربي التي جرت مؤخراً في دول أوربا الشرقية كان منخفضاً إلى أبعد الحدود. وحتى في الدول التي كان فيها التصويت أعلى بقليل، كإيطاليا وإسبانيا (دون ذكر بريطانيا)، نجد أن الناس قد عبّروا عن خوفهم الشديد من الشرخ الديمقراطي الذي يفصل بين ما يحصل في المفوضية الأوربية، ومجالس الوزراء، وبين المواطنين في أوربا ككل.
في كتابي الأخير، قدمت عرضاً جدلياً حول حاجتنا للعودة إلى المبادئ الأولى، وبالتحديد حاجتنا إلى دراسة ونقاش نموذجين من الديمقراطية التمثيلية والمباشرة، والعودة إلى نموذج أثينا. ليس لأنه بوسعك استخدامه بشكل مباشر، عبر نقله بحرفيته، وإنما لأنه كان دائماً يوجد نقاش ـ يمكن للمرء تلمس وجود مثل هذا النقاش بسهولة في فترات زمنية سابقة وتحديداً في القرنين التاسع عشر والعشرين ـ حول كيفية إعطاء الناس مزيداً من السلطة بشأن حياتهم،سواء في العمل أو النظام السياسي، عبر حكومة محلية، أو صيغ جديدة من الديمقراطية التشاركية. أحاول شرح هذه النقطة في كتابي، عبر عرض بعض التجارب؛ كتجربة مدينة (بورتو أليغري)، (تقع جنوبي البرازيل يقطنها 1,5 مليون مواطن، كانت في تسعينيات القرن العشرين، المدينة الأولى التي نجح فيها (حزب العمال) بإدارة شؤون البلدية. الحزب، وهو حزب الرئيس (لولا دي سيلفا، بادر إلى طرق إدارية جديدة - خاصة في كل ما يتعلق بتخصيص الموارد البلدية- وعمل على الحفاظ على البيئة. وكذلك (الميزانية التشاركية) التي أدارتها البلدية، وبموجبها تقرر لجان الأحياء سلم الأوليات المحلية وعلى المستوى البلدي العام. تؤكد هذه التجربة أن التنمية يمكن أن تتم مع احترام البيئة، وأن الضرائب المرتفعة نسبياً، المترافقة مع استقرار وأمان اجتماعيين، لا تؤدي بالضرورة إلى هروب الرساميل وإفقار القطاعات المصرفية والتجارية. كما أن تقليص التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة هما الأساس لاحترام حقوق الإنسان وتمتين أواصرالتضامن بين الناس وبناء المواطنية . من خلال التعاون واللقاء والحوار والتصويت،أعطت تجربة (الميزانية التشاركية) سكان (بورتوأليغري)، إحساساً بالمساهمة في تسيير شؤون مدينتهم، وتحديد طبيعة حياتهم، إحساس لا يمكن أبداً للديمقراطية التمثيلية التقليدية أن تقدمه لهم.
. في الجوهر يعمل هذا النموذج على النحو التالي: مع بداية كل عام, يعود عمدة مدينة (بورتو أليغري) ومجلسها البلدي للوقوف على رأي عامة الناس، من خلال عقد اجتماعات جماهيرية يتم فيها تقديم تقارير عما أنجز في السنة الفائتة، ومن ثم الانتقال إلى دورة جديدة. يعقد الناس اجتماعات في حلقات صغيرة جداً، على مستوى الشارع أوالحي, من أجل صياغة مطالبهم الأولى, ثم ُتعقدُ اجتماعات رئيسية ضخمة تضمُ جميع مناطق المدينة لإقرار جزء من الميزانية المحلية وليس كلها، لأن الميزانية بالطبع تتضمن الرواتب والنفقات الثابتة والتعويضات وغير ذلك. وفي المرحلة التالية تقوم هذه الاجتماعات الضخمة بانتخاب مجلس الميزانية,، وهنا تكمن الخطوة الأكثر إبداعاً في هذه العملية.
في المحصلةي، صحيح أنه يتكون لديك مجلس بلدي منتخب بطرق ديمقراطية تقليدية تمثيلية, ولكن يتكون لديك أيضاً مجلس للميزانية منبثق مباشرةً عن القاعدة الشعبية. يخرج عن هذه العملية الديمقراطية المحلية المباشرة عدد من الوفود (40 وفداً) تقيم طوال فصل الصيف نقاشات حول الميزانية مع المجلس البلدي، وخصوصاً مع العمدة، بغية تحديد تفاصيل وأوَّليات ذلك القسم من الميزانية الذي انتزعته الجماهير بطريقة ديمقراطية سلمية. ثم يعودون إلى حلقات اللقاء الصغيرة في الأحياء ليقدموا لها تقريراً عما توصلوا إليه. وفي نهاية هذه الدورةا لسنوية.يتبنى العمدة القرارات التي تخرج من النقاش، ويجعل منها برنامجاً للمدينة يبدأ بتنفيذه فوراً. المثير للإعجاب في تجربة (بورتو أليغري)، وبخلاف التجارب التي حدثت في أوربا، هو ذلك العدد الكبير من فئات العمال,، الرجال منهم والنساء، ومن جميع الأقليات التي تنخرط في هذه العملية الديمقراطية.
لا يمكنك أن تركز كامل نشاطك على فكرة تجديد الديمقراطية, بل أعتقد أن الجميع بات الآن مدركاً لضرورة تجديد التفكيرالاقتصادي،والديمقراطية الاقتصادية، ولضرورة البحث عن نظام اقتصادي بديل يكفل تمويل صناديق التقاعد، والتعاونيات، وكل أشكال الضمان الاجتماعي. ثمة حاجة ملحة لإجراء المزيد من النقاش، وتقديم المزيد من المقترحات حتى نتوصل إلى صيغة تنظيمية معينة. أعتقد أن القضية الهامة هنا هي كيف تصيغ برنامج عمل يقنع الجماهير بأنه برنامج واقعي يحمل أهدافاً قابلة للتطبيق. ما لدينا اليوم من مكاسب اجتماعية هي فقط ما تبقى من مآثر التقليد الشيوعي، ومن موروث الديمقراطية الاجتماعية، فقد أخفقنا مع بداية القرن الحادي والعشرين في المحافظة على كل تلك المكاسب، كما لم نتمكن من تكوين فكر جديد يستنبط نظرية جديدة تقوم مثلاً بفك طلاسم الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
وإذا ما نظرنا إلى عدد الأشخاص الذين يريدون المشاركة في الأنواع المختلفة من الجمعيات التطوعية، وإلى الأشخاص الفاعلين في المجتمع المدني, فإننا نرى أن الناس لا يرغبون في المشاركة على أساس يومي وفي جميع أشكال حياتهم، وإنما فقط في أجزاء ولحظات محددة من
حياتهم. أعتقد أن هذا النوع من التشارك؛ سواء كان تشاركاً في المجتمع المدني، أو في أشكال ديمقراطية أخرى،هو من ضمن الأشياء التي تأتي وتذهب في منحنى دورة الحياة الفردية. لذلك يمكنك أن تكون ناشطاً ومهتماً في العشرينيات من عمرك، ثم تبتعد عندما يصبح لديك أولاد صغار، ثم تعود فيما بعد لتصبح ناشطاً، وهذا بمجمله سيكون شكلاً من أشكال ترسبات الممارسة الديمقراطية،ونوعاً من أنواع الابتعاد عن العائلة، والخروج من حالة الجلوس الدائم أمام التلفاز، والانتقال للقيام بعملٍ ما. لا أعتقد أن الناس، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يتعرضون فيه لضربات الأزمة الاقتصادية العالمية،بعيدون عن هذه الأفكار على الإطلاق.(انتهي ).
وهذه الأفكار يمكن أن تستفيد بها مؤسسات الحركة المجتمعية في عملها الجماهيري.وقد استفادت الحركة من أكثر تصورات الديموقراطية التشاركية شهرة والذي يتجه في تطبيقها الى أن يتم توزيع سكان المجتمع الراشدين في حي من أحياء المدينة على فئات أو قطاعات مهنية ينتمون اليها تتشاور كل فئة أو ألمنتمين الي القطاع المهني في مسألة مع تزويدهم بكافة المعلومات المتعلقة بالمسألة المطلوب استشارتهم فيها ، أو الحاق خبراي متخصصون في تلك المسألة المعروضة عليهم وبحيث يكون كل عضو مشارك في هذه العملية التشاورية قادراعلى الفهم والتعلم والتحليل وصياغة حكم معلَّل بما يساعد في النهايةعلى تكوين الرأي الصائب في الموضوع محل التشاور. ثم تختار كل فئة أو قطاع ممثل لها ينقل أفكارها إلى لجنة تضم ممثلي تلك الفئات أو القطاعات في الحي تقوم برفع ما يتم الاتفاق عليه بينهم الي مستوى تنظيمي أعلى يشمل جميع أحياء المدينة يتم فيه مراجعتها وبعد التوافق عليها ترفع إلى مستوى أكبر يدمع عددا من المدن وفي النهاية يصل الى الجهة المخولة بصناعة القرار.أي أن صناعة القرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي أو غيره يبدأ من القاعدة ثم يتم تصعيده وليس مثلما هو متبع حاليا يصدر من القمة ويتم إلزام القاعدة به التي لم تتم استشارتها أو الأخذ برأيها ، وتم الاكتفاء بممثل في البرلمان قد لايدرك انعكاسات القرار على المواطنين أو المعنيين به .ـويتم من خلال ذلك وضع المواطنين في ظرفٍ يتمكنون فيه من الفهم وتبادل الآراء والتصرّف بمسؤولية في صنع القرارات السياسية وفي صياغة القوانين أيضا التي تهم كل المواطنين أو تهم فئة أو أصحاب مهنة معينة منهم بما يضمن لهم عدم صدور أية قوانين لاتحمي مصالحهم المشروعة.وبحيث يكون القرار الذي يصدر معبرا عن الإرادة العامة وليس بناء على رغبات نخبة معينة لايهمها سوى تحقيق مصالحها ولو على حساب أغلبية الشعب.والقرار الذي يصاغ وفق تلك المسطرة أو الطريقة لايمكن اعتباره قرار أغلبية أو أقلية وإنما سيكون قرار كامل أفراد الأمة الراشدين الذين شاركوا في صنعه. ويساهم التقدم الحاصل في مجال المعلوميات على أتمام تلك العمليات بكفاءة ويسر وبسرعة كبيرة جدا وهو الأمر الذي لم يكن متاحا من قبل .ويمكن للتشاور أن يضم مجتمعات دول أخرى في نفس الوقت داخل الإقليم الجغرافي أو على مستوى العالم كله. وتم تطبيق ذلك في الجمعيات المدنية التي تقوم وفق نظام الحركة حيث تم تقسيمها إلى 19 قطاع مهني يختار كل قطاع نقيبا له يكون عضوا في مجلس أدارة الجمعية المشكل من نقباء المهن وبحيث ينقل كل نقيب الي ذلك المجلس تصورات أعضاء قطاعة في مسألة أو مشروع ما ويتم تبادل الرأي بين النقباء لاتخاذ قرار موحد يستجيب الى ما تم جمعه من رؤى وتطلعات.
فوزي منصور.
الديمقراطية شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ علَى التعددية و التداول السلمي للسلطة بين من حازوا ثقة أكثرية الشعب في انتخابات عامة نزيهة مع احترام حقوق الانسان والمواطنة واتخاذ قرارات في كافة المجالات تتماشي مع رغبات ومصالح اغلبية السكان.وهي أيضا نظام سياسي واجتماعي مميز يحيل إلى محتمع تسوده ثقافةٍ سياسيّة و أخلاقية و قانونية مطبقه في واقع حال المجتمع الموصوف بالديموقراطي.
ويحدد غالبية السكان رغباتهم أو يفصحون عنها عن طريق انتخابهم الحزب السياسي اذي تضمنت برامجه تلك الرغبات أو عن طريق الاستفتاءات أو استتطلاعات الرأي وتلتزم الحكومة بنتائج تلك الإجراءات.
ولكن هل تحسن الأغلبية دائما التعبير عن مصالحها؟.. كثيرا ما تكون الأغلبية غير واعية بمصالحها الحقيقية وقد تتبع في تصور مصالحها زعيم له جاذبية أو كاريزمية خاصة تشكل سلطة رمزية عليهم ويكون تصوره لتلك المصالح خاطئا أو تستخدم الأحزاب في التأثير عليها شخصيات اجتماعية مثل الزعامات السياسية أو الدينية أومشاهير الفنانين والرياضيين ممن يتمتعون بكاريزمية خاصة تجعل تأثيرهم على الجمهور المنبهر بهم كبيرا ، وهي شخصيات ليست بالضروة واعية تمام الوعي باهتمامات الناس وبمصالح الجمهور ومصالح البلد الاستراتيجية.و لا يتم الاستعانة في العادة بمثقفين أو بمفكرين أوبعلماء متخصصين يعدون أكثر دراية بتلك المصالح في توجيه الجمهور .
ويتميز العصر الحالي الذي برزت فيه الثورة الأليكترونية والمعلوماتية بالتغير السريع للتقنية العلمية ومسايرة ايقاع العصر السريع والمختلف عن السابق يحتاج أيضا لنظام يكفل القدرة على سرعة اتخاذ القرارات السريعة التي تمس المواطنين في الحاضر وتؤثر أيضا على مصالح الأجيال القادمة. وهو ما لاتحققة بكفاءة حاليا النظم الديموقراطية الحالية في العالم والتي أفرزها عصر الثورة الصناعية بينما يتطلب زمن الثورة المعلوماتية ديموقراطية جديدة متوائمة معه.و قد حان الوقت للبحث عن ممارسات جديدة لتعالج ما يعتري الديمقراطية التمثيلية الحالية من قصور واستبدالها هي بذاتها بديموقراطية يكون فيها أمر الناس شورى بينهم. ولم أتعرض هنا لممارسات النظم الاستبدادية التي لا تعبأ بالرأي العام فيها والتي تتولي قمعه بشراسة في الغالب إن اعترض على سياساتها الضارة بمصالح أغلبية الشعب والمستفزة له في أن واحد ولا تهتم بغير الأوليغارشيا المسيطرة على الاقتصاد والحكم والمسخرة لهما في خدمتها.
لم ينصرف الناخبون عن العمل السياسي في الدول المتخلفة التي أقامت ديموقراطية شكلية أو مظهرية يتم فيها تزوير سجلات ولوائح الناخبين ونتائج الاقتراع بشتي السبل منها الوسائل الاليكترونية أو المعلوماتية الحديثة ،وممارسة ضغوط من الأجهزة الأمنية والنخب الحاكمة أو المسيطرة للآبقاء على احتكارها السلطة والثروة في يدها فقد وفقدت بذلك الديموقراطية البرلمانية مصداقيتها وإنما امتد فقدان الثقة في النظام البر لماني لمواطني الدول الممتقدمة الديموقراطية التي ظهرت فيها تلك الأنطمة مع الثورة الصناعية لأسباب عديدة على إثر الدخول الى عصر المعلوميات لأسباب عديدة منها التعددية الحزبية التي كانت تقوم عليها والتي كان فيها لكل حزب هويته بعد إن فقدت تلك الأحزاب الهوية التي كانت لديها وصار من العسير التفرقة بينها وتنامي الشعور لدي المواطنين بأن تلك الديموقراطية البرلمانية صارت عاجزة عن التعبير عن مصالحها الحقيقية والقدرة على ابتكار حلول لمشاكلها اليومية التي تواجهها في حياتها.
في كتابه "الموجة الثالثة"، يقول آلفين توفلر أن الحكومة القائمة على التمثيل و الإنتخاب، و التي ولدت من الأحلام التحرّريّة لثوار الموجة الثانية(يقصد عصر الصناعة)، كانت تقدّماً مدهشاً بالنسبة لنظم السلطة الأسبق، كانت نصراً تكنولوجيّاً أكثر إثارة من الآلة البخاريّة أو الطائرة . لقد أتاحت هذه الحكومة تتابعاً منظّماً، يختلف كثيراً عن حكم السلالة الوراثي، و فتحت قنوات الإتّصال في المجتمع بين القاعدة و القمّة، ووفّرت طقساً يتيح التعامل مع الخلافات بين الجماعات و الفئات المختلفة على أساس سلمي
و بفضل تمسّك هذه الحكومة، القائمة على التمثيل الإنتخابي، بمبدأ حكم الأغلبيّة، و بحقّ كلّ إنسان في إعطاء صوته، ساعدت بعض الفقراء و الضعفاء، في إستدرار بعض المنافع من إخصائيي السلطة الذين يديرون آلة التكامل في المجتمع . فظهرت الحكومة بمظهر الثورة الإنسانيّة
و مع ذلك، و منذ البداية الأولى، عجزت الحكومة دائماً عن الوفاء بالتزاماتها . لم تستطع، في أيّ مكان، أن تغيّر البناء التحتيّ للسلطة في الدول الصناعيّة ... بناء الصفوة و الصفوة العليا . و هكذا، تحوّل الإنتخاب، بصرف النظر عمّن يكسب فيه، إلى أداة ثقـافيّة قويّة في يد الصفوة.و على مرّ السنين تبدّدت الأحلام الورديّة للديموقراطية النيابية ومع إندفاع ثورة المعلومات، و تطوّر تكنولوجيّاتها، فقدت هذه الديموقراطيّة مصداقيّتها، في جميع الدول التي تأخذ بها . و الشواهد على ذلك لا تحتاج إلى حصر، أو تقديملقد كانت هذه الديموقراطيّة مناسبة منذ قرنين، عندما كانت المشاركة المباشرة للناس غير ممكنة أومجديّة . أمّا الآن فقد تغيّر الوضع .
فقدت النظم القديمة في الاقتصاد والممارسة السياسية و التعليم و الإدارة و الإعلام مصداقيتها، لتناقضها مع الواقع الجديد الذي أحدثه التحوّل من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات . و في جميع المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بدأ البحـث عن النظم الجديدة التي ستحل محلّ النظـم القديمة.ولهذا تطلع العديد من المفكرين الي ديموقراطية بديلة يمكنها أن تتمتع بمصداقية لدى كافة المواطنين ويشعرون بأنها تعبر عن مصالحهم .
وهذه الديموقراطية الجديدة التي يتم التطلع اليها والسعي بالفعل من بعض الدول المتقدمة لتحقيقها أطلق عليها اسم : الديموقراطية التشاركية أو التحاورية.
وهي نظام مجتمعي يشارك فيه كل فرد في اتخاذ القرارات التي تمسّ حياته، فلا ينيب أو يوكّل من يقوم نيابة عنه بذلك .. ديموقراطية لامركزية ترتبط ارتباطا وثيقا بإعطاء أهمية مضاعفة للحكم المحلّي، و تستفيد من التكنولوجيات المعلوماتية في التصويت و تبادل الآراء و الأفكار.
.. يقول الكاتب المستقبلي جون ناسبيت: أنّنا بصدد أوضاع جديدة، بعد مقدم ثورة الإتّصالات، و ما صاحبها من إرتفاع المستوى المعرفي للناخبين، ومع قدرتنا الحاليّة على معرفة الكثير عمّا يجري، بما لا يقل عمّا يعرفه ممثّلونا في البرلمان، و معرفتنا به بنفس السرعة.
قلنا أن الأحزاب كانت حجر الأساس في العمليّة الديموقراطيّة، و خط التجميع الرئيسي في مصنع التمثيل النيابي . و كانت تمثّل الخطوط العريضة لمصالح و لتوجّهات المواطنين، التي كانت تستقطب في اليمين و اليسار و أحيانا الوسط . و بشكل عام، كان الفرد ينتسب إلى هذه الأحزاب وفقا لهذا التقسيم.
الذي حدث خلال نصف القرن السابق، أن كلّ حزب من هذه الأحزاب قد لحق به ما لحق بكلّ شيئ قي حياتنا ، نتيجة الدخول المتصاعد لثورة المعلومات، التنوّع و التمايز و الإختلاف .ففقدت الأحزاب هويتها التي كانت تميز هدا الحزب عن ذاك و فقدت بعدها مصداقيّتها بالنسبة للناخبين، و تحوّلت الإنتخابات البرلمانيّة إلى حرب عصابات.
و الحقيقة أن إهتمام المواطن بالسياسيّين يقل يوما بعد يوم، و هذا هو السرّ في إنخفاض الإهتمام بالإنتخابات القوميّة السياسيّة
ويشير الى دلك المفكر الأمريكي : ناسبيت قائلا، أن إشتراك الشعب في الإنتخابات القوميّة يتناقص مرّة بعد مرّة . و رقم99% الشهير لا نراه سوى في الدول الشموليّة .. لقد إعتاد المحلّلون السياسيّون أن يربطوا بين ضعف الإقبال على الإنتخابات و بين اللامبالاة و الجهل . إلاّ أن هذا التحليل يفقد قوّته، عنما نرى أن الناخبين قد أصبحوا أفضل تعليماً، و أغزر معرفة، و أكثر تحديداً لموقفهم . لهذا، بدأ المحلّلون يفهمون أخيراً أن الناخبين يتخذون قراراً واعيا بعدم المشاركة في الانتخاباتً
يقول الناس أنهم لا يحملون ثقة كبيرة، لا في التنظيمات السياسيّة و لا في يشغلونها . و هم بموقفهم هذا، يعبّرون عن إيماتهم بأن السياسيّين: إمّا لا يستطيعون القيام بما يطلبه الناخبون، أو لا يريدون فعل ذلك.
ويستطرد ناسيت قائلا:.إنتزعنا جوهر القوّة السياسيّة من أيدي ممثّلينا المنتخبين، لكي نعيد إستثمارها في مجالين أساسيّين:
الأول هو الإقتراع السرّي المباشر، بالنسبة لحق إقتراح و تعديل القوانين، و بالنسبة للإسستفتاء على العمليّات المعيّنة، و الثاني هو النشاط السياسي الشعبي . و في كلّ من الحالتين، يكون المواطنون و ليس السياسيّون، هم الذين يقرّرون ما يفعلونه، و يمارسونه.
وقد اختلفت وتعددت التصورات حول أشكالها وآلياتها.ولو أنه يلاحظ أنها جميعها تم استنباطها من النظم المعلوماتية حيث تقوم شبكات صغرى بتزويد شبكات أكبر منها بالمعلومات دون وجود نظام هرمي مركزي يتحكم في تلك الشبكات الصغرى ويسود أيضا في انسياب المعلومات نطام التغذية والتغذية المرتدة. وبذلك تكون ديموقراطية المشاركة، بديل عصر المعلومات لديموقراطية التمثيل النيابي التي أفرزها عصر الثورة الصناعية ، حين تكفّلت الدولة بجميع المهام التي كانت تقوم بها الأسرة الزراعية، من تعليم و علاج و رعاية للكبار .. و أيضا بعد أن اعتمد عصر الصناعة على الإنتاج الكثيف واسع النطاق و قيام السوق للربط بين عالمي الانتاج والاستهلاك .وقد أحدثت الديموقراطية وقتها شرخا في جدار السلطة، دخلت منه أعدادا كبيرة من الطبقة المتوسّطة إلى عملية اتخاذ القرار لأوّل مرّة . وكان ذلك وقتها بمثابة ثورة في الفكر والممارسة السياسية.
يقول الأستاذ راجي عنايت :نتيجة لثورة المعلومات، و تطور تكنولوجيات المعلومات، تنوّع البشر، نتيجة لتنوّع ما أقبلوا عليه من ذلك التدفّق المعلوماتي . فلم يعودوا متماثلين متطابقين تقريبا، يكفي أن تتفهّم واحدا منهم حتّى تفهم باقيهم نفهم ذلك جيدا، إذا تأملنا مجموعة من البشر في قرية من القرى، خلال عصر الزراعة، أو في بدايات عصر الصناعة .. سنجد تقاربا شديدا في أفكار و توجهات و عادات الأفراد، نتيجة لقلة المعلومات المستجدة، و ندرة التغيرات و تباعدها زمنيا . و كان يكفي أن تقابل واحدا منهم حتّى تعرف الكثير عن باقيهم ..لكن، عندما يتنوّع البشر، يتغيّر الوضع .. و تنهار معظم النظم التي اعتمدها عصر الصناعة.
لتنوّع الذي طرأ على البشر أسقط أحد أهم مبدأ من مبادئ عصر الصناعة، و هو مبدأ النمطية، الذي يجعلنا ننظر إلى البشر كآحاد متطابقة .. وهو المبدأ الذي جعل من المركزية ممارسة عظيمة، و فن كبير، و مكسب ضخم، طوال عصر الصناعة .. و هو الذي أشاع كلّ ما هو جماهيري، أي كلّ ما يستهدف تنظيم خدمة الآحاد المتطابقة من البشر .. الإنتاج الجماهيري النمطي على نطاق واسع، و الاستهلاك الجماهيري للسلع والخدمات النمطية، التي تقبل عليها الجماهير النمطية .. و الإعلام الجماهيري الذي يتوجّه لجماهير نمطية، ساعيا إلى مزيد من قولبتها .. و أيضا الديموقراطية النيابية الجماهيرية، و التي تلخّص إرادة و توجّهات و مصالح أبناء الدائرة في نسق نمطي، يعبّر عنه بالتوكيل شخص واحد، هوالنائب البرلماني.
عندما تنوّع البشر، و اختلفت مشاربهم، سقط مبدأ النمطية و التوحيد القياسي للبشر، فاهتزّت النظم المركزية، و انهارت جميع المؤسسات الجماهيرية .. و كان من بين هذا التعثّر الحالي لديموقراطية التمثيل النيابي عالميا .. و بدأت تظهر بدائل للممارسة السياسية، كان من بينها ديموقراطية المشاركة.والحقيقة، أن المشاركة لا تقتصر تطبيقاتها على الممارسة الديموقراطية، فهي ثقافة أساسية في جميع مجالات النشاط البشري في مجتمع المعلومات.إنها ثقافة عصر المعلومات.
من أهم سمات الديموقراطية التشاركية : اللامركزية وتنظيم المواطنين والمؤسسات في شبكات أفقية لا تخظع لتتنظيم مركزي هرمي.ولما كان تحسين ظروف المعيشة هو من أولي اهتمامات المواطنين فإن تحقيق الديموقراطية الاقتصادية في مؤسسات اقتصادية واجتماعية تأخذ شكل الشبكات الأفقية ويشعر المواطنون فيها ، ليس فقط بممارستهم المشاركة في الشأن الجماعي وإنما أيضا بالنفع المادي المباشر الدي يعود عليهم من هذه الممارسة ، هو بمثابة تأهيل المواطنين لممارسة الديموقراطية السياسية التشاركية مستقبلا وفي صنع القرارات السياسية الخاصة بهم من خلالها.ومن هنا كان مخطط : الحركة المجتمعية للتنمية الذي عرضته كمشروع مجتمعي ينظر الي المستقبل ويعيد بناء المجتمعات الحالية في دول شمال أفريقيا بما يحقق أيضا التغيير الذى تنشده هده الشعوب على كافة المستويات ولاتهتدي الي السبيل اليه. أي أن هذا المخطط يعد بمثابة تطبيق عملي لأحدث التوجهات الفكرية في أوروبا والعالم وفي ذات الوقت تأسس على القيم الحضارية والدينية لمجتمعاتنا في محاولة لإعادة الاعتبار إليها باعتبارها من مقومات وضمانات الحفاظ على تماسك المجتمعات وبعث الحيوية فيها ودفعها نحو تقدم لايتم على حساب الحقوق والكرامة الانسانية أو إلحاق الضرر بالطبيعة والبيئة أو يفرط في حقوق الأجيال القادمة.
أنظر موقع الحركة المجتمعية لتنمية أفريقيا الشمالية في الفيسبوك ورابطه:
http://www.facebook.com/group.phpgid=up.phpgid=43863521285&ref=ts=
تجربة من البرازيـــل
.وفي ما يلي مقتطفات من حوار مطول أنجزته مجلة (أيريش لفت ريفيو) الأيرلندية مع الأكاديمي والمؤرخ الإيطالي بول جينسبورغ ،والدي يعمل حاليا مدرساً لمادة التاريخ الأوربي المعاصر في جامعة مدينة فلورنسا. قام بترجمته: عادل بدر سليمان. و تحدث فيه جينسبورغ عن كتابه الأخير الذي حمل عنوان (الديمقراطية: الأزمة والتجديد). عن ما ألت اليه الديموقراطية الحالية من ضعف وعن الحاجة إلى تجديدها.
يقول بول جينسبورغ : ثمة تناقض ظاهري في الديمقراطية: ما لدينا اليوم هو توسع (كمي) للديمقراطية بهذا الشكل أو ذاك,، ليس فقط في أوربا، وإنما أيضاً في جميع أنحاء العالم. لكن ثمة أزمة حقيقية في (نوعية) الديمقراطية، خصوصاً في داخل الوطن الواحد. تأخذ هذه الأزمة أشكالاً متنوعة، لكن الشكل الأهم ربما يكون هو ذاك الشعور بالبون الشاسع الذي يفصل بين ما يجري في البرلمانات وبين آراء الناس والحياة اليومية. يمكننا أن نستكشف تجليات أزمة الديمقراطية في نماذج عديدة ومتنوعة. أحد هذه النماذج، سواء أخذنا السويد أو بريطانيا أو إيطاليا حيث لم تكن عموماً نسبة الثقة بالمؤسسات عالية جداً، هو ما نراه اليوم من تراجع كبير في الإيمان بالمؤسسات الديمقراطية، وليس فقط في الطبقة السياسية، وهي قضية مختلفة، ولكن أيضاً في المؤسسات الديمقراطية.
فقد ضَعُفتْ مصداقية البرلمانات، وقلَّتْ ثقة الناس بأن البرلمانات الحديثة تقوم بعملها بشفافية ومسؤولية. ثمة ميل ،مع بعض الاستثناءات، نحو إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وهناك أيضاً نزعة واضحة نحو الاستخفاف بالطبقة السياسية. هذه هي بعض عناصر الأزمة التي يمكن للمرء أن يشير إليها من دون عناء، أما النتيجة التي يمكن استخلاصها من كل ذلك فهي أن الديمقراطية هي حقاً في وضع ضعيف لجهة حيازتها ثقة المواطنين. وإذا ما سحبنا هذا الأمر على الاتحاد الأوربي، فإننا سنلاحظ أن المشكلة تصبح ضخمة جداً، وذلك لأن الإقبال على التصويت في انتخابات الاتحاد الأوربي التي جرت مؤخراً في دول أوربا الشرقية كان منخفضاً إلى أبعد الحدود. وحتى في الدول التي كان فيها التصويت أعلى بقليل، كإيطاليا وإسبانيا (دون ذكر بريطانيا)، نجد أن الناس قد عبّروا عن خوفهم الشديد من الشرخ الديمقراطي الذي يفصل بين ما يحصل في المفوضية الأوربية، ومجالس الوزراء، وبين المواطنين في أوربا ككل.
في كتابي الأخير، قدمت عرضاً جدلياً حول حاجتنا للعودة إلى المبادئ الأولى، وبالتحديد حاجتنا إلى دراسة ونقاش نموذجين من الديمقراطية التمثيلية والمباشرة، والعودة إلى نموذج أثينا. ليس لأنه بوسعك استخدامه بشكل مباشر، عبر نقله بحرفيته، وإنما لأنه كان دائماً يوجد نقاش ـ يمكن للمرء تلمس وجود مثل هذا النقاش بسهولة في فترات زمنية سابقة وتحديداً في القرنين التاسع عشر والعشرين ـ حول كيفية إعطاء الناس مزيداً من السلطة بشأن حياتهم،سواء في العمل أو النظام السياسي، عبر حكومة محلية، أو صيغ جديدة من الديمقراطية التشاركية. أحاول شرح هذه النقطة في كتابي، عبر عرض بعض التجارب؛ كتجربة مدينة (بورتو أليغري)، (تقع جنوبي البرازيل يقطنها 1,5 مليون مواطن، كانت في تسعينيات القرن العشرين، المدينة الأولى التي نجح فيها (حزب العمال) بإدارة شؤون البلدية. الحزب، وهو حزب الرئيس (لولا دي سيلفا، بادر إلى طرق إدارية جديدة - خاصة في كل ما يتعلق بتخصيص الموارد البلدية- وعمل على الحفاظ على البيئة. وكذلك (الميزانية التشاركية) التي أدارتها البلدية، وبموجبها تقرر لجان الأحياء سلم الأوليات المحلية وعلى المستوى البلدي العام. تؤكد هذه التجربة أن التنمية يمكن أن تتم مع احترام البيئة، وأن الضرائب المرتفعة نسبياً، المترافقة مع استقرار وأمان اجتماعيين، لا تؤدي بالضرورة إلى هروب الرساميل وإفقار القطاعات المصرفية والتجارية. كما أن تقليص التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة هما الأساس لاحترام حقوق الإنسان وتمتين أواصرالتضامن بين الناس وبناء المواطنية . من خلال التعاون واللقاء والحوار والتصويت،أعطت تجربة (الميزانية التشاركية) سكان (بورتوأليغري)، إحساساً بالمساهمة في تسيير شؤون مدينتهم، وتحديد طبيعة حياتهم، إحساس لا يمكن أبداً للديمقراطية التمثيلية التقليدية أن تقدمه لهم.
. في الجوهر يعمل هذا النموذج على النحو التالي: مع بداية كل عام, يعود عمدة مدينة (بورتو أليغري) ومجلسها البلدي للوقوف على رأي عامة الناس، من خلال عقد اجتماعات جماهيرية يتم فيها تقديم تقارير عما أنجز في السنة الفائتة، ومن ثم الانتقال إلى دورة جديدة. يعقد الناس اجتماعات في حلقات صغيرة جداً، على مستوى الشارع أوالحي, من أجل صياغة مطالبهم الأولى, ثم ُتعقدُ اجتماعات رئيسية ضخمة تضمُ جميع مناطق المدينة لإقرار جزء من الميزانية المحلية وليس كلها، لأن الميزانية بالطبع تتضمن الرواتب والنفقات الثابتة والتعويضات وغير ذلك. وفي المرحلة التالية تقوم هذه الاجتماعات الضخمة بانتخاب مجلس الميزانية,، وهنا تكمن الخطوة الأكثر إبداعاً في هذه العملية.
في المحصلةي، صحيح أنه يتكون لديك مجلس بلدي منتخب بطرق ديمقراطية تقليدية تمثيلية, ولكن يتكون لديك أيضاً مجلس للميزانية منبثق مباشرةً عن القاعدة الشعبية. يخرج عن هذه العملية الديمقراطية المحلية المباشرة عدد من الوفود (40 وفداً) تقيم طوال فصل الصيف نقاشات حول الميزانية مع المجلس البلدي، وخصوصاً مع العمدة، بغية تحديد تفاصيل وأوَّليات ذلك القسم من الميزانية الذي انتزعته الجماهير بطريقة ديمقراطية سلمية. ثم يعودون إلى حلقات اللقاء الصغيرة في الأحياء ليقدموا لها تقريراً عما توصلوا إليه. وفي نهاية هذه الدورةا لسنوية.يتبنى العمدة القرارات التي تخرج من النقاش، ويجعل منها برنامجاً للمدينة يبدأ بتنفيذه فوراً. المثير للإعجاب في تجربة (بورتو أليغري)، وبخلاف التجارب التي حدثت في أوربا، هو ذلك العدد الكبير من فئات العمال,، الرجال منهم والنساء، ومن جميع الأقليات التي تنخرط في هذه العملية الديمقراطية.
لا يمكنك أن تركز كامل نشاطك على فكرة تجديد الديمقراطية, بل أعتقد أن الجميع بات الآن مدركاً لضرورة تجديد التفكيرالاقتصادي،والديمقراطية الاقتصادية، ولضرورة البحث عن نظام اقتصادي بديل يكفل تمويل صناديق التقاعد، والتعاونيات، وكل أشكال الضمان الاجتماعي. ثمة حاجة ملحة لإجراء المزيد من النقاش، وتقديم المزيد من المقترحات حتى نتوصل إلى صيغة تنظيمية معينة. أعتقد أن القضية الهامة هنا هي كيف تصيغ برنامج عمل يقنع الجماهير بأنه برنامج واقعي يحمل أهدافاً قابلة للتطبيق. ما لدينا اليوم من مكاسب اجتماعية هي فقط ما تبقى من مآثر التقليد الشيوعي، ومن موروث الديمقراطية الاجتماعية، فقد أخفقنا مع بداية القرن الحادي والعشرين في المحافظة على كل تلك المكاسب، كما لم نتمكن من تكوين فكر جديد يستنبط نظرية جديدة تقوم مثلاً بفك طلاسم الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
وإذا ما نظرنا إلى عدد الأشخاص الذين يريدون المشاركة في الأنواع المختلفة من الجمعيات التطوعية، وإلى الأشخاص الفاعلين في المجتمع المدني, فإننا نرى أن الناس لا يرغبون في المشاركة على أساس يومي وفي جميع أشكال حياتهم، وإنما فقط في أجزاء ولحظات محددة من
حياتهم. أعتقد أن هذا النوع من التشارك؛ سواء كان تشاركاً في المجتمع المدني، أو في أشكال ديمقراطية أخرى،هو من ضمن الأشياء التي تأتي وتذهب في منحنى دورة الحياة الفردية. لذلك يمكنك أن تكون ناشطاً ومهتماً في العشرينيات من عمرك، ثم تبتعد عندما يصبح لديك أولاد صغار، ثم تعود فيما بعد لتصبح ناشطاً، وهذا بمجمله سيكون شكلاً من أشكال ترسبات الممارسة الديمقراطية،ونوعاً من أنواع الابتعاد عن العائلة، والخروج من حالة الجلوس الدائم أمام التلفاز، والانتقال للقيام بعملٍ ما. لا أعتقد أن الناس، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يتعرضون فيه لضربات الأزمة الاقتصادية العالمية،بعيدون عن هذه الأفكار على الإطلاق.(انتهي ).
وهذه الأفكار يمكن أن تستفيد بها مؤسسات الحركة المجتمعية في عملها الجماهيري.وقد استفادت الحركة من أكثر تصورات الديموقراطية التشاركية شهرة والذي يتجه في تطبيقها الى أن يتم توزيع سكان المجتمع الراشدين في حي من أحياء المدينة على فئات أو قطاعات مهنية ينتمون اليها تتشاور كل فئة أو ألمنتمين الي القطاع المهني في مسألة مع تزويدهم بكافة المعلومات المتعلقة بالمسألة المطلوب استشارتهم فيها ، أو الحاق خبراي متخصصون في تلك المسألة المعروضة عليهم وبحيث يكون كل عضو مشارك في هذه العملية التشاورية قادراعلى الفهم والتعلم والتحليل وصياغة حكم معلَّل بما يساعد في النهايةعلى تكوين الرأي الصائب في الموضوع محل التشاور. ثم تختار كل فئة أو قطاع ممثل لها ينقل أفكارها إلى لجنة تضم ممثلي تلك الفئات أو القطاعات في الحي تقوم برفع ما يتم الاتفاق عليه بينهم الي مستوى تنظيمي أعلى يشمل جميع أحياء المدينة يتم فيه مراجعتها وبعد التوافق عليها ترفع إلى مستوى أكبر يدمع عددا من المدن وفي النهاية يصل الى الجهة المخولة بصناعة القرار.أي أن صناعة القرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي أو غيره يبدأ من القاعدة ثم يتم تصعيده وليس مثلما هو متبع حاليا يصدر من القمة ويتم إلزام القاعدة به التي لم تتم استشارتها أو الأخذ برأيها ، وتم الاكتفاء بممثل في البرلمان قد لايدرك انعكاسات القرار على المواطنين أو المعنيين به .ـويتم من خلال ذلك وضع المواطنين في ظرفٍ يتمكنون فيه من الفهم وتبادل الآراء والتصرّف بمسؤولية في صنع القرارات السياسية وفي صياغة القوانين أيضا التي تهم كل المواطنين أو تهم فئة أو أصحاب مهنة معينة منهم بما يضمن لهم عدم صدور أية قوانين لاتحمي مصالحهم المشروعة.وبحيث يكون القرار الذي يصدر معبرا عن الإرادة العامة وليس بناء على رغبات نخبة معينة لايهمها سوى تحقيق مصالحها ولو على حساب أغلبية الشعب.والقرار الذي يصاغ وفق تلك المسطرة أو الطريقة لايمكن اعتباره قرار أغلبية أو أقلية وإنما سيكون قرار كامل أفراد الأمة الراشدين الذين شاركوا في صنعه. ويساهم التقدم الحاصل في مجال المعلوميات على أتمام تلك العمليات بكفاءة ويسر وبسرعة كبيرة جدا وهو الأمر الذي لم يكن متاحا من قبل .ويمكن للتشاور أن يضم مجتمعات دول أخرى في نفس الوقت داخل الإقليم الجغرافي أو على مستوى العالم كله. وتم تطبيق ذلك في الجمعيات المدنية التي تقوم وفق نظام الحركة حيث تم تقسيمها إلى 19 قطاع مهني يختار كل قطاع نقيبا له يكون عضوا في مجلس أدارة الجمعية المشكل من نقباء المهن وبحيث ينقل كل نقيب الي ذلك المجلس تصورات أعضاء قطاعة في مسألة أو مشروع ما ويتم تبادل الرأي بين النقباء لاتخاذ قرار موحد يستجيب الى ما تم جمعه من رؤى وتطلعات.
فوزي منصور.
Saturday, March 28, 2009
عقيدة التوحيد : المبني والمعني- الجزء 18
السياسة المالية والتنمية الاقتصادية والانسانية
أهداف السياسة المالية :
ويجب على السياسة المالية أن تركز على التنميـة الإقتصـادية والإرتقـاء بمستوى النشاط الإقتصـادي للمجتمع وأن يكون للدولة دور فاعل وأن تسخـر كل إمكانياتها لتوفير المـوارد المالية اللازمـة لتحقيق هذا الهدف.وفقا لخطة يتم تحديد أهدافها بدقـة تامة وإعـداد سلم تفضيـلي من الإستثمـارات التي تعطي الأولوية في خطة التنمية مع تتسطير البرامج التنفيذية والالتزام بانجاز الاهداف وفقا لتلك البرامج مع إعداد بدائل تمويل الخطة والموازنة بينها حسب ما يحقق الكفاءة ويحد من التكلفة وييسر اخراج الخطة إلى حيز التنفيـذ في المواعيد المحددة لها .مع خضوع كل ذلك لرقابة ومتابعة شعبية تضمن النزاهة والشفافية في جميع المراحل .
و من أهـم الأسس التي يجب أن تبنى عليـها الدولة سياستـها بصدد تمـويل برامـج التنمية هو تجنب الـوسائل التمويـلية التضخمـية بطبيعتـها والقروض الخارجية والإعتمـاد أساسـا على مدخـرات المجتمع الحقيقية والتي يمكن تعبئة قدر كاف من المدخرات العائلية بوسائل شتي ثم توجيهها للآستثمارات النافعة والمتفقة مع برامج التنمية . ولاتتحقق هذه التعبئة مالم تشعر الأسر التي تقدم مدخراتها بأنها تعود عليها بالمنفعة الأنية والمستقبلية وترفع من مستوى معيشتها وتوفر فرص العمل لأفرادها.وفي نفس الوقت يجب حث الأفـراد على عـدم الإسراف و الإفـراط في الإستهـلاك الكمالي وتنمية الوعي الإدخـاري في برامج التربية والتعليم وبواسطة وسائل الإعلام ،وتدعيـم مؤسسات تجميع المدخرات. ويعتمد استثمـار القطاع العام في تمويـله على مصـادر متعددة من ضمنها:
1- ايرادات الضرائب المباشرة والعمل على زيادتها بالتوسع في المشروعات الانتاجية المكونة للثروات .
2_ ضغـط النفقات العامة بترشيد الانفاق وقصره على ما يتعلق بالتنمية الانسانية وخاصة التعليم والصحة .
3- التموسل بالعجز لتمويل المشروعات الانتاجية في حدود نسبة معقولة من الدخل القومي .
4- فتح رأسمال المشروعات الانتاجية أمام مساهمات المواطنين عن طريق الاكتتابات العامة.
5- قيمة بيع أسهم مملوكة للقطاع العام في مؤسسات انتاجية تم بيعها للمواطنين أو للعاملين فيها.
6- الاستعانة بالإئتمـان المصرفي للمساهمة في تمويل برامج التنمية بالحصول على تسهيـلات إئتمانية من البنوك وحثها على إستثمـار جانب من إحتياطاتها في أسهم وسندات المؤسسات الانتاجية الجديدة مقابل الحصول
على الأرباح المخصصة لها .
7- العمل على زيادة الصادرات لإمكان توجيه حصيلتها من العملات الآجنبية لشراء إحتياجات المشروعات الجديدة من السلع الرأسمالية اللازمة للتنمية الإقتصادية
8- تهيئة الظروف والبيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة للإستثمـار في الدولة .
9- مدخرات القطاع العام: وهي تتمثل في صافي فائض المؤسسات الإقتصـادية التي يمتلكها القطاع العامالناتجة عن بذل الجهود لزيادة الإنتـاج وتحسين نوعـه وخفض تكلفتـه باستخدام التقنيات المناسبة.
والهدف النهائي للسياسات المالية والاقتصادية هو قيام مجتمع إنساني تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتتقارب فيه الدخول وترفرف عليه الرفاهيةو تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة المواطنين في توزيع الدخول و التوزيع الأمثل للدخـل هو الذي يحقق لكل فرد درجة إشباع متساوية من السلع والخدمات التي تشتريها وحدات الدخـل الحدية. ويؤدي الحد من التفاوت في توزيع الدخول بين الأفراد إلى مضاعفة الإشباع الجماعي . و دون المساس بالحوافز إبقاءا على مستوى المنتج الكلي، علما بأن سوء توزيع الدخل يؤدي إلى تضخم حجم المدخرات النقدية لبعض الأفراد لذوي الدخول الكبيرة وميلها إلى الزيادة عن الإدخار الحقيقي للمجتمع، مما يترتب عليه هبوط مستوى الدخل القومي وهكذا حتى يصل المجتمع إلى حالة من الفقر يقل معها حجم الإدخار إلى المستوى الذي يجعله معادلا تماما لحجم الإستثمار. بل يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي الحالي في دولنا علي وجه الخصوص والذي تسيطر عليه أوليغارشيا تسخر اقتصاد البلد لمصالحها الخاصة وتجد دعما من الحكومات خاصة بعد تصفية القطاع العام وبيع المؤسسات الانتاجية والخدمة لرأس المال الأجنبي هو وضع يصنع الفقر ويحافظ على صناعة الفقر ويحرسها ويحميها ، ولا يمكن مكافحة الفقر أو القضاء عليه مالم يتم تغيير هذ الوضع السائد حاليا.
وعموما فإن جميع الإعتبارات الإقتصادية الفنية والإجتماعية الأخلاقية تدعو إلى الحد من التفاوت في توزيع الدخول، ويتطلب الحد الإدني في تطبيق هذه السياسة وضع حد أدنى لدخل الأسرة لايجب أن يهبط دونه
ويراعى في وضع الحد الأدنى للدخول أن يكون كافيا لتوفير مستوى معيشي لائق للمواطن بحيث يتسنى له الحصول على حاجياته الأساسية وزيادة قيمة ناتجة بالتالي . و إذ تمثل دخول العمل (الأجور والمرتبات وما في حكمها) نسبة كبيرة من دخول الأفراد ذوي الدخول المنخفضة فإن ريع الأملاك العقارية تعتبر أهم مصدر للدخل بالنسبة للأفراد ذوي الدخول المرتفعة. من أجل هذا فإن أي خطة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدخول يجب أن تقوم أساسا على الحد من الدخول الناجمة عن ريع الملكيات العقارية وتحويل اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي الي إقتصاد انتاجي،والعمل على زيادة الدخول المكتسبة من العمل.
.
و الأدوات المالية التي يمكن إستخدامها لإعادة توزيع الدخل عديدة تتمثل في الآتي:
1- ترض الضرائب التصاعدية على التركات والهبات وعقود بيع وتأجير العقارات وتجديد حد أقصي لملكية العقارات المنتجة للريع.وهو ما بدأت به الدول التي وضعت خطط لتنمية اقتصادياتها بفرض إصلاح زراعي يتم بموجبه توزيع الأراضي على أسر الفلاحين وتوجيه فائض العمالة في المناطق الفلاحية نحو العمل في التصنيع .و يضطر أصحاب رؤوس الأموال أيضا لاستثمارها في منشآت انتاجية صناعية تسهم في زيادة الثروة القومية والدخل القومي ورفع مستوى معيشة المواطنين بما توفره من فرص عمل ودخول جيده للعاملين وتمويل صناديق الضمان الاجتماعي ..
2- الرفع من أثمان السلع الكمالية بفرض ضرائب غير مباشرة مرتفعة عليها للحد من الإقبال عليها ، وفي نفس الوقت إعفاء السلع الأساسية من تلك الضرائب كلية أو العمل على خفض أسعارها بدعمها عن طريق منح إعانات لبعض فروع النشاط الإنتاجي المتصلة بالإستهـلاك الشعبي لتيسير سبل العيش للفئات محدودة الدخل وتمكينها من توفير مدخرات للآستثمار. . وهي سياسة تسهم في تضييق الهـوة بين الدخول, إذ أنها تعمل على إنخفاض ذوي الدخول المرتفعة ،بقدر ما تعمل على زيادة الدخل الحقيقي لذوي الدخول المنخفضة.
3-. فرض ضرائب تصاعدية على الدخل الفردي مع إعفاء الدخول الصغيرة من أية ضرائب إوهو ما يقلل من مدى التفاوت في توزيع الدخول الصافية وتنقص من قدر تركز الثروات ولا تجعل المال دولة في يد أقلة دون باقي المواطنين .
العوامل التي تؤثر على القيمة الذاتية للنقود :
- عوامل اقتصادية اهمها : معدل التضخم الاقتصادي ، معدل الاداء الاقتصادي ،ومعدل النمو المتحقق في الناتج الاجمالي القومي ،ومستوى التوازن المتحقق.
- عوامل مالية اهمها: معدل الفائدة في النظام الرأسمالي الربوي، واسعار صرف العملة مقابل العملات العالمية ، السياسة المالية والنقدية ومدى كفائتها ، نسبة الدين العام وحجم الاحتياطي الوطني من العملات العالمية وغيرها .
- عامل المضاربة : حيث يلعب عامل المضاربة دورا مهما في تحديد القيمة الذاتية للنقود ، وتتاثر القيمة الذاتية للنقود في المجتمعات الرأسمالية بالدورة الاقتصادية التي يمر بها البلد او الاقتصاد العالمي والتي لا يمكن فصلها عن تأثير المضاربات المالية والتعامل بالربا .
أهداف السياسة الاقتصادية
تهدف السياسات الاقتصادية عادة إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية ، تتمثل في التالي:-
1- العمالة الكاملة أو التوظيف الكامل للموارد اللبشرية.
2- استقرار الأسعارخاصة أسعار المواد الأولية والتجهيزات الصناعية .
3- النمو الاقتصادي بمعدل يزيد عن معدل التزايد السكاني.
4- التوازن الخارجي.
بنوك المعاملات المقبولة في الإسلام:
االبنوك المقبول التعامل معها في الإسلام هي بنك تتجنب التعامل بالربا وتنحصر مواردها في الودائع الجارية و الودائع الاستثمارية .و توظف الودائع الاستثمارية في الاستخدامات التالية:
1.المشاركة: تشترك البنوك الإسلامية في إنشاء و إدارة الشركات و بخاصة الشركات المساهمة, وغالبا ما تخشي البنوك الإسلامية هذا النوع من الأنشطة نظرا لضعف الخبرات الفنية في المجالات الزراعية والصناعية و التجارية.
2.المرابحة: و هي شراء البنك لنوعيات من السلع و بيعها بسعر يتضمن ربحية لبنك. و يشترط الفقهاء هنا ملكية البنك للسلع. حيث لا يحل لبائع أن يبيع سلعة لم تنتقل ملكيتها وحيازتها له.
3.المضاربة: هي عقد مشاركة بين طرفين احدهما بالمال و الأخر بالعمل علي أن يتم تقسيم الربح بنسبة متفق عليها, و يتحمل صاحب المال الخسارة وحده حال تحققها.
4.التوريق : وأكثرها شيوعا هو ما يعرف باسم الصكوك. وتنص على وجوب أن يكون الدخل في شكل أرباح تتحقق من عمل يتم فيه اقتسام المخاطر وليس في شكل عائد مضمون. و هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة/أوامر الشراء) والمشاركة/المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق.
والإجارة ترتبط في العادة بمشاريع التأجير (غالبا للمعدات أو العقارات). وبموجب هذا الترتيب، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع.
وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني.
أنواع الملكية في الاسلام :
تتعدد أشكال الملكية في الإسلام وقد عرف تاريخ المسلمين ثلاثة أنواع من الملكية هي :
أولا : الملكيَّة الفرديَّة (الخاصة).
هي: الملكية التي تكون لصاحبٍ خاص، فرداً كان أم متعدِّداً، له الاستئثار بمنافعها والتصرُّف في محلِّها، ما لم توجد ضرورة وحالة استثنائية، وسواء كان هذا الملك متميزاً أم مشتركًا.
لقد أقرَّ الإسلامُ الملكية الفردية للمال بوسائل التملك المشروعة، قال تعالى:" للرِّجالِ نصيبٌ ممَّا اكتسَبُوا وللنِّساء ِنصيبٌ ممّا اكْتَسَبْنَ ". وقال سبحانه:" وآتُوا اليتامَى أمْوالَهُم ولا تتَبَدَّلوا الخبيثَ بالطيِّبِ ولا تأكُلُوا أموالَهُم إلى أمْوالِكُمْ ". وقال عليه الصلاة والسلام:" مَن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ".
حماية المِلْكيَّة الفردية: والملكية المشروعة مصونة لا يجوز الاعتداء عليها. قال الله تعالى:" ولا تأكلُوا أموالَكُمْ بينكم بالبَاطِلِ" . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ٌكحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
قرَّر الإسلام جملةً من العقوبات الدنيوية والأخروية لأنواع من الاعتداءات على الملكية، فقال تعالى:" والسَّارقُ والسارقةُ فاقطعُوا أيْدِيَهُمَا جزاءً بما كسَبَا نكالاً من اللهِ والله ُعزيزٌ حكيمٌ "، وقال عليه الصلاة والسلام:" من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقَه الله ُيومَ القيامة إيَّاه سبعَ أرَضِين".
للمسلم أن يدافع عن ملكيته عند الاعتداءات، وإذا قتل عندئذٍ فهو شهيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قُتِل دون ماله فهو شهيد".
طرق التملك الفردي:
1- الصيد: كصيد السمك و اللآلىء والمرجان والإسفنج ، وهي موارد ضخمة من موارد الدولة والأفراد.
2- إحياء الموات: من الأرض التي لا مالك لها بأية وسيلة من وسائل الإحياء؛ ولا بد من أن يقوم الفرد بإحيائها، وإلا سقط حق ملكيته لها؛ قال عليه الصلاة والسلام:" مَنْ أحْيَا أرضاً مَيْتَةً فهي لهُ".
3- استخراج ما في باطن الأرض من المعادن (الرِّكاز): وهذا العمل يجعل أربعة أخماس ما يستخرج من معدن ملكاً لمن استخرجه، والخمس زكاة.
4- تصنيع المادة الخامة لتفي بحاجة حيوية وتحقق منفعة لم تكن تحققها وهي خامة، أو تحسين وظيفتها بحيث تؤدي منفعة أكبر. وقيمة العمل بأنواعه واضحة في هذه العملية.
5- التجارة: سواء كانت فردية أم جماعية.
6- العمل بأجر للآخرين: والإسلام يحترم هذا العمل ويعظِّمه، ويدعو إلى توفية العامل أجره معجلاً غير منقوص، قال تعالى:" وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرى الله عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنونَ"، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ عَمَلِ يدِه".
حقوق العمال: يحترم الإسلام حق العامل في الأجر فهو يدعو إلى:
أ- الوفاء بالاجر عند انتهاء العمل، وحذر من الجور وعدم الوفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خَصْمُهُم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدرَ, ورجلٌ باع حراً فأكلَ ثمنَهُ, ورجلٌ استأجر أجيراً ثم استوفى منه ولم يُعْطِه أجْرَه ".
ب- التعجيل بأداء الأجر، فلا يكفي أداؤه كاملا، بل لا بد من أدائه عاجلاً، قال عليه الصلاة والسلام:" أَعْطُوا الأجيرَ أجْرَه قبل أنْ يجفَّ عَرَقُهُ".
واجبات العمال: الاتقان في العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته"، وقال:" إنّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقنَه"، فكلُّ حق يقابله واجب في الإسلام.
7- التملك بحكم الشرع: من غير جهد، وذلك: عن طريق الإرث، حيث تنتقل ملكية المال من الميت إلى أقاربه من الورثة، وعن طريق النفقة على من تجب لهم النفقة. وفي هذا نوع من التكافل الاجتماعي وتوازن بين الحقوق و الواجبات.
طرق غير مشروعة للتملك: مثل السَّلْب، والنَّهْب، والغَصْب، والسَّرقة، والمقامرة، و وَضْع اليد لا تسبِّب ملكاً.قال الله تعالى:" إِنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصَابُ و الأزْلاَمُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
المال الذي يأتي عن طريق الحرام فهو محرم؛ لأن القمار ليس عملاً، إنما هو ابتزاز، فوق ما يقع من العداوة والبغضاء بين المتقامرين، مما يتنافى مع الإسلام في بثِّ روح المودة والتعاون والإخاء، قال تعالى:" إِنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بينَكُمُ العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ".
ضوابط تنمية الملكية:
1- تحريم الغشَّ في المعاملة: قال عليه الصلاة والسلام:" من غشَّ فليس مني". وقال:" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا, فإن صدقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعِهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
فيحرم الغش في البيع والشراء، والربح الذي يأتي من الغش يكون حراماً، والتصدق به لا يقبل عند الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يَكْسِبُ عبدٌ مالاً حراماً فيتصدَّق منه فيُقْبَل منه، ولا ينفق منه فَيُبَارَك له فيه، ولا يتركه خلْفه إلا كان زَادَهُ إلى النار، إنَّ الله لا يمحو السّيِّئَ بالسَّيئ، ولكنْ يمحُو السَّيئَ بالحسنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحُو الخبيثَ “، وقال: “إنَّه لا يَرْبُو لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلا كانتِ النَّار أَوْلَى به".
2- تحريم احتكار أقوات الناس وضرورياتهم: فالاحتكار ليس وسيلة مشروعة من وسائل الكسب وتنمية المال، قال عليه السلام:" مَنِ احْتَكَرَ فهو خَاطِئٌ ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد بَرِئَ من اللهِ وبَرِئ اللهُ منه".
3- تحريم الرِّبا: قال الله تعالى:" يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا الرِّبَا أضْعَافَاً مُضَاعَفَةً واتَّقُوا الله لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
عقوبة التعامل بالرباء:
1- قال تعالى:" الَّذين يأكلونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلا كما يقومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطانُ من المَسِّ؛ ذلك بأنَّهم قالوا إنَّما البيعُ مثلُ الرِّبا، وأحلَّ الله البيعَ وحرَّمَ الرِّبا، فَمَنْ جاءَه موعظةٌ من ربِّه فانتهى فلهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى الله ومَنْ عادَ فأولئكَ أصحَابُ النَّار هم فيها خَالِدُونَ"
2- وقال سبحانه:" يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إنْ كُنتُمْ مُؤمِنينَ فإنْ لم تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بحربٍ مِنَ الله ورسولِهِ، وإنْ تُبْتُمْ فَلَكُم رؤوسُ أمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ ".
3- قال عليه الصلاة والسلام:" لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُوكِلَه وكاتبَه وشاهدَيْه، وقال: هم سواء".
ثانيا : المِلْكِيَّة ُالعامَّـة:
وهي: ما كانت لمجموع أفراد الأمة، أو الناس جميعاً، أو ما كانت لجماعة من الجماعات التي تتكون منها الأمة بوصف أنها جماعة؛ كالأنهار والطرق، والمرافق العامة ونحو ذلك. قال عليه السلام:" المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار ". وفي رواية:" الملح".
صور الملكية العامة أو الجماعية:
1- ملكية المرافق العامة: وهي الأموال ذات النفع العام، التي تمنع طبيعتُها من أن تقع تحت التملك الفرديِّ: كالأنهار القديمة والشوارع والطرقات والأراضي، فهي ملكية عامة، ينتفع المسلمون بها.
2- المساجد: إذْ جعلها الله تعالى له.
3- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس
4- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس.
ثالثا: ملكية الدولة (القطاع العام).
ووضع على كل نوعٍ منها حدودًا وقيوداً تمنع الضرر، وتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وعندئذٍ تحقق الملكيَّة وظيفةً اجتماعية شرعيَّة يؤديها المالك.
كتسب الدولة مِلْكَهَا من: الاغتنام بأنواعه، والشراء ونحوه، ومن التركات التي لا وارث لها، و الزَّكَوَات،والعُشُور،والضَّوائِع التي لا يُعرف صاحبُها،والرِّكاز، والجِزْيَة.
دور الدولةِ في المجالِ الاقتصاديِّ:
أولاً: جِبَايةُ الأموالِ العامَّةِ وإدارتُهَا :
المراد بالجباية: الجمع والتحصيل.
تقوم الدولة بمهام كثيرة، وهذه الأعمال والمهام تحتاج إلى من يقوم بها، ولا يتسنى لها ذلك إلا بالمال وجبايته.
موارد الأموال التي تجبيها الدولة: المال النقدي، والأموال العينية: وهي الزكاة وخمس الغنائم، وما يؤخذ من الرِّكاز والمعادن، والفيء، والجزية، والخراج، والعشور، وتركة من لا وارث له، واللُّقَطات التي لا يعرف صاحبها ونحو ذلك.
الدولة هي التي تقوم جباية هذه الأموال وهي التي تدير هذه الأموال التي هي ملك الشعب كلِّه دون تخصيص، وتشرف عليها وتحفظها، وتنمِّيها وتستثمرها لمصلحة المجتمع كله، وتوزعها وفقاً لأحكام الشريعة.
وضع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ضوابط الجباية والإنفاق، فقال: إني لا أجد هذا المالَ يُصْلِحُه إلا خلالٌ ثلاث: أن يُؤخذ بالحقِّ , ويُعطى في الحق , ويُمْنَع من الباطل. وإنما أنا ومالكم كوليِّ اليتيم.
رابعا : الملكية الاجتماعية: وهي ملكية تعود إلي أفراد المجتمع وقد عرفتها بعض المجتمعات المسلمة فيما يمكن اعتباره شكلا بدائيا لها يتمثل في امتلاك قبيلة أرضا مخصصة لها تزرعها زراعة جماعية وتوزع ناتجها على الأسر المشاركة في العمل والملكية . وقد أخذت الملكية الاجتماعية أشكالا في العصر الحديث بأوربا بظهور الشركات المساهمة وانتقلت من أوربا لباقي أنحاء العالم . وتعتبر الشركات التي يمتلكها أتحاد العمال في إسرائيل”الهستدروت “ شكلا من أشكال الملكية الاجتماعية وكذلك ما كان يعرف بالمزارع الجماعية التي كانت منتشرة في الاتحاد السوفييتي السابق وانتقلت منه إلى اسرائيل ومازالت قائمة بها. وهذه ملكيات تعود الي عدد محدود من أفراد المجتمع ولكن يمكن أيضا إقامة ملكيات اجتماعية يشارك فيها جميع أسر المجتمع في منطقة سكنية أو جعرافية على هيئة شركة مساهمة لكل أسرة فيها أسهما حسبما يسمح لها دخلها ومواردها المالية.
وهذه الملكية الاحتماعية الأخيرة التي تجسد وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله هي أقرب الملكيات الي روح الإسلام وقيمه ومقاصده ولو أنها غير قائمة بعد.
الانتفاع بالمال شرعا:
قد يتم الانتفاع بالمال على النحو التالي :
1- باستغلاله واستثماره في مشروعات انتاجية، كما هو الحال في االزراعة والصناعة والتعدين أو في مشروعات عامة أو خاصة خدمية مثل المياه والطاقة والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها
2- بانفاقه فيما هو استهلاكي مثل الطعام والشراب والسكن والملبس والتداوي والطاقة والزينة وغيرها.
3- التصرف في المال تصرفاً شرعياً على نحو الهبة والوصية أو القرض الحسن .
قال سبحانه وتعالى:" يا أيُّها الذين آمنُوا كُلُوا من طيِّبَاتِ ما رَزَقْناكُمْ ". وقال:" قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ اللهِ التي أخْرجَ لعبادِه والطيِّباتِ من الرِّزقِ". وقال:" كلُوا ممّا رزقَكُمُ اللهُ حلالاً طيِّباً ".
قيود حقِّ الانتفاع:
ينتفع الإنسان بمال الله تعالى في حدود حاجتهم دون إسراف أو تقتير, بل باعتدال في الإنفاق على النفس والأهل الذين ينفق عليهم؛ قال تعالى:" كلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا"، وقال سبحانه:" والذين إذا أنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا ولم يَقْتُرُوا وكانَ بين ذلك قَوَامًا ". وأن يكون عادلا في انفاقه على من هم تحت ولايته .
ولذا فإن حرية التصرف في المال محكومة بالضوابط الشرعية التالية:
1- أن يكون في حدود ما شرعه الله تعالى في أمور الكسب والإنفاق والاستثمار وسائر التصرفات الشرعية.
2- أداء الحقوق المتعلقة بالمال الذي جعله الله تعالى أمانة في يد المسلمين ، كالزكاة والصدقات التطوعية والنفقات الواجبة شرعا لمستحقيها ممن هم في ولاية صاحب المال أو من أهله وذوي رحمه ،وغيرها من الحقوق بما في ذلك سداد الديون .
استراتيجية التنمية
تعتمد معايير الجدوى الاقتصادية عند اختيار المستثمرين في تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية على عوامل عديدة ، اهم تلك العوامل هو توقع حجم الطلب المحلي والخارجي لمنتجات المشاريع المراد تنفيذها ( السلعية والخدمية ) فغاية الانتاج هة تلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات ا او خلق طلب لسلعة جديدة او اضافة منفعة لسلعة او خدمة قديمة الذي يرتكز على حاجة الافراد للمنفعة الخاصة بتلك السلعة او الخدمة ، فالحاجة بهذه الحالة تعتبر اهم العوامل المؤثرة في تحديد الطلب .، فتوقع حجم الطلب يمثل المؤشر والمعيار الاساسي في تأسيس او توسيع المشاريع الاقتصادية القديمة .
يختلف مفهوم الحاجة في الفكر الراسمالي عنه في الفكر الاسلامي والاشتراكي ، فالابعاد الفلسفية للحاجة في النظام الراسمالي تعتمد على معايير الربحية والمنفعة المادية المرتكزة على نظرية علم النفس النفعي التي تجعل
المنفعة اساسا لتوفير اكبر قسط من السعادة ويقول بهذا الصدد " جيفنيز " ان جميع سلوكيات الانسان مؤطرة ومرتكزة على مبدأ استقصاء فائض اللذة التي تقوده لتملك السلع مقابل الجهد المبذول للحصول عليها ، فعليه فان علم الاقتصاد هو حساب اللذة والالم ، و لخصها " ادم سمث " بالسعي لتحقيق اكبر مقدار ممكن من الثروة ، واشار " ريكاردو " الى ان المصلحة الخاصة تقود جميع المضاربات في التجارة .لذلك فان محددات الحاجة واسعة طالما هي تحقق الغايات المذكورة .
استنادا لذلك نجد في السوق عدد هائل من السلع والخدمات مطروحة للبيع لتلبية حاجات غير ذات قيمة نفعية او انها تتعارض مع الجانب الاخلاقي .لذا فان اصحاب الاموال والمؤسسات الممولة للاستثمار وفق النظام الربوي يعتمدوا في بناء استراتيجية التنمية في ظل النظام الراسمالي على اسس غير منطقية تعتمد على سلوكيات المستثمرين الربوية وعلى رغبات مادية لمجموع من الافراد يملكون المقدرة الشرائية ، استنادا لذلك يحصل تبذير كبير في الطاقات المادية والمعنوية للمجتمع لان اسس التنمية وضعت على هذا الاساس ، وهناك امثلة كثيرة لمشاريع تنتج سلع وخدمات توضح هذه الحالة .
ومفهوم الحاجة في الشريعة الاسلامية فهي مخصصة للاهداف السامية وهي خالية من المفاسد المتعددة في الاستثمار ، لذلك فان الاموال المزكاة تتجه للاستثمار في مجالات تحقق الغايات السامية للانسان وتنفذ مبدأ استخلاف الانسان في الارض المبنية على فكرة عمارة الارض على اسس حددتها الشريعة الاسلامية ضمن محددات واضحة ، بموجبها يتحقق الاستثمار الامثل والاعدل لطاقات المجتمع المتاحة المادية والمعنوية .وينطم مبدأ الإستخلاف في المال علاقة الإنسان بالمال ووما يستتبعها من حب التملك واستثمار التروات واقتسام الخيرات المشتركة بين بني البشر.فالمال مال الله وهو أمانه أو وديعة لدي مالكه يستفيد به مع التقيد تطبيق أحكامالله وأنفاقه فيما أحله وأمر مبه والإبتعاد عما حرمه ونيه عنه وقد أوكل الإنسان بموجب ما يمكنه اعتباره عقد استخلاف بين الله وعباده تعمير الأرض بالعمل الصالح المتقن والذي يعد إلى جانب ما يعود به نفع مباشر على صاحيه بمثابة ضرب من ضروب العبادة التي يؤجر عليها في الدنيا والآخرة.
و يعتبر المال ضروريا لتنظيم شؤون الحياة وقوامها كما أنه يعتبر زينة الحياة الدنيا لما يحققه الفرد والجماعةمن منافع .لذلك نظم الاسلام طرق كسبه واستثماره و تدبيره واستهلاكه.
ويحذر الإسلام في نفس الوقت من فتنة المال ويربطه به الطغيان وحب السيطرة والإمتلاك وهو ما يتطلب تهذيب غريزة التملك حتي لا ينجم عنها أية مشاكل في المجتمع المسلم. ولذا يعمل الإسلام على حل التناقض بين الدوافع الذاتية والمصالح الإجتماعية في إطار الدين دون تجاهل أي منها وويسعي إلى التوفيق بينهما .الإسلام يهذب غريزة التملك ويطورها ولا يلغيها ويتجاوزها كما يوظفها في خدمة الإنسان والمجتمع ومرضاة الله والفوز بالآخرة .ويتبع الإسلام في ذلك مايلي:
تنظيم السلوك البشري وتحرره من الإنصياع لفتنة المال. مقاومة نزعات التملك والتملك والهيمنة وضرورة الكدح للحصول على المال ومحاربة ميل النفس في الإنشداد إلى الإمتلاك الجائر والإفتتان به .
يقول الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِـينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً * يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً * وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
ويقول الله سبحانه و تعالى أيضا في بيان جزاء العمل الصالح:: "تَرَى الظَّالِمِيـنَ مُشْفِقِيـنَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِـعٌ بِهِـمْ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ». (الحج:22-42) وتتعدد الآيات في هذاالشأن في كتاب الله الكريم. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالي: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ».(النساء:173 ). فجزاء الإيمان والعمل الصالح في هذه الآية في الدنيا والآخرة من أجر وزيادة فضل وما أعظمه. وأيضا في قوله تعالي : “ وَلَوْ أَنَّ أَهْـلَ الْقُرَى آمَنُـواْ وَاتَّقَـواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»( الأعراف:69)ومثيل لها قوله تعالي: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً "(الطلاق:4)أي يجد أموره ميسرة وقوله :" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى "(طه123)وفوله :" مَـنْ عَمِلَ صَـالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَـنَّهُ حَيَـاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (النحل97). فمعايير الزرق الطيب هنا تترتبط بالصلاح والتقوي.
ولا يمنع ذلك أن تكون ربحية المشروع الاقتصادي بمثابة معيار يقاس نجاحه على مستوى الاستثمار لتحفيز المدخرين على استثمار أموالهم في تنمية اقتصاديات بلادهم. واعتماده هنا يحقق مصالح مرسلة ومنافع للناس.
ونستخلص مما سبق أن مبدأ الإستخلاف في الأرض يقوم من منظور الشريعة على التصرف في الثروات وفق منهج إلاهي قائم على مبدأ الكفاية وتوزيعا بالعدل والقسطاس وجعل الملكية الفردية في خدمة المجتمع ومحققة لمبدأ التكافل الإجتماعي بما يكفل سد حاجة جميع أفراد الأمة وسد الباب أمام التفاوت في الدخل واحتكار الثروة من قبل ألية يكون المال دولة بينها ويحرم منه غالبية الشعب .
مقاصد التنمية الاقتصادية في الإسلام:
يرى العلامة الطاهر بن عاشور أن للإسلام مقاصد خمسة في الأموال؛ هي: رواجها ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها
[7 ]. بينما يضيف إليها بعض الباحثين مقصدا سادسا وهو التكسب والاستثمار. ونتناول هذه المقاصد بشيء من التفصيل
فيما يلي:
1. مقصد التداول والرواج: ويراد بهذا المقصد تداول ورواج الأموال بين عامة الناس، وألا يكون ذلك قاصرا على الأغنياء
فقط أو على فئة معينة من المجتمع دون الفئات والشرائح الأخرى، ويكون ذلك في مجالات الاستثمار والاستهلاك، ومن هنا شرعت
العقود والبيوع والشركات في الفقه الإسلامي ونظمت معاملاتها، لتيسير وتسهيل حركة الأموال بين الناس.
2. مقصد التكسب والاستثمار. ويراد بهذا المقصد ما أوجبه الإسلام على الأفراد من السعي للكسب، واستثمار الأموال، فلا
يعطل المال ولا يكتنز ولكن يدفع به لدوائر الأعمال لينمو ويعم خيره على المجتمع؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتْ
الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة: آية 10) وهذا دليل وجوب
السعي للرزق والكسب، ويقول عز وجل محذرا من اكتناز المال: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: آية 34).
3. مقصد الوضوح: والمراد بهذا المقصد هو شفافية المعاملات والتصرفات المالية من حيث تدوينها وتوثيقها والإشهاد عليها،
وذلك دفعا للضرر والغرر والغش والتدليس، وإن كانت آية الدين هي الأشهر في هذا المجال، فإن كتابة جميع المعاملات
والتصرفات المالية معمول به من باب حفظ وبيان الحقوق. ومما يؤسف له أن الشفافية للمعاملات المالية في البلدان الإسلامية
محل شك وريبة، وينعكس ذلك من خلال ترتيب البلدان الإسلامية على مؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حيث
تحتل البلدان الإسلامية مراتب متدنية أو في أحسن الأحوال في منتصف التقويم.
4. مقصد الثبات: ويعنى بهذا المقصد الاختصاص وحرية التصرف في الملكيات والأموال الخاصة وعدم انتزاعها بغير رضا
مالكها بالطرق المشروعة من بيع أو هبة أو تبرع، وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل أيّا كانت صورته، ويقول الحق تبارك
وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً" (النساء: آية 29).
5. مقصد العدل: والعدل المراد في هذا المقصد، جعل المال في نصابه الذي جعل من أجله فلا يستثمر ولا ينفق في حرام،
وإنما في قنوات أمر بها الله عز وجل، تعود بالنفع على صاحبها وعلى من حوله من أفراد مجتمعه.
أنواع التنمية :
يستخلص مما كتبه عبد الحافظ الصاوي أنر تعريف التنمية مر بعدة مراحل بدءًا من النمو الاقتصادي، ثم التنمية الاقتصادية، ثم التنمية البشرية، ثم التنمية الشاملة، وكان آخر ما تعارفت عليه الأدبيات الاقتصادية، التنمية المستدامة والتي عرفت بدورها هي الأخرى تعريفات مختلفة منها:
"تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون مساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم". أو "التنمية التي تأخذ في
اعتبارها التوازنات البيئية الطبيعية وذلك حفاظا على الموارد من التدهور والاستنزاف وضمانا لاستدامة التنمية".
والتنمية الاقتصادية في الإسلام تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال نظرية خلافة الإنسان لله عز وجل في هذا الكون، وأن الإنسان مكلف بحكم هذه الخلافة بعمارة الأرض، وأن الإنسان يتحمل هذا التكليف إلى قيام الساعة.فالتنمية بالمفهوم الإسلامي ليست فرضا على جيل دون آخر، ولكنها عملية متصلة لا تتوقف، بحيث تكفل للمجتمع الاستقرار في ظل ظروف أفضل للحياة الإنسانية، مهما يعترض المجتمع من مشكلات وعقبات، والتواصل بهذا المعنى يحقق التكافل بين الأجيال من خلال المحافظة على الموارد واستثمارها بالقدر الذي يحفظ حق الأجيال القادمة. ومن هنا فإن خصائص التنمية التي يتوخاها الاقتصاد القائمم على أساس القيم الاسلامية تتمثل في عدة أمور هي:
1- الإنسان أساس التنمية.
إن محور التنمية هو الإنسان الذي يتحرك ويعمل وينتج ويتحمل ويبذل. والذي تؤكده كل الحقائق
والتجارب أن أي إستراتيجية تنموية في أي اقتصاد لا تحقق النجاح، ولا تصل خططها إلى أهدافها وغاياتها،إلا باحترام الإنسان واحترام حريته وتوفير الضمانات له، ومنحه الثقة الكاملة، ومشاركته في المسئولية مشاركة فعالة. ويتميز الإسلام بأنه لا يجعل المادة مطلوبة لذاتها ولكن لفلاح الإنسانية وتعمير الأرض.
وثمة ملحظ هام يتعلق بأداء السياسات التنموية والاقتصادية، في بلداننا العربية والإسلامية، وهو غياب مشاركة الأفراد في صنع وتنفيذ هذه السياسات، فالعادة أن الحكومات تشرع في تنفيذ ما تراه من سياسات، سواء كانت من بنات أفكارها، أو من وحي المؤسسات الدولية، فيغيب عنها إيمان الأفراد بجدوى هذه السياسات. فإذا ما تمت مشاركة الأفراد في صنع هذه السياسات عبر مؤسسات المجتمع الأهلي، والمؤسسات الفنية المعنية، وجعل قضية التنمية، قضية جمعية تعبر عن طموحات وتطلعات المجتمع،
فبلا شك، لن يكون هناك سياسة اقتصادية تؤتي مردودًا ثقافيا وسلوكيا سلبيا ينتهي بتبني منهجية العنف من أجل التغيير.
2-مراعاة احتياجات الفرد المادية والروحية، فبعض المذاهب الأخرى صرفت الإنسان عن المال والاقتصاد باعتباره عرض الحياة الدنيا، والبعض الآخر جعل من المال كل شيء، لتكون النظرة للحياة والكون وطبيعة العلاقة بين الناس على أسس مادية بحتة فجاء الإسلام ليحدث هذا التوازن بين الدنيا والآخرة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ( القصص : 77 ) واعتبر من مسألة الملكية صورًا متعددة تفي باحتياجات المجتمع وجعل من المال والملكية وظيفة اجتماعية.
3- مراعاة الموارد المتاحة والمحتملة، في ضوء احتياجات المجتمع الحالي، ووضع خطط للحفاظ على حق الأجيال القادمة من هذه الموارد. ويتطلب ذلك حصرا لموارد المجتمع وإمكاناته، وإعداد موازنات بين بدائلها وبدائل بعضها بعضا، ولعل أفضل مثال في هذا المجال المياه والطاقة.
ولعل موضوع تخصيص الموارد لصيق الصلة بهذا المحور، حيث يكون تخصيص الموارد بين العام والخاص بما يحقق مصلحة المجتمع ولا يعطل طاقته، فالأصل أن يقوم القطاع الخاص بتلبية احتياجات المجتمع ويساعد على ذلك بتخصيص ما يلزمه من موارد، إلا أن تكون هناك دواع تستلزم تدخل الدولة مثل عجز القطاع الخاص عن تلبية احتياجات المجتمع، أو أن تكون هناك حاجات للفقراء لا يلتفت إليها القطاع الخاص فتقوم الدولة بتلبية احتياجاتهم، أو أن تكون هناك دواع يتطلبها الأمن القومي.
أخذ البعد المكاني للتنمية في الاعتبار، فلا تفضل المدن على القرى والريف، ولكن الجميع سوء فالإنسان في القرى والريف له نفس حقوق الإنسان في المدن والحضر من توفير المياه النقية الصالحة للشرب، واستخدام الصرف الصحي الآمن، والطرق المعبدة،
والتعليم المناسب. ورضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب الذي أثر عنه: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر".
الاعتماد على الذات، لابد أن ينصرف كل مجتمع بالدرجة الأولى إلى إشباع احتياجات أفراده من خلال موارده المتاحة وحسن توظيفها، ومن هنا تحدث فقهاؤنا عن فروض العين وفروض الكفاية في واجبات الأفراد من أصحاب المهن والتخصصات المختلفة تجاه احتياجات المجتمع، وفي هذا الأمر توظيف لكل إمكانات المجتمع وعدم تهميش قطاع أو أفراد، أو الاهتمام بحاجات فئة دون أخرى. فإن عجزت بالمجتمع الوسائل المحلية في تلبية احتياجاته خرج إلى مجتمعات أخرى في إطار من التعاون وتبادل المنافع. ويجب ألا يفهم أن هناك صراعا أو تضادا بين المجتمعات وبعضها بعضا أو هي دعوة للانغلاق على الذات، فهناك العديد من المبررات التي تدعو إلى التعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وغيرها مع الآخر،ومنها:
1. إن قصر التعاملات بين فئة معينة من الناس، وعدم انفتاحهم على غيرهم، تجعل مقدم الخدمة أو السلعة، في هذا المجتمع، كبر أو صغر، في وضع احتكاري. وتوفر له نوعا من الحماية من منافسة الآخرين، حتى لو كانوا أجود منه في الصنعة أو تقديم السلع والخدمات. وهذا الوضع يقتل في نفس المحتكر روح الإبداع والتطوير، ويبدد موارد المجتمع لصالح فئة معينة، ومن المعروف أن تبديد الموارد سمة من سمات التخلف في الاقتصاديات الدولية.
2. المسلمون مدعوون للمساهمة في حضارة العصر، وألا يكونوا مستوعبين من قبل هذه الحضارة، فهي تصوغ حاجاتهم وتحدد وسائل إشباع تلك الحاجات، ولكن الانفتاح على الآخر يجعل من المسلمين كأفراد وشعوب ومجتمعات، في وضع لإثبات الذات، والمشاركة الفعلية لا الحضور والمشاهدة.
3. إن الانفتاح على الآخر لا يتعارض مع الوحدة الإسلامية، بل هو دافع لها؛ إذ يجعل الانفتاح على الآخر من معايير المنافسة، دعوة للمجتمعات الإسلامية إلى إحداث تكامل بين مواردها المالية والمادية والبشرية، مما يقوي من موقفها التنافسي في الساحة الاقتصادية الدولية.
4. أن التجربة أثبتت أن سياسة الاكتفاء الذاتي غير ممكنة، وأن تكامل المجتمعات مع بعضها البعض هو الوضع الطبيعي، كما قلنا من قبل، في إطار نظرية المدافعة، ولكن هذا لا يعني أو ينفي سياسة الاعتماد على الذات، وبينهما فرق كبير. فالاعتماد على الذات فيه شحذ للهمم وتوظيف للطاقات، ولا يمنع من الاستفادة بإمكانيات الآخرين والانفتاح عليهم والتواصل معهم.
5- الانفاق في حدود القوامة أي ما يقوم به معاش الناس من أهم خصائص التنميةفي الإسلام فيما يتعلق بالاستهلاك، ففي الوقت الذي لا يحرم فيه الإنسان من استهلاك الطيبات فإنه مأمور بعدم الإسراف والتبذير، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً". (الإسراء: آية 29) ويقول أيضا: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء: 26 و27)
ويمكن أن نستخلص مما سبق أيضا أن جوهر التنميةفي النظام الإسلامي هو تنمية الإنسان نفسه، وليس مجرد تنمية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع حاجاته، فهي تنمية أخلاقية تهدف إلى تكوين الإنسان السوي الذي يشكل نواة مجتمع المتقين، والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق الخلافة في الأرض، التي سيحاسب عليها أمام المولى عز وجل.
ولذلك فإن عمارة الأرض ـ أي التنمية بالمصطلح الحــديث ـ ليست عملاً دنيويًا محضًا، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل. ولا يتعارض الجانب التقليدي في التنمية، وعمارة الأرض مع تحقيق الرفاهية المادية للمجتمع الإسـلامي. وعلى ذلك لا تنصرف جـهود التنمية في الإسلام إلى مجــرد تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع أو توفير حد الكفاف أو إشباع حاجاتهم الأساسية فقط ـ كما تهدف النظم الإنمائية المعاصرة ـ وإنما تنشد أساسًا تحقيق الكفاية المعيشية لكل فرد من أفراد المجتمع، على النحو الذي يخرجهم من دائرة الفقر إلى حد الغنى.
والتنمية الاقتصادية تؤدي إلى بلوغ الحياة الكريمة التي أمر الله الناس أن يبتغوها في الدنيا ووعد عباده المؤمنين بأفضل منها في الآخرة.
ومن هذه النظرة الشمولية، المتعددة الجوانب والأبعاد للإسلام تجاه قضية التنمية، نجد أن الإسلام قد ركز على ثلاثة مبادئ مهمة، من المبادئ الحركية للحياة الاجتماعية، وهي:
ـ الاستخدام الأمثل للموارد والبيئة والطبيعة التي وهبها الله تعالى للإنسان وسخرها له.
ـ الالتزام بأولويات تنمية الإنتاج، والتي تقوم على توفير الاحتياجات الضرورية الدينية، والمعيشية، لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تقتير، قبل توجيه الموارد لإنتاج غيرها من
السلع.
ـ إن تنمية ثروة المجتمع وسيلة لتحقيق طاعة الله، ورفاهية المجتمع وعدالة التوزيع بين أفراد المجتمع. ومن هنا يتبين الربط المباشر لعملية التنمية بالعبادة، والمستمد من قوله
تعالى{هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61]. إذا ما ربط ذلك بالهدف النهائي لهذه النشأة والاستعمار، والمتجسد في قوله تعالى{وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون}[الذاريات:56].
ونخلص من ذلك إلى القول أن مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام، مفهوم شامل نواحي التعمير في الحياة كافة، تبدأ بتنمية الإنسان ذاتيًا، وذلك بتربيته دينيًا وبدنيًا وروحيًا وخلقيًا،
ليقوم بالدور المنوط به إسلاميًا، ومن خلال ذلك تنشأ عملية تعمير الأرض، الموضع الذي يعيش فيه الإنسان اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا ... إلخ، لتتحقق له الحياة الطيبة التي
ينشدها، ويستطيع في ضوئها أن يحقق الغاية العظمى، وهي إفراد العبادة لله وتحسينها.
كما أن التنمية الإسلامية، هي تنمية شاملة، لأنها تتضمن جميع الاحتياجات البشرية من مأكل وملبس، ومسكن، ونقل، وتعليم، وتطبيب، وترفيه، وحق العمل، وحرية التعبير، وممارسة
الشعائر الدينية... إلخ، بحيث لا تقتصر على إشباع بعض الضروريات، أو الحاجات دون الأخرى.
ولذلك فقد ارتبط مفهوم التنمية في الإسلام بالقيم والأخلاق الفاضلة، وأصبح تحقيق التنمية مطلبًا جماعيًا وفرديًا وحكوميًا، يسهم فيه كل فرد من أفراد المجتمع.
الإعلان العالمي الخاص بالحق في التنمية :
جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 ديسمبر 1986 ما يلي:
إن الجمعية العامة، إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتصلة بتحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني وفى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وإذ تسلم بأن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها،وإذ ترى أنه يحق لكل فرد، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما،
وإذ تشير إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،وإذ تشير كذلك إلى ما يتصل بذلك من الاتفاقات والاتفاقيات والقرارات والتوصيات والصكوك الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فيما يتعلق بالتنمية المتكاملة
للإنسان وتقدم وتنمية جميع الشعوب اقتصاديا واجتماعيا، بما في ذلك الصكوك المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ومنع التمييز، واحترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحفظ السلم والأمن الدوليين، وزيادة تعزيز العلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا للميثاق،وإذ تشير إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية،وإذ تشير أيضا إلى حق الشعوب في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان،
وإذ تضع في اعتبارها الالتزام الواقع على الدول بموجب الميثاق بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أي نوع كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من الأوضاع،
وإذ ترى أن القضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الاستعمار، والاستعمار الجديد، والفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتهديدات الموجهة ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، والتهديدات بالحرب، من شأنه أن يسهم في إيجاد ظروف مواتية لتنمية جزء كبير من الإنسانية،وإذ يساورها القلق إزاء وجود عقبات خطيرة في طريق تنمية البشر والشعوب وتحقيق ذواتهم تحقيقا تاما، نشأت، في جملة أمور، عن إنكار الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ ترى أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وأنه لا يمكن، وفقا لذلك، أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها إنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية،وإذ ترى أن السلم والأمن الدوليين يشكلان عنصرين أساسيين لإعمال الحق في التنمية،وإذ تؤكد من جديد وجود علاقة وثيقة بين نزع السلاح والتنمية، وأن التقدم في ميدان نزع السلاح سيعزز كثيرا التقدم في ميدان التنمية، وأن الموارد المفرج عنها من خلال تدابير نزع السلاح ينبغي تكريسها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب ولرفاهيتها ولا سيما شعوب البلدان النامية،وإذ تسلم بأن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية ولذلك فانه ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها،وإذ تسلم بأن إيجاد الظروف المواتية لتنمية الشعوب والأفراد هو المسئولية الأولى لدولهم، وإذ تدرك أن الجهود المبذولة على الصعيد الدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ينبغي أن تكون مصحوبة بجهود ترمى إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد،
وإذ تؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء. تصدر إعلان الحق في التنمية، الوارد فيما يلي:
المادة 1 :
1. الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
2. ينطوي حق الإنسان في التنمية أيضا على الإعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير، الذي يشمل، مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ممارسة حقها، غير القابل للتصرف، في ممارسة السيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية.
المادة 2
1. الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه.
2. يتحمل جميع البشر مسؤولية عن التنمية، فرديا وجماعيا، آخذين في الاعتبار ضرورة الاحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، فضلا عن واجباتهم تجاه المجتمع الذي يمكنه وحده أن يكفل تحقيق الإنسان لذاته بحرية وبصورة تامة، ولذلك ينبغي لهم تعزيز وحماية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مناسب للتنمية.
3. من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.
المادة 3
1. تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية.
2. يقتضي إعمال الحق في التنمية الاحترام التام لمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
3. من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية. وينبغي للدول أن تستوفى حقوقها وتؤدى واجباتها على نحو يعزز عملية
إقامة نظام اقتصادي دولى جديد على أساس المساواة في السيادة والترابط والمنفعة المتبادلة والتعاون فيما بين جميع الدول، ويشجع كذلك مراعاة حقوق الإنسان وإعمالها.
المادة 4
1. من واجب الدول أن تتخذ خطوات، فرديا وجماعيا، لوضع سياسات إنمائية دولية ملائمة بغية تيسير إعمال الحق في التنمية إعمالا تاما.
2. من المطلوب القيام بعمل مستمر لتعزيز تنمية البلدان النامية على نحو أسرع. والتعاون الدولي الفعال، كتكملة لجهود البلدان النامية أساسي لتزويد هذه البلدان بالوسائل
والتسهيلات الملائمة لتشجيع تنميتها الشاملة.
المادة 5
تتخذ الدول خطوات حازمة للقضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الفصل العنصري، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والاستعمار، والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتدخل الأجنبي، والتهديدات الأجنبية ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الاقليمية، والتهديدات بالحرب، ورفض الاعتراف بالحق الأساسي للشعوب في تقرير المصير.
المادة 6
1. ينبغي لجميع الدول أن تتعاون بغية تعزيز وتشجيع وتدعيم الاحترام والمراعاة العالميين لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
2. جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام علي قدر المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنظر فيها بصورة عاجلة.
3. ينبغي للدول أن تتخذ خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية.
المادة 7
ينبغي لجميع الدول أن تشجع إقامة وصيانة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل تحقيق نزع السلاح العام الكامل في ظل رقابة دولية فعالة، وكذلك من أجل استخدام الموارد المفرج عنها نتيجة لتدابير نزع السلاح الفعالة لأغراض التنمية الشاملة، ولا سيما تنمية البلدان النامية.
المادة 8
1. ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل. وينبغي اتخاذ تدابير فعالة لضمان قيام المرأة بدور نشط في عملية التنمية. وينبغي إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية.
2. ينبغي للدول أن تشجع المشاركة الشعبية في جميع المجالات بوصفها عاملا هاما في التنمية وفى الإعمال التام لجميع حقوق الإنسان.
المادة 9
1. جميع جوانب الحق في التنمية، المبينة في هذا الإعلان، متلاحمة ومترابطة وينبغي النظر إلى كل واحد منها في إطار الجميع.
2. ليس في هذا الإعلان ما يفسر على أنه يتعارض مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة أو على أنه يعني أن لأي دولة أو مجموعة أو فرد حقا في مزاولة أي نشاط أو في أداء أي عمل يستهدف انتهاك الحقوق المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.
المادة 10
ينبغي اتخاذ خطوات لضمان ممارسة الحق في التنمية ممارسة كاملة وتعزيزه التدريجي، بما في ذلك صياغة واعتماد وتنفيذ تدابير على صعيد السياسات وتدابير تشريعية وتدابير أخرى على الصعيدين ا
التنمية الإنسانية:
مفهوم التنمية الانسانية : يمكن أن نستخلص مما كتبه خبيرا التنمية الإنسانية : د. مهدي عمار ود. نادر الفرجاني ما يلي:
يستهدف مفهوم التنمية البشرية وضع الإنسان في موضع الصادرة ، وبؤرة التركيز في مخططات التنمية للمجتمعات الإنسانية ، وتصحيح الظرةالتقليدية السابقة له والتي كانت تعتبره مجرد مورد أو رأسمال بشرى في التنمية الاقتصادية. والتي كان يقيم نجاحها على أساس معدل حصة الفرد في الناتج القمي وليس مستوى تمتع الفرد ، ذكرا كان أم أنثي بكامل حقوقه وبحريته وكرامته ومشاركته في سياسة وتحديد مستقبل مجتمعه أو أمته. أومدى التحسن في مستوى معيشته أو مستوى معرفته. ولذا فإن التنميةالانسانية تعني توفير الشروط والظروف التي تمكن الإنسان، أي إنسان، من تحقيق إنسانيته. وهو ما يتطلب بدوره الإدراك الكامل لكينونته وصيرورته ، والوفاء باحتياجاته: البيولوجية ، العقلية، الوجدانية ، الاجتماعية ، الثقافية والروحية.
ويمكن تعريف التنمية الانسانية ، بأنها عملية توزيع الخيرات على الناس ، يأخذون ما ينبغي أن يتاح لهم ، وما ينبغي أن تكون عليه أحوالهم ، فضلا عن ناتج عملهم ضمانا لتنامي مستوىمعيشتهم ,
كما يمكن أيشا تحديد مفهومها على أنه المستوي الذي تصل اليه حالة الإنسان في كينونته في فترة زمنية محددة / من حيث فدراته وطاقاتهالإنسانية المتعددة ووالمركبة ومن خلال إشباع إحتياجات البقاء والتطور والتواصل والمشاركة والتحرر والحرية والانتماء والكرامة بتنمية تلك القدرات البشرية وما تستلزمه من حاجات مادية وغير مادية .
إلا أنه يجب ألا تقتصر التنمية الانسانية على حالة الكينونة ، وإنما ينبغي أن تمتد إلى حالة الصيرورة ، وهذا يعني الحرص على استمرار تنمية القدرات الإنسانية إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه ، وهي فدرات لا حدود لها ، ولاسقوف لآفاق نتائجها ، وهذا يستدعي بالضرورة توفير مجالات الإشباع للاحتياجات الإنسانية بصورة متنامية ومستدامة .ويرتبط هذا كله بنمط التنمية المطرد في معدلات نموه وتطوير هياكله البنيوية ، واتخاذ السياسات التي تحقق المزيد من الرخاء للإنسان، وتحسين كفاءته الإنتاجية وسيلة وأداء.
وللتنميةالانسانية جانبان ، أولهما: تشكيل القدرات البشرية وتنميتها من خلال تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارة ,وثانيهما: فيتصل بتوظيف القدرات المكتسبة في الإنتاج في المجالات الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية والسياسية والاستمتاع بوقت فراغه. ولذا تعتبر التنمية الرأسية للموارد البشرية في مقدمة أهداف التنمية ابشرية/الإنسانية ويقصد بتنمية الموارد البشريةرأسيا زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة القادرة على العمل في جميع المجالات، والتي يتم انتقاؤها واختيارها في ضوء ما أُجري من اختبارات مختلفة بغية رفع مستوى كفاءتهم الإنتاجية لأقصى حد ممكن عن طريق التعليم والتثقيف والتأهيل والتدريب المهني والتي لها ارتباط مباشر بالكفاية الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية في العصر الحالي .كما يتسع مفهومها أيضا لتشمل الاحتياجات المرتبطة بكرامة الإنسان ، وحماية حقوقه كحقه في التحرر والحرية وحقه في الحركة والتنقل وحقه في قانون عادل تشريعا وتطبيقا يحتمي يبه وينصفه.وحقوقه الشخصية,
وأدي التوسع في مفهوم التنميةالبشرية الي التفكير في ايجاد رقم قياسي لحريةا لبشر الي جانب الرقم المكون من الدخل الفردي ومعدل الأمل في العمر ونسبة التعليم وسنوات التمدرس.
مجمع الاحتياجات الإنسانية :
يجب الوفاء باحتياجات الانسان كاملة من أجل التنميةالمتكاملة لقدراته وتشمل تلك الاحتيا جات مايلي:
1 -احتياجات النمو البدني:
الغذاء والماء والكساءوالصحة والسكن والأمان الشخسي وحريةالتحرك الجسدي والتريض.
2-احتياجات النمو المعرفي والثقافي وتشمل:
التعلم واكتساب المعرفة والثقافة المشتركة واكتساب المهارات والدرايات ونمو المواهب والقدرات الخاصة والتعلم الذاتي وتنمية الذوق الفني والجمالي وإنتاج المعرفة وتجديدها.
3- احتياجات النمو الاجتماعي وتشمل:
التواصل الاجتماعي من خلال اللغة وإتاحة المعلومات والمشاركة والتأثير في صياغة الحاضر والمستقبل وتأمين العمل المفيد والمجزي وطمأنينة الانسان على نشاطه اليومي وعلى عمله وعلى أسرته حاضرا ومستقبلا .والقدرة على التنقل بين الأماكن التي يريدها,,
4 – احتياجات النمو النفسي ، وتشمل:
السكينة النفسية وأبعاد عوامل الخوف والقلق عنه، والمحبة والتحاب وتقدير الانسان لذاته والاعتراف بقيمته بصرف النظر عن أية عوامل أخرى وتكون لديه جب الاستطلاع والمبادرة والانتماء والوعي بالهوية وأدراك دوره في المجتمع وأهمية علاقته بالآخرين.
وهنا يلزم التذكير بأن مفهوم التنمية الإنسانية يتجاوز مفهوم النمو الاقتصادي و تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
و التنمية الإنسانية ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.
مقياس التنمية البشرية إلا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانيةالذي يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب دولة ما على مقياس التنمية البشرية، سواء كان كبيرا أو ضئيلا، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.
يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد. وتشى هذه الصلة بتعثر التنمية ولو على مستوى التنمية البشرية فى المغرب.
و الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته المغرب رغم محدوديته فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو المعترض الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.
والأخطر أن النمو الاقتصادى فى المغرب قد تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية أي اقتصاد الريع.
زيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
وكل الطواهر المشهودة والتقارير المنشورة تدل على استحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى المعرب لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن واحد.
ويقول د. عثمان محمد عثمان،على إثر صدور تقرير "التنمية البشرية" الذى يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2000، أن القضايا التى أثارها بحاجة لنقاش، وبعض مقولاته بحاجة لتصحيح أو توضيح.
بداية، من ذلك أنه شاع، بالعربية، استعمال "التنمية البشرية" كترجمة للمصطلح الإنجليزى human development، إلا أن "التنمية الإنسانية" عندنا تعريب أصدق تعبيرا عن المضمون الكامل للمفهوم، كما سيتضح بعد قليل مع الإبقاء على مصطلح "التنمية البشرية" بدلالة أضيق، الأمر الذى يسمح به ثراء اللغة العربية. فعلى حين تستعمل كلمتا "البشرية" و "الإنسانية" تبادليا فى العربية، يمكن إنشاء تفرقة، دقيقة، بين الأولى، كمجموعة من المخلوقات، والثانية، كحالة راقية من الوجود البشرى، وهذه التفرقة هى أساس تفضيلنا لمصطلح "التنمية الإنسانية".وقال نفس الشيء الكاتب فوزي منصور في مقدمة كتاب عن التنميةة البشرية نشرته دار الملتقي في المغرب فبيل صدور التقرير الرابع الذي حمل بالفعل إسم التنمية الانسانية.ويوضح ال=دكتور عثمان محمد عثمان أن مفهوم التنمية الإنسانية يقوم على كأساس أن "البشر هم الثروة الحقيقية للأمم" وأن التنمية الإنسانية هى "عملية توسيع خيارات البشر". والواقع أن "الخيارات" choices تعبير عن مفهوم أرقى، يعود إلى الاقتصادى، هندى الأصل، "أمارتيا سن" A. Sen منذ الثمانينيات، ألا وهو "الأحقيات" entitlements، يعبر عن حق البشر الجوهرى فى هذه "الخيارات".
وأحقيات البشر، من حيث المبدأ، غير محدودة، وتتنامى باطراد مع رقى الإنسانية. ولكن عند أىٍ من مستويات التنمية، فإن الأحقيات الثلاث الأساسية، فى نظر تقرير التنمية الإنسانية، هى "العيش حياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة، وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشى لائق". ويلاحظ أن هذه الأحقيات هى التى وجدت مدخلا فى تعريف مقياس التنمية البشرية بمكوناته الثلاث: توقع الحياة عند الميلاد، و التحصيل التعليمى، والدخل للفرد.
ولكن التنمية الإنسانية لا تقف عند هذا الحد الأدنى، بل تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
التنمية الإنسانية إذاً ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.
مقياس التنمية البشرية إذا لا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانية، إذ يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب الدولة بمقياس التنمية البشرية، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.
وفي ذات الوقت فإنه يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد.غير أن الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته بعض الدول العربية ومنها المغرب فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.والأخطر أن النمو الاقتصادى فيها تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية.
ولا يجب أن يكون ذلك التطور مثار دهشة، فزيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
ويمكن لنا الآن أن نتساءل: ماذا عسى يكون ترتيب دول شمال أفريقيا بين دول العالم على مقياس يعبر عن المحتوى الكامل لمفهوم التنمية الإنسانية، وهذا تساؤل مشروع فى ضوء تركيز تقرير "التنمية البشرية" للعام 2000 على موضوع حقوق الإنسان. نخشى أن مكانة تلك الذول بين دول العالم ستتقهقر عن الترتيب الحالى على أساس المقياس القاصر للتنمية البشرية. حيث يظهر من قواعد البيانات الدولية عن مدى احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية أن مصر تحتل مركزا متدنيا فى هذا الصدد، وربما قد ازداد تدنيا مؤخرا.
ستحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى دول شمال أفريقيا لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن.
وما يجدر الإشارة اليه هنا أن تعارير الامم المتحدة الثالث والرابع صدرت نسختها العربية تحت مسمي: التنمية الانسانية ثم عاد التقرير الأخير في نسخة العربية يحمل مسمي : التنمية البشرية مرة أخرى لأنه انحصر في موضوع البيئة وضرورة مراعاة مخططات التنمية للمحافظة عليها وهو بالتالي ينظر للناس ككائنات بشرية وليس على أساس انساني شأنهم شأن باقي الكائنات الحية التي تتأثر بأوضاع البيئة الطبيعية.
أهداف السياسة المالية :
ويجب على السياسة المالية أن تركز على التنميـة الإقتصـادية والإرتقـاء بمستوى النشاط الإقتصـادي للمجتمع وأن يكون للدولة دور فاعل وأن تسخـر كل إمكانياتها لتوفير المـوارد المالية اللازمـة لتحقيق هذا الهدف.وفقا لخطة يتم تحديد أهدافها بدقـة تامة وإعـداد سلم تفضيـلي من الإستثمـارات التي تعطي الأولوية في خطة التنمية مع تتسطير البرامج التنفيذية والالتزام بانجاز الاهداف وفقا لتلك البرامج مع إعداد بدائل تمويل الخطة والموازنة بينها حسب ما يحقق الكفاءة ويحد من التكلفة وييسر اخراج الخطة إلى حيز التنفيـذ في المواعيد المحددة لها .مع خضوع كل ذلك لرقابة ومتابعة شعبية تضمن النزاهة والشفافية في جميع المراحل .
و من أهـم الأسس التي يجب أن تبنى عليـها الدولة سياستـها بصدد تمـويل برامـج التنمية هو تجنب الـوسائل التمويـلية التضخمـية بطبيعتـها والقروض الخارجية والإعتمـاد أساسـا على مدخـرات المجتمع الحقيقية والتي يمكن تعبئة قدر كاف من المدخرات العائلية بوسائل شتي ثم توجيهها للآستثمارات النافعة والمتفقة مع برامج التنمية . ولاتتحقق هذه التعبئة مالم تشعر الأسر التي تقدم مدخراتها بأنها تعود عليها بالمنفعة الأنية والمستقبلية وترفع من مستوى معيشتها وتوفر فرص العمل لأفرادها.وفي نفس الوقت يجب حث الأفـراد على عـدم الإسراف و الإفـراط في الإستهـلاك الكمالي وتنمية الوعي الإدخـاري في برامج التربية والتعليم وبواسطة وسائل الإعلام ،وتدعيـم مؤسسات تجميع المدخرات. ويعتمد استثمـار القطاع العام في تمويـله على مصـادر متعددة من ضمنها:
1- ايرادات الضرائب المباشرة والعمل على زيادتها بالتوسع في المشروعات الانتاجية المكونة للثروات .
2_ ضغـط النفقات العامة بترشيد الانفاق وقصره على ما يتعلق بالتنمية الانسانية وخاصة التعليم والصحة .
3- التموسل بالعجز لتمويل المشروعات الانتاجية في حدود نسبة معقولة من الدخل القومي .
4- فتح رأسمال المشروعات الانتاجية أمام مساهمات المواطنين عن طريق الاكتتابات العامة.
5- قيمة بيع أسهم مملوكة للقطاع العام في مؤسسات انتاجية تم بيعها للمواطنين أو للعاملين فيها.
6- الاستعانة بالإئتمـان المصرفي للمساهمة في تمويل برامج التنمية بالحصول على تسهيـلات إئتمانية من البنوك وحثها على إستثمـار جانب من إحتياطاتها في أسهم وسندات المؤسسات الانتاجية الجديدة مقابل الحصول
على الأرباح المخصصة لها .
7- العمل على زيادة الصادرات لإمكان توجيه حصيلتها من العملات الآجنبية لشراء إحتياجات المشروعات الجديدة من السلع الرأسمالية اللازمة للتنمية الإقتصادية
8- تهيئة الظروف والبيئة الاقتصادية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة للإستثمـار في الدولة .
9- مدخرات القطاع العام: وهي تتمثل في صافي فائض المؤسسات الإقتصـادية التي يمتلكها القطاع العامالناتجة عن بذل الجهود لزيادة الإنتـاج وتحسين نوعـه وخفض تكلفتـه باستخدام التقنيات المناسبة.
والهدف النهائي للسياسات المالية والاقتصادية هو قيام مجتمع إنساني تذوب فيه الفوارق بين الطبقات وتتقارب فيه الدخول وترفرف عليه الرفاهيةو تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة المواطنين في توزيع الدخول و التوزيع الأمثل للدخـل هو الذي يحقق لكل فرد درجة إشباع متساوية من السلع والخدمات التي تشتريها وحدات الدخـل الحدية. ويؤدي الحد من التفاوت في توزيع الدخول بين الأفراد إلى مضاعفة الإشباع الجماعي . و دون المساس بالحوافز إبقاءا على مستوى المنتج الكلي، علما بأن سوء توزيع الدخل يؤدي إلى تضخم حجم المدخرات النقدية لبعض الأفراد لذوي الدخول الكبيرة وميلها إلى الزيادة عن الإدخار الحقيقي للمجتمع، مما يترتب عليه هبوط مستوى الدخل القومي وهكذا حتى يصل المجتمع إلى حالة من الفقر يقل معها حجم الإدخار إلى المستوى الذي يجعله معادلا تماما لحجم الإستثمار. بل يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي الحالي في دولنا علي وجه الخصوص والذي تسيطر عليه أوليغارشيا تسخر اقتصاد البلد لمصالحها الخاصة وتجد دعما من الحكومات خاصة بعد تصفية القطاع العام وبيع المؤسسات الانتاجية والخدمة لرأس المال الأجنبي هو وضع يصنع الفقر ويحافظ على صناعة الفقر ويحرسها ويحميها ، ولا يمكن مكافحة الفقر أو القضاء عليه مالم يتم تغيير هذ الوضع السائد حاليا.
وعموما فإن جميع الإعتبارات الإقتصادية الفنية والإجتماعية الأخلاقية تدعو إلى الحد من التفاوت في توزيع الدخول، ويتطلب الحد الإدني في تطبيق هذه السياسة وضع حد أدنى لدخل الأسرة لايجب أن يهبط دونه
ويراعى في وضع الحد الأدنى للدخول أن يكون كافيا لتوفير مستوى معيشي لائق للمواطن بحيث يتسنى له الحصول على حاجياته الأساسية وزيادة قيمة ناتجة بالتالي . و إذ تمثل دخول العمل (الأجور والمرتبات وما في حكمها) نسبة كبيرة من دخول الأفراد ذوي الدخول المنخفضة فإن ريع الأملاك العقارية تعتبر أهم مصدر للدخل بالنسبة للأفراد ذوي الدخول المرتفعة. من أجل هذا فإن أي خطة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدخول يجب أن تقوم أساسا على الحد من الدخول الناجمة عن ريع الملكيات العقارية وتحويل اقتصاد البلد من اقتصاد ريعي الي إقتصاد انتاجي،والعمل على زيادة الدخول المكتسبة من العمل.
.
و الأدوات المالية التي يمكن إستخدامها لإعادة توزيع الدخل عديدة تتمثل في الآتي:
1- ترض الضرائب التصاعدية على التركات والهبات وعقود بيع وتأجير العقارات وتجديد حد أقصي لملكية العقارات المنتجة للريع.وهو ما بدأت به الدول التي وضعت خطط لتنمية اقتصادياتها بفرض إصلاح زراعي يتم بموجبه توزيع الأراضي على أسر الفلاحين وتوجيه فائض العمالة في المناطق الفلاحية نحو العمل في التصنيع .و يضطر أصحاب رؤوس الأموال أيضا لاستثمارها في منشآت انتاجية صناعية تسهم في زيادة الثروة القومية والدخل القومي ورفع مستوى معيشة المواطنين بما توفره من فرص عمل ودخول جيده للعاملين وتمويل صناديق الضمان الاجتماعي ..
2- الرفع من أثمان السلع الكمالية بفرض ضرائب غير مباشرة مرتفعة عليها للحد من الإقبال عليها ، وفي نفس الوقت إعفاء السلع الأساسية من تلك الضرائب كلية أو العمل على خفض أسعارها بدعمها عن طريق منح إعانات لبعض فروع النشاط الإنتاجي المتصلة بالإستهـلاك الشعبي لتيسير سبل العيش للفئات محدودة الدخل وتمكينها من توفير مدخرات للآستثمار. . وهي سياسة تسهم في تضييق الهـوة بين الدخول, إذ أنها تعمل على إنخفاض ذوي الدخول المرتفعة ،بقدر ما تعمل على زيادة الدخل الحقيقي لذوي الدخول المنخفضة.
3-. فرض ضرائب تصاعدية على الدخل الفردي مع إعفاء الدخول الصغيرة من أية ضرائب إوهو ما يقلل من مدى التفاوت في توزيع الدخول الصافية وتنقص من قدر تركز الثروات ولا تجعل المال دولة في يد أقلة دون باقي المواطنين .
العوامل التي تؤثر على القيمة الذاتية للنقود :
- عوامل اقتصادية اهمها : معدل التضخم الاقتصادي ، معدل الاداء الاقتصادي ،ومعدل النمو المتحقق في الناتج الاجمالي القومي ،ومستوى التوازن المتحقق.
- عوامل مالية اهمها: معدل الفائدة في النظام الرأسمالي الربوي، واسعار صرف العملة مقابل العملات العالمية ، السياسة المالية والنقدية ومدى كفائتها ، نسبة الدين العام وحجم الاحتياطي الوطني من العملات العالمية وغيرها .
- عامل المضاربة : حيث يلعب عامل المضاربة دورا مهما في تحديد القيمة الذاتية للنقود ، وتتاثر القيمة الذاتية للنقود في المجتمعات الرأسمالية بالدورة الاقتصادية التي يمر بها البلد او الاقتصاد العالمي والتي لا يمكن فصلها عن تأثير المضاربات المالية والتعامل بالربا .
أهداف السياسة الاقتصادية
تهدف السياسات الاقتصادية عادة إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية ، تتمثل في التالي:-
1- العمالة الكاملة أو التوظيف الكامل للموارد اللبشرية.
2- استقرار الأسعارخاصة أسعار المواد الأولية والتجهيزات الصناعية .
3- النمو الاقتصادي بمعدل يزيد عن معدل التزايد السكاني.
4- التوازن الخارجي.
بنوك المعاملات المقبولة في الإسلام:
االبنوك المقبول التعامل معها في الإسلام هي بنك تتجنب التعامل بالربا وتنحصر مواردها في الودائع الجارية و الودائع الاستثمارية .و توظف الودائع الاستثمارية في الاستخدامات التالية:
1.المشاركة: تشترك البنوك الإسلامية في إنشاء و إدارة الشركات و بخاصة الشركات المساهمة, وغالبا ما تخشي البنوك الإسلامية هذا النوع من الأنشطة نظرا لضعف الخبرات الفنية في المجالات الزراعية والصناعية و التجارية.
2.المرابحة: و هي شراء البنك لنوعيات من السلع و بيعها بسعر يتضمن ربحية لبنك. و يشترط الفقهاء هنا ملكية البنك للسلع. حيث لا يحل لبائع أن يبيع سلعة لم تنتقل ملكيتها وحيازتها له.
3.المضاربة: هي عقد مشاركة بين طرفين احدهما بالمال و الأخر بالعمل علي أن يتم تقسيم الربح بنسبة متفق عليها, و يتحمل صاحب المال الخسارة وحده حال تحققها.
4.التوريق : وأكثرها شيوعا هو ما يعرف باسم الصكوك. وتنص على وجوب أن يكون الدخل في شكل أرباح تتحقق من عمل يتم فيه اقتسام المخاطر وليس في شكل عائد مضمون. و هيكل هذه الصكوك يعتمد على شكل واحد من الأشكال الثلاثة المشروعة في التمويل الإسلامي، وهي المرابحة (سندات الدين المخلَّقة/أوامر الشراء) والمشاركة/المضاربة (ترتيبات اقتسام الأرباح) والإجارة (البيع وإعادة التأجير)، أو مزيج مما سبق.
والإجارة ترتبط في العادة بمشاريع التأجير (غالبا للمعدات أو العقارات). وبموجب هذا الترتيب، يقوم مُصْدِر الأصول ببيعها لأحد الكيانات الاستثمارية ذات الغرض الخاص ثم يعيد استئجارها لمدة المشروع.
وعندما يحل موعد استحقاق الصكوك، يعيد الملتزم شراء الأصل المعني.
أنواع الملكية في الاسلام :
تتعدد أشكال الملكية في الإسلام وقد عرف تاريخ المسلمين ثلاثة أنواع من الملكية هي :
أولا : الملكيَّة الفرديَّة (الخاصة).
هي: الملكية التي تكون لصاحبٍ خاص، فرداً كان أم متعدِّداً، له الاستئثار بمنافعها والتصرُّف في محلِّها، ما لم توجد ضرورة وحالة استثنائية، وسواء كان هذا الملك متميزاً أم مشتركًا.
لقد أقرَّ الإسلامُ الملكية الفردية للمال بوسائل التملك المشروعة، قال تعالى:" للرِّجالِ نصيبٌ ممَّا اكتسَبُوا وللنِّساء ِنصيبٌ ممّا اكْتَسَبْنَ ". وقال سبحانه:" وآتُوا اليتامَى أمْوالَهُم ولا تتَبَدَّلوا الخبيثَ بالطيِّبِ ولا تأكُلُوا أموالَهُم إلى أمْوالِكُمْ ". وقال عليه الصلاة والسلام:" مَن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ".
حماية المِلْكيَّة الفردية: والملكية المشروعة مصونة لا يجوز الاعتداء عليها. قال الله تعالى:" ولا تأكلُوا أموالَكُمْ بينكم بالبَاطِلِ" . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ٌكحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
قرَّر الإسلام جملةً من العقوبات الدنيوية والأخروية لأنواع من الاعتداءات على الملكية، فقال تعالى:" والسَّارقُ والسارقةُ فاقطعُوا أيْدِيَهُمَا جزاءً بما كسَبَا نكالاً من اللهِ والله ُعزيزٌ حكيمٌ "، وقال عليه الصلاة والسلام:" من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقَه الله ُيومَ القيامة إيَّاه سبعَ أرَضِين".
للمسلم أن يدافع عن ملكيته عند الاعتداءات، وإذا قتل عندئذٍ فهو شهيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قُتِل دون ماله فهو شهيد".
طرق التملك الفردي:
1- الصيد: كصيد السمك و اللآلىء والمرجان والإسفنج ، وهي موارد ضخمة من موارد الدولة والأفراد.
2- إحياء الموات: من الأرض التي لا مالك لها بأية وسيلة من وسائل الإحياء؛ ولا بد من أن يقوم الفرد بإحيائها، وإلا سقط حق ملكيته لها؛ قال عليه الصلاة والسلام:" مَنْ أحْيَا أرضاً مَيْتَةً فهي لهُ".
3- استخراج ما في باطن الأرض من المعادن (الرِّكاز): وهذا العمل يجعل أربعة أخماس ما يستخرج من معدن ملكاً لمن استخرجه، والخمس زكاة.
4- تصنيع المادة الخامة لتفي بحاجة حيوية وتحقق منفعة لم تكن تحققها وهي خامة، أو تحسين وظيفتها بحيث تؤدي منفعة أكبر. وقيمة العمل بأنواعه واضحة في هذه العملية.
5- التجارة: سواء كانت فردية أم جماعية.
6- العمل بأجر للآخرين: والإسلام يحترم هذا العمل ويعظِّمه، ويدعو إلى توفية العامل أجره معجلاً غير منقوص، قال تعالى:" وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرى الله عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنونَ"، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما أكلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ عَمَلِ يدِه".
حقوق العمال: يحترم الإسلام حق العامل في الأجر فهو يدعو إلى:
أ- الوفاء بالاجر عند انتهاء العمل، وحذر من الجور وعدم الوفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خَصْمُهُم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدرَ, ورجلٌ باع حراً فأكلَ ثمنَهُ, ورجلٌ استأجر أجيراً ثم استوفى منه ولم يُعْطِه أجْرَه ".
ب- التعجيل بأداء الأجر، فلا يكفي أداؤه كاملا، بل لا بد من أدائه عاجلاً، قال عليه الصلاة والسلام:" أَعْطُوا الأجيرَ أجْرَه قبل أنْ يجفَّ عَرَقُهُ".
واجبات العمال: الاتقان في العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته"، وقال:" إنّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتْقنَه"، فكلُّ حق يقابله واجب في الإسلام.
7- التملك بحكم الشرع: من غير جهد، وذلك: عن طريق الإرث، حيث تنتقل ملكية المال من الميت إلى أقاربه من الورثة، وعن طريق النفقة على من تجب لهم النفقة. وفي هذا نوع من التكافل الاجتماعي وتوازن بين الحقوق و الواجبات.
طرق غير مشروعة للتملك: مثل السَّلْب، والنَّهْب، والغَصْب، والسَّرقة، والمقامرة، و وَضْع اليد لا تسبِّب ملكاً.قال الله تعالى:" إِنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصَابُ و الأزْلاَمُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
المال الذي يأتي عن طريق الحرام فهو محرم؛ لأن القمار ليس عملاً، إنما هو ابتزاز، فوق ما يقع من العداوة والبغضاء بين المتقامرين، مما يتنافى مع الإسلام في بثِّ روح المودة والتعاون والإخاء، قال تعالى:" إِنَّما يُرِيْدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بينَكُمُ العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ".
ضوابط تنمية الملكية:
1- تحريم الغشَّ في المعاملة: قال عليه الصلاة والسلام:" من غشَّ فليس مني". وقال:" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا, فإن صدقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعِهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
فيحرم الغش في البيع والشراء، والربح الذي يأتي من الغش يكون حراماً، والتصدق به لا يقبل عند الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يَكْسِبُ عبدٌ مالاً حراماً فيتصدَّق منه فيُقْبَل منه، ولا ينفق منه فَيُبَارَك له فيه، ولا يتركه خلْفه إلا كان زَادَهُ إلى النار، إنَّ الله لا يمحو السّيِّئَ بالسَّيئ، ولكنْ يمحُو السَّيئَ بالحسنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحُو الخبيثَ “، وقال: “إنَّه لا يَرْبُو لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلا كانتِ النَّار أَوْلَى به".
2- تحريم احتكار أقوات الناس وضرورياتهم: فالاحتكار ليس وسيلة مشروعة من وسائل الكسب وتنمية المال، قال عليه السلام:" مَنِ احْتَكَرَ فهو خَاطِئٌ ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" من احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد بَرِئَ من اللهِ وبَرِئ اللهُ منه".
3- تحريم الرِّبا: قال الله تعالى:" يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا الرِّبَا أضْعَافَاً مُضَاعَفَةً واتَّقُوا الله لعلَّكم تُفْلِحُونَ ".
عقوبة التعامل بالرباء:
1- قال تعالى:" الَّذين يأكلونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلا كما يقومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطانُ من المَسِّ؛ ذلك بأنَّهم قالوا إنَّما البيعُ مثلُ الرِّبا، وأحلَّ الله البيعَ وحرَّمَ الرِّبا، فَمَنْ جاءَه موعظةٌ من ربِّه فانتهى فلهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى الله ومَنْ عادَ فأولئكَ أصحَابُ النَّار هم فيها خَالِدُونَ"
2- وقال سبحانه:" يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إنْ كُنتُمْ مُؤمِنينَ فإنْ لم تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بحربٍ مِنَ الله ورسولِهِ، وإنْ تُبْتُمْ فَلَكُم رؤوسُ أمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ ".
3- قال عليه الصلاة والسلام:" لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومُوكِلَه وكاتبَه وشاهدَيْه، وقال: هم سواء".
ثانيا : المِلْكِيَّة ُالعامَّـة:
وهي: ما كانت لمجموع أفراد الأمة، أو الناس جميعاً، أو ما كانت لجماعة من الجماعات التي تتكون منها الأمة بوصف أنها جماعة؛ كالأنهار والطرق، والمرافق العامة ونحو ذلك. قال عليه السلام:" المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار ". وفي رواية:" الملح".
صور الملكية العامة أو الجماعية:
1- ملكية المرافق العامة: وهي الأموال ذات النفع العام، التي تمنع طبيعتُها من أن تقع تحت التملك الفرديِّ: كالأنهار القديمة والشوارع والطرقات والأراضي، فهي ملكية عامة، ينتفع المسلمون بها.
2- المساجد: إذْ جعلها الله تعالى له.
3- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس
4- ملكية الفيء والغنائم قبل قسمتها في الناس.
ثالثا: ملكية الدولة (القطاع العام).
ووضع على كل نوعٍ منها حدودًا وقيوداً تمنع الضرر، وتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. وعندئذٍ تحقق الملكيَّة وظيفةً اجتماعية شرعيَّة يؤديها المالك.
كتسب الدولة مِلْكَهَا من: الاغتنام بأنواعه، والشراء ونحوه، ومن التركات التي لا وارث لها، و الزَّكَوَات،والعُشُور،والضَّوائِع التي لا يُعرف صاحبُها،والرِّكاز، والجِزْيَة.
دور الدولةِ في المجالِ الاقتصاديِّ:
أولاً: جِبَايةُ الأموالِ العامَّةِ وإدارتُهَا :
المراد بالجباية: الجمع والتحصيل.
تقوم الدولة بمهام كثيرة، وهذه الأعمال والمهام تحتاج إلى من يقوم بها، ولا يتسنى لها ذلك إلا بالمال وجبايته.
موارد الأموال التي تجبيها الدولة: المال النقدي، والأموال العينية: وهي الزكاة وخمس الغنائم، وما يؤخذ من الرِّكاز والمعادن، والفيء، والجزية، والخراج، والعشور، وتركة من لا وارث له، واللُّقَطات التي لا يعرف صاحبها ونحو ذلك.
الدولة هي التي تقوم جباية هذه الأموال وهي التي تدير هذه الأموال التي هي ملك الشعب كلِّه دون تخصيص، وتشرف عليها وتحفظها، وتنمِّيها وتستثمرها لمصلحة المجتمع كله، وتوزعها وفقاً لأحكام الشريعة.
وضع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ضوابط الجباية والإنفاق، فقال: إني لا أجد هذا المالَ يُصْلِحُه إلا خلالٌ ثلاث: أن يُؤخذ بالحقِّ , ويُعطى في الحق , ويُمْنَع من الباطل. وإنما أنا ومالكم كوليِّ اليتيم.
رابعا : الملكية الاجتماعية: وهي ملكية تعود إلي أفراد المجتمع وقد عرفتها بعض المجتمعات المسلمة فيما يمكن اعتباره شكلا بدائيا لها يتمثل في امتلاك قبيلة أرضا مخصصة لها تزرعها زراعة جماعية وتوزع ناتجها على الأسر المشاركة في العمل والملكية . وقد أخذت الملكية الاجتماعية أشكالا في العصر الحديث بأوربا بظهور الشركات المساهمة وانتقلت من أوربا لباقي أنحاء العالم . وتعتبر الشركات التي يمتلكها أتحاد العمال في إسرائيل”الهستدروت “ شكلا من أشكال الملكية الاجتماعية وكذلك ما كان يعرف بالمزارع الجماعية التي كانت منتشرة في الاتحاد السوفييتي السابق وانتقلت منه إلى اسرائيل ومازالت قائمة بها. وهذه ملكيات تعود الي عدد محدود من أفراد المجتمع ولكن يمكن أيضا إقامة ملكيات اجتماعية يشارك فيها جميع أسر المجتمع في منطقة سكنية أو جعرافية على هيئة شركة مساهمة لكل أسرة فيها أسهما حسبما يسمح لها دخلها ومواردها المالية.
وهذه الملكية الاحتماعية الأخيرة التي تجسد وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله هي أقرب الملكيات الي روح الإسلام وقيمه ومقاصده ولو أنها غير قائمة بعد.
الانتفاع بالمال شرعا:
قد يتم الانتفاع بالمال على النحو التالي :
1- باستغلاله واستثماره في مشروعات انتاجية، كما هو الحال في االزراعة والصناعة والتعدين أو في مشروعات عامة أو خاصة خدمية مثل المياه والطاقة والتعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها
2- بانفاقه فيما هو استهلاكي مثل الطعام والشراب والسكن والملبس والتداوي والطاقة والزينة وغيرها.
3- التصرف في المال تصرفاً شرعياً على نحو الهبة والوصية أو القرض الحسن .
قال سبحانه وتعالى:" يا أيُّها الذين آمنُوا كُلُوا من طيِّبَاتِ ما رَزَقْناكُمْ ". وقال:" قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ اللهِ التي أخْرجَ لعبادِه والطيِّباتِ من الرِّزقِ". وقال:" كلُوا ممّا رزقَكُمُ اللهُ حلالاً طيِّباً ".
قيود حقِّ الانتفاع:
ينتفع الإنسان بمال الله تعالى في حدود حاجتهم دون إسراف أو تقتير, بل باعتدال في الإنفاق على النفس والأهل الذين ينفق عليهم؛ قال تعالى:" كلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا"، وقال سبحانه:" والذين إذا أنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا ولم يَقْتُرُوا وكانَ بين ذلك قَوَامًا ". وأن يكون عادلا في انفاقه على من هم تحت ولايته .
ولذا فإن حرية التصرف في المال محكومة بالضوابط الشرعية التالية:
1- أن يكون في حدود ما شرعه الله تعالى في أمور الكسب والإنفاق والاستثمار وسائر التصرفات الشرعية.
2- أداء الحقوق المتعلقة بالمال الذي جعله الله تعالى أمانة في يد المسلمين ، كالزكاة والصدقات التطوعية والنفقات الواجبة شرعا لمستحقيها ممن هم في ولاية صاحب المال أو من أهله وذوي رحمه ،وغيرها من الحقوق بما في ذلك سداد الديون .
استراتيجية التنمية
تعتمد معايير الجدوى الاقتصادية عند اختيار المستثمرين في تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية على عوامل عديدة ، اهم تلك العوامل هو توقع حجم الطلب المحلي والخارجي لمنتجات المشاريع المراد تنفيذها ( السلعية والخدمية ) فغاية الانتاج هة تلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات ا او خلق طلب لسلعة جديدة او اضافة منفعة لسلعة او خدمة قديمة الذي يرتكز على حاجة الافراد للمنفعة الخاصة بتلك السلعة او الخدمة ، فالحاجة بهذه الحالة تعتبر اهم العوامل المؤثرة في تحديد الطلب .، فتوقع حجم الطلب يمثل المؤشر والمعيار الاساسي في تأسيس او توسيع المشاريع الاقتصادية القديمة .
يختلف مفهوم الحاجة في الفكر الراسمالي عنه في الفكر الاسلامي والاشتراكي ، فالابعاد الفلسفية للحاجة في النظام الراسمالي تعتمد على معايير الربحية والمنفعة المادية المرتكزة على نظرية علم النفس النفعي التي تجعل
المنفعة اساسا لتوفير اكبر قسط من السعادة ويقول بهذا الصدد " جيفنيز " ان جميع سلوكيات الانسان مؤطرة ومرتكزة على مبدأ استقصاء فائض اللذة التي تقوده لتملك السلع مقابل الجهد المبذول للحصول عليها ، فعليه فان علم الاقتصاد هو حساب اللذة والالم ، و لخصها " ادم سمث " بالسعي لتحقيق اكبر مقدار ممكن من الثروة ، واشار " ريكاردو " الى ان المصلحة الخاصة تقود جميع المضاربات في التجارة .لذلك فان محددات الحاجة واسعة طالما هي تحقق الغايات المذكورة .
استنادا لذلك نجد في السوق عدد هائل من السلع والخدمات مطروحة للبيع لتلبية حاجات غير ذات قيمة نفعية او انها تتعارض مع الجانب الاخلاقي .لذا فان اصحاب الاموال والمؤسسات الممولة للاستثمار وفق النظام الربوي يعتمدوا في بناء استراتيجية التنمية في ظل النظام الراسمالي على اسس غير منطقية تعتمد على سلوكيات المستثمرين الربوية وعلى رغبات مادية لمجموع من الافراد يملكون المقدرة الشرائية ، استنادا لذلك يحصل تبذير كبير في الطاقات المادية والمعنوية للمجتمع لان اسس التنمية وضعت على هذا الاساس ، وهناك امثلة كثيرة لمشاريع تنتج سلع وخدمات توضح هذه الحالة .
ومفهوم الحاجة في الشريعة الاسلامية فهي مخصصة للاهداف السامية وهي خالية من المفاسد المتعددة في الاستثمار ، لذلك فان الاموال المزكاة تتجه للاستثمار في مجالات تحقق الغايات السامية للانسان وتنفذ مبدأ استخلاف الانسان في الارض المبنية على فكرة عمارة الارض على اسس حددتها الشريعة الاسلامية ضمن محددات واضحة ، بموجبها يتحقق الاستثمار الامثل والاعدل لطاقات المجتمع المتاحة المادية والمعنوية .وينطم مبدأ الإستخلاف في المال علاقة الإنسان بالمال ووما يستتبعها من حب التملك واستثمار التروات واقتسام الخيرات المشتركة بين بني البشر.فالمال مال الله وهو أمانه أو وديعة لدي مالكه يستفيد به مع التقيد تطبيق أحكامالله وأنفاقه فيما أحله وأمر مبه والإبتعاد عما حرمه ونيه عنه وقد أوكل الإنسان بموجب ما يمكنه اعتباره عقد استخلاف بين الله وعباده تعمير الأرض بالعمل الصالح المتقن والذي يعد إلى جانب ما يعود به نفع مباشر على صاحيه بمثابة ضرب من ضروب العبادة التي يؤجر عليها في الدنيا والآخرة.
و يعتبر المال ضروريا لتنظيم شؤون الحياة وقوامها كما أنه يعتبر زينة الحياة الدنيا لما يحققه الفرد والجماعةمن منافع .لذلك نظم الاسلام طرق كسبه واستثماره و تدبيره واستهلاكه.
ويحذر الإسلام في نفس الوقت من فتنة المال ويربطه به الطغيان وحب السيطرة والإمتلاك وهو ما يتطلب تهذيب غريزة التملك حتي لا ينجم عنها أية مشاكل في المجتمع المسلم. ولذا يعمل الإسلام على حل التناقض بين الدوافع الذاتية والمصالح الإجتماعية في إطار الدين دون تجاهل أي منها وويسعي إلى التوفيق بينهما .الإسلام يهذب غريزة التملك ويطورها ولا يلغيها ويتجاوزها كما يوظفها في خدمة الإنسان والمجتمع ومرضاة الله والفوز بالآخرة .ويتبع الإسلام في ذلك مايلي:
تنظيم السلوك البشري وتحرره من الإنصياع لفتنة المال. مقاومة نزعات التملك والتملك والهيمنة وضرورة الكدح للحصول على المال ومحاربة ميل النفس في الإنشداد إلى الإمتلاك الجائر والإفتتان به .
يقول الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِـينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً * يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً * وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
ويقول الله سبحانه و تعالى أيضا في بيان جزاء العمل الصالح:: "تَرَى الظَّالِمِيـنَ مُشْفِقِيـنَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِـعٌ بِهِـمْ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ». (الحج:22-42) وتتعدد الآيات في هذاالشأن في كتاب الله الكريم. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالي: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ».(النساء:173 ). فجزاء الإيمان والعمل الصالح في هذه الآية في الدنيا والآخرة من أجر وزيادة فضل وما أعظمه. وأيضا في قوله تعالي : “ وَلَوْ أَنَّ أَهْـلَ الْقُرَى آمَنُـواْ وَاتَّقَـواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»( الأعراف:69)ومثيل لها قوله تعالي: " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً "(الطلاق:4)أي يجد أموره ميسرة وقوله :" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى "(طه123)وفوله :" مَـنْ عَمِلَ صَـالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَـنَّهُ حَيَـاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (النحل97). فمعايير الزرق الطيب هنا تترتبط بالصلاح والتقوي.
ولا يمنع ذلك أن تكون ربحية المشروع الاقتصادي بمثابة معيار يقاس نجاحه على مستوى الاستثمار لتحفيز المدخرين على استثمار أموالهم في تنمية اقتصاديات بلادهم. واعتماده هنا يحقق مصالح مرسلة ومنافع للناس.
ونستخلص مما سبق أن مبدأ الإستخلاف في الأرض يقوم من منظور الشريعة على التصرف في الثروات وفق منهج إلاهي قائم على مبدأ الكفاية وتوزيعا بالعدل والقسطاس وجعل الملكية الفردية في خدمة المجتمع ومحققة لمبدأ التكافل الإجتماعي بما يكفل سد حاجة جميع أفراد الأمة وسد الباب أمام التفاوت في الدخل واحتكار الثروة من قبل ألية يكون المال دولة بينها ويحرم منه غالبية الشعب .
مقاصد التنمية الاقتصادية في الإسلام:
يرى العلامة الطاهر بن عاشور أن للإسلام مقاصد خمسة في الأموال؛ هي: رواجها ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها
[7 ]. بينما يضيف إليها بعض الباحثين مقصدا سادسا وهو التكسب والاستثمار. ونتناول هذه المقاصد بشيء من التفصيل
فيما يلي:
1. مقصد التداول والرواج: ويراد بهذا المقصد تداول ورواج الأموال بين عامة الناس، وألا يكون ذلك قاصرا على الأغنياء
فقط أو على فئة معينة من المجتمع دون الفئات والشرائح الأخرى، ويكون ذلك في مجالات الاستثمار والاستهلاك، ومن هنا شرعت
العقود والبيوع والشركات في الفقه الإسلامي ونظمت معاملاتها، لتيسير وتسهيل حركة الأموال بين الناس.
2. مقصد التكسب والاستثمار. ويراد بهذا المقصد ما أوجبه الإسلام على الأفراد من السعي للكسب، واستثمار الأموال، فلا
يعطل المال ولا يكتنز ولكن يدفع به لدوائر الأعمال لينمو ويعم خيره على المجتمع؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتْ
الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة: آية 10) وهذا دليل وجوب
السعي للرزق والكسب، ويقول عز وجل محذرا من اكتناز المال: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: آية 34).
3. مقصد الوضوح: والمراد بهذا المقصد هو شفافية المعاملات والتصرفات المالية من حيث تدوينها وتوثيقها والإشهاد عليها،
وذلك دفعا للضرر والغرر والغش والتدليس، وإن كانت آية الدين هي الأشهر في هذا المجال، فإن كتابة جميع المعاملات
والتصرفات المالية معمول به من باب حفظ وبيان الحقوق. ومما يؤسف له أن الشفافية للمعاملات المالية في البلدان الإسلامية
محل شك وريبة، وينعكس ذلك من خلال ترتيب البلدان الإسلامية على مؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حيث
تحتل البلدان الإسلامية مراتب متدنية أو في أحسن الأحوال في منتصف التقويم.
4. مقصد الثبات: ويعنى بهذا المقصد الاختصاص وحرية التصرف في الملكيات والأموال الخاصة وعدم انتزاعها بغير رضا
مالكها بالطرق المشروعة من بيع أو هبة أو تبرع، وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل أيّا كانت صورته، ويقول الحق تبارك
وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً" (النساء: آية 29).
5. مقصد العدل: والعدل المراد في هذا المقصد، جعل المال في نصابه الذي جعل من أجله فلا يستثمر ولا ينفق في حرام،
وإنما في قنوات أمر بها الله عز وجل، تعود بالنفع على صاحبها وعلى من حوله من أفراد مجتمعه.
أنواع التنمية :
يستخلص مما كتبه عبد الحافظ الصاوي أنر تعريف التنمية مر بعدة مراحل بدءًا من النمو الاقتصادي، ثم التنمية الاقتصادية، ثم التنمية البشرية، ثم التنمية الشاملة، وكان آخر ما تعارفت عليه الأدبيات الاقتصادية، التنمية المستدامة والتي عرفت بدورها هي الأخرى تعريفات مختلفة منها:
"تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون مساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم". أو "التنمية التي تأخذ في
اعتبارها التوازنات البيئية الطبيعية وذلك حفاظا على الموارد من التدهور والاستنزاف وضمانا لاستدامة التنمية".
والتنمية الاقتصادية في الإسلام تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال نظرية خلافة الإنسان لله عز وجل في هذا الكون، وأن الإنسان مكلف بحكم هذه الخلافة بعمارة الأرض، وأن الإنسان يتحمل هذا التكليف إلى قيام الساعة.فالتنمية بالمفهوم الإسلامي ليست فرضا على جيل دون آخر، ولكنها عملية متصلة لا تتوقف، بحيث تكفل للمجتمع الاستقرار في ظل ظروف أفضل للحياة الإنسانية، مهما يعترض المجتمع من مشكلات وعقبات، والتواصل بهذا المعنى يحقق التكافل بين الأجيال من خلال المحافظة على الموارد واستثمارها بالقدر الذي يحفظ حق الأجيال القادمة. ومن هنا فإن خصائص التنمية التي يتوخاها الاقتصاد القائمم على أساس القيم الاسلامية تتمثل في عدة أمور هي:
1- الإنسان أساس التنمية.
إن محور التنمية هو الإنسان الذي يتحرك ويعمل وينتج ويتحمل ويبذل. والذي تؤكده كل الحقائق
والتجارب أن أي إستراتيجية تنموية في أي اقتصاد لا تحقق النجاح، ولا تصل خططها إلى أهدافها وغاياتها،إلا باحترام الإنسان واحترام حريته وتوفير الضمانات له، ومنحه الثقة الكاملة، ومشاركته في المسئولية مشاركة فعالة. ويتميز الإسلام بأنه لا يجعل المادة مطلوبة لذاتها ولكن لفلاح الإنسانية وتعمير الأرض.
وثمة ملحظ هام يتعلق بأداء السياسات التنموية والاقتصادية، في بلداننا العربية والإسلامية، وهو غياب مشاركة الأفراد في صنع وتنفيذ هذه السياسات، فالعادة أن الحكومات تشرع في تنفيذ ما تراه من سياسات، سواء كانت من بنات أفكارها، أو من وحي المؤسسات الدولية، فيغيب عنها إيمان الأفراد بجدوى هذه السياسات. فإذا ما تمت مشاركة الأفراد في صنع هذه السياسات عبر مؤسسات المجتمع الأهلي، والمؤسسات الفنية المعنية، وجعل قضية التنمية، قضية جمعية تعبر عن طموحات وتطلعات المجتمع،
فبلا شك، لن يكون هناك سياسة اقتصادية تؤتي مردودًا ثقافيا وسلوكيا سلبيا ينتهي بتبني منهجية العنف من أجل التغيير.
2-مراعاة احتياجات الفرد المادية والروحية، فبعض المذاهب الأخرى صرفت الإنسان عن المال والاقتصاد باعتباره عرض الحياة الدنيا، والبعض الآخر جعل من المال كل شيء، لتكون النظرة للحياة والكون وطبيعة العلاقة بين الناس على أسس مادية بحتة فجاء الإسلام ليحدث هذا التوازن بين الدنيا والآخرة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ( القصص : 77 ) واعتبر من مسألة الملكية صورًا متعددة تفي باحتياجات المجتمع وجعل من المال والملكية وظيفة اجتماعية.
3- مراعاة الموارد المتاحة والمحتملة، في ضوء احتياجات المجتمع الحالي، ووضع خطط للحفاظ على حق الأجيال القادمة من هذه الموارد. ويتطلب ذلك حصرا لموارد المجتمع وإمكاناته، وإعداد موازنات بين بدائلها وبدائل بعضها بعضا، ولعل أفضل مثال في هذا المجال المياه والطاقة.
ولعل موضوع تخصيص الموارد لصيق الصلة بهذا المحور، حيث يكون تخصيص الموارد بين العام والخاص بما يحقق مصلحة المجتمع ولا يعطل طاقته، فالأصل أن يقوم القطاع الخاص بتلبية احتياجات المجتمع ويساعد على ذلك بتخصيص ما يلزمه من موارد، إلا أن تكون هناك دواع تستلزم تدخل الدولة مثل عجز القطاع الخاص عن تلبية احتياجات المجتمع، أو أن تكون هناك حاجات للفقراء لا يلتفت إليها القطاع الخاص فتقوم الدولة بتلبية احتياجاتهم، أو أن تكون هناك دواع يتطلبها الأمن القومي.
أخذ البعد المكاني للتنمية في الاعتبار، فلا تفضل المدن على القرى والريف، ولكن الجميع سوء فالإنسان في القرى والريف له نفس حقوق الإنسان في المدن والحضر من توفير المياه النقية الصالحة للشرب، واستخدام الصرف الصحي الآمن، والطرق المعبدة،
والتعليم المناسب. ورضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب الذي أثر عنه: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم تمهد لها الطريق يا عمر".
الاعتماد على الذات، لابد أن ينصرف كل مجتمع بالدرجة الأولى إلى إشباع احتياجات أفراده من خلال موارده المتاحة وحسن توظيفها، ومن هنا تحدث فقهاؤنا عن فروض العين وفروض الكفاية في واجبات الأفراد من أصحاب المهن والتخصصات المختلفة تجاه احتياجات المجتمع، وفي هذا الأمر توظيف لكل إمكانات المجتمع وعدم تهميش قطاع أو أفراد، أو الاهتمام بحاجات فئة دون أخرى. فإن عجزت بالمجتمع الوسائل المحلية في تلبية احتياجاته خرج إلى مجتمعات أخرى في إطار من التعاون وتبادل المنافع. ويجب ألا يفهم أن هناك صراعا أو تضادا بين المجتمعات وبعضها بعضا أو هي دعوة للانغلاق على الذات، فهناك العديد من المبررات التي تدعو إلى التعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وغيرها مع الآخر،ومنها:
1. إن قصر التعاملات بين فئة معينة من الناس، وعدم انفتاحهم على غيرهم، تجعل مقدم الخدمة أو السلعة، في هذا المجتمع، كبر أو صغر، في وضع احتكاري. وتوفر له نوعا من الحماية من منافسة الآخرين، حتى لو كانوا أجود منه في الصنعة أو تقديم السلع والخدمات. وهذا الوضع يقتل في نفس المحتكر روح الإبداع والتطوير، ويبدد موارد المجتمع لصالح فئة معينة، ومن المعروف أن تبديد الموارد سمة من سمات التخلف في الاقتصاديات الدولية.
2. المسلمون مدعوون للمساهمة في حضارة العصر، وألا يكونوا مستوعبين من قبل هذه الحضارة، فهي تصوغ حاجاتهم وتحدد وسائل إشباع تلك الحاجات، ولكن الانفتاح على الآخر يجعل من المسلمين كأفراد وشعوب ومجتمعات، في وضع لإثبات الذات، والمشاركة الفعلية لا الحضور والمشاهدة.
3. إن الانفتاح على الآخر لا يتعارض مع الوحدة الإسلامية، بل هو دافع لها؛ إذ يجعل الانفتاح على الآخر من معايير المنافسة، دعوة للمجتمعات الإسلامية إلى إحداث تكامل بين مواردها المالية والمادية والبشرية، مما يقوي من موقفها التنافسي في الساحة الاقتصادية الدولية.
4. أن التجربة أثبتت أن سياسة الاكتفاء الذاتي غير ممكنة، وأن تكامل المجتمعات مع بعضها البعض هو الوضع الطبيعي، كما قلنا من قبل، في إطار نظرية المدافعة، ولكن هذا لا يعني أو ينفي سياسة الاعتماد على الذات، وبينهما فرق كبير. فالاعتماد على الذات فيه شحذ للهمم وتوظيف للطاقات، ولا يمنع من الاستفادة بإمكانيات الآخرين والانفتاح عليهم والتواصل معهم.
5- الانفاق في حدود القوامة أي ما يقوم به معاش الناس من أهم خصائص التنميةفي الإسلام فيما يتعلق بالاستهلاك، ففي الوقت الذي لا يحرم فيه الإنسان من استهلاك الطيبات فإنه مأمور بعدم الإسراف والتبذير، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً". (الإسراء: آية 29) ويقول أيضا: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء: 26 و27)
ويمكن أن نستخلص مما سبق أيضا أن جوهر التنميةفي النظام الإسلامي هو تنمية الإنسان نفسه، وليس مجرد تنمية الموارد الاقتصادية المتاحة لإشباع حاجاته، فهي تنمية أخلاقية تهدف إلى تكوين الإنسان السوي الذي يشكل نواة مجتمع المتقين، والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق الخلافة في الأرض، التي سيحاسب عليها أمام المولى عز وجل.
ولذلك فإن عمارة الأرض ـ أي التنمية بالمصطلح الحــديث ـ ليست عملاً دنيويًا محضًا، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل. ولا يتعارض الجانب التقليدي في التنمية، وعمارة الأرض مع تحقيق الرفاهية المادية للمجتمع الإسـلامي. وعلى ذلك لا تنصرف جـهود التنمية في الإسلام إلى مجــرد تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع أو توفير حد الكفاف أو إشباع حاجاتهم الأساسية فقط ـ كما تهدف النظم الإنمائية المعاصرة ـ وإنما تنشد أساسًا تحقيق الكفاية المعيشية لكل فرد من أفراد المجتمع، على النحو الذي يخرجهم من دائرة الفقر إلى حد الغنى.
والتنمية الاقتصادية تؤدي إلى بلوغ الحياة الكريمة التي أمر الله الناس أن يبتغوها في الدنيا ووعد عباده المؤمنين بأفضل منها في الآخرة.
ومن هذه النظرة الشمولية، المتعددة الجوانب والأبعاد للإسلام تجاه قضية التنمية، نجد أن الإسلام قد ركز على ثلاثة مبادئ مهمة، من المبادئ الحركية للحياة الاجتماعية، وهي:
ـ الاستخدام الأمثل للموارد والبيئة والطبيعة التي وهبها الله تعالى للإنسان وسخرها له.
ـ الالتزام بأولويات تنمية الإنتاج، والتي تقوم على توفير الاحتياجات الضرورية الدينية، والمعيشية، لجميع أفراد المجتمع دون إسراف أو تقتير، قبل توجيه الموارد لإنتاج غيرها من
السلع.
ـ إن تنمية ثروة المجتمع وسيلة لتحقيق طاعة الله، ورفاهية المجتمع وعدالة التوزيع بين أفراد المجتمع. ومن هنا يتبين الربط المباشر لعملية التنمية بالعبادة، والمستمد من قوله
تعالى{هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61]. إذا ما ربط ذلك بالهدف النهائي لهذه النشأة والاستعمار، والمتجسد في قوله تعالى{وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون}[الذاريات:56].
ونخلص من ذلك إلى القول أن مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام، مفهوم شامل نواحي التعمير في الحياة كافة، تبدأ بتنمية الإنسان ذاتيًا، وذلك بتربيته دينيًا وبدنيًا وروحيًا وخلقيًا،
ليقوم بالدور المنوط به إسلاميًا، ومن خلال ذلك تنشأ عملية تعمير الأرض، الموضع الذي يعيش فيه الإنسان اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا ... إلخ، لتتحقق له الحياة الطيبة التي
ينشدها، ويستطيع في ضوئها أن يحقق الغاية العظمى، وهي إفراد العبادة لله وتحسينها.
كما أن التنمية الإسلامية، هي تنمية شاملة، لأنها تتضمن جميع الاحتياجات البشرية من مأكل وملبس، ومسكن، ونقل، وتعليم، وتطبيب، وترفيه، وحق العمل، وحرية التعبير، وممارسة
الشعائر الدينية... إلخ، بحيث لا تقتصر على إشباع بعض الضروريات، أو الحاجات دون الأخرى.
ولذلك فقد ارتبط مفهوم التنمية في الإسلام بالقيم والأخلاق الفاضلة، وأصبح تحقيق التنمية مطلبًا جماعيًا وفرديًا وحكوميًا، يسهم فيه كل فرد من أفراد المجتمع.
الإعلان العالمي الخاص بالحق في التنمية :
جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 المؤرخ في 4 ديسمبر 1986 ما يلي:
إن الجمعية العامة، إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتصلة بتحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني وفى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وإذ تسلم بأن التنمية عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها،وإذ ترى أنه يحق لكل فرد، بمقتضى أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن فيه إعمال الحقوق والحريات المبينة في هذا الإعلان إعمالا تاما،
وإذ تشير إلى أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،وإذ تشير كذلك إلى ما يتصل بذلك من الاتفاقات والاتفاقيات والقرارات والتوصيات والصكوك الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فيما يتعلق بالتنمية المتكاملة
للإنسان وتقدم وتنمية جميع الشعوب اقتصاديا واجتماعيا، بما في ذلك الصكوك المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ومنع التمييز، واحترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحفظ السلم والأمن الدوليين، وزيادة تعزيز العلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا للميثاق،وإذ تشير إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية،وإذ تشير أيضا إلى حق الشعوب في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان،
وإذ تضع في اعتبارها الالتزام الواقع على الدول بموجب الميثاق بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أي نوع كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من الأوضاع،
وإذ ترى أن القضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الاستعمار، والاستعمار الجديد، والفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتهديدات الموجهة ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، والتهديدات بالحرب، من شأنه أن يسهم في إيجاد ظروف مواتية لتنمية جزء كبير من الإنسانية،وإذ يساورها القلق إزاء وجود عقبات خطيرة في طريق تنمية البشر والشعوب وتحقيق ذواتهم تحقيقا تاما، نشأت، في جملة أمور، عن إنكار الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ ترى أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنظر فيها بصورة عاجلة وأنه لا يمكن، وفقا لذلك، أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها والتمتع بها إنكار غيرها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية،وإذ ترى أن السلم والأمن الدوليين يشكلان عنصرين أساسيين لإعمال الحق في التنمية،وإذ تؤكد من جديد وجود علاقة وثيقة بين نزع السلاح والتنمية، وأن التقدم في ميدان نزع السلاح سيعزز كثيرا التقدم في ميدان التنمية، وأن الموارد المفرج عنها من خلال تدابير نزع السلاح ينبغي تكريسها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب ولرفاهيتها ولا سيما شعوب البلدان النامية،وإذ تسلم بأن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية ولذلك فانه ينبغي لسياسة التنمية أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها،وإذ تسلم بأن إيجاد الظروف المواتية لتنمية الشعوب والأفراد هو المسئولية الأولى لدولهم، وإذ تدرك أن الجهود المبذولة على الصعيد الدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ينبغي أن تكون مصحوبة بجهود ترمى إلى إقامة نظام اقتصادي دولي جديد،
وإذ تؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وأن تكافؤ الفرص في التنمية حق للأمم وللأفراد الذين يكونون الأمم، على السواء. تصدر إعلان الحق في التنمية، الوارد فيما يلي:
المادة 1 :
1. الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
2. ينطوي حق الإنسان في التنمية أيضا على الإعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير، الذي يشمل، مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ممارسة حقها، غير القابل للتصرف، في ممارسة السيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية.
المادة 2
1. الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه.
2. يتحمل جميع البشر مسؤولية عن التنمية، فرديا وجماعيا، آخذين في الاعتبار ضرورة الاحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، فضلا عن واجباتهم تجاه المجتمع الذي يمكنه وحده أن يكفل تحقيق الإنسان لذاته بحرية وبصورة تامة، ولذلك ينبغي لهم تعزيز وحماية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مناسب للتنمية.
3. من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.
المادة 3
1. تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية.
2. يقتضي إعمال الحق في التنمية الاحترام التام لمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
3. من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية. وينبغي للدول أن تستوفى حقوقها وتؤدى واجباتها على نحو يعزز عملية
إقامة نظام اقتصادي دولى جديد على أساس المساواة في السيادة والترابط والمنفعة المتبادلة والتعاون فيما بين جميع الدول، ويشجع كذلك مراعاة حقوق الإنسان وإعمالها.
المادة 4
1. من واجب الدول أن تتخذ خطوات، فرديا وجماعيا، لوضع سياسات إنمائية دولية ملائمة بغية تيسير إعمال الحق في التنمية إعمالا تاما.
2. من المطلوب القيام بعمل مستمر لتعزيز تنمية البلدان النامية على نحو أسرع. والتعاون الدولي الفعال، كتكملة لجهود البلدان النامية أساسي لتزويد هذه البلدان بالوسائل
والتسهيلات الملائمة لتشجيع تنميتها الشاملة.
المادة 5
تتخذ الدول خطوات حازمة للقضاء على الانتهاكات الواسعة النطاق والصارخة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعوب والأفراد المتأثرين بحالات مثل الحالات الناشئة عن الفصل العنصري، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والاستعمار، والسيطرة والاحتلال الأجنبيين، والعدوان والتدخل الأجنبي، والتهديدات الأجنبية ضد السيادة الوطنية والوحدة الوطنية والسلامة الاقليمية، والتهديدات بالحرب، ورفض الاعتراف بالحق الأساسي للشعوب في تقرير المصير.
المادة 6
1. ينبغي لجميع الدول أن تتعاون بغية تعزيز وتشجيع وتدعيم الاحترام والمراعاة العالميين لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون أي تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
2. جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وينبغي إيلاء الاهتمام علي قدر المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنظر فيها بصورة عاجلة.
3. ينبغي للدول أن تتخذ خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية.
المادة 7
ينبغي لجميع الدول أن تشجع إقامة وصيانة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل تحقيق نزع السلاح العام الكامل في ظل رقابة دولية فعالة، وكذلك من أجل استخدام الموارد المفرج عنها نتيجة لتدابير نزع السلاح الفعالة لأغراض التنمية الشاملة، ولا سيما تنمية البلدان النامية.
المادة 8
1. ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل. وينبغي اتخاذ تدابير فعالة لضمان قيام المرأة بدور نشط في عملية التنمية. وينبغي إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية مناسبة بقصد استئصال كل المظالم الاجتماعية.
2. ينبغي للدول أن تشجع المشاركة الشعبية في جميع المجالات بوصفها عاملا هاما في التنمية وفى الإعمال التام لجميع حقوق الإنسان.
المادة 9
1. جميع جوانب الحق في التنمية، المبينة في هذا الإعلان، متلاحمة ومترابطة وينبغي النظر إلى كل واحد منها في إطار الجميع.
2. ليس في هذا الإعلان ما يفسر على أنه يتعارض مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة أو على أنه يعني أن لأي دولة أو مجموعة أو فرد حقا في مزاولة أي نشاط أو في أداء أي عمل يستهدف انتهاك الحقوق المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.
المادة 10
ينبغي اتخاذ خطوات لضمان ممارسة الحق في التنمية ممارسة كاملة وتعزيزه التدريجي، بما في ذلك صياغة واعتماد وتنفيذ تدابير على صعيد السياسات وتدابير تشريعية وتدابير أخرى على الصعيدين ا
التنمية الإنسانية:
مفهوم التنمية الانسانية : يمكن أن نستخلص مما كتبه خبيرا التنمية الإنسانية : د. مهدي عمار ود. نادر الفرجاني ما يلي:
يستهدف مفهوم التنمية البشرية وضع الإنسان في موضع الصادرة ، وبؤرة التركيز في مخططات التنمية للمجتمعات الإنسانية ، وتصحيح الظرةالتقليدية السابقة له والتي كانت تعتبره مجرد مورد أو رأسمال بشرى في التنمية الاقتصادية. والتي كان يقيم نجاحها على أساس معدل حصة الفرد في الناتج القمي وليس مستوى تمتع الفرد ، ذكرا كان أم أنثي بكامل حقوقه وبحريته وكرامته ومشاركته في سياسة وتحديد مستقبل مجتمعه أو أمته. أومدى التحسن في مستوى معيشته أو مستوى معرفته. ولذا فإن التنميةالانسانية تعني توفير الشروط والظروف التي تمكن الإنسان، أي إنسان، من تحقيق إنسانيته. وهو ما يتطلب بدوره الإدراك الكامل لكينونته وصيرورته ، والوفاء باحتياجاته: البيولوجية ، العقلية، الوجدانية ، الاجتماعية ، الثقافية والروحية.
ويمكن تعريف التنمية الانسانية ، بأنها عملية توزيع الخيرات على الناس ، يأخذون ما ينبغي أن يتاح لهم ، وما ينبغي أن تكون عليه أحوالهم ، فضلا عن ناتج عملهم ضمانا لتنامي مستوىمعيشتهم ,
كما يمكن أيشا تحديد مفهومها على أنه المستوي الذي تصل اليه حالة الإنسان في كينونته في فترة زمنية محددة / من حيث فدراته وطاقاتهالإنسانية المتعددة ووالمركبة ومن خلال إشباع إحتياجات البقاء والتطور والتواصل والمشاركة والتحرر والحرية والانتماء والكرامة بتنمية تلك القدرات البشرية وما تستلزمه من حاجات مادية وغير مادية .
إلا أنه يجب ألا تقتصر التنمية الانسانية على حالة الكينونة ، وإنما ينبغي أن تمتد إلى حالة الصيرورة ، وهذا يعني الحرص على استمرار تنمية القدرات الإنسانية إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه ، وهي فدرات لا حدود لها ، ولاسقوف لآفاق نتائجها ، وهذا يستدعي بالضرورة توفير مجالات الإشباع للاحتياجات الإنسانية بصورة متنامية ومستدامة .ويرتبط هذا كله بنمط التنمية المطرد في معدلات نموه وتطوير هياكله البنيوية ، واتخاذ السياسات التي تحقق المزيد من الرخاء للإنسان، وتحسين كفاءته الإنتاجية وسيلة وأداء.
وللتنميةالانسانية جانبان ، أولهما: تشكيل القدرات البشرية وتنميتها من خلال تحسين مستوى الصحة والمعرفة والمهارة ,وثانيهما: فيتصل بتوظيف القدرات المكتسبة في الإنتاج في المجالات الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية والسياسية والاستمتاع بوقت فراغه. ولذا تعتبر التنمية الرأسية للموارد البشرية في مقدمة أهداف التنمية ابشرية/الإنسانية ويقصد بتنمية الموارد البشريةرأسيا زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة القادرة على العمل في جميع المجالات، والتي يتم انتقاؤها واختيارها في ضوء ما أُجري من اختبارات مختلفة بغية رفع مستوى كفاءتهم الإنتاجية لأقصى حد ممكن عن طريق التعليم والتثقيف والتأهيل والتدريب المهني والتي لها ارتباط مباشر بالكفاية الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية في العصر الحالي .كما يتسع مفهومها أيضا لتشمل الاحتياجات المرتبطة بكرامة الإنسان ، وحماية حقوقه كحقه في التحرر والحرية وحقه في الحركة والتنقل وحقه في قانون عادل تشريعا وتطبيقا يحتمي يبه وينصفه.وحقوقه الشخصية,
وأدي التوسع في مفهوم التنميةالبشرية الي التفكير في ايجاد رقم قياسي لحريةا لبشر الي جانب الرقم المكون من الدخل الفردي ومعدل الأمل في العمر ونسبة التعليم وسنوات التمدرس.
مجمع الاحتياجات الإنسانية :
يجب الوفاء باحتياجات الانسان كاملة من أجل التنميةالمتكاملة لقدراته وتشمل تلك الاحتيا جات مايلي:
1 -احتياجات النمو البدني:
الغذاء والماء والكساءوالصحة والسكن والأمان الشخسي وحريةالتحرك الجسدي والتريض.
2-احتياجات النمو المعرفي والثقافي وتشمل:
التعلم واكتساب المعرفة والثقافة المشتركة واكتساب المهارات والدرايات ونمو المواهب والقدرات الخاصة والتعلم الذاتي وتنمية الذوق الفني والجمالي وإنتاج المعرفة وتجديدها.
3- احتياجات النمو الاجتماعي وتشمل:
التواصل الاجتماعي من خلال اللغة وإتاحة المعلومات والمشاركة والتأثير في صياغة الحاضر والمستقبل وتأمين العمل المفيد والمجزي وطمأنينة الانسان على نشاطه اليومي وعلى عمله وعلى أسرته حاضرا ومستقبلا .والقدرة على التنقل بين الأماكن التي يريدها,,
4 – احتياجات النمو النفسي ، وتشمل:
السكينة النفسية وأبعاد عوامل الخوف والقلق عنه، والمحبة والتحاب وتقدير الانسان لذاته والاعتراف بقيمته بصرف النظر عن أية عوامل أخرى وتكون لديه جب الاستطلاع والمبادرة والانتماء والوعي بالهوية وأدراك دوره في المجتمع وأهمية علاقته بالآخرين.
وهنا يلزم التذكير بأن مفهوم التنمية الإنسانية يتجاوز مفهوم النمو الاقتصادي و تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
و التنمية الإنسانية ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.
مقياس التنمية البشرية إلا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانيةالذي يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب دولة ما على مقياس التنمية البشرية، سواء كان كبيرا أو ضئيلا، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.
يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد. وتشى هذه الصلة بتعثر التنمية ولو على مستوى التنمية البشرية فى المغرب.
و الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته المغرب رغم محدوديته فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو المعترض الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.
والأخطر أن النمو الاقتصادى فى المغرب قد تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية أي اقتصاد الريع.
زيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
وكل الطواهر المشهودة والتقارير المنشورة تدل على استحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى المعرب لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن واحد.
ويقول د. عثمان محمد عثمان،على إثر صدور تقرير "التنمية البشرية" الذى يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2000، أن القضايا التى أثارها بحاجة لنقاش، وبعض مقولاته بحاجة لتصحيح أو توضيح.
بداية، من ذلك أنه شاع، بالعربية، استعمال "التنمية البشرية" كترجمة للمصطلح الإنجليزى human development، إلا أن "التنمية الإنسانية" عندنا تعريب أصدق تعبيرا عن المضمون الكامل للمفهوم، كما سيتضح بعد قليل مع الإبقاء على مصطلح "التنمية البشرية" بدلالة أضيق، الأمر الذى يسمح به ثراء اللغة العربية. فعلى حين تستعمل كلمتا "البشرية" و "الإنسانية" تبادليا فى العربية، يمكن إنشاء تفرقة، دقيقة، بين الأولى، كمجموعة من المخلوقات، والثانية، كحالة راقية من الوجود البشرى، وهذه التفرقة هى أساس تفضيلنا لمصطلح "التنمية الإنسانية".وقال نفس الشيء الكاتب فوزي منصور في مقدمة كتاب عن التنميةة البشرية نشرته دار الملتقي في المغرب فبيل صدور التقرير الرابع الذي حمل بالفعل إسم التنمية الانسانية.ويوضح ال=دكتور عثمان محمد عثمان أن مفهوم التنمية الإنسانية يقوم على كأساس أن "البشر هم الثروة الحقيقية للأمم" وأن التنمية الإنسانية هى "عملية توسيع خيارات البشر". والواقع أن "الخيارات" choices تعبير عن مفهوم أرقى، يعود إلى الاقتصادى، هندى الأصل، "أمارتيا سن" A. Sen منذ الثمانينيات، ألا وهو "الأحقيات" entitlements، يعبر عن حق البشر الجوهرى فى هذه "الخيارات".
وأحقيات البشر، من حيث المبدأ، غير محدودة، وتتنامى باطراد مع رقى الإنسانية. ولكن عند أىٍ من مستويات التنمية، فإن الأحقيات الثلاث الأساسية، فى نظر تقرير التنمية الإنسانية، هى "العيش حياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة، وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشى لائق". ويلاحظ أن هذه الأحقيات هى التى وجدت مدخلا فى تعريف مقياس التنمية البشرية بمكوناته الثلاث: توقع الحياة عند الميلاد، و التحصيل التعليمى، والدخل للفرد.
ولكن التنمية الإنسانية لا تقف عند هذا الحد الأدنى، بل تتعداه إلى أحقيات إضافية أخرى، تشمل "الحرية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان".
التنمية الإنسانية إذاً ليست مجرد تنمية "موارد بشرية"، أو حتى "تنمية بشرية"، وإنما هى نهج أصيل الإنسانية فى التنمية الشاملة المتكاملة يقوم على أساس حقوقى متين. بعبارة أخرى، لا يمكن استبعاد مكون حقوق الإنسان من مفهوم التنمية الإنسانية. قد يتحقق، مع القهر وفساد الحكم، نمو اقتصادى أو حتى تنمية اقتصادية، بمعنى ما، وفى التاريخ أمثلة على ذلك. ولكن التنمية الإنسانية تشترط قيام حكم صالح وتمتع الناس بحقوق الإنسان.
مقياس التنمية البشرية إذا لا يرقى لمستوى غنى مفهوم التنمية الإنسانية، إذ يقصر عن الإلمام بجوانبه خاصة تلك التى نعد الأهم، أى الحقوقية. ولذلك فإن قيم مقياس التنمية البشرية ترتفع فى بعض من أكثر الدول قهرا للناس فى العالم. أى أن المقياس هذا يمكن أن يكون مضللا فى التعبير عن مستوى التنمية الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، فنية، فإن التغير فى مقياس التنمية البشرية، ومن ثم فى ترتيب الدول على المقياس، فى الأجل القصير ليس إلا تعبيرا، فى الواقع، عن التغير فى الدخل للفرد نظر لأن التغير فى توقع الحياة عند الميلاد والتحصيل التعليمى يتسم بالبطء. وعليه فإن ما يعد تحسنا فى ترتيب الدولة بمقياس التنمية البشرية، ليس مهما فى منظور التنمية الإنسانية.
وفي ذات الوقت فإنه يصعب تحسن حال التنمية البشرية فى بلد ما فى ظل ركود اقتصادى أو كساد.غير أن الأهم أن النمو الاقتصادى لا يكفى لقيام تنمية، ناهيك عن تنمية إنسانية. بل إن بعض النمو يجهض فرص النمو الاقتصادى ذاته فى المستقبل. فالأهم من مستوى النمو هو محتواه. وعلى وجه التحديد، فإن نمط النمو الاقتصادى الذى خبرته بعض الدول العربية ومنها المغرب فى العقدين الماضيين كان من هذا الصنف. فالنمو الذى ساد ترافق مع انتشار البطالة، وزيادة الفقر، وهما متلازمان.والأخطر أن النمو الاقتصادى فيها تلازم مع تفاقم سوء توزيع الدخل. ودون الدخول فى قضايا فنية ليس هنا مجالها، فإن القياسات التى يدلل بها البعض على عكس ذلك معيبة، وتعبر فى الحقيقة عن زيادة التقارب الاقتصادى والاجتماعى بين "غير الأغنياء"، أى تدهور مقدرات الطبقة الوسطى إلى قرب الفقراء. ومن المؤشرات النافذة على تفاقم سوء توزيع الدخل تناقص نصيب عوائد العمل، أى الأجور والمرتبات، من الناتج الإجمالى إلى حوالى النصف تقريبا، بين منتصف السبعينيات ومنتصف التسعينيات، ومكمل ذلك بالطبع هو زيادة ضخمة فى عوائد الملكية.
ولا يجب أن يكون ذلك التطور مثار دهشة، فزيادة التفاوت فى توزيع الدخل تعبير عن ظاهرة أبعد أثرا فى تطور البلد ككل، ألا وهى زيادة تركز الثروة، ومعادلها الموضوعى القوة السياسية، فى أيدى قلة قليلة. ويكفى تتبع مدى تركز نقل الثروة من القطاع العام إلى الخاص من ناحية، وتركز إنشاء المشروعات الجديدة والتعامل فى سوق الأوراق المالية، من ناحية أخرى، للدلالة على تفاقم سوء توزيع الثروة، الأمر الذى يمهد لتغير فى خريطة القوة السياسية، ليس فى صالح الفقراء، تتجمع نذره مهددة فى الأفق. وجماع الخبرة الدولية أن هذه التوليفة من الظروف كفيلة بالقضاء على فرص النمو الاقتصادى السريع فى المستقبل.
وتعنى هذه التطورات تعذر القضاء على جذور الفقر، سواء من خلال تحقيق مستوى مرتفع من النمو الاقتصادى أو من خلال سياسات ناجعة للعدالة التوزيعية التى هى مكون جوهرى لأى نظام رأسمالى متطور، لو يفقهون.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر، فى منظور التنمية الإنسانية، هو فى الأساس قصور فى القدرات الإنسانية، قصور فى رأس المال البشرى الناجم عن التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وقصور فى رأس المال المجتمعى المتمثل فى قلة الحيلة فى ظل هيكل القوة القائم. هذه هى جذور الفقر، ومحددات دوامه.
ويمكن لنا الآن أن نتساءل: ماذا عسى يكون ترتيب دول شمال أفريقيا بين دول العالم على مقياس يعبر عن المحتوى الكامل لمفهوم التنمية الإنسانية، وهذا تساؤل مشروع فى ضوء تركيز تقرير "التنمية البشرية" للعام 2000 على موضوع حقوق الإنسان. نخشى أن مكانة تلك الذول بين دول العالم ستتقهقر عن الترتيب الحالى على أساس المقياس القاصر للتنمية البشرية. حيث يظهر من قواعد البيانات الدولية عن مدى احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية أن مصر تحتل مركزا متدنيا فى هذا الصدد، وربما قد ازداد تدنيا مؤخرا.
ستحكام أزمة فى التنمية الإنسانية فى دول شمال أفريقيا لن يفلح فى تجاوزها إلا برنامج نهضة وطنية يبدأ من الاعتراف بحقائق الواقع، ويعبئ طاقات المجتمع كافة لمصلحة عموم الناس، ويطلب نجاح هذا البرنامج إقامة نسق للحكم المؤسسى الصالح ونسق اقتصادى يتسم بالكفاءة والعدالة فى آن.
وما يجدر الإشارة اليه هنا أن تعارير الامم المتحدة الثالث والرابع صدرت نسختها العربية تحت مسمي: التنمية الانسانية ثم عاد التقرير الأخير في نسخة العربية يحمل مسمي : التنمية البشرية مرة أخرى لأنه انحصر في موضوع البيئة وضرورة مراعاة مخططات التنمية للمحافظة عليها وهو بالتالي ينظر للناس ككائنات بشرية وليس على أساس انساني شأنهم شأن باقي الكائنات الحية التي تتأثر بأوضاع البيئة الطبيعية.
Subscribe to:
Posts (Atom)