Saturday, January 27, 2018

هل تقدمت الدول التي تحكمها المخابرات العسكرية؟

هل تقدمت الدول التي تحكمها المخابرات العسكرية؟

كنت أنعي باستمرار تدخل جماعات دينية مسلمة في السياسة عن غير علم بها ولابكيفية إدارة الاقتصاد وتدبير معاش الناس وهو أساس السياسة. وأيضا تدخل منظمات أو مؤسسات دينية مسلمة أو مسيحية في السياسة وهي ليست من إختصاصها ولادراية لها بها.

 الآن عندما يتضح أن أجهزة مخابرات منذ عقود تهيمن على سياسات دول عربية وعلى توجهاتها الاقتصادية وإعلامها وعلاقاتها الدولية، بينما مثيلاتها في الدول الأخرى توجد أجهزة مخابرات خارجية وأخرى مضادة للمخابرات المعادية تعمل وفق توجيهات السياسيين المدنيين لها للحصول على المعلومات عن القوى المعادية أو إحباط عمل استخباراتها، أي أنها لاتمارس السياسة ولاتصنعها أو تقررها أو تمارسها وإنما تنفذ فيها ما يوكل به إليها من مهام محددة تدخل في اختصاصها وما أنشأت من أجله، فهل إذا تدخلت المخابرات في السياسة والاعلآم أو جعلتها من مهامها ستكون فيها أعلم وأفضل من الجماعات والمؤسسات الدينية؟أم أن كلاهما في الجهل بها سواء ومن لايعرف كيف يخبز الخبز سيحرقه.

تقوم المؤسسات الاقتصادية بعمل في نهاية كل سنة حسابات للأرباح والخسائر و ميزانية سنوية لتحديد مركزها المالي ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها ومدى نجاعة السياسة التي اتبعتها فهل إذا أجرينا مثل هذه الميزانية للدول التي تحكمها المخابرات ستكون نتيجتها أرباح محققة للدولة أم خسائر فادحة؟

على سبيل المثال حكم الجزائر منذ وفاة بومدين وربما حتى الآن مكتب المخابرات برئاسة الجنرال مدين وشهرته توفيق
وعندما أجريت فيها انتخابات حرة وفازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو ما يعني خروج السلطة من يده إلى مدنيين ، انقلب على التجربة الديموقراطية الأولي في الجزائروأتي ببوضياف من منفاه بالمغرب وجعله رئيسا وعندما وجد لديه نزعه للتحرر منه دبر اغتياله ثم أدخل البلاد فيما يعرف بالعشرية السوداء التي لقي فيها أكثر من مائتي ألف جزائري من المدنيين حتفهم ما بين رجال ونساء وأطفال لكي يثير رعب الجزائريين وخوفهم فلايعترض على حكم المخابرات للبلاد أي منهم. بسبب ارتفاع أسعار البترول والتي يسيطر عليها القائمون بأمر البلاد تحت هيمنته واستطاعت الجزائر أن تحقق فائضا قدره مائتي مليار دولار في إحدى السنوات بعد سداد كل ديونها الخارجية وكان بالإمكان النهوض بالجزائر وتحسين أوضاع شعبها ، فهل حدث هذا؟

نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للدول الأخرى التي يصفها الإعلام الخارجي بأنها صارت شبه دول وتلاحقت عليها الأزمات ولم تفلح في تحسين معيشة مواطنيها وإدارة معاشهم على نحو جيد وهو مناط السياسة وهدفها الأسمى وازدادت الدول تخلفا وانحطاطا في كافة المجالات بينما نجحت دول كانت متخلفة من قبل في اقتصادها وسوء معيشة مواطنيها مثل كوريا الجنوبية وماليزيا في شرق وجنوب آسيا ، كما تقدمت دولة مثل تركيا اقتصاديا أيضا وبدأت تغادر الهند سنوات العجاف الطويلة وكل هذه الدول التي تقدمت خلال خمسة عقود فقط لاتملك من الموارد الطبيعية مثل الدول العربية التي تولت المخابرات أمر سياستها الداخلية والخارجية ، أي كان لديها من الثروات الطبيعية والبشرية ما يكفل لها التقدم لوكان الممسكون بإدارة شؤونها على دراية كافة بشؤون السياسة والاقتصاد.

المشكلة في تلك الدول أو أشباه الدول هو أن هم القائمين عليها ينصرف كلية إلى ضمان الاستمرار في حكمها والحصول على مغانمه المادية وعمل المستحيل الذي يضمن لهم هذا ولذا يبددون الموارد المحدودة في بناء حصون لهم تقيهم من أي تهديد محتمل لحكمهم واستمرارهم فيه وينتهي الإمر بأن يترتب على ذلك تدمير اقتصاد البلد وسقوط عموم الشعب إلى الحضيض حيث يعانون من تدهور أوضاعهم المعيشية باستمرار وتدهور الخدمات المقدمة لهم في مجال التعليم والصحة فينتشر في المجتمع الجهل والأمراض والجرائم وتزداد الدولة بمعناها الحقيقي الذى يشمل أساسا الشعب ومن يختارهم لكي ينوبون عنه في إدارة مصالحهم ومن يراقبون نيابة عنهم أيضا تلك السلطة التنفيذية التي اختارها ويحاسبها على كل خطأ أو انحراف بها. أما شبه الدولة فهي تلك الدولة التي يعتبرها حاكمها بأنها هو وليس سواه على نحو مقولة لويس الرابع عشرملك فرنسا:"أنا الدولة".

بعد انتهاء الحرب الكورية في الخمسينيات حكم جنرالات الحرب الدولة لفترة قصيرة لاطمعا في السلطة أو مغانمها وإنما لتضميد الجروح الناجمة عن الحرب والنهوض بالدولة وإقامة دول حديثة قوية قادرة على البقاء والتقدم فقاموا بعمل إصلاح زراعي للحصول على فائض العمالة في الزراعة وتشغيله في الصناعة وقاموا بعدها بتنظيم انتخابات برلمانية لتسليم الحكم للمدنيين والتفرغ لمهامهم العسكرية.
الجنزال فرانكو في أسبانيا بعد أن كسب الحرب الأهلية قام قبيل وفاته بإعداد الدولة لتكون ملكية ديموقراطية يملك الملك ، الذي رباه واعتنى به وأعده لذلك ، ولايحكم وإنما تكون مهام الحكم للحكومة المدنية التي يختارها الشعب ، وحاول الجيش بعد وفاته القيام بانقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة فوقف الملك في صفها وفشل الانقلاب وظل أسبانيا حتى اليوم تعيش في ظل حكومة ديموقراطية وتحسنت الظروف المعيشية لسكانها. وأما عن الأزمات والمشاكل التي تعرضت لها الدولة مؤخرا فكل حكم يصيب ويخطئ ولكن حين تظهر أضرار الخطأ يتم معالجته سلميا وتغيير السياسات وليس التمسك بها بعناد .

دراسة التاريخ ليس هدفها معرفة من كسب المعارك ومن انهزم فيها وإنما تعلم الدروس والسياسات ومعرفة المقدمات وما تفضى إليه لاختيار الطريق المستقيم الذي يحقق السير فيه الأهداف والغايات. وعلم السياسة يبدأ من دراسة التاريخ واستخلاص الدروس منه والاستفادة من كل العلوم الإنسانية الأخرى التي تكمله وتثريه ومعرفة ماجادت به العلوم التقنية من تقنيات تخدم الانتاج الزراعي والصناعي وتعززالقدرة على الدفاع عن الأوطان ذاتيا وباستقلالية تامة عن الخارج ومن أثبت التاريخ أنهم من الأعداء ومن المستحيل أن يتحولوا إلى أصدقاء أو تهمهم مصالح غير مصالحهم.

لذلك يمكن اعتبار علم السياسة أو الاقتصاد السياسي علم العلوم ، لأنه يستمد قوامه وأساسياته من علوم شتى كلها تغذيه  وتدعمه عندما يتم الاستعانة به في تحسين أوضاع الأمم وتقدمها ، ولذا فإن من يحسن حكم دولة يجب أن يكون خبيرا في علم السياسة ومتقنا له وأن يجعل المصلحة العامة لكل سكان الدولة دون تمييز أهم من مصلحته الشخصية أو الأهواء النفسية أو القبلية العرقية أو الطائفية.

ومشكلة عدم إعطاء الخبز لخبازه الذي يحرقه ، هو أنه حين يغيب العلم بالشيء تحل محله الأوهام حتى يحسب سراب بقيعة ماء وهو ليس بماء ويتصرف على نحو يضر أكثر مما ينفع بعد أن أضلته نوازع النفس وأوهامها عن سلوك الطريق الصحيح الذي يوصل إلى تحقيق الأهداف الأولى بالاهتمام وتحديد الأولويات وفق أسس علمية سليمة وليس لتغذية أوهام النفس وتطلعاتها إن لم نقل فجورها وليس تقواها.
فوزي منصور

27 يناير

No comments: