Friday, July 15, 2011

مطلب العدل واﻻحسان بعد انفصام العلاقة الزوجية بين شقي اﻹنسان

مبحث في حق المطلقة واﻷرملة في البقاء فيما كان بيتا للزوجية خلال العدة وبعد انقضائها.

بسم الله الرحمن الرحيم

طرحت هذا الموضوع للمناقشة في صفحتي بموقع الفيسبوك موجزا فلم يحظ بالمناقشة المأمولة. وأعتقد أن السبب في اﻹحجام عن المناقشة هو عدم اهتمام المسلمين بمعرفة دينهم وأحكامه وتعويلهم إن أعوزتهم معرفة شيئ فيه الرجوع الى من تخصصوا في علوم الدين من الفقهاء ،وهؤﻻء قد يعطونهم أجوبة مختلفة حسب المذهب الفقهي الذي يتبعه كل منهم وأقوال فقءاي السلف المنتمين اليه والذين يتناقلون نفس الرأي بالتلقي جيلا من بعد جيل ثم يأتي من بعدهم من يعتبرهم قد أجمعوا عليه بينما كان كل منهم في حقيقة اﻷمر يعيد انتاج ما تلقاه عن سلفه دون تدبر أو تحقيق له ويقتصر دوره على شروح له على المتن في هامشه.إن وجود فقهاء متخصصين في العلوم الدينية ﻻ يعفي أي مسلم أن يبحث بنفسه في أمور دينه في مصادر الدين الرئيسة وهي الكتاب والسنة وأن يسترشد بما قاله اﻷولون دون أن يلزم نفسه به أن وجد ما يخالفه واستطاع البرهنة على صحته.
وأعود هنا لتفصيل هذا الموضوع وبحيث يشمل حقوق المطلقة واﻷرملة في السكني بمنزل الزوجية خلال فترة العدة وبعد انقضائها وﻻ يشمل حالة اﻻفتراق بواسطة الزوجة والذي يعرف بالخلع أو اﻻختلاع حيث ﻻيعد محسوبا ضمن حاﻻت الطلاق الذي يقع فقط بواسطة الزوج الذي بيده العصمة ،ويقوم على أساس تنازل الخالعة أو المفارقة للزواج بمحض ارادتها عن كافة حقوق المطلقة.وشبيه به :التفرقة بين الزوجين بالتطليق بحكم قضائي بسبب الضرر حيث ﻻ ضرر ولاضرار في الدين.

تمهيـــد:
خلق الله تعالى كافة الكائنات الحية من زوجين : ذكر وأنثى.ونرى ذلك في الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات .ويصنف علماء الحياة اﻷنسان ضمن الثدييات من جنس الحيوانات .وقال تعالى في سورة اﻷعراف عن اﻹنسان :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.وقال في سورة النساء: (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها)،وقال المفسرون بأن السياق يعني بأن الله خلق أدم ثم خلق منه حواء ولكن يمكن أن تفهم أيضا بأن الله خلقهما من نفس واحدة معا أو على التوالي وجعل من تلك النفس ذكرا وأنثى والله أعلم.وقال في سورة الزمر:قال الله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ".وفسرت الثمانية أزواج من اﻷنعام بأنها:من الإبل اثنين ومن الماعز اثنين ومن الغنم اثنين ومن البقر اثنين لتأمين معاش اﻹنسان وما يحتاجه في غذائه من لحوم وألبان.وكل زوج يتكون من ذكر وأنثي أيضا لكي يتزاوجا ويكون لهما نسل يضمن استمرار النوع.وإذ ﻻ نعرف ما النفس ، فإننا ﻻ نستطيع القول بأن كل زوج من الحيوانات خلق أيضا من نفس واحدة أو يختص بذلك اﻻنسان دونها.وعندما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بإن النساء شقائق الرجال فإنما يعني ذلك أي أنهما خلقا من نفس واحدة انشقت فصار شق منها ذكرا والشق اﻵخر أنثي ،ويعني أيضا أن الرجال والنساءﻻيجوز التمييز بينهما في الحقوق بحيث يكون ﻷحدهما ماليس للآخر من حق ولكن يرتبط الحق بالنسبة لكل منهما أيضا بواجباته قبل اﻵخر وفي هذا يقول تعالى عن النساء :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة.والدرجة هنا في المعروف حيث يلزم الرجل باﻻنفاق على المرأة وﻻ تلزم المرأةباﻹنفاق على الرجل.ولذا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال :إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله تعالى يقول : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها لأن الله تعالى يقول : وللرجال عليهن درجة..ولكن بتفسير اﻵية حسب السياق الذي وردت فيه وهو يتعلق بالطلاق حيث تقول اﻵية : وَ الْمُطلَّقَت يَترَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء وَ لا يحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فى أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ بُعُولَتهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فى ذَلِك إِنْ أَرَادُوا إِصلَحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيهِنَّ بِالمَْعْرُوفِ وَ لِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228) .أن المقصود هو درجة أزيد في المعروف حيث يأتي رد المطلقة خلال عدتها إلى الزوجية بمبادرة من الرجل ولكن ذلك يتم أيضا بتوافق رغبته مع رغبة زوجته لقول تعالى :وَ بُعُولَتهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فى ذَلِك إِنْ أَرَادُوا صلَحاً، وﻷن قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف جاء بعد ذلك مباشرة.وأيضا يضاف الى حقوق المطلقة المنصوص عليهاوالمحددة :حق المتعة الغير محدد، والمتروك ﻷريحية الرجل وكرمه . ويشمل أيضا كل ما ينتمي الى اﻹحسان أي ما يزيد عن التزامات المطلق وفقا ﻷحكام الشرع.أي يتعلق اﻷمر هنا باكرام المطلق لمطلقته وفاء لعشرة كانت بينهما استغرقت زمنا طال أم قصر.ويأتي ذلك أيضا مصداقا لقوله تعالى :وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. فمثلما ألهم الله النفس فجورها وتقواها، فطرها على المودة والرحمة وحب الخير ولكن النفس التي فسدت فطرتها، وغلب فيها الفجور على تقواها تتحول الى النقيض فإذا بمودتها تصير كراهية وبغضاء ورحمتها تتحول الى قسوة وميل الى الشر ورغبة في اﻻنتقام.والمودة والرحمة مطلوبة من كل بني اﻻنسان عامة في تعاملهم مع بعضهم البعض ممن جمع بينهم اﻹيمان وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر اﻷعضاء بالسهر والحمي .وهذا مطلوب أيضا بشكل خاص في العلاقة الزوجية بين الذكر واﻷنثي.

حالات فصم الرابطة الزوجية التي يحق بعدها استبدال زوج بزوج:
تنتهي الرابطة الزوجية بوفاة أحد الزوجين وفي حالة وفاة الزوج فإن الزوجه تعتد في بيت الزوجية أو في أي مكان شاءت أربعة أشهر وعشر أيام أو لحين وضع حملها إن كانت حاملا ولا يحق لها الزواج من بعده حتى تنتهي العدة ويمكنها الاستمرار في سكني بيت الزوجية إن شاءت حتي تكتمل فترة عام كامل على وفاة زوجها كحق لها أو صيى به الله لها في كتابه الكريم ،ولكن الرابطة الزوجية تنتهي ايضا في حالة حباة الزوجين في الحالات التالية :
1- الطلاق :ويتم الطلاق بارداة منفردة وحرة ،أي غير خاضعة لإكراه ،من الزوج في طهر لم يحدث فيه جماع بعد انتهاء فترة الطمث للزوجه ، وإن تم وهي حائضة أو نفساءأو في طهر تمت مجامعة زوجها لها فيه كان طلاقا بدعيا ، أي غير شرعي .وإن تم وفق ما قرره الشرع ،يكون طلاقا رجعيا بحيث يمكن للزوج مراجعة الزوجة خلال فترة العدة بالتراضي معها وليس جبرا أو غصبا وتقيم الزوجة في بيت الزوجية خلال فترة العدة وهي ثلاثة قروء أي ثلاث طهورات من حيض وقد قدرت بثلاث اشهر و 10 ايام تقريبا ً وهذه العدة لغير الحامل أما الحامل فعدتها حتى تضع حملها لإتاحة الفرصة للزوجين بالتراجع عن الطلاق إن أرادا ذلك ووفقهما الله اليه.وذلك عملا بقوله تعالى :" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " .والطلاق مرتان فإن طلقها للمرة الثالثة فلا تحل له حتي ينكحها زوج آخر، وأما اللائي يئسن من المحيض أو انقطع عنهن الحيض فينطبق عليهن قوله تعالى :"واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (الطلاق : 4 ).
2- الفسخ أو التفريق: وهو أن يتضح بعد الزواج أنه بني على باطل وخلاف ما يقضي به الشرع كأن يكون الزوجان إخوة من الرضاعة مثلا ولم يتبين لهما ذلك الا بعد الزواج.وهو بمثابة طلاق بائن لا رجعة فيه ولا عدة ولا حقوق متبادلة بين الطرفين لأنه كان باطلا من أساسه وما كان يجب أن ينعقد الزواج.ويعد في حكم الفسخ : الطلاق قبل الدخول لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " (الأحزاب: 49).كما يتم الفسخ أيضا إذا ما تزوجت المسلمة مسلما ثم ارتد عن دينه أو استبدله بدين آخر.
3- التطليق : وهو حكم يقضي به القاضي بناء على طلب الزوجة بسبب الشقاق أو الضرر أو ثبوت الغرر أو التدليس عند العقد أو تخلف شرط من شروط صحة العقود المعتادة وامتناع الزوج عن طلاق زوجته فيطلقها القاضي نيابة عنه جبرا وتحتفظ بكافة حقوق المطلقة فيما عدا الاقامة في بيت الزوجية خلال فترة العدة وتحتسب العدة من تاريخ صدور الحكم.
4- الفداء : وهو طلاق يتم بناء على طلب الزوجة والتراضي بينها وبين زوجها على أن ترد له ما يكون قد أنفقه عليها وحكمه مثل حكمالطلاق العادي ، وقد يتم أيضا إذا رفض الزوج الطلاق فتتقدم الزوجة بطلب الطلاق الى القاضي ،والذي يقوم في هذه الحالة بالتطليق مع قبول الزوجة دفع ما يقضى به للزوج مقابل حصولها على الطلاق وحكمه في هذه الحالة حكم التطليق.ويستفاد ذلك من قوله تعالى:" ولايحل لكمأن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلاجناح عليهما فيما افتدت به ، تلك حدود الله فلا
تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون "(البقرة : 229).
5- الخلع : وهو أن تقوم الزوجة بفسخ عقد الزواج من جانبها وبإرادتها المنفردة وسواء وافق الزوج أم لم يوافق على أن تعلن ذلك أمامالحاكم أو القاضي والإشهاد عليه وتفقد بذلك كل الحقوق التي رتبها الشرع للمطلقة ، ولا تلتزم بالإقامة في مسكن الزوجية خلال فترة العدة والتي
تنقضي بحيضة واحدة للتأكد من أنها ليست حاملا فإذا كانت حاملا فإن عدتها تنتهي بوضعهامولودها ولا يحق لها الزواج خلال فترة العدة ولا يحق أيضا لزوجها مراجعتها خلال العدة وإنما يمكن عودتها اليه بعقد جديد ، ولا يحسب فراقها له بالخلع طلاقا . على أنه يجب أن يتم الخلع أيضا في طهر لها بعد انقضاء فترة الطمث لم يحدث فيه جماع.ويحق للزوج أن يطلب من القاضي الحكم له بتعويض من الزوجه دون أن يكون سداد الزوجة التعويض الذي يقدره القاضي شرطا واقفا لمنع نفصام الرابطة الزوجية.كما لا يتوقف الخلع أيضا على موافقة القاضي فكما يتم الزواج بدون موافقته يتم الطلاق والخلع أيضا دون موافقة منه.
والمعروف من عادات قبيلة الطوارق جنوب الصحراء الأفريقية بأن المرأة المتزوجه إن أرادت خلع زوجها اصطحبت أربع شهود معها الى مجلس القاضي فأعلنت فيه أنها اختلعت من زوجها فلان ، وهذا المسلك لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تساوي بين الذكر والأنثى في الحقوق .ولا يتفق مع المساواة في الحقوق أن يكون للزوج حق الطلاق بإرادته المنفردة ويتم حرمان الزوجة من هذا الحق. فإذا كان للرجل حق الطلاق فإن للمرأة الحق في الخلع وهو ما ذهب اليه كل من المرداوي وابن رشد.وقد قرره الشرع للمرأة تيسيرا عليها إن أساءزوجها عشرتها وأبغضته ورفض تطليقها فتخلعه وتتنازل عن حقوقها التي يرتبها لها الطلاق.وفي جميع الحالات يحرم أعضال المرأة التي انفصمت الرابطة الزوجية بينها وبين رجل وأتمت العدة بالحد من حريتها في الرجوع إلى زوجها الذي فارقته بعقد جديد أو استبدالها زوج محل الزوج الذي توفى أو طلقها أو تم فسخ عقد زواجها بها وفق أي من الحالات السابقة عملا بقوله تعالى : وإذا طلقتم النساء ، فبلغن أجلهن ، فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف (البقرة 232).

مطلب العدل واﻹحسان وايتاء ذي القربي:
وينطبق أيضا على العلاقة الزوجية مثلما ينطبق على كل العلاقات اﻻنسانية قوله تعالى : إن الله يأمر بالعدل واﻹحسان وايتاء ذوي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون.فبموجب هذه اﻵية وجب على الزوج العدل الذي أمر الله به، بأن يعطي لمطلقته ما عليه من الحق لها ، وﻻيظلمها.ثم يزيد على ذلك بأن يحسن اليها ﻷن الاحسان، فهو فوق العدل، وهو أن يعطيها حقها ويزيدعليها، وأن يعمل معها معروفا فوق الواجب. وقد قال صلى الله عليه وسلم عنهن : " ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ".وسيقتصر هذا المبحث على بقاء المطلقة أو اﻷرملة في بيت الزوجية بعد انفصام العلاقة الزوجية وبعد أن صارت حرة في الزواج بغير زوجها السابق المطلق لها أو المتوفي عنها.
كما ﻻ يجب أن يترتب على انفصام الرابطة الزوجية بين الزوجين أن يتنكر كل منهما لمن كانوا أصهارهما باﻷمس من ذوى القربي للزوجين ولم يكن لهما دخل فيما حدث بينهما من شقاق أدي الى الطلاق وإنما يجب المحافظة على علاقة المودة التي كانت بين كل من الزوجين وبينهم وإذا كان الزوجان من ذوي القربي فلايجب أن يكون الطلاق سببا في قطع صلة الرحم بين أسرة الزوج وأسرة الزوجة ، وإنما يجب المحافظة على تلك الصلة التي أوصي بالحفاظ عليها الله ورسوله ، وذلك لقوله تعالى :"( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ( 238 ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (البقرة 239 ) .حيث فسرت الصلاة الوسطي في مبحث لي بأنها صلة الرحم لورود ذكرها في سياق الحديث عن الطلاق وليس في سياق ذكر الصلوات الخمس وهو ما يعني أنها ليست منهم وإنما الصلاة هنا بمعني الصلة والمقصود بها صلة الرحم . وحسب اﻵية فإنه ﻻيجب أن يمنع القيام بصلة الرحم لذوى القربي حالة الخوف من خطر السير لهم لتفقد أحوالهم واﻻطمئنان عليهم فيتم الوصل سيرا على اﻷقدام أو على ظهور الخيل على عجل من الواصل فإذا حل اﻷمن في المكان كان الوصل لذوى اﻷرحام بذكر ما أمر به الله بالوفاء بحاجةالمحتاج منهم باﻵنفاق عليه من الصدقات واﻻحسان اليه.
وانطلاقا من تلك اﻷحكام والمبادئء والقيم ومكارم اﻷخلاق التي حض عليها الله ورسوله نبين حق المطلقة واﻷرملة في البقاء في بيتها بعد اكتمال عدتها إن دعت الضرورة ومصلحتها ذلك ومقتضيات العدل واﻹحسان.

أوﻻ : بقاء المطلقةفي بيت مطلقها بعد انقضاء العدة:
هل يجوز للمرأة المطلقة أن تبقى مع مطلقها في سكن واحد بعد انقضاء عدتها؟..أجمع فقهاء المسلمين بعدم جوازه بعد انقضاء عدتها،.بينما نجد الله أطلق الحكم ولم يقيده بانتهاء العدة أول سورة الطلاق والتي يقول فيها:" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً (1) فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً (3)". وإذ قال تعالى وﻻتخرجوهن وﻻ يخرجن أﻻ أن يأتين بفاحشة مبينة ، فجعل اﻻتيان بفاحشة مبينة سببا بحرمان المرأة من البقاء في بيت الزوجيةبعد الطلاق أثناء العدة ، فقذكر أنه بعد انتهاء العدة وبلغن أجلهن فامسكونهن بمعروف أو سرحونهن باحسان واﻻمساك هنا يعني فيما يعني اﻻبقاء في بتوتهن ^ن أردن ذلك وعدم اخراجهن فإن أردن خروجا يتم تسريحهن بإحسان ودون ظلم أو بغي ولم تصرح اﻵية بالتالي بوجوب أخراجها منه بعد انقضاء العدة ولو شاء الله ذلك لقاله ، وثمة آيات أخرى تعزز هذا الفهم،كما أن جلب المصلحة المؤكدة للمطلقة التي ليس لها بيت تؤول اليه أولى من درء المفسدة المحتملة التي قد تتأتي وقد ﻻ تحدث نتيجة لوجودها في بيت رجل صار حكمه حكم الغريب عنها،وليس العكس.مما يعني جوازه عند الضرورة الملحة للمطلقة.ونسبة البيت هنا الى الزوجة يمكن أن يفهم منه بأن اﻻبقاء عليها فيه ناتج من أن ﻻيكون لها بيت سواه تلجأ اليه.فإذا كان بيت والديها مازال قائما أو بأمكانها اﻻلتحاق ببيت أخ لها دون أن يكون في ذلك مضرة بها ولو أنه اﻷولى بها،انتفي مبرر البقاء في بيت مطلقها في نهايةعدتها.ويكون من الظلم البين لها طردها في هذه الحالة إذا كانت مازالت حاضنة ﻷوﻻدها منه فيكون فيه ظلم لها وﻷوﻻده مع وجوب اﻻنفاق عليها كأجر لها على اﻹرضاع أو الحضانة وعلى أوﻻذه منها وفاء لحقوقهم عليه. وﻻينتفي الظلم والبغي إن لم يكن لها منه ولد . وقوله تعالى في اﻵية الثالثة ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، هو تقدير من الله تعالى أن هذا قد بشق على الزوج ولكن قد يقدر الله أﻻ تطول اقامته لديه بأن يرزقها بزوج غيره تنتقل الى بيته أو يقدر الله أمرا أخر ﻻيعلمه سواه و"إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيئ قدرا".وإن كان يخشى من أن ﻻيستطيع اﻻنفاق عليها ولو أنه غير ملزم بذلك ولكنه ﻻ يستطيع أيضاأن يتركها بدون طعام فإن الله يقول له في نفس تلك اﻵيات :ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
وقد ضربت مثلا بمطلقة يتيمة لم تنجب من زوجها الذي طلقها وهي لذلك ليست مرضعة أو حاضنة لأولادها منه و لاأهل لها ترجع اليهم بعد طلاقها ولا تملك سكنا تلجأ اليه ، فهل يتم الالقاءبها في الشارع من قبل مطلقها الذي كانت بينه وبينها عشرة ومساكنة وتواد وأفضي كل منهما لللآخر؟..وهل يمنع ذلك لأنها صارت امرأة أجنبية بالنسبة لمطلقها ولاتحل له بعد انقضاء عدتها الا بعقد جديد؟..هنا تثار قضية وهي مدي أحقية الغير في حشر أنوفهم فيما يحدث خلف جدران الآخرين بينما كل نفس بما كسبت رهينة والله مطلع على ما يجرى مستورا في البيوت وحساب سكانها عليه وليس للآخرين دخل فيه؟..أي يتعلق الأمر ليس فقط بحق مسلمة في الستر وعدم تعريضها للسوء وإنما في حرمة البيوت وعدم حق أحد في فرض وصاية على سكانها والتدخل في شؤونهم وفي مدى التزامهم بتقوى الله .
وشبيه بالمثال الذي أوردت ، كما نبهني الصديق محمد أحمد عبد اللطيف الى أنه يدخل في ذلك :ألمرأة التى لا يرجى زواجها سواء كان بسبب العمر أو الحالة الصحية أو لتواجدها بين أبنائها حتى يشتد عودهم ويتكفلون بها , ولقد كان من شيم العرب أن لا يطلقوا طاعنة العمر أو أن يبعدوها قسرا . ,, وألأهم من ذلك كلة هو ألإحســـــــان.
وأضاف بأن التراحم الذي ذكرت هو نسمة من نسائم ألإحسان ورحمة من الرحمن بمن وضع فيهن الرحم وإشتق منه محبوب إسمهِ الرحمن.والتراحم يدخل ضمن اﻹحسان وإن لم يكن هو كل اﻹحسان.
والمرأة المطلقة طلاقا رجعيا ﻻ يحق لزوجها إخراجها من البيت وﻻ يحق لها أيضا مغادرته اﻻبعد انتهاء العدة بتمام ثلاثة قروء أي ثلاثة حيضات مع اﻷخذ في اﻻعتبار أنهﻻ بجوز طلاقها وهي في حيض أو في طهر جامعها فيه زوجها، وﻻيقع الطلاق إذا كانت في فترةالخيض أو في طهر جامعها فيه زوجها وأنما يلزم أن يتم في ظهر لم بواقعها فيه. والهدف من فترة العدة تلك ليس فقط التأكد من اﻻبراء من الحمل وإنما اتاحة الفرصة للزوج لكي يراجعها فيها قبل أن تنتهي فترةالعدة برضي منه ، ويكتفي في هذه الحالة أن تقبل أن يواقعها قبل انتهاء فترة العدة بحلول الحيض الثالث لهالكي تكون قد رجعت اليه ورجع اليها.وهو المقصود من قوله تعالى:لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. وفي حالة ما أذا دعت الضرورة الى أن تستمر في بيته بعد انتهاء عدتها فلعل كل منهما يندم على ما حدث بينهما من شقاق وطلاق فيعودان الى اﻻرتباط الزوجي بعقد زواج حديد مالم بكن طلاقها منه طلاقا بائنا ﻻ رجعة فيه.ولذا فإنه ليس للمختلعة عدة إذا كانت قد اختلعت من زوجها في طهر لم يجامعها فيه بعد انقضاء آخر حيض لها ، وما رآه بعض الفقهاء من أنها تعتد لحيضة واحدة فإن ذلك يكون في حالة اﻻختلاع من زوجها في طهر جامعها فيه لضمان عدم الحمل خلاله وحتي ﻻ تختلط اﻷنساب حيث يحل لها الزواج من غيره فور اختلاعها منه.

والذي يقول بأن ﻻيقبل في اﻹسلام بأن يعيش رجل وامرأة صارت أجنبية بالنسبة له و ليس بينهما رباط أن يعيش معا تحت سقف واحد وأنما يمكن للرجل أن يؤمن لها سكنا مستقلا أقول له :وإذا لم يكن بامكان زوجها السابق أن يدبر لها مسكنا فما هو الحل؟..علما بأن وجودها مؤقت الى أن ييسر لها الله الزواج بغيره أو يعقد عليها زوجها السابق مرة أخرى واذا كان المجتمع ﻻ يقبل ذلك عليه أن يدبر لها زوجا أو سكنا عوض اﻻكتفاء باﻻعتراض فإن لم يتحمل مسؤوليته فاﻷولي به أن يصمت.كما أنه إذا كانفهمنا للﻵيةصحيحا بأن الله قدأمر حفاظا عليها بالبقاء في بيت زوجها السابق بعد العدة فإن الزوج السابق غير ملزم باﻻنفاق عليها بعد انتهاء العدة وإن أطعمها كان ذلك من قبيل اﻹحسان ولها حق مفروض في الزكاة التى فرضها الله للمسلمين في مصرف الفقراء...الموضوع أذن متشعب ويحتاج الى دراسة من كافة النواحي وهذا هو الهدف من إثارته انطلاقا من مبدأ التراحم في اﻹسلام وليس فقط بيان موقف الفقه في قضية ما.

بقاء اﻷرملة في بيت زوجها المتوفي عاما بعد وفاته:
ينطبق على هذه الحالة باﻵيتين التاليتين :
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة : 234] وقوله تعالى :وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 240].واﻵية اﻷولي تتحدث عن عدة المتوفي عنها زوجها وتحددهافي أربعة أشهر وعشرة أيام أي حوالى 130 يوما تنقضي بعدها عدتها ويحق لها الزواج من رجل آخر إذا ما يسر الله لها ذلك ويحق لها أيضا ترك بيت الزوجية إن شاءت الى بيت والديها أو سكن خاص بهاتملكه فهي حرة تفعل ما تراه في صالحها وﻻ وصاية أو وﻻية ﻷحد عليها لكي يمنعها من فعل ما تريد أن تفعله بنفسها. وإن أرادت بالبقاء في بيتها بعد اتمام العدة فلها ذلك لمدة عام من وفاة زوجهاأي لمدة سبعة أشهر وعشرين يوما من تاريخ انتهاء عدتها.وإن لم تشأ البقاء طوال تلك الفترة التي تلي العدة فلالوم وﻻعتب عليهن فيما فعلنه في أنفسهن بالمعروف أي الخروج للزواج بزوج أخر واﻻنتقال الى بيته أو الرجوع الى بيت أهلها.وﻻ يشترط أن يوصي بذلك زوجها قبل وفاته كما ذهب الى ذلك بعض الفقهاء فقوله تعالى : وصية ﻷزوجهم ،تعني بأنها وصية من الله بأزواج المتوفي وما يوصي به الله هو أمر وحكم منه ﻻ يجوز مخالفته.ويخص هذا الحكم أساسا التي تزوجها المتوفي في بيت أهله أو في بيت ﻻيملك فيه حق الرقبة حتي ترثه زوجته فيه وإنما كان يملكحق اﻻنتفاع به فقط كأن يكون بيتاأعطاه له والده لكي يسكن فيه مع زوجته ولم ينقل ملكيته اليه وهو ما تجري به العادة حتى اﻵن خاصة في القرى ، أماإذا كان بيتا مكريا وترك المتوفي لهاماﻻ أو معاشاتسدد مه واجب الكراء فلايحق ﻷحد متازعتها فيه إن بقيت فيه مدى حياتها وليس عاما واحدا بعد وفاة زوجها وكان ذلك يتفق مع القوانين المعمول بها في بلدها.
يستفاد مما سبق ذكره بأنه ﻻ يحق اخراج المطلقة أو اﻷرملة من البيت بعد انقضاء عدتها أو مرور عام على الوفاة بالنسبة للمتوفي عنها زوجها اﻻ في الحالات التالية:
1.إن أرادت هي الخروج منه.
2.أن تأتي بفاحشة مبينة وهي مقيمة فيه وتحرم أيضامن حق اﻹقامة في السكن خلال فترة العدة إن فعلت ذلك وإن كانت سيئة السلوك وتحوم الشبهات حول خروجهامن البيت ولحين عو*تها اليه وكان ثمة دﻻئل قوية على احتمال ارتكابها الخطيئة فيسمح لها بالسكني مع الزامها بعدم الخروج من البيت نهارا أو ليلا أي حبسهافيه الى أن يقضي الله أمرا كان مفعوﻻ.
3. أنتاتزوج غيرزوجها السابق فلايحق لها السكني بمجرد أن يعقد عليها زوجها الجديد وﻻ يحق لها بالتالي أن تحضره للسكني معها في بيت زوجها السابق باعتبارها كانت بمثابة ضيفةفيه وكان سكناها من قبيل اﻹحسان اليهاوالذي ﻻيرتب لهاأي حق في البيت أو سكناه.


خاتمة:
إن هذا يؤكد مدى الحاجة الى دولة تنفذ أحكام الله التي بها صلاح أمر الناس ومنفعتهم وحفظ حقوقهم وكرامتهم وهي أحكام ﻻ يستطيع غير المسلمين تقديم مبرر واحد لعدم تطبيقها عليهم ﻷن فيها تحقيق مصلحتهم وحفظ حقوقهم، وذلك بعد تدبر آيات الله واستخلاص اﻷحكام منها وفهمها الفهم الصحيح .ودون ربط فهمها بمافهمه بعض الفقهاء من السلف والذين كانوا يحاولون تأويلها بما يتفق وعادات وتقاليد وثقافة مجتمعهم السائدة في زمانهم أو بما يرضي أمراء وكبراء زمانهم الذين ينفقون عليهم أو يعملون في خدمتهم أو وفق هوى أنفسهم ونظرتهم كرجال الى النساء في زمانهم وهضم حقوقهن التي فرضها الله لهن والتحلل من التقيد بها ،وإن أعوزتهم الحيلة نسبوا تفسيرهم الى ابن عباس بروايات ضعيفة أو قالوا بأن اﻵية التي ترتب حقا للنساء قد نسختها آية أخرى جاءت بعدها في موضوعهابينمااﻵية اﻷخرى تعالج شأنا أخر من شئونهن وتعد مكملة للأية السابقة وليست معدلة أو ناسخة لحكمها.أو وصفوا اﻷية بأنها من المتشابهات التي ﻻيعلم تأويلها غير الله وليست من المحكمات وتعالى كلام الله عما يدعون ويصفون.
ومما قالوا فيه من أن أية نسخت ماقبلها فيما يتعلق بهذا البحث قول الله تعالى في اﻵيتين السابق ذكرهما بخصوص من يتوفي عنهن أزوادهن:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة : 234] وقوله تعالى :وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 240]فاعتبروا اﻵية الثانية قد نسخت اﻷولى بسبب وحدة الموضوع ودون اﻻنتباه إن كل آية تتناول جانبا من جوانبه وبالتالي تعد مكملة للحكام المتعلقة به وليس فيها ناسخ ومنسوخ.وأنه ﻻ تعارض أو تناقض بني اﻵيتين فاﻷولي تحدد مدة فترة العدة لمن مات عنها زوجها والثانية تعطيها حق السكن في منزل الزوجية التي كانت فيه إن شاءت لمدة عام كامل بما فيه فترة عدتها وأن الربط بين فترة العدة والحق في السكن بالنسبة للأرملة يعد ربطا تعسفيا ﻻيوجد ما يبرره هنا. وقد أوردهما الله في سورة واحدة وهي سورة البقرة .وقال بذلك من اﻷقدمين مجاهد وقال به أيضا اﻷستاذ سيد قطب في ظلال القرآن ولو أن كل منهما لم ينكر وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن ولم يتضد أيضا للبحث فيه وإنما أنكر نسخ آيات قال بعض اﻷولين بنسخها عندما احتاج للاستشهاد بها على صحة ماقال به في موضوع ما.
ولالوا مثل هذا في هاتين اﻵيتين :
قوله تعالى :" واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)
ويقول سبحانه وتعالى : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
فهاتين اﻵيتين تعالج كل منهما حالة مختلفة عن اﻷخرى ،وكلاهما يجب العمل بهما.اﻷولى حالة امرأة وجدت في حالة فاحشة غير مبينة وإنما احتمال وقوعها مؤكدا كأن توجد في وضع غير ﻻئق مع رجل غريب فيتم اﻹشهاد عليها وحبسها في بيت الزوجية ﻻتخرج منه حتي يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلا أخر.والثانية تخص اللعان وهي أن يدعي أحد الزوجين على اﻵخر في واقعة لم يشهدها أحد فيتم إعمال اﻵية الثانية ويتفق ذلك مع قوله تعالى في أول سورة الطلاق :"لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.وثمة من فسر الفاحشة بالفحش في القول بينما الفاحشة متى وردت في القرآن معرفة فهي الزنا ،كما في قوله " أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين"، وهي وإن جائت في ذكر قوم لوط وعلى لسان نبيهم والفاحشة هنا المقصود بها اللواط ،فإن اللواط يعد ضرب من الزنا وأسوء من زنا الرجل بالمرة حتى أفتي صحابة باحراق من يفعلونه وليس تطبيق حد الزنا عليهم بجلدهم قياسا على ما عاقبهم الله بهم إذ أبادهم عن آخرهم ولم ينج منهم سوى لوط وابنتيه بينما شمل العقاب زوجته لتعاطفها مع قومهاوجزعهامن أمر الله فيهم فأحرقها الله معهم.

وقد أثبت باحثون معاصرون فساد ما ذهب اليه من قال من فقهاء السلف بوجود ناسخ ومنسوخ في القرآن منهم الباحث المغربي مصطفي بوهندي في كتابه : نحن والقرآن وأيضا الباحث المصري جمال البنا وقدم كل منهما أدلته على ذلك ودحض الفهم الخاطئ ﻵيات الكتاب ممن قالوا بوجود ناسخ ومنسوخ فيها.و النسخ إن صح في أقوال المخلوق لا يصح في كلام الخالق ، وقد اختلفوا في تحديد ماهي اﻵيات التي تعتبر قد نسخت غيرها وبعد أن ذكر بعضهم عشرات اﻵيات انتهي آخرون الى أن اﻷمر ﻻيتجاوز بضعة آيات ، واختلافهم في اﻷمر يعني أن كل منهم معرض للخطأ فيه وهو ماﻻيمنع أن يكونوا جميعا في النهاية قد أخطؤوا إن تم إثبات ذلك ، وﻻيجب التمسك بما ثبت أنه خطأ والبناء عليه. والكف عن اخذ ما قال به السلف كأحكام مسلم بها لمجرد صدورها عن فقهاء مشهورين،وانما كما أخطأوا في أمر قد يخطئون في سواه ،وصحة الرأي تستمد من ذاته وليس من سمعة قائله..

:كما يتطلب فهم القرآن الكريم استحضار مقاصد الشريعة وأولها حفظ اﻷمانة والتي أسميتها أم المقاصد والمستمدة من قوله تعالي : أنا عرضنا اﻷمانة على السموات واﻷرض ...ويتبعها المقاصد الخمس التي قال بها اﻷصوليون من حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض أو النسل كما يتبعها مقاصد أخرى ألهمني الله بأضافتها هي حفظ العدل واﻻحسان والتراحم ومنها صلة الرحم وهي المستفادة من قوله تعالي : إن الله يأمر بالعدل واﻹحسان وايتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر، يعظكم لعلكم تذكرون ...والحفاظ على وحدة اﻷمة لقوله تعالي: هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، ووحدة اﻹمامة بقصر أخذ الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم دون سواه سواء من الصحابة أو التابعين أو الفقهاء ممن وصفهم الناس باﻷئمة من الشيعة والسنة لقوله تعالى : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فإنتهوا...وﻻ يقدح في ذلك أنها نزلت بخصوص الغنائم وهي في عمومها تعني :ما أمركم به الرسول من طاعتي فاعملوا به وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه . وكل آية تحقق مقصدا أو أكثر من مقاصد الشريعة يجب أخذ الحكم منها وفق دﻻﻻت ألفاظها في اللغة وقت نزولها أو حسب استعماﻻت القرآن ﻷلفاظها وحسب سياقها وربطها بغيرها من اﻷحكام في مجالها .أما علوم الدنيا مما يعرف بالعلوم اﻻنسانية أوالطبيعية أو التطبيقية فتأخذ عن العلماء فيها من مسلمين وغير مسلمين وكلها مستقلة عن الدين وﻻ يجب الخلط بينها وبينه .إن هذا هو سبيل الحق لمن أراد أن يطيع الله ورسوله.
فوزي منصور

No comments: