Thursday, August 11, 2011

مبدأ : عدو عدوي صديقي في الممارسة السياسية للعرب عبر التاريخ



من أسوء المبادئ التي اتبعتها الممارسات السياسية للعرب عبر التاريخ وحتي اليوم رغم فساده ونتائجة المدمرة ، حيث كان يترتب عليه دائما أن عدو من اعتبر عدوا وتمت مصادقته أكثر عداء من ذلك العدو وأكثر منه خطورة وضررا. بدأ اتباع هذا المبدأ بجلاء في التاريخ مع الصداقة التي عقدها هارون الرشيد مع شارلمان ملك بلاد الغال ، أي فرنسا الحالية ، ضد الدولة اﻷموية في اﻷندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل باعتبارها عدوا مشتركاللدولة العباسية التي يوجد على رأسها الرشيد ومملكة الغال التي يحكمها شارلمان.ثم اتبعه حكام ممالك الطوائف في حروبهم الداخلية باﻷندلس فكانت كل مملكة منهم تستعين بالقوط المسيحيين ضد الممالك اﻷخرى وينتهي اﻷمر بتدمير القوط للمملكة التي استعانت بهم بعد تدمير المملكة التى تحالقا ضدها.ولم تتعظ باقي الممالك وارتكبت نفس الخطأ المميت حتي انتهى اﻷمر بطرد المسلمين مع أصلامهم من شبه دزيرة أيبريا بعد ملاحقتهم بمحاكم التفتيش وطرد اسلامهم معهم ليس من شبه الجزيرة فقد وإنما من جزر البليار ومالطة وصقلية وكان معظم سكانها جميعا من المسلمين فتم ابادتهم عن بكرة أبيهم ولم ينج منهم سوى من تمكن من أن يسلك البحر هربا. وبعد انهيار الدولة السعدية في المغرب اﻷفصي نشأ فيه أكثر من 15 دولة تقاتل كل منهم اﻷخرى وتحرص على أن يكون لها منفذا على البحر حتي تستطيع منه استيراد المدافع والذخيرة من البرتعاليين واستخدامها ضد منافسيهم في الداخل. واستمر الحال عليه حتي ظهرت الدولة العلوية وآل الحكم الى السلطان المعروب بالمولى اسماعيل الذي اتخذ من مدينة مكناس عاصمة له وكون جيشا عرف بجيش البخاري ﻷنه كان يقسم يمين الوﻻء على اصحاح البخاري وليس على القرآن الكريم وحارب به باقي الدول حتي تمكن من هزيمتها واحدة تلو اﻷخرى وتوحيد المملكة. في هذا الوقت امتدت اﻹمبراطورية العثمانية حتي الجزائر وصارت تهدد وجود الدولة العلوية التي اضطرت الى عقد معاهدات دفاع مضترك مع فرنسا وأسبانيا وفق مبدأ عدو عدوي صديقي أيضا وانتهى اﻷمر الى استيلاء الدولتين على المغرب عام 1912 الى أن حضل على استقلاله منهما في نهاية الخمسينيات مع موجة استقلال المستعمرات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.واعتبرت المملكة المغربية أن العدو الجديد لها هو حكومة الثورة الجزائرية وخاصة مع تداعيات ماعرف بحرب الرمال التي شنتها قوات مغربية على الصحراء الجزائرية ثم انسحبت منها في نهاية السنة اﻷولي للثورةالجزائرية وبعد أن آل الحكم فيها الى بومدين وحرصت الدولة المغربية على اﻻبقاء على علاقات خاصة مع فرنسا ومع أسبانيا التي تحتل جيبين في شمال المغرب يتمثلان في مدينتي سبته ومليلية منذ أكثر من خمسة قرون.وبسبب هذا التحالف اشترك جيش السلطان أو ما عرف بجيش المخزن قبل اﻻستقلال مع فرنسا في القضاء على جيش هيبة الله ماء العينين الذي زحف من وادي الذهب والساقية الحمراء لتخليص المغرب من اﻻستعمار الفرنسي ووصل حتى شمال مراكش ومع قوات اﻻستعمار في القضاء على تمرد القبائل ضد اﻻستعمار الفرنسي وعلى جيش تحرير الجنوب الذي شكله مغاربة وصحراويين بزعامة المغربي بن سعيد أيت يدر ضد اﻻحتلال اﻷسباني للصحراء مع الفرنسيين واﻷسبان الذين تحالفوا ضد جيش الثوار وتمت هزيمته في موقعة عرفت باسم افيكون ثم ضد جبهة تحرير الصحراء ووادي الذهب المعروقة بالبوليزاريو والذين لجئوا الى الجزائر فاحتضنتهم باعتبار أن عدو المغرب عدوهم هو صديقهم كما دعمهم القذافي بالمال والسلاح عندما كان يناصب ملك المغرب العداء ونشأ الصراع على الصحراء بين دولةالمغرب والبوليزاريو منذ عام 1975 حتي اليوم ولم يجد حلا وكان من مصلحة بعض الدول ومنها الجزائر استمراره ﻻ ستنزاف قوى المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

فإذا انتقلنا الى المشرق العربي في العصر الحديث سنجد أن دول الخليج قد حرضت صدام حسين على الهجوم على ايران خوفا من امتداد الثورة اﻹيرانية اليها بعد أن هدد الخميني بتصديرها اليهم وكان الهدف هو أسقاط الخميني فكانت النتيجة أن أثارت العصبية الفارسية العنصرية وجعلت اﻻيرانيين يلتفون حول حكم الملالي ولو لم تقم تلك الحرب التى استمرت ثمان سنوات وقتل فيها أكثر من نصف مليون نسمة باﻵضافة الى مئات اﻵلاف من المعطوبين لكان من المحتمل سقوط حكم الملالي بسبب التناقضات والعداوات التي أثارهاداخل ايران. وبعد ذلك تحالفت مع الوﻻيات المتحدة وبريطانيا ضد صدام حسين بعد أن مارس البلطجة السياسية ضدهم وقام باحتلال الكويت وكان كل هدفهم هو تخليصهم منه وليس تحرير الشعب العراقي منه وترتب على هذه الحرب تدمير العراق وقتل مئات اﻵلاف من مواطنية وهجرة ثلاثة ملايين الى كردستان أو دول الجوار أو مختلف دول العالم بحثا عن اﻷمان. واليوم عندما تخرج الوﻻيات المتحدة من العراق سيحل محلها النقوذ اﻻيراني عدو دول الخليج.واﻷمثلة بخصوص اعتماد هذا المبدأ الخطر في التاريخ ﻻ تعد وﻻ تحصي ، وما سقته هو أكثر ما علق في ذاكرتي منها وأرجو أﻻ يكون قد شابته أخطاء محدودة في اﻷسماء .

وإذا عدنا الى منطقتنا سنجد تحالف قوى الثورة الليبية ضد القذافي مع حلف الناتو يندرج ضمن هذا المبدأ ولو أني ألتمس لهم العذر بعد أن استنجدوا بمصر فلم يستجب لهم المجلس العسكري الحاكم الذي صرف كل جهده لضمان استمرار هيمنة العسكريين على الحكم في مصر الى جانب ارتباط بالمال الليبي الذي يمثله في مصر أحمد قذاف الدم والذي ما زال مقيما فيها ويعمل منها ضد الثورة وإن ادعي انشقاقه عنها وتمثل ذلك في صفقة السلاح التي عقدها مع السوريين واستولت عليها اسرائيل ثم أفرجت عنها وأرسلتها على سفينة اسرائيلية اعترضتها قوات حلف الناتو مما ترتب عليه انسحاب وقتها مؤقت للقوات اﻷمريكية من الحرب ضد القذافي .والمراقب لتطورات الوضع الميدانية سيجد أن قوات الناتو لو أرادت القضاء على قوات القذافي العسكرية لما استغرق ذلك منها بضعة أيام أو أسابيع ولكنها توجه ضربات محدودة ﻻ تمنع استمرارها في القتال حتي يتواصل قتال الليبيين وطالما أن الضحايا من المسلمين وﻻيقتل جندي واحد من الناتو فلامانع من استمرار الحرب حتي يقضي كل من الطرفين على بعضهم البعض ويخلو الجو بعدها للدول الغربية وتحقيق مصالحها.

واﻵن اذا انتقلنا لمصر بعد ثورة 25 يناير سنجد من المفارقات مؤخرا أن تتحالف الطرق الصوفية مع قوى الثورة من العلمانيين والشيوعيين والليبراليين حسب التسميات التي يطلقها هؤﻻء على انفسهم وﻻ يدفعهم الى ذلك التحالف سوى مواجهة تحالف السلفيين مع اﻹخوان الذي يعتبرونه عدوا مشتركا لهم واتباعا ايضا لمبدأ عدو عدوي صديقي وسنجد قبل ذلك تحالف اﻹخوان المسلمين والسلفيين مع المجلس العسكري ضد باقي قوى الثورة إعمالا لنفس المبدأ دون أخذ العظة بتحالفهم السابق مع قادة الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1925 وكيف انقلب عليهم عبد الناصر ونكل بهم بعد أن استقر له أمر الحكم وظهرت رغبتهم في مشاركتهم له بينما أصر على اﻻنفراد به وحده دون شريك.
إن استمرار هذا المبدأ الفاسد في الممارسات السياسية حتي اليوم هو ما بت أخشى منه على الثورة المصرية وكل القوى التي قامت بها أو شاركت فيها بعد صمودها أو تحاول اليوم الركوب على ظهرها من أجل الانفراد بالسلطة أو المشاركة فيها في الحد اﻷدني .
فوزي منصور

د

2 comments:

أحمد صلاح الدين طه said...

وجهة نظر معتبرة أتفق معها ، و لكن في نفس الوقت ألا تجدون فائدة ما في عمل تحالفات بشكل أو بآخر بين بعض القوى السياسية في مصر على الأقل لدعم موقفهم في الانتخابات القادمة خاصة و هي انتخابات محورية سيتأثر بها كل ما يتبعها
ألم يكن التحالف أثناء الثورة و قبل التنحي بين تيارات متعارضة سبباً في دعم موقفهم أمام النظام و رأسه مبارك حتى سقط

هادي سويسي said...

سيدي الكريم ,,, جلّ ماجاء في مقالتك ان لم يكن كله صواب فرؤيتك المتفحصة وقرأتك لتواريخ التحالفات العربية السياسية دقيقة وموضوعية ويبدو اننا وعبر التاريخ وفي كل تحالفاتنا مع عدو العدو دفعنا الثمن غاليا لنكسب عداوات جديدة وقدمنا في كل مرة تنازلا يتبعه تنازل اخر ... المشكلة سيدي في اخر المطاف انه لم يعد للعرب اصدقاء