Saturday, January 27, 2018

علم النفس وتفسير الظواهر السياسية




علم النفس وتفسير الظواهر السياسية

يخيل لي بأن الصراع بين المشير السيسي والفريق عنان هو صراع بين ضغينة قديمة من جانب وحسد مؤجج من جانب آخر ، أي أن دوافعه نفسية أكثر من أي شيء آخر وكل منهما يريد زوال الآخر ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن شبر في شبر يتسع لمتحابين بينما الدنيا بأسرها لاتتسع لمتباغضين. كانت منافسة الثاني للأول فرصة للأول لكي ينل ثأره منه ، وفرصة للثاني لكي يتخلص منه وضاعت منه تلك الفرصة.أما ما قيل عن تأييد الإخوان للثاني فقد أملاه غباؤهم عليهم وإن كان المؤمن لايلدغ من جحر واحد مرتين فإن تاريخهم يوضح أنهم لدغوا من الجحر الواحد مرات عديدة وصار لدغم منه عادة ملازمة لهم ليس بإمكانهم التخلي عنها.. تفسير كل ما يحدث بمصر ليس له علاقة بالسياسة فكل محركي الأحداث ليس لهم باع فيها. السياسي قد يحتاج إلى استخدام المكر والخديعة وما شابههما ولكن ليس كل من استخدمهما يعد سياسيا. الضرائر وبعض زوجات الأب أو أزواج الأم أو الحماوات يستعملون المكر والخديعة فهل هذا يعني أنهم سياسيون؟.

السياسة علم العلوم
عقدة السياسة وإشكالياتها أنها ليست مجرد علم وإنما هي في الواقع علم العلوم لأنها خليط من كافة العلوم الإنسانية والتطبيقية في آن واحد يتجمع في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والدولية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بحشد مصادر القوة والأمن والرفاه للشعب وتحقيق ذلك يتطلب تضافر العلماء من كافة التخصصات لتخطيطه ويمتنع على شخص أو فئة واحدة لها في علم واحد نصيب وتجهل كافة العلوم المكملة له. فلاالدين هو الحل ولا السلاح هو الحل ولامراكمة الأموال لفئة وعدم تركه دولة لكل الشعب هو الحل..ولاالاستعانة بكبار الموظفين دون كبار العلماء المصريين المنتشرين في العالم يقدم حلا..لن تحيا مصر بالهتافات والشعارات وإنما بالعمل وفقا لمقتضيات العلوم في زمن تقدمت فيه العلوم وتقدمت فيه الأمم.

أسئلة لامفر منها
علينا أن نسأل أنفسنا : لم تتقدم أمم في العالم بينما تتدهور أوضاعنا كلها : المعيشية والأمنية والتعليمية والصحية دون تلك الأمم؟ولماذانجحت اليابان وأخفقت مصر وقد سعى كل منهما إلى التحضر والنهوض من كبوتها في وقت واحد تقريبا؟ولم تقدمت كوريا الجنوبية بدءا من منتصف الخمسينيات وتدهورت أوضاعنا بدءا منها؟ وكيف تمكنت الصين والهند رغم كثرة السكان أن تتصدر اقتصاديات العالم وتمتلك مفاتيح القوة بينما تدهورت أوضاعنا؟..كل من تلك الدول خطط لمستقبله والتزم بما خطط فأفلح أما نحن فارتبكنا وأفسدنا وكانت سياساتنا كلها عشوائية فحق علينا السقوط وأن نصبح في ذيل الأمم رغم أن مواردنا الاقتصادية التي بددناها والبشرية التي أهملناها وموقعنا الجغرافي الذي لم نستفد منه وندرك فلسفته وجدواه وقيمنا الدينية والحضارية الموروثة التى تخلينا عنها وفضلنا عليها الهوى والنوازع النفسية ...الخ
 كل هذا سبب نكبتنا فمتي نفيق ونهتدي إلى الطريق المستقيم الذي نكسب فيه الدنيا ولانخسر الآخرة؟.

حكامنا السابقون:
عوض البحث عن المبررات ونتوهم المؤامرات علينا البحث في أنفسنا وفي أسباب نكبتنا لنرى أن من حكموا مصر وتسببوا فيما هي عليه كانت تحركهم دوافع نفسية مريضة مثل التطلع الطبقي والعقد العميقة الناتجة عن معاناتهم في طفولتهم من الفقر والحرمان من خلال عيش أسرتهم المتواضعة التي كانت في قاع المجتمع فكان كل همهم السلطة والثراء ونهب كل ما يستطيعون الحصول عليه من أموال وممتلكات وكان لابد لهم من إعمال سياسة : شيلني وأشيلك فتكونت عصابات حولهم من المنتفعين تساندهم وانتشر الفساد ولم يعد همهم حماية الوطن وإنما حماية ثرواتهم وممتلكاتهم ، وهكذا ضاع الوطن.

كنت دائما أقول بأن علم النفس مازال يمثل مشروع علم ولكن ما تحقق منه لاغني عنه لتفسير كل ما يحدث في بلادنا وما حولها وفي العالم أجمع وبالتالي نحسن الفهم ويزداد الوعي الحقيقي وليس الزائف أو المشبع بالأوهام.

نفض الغبار عن التاريخ الحقيقي
وعلينا أن نفهم تاريخنا الحديث والذي تعرض عندنا وعند كل الدول العربية إلى التحريف والتزييف وصار لدي تلك الدول تاريخان : أحدهما حقيقي لايعرفه سوى قلة من المهتمين به أو المتخصصين فيه وتاريخ مدرسي يلقن لأولادنا تعرض للتحريف والتزييف حسبما يريد الحكام أو يتوهمون بأنه يساعدهم في الاحتفاظ بالسلطة والغنيمة ، ولن نفلح إلا بعد أن يكون لدينا تاريخا واحدا صحيحا بكل إيجابياته وسلبياتها حتى نتعلم منه الدروس النافعة لنا والأخطاء التي سقط فيها حكامنا وعصبتهم فلانكررها مرة أخرى.

الشفافية وحرية تداول المعلومات
يجب أيضا أن تكون كل المعلومات متاحة للشعب والباحثين والمثقفين لكي يتمكنون من اجتهادات صحيحة يمكن الإفادة بها .وأما إن استمر حجب المعلومات أو حظر نشرها بدعوى ارتباطها بالأمن القومي بينما هي لاتأثير لها عليه فلن يكون لدينا سوى رأي الحاكم الفرد أو رأي العصبة الحاكمة التي تكون رأيه أو تؤثر عليه، والذي ليس بالضرورة أصلح الآراء .والا ما نتج عنه المضار والأزمات والمعاناة لعموم الشعب.

هيئة من العلماء لإنقاذ البلد
نحن في حاجة إلى تغيير كل شيء بالقدر الذي يصلحه ،ويقلل المضار الناتجة عنه ،ويسمح بتحسين أوضاع الدولة وكل شعبها وليس فئة أو فئات منه دون غيرها.

ولدينا علماء أجلاء في كافة أنحاء الدنيا من جميع التخصصات يمكن جمعهم وتكليفهم بوضع خطة للإرتقاء بالدولة وشعبها شريطة الالتزام الكامل بكل ما يقررونه وأن يكون مهمة السلطة التنفيذية تنفيذ كل ما يوصون به ودون أدنى تدخل في عملهم من قبل عسكريين أو مدنيين.

ويجب وضع كل المعلومات بشفافية ومصداقية كاملة بين أيديهم .

لقد حققت تركيا الطفرة الاقتصادية خلال سنوات معدودة حين اتبعت ذاك السبيل ولم يشترط حزب العدالة والتنمية أن يكون هؤلاء العلماء ينتمون إليه ، بل ربما لم يكن فيهم من ينتمي إلى الحزب ، وظلت خلية العلماء تعمل في الظل ولم يتم تسليط أي ضوء عليها وحققت كل ما كان مطلوبا منها ونهضت تركيا من نكستها التي تسبب فيها حكامها السابقون
. وفي نهاية الأمر نسب الطيب أردوغان كل ما تحقق له ولحزبه ويخيل إلي أن خلية العلماء ما زالت مستمرة ترمم كل التلفيات التي تتسبب فيها أخطاء أردوغان السياسية بدافع من طموحاته الشخصية والمتكئة أيضا على الدروس المستفادة من تاريخ بلآده ومحاولته إعادة بلاده إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى ، أي الى الإمبراطورية العثمانية الممتدة شرقا وغربا وجنوبا دون مراعاة لما استجد بعد ذلك من واقع مغاير.
فوزي منصور
27 يناير



No comments: