Monday, May 3, 2010

مقولة: اﻹسلام دين وسياسة..هل هي صحيحة؟

عبارة : اﻹسلام دين وسياسة ، مقولة أديولوجية روجتها خلال العقود اﻷخيرة بعض الجماعات الدينية المسلمة لتبرير اشتغالها بالسياسة .وقالت أخرى: اﻹسلام دين ودولة . وﻷنه ﻻ يوجد نموذج لهذه الدولة في التاريخ فقد تبنت بعضها ما أسمته : إحياء دولة الخلافة الراشدة ومنها من قال باتباع المنهج النبوي استنادا الى حكم النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة والخلفاءالراشدين اﻷربعة أيضا.
سأحاول هنا مناقشة تلك المقوﻻت .
أوﻻمقولةاﻹسلام دين وسياسة أو دين ودولة:
وهي مقولة تخرج الدين من وحدانيته واكتماله بذاته ألى ثنائية ليست منه أو فيه. والمقولة أيضا تقسم اﻷسلام الي ماهو دين وما هو سياسة. بينما نجد الله سبحانةوتعالى يقول في كتابه الكريم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم دينكم ورضيت لكم اﻹسلام دينا. فاﻹسلام في هذه اﻵية له دﻻلة واحدةوهي الدين وﻻيحتمل معها أية دﻻلة أخرى تدل عليه.
فماهو الدين؟وما هو السياسة وما الفرق بينهما.؟
.الدين هو منهاج حياة يشتمل على أحكام وقيم ومبادىء لكي يهتدي بها الناس في عبادتهم لله ، هذه العبادة التي خلق الله اﻹنس والجن لها. وعبادة اﻹنس في هذا المنهج تشتمل على كل حركاتهم وسكناتهم قى الحياة الدنيا. فسعي المسلم للبحث عن الرزق عباده ، وعونه للمحتاجين عبادة ، وتربيته أوﻻده تربية حسنة عباده ، وأمره بالمعروف ونهية عن المنكر عبادة ، ومعاشرته زوجه بالحسني وبالمودة والرحمة عبادة ، وإزالته حجر عن الطريق حتي ﻻيعثر به أنسان أو دابة عبادة. وتأمله في خلق الله ودكره له قائما وقاعدا وساجدا عبادة..الخ وهذه العبادات كلها ﻻيمكن حصرها ولكن ما يميزها أنها تختلف في الكم والكيف من إنسان وآخر حسب طاقته حيث ﻻيكلف الله نفسا اﻹ وسعها واﻻنسان المسلم له مطلق الحرية فيها مالم يتعد حدود الله الواردة في كتابه وسنة رسوله الشارحة للكتاب الكريم أو المقصلة لما أجمل فيه بإرشاد الوحي حيث الرسول ﻻ ينطق عن الهوى وأنما هو وحي يوحي. وهناك عبادات مفروضه عرفت بأركان اﻹسلام مثل الصلاة خمس مرات في اليوم وإيتاء الزكاة المحددة قيمتها ومصارفها ،وصيام رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا.ومن زاد في هذه العبادات المفروضة تطوعا فهو خير له.
وأحكام الدين تضع ضوابط لكل تصرفات الناس تلك والتي اعتبرت ضمن عباداتهم ، سواء كانت تصرفات متعلقة باجتماعهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم ، أي ما يمكن اعتباره يتعلق بعلم اﻻجتماع وعلم السياسة وعلم اﻻقتصاد.فما وافق تلك الضوابط كان من ضمن العبادات وما خالفها أو تعداها الي غيرها صار خارج نطاق العبادة ومن الذنوب واﻵثام . ويوم القيامه يحاسب اﻹنسان وفق ذلك فمن ثقلت موازينه مما آتاه في دنياه من عبادات هي من أعمال الخير واﻹحسان فهو في جنة عالية ومن خقت موازينه من كثرة آثامه وقلة عباداته فأمه هاوية، نار حامية ، يلقي فيها جزاء ماقدمت يداه من سوء.
فيما يتعلق بالسياسة نجد في كتاب الله ثلاثة ضوابط أساسية هي : الشوري والعدل واﻹحسان. وهناك أمور مرتبطة بها مثل عدم مواﻻة أعداء الله واحترام العهود والمعاهدات وعدم النكث بها وما الي ذلك. أما كيف تمارس تلك السياسة وفق تلك الضوابط اﻹلهية الحاكمة لها فذلك يرتبط بالزمان والمكان وظروفهما وإكراهاتهماوﻻيتدخل الدين فيها. فالسياسةتتفق مع متطلبات الدين إن احترمت تلك الضوابط التي هي في حد ذاتها حدود الله ومخالفة للدين إن تعدت حدود الله.وضوابط السياسة شأن الضوابط اﻻجتماعية واﻻقتصادية الواردة في كتاب الله ، وﻻ تتميز عنها في شىء.ويمكن القول فيها بأنها من أمور الدنيا وضوابطها من أمور الدين.
فساد مقولة : اﻹسلام دين وسياسة هو في تداعاتها الضارة بالدين وبالسياسة معا.ضارة بالدين ﻷنه رسخ في وعي الكثيرين ممن يقولون بها بأن الدين يقتصر على العبادات المفروضة وما أحله وما حرمه فقط وأن مازاد عن ذلك يدخل في عداد مكارم الأخلاق ،وبالتالي تجاهلوا باقي العبادات والتي هي من جوهر الدين ، وراح أعداء الدين ومن يريدون ابقاء أمة المسلمين في تخلفها يكرسون هدا المنحي الخاطئ.ووجدوا في تراث المسلمين ما يعزز مثل هذا المعني مثل القول بأنه ﻻ يجوز الخروج على الحاكم ما ترك المسلمين يمارسون شعائر دينهم بحرية ، أي يصلون في المساجد والمنازل ويصومون الشهر ويحجون الي بيت الله من استطاع اليه سبيلا.وخاصة أن القائلين بذلك يتخذهم السلفيون أئمة لهم ، ويحيطون أقوالهم بقدر من القداسة دون اﻷخذ في اﻻعتبار الظروف التاريخية التي اضطرتهم الي القول بذلك اتقاء الفتن في المجتمع المسلم الذي كان يتربص به أعداء خارجيون له ولدينه.
الضرر الثاني هو حصر تفكير المسلمين السياسي في حكم النبي والخلفاء الراشدين دون اﻷخذ في الاعتبار أيضا الظروف التاريخية لهذا الحكم واختلاف الزمان ، وإذا كان النبي والخلفاء الراشدون قد حرصوا على العدل واﻹحسان فإن تطبيق الشوري تم في أضيق الحدود والتي لم تكن تسمح الظروف بأكثر منها. وهو ما دعا فقهاء الي القول بأن الشورى تنحصر في أهل الحل والعقد ، وكان أن قامت بعض اﻷنظمة العلمانية حتي النخاع والتي ﻻ تقيم ﻷحكام الدين وأوامره ونواهيه وزنا تؤلف مجالس وتطلق عليها اسم : مجلس الشورى تجمع فيه من تعتبرهم من أهل الحل والعقد من أتباعهاوالطائعين لها أكثر من طاعتهم لخالقهم.
هل يجوز القياس على حكم النبي وحكم الخلقاء الراشدين؟..
إذا أخذنا في اﻻعتبار الظروف التاريخية لهذا الحكم لو جدنا أنه حكم صاعته الظروف التي أحاطت به ولم تسمح له بأن يكون نظاما سياسيا يتم من خلاله أدارة شؤون الدولة المترامية اﻷطراف في زمن لم تكن فيه وسائل مواصلات واتصاﻻت سوى قوافل التجارة أو الحج.
بدايةبحكم النبي ، فصفة النبوة ﻻيمكن الفصل بينها وبين ذلك الحكم ، ومن أراده فليأت بحاكم نبي ينزل عليه الوحي ليرشده إذا واجه أزمة أو مأزق ﻻيجد منهما مخرجا، وهذا مستحيل ﻷن نبينا هو آخر اﻷنبياء والرسل. ورغم نبوته ونزول الوحي عليه فإن الله قال له: وشاورهم في اﻷمر. واﻷمر هنا هو ما يتعلق بالسياسة وليس بأحكام الدين التي ينفرد بتقريرها الله سبحانه وتعالى وﻻيشرك فيها أحدا من خلقه.المشورة هنا في أمور الناس أو الدنيا الخاضعة للضوابط واﻷحكام الواردة في كتاب الله.واﻷمر فيها للناس ﻷنهم اﻷدرى بمصالحهم.
وهنا أيضا علينا أن نأخد في اﻻعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل هو وأنصاره منذ هاجر للمدينة بالغزوات لنشر الدين في شبه الجزيرة العربية ابتداء من غزوة بدر وانتهاء بغزوات الفتح وحنين ومؤته وأنه بعد انتهاء تلك الغزوات بشهور انتقل الى الرفيق اﻷعلى وكان وقتها يجهز عزوة بقيادة أسامة بن زيد وافته المنية قبل أنفادها فأنفذها من بعده أبوبكر وكانت بداية المعرك مع الروم والفرس التي تمت في عهد عمر.لم يكن حكم النبي في المدينة يختلف عن حكم شيخ القبيلة الذي يتم الرجوع اليه في كل أمر ، ولم تكن الظروف تسمح بأكثر من ذلك ، وبالتالي ﻻيمكن أدارة دولة حديثة في زماننا به. والتي يكفي فيها لكي تتطابق سياستها مع اﻹسلام أن يتحقق فيها الشورىأي ﻻينفرد بتدبير أمورها فرد أو جماعة من الناس دونا عن باقي المسلمين وأن يعبر هذا الحكم عن العدل واﻻحسان وﻻيحل محرما أو يحرم ماأحله الله لعباده ، وأﻻ يكون المال فيها دولة في يد قلة بينما تعاني الكثرة من الحرمان. وكلها ضوابط ورد ذكرها في كتاب الله.أي أن المطلوب هو تديين السياسة بحيث تتفق مع الضوابط الدينية.
بالنسبة للخلقاء الراشدين سنجد أن الخليفة اﻷول انشغل طوال حكمة بحرب الردة وماإن انتهت قتل.والثاني انشغل طوال حكمه بالفتوحات وماإن تحقق النصر فيها حتي قتل. والثالث والذي يحكد له جمعه القرآن في المصحف المتداول بيننا حاليا تفرغ للعبادة وقراءة القرآن وترك الحكم وخاتمه ﻷحد أقاربه من بني أمية فأفسد فيه مما تسبب في مقتل الخليفة .والرابع ما إن بويع حتي واجه فتنة كبرى وكانت واقعة الجمل ثم صفين ثم الخوارج وبعدها قتل ومازالت الفتنة لم ينقشع غبارها.لم يكن أي منهم بقادر على وضع نظام حكم سياسي وﻻترك تراث أو مقررات سياسية نظرية أو عملية حتي يتخذ حكمة قدوة ولم تتعرض الدولة لتنظيم أو يعتبر أن للمسلمين دولة إﻻ على يد خلفاء بني أميةوبني العباس الذين استفادوا من تراث فارس والروم السياسي.
هذه الحقائق التاريخية يتجاهلها القائلون بإحياء الخلاقة الراشدة وبأن اﻹسلام دين وسياسة وفي زمن صارت السياسة علما ﻻأدني علاقة له بالفقه مثل علوم البيولوجيا والفلك واﻻجتماع والنفس والتربية والكيمياء والفيزياء وغيرها . وكل ماهو مطلوب في ما يأخذه المسلمون منها أن تكون منضبطة ﻷحكام وضوابط وحدود القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وﻻتحل ما حرمه الله وﻻتقضي بما يتعارض مع ما حكم به الله ورسوله وما أتانا به رسول الله من لدن ربه.وما لم يتعارض فيها مع تلك اﻷحكام يعد متمتع بالمشروعية الدينية الكاملة.
فوزي منصور

No comments: