Monday, April 30, 2012

علم السياسة أو علم العلوم والحاجة الى تأسيسه على قواعد جديدة


علم السياسة..أو علم العلوم..والحاجة الى تأسيسه على قواعد جديدة

السياسة ليست هي النظام السياسي واﻻننخابات والبرلمان وإنما هذه كلها آليات لممارسة السياسة، وليست السياسة ذاتها. السياسة هي العلم الذي يبحث في كيفية أدارة معاش الناس ومصالحهم وأمنهم وتحقيق السلام والوفاق اﻻجتماعي داخل مجتمعهم. وهو اﻷمر الذي ﻻ تحققه المزايدات والخطب الحماسية.علم يحتاج إلى العقول وليس الحناجر.
 علم السياسة
 هذا العلم ، الذي يتم الحديث عنه هناوالذي سبق تعريفه بإدارة معاش الناس ،وله تعريف مشابه لذلك استخدمة الكواكبي بأنه :إدارة الشئون المشتركة بمقتضي الحكمة ،يعتمد ، في تصوري ، على ثلاثة أركان أو عوامل تؤثر فيه وتحدده.
 أولها : اﻻنسان الذي استخلفه الله في اﻷرض لتعميرها باعتباره محور اهتمام العلم ، وكل ما توصل اليه من علم ومعارف ويحكمه من قيم أخلاقية ودينية،
 وثانيها المكان: أي خصائص اﻷرض والموقع وكيفية التعامل مع ثرواتها الظاهرة والباطنة، أو بكلمة أخرى الجغرافيا،
 وثالثها الزمان : أي التاريخ والحاضر وما تتطلبه ظروف العصر. ومن ﻻ يحيط علما بتلك اﻷركان أو العوامل الثلاثة، وتأثيرتها على السياسة ، ﻻ يعرف شيئا عن حقيقة السياسة ومتطلباتها. الحاجة الى علم جديد للسياسة إن معظم من عالجوا موضوع السياسة كانوا يعملون في خدمة الحكام أو الدول أو يتقدمون إليهم بالنصح، ولذا تركزت اهتماماتهم وأبحاثهم حول الدولة وكيفية تنظيمها وتسييرهالصالح حكامهاودوام حكمهم ، وليس على السياسات التي على الدولة اتباعها لخدمة مواطنيها، والتي هي أساسا السبب أو مدعاة أقامة وإنشاء الدولة، ومؤسساتها، والدور الذي يجب أن تلعبه كل مؤسسة منها ، سواء كانت مؤسسة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية.وصار لذلك الفقه الدستوري هو أهم مافي علم السياسة حسب تلك اﻻهتمامات التي انصبت على الدولة.وفي أحسن الحالات صارت أبحاثهم تتركز الي حد كبير على كيف يسوس الحكام حكامهم لكي ينالوا رضاهم؟أي كيفية تحقيق مصالح الحاكمين لكي تتواصل سيطرة الحكام عليهم، وكيف يقيمون العلاقات مع الدول الخارجية؟ أو ما شابه ذلك.ثم انقسم العلم ضمن هذا التوجهالذي حصره في الدولة الى علوم مثل : علم اﻻقتصاد السياسي ، وعلم اﻻجتماع السياسي وعلم النفس السياسي، والعلاقات الدبلوماسية وغيرها مما أطلق عليه : العلوم السياسية. وإذ يحتاج علم السياسة الى كل هذه العلوم ،فإنه في الواقع يمكن أن نطلق عليه : علم العلوم . وهو ما يعني أن السياسي عليه أن يعرف وظيفة كل علم في تخطيط سياسته ، سواء تلك العلوم التي وصفت بالعلوم السياسية أو غيرها من العلوم.وفي نفس الوقت يجب أن تتغير الفلسفة التي يقوم عليها علم السياسة أو علومها الحالية لكي تبني على فلسفة جديدة يكون فيها الحاكمون هم المحكومين أنفسهم. ولقد استفادت الرأسمالية اﻷوربية في أوربا من الفلسفة الماركسية التي أظهرت لها عيوبها وتنبأت بزوالها، فقامت بالحد من تلك العيوب لكي تستمر في الهيمنة على الشعوب وﻻيتم استبدال ديكتاتوريتها بديكتاتورية البروليتاريا كما أنذتها الماركسية.
 الكثيرون يعتبرون أن أول كتاب في علم السياسة الحالي هو كتاب اﻷمير لمكيافيللي والذي كان بمثابة توجيهات للحاكم معتبرا أن القوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة.وكتبه كموظف في حكومة جمهورية فلورنسافقد وظيفته ودخل السجن وتعرض للتعذيب بعد عودة الملكيةواتهامه بالتآمر عليها ، وراح بعد خروجه منه يحاول استخلاص الدروس السياسية مما حدث ومعالجة أخطاء الحكم التي تسببت في سقوطه وفقده وظيفته فيه.ونشر كتابه بعد وفاته. ولكن أيضا يمكن اعتبار كتاب كليلة ودمنة ﻻبن المقفع كتابا له علاقة بعلم السياسة وإن كان عبارة عن حكايات حول الحيوانات ، فكان يستهدف به انتقاد حكم الخلقاء العباسيين الذي كان يخفي معارضته لهم ،وفي نفس الوقت تقديم النصح للحكام.كما يمكن النظر الى كتاب : "الأحكام السلطانية والولايات الدينية:للماوردي المتوفي عام 450هـ بأنه يندرج ضمن هذا النوع من الفكر السياسي الموجه للحكام ، ولو أنها ﻻ تؤسس علما قائما بذاته.
 يحتاج اﻷمر في هذه الحالة الى إعادة صياغة العلوم السياسية لكي تتخذ اﻻنتاج وتحقيق رفاهية المجتمع وعدالة التوزيع فيه مركز الاهتمام لها، وليس الدولة وإدارتهاوأحزابها ومؤسساتها على النحو الذي ساد خلال القرنين الماضيين.بل قد تفضي هذه الفلسقة الجديدة المنشأة لعلم السياسة كما يجب أن يكون عليه إلى أشكال جديدة لنظام الحكم غير تلك النظم التقليدية التي عرفتها الدول حتى اﻵن. خاصة إذا ما أخذ في اﻻعتبار أن أشكال أو نظم الحكم التي يتم العمل بها في العالم حاليا هي من مفرزات الثورة الصناعية في أوروبا والتاريخ اﻷوروبي وأنه تظلنا اﻵن ثورة معلوماتية تعطي أمكانات أفضل لمشاركة الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها والمشاركة اﻹوسع في الحكم لم تكن تتيحها ظروف الثورة الصناعية، وقد بدأ الحديث بالفعل على نطاق واسع في العالم الغربي عن احلال الديموقراطية الشاركية أو التشاورية محل الديموقراطية البرلمانية التقليدية الحالية. ويقترب من هذا الفهم الدكتور عبدالله الفقيه الدي وجدته يقول في مدونية حول علاقة علم السياسة والذي يطلق عليه : علم القوة، وهو محق في ذلك،بالعلوم الأخرى بأن العلوم الطبيعية تدرس. البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وتدرس العلوم الإنسانية سلوك الإنسان. ومن الطبيعي ان تتقاطع العلوم المختلفة وخصوصا الإنسانية مع علم السياسة. وتركز الدراسات الإنسانية المعاصرة ومنها الدراسات السياسية على الاقتراب من الظاهرة التي يجري دراستها بتوظيف معطيات أكثر من حقل من حقول المعرفة وذلك لأن السلوك الإنساني يتصل ببعضه البعض. فلا يمكن مثلا الفصل بين سلوك الإنسان في السوق موضوع علم الاقتصاد) وسلوكه في المؤسسات السياسية (موضوع علم السياسة) وتاريخ ذلك السلوك (موضوع علم التاريخ) والقوانين المنظمة لذلك السلوك (موضوع علم القانون). ثم يضع جدوﻻ يذكر فيه العديد من العلوم التي لها علاقة بعلم السياسة والتي ﻻ تقتصر على العلوم اﻻنسانيةوحدها ، والتي يمكن تلخيصها في العلوم التي تدرس كل ما له علاقة باﻻنسان والمكان والزمان ، باعبارها محددات معرفة وثقافة ووجود ومصالح اﻻنسان والمجتمع الذي يعيش فيه..
 وسواء كان اﻷمر يتعلق بعلم السياسة الحالي الذي ينظم شؤون الدولة والحكم بما يتيح استمرارية القوى النافذة في المجتمع ومصالحها بعد توفيقها مع مصلحة الشعب أو كان متعلقا بعلم السياسة الذي تتم الدعوة اليه هنا والمبني على أساس فلسفي مغاير، يتلخص في أن مهمته تدبير شؤون الناس وليس المحافظة على مصالح الحكام، والذي يقود مباشرة الى تحقيق التنمية اﻻنسانية العادلة بأوجهها اﻻنسانية واﻻقتصادية والثقافية واﻻجتماعية والحضارية، فإن إقامة مشروع إنتاجي وفق علم السياسة كما هو عليه أو كما تتم الدعوة الى تغييره هنا،يحتاج الى استخدام العديد من العلوم مثل التخطيط واﻻحصاء والتنظيم واﻻدارة والطاقة وعلوم الهندسة أنواعها من مدنية ومعمارية وكهربائية وميكانيكية واﻻتصالات وإنتاج وتعدين والزراعة والتقنية والتسويق والتمويل...وماإلى ذلك. وليس مطلوبا من السياسي أن يتخصص في تلك العلوم أو أن يكون ملما بتفاصيلها وإنما يحتاج الى أن يعرف ما هي العلوم التي يحتاج المشروع الى اﻻستعانة بمتخصصين فيها، ودور كل علم في تحقيق المنتج القادر على المنافسة في اﻷسواق المحلية والخارجية أو في تحقيق مزايا نسبية تزيد من قدرته التنافسية، وهو ما يعرف بدراسة الجدوى اﻻقتصادية للمشروع والتي يفترض أن تتم بعد إنجاز الدراسات الفنية له. ومن هنا يأتي الفرق بين السياسي المنشغل بالسلطة والصراع عليها والسياسي الذي يبحث فيما يجب توظيف السلطة فيه بعد الحصول عليها. وفيما يلي بيان للغوامل الثلاثة المحددة للسياسة السابق ذكره ، وهي : اﻻنسان والمكان والزمان ،يظهر أهميتها وتأثيرها أيضا على علم السياسة وعلى تحديد أهداف السياسات اﻻنمائية، أيا كان نوعها، التي تستهدف صالح المجتمع بكل مكوناتها ، وليس تسخير أعلبية المكونات لمكون واحد أو أكثر في المجتمع دون بقية المكونات.
 أوﻻ : إﻻنسان :
 يحتاج اﻷمر لمعرفة ماهو اﻹنسان والفطرة التي خلق عليها والحاجات البيولوجية له وهو ما يدخل في اختصاص علم النفس والذي يسترشد فيه بالنسبة للمجتمع المسلم بما ورد بالقرآن الكريم عن اﻹنسان ودوره في اﻷرض ، على أساس أن الخالق هو اﻷعلم بمن خلقه، ولم خلقه؟. واﻹنسان كائن اجتماعي ، ﻻيمكنه أن يعيش اﻻ في مجتمع يحتضنه، وهنا تأتي الحاجة الى علم الاجتماع. وحاجة اﻻنسان الى الغذاء، وتلبية كافة احتياجاته، وإلى تبادل المنفعة مع الخير، وهو يدخل في اهتمام علم اﻻجتماع. ولكونه كائن اجتماعي فإن له عادات وتقاليد ومعارف وثقافة وهو مايبحثه علم اﻷنبروبولجيا. ويحتاج أن يعيش في تجمعات عمرانية تتوفر على خدمات التعليم والصحة والماء والطاقة والنقل وهو ما يختص به علم العمران والعلوم الهندسية المتنوعة من مدنية ومعمارية وكهربائية وميكانيكية واليكبرونية وغيرها. والسياسة التي تتمحور حول سد احتياجات اﻹنسان لن تكون في غني عن أي علم من العلوم التي حقق فيها اﻻنسان على مستوى العالم تقدما.وتعتبر أهم وظيفة لعلم السياسة هو كيفية توظيف كل تلك العلوم في خدمة اﻹنسان وتغزيز وجوده الحضاري وامتلاكه القوة الكافية لحماية مصالحها وأهم مضدر لتك القوة هو قوة المعرفة، أو ماسماه بول كيندي بقوة المعنى. علم السياسةإذن هو علم يتميز بطبيعته الأبيستمولوجية، إذ يتداخل مع العديد من العلوم الإنسانية والعلوم . وليست السياسة كما يفهمها العديد من السياسيين والعسكريين والأمنيين والإعلاميين وكافة المتدخلين فيها في عالمنا ضربا من الفهلوة لا يحتاج إلا إلى التمتع بقدر من الذكاء والدهاء. فالسياسة غير منفصلة عن التاريخ والجغرافيا (خاصة الاقتصادية) منها والاقتصاد والنفس والاجتماع وليست معزولة عن الثقافة السائدة في المجتمع (بما فيها الأيديولوجيات والدين) أو عن دراسة القانون (خاصة الشق الدولي والبحري والدستوري منه).
وقد خرجت من هذه العلوم علوم مستقلة عنها تعد حلقة وسطى بينها وبين السياسة، فظهر علم النفس السياسي وعلم الاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع السياسي ....الخ. حيث تخضع عملية صنع القرار السياسي لمؤثرات عديدة. وطالما القرار السياسي يخضع عند كل من صناعه إلى مؤثرات متباينة أو متعددة، فيصعب الحديث عن سياسة رشيدة أو مثالية، وإنما يمكن وصف السياسة بأنها طبيعية أو براغماتيكية أو عقلانية أو مجدية...الخ، عندما نرغب في الإشادة بها أو التدليل على صلاحيتها، طالما تتوافق مع تاريخ وثقافة المجتمع وتحقق المصالح الحيوية التي استهدفها من يصنعون قراراتها.

 ثانيا : المكان:
تلعب خصائص المكان دورا هاما في تحديد السياسة والتي هي مضطرة للتعامل مع تلك الخصائص والمزايا أو العيوب التي تشوب المكان. ومن أهم خصائص المكان بالنسبة للدولة هو موقعها الجغرافي .وهو اﻷمر الذي أوﻻه اهتماما كبيرا العالم المصري الراحل جمال حمدان فيما بحثه عن فلسفة الموقع المصري. ولم يكن نابليون بونابرت مبالغا كثيرا عندما قال حسب ما ينقل عنه بأن من يستولي على مصر يحكم أو يسود العالم.وقد تكون مقولته تلك ذات مصدافية كبيرة في زمانه ولكن ﻻ يعني هذا أنها تحتفظ بنفس القيمة في كافة اﻷزمنة، وإنما أيضا ﻻتفقد قيمتها كلية.وإذا كان ﻷهمية الموقع مزايا فإن تلك المزايا تشكل أيضا مصدرا للمخاطر طالما أنها ستغري الغير للهيمنة عليه واستغلاله لمصالحهم ، وهو ما يعد سبب كل الغزوات التي تعرضت لها مصر في تاريخها القديم والجديث معا.وودود لمصر سواحل طويلة على البحر اﻷبيض المتوسط وعلى البحر اﻷحمر، يفرض على سياستها أن تعني بتلك السواحل وأن تعمرها وتكفل أيضا حمايتها من أي عدوان أجنبي عليها من الطامعين في السيطرة على الموقع المصري.ونفس الشيئ يمكن قوله على موقع المملكة المغربية التي لهاأيضا سواحل طويلة على البحر المتوسط والمحيط اﻷطلسي. بينما نجد دولة مثل السودان محاطة بتسع دول ، تتوسطها مثلما تتوسط جوهرة في عقد ، ومنها دول ليس لها منافذ على البحر ، وتحتاج للسودان.وهو ما يشكل ميزة للسودان ومصدرا أيضا للمخاطر عليه كدولة.وعندما نجد أن سبع دول منها تعد دوﻻ زنجية، ودولة واحدة هي مصر ذات أصول زنجية ولكنها لم تعد محسوبة ضمن المحيط الزنجي للسودان، فإن السياسة السودانية يفترض فيهاأن تولي أهمية للدول السبع اﻷخرة أكثر من مصر وليبيا. ولذا يعد القول بهوية السودان العربية اﻹسلامية، رغم صحة ذلك من حيث اللغة والدين، هو قول ليس في صالح السودان وقد أثبتت اﻷحداث اﻷخيرة ذلك ، سواء الصراع مع قبائل الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب أو الصراع في دارفور أو في الشرق مع قبائل البجة أو تململ النوبة وهي وضعية تهدد السودان بمزيد من اﻻنقسامات والتدخلات اﻷجنبية ولن تنفعة لحماية نفسه تلك الهوية العربية اﻻسلامية التي جعلها أغبياء فيه من المقدسات. إنني كمصري أحب السودان وأدرك العلاقات التاريخية به من أيام الفراعنة وأعرف أن ﻻحياة لمصر بدون السودان ولكن اﻷمانة الفكرية والعلمية كانت تقتضي مني دائما اعتبار إن اهتمام السودان بمحيطه الزنجي واﻻندماج فيه هو ما تقتضيه مصلحته ويصب في نهاية اﻷمر في صالح اﻹنسان المصري على المدي البعيد. بل يزيد من أهمية السودان للشعب المصري والدولة المصرية وزيادة اندماجها في النسيج اﻹنساني اﻷفريقي مما يزيد من تحصيلها المنافع. ويأتي ضمن ما يفرضه المكان على السياسة ما يختزنه المكان من ثروات أو فرص وكيفية استثمارها لصالح الشعب. ومن ذلك فإن كل ما يتعلق بتعمير واستقلال أراض في الصحراء الغربية المصرية أو سيناء أو السواحل المصرية الطويلة في الزراعة والصناعة وإعادة توزيع السكان على اﻷرض بعد مد المياه اليها ، تعد كلها مشروعات ذات أهمية بالغة يجب أن تتصدر اهتمامات أي سياسة مصرية طلبا للقوة وضمان أمن السكان. ونفس الشيئ يمكن قوله بالنسبة للصحراء الشرقيةوالغربية وساحل البحر اﻷحمر في السودان والتي تعد امتدادا لمثلها في مصر ، وهو ما يتطلب سياسة موحدة في هذا الشأن في كل من مصر والسودان معاومشاريع تستهدف التنمية المشتركة لكل من البلدين وتعود بالنفع على شعبيهما، بل وعلى الشعوب اﻷخرى المحيطة بالسودان والتي يفرض عليه موقعه الوسطي بينها والمركزي في نفس الوقت الى التعامل معها بروح اﻷخوة والمساواة والتخلي عن أي شوائب عنصرية أو عرقية. ويتحكم المكان أيضا في تلك السياسات حيث يكون لطبيعة التربة إذا كانت رملية أو طينية أو حمراء أو من اللتريت في أساليب التعامل معها، وأيضا تتحكم طبوغرافية اﻷرض كأرض سهلية أو جبلية واتجاه الميل فيها وإتجاه الرياح وكل ما يتناوله عادة علم الجغرافيا والهندسة المدنية وعلوم الزراعة والتعدين أو الجيوليوجيا.
 ثانيا : الزمان :
 ﻻ يعني الزمان هنا مجرد دراسة التاريخ واستخلاص الدروس منه وإنما يعني أيضا التخلص مما تراكم عبره من مفاسد ومن أوضاع معيقة للتغير والتقدم ، وأيضااﻻستفادة مماشهده العصر من تقدم في شتي العلوم والمعارف وبحيث تواكب السياسة مستجدات العصر ومتطلباته. لقد كنا نستورد من أوروبا ليس فقط التقنيات وإنما أيضا النظريات والفلسفات ونظم الحكم وغيرها التي ﻻ تدخل في نطاق الماديات ، وعلى الرغم أنها صيغت تحت ضغط متطلبات التحولاتالكبري التي شهدها تاريخها والتي لم تمر مجتمعاتنا بها. ومع ذلك فإننا لم ننتبه بعد بأن ما ينشغل به مثقفونا من مفرزات الحداثة الغربية كان ناتجا عن الثورة الصناعية بأوروبا وأن العالم اﻵن يشهد ثورة في المعلوميات تتطلب أخذها في اﻻعتبار وهذه الثورة من شأنها أن تقلب كل ميراث الثورة الصناعية ظهرا على عقب. وهو اﻷمر الذي اهتم بالتبشير له في مصر الدكتور راجي عنايت ، ولم يجد إذنا صاغية لما يدعو اليه. ولقد عملت النظم اﻻستبدادية الحاكمة في دول شمال أفريقيا على تحصين وجودها واستمراريتها بخلق أوضاع وأجهزة وطبقة منتفعة من حكمها، ونشر قيم فاسدة في مجتمعاتها ،تكفل لها استمرارية الحكم ونهب الثروات وحماية مصالحها.
 وعندما قامت ثورة 25 يناير الشعبية في مصر كتبت كثيرا بأن أي ثورة تروم تغيير اﻷوضاع لن تنجح في تحقيق أهدافها مالم يكن لها بنية تنظيمية موحدة لها ومغايرة لبنية النظام الحاكم وثقافة سياسية أيضا تكون على النقيض من ثقافة النظام الحاكم. ولعدم توفر قوى الثورة على تلك البنية التنظيمية وﻻ على تلك الثقافة ، فما أن ترك حسني مبارك مكانه تحت ضغط الشارع حتي حل محله أعوانه من العسكريين واﻷمنيين الذين كان يعتمد عليهم اﻻيتمرار حكمه وعملوا على إجهاض الثورة والحيلولة دون تحقيق أهدافها.بل إن المليارات التي هربتها أسرة مبارك والضالعين معه في حكم البلاد إلى الخارج لم يتم العمل على استرجاعها ، ﻷن استرجاعها سيتطلب بالضرورة إن تتم مصادرة واسترجاع كل اﻷموال التي هربها الشركاء في الحكم من العسكريين والمدنيين ورجال اﻷعمال وكشف ما هربوه وفضحهم ، وﻻ يمكن أن يطلب من الدول اﻷجنبية أن تصادر أموال البعض وترك أموال آخرين دون مصادرة طالما الأمر يتعلق بمن شاركوا مبارك وعائلته حكمهم وفسادهم ونهيبهم لثروات البلاد.
 وﻻيقف اﻷمر عند حد إرث النظام السياسي الذي قامت عليه الثورة وإنما يتطلب مواجهة ما أفرزته قرون من التخلف التي عرفتها شعوبنا بعد أن انتقلت الحضارة التي عرفتها المجتمعات المسلمة في القرون الوسطي الى أوربا في بداية العصر الحديث وعاش شعوب منطقتنا في ظلمات متراكمة من الجهل والتخلف أفسدت القيم المجتمعية والعقل الجمعي والفردي على حد سواء.وهي أمور مازالت تعاني منها مجتمعاتنا حتى اﻵن، ومنها على سبيل المثال ﻻ الحصر الظاهرةالسلفية وظاهرة الطرق الصوفية السابقة لها، وتشمل أيضا معتنقي المذاهب المنحرفة عن دين اﻷمةوالمعادية له ، والذين يريدون المحافظة على اﻷوضاع ومقاومة التغيير يعتبرون الكثير من موروثات الماضي الفاسدة من خصائص شعوبهم، ومن مقومات هويتهاوأصالتها المزعومة. دراسة التاريخ في هذه الحالة ﻻتقف عند الهزائم واﻻنتصارات وإنمافهم الواقع وتأثره بتاريخه ،
 وعلى سبيل المثال فإن القيم اﻷخلاقية الواردة في كتاب الموتى الفرعوني تعد هي القيم اﻷصيلة للمجتمع المصري وليست تلك القيم الصائدة في زماننا هذافيه. ونفس الشيئ قإن الشريعة اﻹسلامية ليس شعائر أو مناسك دينية أو حدود للجرائم فقد وإنما هي منهج حياة متكامل يكفل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة للموطنين، وكافة حقوق اﻻنسان الوارد معظمها في المواثيق الدولية، ومحاولة حصر الشريعة في نظاق ضيق، أو الحد من حقوق اﻹنسان أو حرية الفكر واﻷخذ بالعلوم الجديثة وتطبيقاتها هو ضد الشريعة وأحكامها والقيم التي وردت بها والمقاصد التي استهدفتها. أمثلة من التاريخ المعاصر عن تأثير العوامل الثلاثةعلى السياسات الدولية كتبت في أول يناير 2008 مقالا بعنوان :"علم السياسة وتعدد مصادر التأثير على صناع القرار "يوجد في اﻻنترنيت بموقع صحيفة "التجديد "على الرابط التالي: http://www.attajdid.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=38171 :وكذلك في موقع "مغرس "على الرابط التالي :http://www.maghress.com/attajdid/38171 ويوضح أهمية التاريح في فهم سياسة الدول ،قلت فيه : . ولقد أشعلت الجغرافيا الحرب العالمية الثانية بعد أن ضاقت حدود ألمانيا باقتصادها المزدهر وتسببت طبيعة أرضها المجافية للإنتاج الزراعي في نشوء الحاجة إلى أراض خصبة في أوكرانيا شرقا تزرع القمح. واحتاجت الصناعة في ألمانيا أيضا إلى الخامات المعدنية في الإلزاس واللورين وبولندا كما احتاج الإنتاج الصناعي إلى أسواق عالمية لتصريفه ، تسيطر عليها الدول الاستعمارية الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال، فضلا عن تحكمها في الموارد الطبيعية للمستعمرات بينما لا يتبع ألمانيا الأكثر تقدما سوي مستعمرة ناميبيا وبضعة جيوب صغيرة في أفريقيا وهي الأكثر تقدما وحاجة إلى المواد الأولية. ورغم بروز هذا التطلع الذي يمكن تفهمه، والذي كان يمكن تحقيقه بدون التوسع في الحرب بعد الانتشاء بنشوة الانتصارات السريعة التي تحققت لألمانيا في بدايتها والذي انتهي بخسارة الحرب. فقد شاب قرار الحرب من بدايته عامل نفسي عبارة عن طلب ثأر قديم للألمان عند الممسكين بسلطة الحكم في الاتحاد السوفييتي، وليس عند شعوب الاتحاد ذاتها. أججه خسارة ألمانيا للحرب العالمية الأولى، وهو أمر يتجاهله معظم المؤرخين. فالثابت تاريخيا أن كل من فلاديمير اليتش لينين وتروتوسكي كانا يهوديين ألمانيين أرسلتهم ألمانيا إلى الاتحاد السوفييتي لإثارة الفوضى في أطرافه وإثارة النزعات القومية لدى الشعوب التي ضمتها الإمبراطورية الروسية قسرا إليها. فأرسلت ألمانيا لينين إلى أسيا الوسطى والذي كان بالفعل يثير شعوبها ويعدها بأنها لو ساعدت حزبه الشيوعي وانضمت إليه ستنال استقلالها التام وكانت كتاباته قبل ثورة 1917 تدور حول حقوق القوميات وحريتها واستقلالها ثم ارتد عن ذلك كله بعدما فشلت البورجوازية الروسية التي أنجزت ثورة 1917 في إدارة شؤون الدولة واضطرت بعد حوالي عامين تقريبا من إمساكها زمام السلطة للتنازل عنها للينين والذي وضع المرابون اليهود أموالهم وديعة في خزينة الدولة لكي تستثمرها لحسابهم وحساب ورثتهم من بعدهم مقابل فائدة سنوية تدفع في حساباتهم البنكية وعلي أن يتولوا هم إدارة الاستثمار. وبناء عليه، تحولت الإمبراطورية الروسية السابقة إلى شركة سوفييتيه يهودية مساهمة واحدة كبرى، وتحولت شعوب الإمبراطورية إلى بروليتاريا في خدمة تلك الشركة، مستغلة أسوء من الاستغلال في الدول الرأسمالية في انتاج فائض القيمة وليس لها الحق في تكوين نقابات تدافع عن حقوقها. وتم التنكر لحقوق القوميات وإن منح بعضها نظام حكم ذاتي شكلي يسيطر عليه الحزب الشيوعي. وهذا يفسر لم كان 99في المائة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من اليهود .ويفسر أيضا لم انهار اقتصاد الاتحاد السوفييتي السابق بمجرد أن قام عدد من اليهود بسحب مليارات الدولارات من خزينة الدولة وتهريبها الي اسرائيل والولايات المتحدة وسويسرا ودول أوروبا الغربية. ويفسر أيضا لما كان جميع رؤساء حكومات بوريس يلتسن من اليهود والذين أطلقت عليهم تسمية : الاصلاحيين ولم يكن أمامه سوى ذلك لكي يستعيدوا أموالهم المهربة والتى اعادوها ليشتروا بها جميع مؤسسات الدولة الإنتاجية الكبرى بأبخس الأثمان باسم الخوصصة والإصلاح الاقتصادي ، ومن هؤلاء المليونيرات العائدين تتكون مايطلق عليه حاليا بالأوليغارشيا في روسيا الاتحادية، والمسيطرة إلى حد كبير على الاقتصاد الروسي وبالتالي على السياسة الروسية الداخلية والخارجية، إلى جانب عصابات المافيا التابعة لها. لنفس الغاية أرسلت ألمانيا تروتسكي إلى فنلندا في شمال شرق روسيا إلا أنه بعد أن استولى رفيقه لينين على الحكم في موسكو انقلب من عميل ألماني إلى متطرف روسي. وانتهى أمره بعد أن هاجر إلى الأرجنتين بعدما خسر معركته على الزعامة مع لينين باغتياله هناك في ظروف غامضة. وقد اعتبرت ألمانيا آنذاك تصرف كل من لينين وتروتوسكي ومن لحق بهم من اليهود الروس بمثابة خيانة يهودية لهم دفع ثمنها بعد ذلك يهود ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية حيث تم حشرهم في المعتقلات باعتبارهم عناصر غير مأمونة الجانب على مصالح الدولة وهي في حالة حرب كإجراء احترازي تلجأ اليه كل الدول تقريبا في حالة الحرب . وقد اتبعته الولايات المتحدة بعد أن قصف اليابانيون من الجو أسطولها البحري في بيرل هاربر فقامت باعتقال جميع مواطنيها من أصول أسيوية طوال الحرب العالمية الثانية. لم تكن مصيبة اليهود الألمان نتيجة عنصرية النظام النازي فقط وإنما نتيجة ما ترسب في العقل الألماني من استحالة الثقة في اليهود. ولم يكن حرص الألمان على مد حربهم إلى الاتحاد السوفييتي خلال الحربين العالميتين الأولي والثانية نتيجة دوافع اقتصادية وإنما تحت تأثير عوامل نفسية لدي القادة الألمان سواء الإمبراطور غليوم في الأولى، أو هتلر في الثانية والرغبة في الثأر من القيادة اليهودية السوفييتية. وكان خلط الدوافع الاقتصادية أو الاستراتيجية بدوافع نفسية هو السبب الرئيس في خسارة الحربين. وسنلاحظ هنا أيضا بأنه نشأ في السياسة الألمانية في أوائل القرن العشرين ثقافة استراتيجية تتلخص في عبارة: الاتجاه شرقا وتعنى أن مصالح ألمانيا توجد في الشرق وليس في الغرب المنافس لها ورغم أن الألمان يرغبون في نسيان كل ما يمت بصلة إلى الحربين المدمرتين اللتين خاضوا غمارهما، سنجد أن سياسة الاتجاه شرقا مازالت تحرك الاهتمامات الاستراتيجية الألمانية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، وأن معظم اهتمامات المانيا السياسية تتركز حاليا في دول شرق أوروبا ولا يستثني من تلك الاهتمامات روسيا الاتحادية أيضا. لا يمكن فهم السياسة الأمريكية أيضا مع إهمال ثقافتها السياسية والإستراتيجية الأنجلوسكسونية والموروثة عن الإمبراطورية البريطانية التي لفظت أنفاسها مع انتهاء الحرب العالمية الثانية لكنها سلمت رايتها للولايات المتحدة الأمريكية. ويتجلى ذلك فيما يعرف بالسياسة البحرية التي تتطلب نشر الأساطيل الأمريكية فيما وراء البحار ، والسيطرة على المضايق البحرية وخطوط النقل البحري عبر العالم . وعلى نحو ما كانت عليه البحرية البريطانية في سالف الأزمان،والتي كانت سببا في اعتبار بريطانيا سيدة البحار آنذاك. وأيضا نشر قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من العالم وانتهاج أساليب الاستعمار البريطاني القديمة في شن الحروب واحتلال البلدان التي تشكل أهمية اقتصادية أو يشكل موقعها أهمية ستراتيجية وفق المفاهيم الجيوسياسية. بالإضافة إلى مصالح القوى السياسية المسيطرة المتعلقة بالسلطة أو المال ومصالح مجموعات (لوبيات) الضغط السياسية والاقتصادية والعسكرية المحلية والتى تعد أقوي المؤثرات علي توجيه السياسات وصناعة القرارات السياسية بما فيها قرارات الحرب باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف للسياسة،
 المؤثرات الخارجية
توجد أيضا مؤثرات ثقافية خارجية لمؤسسات دولية رسمية وعلنية أو غير رسمية وسرية تتدخل أيضا في توجيه سياسات الدول عن طريق صناع القرارات فيها مباشرة. مثال لذلك الوكالة اليهودية والمحفل الماسوني وأندية الروتاري والليونز التي تعد من روافده وكذلك على المستوى القاري نجد مجلس الكنائس العالمي الذي يتخذ من كينيا مقرا له يقف خلف معظم التوترات في القارة الأفريقية. وبينما يتحدث الغرب عن العلمانية كثيرا ، نجده يستخدم الكنائس التابعة له في الدول الأخرى والمنظمات التبشيرية أو ما يسمي بالمنظمات الإنسانية غير الحكومية لتحقيق أهداف سياسية أو استخباراتية محضة . ويظهرذلك أكثر في الدول التي توجد بها أقليات مسيحية مثل مصر والتي أرسلت لها الولايات المتحدة جماعات شهود يهوا وكنائس الأدفنشت وكنائس الله البروتوستانتية، والتي أهملت أنشطتها الحكومة المصرية على مدى قرن كامل ،باعتبارها شأن مسيحي لا يجب عليها التدخل فيه. ومع ذلك يمكن رصد تداعيات أنشطتها غير المباشرة على السياسة الداخلية. إذ أن تضرر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الوطنية من أنشطة هذه الكنائس الأجنبية جعلها تدخل في تحالف مع نظام الحكم لتبادل المنافع وكان من نتائج هذا التحالف توجيه أصوات كافة الناخبين الأقباط لصالح الرئيس في الانتخابات الرئاسية التي قاطعتها أحزاب المعارضة وباقي الشعب المصري فحقق الأغلبية بفضل أصواتهم. بينما يشتبه في أن يكون لتلك المؤسسات الدينية الأجنبية دور في إثارة ما يعرف بالفتن الطائفية من حين لآخر في مصر. ويمكن اعتبار تلك المؤثرات الخارجية مرتبطة أيضا بنفس العوامل الثلاثة السابق ذكرها على نحو أو آخر.  الخلاص
ة بسبب طبيعة علم السياسة المعقدة، اهتمت الدول المتقدمة بانشاء مراكر أبحاث سياسية، تقوم بتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية داخل الدولة، وفي نطاقها الجغرافي ،وفي العالم الخارجي بأكملة واستخلاص الموجهات والمؤشرات التي يحتاج العقل السياسي إدراكها عند التخطيط لسياسات قصيرة أو متوسطة أوبعيدة المدي، أو عند اتخاذ القرارات السياسية . في المقابل نجد السياسة في الدول المتخلفة ليست أكثر من ردود فعل متشنجة أو انفعالية لفعل فوجئت به صدر من دولة أخرى أو حدث مفاجئ داخلي أو نحو ذلك. وهو مايتطلب اﻻهتمام بعلم السياسة ، وصياغة كافة السياسات وفق متطلباته والحاجة اليه لتحقيق أذارة مثلى للشأن العام.
 فوزي منصور

No comments: