Thursday, April 7, 2011

السلفيون والطرقيون والإخوان وفلول النظام في مصر..و السياسة.

ظهر مصطلح السلفية في بدايات القرن العشرين للتعبير عن تيار إصلاحي ظهر في عهد الدولة العثمانية يدعو لنبذ التعصب المذهبي الذي كان شائعاً حينها ومن قادة هذا التيار الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا ، ويعد امتدادا لتيار سلفي كان معروفا بأهل السنة والجماعة ، ولكن هذه السلفية الاصلاحية أخذت فيما بعد صورا شتى ، واقتصر وصف السلفية على جماعات مغايرة لها.

السلفيون حاليا ، والذين يقتصر عليهم هذا الوصف هم من يعتمدون منهج السلف الصالح أو يتبعون منهج أهل السنة والجماعة ،على حد تعبيرهم ، ولكنهم يختلفون الى حد ما عن السلفية الاصلاحية السابقة وعن باقي السلفيين الذين يؤكدون أيضا التزامهم بمنج السلف الصالح أو أنهم
من أهل السنة والجماعة. والغالب عليهم تقديم المنقول عن المعقول في فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله ، ولا يقبلون المعقول الا ما اتفق منه مع المنقول .ويعتبر أتباع السلفية النقلية أنفسهم امتداداً لمدرسة أهل الحديث التي ظهرت في العصر العباسي وتزعمها أحمد بن حنبل بفي
مواجهته مع فرق المعتزلة والكلامية والشيعة. وهم يشكلون فئة ليست بالقليلة وليست بالكبيرة أيضا من المسلمين في مصر وغيرها من الدول العربية . و لا يطلق حاليا وصف السلفية على من كان منهم يشتغل بالعمل السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين ،والتي صارت لها أديولوجية خاصة بها مزجت فيها مفاهيم السياسة بالمفاهيم الدينية، وفيهم من هو أكثر تحررا من السلفية التقليدية ،وبصفة عامة هم أكثر اقترابا من سلفية الشيخ محمد عبده واتباعا لها من الجماعات السلفية التقليبدية التي تحمل وحدها هذا الاسم ،والتي تميزت من قبل بالبعد عن أية
أنشطةسياسية.
وهناك حقيقة أخرى لايمكن تجاهلها وهي أن الغالبية العظمي من علماء الدين السنة والوعاظ في المساجد ينتمون أيضا الى التيار السلفي لأن تكوينهم الديني في المعاهد الدينية التي تلقوا فيها ما يطلق عليه العلوم الشرعية كان يطغى عليه المنهج السلفي ، ولذا نراهم يعارضون بشدة القول بعدم وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن ، مهما قدمت لهم من حجج ودون أن يكون بامكانهم دحض هذه الحجج الا بقول واحد: هذا لم يقل به علماء السلف،ولأن الناسخ والمنسوخ شكل أحد علوم القرآن التي درسوها وكتب فيه علماء السلف مؤلفات والتشكيك فيه يمكن أن يمتد الى التشكيك في كل ما تعلموه من العلم الشرعي.ويعارضون أيضا أي تفسير لم يقل به من تعلموا على أيديهم ويختلف عما ورد في كتب التفسير المعتمدة لديهم.ولذا تجد غير المقيدين بما قاله السلف والذين يحكمون العقل والمنطق ومدلولات ألفاظ اللغة القرآنية وفقا لاستعمالات القرأن لها أو بالرجوع الى جذورها في اللغة الآرامية للمطلعين عليها أو الذين يفسرون بعض آيات القرآن بما أثبتته العلوم الحديثة بما يعرف ببيان الإعجاز العلمي ، ترى كل هؤلاء اعتمدوا على أنفسهم في تكوين معارفهم الدينية ولم يدرسوا العلوم الشرعية في المعاهد الدينية المتخصصة.والى جانب هؤلاء هناك من تخصصوا في علم مقاصد الشريعة أو وسعوا مجال معارفهم وثقافتهم من الشيوخ أو احتكوا بثقافة الغير ، أو اهتموا بعلوم المنظق والفلسفة والتي يحرمها معظم السلفييين أو اهتموا بعلم مقارنة الأديان أو علم النفس أو بنشوء الفرق الكلامية لدي المعتزلة أو الخوارج أو الملل
والنحل الأخرى...الخ والموانعكست تلك الثقافة على تناولهم الموضوعات الدينية، وكانوا أقرب الى السلفية الإصلاحية ، كما أن اعتمادهم على التأملات الشخصية جعلهم يجمعون بين التصوف والمعرفة الدينية.والجدير بالذكر هنا بأن كل من الأستاذين حسن البنا وسيد قطب تخرجا من كلية دار العلوم وليس من الجامعة الأزهرية وهو ما جعلهما أقرب الى السلفية الإصلاحية من السلفية التقليدية.وإذا تأملنا فقط في المقولةالمنسوبة الى الشيخ محمد عبده بعد عودته من أوروبا والتي يقول فيها وجدت هناك اسلاما بدون مسلمين وعدت فوجدت هنا مسلمين بدون إسلام مستحيل أن تصدر عن سلفي تقليدي.

لم يكن إذن لمن يطلق عليهم "السلفيون "من أتباع السلفية التقليدية أي نشاط سياسي في مصر قبل ثورة 25 يناير ، وقال بعضهم أن السبب في ذلك هو الخوف من أن يفتنهم النظام المستبد القائم في أنفسهم ودينهم إذا ما عارضوه وتعرضوا لبطشه ولكن أحد الأسباب الهامة في بعدهم
عن السياسة هو الموروث عن علمائهم أو من يعبترونهم من أئمتهم من فتوى بعدم جواز الخروج على الحاكم حتى لو كان كافرا أو فاسقا طالما أنه لايمنع إقامة شعائر الله في المساجد وخاجها وبالتالي لايمنع الناس عن الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع اليه سبيلا ، ويدافع عن حوزة و ثغور دار الإسلام بجنده ،ويحمي المجتمع المسلم من تسلط الكفار عليه ، وهي فتوى ترجع لابن تيمية الذي ظهر في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد على أيدي التتار سنة 656هـ؛ فعمل على إحياء الفكر السلفي، وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع داعيا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة. وستجاب بعض العلماء وطلبة العلم لأفكاره مثل الذهبي وابن قيم الجوزية ،وترتبط فتواه بظروف زمانه وفي محاولة تجنب فتنة ينشغل بها الحاكم عن الدفاع عن دار الإسلام فتكون العاقبة وخيمة على المجتمع الإسلامي.ومع اتباع السلفيين للسلف دون اعتبار للزمان والمكان ، اي باعتبارهم إن المنقول عنهم صالح لكل زمان ومكان ، فقد التزموا في أغلبهم بتلك الفتوى.

عندما نجحت ثورة 25 يناير في مصر على اجبار رئيس الجمهورية على التخلي عن الحكم ، لم تكن تلك الثورة منظمة ولها قيادات يمكن أن تحل محل الرئيس الذي تم خلعه ، ونظام سياسي مغاير بحل محل نظامه ، فشكل ذلك فراغا، وسواء كان حقيقيا أم وهميا باعتبار أن النظام السياسي في مصر مازال قائما ويحافظ عليه المجلس العسكري الأعلى، فقد أغرى هذا الفراغ السلفيين للانخراط في العملية السياسية والتي كانت أولى بوادرها الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، واعتبروا التصويت بنعم عليها ضمان لاستمرار الدستور الذي تنص مادته الثانية على اسلامية الدولة خوفا من أن يتم وضع دستور جديد يحولها الى دولة مدنية أو علمانية لايتيح لهم العمل لإقامة دولتهم ، أي دولة السلفيين.

هنا أيضا يجب الانتباه بأن السلفيين ينقسمون الى ثلاث طبقات : طبقة العلماء وهؤلاء الأكثر استنارة فيهم نسبياوعلما وتحرى الدقة في القول، وطبقة الدعاة وهي الأكثر عددا من العلماء والأكثر تواصلا مع القاعدة ،وهم أناس من متوسطي التعليم، لم يتلقوا ما يعرف بالعلم الشرعي في معاهده ،وإنما من حضورهم مجالس العلماء ،وتغلب عليهم الشعبوية والاعتماد على الخطب الرنانة في التأثير على الجمهور ولو اضطروا فيها الى ذكر خرافات من نسج خيالهم لدعم مواعظهم.والطبقة الثالثة وهي طبقة الأتباع وهي طبقة شبه أمية وعلمهم بالدين لايتعدي حفظهم لكل القرآن أو بعضه في الكتاتيب أثناء طفولتهم وكيفية أداء المناسك الدينية ومبادئ القراءة والكتابة والحساب.وهذه الطبقة تتأثر بطبقة الدعاة.وقد تعرض بعض علماء ودعاة
السلفية لبطش الدولة بتحريض من الدول الأجنبية في أطار ما سمته بالحرب على الارهاب وكان كل ذنبهم اظهار تعاطفهم مع طالبان وبن لادن والدعاء لهم باعتبارهم سلفيين مثلهم ،بعد أن شنت الدول الغربية الحرب عليهم ، أعتبروها حربا ظالمة وتستهدف الإسلام ذاته ، وهم في ذلك على
حق.

وهناك جماعات مستنيرة انشقت عن الإخوان بسبب سلفيتها وممارساتها السياسية ، ولأنها بخروجها من الإخوان خرجت أيضا عن سيطرة الدولة ، فقد تعرضت للقمع من قبل أجهزة الدولة الأمنية بدون موجب لذلك ، وكان رد فعلها النفسي هو الانكفاء في اتجاه سلفية أكثر تشددا من السلفية التقليدية ومن سلفية الإخوان ، حيث لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد في الاتجاه حسب قوانين نيوتن في الميكانيكا.واتجهت لمواجهة عنف الدولة بعنف أشد منه ضراوة، على الرغم من أنها كانت في البدء مسالمة تنفر من العنف ، وخاصة تلك التي قاتلت في أفغانستان والشيشان ووجدوا أنفسهم يحاربون مع السلفيين أو في حمايتهم ،وعرفت فيما بعد بالسلفية الجهادية ، أو نفذت عمليات تحسب ضمن الأعمال الارهابية ضد الدولة أو مؤسسات دول أجنبية أعتبرت مساندة للنظام السياسي القمعي المستبد في دولهم.ولو رفع الظلم والقهر عنهم تبدد تطرفهم وعادوا لما كانوا عليه من قبل.

ومن السلفيين من تأثر بالفكر الوهابي المتشدد، أو نسجوا فكرا على منواله بسبب وحدة المرجعية السلفية، وغالوا في مفهومي التوحيد والشرك ، وقد اعتبروا كل التماثيل أوثان ولو أنها لا تعبد ومن ذلك آثار الفراعنة ، وهم بالتأكيد لا يعلمون شيئا عن دين الفراعنة وأنهم كانوا من الموحدين ، ويحرمون التصوير والموسيقي والغناء وكل أنواع الفنون باعتبارها من عمل الشيطان الذي يلهي به الناس عن العبادة ويتسامحون فقط مع الإنشاد الديني الذي لايصاحبه عزف.وأيضاوصموا أتباع كل الطرق الصوفية بالشرك بالله لتبركهم بأضرحة الأولياء ولابتداعهم في الدين وادخالهم ما ليس منه فيه،ولهم في ذلك الكثير من الحق ، ولكنهم تشددوا في موقفهم ضدهم ونصبوا أنفسهم أعداء لهم ، وأن ما ييفعلونه منكر عليهم واجب ازالته و ذلك لا يتم بغير هدم أضرحة الأولياء.ولأن الدولة كانت تدعم الطرق الصوفية في محاولة منها لتجهيل الناس بدينهم ،
والسيطرة السياسية عليهم ، و كان السلفيون يهادنون الدولة من قبل في ذات الوقت ،فقد اضطروا الى مهادنة الطرقيين ، ولأنهم اعتبروا أن سقوط رأس الدولة هو بمثابة سقوط لها ، فقد اعتبروا أنه قد واتتهم الفرصة للتخلص ممن كانت تحميهم الدولة من قبل منهم، والذين يعد وجودهم عقبة أمام انتصار الفكر السلفي وإقامة الدولة السلفية.

التبرك بالأضرحة يعد بالفعل شركا بالله أو يداني الشرك بالله ، لأن صاحب الضريح لا يملك لنفسه ولا لغيره بعد موته نفعا، والصلة بالله يجب أن تكون مباشرة ولا تحتاج الى وسطاء من الأحياء أو الموتى .بل بعض الأضرحة قد تكون عبارة عن قبور رمزية لشخصيات دينية لها مكانة في قلوب المسلمين
الذين أقاموها ومشكوك في ما تحتويه، فضريح الحسين أقيم على هيكل عظمي لجمجمة جاء بها رجل من الشام وادعى أنها للحسين والسيدة زينب لها ضريح آخر في دمشق ولا يمكن أن تكون مدفونة في البلدين معا، وبعض الأضرحة قبور لبعض من اعتبرهم الناس في زمانهم من أولياء الله
الصالحين من مؤسسي أو كبار أتباع الطرق الصوفية وما نشر عن تاريخ بعضهم مثل الشعراني يشكك في حقيقة تصوفه وأنه استثمره للإثراءوالتمتع بحياة مترفة ليس فيها تقشف أو تصوف حقيقي...الخ.ومع ذلك فإن الأوجب ليس هدم تلك الأضرحة ، وأنما تبصير الناس بأمور دينهم ،وما تتطلبه عقيدة التوحيد من ابتعادهم عن كل مظاهر الشرك.

يستدعي الأمر هنا توضيح بوجود فرق بين التصوف والطرقية الصوفية ، وعلى سبيل المثال يوجد في المغرب مثلا زوايا صوفيه تقوم بتحفيظ لقرآن وتدريس الفقه واللغة العربية وآدابها ويأتي اليها شباب مسلم من الدول الأوروبية والأفريقية للدرس فيها وهذه لا علاقة لها بالطرق الصوفية
، وأيضا صادفت في المغرب وفي مصر عايشت وشهدت متصوفة من ذوي التعليم العالى والمعرفة الدينية الصحيحة ،ومن مختلف المهن ،يقيمون حلقات محدودة العدد في منازلهم من حين لآخر، ولا علاقة لهم بالطرق الصوفية ويستنكرونها ، والثابت أن الأستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين كان سلفيا ومتصوفا في الآن ذاته .
والصوفي عموما هو من صفا قلبه لله وتعلق به وانشغل به عن سواه وحرص على كل مايجلب رضاه ووجود صلة مستمرة بينه وبين مولاه قوامها المحبة والطاعة والذكر الدائم له وهو في موالاته لله لا يوالي سواه.ويحدد الجنيد معنى التصوف، فيقول :" التصوف هو ألا يطالع العبد غير حده ولا يوافق غير ربه ولا يقارن غير وقته" ويقول ابن عطاء الله السكندري أن التصوف هو الاسترسال مع الحق عز وجل .

وثمة تعاريف كثيرة للتصوف لاتخرج عما سبق في مجملها.ومع أني أفرق الآن بين المتصوفة والتصوف الطرقي ، فإن معظم مؤسسي الطرق الصوفية كانوا في زمانهم من العلماء المتصوفين و يغلب عليهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ،، وكان لهم مدارس في التصوف أو التعليم الديني يقيمونها في المساجد أوفي زوايا يقيمونها ويؤمها تلاميذ لهم ربوهم على منهجهم ونشروه وازدهرت هذه المدارس فـي بداية القرن السادس الـهـجري وهو نفس القرن أيضا الذي ازدهرت فيه ما يعرف حاليا بالعلوم الشرعية وظهر فيه علماءالحديث والتفسير و الأصول والفقه و العقيدة وعلم الكلام ، الا أن علم المتصوفة لم يستمر تداوله كثيرا واندثرت معظم مدارسها وإن استمر الأتباع أو المريدون مع افتقارهم الى العلم واختلطت معارفهم المحدودة بعقائد غير المسلمين الذين يعاشرونهم وطقوسهم الدينية التقليدية التى لا تمت للأسلام بصلة ، واخذت طرقهم سمات البدع والشعوذة ومارست طقوسا سحرية أو شبه وثنية حيث لا يمكن وصف عقائد الأرواحيين الأفارقة بالوثنية لعدم اقامتهم أوثان يعبدونها وفيهم قبائل كثيرة خاصة ذات الأصول الكوشية تتميز عقيدتها بالايمان بوجود اله واحد .ولتغطية جهل شيوخهم بالدين وتعليمه والأحكام الشرعية اعتبروا علماء الدين بأنه يختصون بعلم الظاهر بينما يختصون هم بعلم الباطن وأنه أذا كان الأول علماء بيان أو برهان فهم علماء عرفان يأتيهم علمهم مباشرة من الله سبحانه وتعالى على هيئة فيض أو كشف في لحظات التواصل معه أوحلوله فيهم وأذا كان للقرآن ظاهر يهتم به علماء الدين فللآيات باطن أهم منه لا يطلع على سره سواهم ، ونسبوا لأنفسهم ولشيوخهم كرامات أشبه بالأساطير والخرافات.ولم يكن دافعهم الى ذلك سوى التحايل على المحافظة على المكانة الاجتماعية التي كانت لآبائهم وأجدادهم الذين كانوا أوفر حظا في العلم بالدين ولغة القرآن الكريم وأقدر على استنباط الأحكام منه وكان هذا هو بداية الخلاف بينهم وبين السلفيين والذى اتسعت شقته مع مرور الأيام .ومن هذه الطبقة من الطرقيين أسماء مشهورة وأقام أتباعها لهم أضرحة باعتبارهم من أولياء الله الصالحين ومن ذوي الكرامات ، والغريب أن نجد لبعضهم عدة أضرحة في مناطق متباعدة في المنطقة وفي كل منها يعتقد السكان أن صاحب الضريح مدفون فيه مثل أبي اليزيد البسطامي على سبيل المثال لا الحصر.

ويوجد الكثير أيضا ممن كتبوا في التصوف دون أن يؤسسسوا طريقة فيه تحمل أسمائهم من بعدهم مثل الغزالي. وأصل لفظ الطريقه هو منهج التصوف وتربية النفس عليه أو الطريق الى الله.

ومن الصوفية غير الطرقية تشكلت حركات صوفية حاربت الحملات الصليبية وهجمات الاستعمار الغربي واعتمدت الكفاح المسلح ، ومن أشهرها في العصر الحديث : حركة الأمير عبد القادر في الجزائر، و عمر المختار في ليبيا، ثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب.وسبقهم في الجهاد المسلح ضد الغزاة الأجانب متصوفة آخرون كثيرون مثل الشيخ الأقاوي والشيخ ماء العينين جنوب المغرب وغيرهم جنوب الصحراء الكبرى.

وتنتشر الطرق الصوفية في نطاقات جغرافية واسعة تشمل العديد من الدول حاليا ، على نحو التيجانية التي تعتبر اليوم أولي طريقة صوفية ، من حيث تعداد المنتسبين ، وكثرة الزوايا التي أنشأوها ، وشهرة مشايخها المنتشرين في كل بلاد غرب إفريقيا ، ابتداء من موريتانيا فالسنغال ، فمالي ، فغينيا ، فساحل العاج ، فبوركينافاسو ، فالنيجر ، فنيجيريا ، وتوغو وغانا وبنين ، ثم انتشرت في اتجاه الشريط السوداني الكبير ، تشاد ،الكمرون ، السودان ، أما أصلها فهي بلاد المغرب العربي ابتداء من الجزائر ، فالمملكة المغربية ، فتونس ، فليبيا . وهكذا نجد أن الطريقة التيجانية هي أولي الطرق الصوفية في شمال ، وغربي إفريقيا وفي في النطاق السوداني جنوب الصحراء و وتوجد أيضاالسنوسية فى شمال أفريقيا كما تنتشر القادرية التي أسسها عبد القادر الجيلاني في العراق خلال القرن السادس الهجري، فـي العراق، اليمن، الصومال، الـهـند،
تركيا، مصر، المغرب وغرب إفريقيا ووسطها وشرقها،والنقشبندية في دول أسيا الوسطى ، وكان لروادها الأوائل دورا لا يمكن انكاره في نشر الإسلام في تلك المناطق عندما كان لديهم قدرا من المعرفة الدينية ،وفي النطاق السوداني الأفريقي كان للطرق الصوفية في أول عهدها في انتشار
الإسلام فـي المناطق الوثنية أو المتفشية فيها الوثنية أو الديانات الأخرى غير الإسلامية وفي المناطق الشبه صحراوية كما في المناطق الغابويةالاستوائية بواسطة المساجد والزوايا وما أقامته من كتاتيب ومن خلاوي تدريس القرآن الكريم وتجويده والتي ساعدت وساهمت فـي محو الأمية الدينية ،
وأيضا بما اتسم به شيوخها من ورع وزهد وحسن خلق ومعاملة وما يتمتعون به من صدق وأمانة وتسامح ،جعل سكان تلك المناطق يهتمون بالتعرف عليهم وعلى دينهم وعلى الاقتداء بهم ، بعد أن أدركوا بأن أخلاقهم من نتاج عقيدتهم الدينية.الا أن الوضع يختلف الآن حيث يوجد على رأسها شيوخ لها حظهم من المعرفة بالدين قليلة في الغالب و يتوارثون المشيخة فيها وأكثر ما يهمهم منها هو العائد المادي الذي يحصلون عليه ، بالاضافة الى المكانة الاجتماعية التي يعززها كثرة أتباعهم .ويليهم طبقة من الدراويش أو البهاليل من الأميين الذين يجهلون كل شيئ عن الدين
تقريبا وأكثرهم يعتبر نفسه معفي من أداء المناسك الدينية مثل الصلاة ، ويعيشون على الصدقات، أما القاعدة الطرقية فتتشكل فمن العوام الأميين أيضا والذين يمارسون طقوسا شبه سحرية أقرب ما تكون الى " الزار" ويقودهم فيها عدد من منشدي الطريقة الصوفية ، ويجهلون أيضا دينهم.ومن شيوخ الطرق الصوفية في شمال أفريقيا من عمل في خدمة الاستعمار الفرنسي ومن بعده في خدمة الدولة الاستبدادية التي شملتهم برعايتها وحمايتها لأنشطتها ومواسم الأولياء أو المؤسسين لها ،وبعطاياها المادية والعينية لهم في المناسبات الدينية.وفي نفس الوقت فإن إطلاق
أحكام عامة عليها لا يعد صحيحا وهي ليس كلها متماثلة وانما تتفاوت سلوكياتها وفي التزامها بالدين أو انحرافها عن تعاليمه من طريقة لأخرى.

وكثيرا ما اتهم السلفيون بأنهم سبب تخلف الشعوب الإسلامية وهو اتهام باطل حيث لم يحدث أن تولى أحدهم سلطة ،أو شارك في وضع سياسةللتعليم أو الاعلام أو التنمية ، وكل دول المنطقة لا تتبع الشريعة الإسلامية وتحترم قيمها وتتحلى بها حتى يكون للدين دخلا في تخلفها ، كما لا يشكل الدين وتعليمه سوى النزر القليل من التعليم الحكومي ، ويعد الطابع السائد في الثقافة والاعلام وأدارة الدولة علمانيا صرفا ولا تلجأ الدولة للدين الا لاستغلاله ، وفي نفس الوقت فإن الدول التي صار للسلفيين فيها نفوذ مثل السعودية وباكستان أو تولوا حكمها مثل أفغانستان والسودان ،أثبت السلفيون فشلا ذريعا في سياساتهم ، وفشلوا في تحقيق الرخاء للشعوب التي حكموها ، بل يمكن القول بأن سياساتهم تسبب في زيادة معاناة هذه الشعوب من الفقر والمرض والجهل والتخلف وصعوبة التكيف مع حياة العصر. والسعودية فقط دونها التي استطاعت تقديم خدمات جيدة
في ميداني التعليم والصحة بسبب العائدات المالية الكبيرة التى حققها حجم انتاج البترول وزيادة أسعاره في السوق العالمية باضطراد. ولذا لا يتوقع من السلفيين إن تولوا الحكم في أي بلد مسلم أن يتمكنوا من النهوض به ولكن نفس الشيئ يمكن قوله أيضا على منافسيهم ممن يصفون
أنفسهم بالعلمانيين حيث يحكمون بالفعل دولهم منذ استقلالهم دون أن يحققوا أي تقدم فيها بل قادوها الى ألأزمات والمزيد من التخلف. ولايمكن مقارنتهم بحزب العدالة والتنمية التركي فهذا الحزب لا يجمع السلفيين ، وانما علماء مسلمين في جميع التخصصات ومن ذوى ثقافة متفتحة ، وسر نجاحهم لا ينحصر في تدينهم ، وانما حسن ادارتهم للاقتصاد والعمل السياسي المسخر في خدمته مع الإخلاص والأمانة في العمل . ولذا لا يمكن القول بأن حزب كذا الديني يمكنه أن ينجح في أدارة البلد مثلما نجح حزب العدالة والتنمية التركي طالما لا توجد لديه كفاءة الحزب التركي ولا نمط ومنهج تفكيره.
المشكلة أذن ليست في ثنائية إسلامي وعلماني وأنما في سوء ما يحمله الطرفان من ثقافة دنيوية غير بناءة وغارفة في التنظير غالبا بينما لاتفيد فيما يتعلق بحسن التدبير ، أي في التطبيق العملي لها. وهو ما يتطلب ثورة ثقافية قادرة على تغيير عقليات المجتمع وطريقة اشتغالها ولا يكون
لها علاقة بالدين الا بقدر الحاجة الملحة للتحلى بقيمه وبسلوكيات تتفق مع مقتضياته وما تتطلبه من صدق وأمانة وتضامن وتكافل وأيثار وعمل منتج وعدالة في التوزيع لناتج العمل الجماعي والبعد عن الترف والإسراف ،وتزكية النفس من فجورها والميل بها نحو تقواها ..وهذا كله أهم مما اهتمت به الحركات السلفية والجماعات الدينية الخارجة من رحمها والتي حصرت تطبيق الشريعة في تطبيق الحدود الشرعية على السارق والزاني.وبعضها أعطي لنفسه سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإزالة المنكر بيده ، وهو ناتج عن الفهم الخاطئ لقول الله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، والمقصود به أمة بين الأمم ، وليس بفئة أو فريق من الناس داخل الأمة الإسلامية يتسلط على من فيها ، بينما كل نفس بما كسبت رهينة ، وكلهم مرجعهم الى الله يحاسبهم ، وليس في الدين ما يعطي لأحد حق التسلط على الغير أو تقييد حريته في التصرف ، طالما لايشيع الفاحشة في المجتمع باتيانها علانية وهو ما يعتبر منكرا في العرف الاجتماعي قبل انكار الدين له.

دون المضي بعيدا في البحث والتنظير فإن ما يسترعي النظر هو أن كل من السلفيين والطرقيين انغمسوا أخيرا في العمل السياسي بعد أن كان منهم من قبل مهجورا ومحظورا ،وشكلوا مع الإخوان وأتباع حزب الرئيس المخلوع وأجهزته الأمنية ومؤسساته الفاسدة ، حلفا سياسيا ، واجتمعوا في خندق واحد ، رغم ما بينهم من تناقضات ،حين الاستفتاء على التعديلات الدستورية للتصويت بنعم وأضلوا أناسا كثيرين ممن تبعوهم بعد أن أوهموهم بأن التصويت بنعم عليها من متطلبات الدين والايمان ، ولم يشذ عمن كانوا يناصرون مبارك من قبل سوى الأقباط الذين كانت كنيستهم حليفة لنظام مبارك ومساندة له ومؤيدة لتوريثه الحكم لابنه علنا ، وكانوا لها تبعا، فقد خرج الأقباط خلال الثورة الشعبية على هذا الحلف وانضم الى الثورة كل آباء الكنيسة المستنيرين وأغلب الشعب القبطي وساندوا مطالب الثورة الشعبية وصوتوا أيضا ب" لا " للتعديلات الدستورية ،لدواعي غير دينية أو مرتبطة بالدين أو الطائفية في أغلب الظن،وإنما لقناعة بأن القبول بتعديلات عوض وضع دستور جديد في غير صالح تحقيق أهداف الثورة ، وكان أيضا نتيجة الشكوك المثارة حول تورط أجهزة مبارك الأمنية في إثارة الفتن الطائفية في مصر.

والحلف الجديد الذي ضم هؤلاء من المتوقع أن يستمر في انتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان ، رغم ظهور العداء بين السلفيين والطرقيين للعلن حاليا ، ومن المتوقع أيضا أن يتصادم السلفيون المتشددون مع الاخوان الذين ألفوا البراجماتيكية طول مشوارهم السياسي ويختلفان معا ،وسيعمل حزب الرئيس المخلوع بدورة على ضرب كل مجموعة بالأخرى ، لكي يتخلص منها كلها في النهاية وتعود الهيمنة السياسية له الى ما كانت عليه قبل الثورة ،ووالى جانب هذه الصراعات فيما بينهم سينشب صراع بينهم وبين وبين باقي مكونات وفئات الشعب المصري التي لا تنتمي اليها، ولا تثق فيها ،وترفض منهج تفكيرها ، وتصمه بالتخلف.ومما قد يؤجج هذا الصراع بين الطرفين تطرف بعض القوى المعادية لهم ،وتبنيها أفكار بدعوى الحداثة والنسوانية أو الانحياز للائكية بتأثير الثقاقة السياسية الأوروبية ، وأفكارهم المتطرفة تلك تتصادم مع عقائد الشعب الدينية ، وايمانه المتوارث عبر آلاف السنين ، قبل وصول اليهودية والمسيحية والإسلام إلى المنطقة وبعد وصولها والتدين بها أو الانتقال من دين أقدم الى دين مستجد عليه ، ومثل هذه التوجهات الشاذة سوف تكون سببا في تمزيق الجبهة التي تواجه الجماعات الدينية وفلول النظام السابق وتحد من فاعليتها.وهذا الصراع المتعدد لن يكون في نهاية الأمر في صالح المجتمع أو الدولة في مصر في وقت يحتاج إعادة بناء مصر الى وحدة الشعب المصري لتحقيق مستقبل آمن ومزدهر له.

أن الصراع الوحيد الذي يجب أن تنخرط فيه كل القوى المصرية هو الصراع ضد التخلف والذي يعد الفقر والجهل من مسبباته ومن نتائجه أيضا ،ووهو ما يستوجب تضافر جهود الجميع معا للتخلص من الفقر والجهل ومن التخلف الثقافي والعلمي والفكري الذي يعم المجتمع بمن فيه المنتمين لكل هذه الجماعات بدون استثناء ، أي ضرورة انخراط الجميع في ثورة ثقافية وتنموية تعيد بناء الوطن من جديد ، وأن تكون القيم الدينية الإسلامية والمسيحية مصدر توحيد للأمة ولايكون الدين الذي تحول الى شيع ومذاهب لدى كل تلك الجماعات سببا في تفرقة المجتمع وتشتيت جهوده الجماعية من أجل التقدم .ليكون لكل مواطنيه ، ومصدر رخاء وفخر وعزة وكرامة لهم.

فوزي منصور

No comments: