Thursday, March 29, 2012

حايين وقابين.. وقتل الأخ لأخيه

الأخ يقتل أخاه أو أخته عمدا
اليوم نشرت صحيفة أخبار اليوم المغربية في عددها الصادر يوم 29 مارس 2012 أن شابا قرويا في العشرين من عمره قتل شقيقه الأكبر منه عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، تحت تأثير المخدرات بدعوى أنه لا يصلي. بينما القاتل نفسه لا يصلي. ونشرت أيضا أن شابا آخر قتل شقيقتيه الشابتين عمدا أيضا لأنه لم يجد لديهما ما يعطيانه لشراء المخدرات، معتبرا أن فقر أسرته لا يحتمل وجودهما..جيرانهم في الحي الشعبي شهدوا باستقامة الأختين والتزامهما.قد تحسب الحادثتين ضمن مخاطر تعاطي المخدرات، ولكنهما يكشفان أيضا بأن مجتمعاتنا هي أيضا تعيش خطرا، وإن العلاقات الأسرية ، خاصة في الأسر ، الفقيرة تعيش أزمة ، بينما تزداد هشاشتها في الكثير من الأسر الميسورة وإن لم تصل الى حد قتل الأخ لأخيه. وهذه الأسر تستغل فقرها الأحزاب السياسية للحصول على أصواتها في الانتخابات ، دون أن تساعدها لتحسين أوضاعها، وبعض تلك الأحزاب تمارس نوعا من الإحسان لهذه الأسر بالتصدق عليها في المناسبات أو إظهار التعاطف معها في حالة ما إذا مات أحد أفرادها فتساعدها على دفنه.قد يكون هذا لوجه الله ،وقد يكون للاستغلال السياسي لها ، فكلاهما وارد،ولكنه لا يغير من أوضاع تلك الأسر المأساوية شيئا،والتي تدفع أبنائها إلى الهروب عن مواجهة مشاكل مستعص عليهم حلها، مثل البطالة والفقر، إلى إدمان المخدرات ، والإقدام على ارتكاب أبشع الجرائم ، ليس في حق الغرباء فقط وإنما في حق ذوي الأرحام أيضا.السلطات الحاكمة متهمة بأنها تتعمد ترك هذه الأسر على حالها، يفسدون في الأرض ولكي يتم استغلال أفرادها ، وأن ظاهرة استخدام أجهزة أمنها للبلطجية في مواجهة الاحتجاجات من معارضيها دليل على ذلك. لم تأت الشريعة الإسلامية أيضا لإقامة الحدود على هؤلاء المساكين الهائمين على وجوههم في الشوارع وعالم الضياع ، وإنما لإنقاذهم من ذاك الضياع المزمن الأبدي. النخبة المثقفة ، خاصة اليسارية منها،معزولة عنهم ، وحينا ترتدي ثوب النفاق وتدعي الدفاع عن مصالحهم ، وحينا آخر تتعامل معهم بازدراء وتكيل لهم الاتهامات .وفي الحالتين تجهلهم وتتجاهلهم وتتركهم نهبا للجهل والفقر والمرض والانحرافات السلوكية، وتستغل أوضاعهم لدواع سياسية وليس لإيجاد حلول لها. أكثر من نصف الشعب الذي يصوت في الانتخابات من هؤلاء، هم الذين يختارون النواب الذين يتبجحون بأنهم يمثلون الشعب بينما هم لا يمثلون سوى طموحاتهم الشخصية، ولا يمتلكون أي رؤى أو يقدمون على شيء يحقق مصالح هؤلاء الناخبين التعساء.

القتل الجماعي
أن قايين مازال يقتل هايين حتى اليوم .وخاصة في الأقطار العربية والمسلمة. إذ لم يتوقف سفك الدماء والإفساد في الأرض منذ فجر الإنسانية حتى يومنا هذا، وهو ما كانت تحذر منه الملائكة يوم خلق الله آدم وقال لها: "إني جاعل في الأرض خليفة". فقالت الملائكة:" أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك". أي نحن أحق بأن نكون خلفاؤك فيها، فقال لهم المولي عز وجل: إني أعلم ما لا تعلمون..وعلم الله آدم الأسماء كلها. وعلم الله، الذي لا علم للملائكة به، هو أن آدم خلق من طين الأرض مما يجعله أكثر ارتباطا واهتماما بها وقدرة علي تعميرها. و أما خلق الله له علي هيئة البشر، في الأرض فهذا لا يعني أن يتصرف مثلهم. لأنه بالعلم الذي علمه الله سيتحول إلى إنسان لا يفسد في الأرض أو يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. ستكون هذه هي القاعدة، إلا أن ذلك لا يمنع شذوذ من غلبت شقوته عليه من نسله. من سيرتد إلى بشريته وجاهليته الأولى ويتبع هواه حتى وإن احتسب ضمن أهل الدين.وهو ليس منهم.

وهذه الجاهلية الأولى التي يرتد الإنسان فيها إلي الموروث الكامن من بشرية ما قبل هبوط آدم إلى الأرض ، هي التي كان يعنيها سيد قطب رحمه الله، ويؤيدها التاريخ. والقول بها هو قول علمي لا يحمل في طياته أي غلو أو تطرف أو تكفير، كما تم تأويله من المغرضين، ممن في قلوبهم مرض، ولا يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا في الأرض.

أن من يفترض أنهم إخوة عرب أو مسلمون، نراهم الأمس اليوم يقتل بعضهم البعض ليبيا ومصر وسوريا و والسودان والصومال والعراق، ومن قبل في الجزائر ولبنان ، ولم يسلم بلد عربي من سفك الدماء ، ليس من عدو خارجي وإنما من بعض بنيه ضد إخوتهم في الوطن والدين. .

تكرار مأساة هايين وقايين - إن جاز في أمة أخري- لا يجوز في أمة بين يديها كتاب الله ، والحكم بما أنزل الله، يقتضي منا أن نصلح مابين أخوينا إن ظهرت بينهم بوادر خلاف أو شقاق. ولكن الذي نراه من أنظمة حاكمة هو أنها راكسة في الفتنة ، تنفخ في نارها ، إن لم تكن هي التي أشعلتها، وتستدعي إليها أعداء الأمة لمساندتها فيما هي موغلة فيه من سوء وفساد في الأرض.

قصة ابني آدم
قصة حايين وقابين أو هابيل وقابيل الواردة في القرآن الكريم موجزة ﻻ يكفي اﻻطلاع على تفاصيلها في التوراة ﻹدراك كل معانيها والحكمة المستخلصة منها .وإنما بقدر من التفكير والخيال ومعرفة ثقافة الشعوب ، يمكن تكوين صورة كاملة ، أقرب ما تكون إلى الواقعة..

قال الله تعالى في سورة المائدة : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" (االمائدة:27-31).

نزل آدم عليه السلام إلى اﻷرض عملاقا يبلغ طوله قرابة الثلاثة أمتار أو أكثر بينما سكانها من البشر ﻻيزيد طولهم على متر ونصف.وهو قد علمه الله اﻷسماء كلها والزراعة والصناعة وهم ﻻيعلمون شيئا ولا يستطيعون نطق كلمة فراح يعلمهم ما علمه الله له..تملكت تلك اﻷقوام الرهبة منه وأقبلوا في نفس الوقت على اﻻستفادة من علمه وتزويجه من بناتهم لكي ينجبن نسلا قويا منه، وكان الله قد أمره هو وسلالته من حواء بنفس بالزواج من بنات الناس لتحسين نسلهم وصفاتهم الوراثية. وتحويلهم من البشرية التي تفسد في الأرض وتسفك الدماء بغير وعي منها بشرور فعلها، إلى الإنسانية العاقلة التي تصلح الأرض وتحفظ الحياة فيها ، مصداقا لقوله تعالى :" يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء:1).

وكان ممن تزوجه آدم عليه السلام من بنات الناس امرأتان: واحدة سوداء و اﻷخرى بيضاء، وأنجبت كل منهما ولدا، أجدهما عمل في الزراعة والثانية في رغي الغنم..حصد هايين الفلاح ثمار حقله فتصدق ببعض منها على من حوله من الناس تقربا إلى الله، ولكي ﻻ ينفرد دونه يرضى الله قام قايين بذبح شاة لديه و وزغ لحمها ﻹظهار أنه أكثر جودا من أخيه.أنبأهما أبوهما بأن الوحي أخبره بأن الله تقبل الثمار ولم يتقبل لحم الشاة.غضب قايين على أخيه وقرر معاقبته فاستدرجه إلى برية ﻻيراهما أحد فيها لكي يضربه ولم يكن ينوى قتله، وعندما مد يده إليه ليضربه استسلم أخوه له وقال له : مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ". فزاده ذلك غضبا واعتبره اتهاما له بأنه لا يخاف الله، وأن أخاه يريد له أن يكون مصيره جهنم عوض أن يريد له الخير، فالتقط حجرا وشج به رأس أخيه فقتله، وهو ﻻ يريد إلحاق الأذى به لتأديبه وليس القضاء عليه. حفر له ودفنه بعد أن رأي الغراب يحفر في اﻷرض، وخاف من أبيه فهرب من وجهه حتى لا يعاقبه..
وأظن، والله أعلم، أن لفظ القتل الذي تردد في الآيات هنا، ربما كان يعني الضرب العنيف وليس القتل المفضي للموت. وفي الشام يستعمل حاليا في اللغة الدارجة بهذا المعنى.. وإن صح هذا يكون قتل قايين لهايين قتلا خطأ وليس متعمدا ، وﻻ يستوجب القصاص. كما أن ما قاله هايين لأخيه كان في غلظة واستفزاز له حين قال له: " إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين". ولو قال له قولا لينا يهدئ به من غضبه ويذكره بأخوتهما ، ربما ما كان يتطور الأمر بينهما إلى ما وصل إليه. وفي ذلك يقول تعالي :" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
ولذلك، وحتى ﻻ يقتله أحد يعثر عليه، وعلى نحو ما ورد في التوراة، وشمه الله وشما وأمر بأن من يجد صاحب الوشم ﻻ يقتله أو يتعرض له بسوء.وظل قايين هائما على وجهه في اﻷرض. إذ تقول التوراة: فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخي ؟ ( سفر التكوين 4: 9 )... فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض . فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض ؟؟ تعود تعطيك قوتها . تائهاً وهارباً تكون في الأرض فقال قابين للرب: ذنبي أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتني اليوم على وجه الأرض ، ومن وجهك اختفى وأكون تائهاً وهارباً في الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني. فقال له الرب : لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه . وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده . فخرج قابين من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن."(.التكوين من 10الى16).
وبعد أن ذكر الله قصة ابني آدم بين كيف يشكل قتل النفس جرما هائلا، فقال تعالى مباشرة:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ". ويحدد الله جزاء قتل المؤمن عمدا فيقول :" ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ولعنه الله وأعد له عذاباً عظيماً ".
الفلاحون والرعاة
كان الشعب في مصر القديمة ينقسم إلى فسمين: فلاحون مسالمون يزرعون اﻷرض وﻻ يبرحون مكانهم ورعاة ماشية يركبون الخيل ويحملون الرماح واﻷقواس والسهام وينتقلون من مكان ﻵخر طلبا للمرعي ، وكانت تتكون منهم الجيوش لمقاومة الغزاة،حتى أساب البلاد الجفاف فهاجروا منها غربا وجنوبا. وحرصت قبائل الرعاة من السود على وشم وجوههم حتى يعرفوا بها إلى زماننا هذا دون أن يعرفوا السبب، ويحتقرون مهنة الزراعة مثل قايين.ويتدربون على فنون القتال ويشنون الغارات على القبائل اﻷخرى. وكان التحقير متبادلا بين الطرفين على ما يبدو كما يتضح من التوراة أنه عندما وفد أخوة يوسف عليه في مصر نصحهم أن لا يخالطوا المصريين : «لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين، لأنه رجس عند المصريين». (التكوين، 43: 32) «فيكون إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أنْ تقولوا عبيدكم أهل مواشٍ منذ صبانا إلى الآن نحن وآباؤنا جميعا، لكي تسكنوا في أرض جاسان. لأن كل راعي غنم رجس للمصريين». (سفر التكوين، 46: 31-34). وكرد فعل انتقامي لليهود الرعاة عن تحقير الفلاحين لهم فإنهم في رواياتهم لقصة حايين وقابين بكتبهم الدينية ،جعلوا قابين القاتل هو الفلاح الذي لم يتقبل قربانه من الحبوب وهايين المقتول هو الراعي الذي قبل قربانه من اللحم. وبدلوا ما جاء في التوراة ليتفق مع ذلك.
وصورت بعض الأساطير القديمة السومرية والبابلية تداعيات قصة حايين وقايين وتأثيرها في الانتروبولوجيا الاجتماعية ، فتناولت الصراع بين البدو والحضر، وبين الرعاة والفلاحين، مجسدا في آله المزارعين و اله البدو ، وهما يرمزان إلى جد كل منهما ،حيث يتسم اله المزارعين بالحكمة و الهدوء بينما اله البدو يظهر فيها أهوج سريع الغضب ، و قد اختارت الإله الأم إلاه المزارعين لحميد صفاته وشيمه كي تتزوجه ، فثارت ثائرة إلاه البدو ونشب النزاع بينهما .

الدوافع النفسية للقتل
يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: شبر في شبر يتسع لمتحابين بينما الأرض بما رحبت لا تتسع لمتباغضين..فالتباغض يدفع القاتل للتخلص من المقتول. وقد ينشأ التباغض من اهتمام أحد الوالدين بولد لهما أكثر من غيره، ونجد ذلك في قصة إخوة يوسف الذين حقدوا على أخويهم : يوسف وبنيامين لما وجداه من اهتمام أبيهما به وفسروا سبب اهتمامه بأنه يرجع لتعلقه بأمهما الصغيرة الحسناء التي عوضت أمهما، بينما يمكن إرجاع هذا الاهتمام لحاجة الصغيرين إلى الرعاية أكثر من الكبار. فقد سؤل أحد حكماء العرب من أحب أولادك إليك فقال: المريض حتى يبرأ والصغير حتى يكبر والغائب حتى يعود. فالتمييز بين الإخوة ، أيا كان مبرره ، يورث البغضاء بينهم. وعندما تآمر أخوة يوسف عليه للتخلص منه أوضحوا هدفهم من ذلك بقولهم : حتى يخلو لكم وجه أبيكم.
وهو نفس موقف الشيطان عندما وجد الله قد فضل آدم عليه فكان رد فعله قوله :" أرأيتك هذا الذي كرمت عل لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا"..

أن يُقدم شخص على قتل أبنائه أو زوجته ثم قتل نفسه وهي حادثة كثيرا ما وقعت فإن ذلك يعود إلى الإصابة ب "الكآبة الذهانية "التي يعتزل فيها المريض المجتمع ولا يهتم إلا بذاته ، ويصير نهبا لأوهام تجاه الغير ، فهم في وهمه لا يريدونه ولا يحبونه ويستثقلون وجوده وعبئه عليهم أو أنهم سبب شقائه وتعاسته ، وأنه لا حل للتخلص من أحاسيسه تلك سوى التخلص منهم ومن نفسه أيضا ، إن اقتضى الأمر.وهناك أيضا حالة
" الفصام الشخصي" والذي يفقد فيه المريض الثقة بالآخرين ، ويتوهم بأنهم يحقدون عليه ، ويحسدونه ويتآمرون عليه للنيل منه ، وأن عليه أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به.وقد تنتابه هواجس يتوهم فيها بأن ثمة من يوسوس له ويحرضه على القتل. تأتي أيضا من البواعث النفسية حالة الغيرة الشديدة وخاصة بين الزوجين، عندما يتوهم أحدهما بأن الآخر يخونه ويريد التخلص منه لكي يستبدله بزوج أفضل منه، وتطارده الشكوك حتى يتوهم ما لا وجود له.ومن دوافع القتل أيضا حالة الفصام العقلي ، والتي قد تنجم عن أحساس شديد بالذنب تدفع إلى الرغبة في التخلص ممن كان سببا فيه، أو فيما نجم عنه. فالمرأة التي تخون زوجها خلال حملها ثم تندم على ذلك وتشعر بالذنب تصاب بحالة من الفصام العقلي تدفعها إلى التخلص من الجنين أو قتله بعد ولادته. ومن حالاته حالة الزوجة البيضاء التي تتغلب على العنصرية إزاء السود دون التخلص منها ، فتتزوج أسودا ، وتفاجأ عند ولادتها بأن المولود يحمل بشرة سوداء فتطرب حالتها النفسية وتهيج عنصريتها المكبوتة وتحاول التخلص من المولود.وهناك أيضا" البارانوبا" أو جنون العظمة عندما يشعر المريض بتهديد لعظمته وتحد لها ممن ينكرها ويستهين بها فيتملكه الغضب والرغبة في التخلص ممن يهدد عظمته بالقضاء عليه وهو ما يفسر الحالة التي ظهر عليها القذافي عندما ثار الليبيون عليه.وتساعد المخدرات القوية على مضاعفة تأثير تلك الأمراض النفسية على صاحبها ، بما يفقده عقله تماما ، وتتحكم فيه المؤثرات النفسية وحدها فيقدم على قتل غريمه أو عدوة..
ويمكن القول بأن ما يجمع بين كل تلك الأمراض النفسية التي تشكل دوافع لجريمة القتل هو الرغبة الناجمة عن تأثيرها على القاتل إلى الانتقام ممن يقتله.
ومن المحتمل أن يكون الميل لارتكاب الجرائم ناتج عن خلل جيني أثر على إفرازات الغدد الصماء وترتب عليه خلل واضطرابات في الجهاز العصبي وفي العقل مما أثر بالتالي على السلوك والانفعالات.وأرى أنه يمكن استنباط ذلك من قصة قتل الرجل الصالح الذي رافقه النبي موسى في جولة له لصبي ، وبرر قتله بقوله :"أَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا*فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا "(الكهف 80و81). فهو خلص الأبوين المؤمنين ممن سيرهقهما طغيانا وكفرا بسبب استعداده لذلك ويبدلهما الله بخير منه زكاة وأقرب رحما ، أي ابنا طيبا بارا بهما.

الخلاصة
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وتغيير ما بأنفسهم يعني الانتقال بهذه الأنفس من طور البشرية أو الجاهلية الأولي إلى طور الإنسانية المتلاحمة، المتحابة، المتراحمة، المؤمنة، والملتزمة بشرعة الله ودينه القيم الخالص الذي ارتضاه لعباده.

ومن الوهم أن ننتظر من أن يغير كل فرد نفسه حتى ينتشر الخير والأمان والاستقرار في المجتمع ، وإنما يحدث التغيير حينما يعيش المجتمع في منظومة أخلاقية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وتعليمية وثقافية وإعلامية،مترابطة تكفل تحقق التغيير لدى جميع أفراد المجتمع في وقت واحد.

عندما ننجح في أحداث تلك المنظومة ونحقق هذا التغيير سنضمن أن يكف الأخ عن قتل أخيه أو الاعتداء علي كرامته أو حريته يومها سيكون دم المسلم وماله وعرضه حرام علي أخيه المسلم حاكما كان أم محكوما علي النحو الذي أمرنا به الرسول صلي الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع.
فوزي منصور
www.fawzymansour.com

ا

No comments: