Thursday, December 17, 2015

انتفاضات الربيع العربي ، هل هي من آيات الله ونذره؟




انتفاضات الربيع العربي ، هل هي من آيات الله ونذره؟

انتفضت تونس لمجرد أن بائعا متجولا أشعل النار في نفسه لأن شرطية صفعته على وجهه. وهي حادثة لا يتوقع أن يكون لها تأثير كبير في المجتمع التونسي لكي ينتفض ويضطر رئيس البلد أن يسلك طريقه الى جدة هربا . وانتقلت الشرارة إلى مصر وانتفض مئات الآلاف من المصريين في عيد الشرطة يوم 25 يناير باعتبار أن الشرطة قتلت شابا في الاسكندرية وأن انتهاكاتها لحقوقهم أكبر ويطالبون بالإصلاح .وحين تحركت ضدهم آليات القمع تحولوا إلى المطالة باسقاط نظام الحكم وتوفير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية . أي طالبوا بكل ما يشعرون بأنهم محرومين منه.

 وبعد مصر انتفضت اليمن ، وليبيا و سوريا ومازال سفك الدماء والخراب  فيها كلها جاريا ، ولا يعرف أحد متي ينتهي ويحل السلام والاستقرار فيها. كما زاد الطين بلة تدخل دول خارجية في شؤونها تصب كلها الزيت على حطبها لكي تزداد ناره اشتعالا.

لم يتوقع أحد من قبل ، بما فيها الأحهزة الأمنية المحلية والخارجية ،وكذلك الكتاب السياسيون والمحللون للأحداث السياسية والمصلحون  ، حدوث هذه الانتفاضات المتتابعة في المنطقة في فترة زمنية قليلة ، ووصفت تلك الانتفاضات أو الثورات ، كما أطلق عليها ، بأنها عفوية وغير منظمة وساعدت عليها مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر. واعتبرها بعض الذين أدهشهم قيامها من قضاء الله وقدره. أما الأمنيون ، وخاصة في مصر ، فقد اعتبروها مكيدة دبرتها بليل قوة منظمة وتملك موارد مالية كبيرة وليست عملا عقويا غير منظم أو يقف خلف تدبيره أحد.

 وحيث لا يوجد في مصر جهة تملك تلك المواصفات ، أي التنظيم المحكم والمال الوفير سوى الإخوان المسلمين ، فقد استقر في أذهانهم ، أن تلك الجماعة هي التي دبرت وأحكمت الانتفاضة وأخرجتها على هذا النحو في القاهرة والسويس والاسكندرية والمنصورة وطنطا وغيرها في وقت واحد.
 ولظهور عدد من الملتحين في الحشود فقد اعتبرت الجماعات السلفية والتي لديها التنظيم والمال أيضا ، قد تآمرت سرا مع الإخوان المسلمين. وأن السلفيين قد خانوا الأجهزة الأمنية بعد أن كانوا يعملون لحسابها كعيون لها ترصد كل مريب في المجتمع ويشكل خطورة على نظام الحكم .

 ولذا استدعى مدير المخابرات العامة المصرية، وهو أكبر مسؤول عن الأمن، الإخوان والسلفيين للاتقاق معهم على سحب حشودهم وتهدئة الوضع فأقسم هؤلاء بأنهم منعوا أتباعهم من المشاركة فيها ، ولم يصدقهم مدير المخابرات طبعا، وطلب منهم النزول في تلك الانتفاضات مقابل صفقة سياسة ، يتم خلالها القضاء على تلك الانتفاضة وتمكينهم من الحكم والانتفاع بمزاياه وريعه وحدهم . وأغراهم عرضه بالقبول حيث اعتبروها فرصة لا تعوض لتحقيق أحلامهم ، بينما كان ما يوعدون به حفرة حفرت لهم كما كتبت في حينها وسيتم ردمها عليهم فيما بعد ، وهذا ما حدث فعلا.

وأقول اليوم بأن ما حدث ، ولم يكن متوقعا، لم يكن للإخوان والسلفيين الذين فرقوا دينهم شيعا يد فيه ، وأنه كان قضاء وقدرا، وأن الله أرادها فتنة للجميع تكشف من الفضائح وفساد الحكم والأنفس والتلاعب بالدين من أجل مطامع الدنيا، ونهب وتبديد المال العام الذي كان مستورا ، واستعانة المتصارعين على الدنيا بأعداء الله لتحقيق أهدافهم ومراميهم ،وقد رفعت تلك الفتنة الغطاء عن كل ذلك كله.

سيقول قائل : إذا كانت كل تلك الانتفاضات أو الثورات قد تمت بإرادة الله وقضائه وقدره ، فلم لم تحقق أهدافها ، وتم الالتفاف عليها ، واتخاذ كل الاحتياطات لعدم ظهورها مرة أخرى؟..
وأقول إن حكمة القضاء والقدر هنا لم تكن مؤازرة تلك الانتفاضات أو تحقيق أهدافها ، وإنما لتكون عظة وعبرة للعالمين. ونذر أيضا لشعوب تلك الثورات أو الانتفاضات لتغيير أوضاعهم الفاسدة التي لايرضي عنها الله وإلا حل بهم انتقامه .

لقد أرسل الله من قبل أنبياء ورسل مثل نوح وهود وصالح ولوط الى أقوام لهدايتهم رغم علم الله المسبق بأنهم لن يهتدوا ، وأنه سيتم القضاء عليهم في النهاية ، ولكن إرسال الأنبياء كان لكي لايكون لهم حجة أو عذر.

ويمكن فهم تلك الانتفاضات والثورات باعتبارها من هذا القبيل . فهي ليست مؤيدة من الله حتي وإن كان من قاموا بها على حق ، ولكن هدفها هو كشف المستور وامتحان الظالمين والفاسدين ، لكي لا يكون لهم بعدها عذر إن واصلوا سيرتهم ، واستمروا في فسادهم ، الفكري والعملي ، وكأنهم مخلدون ، ولن يحاسبهم الله يوم القيامة ، وتناسوا أو تجاهلوا أن من أوتي كتابه بيمينه نجا، ومن أوتي كتابه بشماله ألقي به في العذاب مخلدا.

وباستعراض قصص الأنبياء الذين سبقت الإشارة اليهم مصداق لذلك، وهذا سبب ورودها في القرآن وما سبقه من كتب سماوية لكي يتعظ بها الناس ، الا الأشقياء منهم ممن منعهم الكبر والخيلاء والغرور من التماس العظة واتباع الحق .

لقد قدر الله أن يكون النبي محمد آخر الأنبياء والمرسلين ولذا فلن يرسل الله بشيرا ونذيرا بعده إلى أن تقوم الساعة ولكنه يظهر من آياته من يحل محل الأنبياء والرسل وينذر به الطغاة والفاسدين والمتاجرين بالدين من أجل الدنيا ومغانمها وليس لإعلاء كلمة الله كما يدعون أو تطبيق شرعه وأحكام الدين.

النبي نوح وقومه
أرسل الله نوحا نبيا ورسولا إلى قومه ، وأغلب الظن أنهم كانوا يقيمون في هضبة الأناضول وجبال القوقاز ويعبدون أوثانا تمثل من سلف من صالح أجدادهم ، ودعاهم نوح الى عبادة الله الواحد الأحد وألا يشركوا به أحدا. قال تعالي في سورة نوح:
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28).

وقد اختلفت آراء المسلمين فيما اذا كان الطوفان الذي أغرق قوم نوح شمل الأرض كلها كما تقول العديد من المرويات عن السلف ، أم انحصر في أرضهم . وثمة ما يرجح أن يكون قد انحصر في أرضهم ، على نحو ما ورد في اسطورة جلجاميش البابلية من أن جلجاميش ذهب الى أرض نوح وعاد بصحبته أنكيدو أحد الناجين مع نوح في سفينته وآخاه وأشركه في الملك ، وقد يكونا هما الملكان في بابل اللذين ورد ذكرهما في القرآن وكانا ينزل عليهم الوحي.

النبي هود وقومه عاد:
كانت عاد أيضا من العرب العاربة أو البائدة ،تشرك بالله آلهة أخرى  وكانوا يقيمون في شبه الجزيرة العربية ،فأرسل الله لهم النبي هود ، فكذبوه فأهلكهم الله تعالى.
قال الله تعالى في سورة الشعراء بالقرآن الكريم : Ra bracket.png كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ Aya-123.png إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ Aya-124.png إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ Aya-125.png فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ Aya-126.png وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ Aya-127.png La bracket.png سورة الشعراء الآيات 123-127.
وفي سورة هود:  وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ Aya-50.png يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ Aya-51.png وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ Aya-52.png قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ Aya-53.png إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ Aya-54.png مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ Aya-55.png إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ Aya-56.png فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ Aya-57.png وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ Aya-58.png وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ."
وجاء في سورة الأعراف : قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ Aya-70.png قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ Aya-71.png فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ Aya-72.png La bracket.png وأرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية أهلكتهم ، قال تعالى : رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ Aya-24.png تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ Aya-25.png وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ Aya-26.png La bracket.png سورة الأحقاف الآيات 21-26[5

النبي صالح وقومه ثمود:
كانت ثمود من قبائل ما يعرف بالعرب العاربة أو البائدة في شبه الجزيرة العربية أيضا، أناس طوال القامة ولديهم قوة بدنية سمحت لهم أن جابوا الصخر بالواد وبنوا به مساكنهم ـ وسكنوا أرض عاد بعد أن أهلكهم الله بظلمهم ، ولم يتعظوا بما حدث لعاد من قبل ، وعبدوا الأوثان ، فأرسل الله اليهم النبي صالح يطلب منهم أن يذروا أوثانهم ويعبدون الله وحده ، فما استجابوا له وقَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ .
ولإزالة مايدعون من شك لديهم مريب ، زود الله نبيه صالح بمعجزة باهرة إذ خلق من الصخر ناقة هائلة ، على أن يكون لها يوما في المرعي والمسقي ويكون لثمود اليوم الذي يليه تأديبا لهم وقال صالح لقومه : وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ . ولكنهم ورعم تلك المعجزة الماثلة بين أيديهم كذبوه فعقروها فدمدم الله عليهم بذنبتهم فسوانها.

النبي لوط ومن أرسل أليهم:
كان لوط ابن هاران اخ النبي أبراهيم ، وقد ساكن قوما في منطقة سدوم بشبه الجزيرة العربية وتزوج منهم وأنجب من زوجته ابنتاه ، وكانوا أهل فجورو فسوق ويأتون الفواحش ويمارسون الشذوذ الشبقي ، أي يفضلون أدبار الذكور في تحصيل المتعة عن قبل الإناث ، فكلف الله لوط أن يدعوهم الى الفطرة والامتناع عن ذلك فما أطاعوه فأرسل الله عليهم ملائكة عذاب أمطرتهم بحجارة من سجيل . ومرت الملائكة على هيئة بشر في طريقها الى سيدوم على النبي ابراهيم ، قال تعالي :
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}

وقال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ}وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
ونجا لوط وأهله فيما عدا زوجته كانت من الغابرين.

الخلاصة:
أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل إلى أقوام من المشركين أو المفسدين ليدعونهم الى الهدى والحق وهو يعلم أن هؤلاء القوم لن يستجيبوا لهم وأنه سيحق عليهم العذاب في النهاية. وتتم إبادتهم.
ونفس الشيئ يمكن قوله عن تلك الانتفاضات التي لم يكن أحد يتوقعها بهذا الحجم وبتلك الآثار والتداعيات ، فهي من آيات الله لمن فرقوا دينهم فرقا وأحزابا وكل بما لديهم فرحون وتناسوا قول خالقكم إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، وحاولوا أن يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وتناسوا أن الباقيات الصالحات خير عند ربهم وأبقى وأحسن أملا .وأيضا للذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بغير حق ويظنون أنهم يصلحون ،واتخذ هؤلاء وهؤلاء من أعداء الله أولياء لهم لاينالهم منهم إلا خسارا.

وهذه الآيات البينات مثل أرسال نوح الى قومه لكي ينذرهم في الآيات السابق ذكرها والتي جاء فيها :
 "قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)...
ولن يفيدهم مكرهم ، فإن اهتدوا الى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، غير المعضوب عليهم ولا الضالين ،هداهم الله الى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة. وإن اتقوا الله فإن الله يحب المتقين .وإن أحسنوا فإن الله يجزي المحسنين. وأمكنهم بالهدى والتقوى والإحسان أن يتجنبوا غضب الله عليهم ،وأن يحسن الله اليهم و يغمرهم بنعمائه ،وييسر عليهم ما صعب ، ويغير الله ما بهم حين يغيرون ما بأنفسهم . ويمكنهم في الأرض ، والا استخلف عليها من هم أقرب منهم الى الهدى والتقوي ومخافة الله وطلب رضاه.

وإنه يكفي أن نستعرض تطورات الأحداث في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن بتعقل وإيمان ليتضح لنا أن شعوب كل تلك الدول لم تلتزم بالصراط المستقيم وأنه لاأمل لها أو فيها إن ظلت على ماهي عليه ولم تفق وتصلح من أحوالها وتتق الله الباقي والأولى بالطاعىة عوض أن يغريها الجشع والطمع وجنون القوة لتستمر في فسادها وفجورها ويقتل بعضها بعضا وثمة من يتربص بها ويكيد لها من أعداء خارج بلادها يريد أن يكمل مسلسل القتل والتشريد لها لكي يدمرها في النهاية ويقضي عليها، وهي عن كيده لها غافلة.
كل هذه الدول في حقيقة أمرها كانت دولا فاشلة وزادت بعد تلك الانتفاضات أو ما سمي بثورات الربيع العربي فشلا وزادت تخلفا في كل مجالات الحياة عن باقي الأمم، ولم تحرز أي منها تقدما يذكر رغم كل ما أنفقته من أموال وبددته من جهود وقتلته من أنفس.ولم يكن من العسير المحافظة عليها واستثمار الثروة المادية والبشرية في النهوض بالدولة والارتقاء بها والحفاظ على الوحدة الوطنية.

إن مجرد جرد الأرباح والخسائر في هذه الدول خلال السنوات الأربع الماضية يكفي لمراجعة النفس وترك سبل الغي والتزام الصراط المستقيم وتغيير كل شيء ثبت بالتجربة أن استمراره لايقود لغير الدمار والبوار.

قد تبدو تونس الآن الأوفر حظا والأكثر سلاما بين كل تلك الدول في الظاهر، ولكن وضعها الحالي إن استمر على ما هو عليه لايبشر بخير، والهدوء النسبي فيها حاليا أشبه بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إن وصل اليه لايجد شيئا. والتوافق الحالي بين المغامرين أو الإخوة الآعداء وتمكنهم مؤقتا من خداع الشعب وتخديره لايمكنه أن يستمر طويلا ، لأن الزيف لابد أن ينكشف أمره سريعا وينفجر الوضع.

وقد سبق أن قلت بأن الذين يتفاخرون بأنهم أنقذوا مصر من أن يحدث لها ماحدث في ليبيا وسوريا والعراق ليس لديهم أية ضمانات من أن يحدث لها ماحدث لتلك الدول مستقبلا.
 وقد جاء حادث سقوط الطائرة الروسية المفاجئ والقول بأن سببه انفجار قنبلة دست بداخلها وتداعيات ذلك بمثابة إنذار أيضا جديد بأن الأمور لاتسير وفق ما نشتهي وليست على ما يرام مما يتطلب ضرورة تعديل السياسات المعمول بها حاليا سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الدفاعية أو الثقافية والتعليمية وغيرها قبل أن تخرج كل الأوضاع عن السيطرة ويحدث غير المتوقع من مساوئ ومخاطر واحتمالات غير منظورة يصعب التعامل معها.
وليس لما أكتبه هنا علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل وإنما يرتبط أساسا بما تتطلبه الفطنة والكياسة وصحيح السياسة ،وما يستلزم الحذر.
 وليتهم يطيعون لقصير أمر قبل أن يحدث ما لاتحمد عقباه ولاينفع فيه ندم.

 فوزي منصور

2015-12-17