Sunday, March 11, 2012

لاعتماد المتبادل ودوره في تمتين وحدة الدولة الفيدرالية المصرية

ا
أحاول هنا بيان أهمية الاعتماد المتبادل Interdependence بين المناطق أو المقاطعات التي تكون الدولة الفيدرالية المصرية التي اقترحتها ، وما يقتضيه من تفاعل ايجابي دائم ومتنام في تعزيز وتمتين وحدة الدولة الفيدرالية المصرية ونهضتها وأمنها وسلامها .
يعرف الاعتماد المتبادل بأنه تشبيك وتكثيف العلاقات والمصالح الاقتصادية لعدة أطراف بحيث يسهم كل طرف في تعظيم المنافع المادية للأطراف الأخرى، وربط وتنسيق السياسات بحيث لا يمكن لطرف أن يستغني عن بقية الأطراف في منظومة أو شبكة مترابطة المكونات. وهو في هذا الشأن أشبه ما يكون بمكونات الدوائر الكهربائية أو الاليكترونية ، التي تؤدي كل منها وظيفة ما ولكنها تعتمد فيها على وظائف المكونات الأخرى.

وما يدعو إلى موضوع هذا المقال هو ما تبين من ردود الفعل الأولية السلبيةوالهوجاء على مقالي السابق حول إحلال نظام الحكم الفيدرالي محل نظام الحكم المركزي في مصر، أن المعارضين ليس لديهم من حجة سوى الخوف على استمرار وحدة الدولة، وهو خوف لا مبرر له ويتغذي من أوهامهم.
ويمكن إرجاع ردود الفعل تلك ، إن أحسنا الظن بأصحابها،إلى نقص المعرفة السياسية بنظم الحكم الفيدرالية في العالم ،والتي لم يهدد أي منها وحدتها. وأنه إذا كانت غالبيتها تمت أقامته عقب الحرب العالمية الثانية ، فإنها لم تشهد أي قلاقل أو دعوات انفصالية على مدى أكثر من ستة عقود . وإنما ازدادت تلك الدول قوة وأمنا وازدهارا اقتصاديا ومكانة دولية.
ويمكن إرجاع ذلك أيضا إلى ما يواجهه أي مطلب للتغيير من المعهود إلى جديد غير مألوف إلى مقاومة فضلا عن أصحاب المصالح المرتبطة بالنظام المركزي والذين يخافون عليها من أن تتضرر.وأيا كانت الدوافع فلن يثنيني عن عرض ما أراه في صالح بلادي التعليقات المسيئة للسفهاء والجاهلين ولن أقول لهم اﻻ : سلاما، وفي نفس الوقت فسأجيب على أية أسئلة للعقلاء المهذبين بشأنها، ولهم بعد ذلك اﻷخذ برأيي أو إهماله، ولكنهم سيضطرون الى اﻷخذ به حتما في مقبل اﻷيام بعد رحيلي عن دنياهم.

وللتذكرة بما سبق كتابته، أعيد نشر هنا ما اقترحته بشأن تقسيم الدولة إلى وحدات فيدرالية، وما ذكرته أيضا من مزايا الحكم الفيدرالي على النحو التالي:
مكونات دولة مصر المتحدة في النظام الفيدرالي
1_ منطقة سيناء وقناة السويس: وتشمل شبه جزيرة سيناء ومدن القناة الثلاث وبحيث يتم العمل على تعمير سيناء وزيادة الكثافة السكانية بها بزيادة السكان فيها بحيث لا يقل عددهم عن عشرة ملايين نسمة كحد أدني في أقرب وقت ممكن .ويقتضي ذلك إعادة توزيع الأراضي المستصلحة في سهل الطينة شمال غرب سيناء على صغار الفلاحين واستزراع سهل العريش وأودية سيناء وكذلك تحويل شرق قناة السويس إلى منطقة حرة للتجارة العالمية وللصناعة المخصصة للتصدير ،وهو المشروع الذي أوقفه النظام البائد بدعوى أن الأراضي شرق القناة رخوة ولا تصلح للبناء..ويتطلب الأمر أيضا أعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" بما يتفق مع سيادة كل الدول على أراضيها.
2- منطقة شرق الدلتا: وتشمل محافظات الشرقية والدقهلية ودمياط وتتخذ من المنصورة أو الزقازيق عاصمة لها ومن دمياط مينائها البحري.
3- منطقة الدلتـا: وتشمل محافظات القليوبية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ وتتخذ من طنطا عاصمة لها ومن مدينة رشيد ميناء لها
4- منطقة غرب الدلتا: وتشمل محافظات البحيرة ومرسى مطروح والواحات البحرية وتتخذ من الإسكندرية عاصمة لها ومن الإسكندرية ومطروح موانئا لها وغربا إلى الحدود مع ليبيا.
5- منطقة القاهرة الكبرى: وتشمل القاهرة والجيزة والقليوبية وبني سويف والفيوم وتتخذ من الغردقة ميناء لها.
6- منطقة الصعيد الأوسط: وتشمل محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج والواحات.وتتخذ من أسيوط عاصمة لها ومن ميناء سفاجا ميناء لها.
7- منطقة الصعيد الأعلى والنوبة: وتشمل محافظات قنا وأسوان وتمتد جنوبا حتى الحدود مع السودان وتتخذ من أسوان عاصمة لها ومن ميناء مرسى علم ميناء لها على البحر الأحمر.
وتقوم كل منطقة بعمل شبكة طرق برية وسكك حديدية ونهرية إن أمكن تربط كل المناطق السكنية بها من مدن وقرى بالعاصمة والميناء البحري وتضع من السياسات التي تكفل لها تحقيق الاحتياجات الأساسية لسكانها من مأكل ومشرب وإسكان وتعليم وصحة.

مزايا الحكم الفيدرالي
يمكن تلخيص مزايا نظام الحكم الفدرالي، بالنسبة لمصر على النحو التالي:
(1) توزيع السلطات بين الحكومة المركزية، والحكومات المحلية مما يقوي كل منها ويمكنها من أداء مهامها على خير وجه
(2) تمكين كل حكومة محلية من انتهاج السياسة الملائمة لظروف النطاق الجغرافي التابع لها وللسكان بما لا يتعارض مع المصالح العامة للدولة ولدستورها الفيدرالي أو سياسات أو إثفاقيات الدولة الاتحادية.وبما يحقق مبدأ:“التنوع من خلال الوحدة”. بمعنى السعي من أجل إيجاد حكومة مركزية، قوية، ومتماسكة، مع السماح بالتنوع، ولامركزية كاملة في المناطق أو الأقاليم.
(3) تحقيق التنافس بين الحكومات المحلية على تقديم أفضل الخدمات في التعليم والصحة والإسكان والمواصلات والاتصالات والأمن لجذب السكان من المناطق الأخرى التي تحتاجهم مشروعات التنمية.
(4) تعمير المناطق النائية والمهمشة من قبل والقليلة السكان مثل سيناء والواحات والنوبة وساحل البحر الأحمر بما يخدم متطلبات التنمية والأمن القومي .وإعادة توزيع السكان على كامل التراب الوطني وخلخلة الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وغيرها مما يتمدد على حساب الرقعة الزراعية ويتكدس فيها السكان بما يشكل ضغطا على الخدمات والنقل داخل المدن.
(5)زيادة الاندماج الاجتماعي للسكون بإنهاء الاختلافات العرقية أو اللغوية أو الدينية أو الجهوية وصهرهم في بوتقة واحدة لضمان التعايش السلمي ومنع الفتن الطائفية في جميع المناطق خاصة في المناطق التي يجري تعميرها وتنميتها لأول مرة.
(6)تمكين المواطنين في مشاركة أوسع نطاقا في تدبير شؤون
معيشتهم وتقريب الإدارة من المواطنين.
(7)الحيلولة دون عودة الاستبداد والفساد والطغيان وانتهاكات حقوق الإنسان ونهب وتبديد الموارد المحدودة وتركيز السلطة والثروة في يد فئة ما دون باقي أفراد الشعب.
(8) إحياء الثورة الزراعية والصناعية والثقافية التي بدأت مع أوائل الستينيات في عهد عبد الناصر ثم تم إجهاضها بواسطة كل من السادات والمخلوع حسني .وتنفيذ مشروعات التنمية بدون اعتماد على مستثمرين أجانب أو رأسمالية محلية وعن طريق أسلوب الحركة المجتمعية للتنمية الذي يتم فيه الاعتماد على الذات ، وبالمدخرات المحلية أو مدخرات المغتربين الذين يوجهونها وهم يشعرون بالثقة بأنها في أيد أمينة وتعود بالنفع المباشر على أسرهم وأقاربهم. وبما يكفل القضاء على الفقر والبطالة والحد من الجرائم والانحرافات السلوكية الناتجة في معظمها نتيجة لهما.
(9) ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق الحكومات المحلية التي تمتلك كافة السلطات التي تؤهلها لذلك.

تشابك المصالح في الدولة الفيدرالية:
تشابك المصالح أو الاعتماد المتبادل، يجعل كل منطقة أو مقاطعة لا يمكنها الاستغناء عن المقاطعات الأخرى، أو عن الانتماء إلى الدولة الموحدة وحكومتها الاتحادية.

وفي الدول الاتحادية التي أقيمت في القرن التاسع عشر مثل الولايات المتحدة، أو التي أقيمت خلال القرن العشرين ، كانت النظم الفيدرالية تترك للحكومة الاتحادية وحدها شئون الدفاع والعلاقات الدولية ، وعندما تتحول دولة من النظام المركزي في القرن الواحد والعشرين الذي ترافقه ثورة المعلومات والاتصالات ، ويتم اعتماد نظام الشبكات الأفقية والتي تم استعارتها من شبكات الكمبيوتر ،فإنه يمكن في حالة بعض الدول النظر في أن يتم تقسيم مهام الدفاع والعلاقات الدولية أيضا على المقاطعات التي تشكل الدولة الفيدرالية. ودون التقيد بما استقر من قبل من أعراف في الفيدراليات القائمة واستنساخها وأبداع نظام فيدرالي جديد يناسب العصر.

دور المقاطعات في الدفاع عن الدولة
وفيما يتعلق بالفيدرالية المصرية ومع أخذ في الاعتبار أنه ليس لها أية أهداف توسعية أو أطماع في أراض الغير تستدعي محاربتهم ، فإن مهمة قواتها المسلحة هي دفاعية في المقام الأول.
ونظرا لتطور الحروب ، وظهور ما يعرف بالحرب الاليكترونية فإن الدفاع عن مصر يستدعي الدفاع عن أجوائها وسواحلها الطويلة المطلة على البحر المتوسط في الشمال والبحر الأحمر في الشرق، وقوات برية تتولي أساسا حماية وسائل الدفاع الجوي والبحري من أي عمليات إنزال جوية أو بحرية تستهدفها أو تستهدف احتلال أراض خلفها.
هنا يتطلب الأمر دمج مشروعات التنمية، خاصة السكانية منها، مع مشروعات الدفاع تلك وأن يعهد بالدفاع لكل منطقة/مقاطعة للدفاع عن سواحلها وأجوائها وترابها، مع تأمين كثافة سكانية وعمق خلف تلك المواقع الدفاعية، ومع وجود لجنة تنسيق للدفاع في الحكومة الاتحادية ، تسد النقص في احتياجاتها ، وتحريك القوات المسلحة مركزيا في حالة تعرض أي مقاطعة لعدوان مسلح خارجي عليها.

دور المقاطعات في العلاقات الدولية
مع وجود موانئ خاصة بكل مقاطعة فيدرالية ، فسيكون الأكثر جدوى من مركزة العلاقات الدولية في الحكومة الاتحادية ، أن يتم توزيع العلاقات الدولية على المقاطعات بحيث تختص كل مقاطعة بعدد من الدول الخارجية التي تجمعها منطقة جغرافية معينة ، وتتبادل معها المصالح المادية والعلاقات الدبلوماسية والتجارية وما يتعلق بالاستثمارات الخارجية لها والسياحة وغير ذلك من متطلبات الاقتصاد أو التعليم المحلي للمقاطعة.
وعلى سبيل المثال فإنه يمكن تخصيص مقاطعة سيناء وقناة السويس لدول الخليج والأردن ولبنان وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطي والصين.
ويمكن تخصيص شرق الدلتا لسوريا وتركيا ودول القوقاز والبلقان.
ويمكن تخصيص مقاطعة الدلتا لإيطاليا وسويسرا وألمانيا ودول شرق أوروبا وروسيا الاتحادية.
ويمكن تخصيص مقاطعة غرب الدلتا لدول المغرب العربي ودول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.
بينما تختص المقاطعة التي تضم القاهرة والمحافظات اﻷخرى بالعلاقات مع دول غرب أفريقيا ووسطها،ونفس الشيء بالنسبة للمقاطعات الأخرى التي تختص بدول جنوب شرق آسيا أو دول أفريقيا الشرقية أو الجنوبية أو أمريكا اللاتينية.
وكنتيجة للتبادل التجاري بين المقاطعات وبين الدول المخصصة لها من استيراد وتصدير ، فإن السلع التي تصدرها المقاطعة إليها سوف تشمل ما تنتجه وما تنتجه المقاطعات الأخرى، كما أن السلع التي تستوردها منه سيتم تسويقها محليا داخل المقاطعة والمقاطعات الأخرى ، فضلا عن المصنع الذي يقام في مقاطعة ما سيحتاج حتما إلى خامات وسلع وسيطة وطاقة منتجة في المقاطعات الأخرى وأيضا إلى عمالة مدربة منها، وهو ما يعني تشابك المصالح بين المقاطعات وفي نفس الوقت زيادة إنتاجها جميعها لتلبية طلبات التصدير أو نتيجة الحصول على مستلزمات الإنتاج المحلية أو المستوردة من المقاطعات الأخرى. وقد تختص كل مقاطعة بنوع من التعليم التقني ويأتيها الطلاب من المقاطعات الأخرى الراغبين في تحصيله.
وهذا التشابك في المصالح هو ما يعبر عنه بالاعتماد المتبادل السابق ذكره، والذي يستحيل معه أن تستغني مقاطعة عن المقاطعات الأخرى وعن الدولة الاتحادية التي تجمع كل المقاطعات معا من أجل تحقيق مصالحها جميعها وتنميتها.

دور مشروعات الربط الاتحادية
تقوم مشروعات الربط الاتحادية التي لا يمكن أن تديرها سوى الدولة الاتحادية مثل خطوط السكك الحديدية أو الطرق البرية السريعة التي تربط كافة المقاطعات معا بدور هام هي الأخرى في تشبيك المصالح وتحقيق الاعتماد المتبادل بين المقاطعات.

ونفس الشيء تحققه مشروعات الطاقة والمياه والنقل المركزية مثل كهرباء السد العالي، أو مشروع القناة المقترحة عبر الواحات لتنميتها أو النقل النهري أو ما شابه ذلك. أو إمداد المقاطعات بالغاز والمشتقات البترولية المنتجة في أحدى المقاطعات وتتولى الحكومة الاتحادية توزيعها. وأيضا الشبكات القومية للاتصالات الداخلية والخارجية.

دور النظام الفيدرالي في توسيع نطاق الدولة الجغرافي
إن توسيع المجال الجغرافي لنشاط السكان بإدماج كيان الدولة مع كيانات دول مجاورة ، يساعد عليها اعتماد تلك الدول النظام الفيدرالي كنظام سياسي للحكم فيها. وبحيث لا تتم في هذه الحالة الوحدة بمنطق الوحدة بين بلدين لكل حدوده السياسية وإنما تجميع المقاطعات في الدولتين في إطار دولة اتحادية واحدة. وعلى سبيل المثال فإن من مصلحة مصر وليبيا أن يكونا دولة واحدة ، ولكن الشعب الليبي الذي يزيد تعداده عن خمسة ملايين يرى أن ثرواته البترولية من حقه وحده ، بل نراه بعد الثورة يحاول نزع الجنسية من الطوارق والتي منحها لهم ألقذافي ونزعها من قبيلة في واحة الكفرة باعتبارها تشادية وليست ليبية. ولذا فإنه لو كانت ليبيا عبارة عن ثلاث مقاطعات فيدرالية ومصر سبع مقاطعات فإنه يمكن تكوين دولة منهما من عشرة مقاطعات، وتظل للمقاطعات الليبية وحكوماتها سيطرتها على ثرواتها البترولية والاستفادة منها . وفي هذه الحالة لا يعتد بالحدود السياسية القديمة بحيث يتسنى إعادة جمع واحتي سيوه مع جغبوب، وهما توءمان تم فصلهما فصلا تعسفيا من قبل باتفاق بين الانجليز والاستعمار الإيطالي لليبيا، ضمن مقاطعة برقة مثلا أو غرب الدلتا في مصر.ونفس الشيء يمكن أن يحدث في حالة الوحدة مع السودان ، فيتم ضم النوبة السودانية إلى شقيقتها المصرية في مقاطعة واحدة.ويتم ضم قبائل البجة شرق السودان مع نظيراتها في مثلث حلايب شلاتين في مقاطعة واحدة.

الخلاصة
خلاصة القول إن أخذ مصر للنظام الفيدرالي مثل الهند والصين والبرازيل والأرجنتين و غيرها من الدول الكبيرة المساحة التي تعتمد الفيدرالية في نظامها السياسي، لا خوف على وحدة البلاد منها ، وإنما هي عكس ذلك تضمن الوحدة والأمن والسلام في كافة أنحاء الدولة.
فوزي منصور
www.fawzymansour.com

No comments: