Friday, January 16, 2009

عقيدة التوحيـــد الإسلاميــة: المعنى والمبنى الجزء الرابع عشر: أنظمة التكافل الإسلامي

التكافل الاجتمـاعي:
وضع الإسلام التكافل الاجتماعي لضمان التحرر الوجداني وتحقيق العدالة الاجتماعية. و التكافل الإجتماعى يقصد به إلتزام الأفراد بعضهم نحو بعض؛ فكل فرد عليه واجب رعاية المجتمع و مصالحه. و ليس المقصود بالتكافل الاجتماعي في الإسلام مجرد التعاطف المعنوى من شعور الحب و المودة، بل يتضمن العمل الفعلي الإيجابي الذي يصل إلى حد المساعدة المادية للمحتاج و تأمين حاجته بما يحقق له حد الكفاية. و ذلك يكون عن طريق دفع الزكاة، فإن لم تكفي فيؤخذ من الأغنياء ما يكفي للفقراء.تحقيقا للعدل الاجتماعي.

يقول الاستـاذ مصطفى الرافعي :"والعدل أوالعـدالة هـي واحـدة من القيم التي تنبثق من عقيدة الاسلام في مجتمعه. فلجميع الناس في مجتمع الاسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها، عملاً بقول الله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"..واسم العدل الوسط مشتق من المعادلة بين شيئين بحيث يقتضي شيئاً ثالثاً وسطاً بين طرفين. لذلك كان اسم الوسط يستعمل في كلام العرب مرادفاً لمعنى العدل. فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن رسول .
والعدل في الاسلام لا يتأثر بحبّ أو بغض، فلا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما لا يفرق بين حَسَب ونَسَب، ولا بين جاه ومال.. بل يتمتع به جميع المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودة أو شنآن، بقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون".
فالعدل في الاسلام ميزان الله على الأرض، به يؤخذ للضعيف حقه وينصف المظلوم ممن ظلمه، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا". وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على سواء، يقول عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الإمـام العادل والصـائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم". فالله سبحانه يجيب دعوته، وينصف من يستغيث به، ويدفع عنه مظلمته. بل أباح للمظلوم فوق ذلك الدعاء على الظالم والتشهير به وقول السوء في حقه حتى يرجع عن ظلمه، مصداقاً لقول الله تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم".

لقد دعا الاسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخاً لفكرة العدل كمبدأ، وتنمية لها كسلوك لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح. فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيره إلى الانحلال والزوال.

وعدالة الاسلام ذات سمة خاصة تميزها عن سائر العدالات. فمجتمع الاسلام يقوم على توحيد الإله وتوحيد الأديان جميعاً في دين الله الواحد، وتوحيد الرسل في الدعوة بهذا الدين الموحد منذ نشأة الحياة: "إن الدين عند الله الاسلام" و "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون".ومجتمع الاسلام يقوم على الوحدة بين العبادة والمعاملة والعقيدة والسلوك والروحيات والماديات والقيم الاقتصادية والقيم المعنوية والدنيا والآخرة.
وعلى هذا، فإن عدالة الاسلام تتناول جميع مظاهر الحياة وجوانب النشاط فيها، وتسعى إلى تحقيق العدالة فيها بوسائل شتى .(...) إن كل عدل لا يقوم على اقتصاد منظم.. فهو عدل ناقص بل عدل ظالم ـ إن صحّ التعبير ـ فلن نكون عمليين حين نقول للجائع أو العاري أو المفلس أو العاطل عن العمل، لا ترتكب الجريمة قبل أن نحقق له مجتمعاً صالحاً لا يجوع فيه ولا يعرى ولا يتعطل عن العمل.

هذا وقد تشدد الاسلام في نظرته إلى العدالة من زاويتها الاقتصادية فحرّم ما نسميه نحن اليوم بلغتنا السياسيـة (الاستفادة غير المشروعة) عن طريق استخدام النفوذ والسلطان. ومن الأمثلة على ذلك سلوك عمر بن الخطاب مع ولده عبدالله حين رأى في طريقه إبلاً سمينة وسأل عمر عنها فقيل له إنها إبل عبدالله بن عمر، فغضب ابن الخطاب وقال: "ما سمنت إبل عبدالله إلا لأنه أرعاها بجاه أمير المؤمنين، ادفعوا بها إلى بيت المال" وأمر بمصادرتها.

ومـن أمثلـة العـدل الاقتصـادي في الاسلام: ضريـبة العشـور التي عرفتها معظم الشعوب القديمة كالفراعنة والفرس واليونان والرومان، وهي تشبه ضريبة الجمركية في أيامنا. فكانت تلك الشعوب قبل الاسـلام وبخاصـة الرومـان يجـبونها على حدود المناطق المتعددة من الدول الواحدة وكانوا يتقاضونها في العام الواحد مرات عديدة بعدد مرورهم على العاشر (أو الجمركي إذا جاز التعبير)، كما كانوا يتقاضونها على جميع سلع التجارة مهما بلغ ثمنها قليلاً أو كثيراً إلى ما هنالك من صعوبات ترهق كاهل المستوردأو التاجر المتجول على حين إذا ا قارنا نظام الضريبة هذه بنظامها في الاسلام نجد أن الاسلام امتاز فيها عن جميع الشعوب التي سبقته بأنه جمع العدل والرحمة والسماحة والحكمة في فرض تلك الضريبة وفي تقديرها وفي تقاضيها..
أ ـ لم يفرض الاسلام ضريبة العشور ما لم تبلغ قيمة البضاعة نصاب الزكاة الذي هو عشرون مثقالاً من الذهب أو مئتا درهم من الفضة.
ب ـ لا تستوفى في الاسلام ضريبة العشور إلا مرة واحدة في العام مهما تعددت رحلات التاجر عبر دياره.
ج ـ لا تدفع في أرجاء الدولة الاسلامية إلا مرة واحدة مهما تعدد العشار أو (الجمارك).
د ـ لا يتعرض التاجر حال مروره على العاشر للإساءة إليه بتفتيشه، بل يكتفي العاشر بإقراره، لأن عمر بن الخطاب أمر بعدم تفتيش التجار.
هـ ـ لم تكن الأعشار في بداية فرضها تؤخذ من المسلم إذا أدّى زكاته ومن الذميّ إذا أدّى جزيته، إنما كانت تضرب على المحاربيـن إذا استأذنـوا كي يتجروا في أرض المسلمين طبقاً لقاعدة المعاملة بالمثل، لأن ضريبة العشور هذه لم يعرفها الاسلام إلى على عهد عمر بن الخطاب حين كتب إليه أبو موسى الأشعري يستشيره في تجار من المسلمين يدخلون ديار الحرب فيأخذ منهم حكامهم العشور، فكتب إليه عمر بأن يأخذ من المحاربين على تجارتهم إذا دخلوا ديار الاسلام القدر الذي يأخذه هؤلاء من المسلمين وهذا مبدأ المعاملة بالمثل المطبق اليوم عند كافة الدول الراقية.

بالإضافة إلى أن الأوضاع الاقتصادية قد تغيرت في صدر الإسلام عنها في هذا الزمان حيث تنطلق فيه الصيحات من كل مكان من هذا العالم مطالبة بالمساواة والعدالة والمحافظة على حقوق الإنسان وحريته.والدين يعني العدالة، ويعني الحرية، ويعني المساواة. بل يعني الإنسانية في أنبل صورها وأقدس معانيها.

وفي ضوء هذه القيم الكبرى والمثل العليا، فإن للمجتمع أن يقرر ما يجلب له المنافع وما يدرأ عنه المفاسد بتحويل النظام الاقتصادي إلى ما يحقق للإنسانية حريتها وسعادتها ما دام المال في الأساس هو مال الله والناس وكلاء على هذا المال ومستخلفون فيهن ومعتبرون فيما يملكون بمثابة مديرين وموظفين عاملين على إصلاحه نائبين عن المجتمع في تنميته، وهذا هو معنى الاستخلاف عن الله في قوله:”وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه".
وقد سن الإسلام محموعة من المبادئ والأنطمة لتحقيق التكافل ولدعم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين منها:

تجريم كنز المال:
ومن الضـوابط الاقتصادية في الإسلام تحريم الكنز، لأنه تعد على حقوق المجتمع، حيث يقول رسول الله (ص): “مَن جمع ديناراً أو درهماً أو تبراً أو فضة، ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة”.
وفي موت رسول الله وأبي بكر وعمر وعلي وخالد بن الوليد وكثير غيرهم من أفاضل الصحابة، من غير أن يتركوا ميراثاً لوارث أو مالاً لخالف، أبلغ شاهد على ذلك. إن حبس المال عن التداول وكنزه في الصناديق والخزائن يؤدي إلى اختلال التوازن المالي والتجاري والاقتصادي وبالتالي إلى اختلال التوازن الاجتماعي. وإلى هذا هدف القرآن الكريم حين قال: “والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم”. وهذا يعني: أن الكنز ليس سلوكاً شخصياً مؤاخذاً عليه فحسب، بل جريمة اجتماعية، يجب على الدولة أن تستأصلها بما تضع من تشاريع واقية.
فحبس المال إن كان سببه البخل والتقتير، فقد ندد الله سبحانه بالبخلاء والمقترين: “ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك”، وإن كان سببه التهرب من الإنفاق في سبيل الله.. أي في سبيل حماية المجتمع ومصالحه، فأحرى به أن يحارب ويعاقب.
ويؤدي الاكتناز الى حجب الجزء المكتنز من الأموال النقدية عن التداول واخراجه من التوسط في انجاز العمليات التجارية ، وهو عكس الادخار الذي يشترك بشكل لاحق في تسهيل التبادل التجاري وتلعب الفائدة كدور محفز للافراد في ادخار اموالهم تقوم بهذه المهمة المصارف المؤسسات المالية ، لا يمكن تساوي الادخار مع الاكتناز لان الاول سيدخل السوق لاحقا عن طريق اعادته من قبل المصارف اما الاكتناز فانه يحجب عن السوق بشكل كامل وهو يسمى بالادخار السلبي ، وهذا عكس ما ذهب اليه بعض المفكرين الاسلامين بتساويهم بين الحالتين من هذه الناحية .

شيوع الموارد العامة :
ومن الضوابط التي تكفل بقاء التوازن الاقتصادي (ولايقصد بالتوازن هنا تعادل كفتي ميزان أو نقيضين وإنما المقصود هو أن تكون مكونات النظام الاقتصادي موزونة بقدر بما يحفظ انتظامه )قائماً في الإسلام مبدأ (شيوع الموارد العامة) وهو ما يسمى بلغة العصر (تأميم المرافق العامة) قياساً على شيوع (الماء والكلأ والنار) التي نصّ عليها الحديث الشريف بوصفها موارد عامة لا يجوز تحديدها بملكية خاصة، وبوصفها ضرورات حياتية يجب ن تظل مشاعة بين الناس جميعاً. وقد رتب المذهب المالكي على هذا شيوع (الركاز) فلا يؤول إلى ملكية خاصة. فليس في نظر المالكية ـ المعادن والسوائل في محالها ـ أي مناجمها ـ من الأموال المباحة حتى يتملكها مَن وجدها واستولى عليها ـ وإنما هي ملك للمسلمين كافة ـ أنى وُجدوا ـ لأن دار الإسلام واحدة.
وكل ما في الأرض من نعم وخيرات هي من عند الله وهي موهوبة للبشرية كلها وليس من العدل أن ينعم بها فريق من الناس ويحرم منها فريق أخر.قال سبحانه: «  ... وأمددناكم بأموال وبنين ... » (الإسراء/ 6.) وقال:“ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً”( نوح/ 12.)وقال: “ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيماً”( الإسراء/ 66.) وقال:«... وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ... »( الحديد/ 25.) وقال:”ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ... »( الأعراف/ 10.)
“والأرض وضعها للأنام”( الرحمن/ 10).

ولا ريب أن رد الملكية العامة في هذه المرافق للجماعة فيه قضاء على سبب هام من أسباب فقدان التوازن المادي الاقتصادي في المجتمع، لأن هذه الموارد تمثل القسم الأكبر من الثروة العامة تملكه في النظام الرأسمالي شركات أو أفراد، وتنشأ من هذه الملكية آثار سيئة في المجتمع، كما تصبح سبباً من أسباب المنازعات الدولية ومبررات للطغيان والعدوان وأساليب الاستعمار. من تلك الضوابط مبدأ تحريم (الترف والإسراف).

والإسلام ليس بدين شظف وحرمان ولكنه دين يبيح لمعتنقيه أن يَنعموا بالحياة ويستمتعوا بطيباتها: “كلوا من طيبات ما رزقناكم”، “قل مَن حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق” غير أن ما ينكره الإسلام على معتنقيه، تعديهم حـدود الاعتدال وانغماسهم بالترف لما يورثه الترف من فساد وتعفن في كيان الفرد وكيان المجتمع، فلقد حدثنا القرآن الكريم أن المترفين كانوا عبر التاريخ علة انهيار المجتمعات وتقهقر الشعوب وانحلالها. قال تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً”.
إن الترف الذي تغرق فيه طبقة يقابله بالضرورة حرمان تعاني شظفه طبقة أخرى، لأن المترفين يمتصـون دمـاء الجمـاهير، ويستغلون جهودها، ويتصرفون بخيراتها، ليرضوا شهواتهم ويحققوا رغباتهم.
ولا شك أن مثل هذا السلوك الاجتماعي يفقد الجماعة روح السلام والإخاء، لأنه يثير أحقاد النفوس ويوقظ حزازات الطبقية، فضلاً عما يخلفه هذا الوضع من آثار اجتماعية هي بنت الشهوات القذرة التي يتفانى في سبيلها المترَفون.

مـن هنـا كانت حكمة الإسـلام في تحريم التبذير والإسراف والترف: “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين”، وذلك حفظاً للمجتمع من التفسخ والترهل الروحي والميوعة الخلقية.

منع الاحتكارات:
ومنها (منع الاحتكار)، لأن الاحتكار يخلق قوة طاغية في يد المحتكر لا يستمدها من الجودة والإتقان وحُسن الخدمة وكفايتها، وإنما يستمدها من وجود الامتياز في يده أو من احتكاره للسلعة في السوق. وهذه القوة الطاغية تستخدم دائماً ضد مصلحة المستهلكين، أي ضد مصلحة الجماهير. فالمحتكر أبداً مَناع للخير معتد أثيم مضيق لفضل الله على الناس، يقول له الله يوم القيامة: "اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك”.
لذلك حرّم الإسلام الاحتكار وندد رسوله الكريم بالمحتكر، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا يحتكر إلا خاطئ. ومَن احتكر طعاماً أربعين يوماً فقد برئ من الله وبرئ الله منه" .

الاهتمام بالسوق:
إهتم المسلمون بدورالسوق في الاقتصاد حيث أن ثاني مؤسسة قامت بعد المسجد في المدينة المنورة هي السوق ولم ينه النبي محمد العديد من الصحابة عن التجارة بل حث عليها وقد اغتني العديد من الصحابة من التجارة مثل عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر الصديق وغيرهم.

تحريم الربا:
ومنها (تحريم الربا)، والربا في اللغة: هو الزيادة. قال الله تعالى: “فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ"[الحج:5], وقال تعالى:”أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ” [النحل:92]، أي أكثر عدداً يقال: ”أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه“(2) وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء وإما في مقابله كدرهم بدرهمين، يقال: ربا الشيء إذا زاد.وأربى الرجل: تعامل بالربا أو دخل فيه ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً . والربا المحرم في الأسلام هو مازاد عن قيمة الدين من مال أتفق على زيادته الدائن مع المدين.وعلة تحريمه مافيه من ظلم وأستغلال من الدائن للمدين ، والدين الإسلامي هو دين العدل والإحسان. قال تعالى فى حديث قدسى:" يا عبادى انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما”. وقال تعالي :"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكروالبغي,,,”

وقد حرمه الله بقوله تعالي:"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون" [البقرة : 275-279].فجعلت الآية المتعامل بالربا في منزلة الكفار الآثم وأنذر الذين يصرون على التعامل بالربا بحرب من الله ورسوله لما فيه من ظلم الذائن للمدين,.وقال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّـقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُـونَ" (آل عمران : 130) .،وقال سبحانه وتعالى في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به : "وَأَخْذِهِـمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" وقال عز وجل: "وَمَا آتَيْتُـمْ مِـنْ رِباً لِيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّـاسِ فَلا يَرْبُواْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَـا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ".
وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون".وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».وعن جابر بن عبد الله قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» وقال: هم سواء.وقال رسول الله صلى كالله عليه وسلم: "ما ظهر الزنى والربا في قرية إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله".

حيث لا جزاء في نظر الإسلام إلا على الجهد المبذول وليس على المال المحمول أو المنقول. وبما أن رأس المال في ذاته ليس جهداً فهو لا يربح بذاته، إنما طريقة الربح الوحيدة هي العمل، فلا يجوز إذن أن يكون وجود المال عند صاحبه وسيلة لزيادة المال بإضافة فائدة إليه عند اقتراضه.فالدائن عندما يقرض سواه يعني أن لديه فضل مال هو غني به في الغالب ومستغن عنه أيضا بينما الدين فقير إلى هذا الدين وفي حاجة له وفي رد الفقير للغني مالا فوق المال الذي استدانه يعني تمكين للغني من أن يستولي على مال الفقير مستغلا حاجته وهو ما لا يمكن أن يجيزه دين الرحمة. كما ينتج عن التعامل بالربا انقطاع المعروف والإحسان الذي في القرض، إذ لو حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله.
فالمال لا يلد المال بذاته، والنقود لا تلد نقودًا . إنما ينمو المال بالعمل وبذل الجهد، والإسلام لا يحرم على الناس أن يملكوا المال، ويستكثروا منه، مادام يؤخذ من حله، وينفق في حقه، ولم يقل الإسلام ما قاله الإنجيل: لا يدخل الغني ملكوت السماوات حتى يدخل الجمل في سم الخياط . بل قال: (نعم المال الصالح للمرء الصالح) . والمال الصالح هو الذي يكتسب من حلال، وينمى بالحلال . أي بالعمل النافع المشروع، إما بنفسه أو بمشاركة غيره . وبهذا شرع الإسلام تعاون رأس المال والعمل لمصلحة الطرفين ومصلحة المجتمع أيضًا . ومقتضى هذه المشاركة أن يتحمل الطرفان النتيجة، أيًا كانت، ربحًا أو خسارة . فإن كان الربح كثيرًا كان بينهما على ما اتفق عليه، وإن قل الربح قل نصيبهما معًا بنفس النسبة، وإن كانت الخسارة أصابت كلاً منهما: رب المال في ماله، والعامل في جهده وتعبه . هذا هو العدل الكامل: الغرم بالغنم، والخراج بالضمان.

و هذا المبدأ الأساسي في الإسلام يحول دون تضاعف المال بذاته كما يقع في النظام الرأسمالي، ويحول دون تضخم الثروات على حساب حاجة الأفراد واضطرارهم للاستدانة بالربا..كما يمنع سبباً رئيسياً من أسباب الاستعمار والحروب الدولية، ويعطي العمل قيمة في مجال الإنتاج، ويحقق العدالة بين الجهد الحقيقي والجزاء على الجهد، ويمنع أن ينال القاعدون الكسالى جزاء ما لا يستحقـونه،وهـم ينالـونه فـي النظـام الرأسمـالي بمجـرد توظيــف أموالهم في المصارف وغيرها. فيضمنـون الربـح الحـرام وهم قابعون، وتتضاعف ثرواتهم وتتضخم وتخل بالتوازن الاقتصادي والاجتماعي معاً.

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في الظلال شارحا ما جاء في سورة البقرة من أيات تحريم الربا :النظام الإقتصادي الإسلامي مقابل النظام الربوي الوجه الآخر المقابل للصدقة الوجه الكالح الطالح هو الربا الصدقة عطاء وسماحة وطهارة وزكاة وتعاون وتكافل والربا شح وقذارة ودنس وأثرة وفردية والصدقة نزول عن المال بلا عوض ولا رد والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده ومن لحمه إن كان لم يربح أو خسر أو كان قد أخذ المال للنفقة منه على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا ومن ثم فهو الربا الوجه الآخر المقابل للصدقة الوجه الكالح الطالح لهذا عرضه السياق مباشرة بعد عرض الوجه الطيب السمح الطاهر الجميل الودود عرضه عرضا منفرا يكشف عما في عملية الربا من قبح وشناعة ومن جفاف في القلب وشر في المجتمع وفساد في الأرض وهلاك للعباد ولم يبلغ من تفظيع أمر أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا ولا بلغ من التهديد في اللفظ والمعنى ما بلغ التهديد في أمر الربا في هذه الآيات وفي غيرها في مواضع أخرى ولله الحكمة البالغة فلقد كانت للربا في الجاهلية مفاسده وشروره ولكن الجوانب الشائهة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية في مجتمع الجاهلية كما بدت اليوم وتكشفت في عالمنا الحاضر ولا كانت البثور والدمامل في ذلك الوجه الدميم مكشوفة كلها كما كشفت اليوم في مجتمعنا الحديث فهذه الحملة المفزعة البادية في هذه الآيات على ذلك النظام المقيت تتكشف اليوم حكمتها على ضوء الواقع الفاجع في حياة البشرية أشد مما كانت متكشفة في الجاهلية الأولى ويدرك من يريد أن يتدبر حكمة الله وعظمة هذا الدين وكمال هذا المنهج ودقة هذا النظام يدرك اليوم من هذا كله ما لم يكن يدركه الذين واجهوا هذه النصوص أول مرة وامامه اليوم من واقع العالم ما يصدق كل كلمة تصديقا حيا مباشرا واقعا والبشرية الضالة التي تأكل الربا وتوكله تنصب عليها البلايا الماحقة الساحقة من جراء هذا النظام الربوي في أخلاقها ودينها وصحتها واقتصادها وتتلقى حقا حربا من الله تصب عليها النقمة والعذاب أفرادا وجماعات وأمما وشعوبا وهي لا تعتبر ولا تفيق وحينما كان السياق يعرض في الدرس السابق دستور الصدقة كان يعرض قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يريد الله للمجتمع المسلم أن يقوم عليه ويحب للبشرية أن تستمتع بما فيه من رحمة في مقابل ذلك النظام الآخر الذي يقوم على الأساس الربوي الشرير القاسي اللئيم أنهما نظامان متقابلان النظام الإسلامي والنظام الربوي وهما لا يلتقيان في تصور ولا يتفقان في أساس ; ولا يتوافقان في نتيجة إن كلا منهما يقوم على تصور للحياة والأهداف والغايات يناقض الآخر تمام المناقضة وينتهي إلى ثمرة في حياة الناس تختلف عن الأخرى كل الاختلاف ومن ثم كانت هذه الحملة المفزعة وكان هذا التهديد الرعيب إن الإسلام يقيم نظامه الاقتصادي ونظام الحياة كلها على تصور معين يمثل الحق الواقع في هذا الوجود يقيمه على أساس أن الله سبحانه هو خالق هذا الكون فهو خالق هذه الأرض وهو خالق هذا الإنسان هو الذي وهب كل موجود وجوده وإن الله سبحانه وهو مالك كل موجود بما أنه هو موجده قد استخلف الجنس الإنساني في هذه الأرض ; ومكنه مما ادخر له فيها من أرزاق وأقوات ومن قوى وطاقات على عهد منه وشرط ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى يصنع فيه ما يشاء كيف شاء وإنما استخلفه فيه في إطار من الحدود الواضحة استخلفه فيه على شرط أن يقوم في الخلافة وفق منهج الله وحسب شريعته فما وقع منه من عقود وأعمال ومعاملات وأخلاق وعبادات وفق التعاقد فهو صحيح نافذ وما وقع منه مخالفا لشروط التعاقد فهو باطل موقوف فإذا انفذه قوة وقسرا فهو إذن ظلم واعتداء لا يقره الله ولا يقره المؤمنون بالله فالحاكمية في الأرض كما هي في الكون كله لله وحده والناس حاكمهم ومحكومهم إنما يستمدون سلطاتهم من تنفيذهم لشريعة الله ومنهجه وليس لهم في جملتهم أن يخرجوا عنها لأنهم إنما هم وكلاء مستخلفون في الأرض بشرط وعهد وليسوا ملاكا خالقين لما في أيديهم من أرزاق من بين بنود هذا العهد أن يقوم التكافل بين المؤمنين بالله فيكون بعضهم أولياء بعض وأن ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم على أساس هذا التكافل لا على قاعدة الشيوع المطلق كما تقول الماركسية ولكن على أساس الملكية الفردية المقيدة فمن وهبه الله منهم سعة أفاض من سعته على من قدر عليه رزقه مع تكليف الجميع بالعمل كل حسب طاقته واستعداده وفيما يسره الله له فلا يكون أحدهم كلا على أخيه أو على الجماعة وهو قادر كما بينا ذلك من قبل وجعل الزكاة فريضة في المال محددة والصدقة تطوعا غير محدد وقد شرط عليهم كذلك أن يلتزموا جانب القصد والاعتدال ويتجنبوا السرف والشطط فيما ينفقون من رزق الله الذي أعطاهم ; وفيما يستمتعون به من الطيبات التي أحلها لهم ومن ثم تظل حاجتهم الاستهلاكية للمال والطيبات محدودة بحدود الاعتدال وتظل فضلة من الرزق معرضة لفريضة الزكاة وتطوع الصدقة وبخاصة أن المؤمن مطالب بتثمير ماله وتكثيره وشرط عليهم أن يلتزموا في تنمية أموالهم وسائل لا ينشأ عنها الأذى للآخرين ولا يكون من جرائها تعويق أو تعطيل لجريان الأرزاق بين العباد ودوران المال في الأيدي على أوسع نطاق كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وكتب عليهم الطهارة في النية والعمل والنظافة في الوسيلة والغاية وفرض عليهم قيودا في تنمية المال لا تجعلهم يسلكون إليها سبلا تؤذي ضمير الفرد وخلقه أو تؤذي حياة الجماعة وكيانها وأقام هذا كله على أساس التصور الممثل لحقيقة الواقع في هذا الوجود ; وعلى أساس عهد الاستخلاف الذي يحكم كل تصرفات الإنسان المستخلف في هذا الملك العريض ومن ثم فالربا عملية تصطدم ابتداء مع قواعد التصور الإيماني إطلاقا ; ونظام يقوم على تصور آخر تصور لا نظر فيه لله سبحانه وتعالى ومن ثم لا رعاية فيه للمباديء والغايات والأخلاق التي يريد الله للبشر أن تقوم حياتهم عليها إنه يقوم ابتداء على أساس أن لا علاقة بين إرادة الله وحياة البشر فالإنسان هو سيد هذه الأرض ابتداء ; وهو غير مقيد بعهد من الله ; وغير ملزم باتباع أوامر الله ثم إن الفرد حر في وسائل حصوله على المال وفي طرق تنميته كما هو حر في التمتع به غير ملتزم في شيء من هذا بعهد من الله أو شرط ; وغير مقيد كذلك بمصلحة الآخرين ومن ثم فلا اعتبار لأن يتأذى الملايين إذا هو أضاف إلى خزانته ورصيده ما يستطيع إضافته وقد تتدخل القوانين الوضعية أحيانا في الحد من حريته هذه جزئيا في تحديد سعر الفائدة مثلا ; وفي منع أنواع من الاحتيال والنصب والغصب والنهب والغش والضرر ولكن هذا التدخل يعود إلى ما يتواضع عليه الناس أنفسهم وما تقودهم إليه أهواؤهم ; لا إلى مبدأ ثابت مفروض من سلطة إلهية كذلك يقوم على أساس تصور خاطىء فاسد هو أن غاية الغايات للوجود الإنساني هي تحصيله للمال بأية وسيلة واستمتاعه به على النحو الذي يهوى ومن ثم يتكالب على جمع المال وعلى المتاع به ; ويدوس في الطريق كل مبدأ وكل صالح للآخرين ثم ينشىء في النهاية نظاما يسحق البشرية سحقا ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا لمصلحة حفنة من المرابين ; ويحطها أخلاقيا ونفسيا وعصبيا ; ويحدث الخلل في دورة المال ونمو الاقتصاد البشري نموا سويا وينتهي كما انتهى في العصر الحديث إلى تركيز السلطة الحقيقية والنفوذ العملي على البشرية كلها في أيدي زمرة من أحط خلق الله وأشدهم شرا ; وشرذمة ممن لا يرعون في البشرية إلا ولا ذمة ولا يراقبون فيها عهدا ولا حرمة وهؤلاء هم الذين يداينون الناس أفرادا كما يداينون الحكومات والشعوب في داخل بلادهم وفي خارجها وترجع إليهم الحصيلة الحقيقية لجهد البشرية كلها وكد الآدميين وعرقهم ودمائهم في صورة فوائد ربوية لم يبذلوا هم فيها جهدا وهم لا يملكون المال وحده إنما يملكون النفوذ ولما لم تكن لهم مبادىء ولا أخلاق ولا تصور ديني أو أخلاقي على الإطلاق ; بل لما كانوا يسخرون من حكاية الأديان والأخلاق والمثل والمبادىء ; فإنهم بطبيعة الحال يستخدمون هذا النفوذ الهائل الذي يملكونه في إنشاء الأوضاع والأفكار والمشروعات التي تمكنهم من زيادة الاستغلال ولا تقف في طريق جشعهم وخسة أهدافهم وأقرب الوسائل هي تحطيم أخلاق البشرية وإسقاطها في مستنقع آسن من اللذائذ والشهوات التي يدفع فيها الكثيرون آخر فلس يملكونه حيث تسقط الفلوس في المصائد والشباك المنصوبة وذلك مع التحكم في جريان الاقتصاد العالمي وفق مصالحهم المحدودة مهما أدى هذا إلى الأزمات الدورية المعروفة في عالم الاقتصاد ; وإلى انحراف الإنتاج الصناعي والاقتصادي كله عما فيه مصلحة المجموعة البشرية إلى مصلحة المملوين المرابين الذين تتجمع في أيديهم خيوط الثروة العالمية والكارثة التي تمت في العصر الحديث ولم تكن بهذه الصورة البشعة في الجاهلية هي أن هؤلاء المرابين الذين كانوا يتمثلون في الزمن الماضي في صورة أفراد أو بيوت مالية كما يتمثلون الآن في صورة مؤسسي المصارف العصرية قد استطاعوا بما لديهم من سلطة هائلة مخيفة داخل أجهزة الحكم العالمية وخارجها وبما يملكون من وسائل التوجيه والإعلام في الأرض كلها سواء في ذلك الصحف والكتب والجامعات والأساتذة ومحطات الإرسال ودور السينما وغيرها أن ينشئوا عقلية عامة بين جماهير البشر المساكين الذين يأكل أولئك المرابون عظامهم ولحومهم ويشربون عرقهم ودماءهم في ظل النظام الربوي هذه العقلية العامة خاضعة للإيحاء الخبيث المسموم بأن الربا هو النظام الطبيعي المعقول والأساس الصحيح الذي لا أساس غيره للنمو الاقتصادي ; وأنه من بركات هذا النظام وحسناته كان هذا التقدم الحضاري في الغرب وأن الذين يريدون إبطاله جماعة من الخياليين غير العمليين وأنهم إنما يعتمدون في نظرتهم هذه على مجرد نظريات أخلاقية ومثل خيالية لا رصيد لها من الواقع ; وهي كفيلة بإفساد النظام الاقتصادي كله لو سمح لها أن تتدخل فيه حتى ليتعرض الذين ينتقدون النظام الربوي من هذا الجانب للسخرية من البشر الذين هم في حقيقة الأمر ضحايا بائسة لهذا النظام ذاته ضحايا شأنهم شأن الاقتصاد العالمي نفسه الذي تضطره عصابات المرابين العالمية لأن يجري جريانا غير طبيعي ولا سوي ويتعرض للهزات الدورية المنظمة وينحرف عن أن يكون نافعا للبشرية كلها إلى أن يكون وقفا على حفنة من الذئاب قليلة إن النظام الربوي نظام معيب من الوجهة الاقتصادية البحتة وقد بلغ من سوئه أن تنبه لعيوبه بعض أساتذة الاقتصاد الغربيين أنفسهم ; وهم قد نشأوا في ظله وأشربت عقولهم وثقافتهم تلك السموم التي تبثها عصابات المال في كل فروع الثقافة والتصور والأخلاق وفي مقدمة هؤلاء الأساتذة الذين يعيبون هذا النظام من الناحية الاقتصادية البحتة دكتور شاخت الألماني ومدير بنك الرايخ الألماني سابقا وقد كان مما قاله في محاضرة له بدمشق عام أنه بعملية رياضية غير متناهية يتضح أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدا من المرابين ذلك أن الدائن المرابي يربح دائما في كل عملية ; بينما المدين معرض للربح والخسارة ومن ثم فإن المال كله في النهاية لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائما وأن هذه النظرية في طريقها للتحقق الكامل فإن معظم مال الأرض الآن يملكه ملكا حقيقيا بضعة الوف أما جميع الملاك وأصحاب المصانع الذين يستدينون من البنوك والعمال وغيرهم فهم ليسوا سوى أجراء يعملون لحساب أصحاب المال ويجني ثمرة كدهم أولئك الألوف وليس هذا وحده هو كل ما للربا من جريرة فإن قيام النظام الاقتصادي على الأساس الربوي يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في التجارة والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة فإن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر فائدة ومن ثم يمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه فيرتفع سعر الفائدة ; ويظل يرفع السعر حتى يجد العاملون في التجارة والصناعة أنه لا فائدة لهم من استخدام هذا المال لأنه لا يدر عليهم ما يوفون به الفائدة ويفضل لهم منه شيء عندئذ ينكمش حجم المال المستخدم في هذه المجالات التي تشتغل فيها الملايين ; وتضيق المصانع دائرة انتاجها ويتعطل العمال فتقل القدرة على الشراء وعندما
يصل الأمر إلى هذا الحد ويجد المرابون أن الطلب على المال قد نقص أو توقف يعودون إلى خفض سعر الفائدة اضطرارا فيقبل عليه العاملون في الصناعة والتجارة من جديد وتعود دورة الحياة إلى الرخاء وهكذا دواليك تقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية ويظل البشر هكذا يدورون فيها كالسائمة ثم إن جميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة للمرابين فإن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين فهم يزيدونها في أثمان السلع الاستهلاكية فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين في النهاية أما الديون التي تقترضها الحكومات من بيوت المال لتقوم بالإصلاحات والمشروعات العمرانية فإن رعاياها هم الذين يؤدون فائدتها للبيوت الربوية كذلك إذ أن هذه الحكومات تضطر إلى زيادة الضرائب المختلفة لتسدد منها هذه الديون وفوائدها وبذلك يشترك كل فرد في دفع هذه الجزية للمرابين في نهاية المطاف وقلما ينتهي الأمر عند هذا الحد ولا يكون الاستعمار هو نهاية الديون ثم تكون الحروب بسبب الاستعمار ونحن هنا في ظلال القرآن لا نستقصي كل عيوب النظام الربوي فهذا مجاله بحث مستقل فنكتفي

بهذا القدر لنخلص منه إلى تنبيه من يريدون أن يكونوا مسلمين إلى جملة حقائق أساسية بصدد كراهية الإسلام للنظام الربوي المقيت الحقيقة الأولى التي يجب أن تكون مستيقنة في نفوسهم أنه لا إسلام مع قيام نظام ربوي في مكان وكل ما يمكن أن يقوله أصحاب الفتاوي من رجال الدين أو غيرهم سوى هذا دجل وخداع فأساس التصور الإسلامي كما بينا يصطدم اصطداما مباشرا بالنظام الربوي ونتائجه العملية في حياة الناس وتصوراتهم وأخلاقهم والحقيقة الثانية أن النظام الربوي بلاء على الإنسانية لا في إيمانها وأخلاقها وتصورها للحياة فحسب بل كذلك في صميم حياتها الاقتصادية والعملية وأنه أبشع نظام يمحق سعادة البشرية محقا ويعطل نموها الإنساني المتوازن على الرغم من الطلاء الظاهري الخداع الذي يبدو كأنه مساعدة من هذا النظام للنمو الاقتصادي العام والحقيقة الثالثة أن النظام الأخلاقي والنظام العملي في الإسلام مترابطان تماما وأن الإنسان في كل تصرفاته مرتبط بعهد الاستخلاف وشرطه وأنه مختبر ومبتلى وممتحن في كل نشاط يقوم به في حياته ومحاسب عليه في آخرته فليس هناك نظام أخلاقي وحده ونظام عملي وحده وإنما هما معا يؤلفان نشاط الإنسان وكلاهما عبادة يؤجر عليها إن أحسن وإثم يؤاخذ عليه إن أساء وأن الاقتصاد الإسلامي الناجح لا يقوم بغير أخلاق وأن الأخلاق ليست نافذة يمكن الاستغناء عنها ثم تنجح حياة الناس العملية والحقيقة الرابعة أن التعامل الربوي لا يمكن إلا أن يفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره تجاه أخيه في الجماعة ; وإلا أن يفسد حياة الجماعة البشرية وتضامنها بما يبثه من روح الشره والطمع والأثرة والمخاتلة والمقامرة بصفة عامة أما في العصر الحديث فإنه يعد الدافع الأول لتوجيه رأس المال إلى أحط وجوه الاستثمار كي يستطيع رأس المال المستدان بالربا أن يربح ربحا مضمونا فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين ومن ثم فهو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام القذرة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية تحطيما والمال المستدان بالربا ليس همه أن ينشىء أنفع المشروعات للبشرية ; بل همه أن ينشىء أكثرها ربحا ولو كان الربح أتما يجيء من استثارة أحط الغرائز وأقذر الميول وهذا هو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض وسببه الأول هو التعامل الربوي والحقيقة الخامسة أن الإسلام نظام متكامل فهو حين يحرم التعامل الربوي يقيم نظمه كلها على أساس الاستغناء عن الحاجة إليه ; ونظم جوانب الحياة الاجتماعية بحيث تنتفي منها الحاجة إلى هذا النوع من التعامل بدون مساس بالنمو الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المطرد والحقيقة السادسة أن الإسلام حين يتاح له أن ينظم الحياة وفق تصوره ومنهجه الخاص لن يحتاج عند إلغاء التعامل الربوي إلى إلغاء المؤسسات والأجهزة اللازمة لنمو الحياة الاقتصادية العصرية نموها الطبيعي السليم ولكنه فقط سيطهرها من لوثة الربا ودنسه ثم يتركها تعمل وفق قواعد أخرى سليمة وفي أول هذه المؤسسات والأجهزة المصارف والشركات وما إليها من مؤسسات الاقتصاد الحديث والحقيقة السابعة وهي الأهم ضرورة اعتقاد من يريد أن يكون مسلما بأن هناك استحالة اعتقادية

في أن يحرم الله أمرا لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه كما أن هناك استحالة اعتقادية كذلك في أن يكون هناك أمر خبيث ويكون في الوقت ذاته حتميا لقيام الحياة وتقدمها فالله سبحانه هو خالق هذه الحياة وهو مستخلف الإنسان فيها ; وهو الأمر بتنميتها وترقيتها ; وهو المريد لهذا كله الموفق إليه فهناك استحالة إذن في تصور المسلم أن يكون فيما حرمه الله شيء لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه وأن يكون هناك شيء خبيث هو حتمي لقيام الحياة ورقيها وإنما هو سوء التصور وسوء الفهم والدعاية المسمومة الخبيثة الطاغية التي دأبت أجيالا على بث فكرة أن الربا ضرورة للنمو الاقتصادي والعمراني وأن النظام الربوي هو النظام الطبيعي وبث هذا التصور الخادع في مناهل الثقافة العامة ومنابع المعرفة الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها ثم قيام الحياة الحديثة على هذا الأساس فعلا بسعي بيوت المال والمرابين وصعوبة تصور قيامها على أساس آخر وهي صعوبة تنشأ أولا من عدم الإيمان كما تنشأ ثانيا من ضعف التفكير وعجزه عن التحرر من ذلك الوهم الذي اجتهد المرابون في بثه وتمكينه لما لهم من قدرة على التوجيه وملكية للنفوذ داخل الحكومات العالمية وملكية لأدوات الإعلام العامة والخاصة والحقيقة الثامنة إن استحالة قيام الاقتصاد العالمي اليوم وغدا على أساس غير الأساس الربوي ليست سوى خرافة أو هي أكذوبة ضخمة تعيش لأن الأجهزة التي يستخدمها أصحاب المصلحة في بقائها أجهزة ضخمة فعلا وأنه حين تصح النية وتعزم البشرية أو تعزم الأمة المسلمة أن تسترد حريتها من قبضة العصابات الربوية العالمية وتريد لنفسها الخير والسعادة والبركة مع نظافة الخلق وطهارة المجتمع فإن المجال مفتوح لإقامة النظام الآخر الرشيد الذي إراده الله للبشرية والذي طبق فعلا ونمت الحياة في ظله فعلا ; وما تزال قابلة للنمو تحت أشرافه وفي ظلاله لو عقل الناس ورشدوا وليس هناك مجال تفصيل القول في كيفيات التطبيق ووسائله فحسبنا هذه الإشارات المجملة وقد تبين أن شناعة العملية الربوية ليست ضرورة من ضرورات الحياة الاقتصادية ; وأن الإنسانية التي انحرفت عن النهج قديما حتى ردها الإسلام إليه ; هي الإنسانية التي تنحرف اليوم الانحراف ذاته ولا تفيء إلى النهج القويم الرحيم السليم فلننظر كيف كانت ثورة الإسلام على تلك الشناعة التي ذاقت منها البشرية ما لم تذق قط من بلاء .

ويمكننا القول بأن علة تحريم الربا في الشريعة الإسلامية تعتمد أساسا على توقع الدور السلبي في ممارسة الدور الوظيفي غير التقليدي للنقود في النشاط التجاري الناتج من عملية المتاجرة في النقود ، وتمثل عملية المتاجرة بالنقد بالنشاط الربوي .فبموجب هذه المتاجرة يحصل التحول في وظيفة النقود في النشاط التجاري من دورها الوظيفي الطبيعي الى دور وظيفي غير تقليدي وتظهر على اثرها السلبيات والاضرار المتمثلة في تعطيل قانون العرض والطلب للسلع والخدمات في السوق حيث الدور التقليدي للنقود هو تحقيق عملية التقابل بين العرض والطلب في السوق اي تسهيل انجاز عملية البيع أي عرض السلعة من المنتجات و انتقال ملكية السلعة او الخدمة موضوع التعاقد لا تتم الا بعد تسديد ثمنها ( نقدا او عن طريق الائتمان ) ، فدور النقود يتمثل بكونها الوسيلة التي يستطيع بموجبها الطرفان من براءة ذمتهما اتجاه الطرف الاخر وانتقال الملكية بينهما ، فالعملية التجارية لايمكن ان تتم لولا الوظيفة التي توفرها النقود .

ذوحصول اي زيادة او نقصان بين احد الطرفين ( العرض او الطلب ) ينتج عنها حصول خلل في العمليات التجارية ، يتطلب معالجته باعادة التوازن بينهما لكي يتواصل التعامل الصحي في السوق.والبائع يحتاج للنقود لتنفيذ عملية شراء لاحقة وأي تعطيل لهذه العملية يعطل العمليات التالية.و حجب اي جزء من الاموال النقدية في فترة زمنية معينة يعني تعطيل جزء من العرض او الطلب حسب موقع العملية ، يعقب هذا التعطيل الجزئي حصول تعطيل مضاعف لعمليات تجارية كبيرة لاحقة .فبموجب هذا الحجب في احد طرفي العملية التجارية ( البيع او الشراء ) اوفي كليهما وما يعقبه من تأثير لعملية الحجب المضاعف يحصل الخلل في الدورة الاقتصادية في المجتمع .لان المال بكل انواعه يمثل العنصر الاساسي بالاشتراك مع العناصر الانتاجية الاخرى في نشوء وتحريك النشاط التجاري وتوازن الدورة الاقتصادية في المجتمع .وعندما يتجمع ويتراكم المال عند المرابين كان ذلك بمثابةحجب جزئي لهذا المال عن السوق قضلا عن أن هذا التراكم لديهم بمكنهم من التحكم في مقدار حجم النقد المتواجد في السوق لاغراض التداول لانجاز العمليات التجارية الجارية متي شاؤوا ، وفق مصالحها الذاتية الخاصة بها ، ولا يهمها عند قيامها بهذه الممارسة بتعطيل مصالح المجتمع الاساسية مما يجعل الخلل يتغلغل في كامل النشاط الاقتصادي في الدولة ، وقد يتوسع ليشمل منطقة اقليمية مرتبطة معها اقتصاديا ، او يتوسع ليشمل تاثيره الاقتصاد العالمي .وهذا ما حدث مؤخرا فعلا في ماعرف بالأزمة المالية التي ظهرت في الولايات المتحدة نتيجة القروض الربوية العقارية وانتشرت تداعياتها السلبية في أوروبا والعديد من جول العالم.

ولا يوجد ما يبرراجرة المال النقدي ( الفائدة ) من الناحية النظرية لان انتفاع المقترض في المال النقدي الذي استخدمه لا يتعرض الى الانتقاص ، ولا يؤدي استخدامه الى استهلاك اي جزء منه لان المال النقدي سوف يرجع الى صاحبه كما هو بدون نقص او زيادة ، لذلك لا يحق لصاحب المال النقدي اخذ بدل ايجار عنه لانه سوف يسترجع ماله كما هو بدون استهلاك . يضاف الي ذلك فقدان صاحب المال النقدي الفرصة الاستثمارية نتيجة تنازله عن هذه الفرصة الاستثمارية وتحويلها الى المقترض ، لان المال النقدي والعيني يمثل احد عناصر الانتاج الاساسية .
ومن الناحية الأخلاقية ،كما يرافق النشاط الربوي في الغالب جملة من الممارسات والعمليات المخلة بمفاهيم القيم المعنوية للمجتمع ، يؤثر الانحرافات في هذه القيم على مسيرة عمل النشاط التجاري واجاز عملياته بشكل سليم ، يمثل هذا الانحراف سلوكيات التجار باستخدام الاحتكار والغش والتدليس والبخل والجشع ... وغيرها .بما يتفق مع ا الدافع المادي في النظام الراسمالي الربوي يمثل المحرك الاساسي للانشطة ، ويعتبرالغاية والهدف الاساسي للافراد عند ممارسة نشاطهم الاقتصادي ، وبموجبه يتم صياغة المفاهيم والقيم الاجتماعية والسلوكيات الاخلاقية السائدة في المجتمع .
ولذلك يلاحط أنه غالبا ما تجتمع لدى الجهات المرابية القوة المالية والحماية القانونية والاجتماعية التي تمكنها من ممارسة انشطتها بفعالية عالية وليمتد تاثيرها مختلف الانشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلد . بل تعتبر هي المسيرة الفعلية للسياسات المحلية والخارجية في بعض الدول الرأسمالية الغربية بسبب ما منحه المال لها من نقوذ كبير وقوة مؤثرة.

نظام الوقف:
الوقف لغة يدل على الحبس والمنع يقال: وقف فلان داره على كذا: إذا حبسها ويجمع على وقوف.. عرف الفقهاء الوقف بأنه: (إعطاء عين لمن يستوفي منافعها والانتفاع بها، أو الانتفاع بها فقط على وجه التأبيد، وقد يكون على وجه التوقيت). كما عرفه ابن عرفة المالكي بأنه "إعطاء منفعة شيء مدة وجوده، لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا".
فقوام الوقف إذن : هو منع التصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها ، فلا يجوز بعد وقفها وجعلها على حكم ملك الله تعالى أن تباع ، أو ترهن ، أو توهب ،أو تورث ، أما منفعتها فتصرف على وجوه الخير والمنفعة العامة تبعا للشروط التي يحددها الواقف بمعنى أن الوقف تعطى منفعته لا أصله..
ويستدل على مشروعية الوقف بأيات القرأن الكريم التي تحث على عمل الخير وإعطاء الصدقات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل كقوله تعالى: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".، وقوله تعالى: " وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون".وقوله عز وجل " وما تفعلوا من خير، فلن تكفروه"،وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة" وقوله عز وجل: "لن تناولوا البر حتى تنفقوا مما تحبون". كما قال تعالى في موضع آخر:"وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون".ويعد الوقف صدقة جارية يستمر ثوابها بالنسبة للواقف بعد انتهاء حياته.وقال صلى الله عليه وسلم :"إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" .
كما أخرج ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما يخلف المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لأبناء السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
أول صدقة موقوفة في الإسلام، كانت أراضي مخيريق اليهودي التي أوصى بها للنبي صلى الله عليه وسلم فأوقفها النبي .
روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من احتبس فرساً في سبيل الله، إيمانا واحتسابا، فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات"
ومما أخرجه البخاري "عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمرا أصاب بخيبر أرضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث في الفقراء والقربى والرقاب، وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه"
و روي عن جعفر بن محمد عن أبيه: " أن علي بن أبي طالب، قطع له عمر بن الخطاب ينبع ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء، فحفر فيها عينا، فبينما هم يعملون، إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتى علي وبشر بذلك، قال: بشر الوارث، ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وابن السبيل، القريب والبعيد، وفي السلم، وفي الحرب، ليوم تبيض وجوه، وتسود وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي "أخرجه البيهقي.
وروي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أمر بالمسجد، وقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى" .

والوقف يعني إبقاء عين الأرض محبوسة على الجهة الخيرية المخصصة لها إلى قيام الساعة من دون أن يمسها أي تصرف، وبهذا نرى الإسلام وافق على حبس أصل الأرض، أمـا غلتها وثمارها فإنهـا تُبذل للمستحقين وفي مختلف وجوه البر الموجودة أو التي ستوجد.

نظام الوراثة:
ومنها أيضاً نظام (الوراثة)، الذي يعني في الإسلام تفتيت الملكية. وقد رأى حزب العمال الإنكليزي في برنـامجه الاشتراكي أن يتجه بالمواريث هذه الوجهة الإسلامية العادلة بدل أن تبقى الأموال عندهم من نصيب الابن الأكبر وحده.

فريضة الزكاة:
الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة وهي الركن الثالث بعد الشهادتين والصلاة وهي فريضة واجبة بالكتاب والسنة والإِجماع فَمُنْكِرُ وُجُوبِها كافرٌ مُرْتَدُّ عن الإِسلام.وهي واجبة على كل مسلم وتدفع سنويا وتتعدد مواردها ومحددة مصارفها ولها أهمية كبرى في تحفيز الافتصاد وفي أعادة توزيع الثروة وتحفيق التكافل الاجتماعي.
ويوجبها قول الله تعالى:" وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ" (النور :56) ولقوله تعالى: " خُذْ مِنْ أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيْهِمْ بِهَا" (التوبة :103) ولقوله تعالى: " وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِا " (الأنعام :141) وقوله تعالى: " وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَعْلومٌ لِلسَّائِل و اْلمَحْرُومِ " (المعارج 24- 25).
ويعزز وجوبها ما جاء في شأنها في السنةالمطهرة حيث روى ابن عباس رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللّه عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم.. ". وجاء في صحيح مسلم عن رسول الله قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .
وقد جعل الإسلام فريضة الزكاة حقاً مقدساً في أموال الموسرين يدفعونها للفقراء والمحتاجين لا كصدقة تذل كرامة الفقير وتطعن كبرياءه، بل كحق له مفروض ونصيب له معلوم. ولهذا كانت فريضة الزكاة في الإسلام ركيزة اجتماعية ضخمة للمجتمع الإسلامي بغية إقامة التوازن الاقتصادي بين جماهير الشعب.
و الإسلام، وإن التقى ـ في بعض الجوانب ـ مع الرأسمالية أو الماركسية، مع الديمقراطية أو الاشتراكية، أو سوى ذلك من النظم العالمية والنظريات السائدة في زماننا، فإنه يظل غيرها، ولا يجوز أن نصفه بها أو ننسبه إليها.وتعد العدالة الاجتماعية من أهم مكونات و أساسيات العدل في الإسلام. و أوضح الأستاذ سيد قطب في كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” أن هناك ثلاثة ركائز تقوم عليها العدالة الاجتماعية في الإسلام. هذه الركائز هي التحرر الوجداني المطلق و المساواة الإنسانية الكاملة و التكافل الاجتماعي الوثيق حيث أن كل عنصر مبني على الآخر. و يعني بالتحرر الوجداني هو التحرر النفسي من الخضوع و عبادة غير الله لأن الله وحده هو القادر على نفع أو ضرر الإنسان. فهو وحده الذي يحييه و يرزقه و يميته دون وجود وسيط أو شفيع حتى لو كان نبي من الأنبياء. فلقد قال الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قل إني لا أملك لكم ضرا و لا رشدا" ( الجن: 21) كما قال: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" ( آل عمران:64). و الهدف من التحرر النفسي من الخضوع لغير الله هو التخلص من الخوف و التذلل لغير الله لنيل رزق أو مكانة أو أي نوع من أنواع النفع عن يقين أن الله وحده هو الرزاق.
و لقد جاء الإسلام ليساوي بين جميع البشر في المنشأ و المصير. فلقد قال الله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء" (سورة النساء، آية 1) و قال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات: 13). كما قال: "و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ( الإسراء:70). فالكرامة مكفولة لكل إنسان و الفرق بين الناس عند الله هي درجة تقواهم و ليس جنسهم أو لونهم.

وقد تحددت مصارف الزكاة بالآاية الكريمة في سورة التوبة حيث يقول الله تعالي:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"(التوبة:60), وتأتي موارد الزكاة من أنواع الأنشطة الاقتصادية المختلفة مثل: النقود(الذهب والفضة والعملات)والحلي وما في حكمهما وعروض التجارة والصناعة والزروع والثمار والأنعام والثروة لحيوانية والثروة المعدنية والمستغلات والأنشطة الأخرى المدرة للدخل.
وذهب الفقهاء الي القول بأنه موارد الزكاة تفسم بالتساوي على المصارف الثمانية وأرى أنها تقسم حسب الأولوية والترتيب الموجود في الآية على النحو التالي:
.بحيث تقسم الى 36 جزء توزع على النحو التالي:
-لِلْفُقَرَاء 8أجزاء ويمكن من هذا المصرف دفع قروض بدون فوائد لهم تساعدهم على أقامة مشروعات مدرة للدخل .
- ولْمَسَاكِينِ 7أجزاء ويمكن من هذا المصرف دفع قروض بدون فوائد لهم تساعدهم على أقامة مشروعات مدرة للدخل .
-الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا 6أجزاء وهي حصة مخصصة لرواتب الجهاز الإداري القائم على جمعها وتوزيعها
-الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم 5أجزاء ويمكن أن تخصص لتقديم خدمات اجتماعية مجانية.
-فِي الرِّقَابِ 4أجزاء ويمكن أن تسدد منه تعويضات مستحقة عمن لا يستطيع دفعها لتحريره منها,
-الْغَارِمِينَ 3أجزاء وتدفع للمدينين العاجزين عن دفع ديونهم
-فِي سَبِيلِ اللّهِ 2جزءان ويمكن تخصيصها للمنكوبين من الكوارث الطبيعية ولأقامة دور العبادة
_وَابْنِ السَّبِيلِ 1 جزء واحد وهي مخصصة للغرباء الذين انقطعت بهم السبل لاعادتهم الي بلادهم.

القضاء على الفقر:
هذا، وبالنسبة إلى ظاهرتي الغنى والفقر في الإسلام فإن القرآن الكريم لم يفته أن يعالجها على نحو سليـم وفعـال،فقـد قـدّم لتلك الظـاهرة علاجاً شافياً ينسجم مع كافة المتطلبات الإنسانية للمجتمع، ويشبعها، ويوفر لها أمنها وكفايتهـا في جو لا يسمح قط بأن تتدخل في شؤونها الجهات التي تسعى للهيمنة على المجتمعات الضعيفة أو استغلالها من قوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية العالمية.
وليس أدل على ما أقول من أن الإسلام جعل الجماعة كفيلة للفرد من تاريخ ولادته إلى يوم مماته، وهذه الكفالة لا تقتصر على تأمين الغذاء وحـده لهذا الفرد، بل تتعداه إلى كفالته في جميع الحقوق الإنسانية، بل وجميع حرياته الشخصية والعقلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ونحوها.
صحيـح أن الإسـلام حَمَى الملكية الخـاصة، إلا أنه وضع من نـاحية أخرى ضوابط لهـا تكفل بقاء التوازن الاقتصادي قائماً بين سائر أفراد الأمة.وتسهم موارد الزكاة أيضا في الفضاء على الفقر.
ويمكن أن نستشف ذم الفقر من قوله تعالى: “لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا” (آل عمران:181).ثم تأتي الايات عديـدة للحث على مساعدة الفقراء والمساكين والإنفاق عليهم ومنها :
يقول تعالى: “يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين” (سورة البقرة:215)، وقوله :“وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون. للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض” (البقرة:272-273).وقوله “إنما الصدقات للفقراء والمساكين” ( التوبة:60)، وقوله:“فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير” ( الحج:28).
بل ويجعل الله الجوع وهو من لزوم الفقر كثيراً ما كان عقاباً من الله للإنسان جزاء إهماله وانحرافه. فيقول تعالى: “ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون"( الأعراف: 130)، “وضرب الله مثلا قرية كانت أَمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"( النحل: 112).والنجـاة من الفقر والخلاص منه هو نعمة من الله وفضل منه ، يقول تعالى: “فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً” (نوح:10-11-12).
وفي ذم الفقر يقول صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً” ، ويقول: صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل. وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق وأعوذ بك من الصمم والبكم والحنون وسئ الأسقام" وبعض الروايات تذكر أن حواراً دار بين الرسول وبين الصحابة قائلين له لقد سويت بين الفقر والكفر أيتعادلان يا رسول الله؟ قال نعم.
ويقول أمير المؤمنين علي ابن إبي طالب رضي الله عنه : "الفقر الموت الأكبر" وقال لأبنه: "يا بني إني أخاف عليك الفقر فأستعذ بالله منه. فأن الفقر منفقة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت" ، ويروي عنه أنه قال: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".

سد الذريعة:
من هذه الضوابط مبدأ (سدّ الذريعة)، ومعناه: أنه إذا كـان ثمة شيء مباحاً، وتجرُّ إباحته فساداً مؤكداً للمجتمـع جـاز منـع النـاس مـن هـذا المبـاح درءاً للمفسدة المؤكدة التي ستترتب عليه. مثال ذلك (التجـارة)،فهـي مباحة.. ولـكن التجـارة بالأسلحة مثلاً إذا كانت تعرض المجتمع لنوع من أنواع الخطر جـاز لولي الأمر منعها. وقراره حينئذ يعتبر قراراً من الشرع نفسه استناداً إلى القواعد العامة المقررة في كتب أصول الفقه.
كذلك (المبادلة بالنقد) هي من قبيل التجارة أيضاً، ومع ذلك فإن لولي الأمر أن يمنعها درءاً للمفسدة وتحقيقاً لمصلحة الأمة والجماعة.
وكذلك (مال الأغنياء)، فإنه يجوز لولي الأمر أن يأخذ منه ما تحتاجه الأمة بالغاً ما بلغ، لأن الجماعة فوق الفرد. ذكر (الشاطبي) في كتابه “الاعتصـام الجزء الثاني”، إنه: “ إذا قضت مصلحة عامة ضرورية للأمة بالحاجة إلى مال وليس في بيت مال المسلمين ما يقوم بهذه الحاجة، فإن للإمام العدل أن يرتب على الأغنياء ما يراه كافياً لذلك في الحال إلى أن يظهر مال في بيت المال”. وعلى هذا إجماع الأمة. وذلك استناداً إلى مبدأ (المصالح المرسلة)، يعني المصالح العامة التي تبيح تقييد الملكية الفردية وجعلها خاضعة لحاجات الدولة العامة (أي لحاجات الجماهير)، فضلاً عن أنها تحد من فورة الغنى ووطأة الفقر، وهي بالتالي عدل وكفاية وإنتاج ومشاركة وتعاون في مجالات التنمية. فالثراء الفاحش المستبد المتحكم في رقاب الناس والذي يقضي على تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع الواحد، لا يبيحه الإسلام.
كما يوجد تعارض بين وجود الطبيعة بمواردها العديدة الكافية لإشباع كل حاجة، المهيأة للاستخدام وبين وجود الفقرإذ يعني هذا أن تلك الموارد معطلة مهملة، أو غير مؤدية لما خلقت من أجله وبذلك يكون خلقها عبثاً في تلك الحالة إذ لأي شيء خلقت والعبث غير منصور في أعمال الله عز وجل، يقول تعالى: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) (سورة الحجر/ 85) (أفحسبتم أَنما خلقناكم عبثاً) (سورة المؤمنون/ 115).
إن وجود الفقريتعارض مع توافر تلك الطيبات التي لا تقف عند حد إشباع الحاجة الضرورية فقط بل تزيد على التوسع والترفه، على حد تعبير الإمام الغزالي.

التصرف في المـــال:
المال في نظر الاشتراكية هو مُلك المجتمع، وهو في نظر الإسلام مُلك الله. فالنتيجة واحدة، لأن مال الله يعني مال المجتمع، مال المصلحة العامة، يتصرف به الفرد في حدود المصلحة العامة أولاً. فمصالحه الخاصة ثانياً. فإذا هو أساء التصرف بالبخل أو التبذير أو بأي لون من ألوان سوء الاستعمال يوجب الاسلام على الدولة مصادرة هذا المال، وإعادة توزيعه حسب المقتضيات والأحوال. ذلك لأن للمال أهميته في خدمة المجتمع، والإسلام حريص على عدم إضاعته عبثاً وسفهاً من مالك سيئ التصرف سيما وأن المال في الأصل مال الأمة يدل على ذلك قول الله: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( يعني أموال الأمة) التي جعل الله لكـم قيـاماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً". فصريح هذه الآية يفيد أن الأموال لجماهير الأمة، الأفراد يستغلونها في مصلحة الأمة أولاً، ثـم في مصالحهم الشخصيـة لكونهم جزءاً من الأمة، بدليل قوله تعالى: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم". فاعتـبرت الآيـة القرآنية السفه ، أي سوء التصرف في الأموال،سبباً مشروعاً للحجر على صاحبه. لأن شـرط التصرف بالمال هو الرشد، حيث قال تعالى بعد ذلك مـباشرة:”حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم". من هذا يتأكد كون الأموال في الأساس للأمة، يتصرف بها الفرد في حالة الرشـد، بدليـل قولـه تعـالى: (فادفعوا إليهم أموالهم). كانت (أموالكم) في حالة السفه، وصارت (أموالهم) في حالة الرشد.

ومن هذه القبيل الأرض الميتة، فإنها في الأساس للأمة والفرد يستغلها في مصلحة الأمة. فإذا أهملها وتركها من غير زرع واستثمار جاز لولي الأمر نزعها وتسليمها إلى مَن يحسن إدارتها واستغلالها، بدليل الحديث الشريف: “لا حق لمتحجر فوق ثلاث”، بمعنى أن مَن بيده الأرض الميتة إذا تركها على هذه الحالة مدة ثلاث سنوات ينزعها الحاكم منه ويسلمها إلى غيره.

ويقاس على الأرض الميتة كل أرض يملكها الإنسان لأن ملكيته لها مقيدة باستغلالها لصالح الأمة، إذ الملكية الأصلية لله: “ لله ملك السموات والأرض” فإذا أهملها هذا الإنسان حتى تعطلت جاز نزعها منه وإعطاؤها إلى مَن يُحسن استثمارها.

وما دامت الأرض أرض الله (يعني أرض الجماعة وتستغل لمصلحة هذه الجماعة)، فليس ثمة ما يمنع من وضعها في أيدي القادرين على الإفادة منها لما يه مصلحتهم ومصلحة جميع إخوانهم إذا اقتضت حاجتهم ذلك، والأرض في هذه الحالة أي ما دامت أرض المجتمع تكون كالشمس تضيء الجميع لأنها للمجتمع وملك الجميع، لأنهـا ملك المجتمع. كما تغدو الأرض عند حاجة جميع أفراد المجتمع إليها بمثابة: “المـاء والكـلأ والنار” التي نصّ عليها الحديث النبوي الشريف، وفي رواية (والملح)، لحاجة جميع الناس إلى هذه الأشياء، حيث جعل الإسلام الناس فيها شركاء.

وجعـل النـاس كـل النـاس فـي هـذه الحاجـات الضـروريـة شركـاء، فـي نظـرالإسـلام،إنما كان بسبب الضرورة، فتلحق الأرض بها وتأخذ حكمها عند الضـرورة: "فالضرورة مجبرة"، "والضـرورات تبيح المحظورات".

ليس أدل على ذلك مما فعله رسول الله بالنخيل الذي كان يملكه سمرة بن جندب، فلقد أزال رسول الله (ص) ملكيتـه عنه عندمـا تحـقق من أنه يؤذي رجلاً من الأنصار، حيث قال للأنصاري:”اذهب واقلعه”
ومثَـل ذلك فعـل رسول الله بأرض البقيع، حيـن حمـاها ـ يعني صادرها ـ وجعلها مرعى لخيول المسلمين. الأمر الذي يتضح منه جواز نزع الملكية الخاصة لصالح الجماعة، لأن مصلحة الجماعة أولى بالاعتبار، أخذاً بقاعدة “المصالح المرسلة”. والأمثلة على ذلك كثيرة، نجتزئ منها:
1 ـ إن عمر بن الخطـاب صـادر أرضاً (بالربذة) وجعلها مرعى لعامة المسلمين وبخاصة الفقراء منهم. ومستنده الشرعي في هذا التصرف هو القاعدة الإسلامية التي تقول”يتحمل الضرر الأدنى دون الضرر الأعلى”. فحمي الأرض من فرد (أي اقتطاعها منه) يضر ـ ولا شك ـ بمصلحة ذلك الفرد، ولكنه أهون وأقل ضرراً من تعريض كافة المسلمين للضرر.
2 ـ ولعل من هذا القبيل، ما فعله عمر نفسه بأرض العراق، حين امتنع عن توزيعها على الفاتحين، للراجـل سهم وللفـارس سهمـان،حسبمـا هـو معــروف مـن أحكـام الشرع الإسلامي.وأبقاها بأيدي أصحابها يقومون بزراعتها، ويأخذون كفايتهم لمدة عام كامل من ريعها، ويدفعون الباقي إلى بيت مال المسلمين خراجاً للدولة كي تنفق منه على إنعاش مرافقها المختلفة. إضافة إلى احتفاظها لنفسها بملكية الرقبة. وقال للمجاهدين الغانمين الذين عارضوه وناقشوه في إبائه توزيع الأرض عليهم قولته المعروفة:”أنا إن قسمتها بينكم فماذا أبقي لمن سيأتي بعدكم؟”. وقد انعقد إجماع المسلمين على تأييد عمر في تصرفه الحكيم، لأنه رضي الله عنه أدرك بثاقب نظره قبل إصدار حكمه عدة أمور، منها:
أ ـ أن الفاتحين لا خبرة لهم بالزراعة، وبتوزيع الأرض عليهم يشح عطاؤها وتبور زراعتها التي تعيش عليها جماهير الأمة.
ب ـ تخوف عمر من أن يُتخـم المحـاربون بسبب ما يصيبونه من ثراء سريع، فتقل مقدرتهم على الجهاد.
ج ـ حرصـه علـى عـدم خلـق “طبقة برجوازية” ـ إذا صحّ التعبير ـ بين جمـاعة المسلمين ـ فيختل التوازن الاقتصادي وتتعرض الأمة بسبب ذلك للاضطرابات والهزات.
الإسلام والاشتراكية:

يقول الأستاذ مصطفي الرافعي: .أهداف الاشتراكية على اختلاف نظرياتها وفئاتها، بل وعند جميع القائلين بها، تكاد تتلخص بما يلي:
ـ أولاً: إزالة طبقة الرأسماليين ونفوذهم.
ـ ثانياً: شخصية الجماعة فوق شخصية الأفراد.
ـ ثالثاً: تغيير نظام الملكية الخاصة بنظام ملكية جماعية.
ـ رابعاً: رفع مستوى المعيشة من جميع وجوهها لأفراد الشعب كافة.
ـ خامساً: إزالة نظام الملكية الزراعية والقضاء على الإقطاع.
ـ سادساً: كفالة الفرص المتكافئة للجميع دون تمييز طبقي.
ـ سابعاً: هيمنة النظام المركزي على الإنتاج، وإدارته طبقاً لخطة مرسومة توفر الحرية والطمأنينة والرفاهية للجميع على السواء.

وقد وقف الناس في شرقنا العربي من الاشتراكية مواقف مختلفة:
فمنهـم مَـن تعـامى عن حسناتها كلها واعتبرها شراً محضاً، وهؤلاء هم الرأسماليون وأنصاف الرأسماليين.
ـ ومنهم مَن أرادها متطرفة جارفة حاقدة، بل شيوعية بكل الظلال العلمية للكلمة، وهؤلاء هم الذين لا يؤمنون بالاعتدال.
ـ ومنهم مَن تحزّب واعتبرها جوهر الدين الإسلامي، وأنه قبل (ماركس وإنجلز وهيغل ولينين وسان سيمون) وغيرهم من فلاسفة الاشتراكية كان الإسلام أباً للاشتراكية، وكان محمد بن عبدالله إمامها الأول.
ـ ومنهم مَن ذهب إلى العكس تماماً فاندفعوا يحاربونها باسم الدين ويناهضونها زاعمين، أنها تناقض جوهر الإسلام ولا تأتلف مع تعاليمه.
ونحن لا نريد أن نتعرض إلى مواقف أولئك الفرقـاء جميعاً، ومناقشة فلسفاتهم بشأن الاشـتراكية، فأدلتهم جميعاً معروفة لدى خواص الأمة، وهي مثبوتة في كتبهم ومؤلفاتهم.
ويقول في المقارنة بين الاشتراكية والاسلام:"المال في نظر الاشتراكية هو مُلك المجتمع، وهو في نظر الإسلام مُلك الله. فالنتيجة واحدة، لأن مال الله يعني مال المجتمع، مال المصلحة العامة، يتصرف به الفرد في حدود المصلحة العامة أولاً. فمصالحه الخاصة ثانياً. فإذا هو أساء التصرف بالبخل أو التبذير أو بأي لون من ألوان سوء الاستعمال يوجب الاسلام على الدولة مصادرة هذا المال، وإعادة توزيعه حسب المقتضيات والأحوال. ذلك لأن للمال أهميته في خدمة المجتمع، والإسلام حريص على عدم إضاعته عبثاً وسفهاً من مالك سيئ التصرف سيما وأن المال في الأصل مال الأمة يدل على ذلك قول الله: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ـ يعني أموال الأمة ـ التي ج عل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً”. فصريح هذه الآية يفيد أن الأموال لجماهير الأمة، الأفراد يستغلونها في مصلحة الأمة أولاً، ثم في مصالحهم الشخصية لكونهم جزءاً من الأمة، بدليل قوله تعالى: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم”. فاعتبرت الآية القرآنية السفه سبباً مشروعاً للحجر على صاحبه. لأن شرط التصرف بالمال هو الرشد، حيث قال تعالى بعد ذلك مباشرة: “حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم”. من هذا يتأكد كون الأموال في الأساس للأمة، يتصرف بها الفرد في حالة الرشد، بدليل قوله تعالى: “فادفعوا إليهم أموالهم”. كانت “أموالكم” في حالة السفه، وصارت “أموالهم” في حالة الرشد.
ومن هذه القبيل الأرض الميتة، فإنها في الأساس للأمة والفرد يستغلها في مصلحة الأمة. فإذا أهملها وتركها من غير زرع واستثمار جاز لولي الأمر نزعها وتسليمها إلى مَن يحسن إدارتها واستغلالها، بدليل الحديث الشريف: “لا حق لمتحجر فوق ثلاث”، بمعنى أن مَن بيده الأرض الميتة إذا تركها على هذه الحالة مدة ثلاث سنوات ينزعها الحاكم منه ويسلمها إلى غيره.
ويقاس على الأرض الميتة كل أرض يملكها الإنسان ـ لأن ملكيته لها مقيدة باستغلالها لصالح الأمة، إذ الملكية الأصلية لله:”لله ملك السموات والأرض” ـ فإذا أهملها هذا الإنسان حتى تعطلت جاز نزعها منه وإعطاؤها إلى مَن يُحسن استثمارها.

وما دامت الأرض أرض الله (يعني أرض الجماعة وتستغل لمصلحة هذه الجماعة)، فليس ثمة ما يمنع من وضعها في أيدي القادرين على الإفادة منها لما يه مصلحتهم ومصلحة جميع إخوانهم إذا اقتضت حاجتهم ذلك، والأرض في هذه الحالة أي ما دامت أرض المجتمع تكون كالشمس تضيء الجميع لأنها للمجتمع وملك الجميع، لأنها ملك المجتمع. كما تغدو الأرض عند حاجة جميع أفراد المجتمع إليها بمثابة: (النار والماء والكلأ) التي نصّ عليها الحديث النبوي الشريف، وفي رواية (والملح)، لحاجة جميع الناس إلى هذه الأشياء، حيث جعل الإسلام الناس فيها شركاء.
وجعل الناس ـ كل الناس ـ في هذه الحاجات الضرورية شركاء، في نظر الإسلام، إنما كان بسبب الضرورة، فتلحق الأرض بها وتأخذ حكمها عند الضرورة: (فالضرورة مجبرة)، ( والضرورات تبيح المحظورات).

ليس أدل على ذلك مما فعله رسول الله بالنخيل الذي كان يملكه سمرة بن جندب، فلقد أزال رسول الله صلـى الـله عليـه وسلـم، ملكيـته عنه عندمـا تحقـق من أنه يؤذي رجلاً من الأنصار، حيث قال للأنصاري: "اذهب واقلعه".
ومثَـل ذلـك فعل رسول الله بأرض البقيع، حين حماها ـ يعني صادرها ـ وجعلهـا مرعى لخيول المسلمين. الأمر الذي يتضح منه جواز نزع الملكية الخاصة لصالح الجماعة، لأن مصلحة الجماعة أولى بالاعتبار، أخذاً بقاعدة (المصالح المرسلة). والأمثلة على ذلك كثيرة، نجتزئ منها:
1 ـ إن عمر بن الخطاب صـادر أرضاً (بالربذة) وجعلها مرعى لعامة المسلمين وبخاصة الفقراء منهم. ومستنده الشرعي في هذا التصرف هو القاعدة الإسلامية التي تقول :(يتحمل الضرر الأدنى دون الضرر الأعلى). فحمي الأرض من فرد (أي اقتطـاعها منه) يضر ـ ولا شك ـ بمصلحة ذلك الفرد، ولكنه أهون وأقل ضرراً من تعريض كافة المسلمين للضرر.
2 ـ ولعل من هذا القبيل، ما فعله عمر نفسه بأرض العراق، حين امتنع عن توزيعها على الفاتحين، للراجـل سهـم وللفـارس سهمان، حسبمـا هـو معـروف من أحكـام الشرع الإسلامي وأبقاها بأيدي أصحابها يقومون بزراعتها، ويأخذون كفايتهم لمدة عام كامل من ريعها، ويدفعون الباقي إلى بيت مال المسلمين خراجاً للدولة كي تنفق منه على إنعاش مرافقها المختلفة. إضافة إلى احتفاظها لنفسها بملكية الرقبة. وقال للمجاهدين الغانمين الذين عارضوه وناقشوه في إبائه توزيع الأرض عليهم قولته المعروفة: "أنا إن قسمتها بينكم فماذا أبقي لمن سيأتي بعدكم؟". وقد انعقد إجماع المسلمين على تأييد عمر في تصرفه الحكيم، لأنه رضي الله عنهأدرك بثاقب نظره قبل إصدار حكمه عدة أمور، منها:
أ ـ أن الفاتحين لا خبرة لهم بالزراعة، وبتوزيع الأرض عليهم يشح عطاؤها وتبور زراعتها التي تعيش عليها جماهير الأمة..
ب ـ تخوف عمر من أن يُتخـم المحاربون بسبب ما يصيبونه من ثراء سريع، فتقل مقدرتهم على الجهاد..
ج ـ حرصـه عـلى عـدم خلـق (طبقة برجوازية) ـ إذا صحّ التعبير ـ بين جماعة المسلمين فيختل التوازن الاقتصادي وتتعرض الأمة بسبب ذلك للاضطرابات والهزات..
ويرى الطاهر بن عاشور أن للإسلام مقاصد خمسة في الأموال؛ هي: رواجها ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها . ونتناول هذه المقاصد بشيء من التفصيل فيما يلي:

1. مقصد التداول والرواج: ويراد بهذا المقصد تداول ورواج الأموال بين عامة الناس، وألا يكون ذلك قاصرا على الأغنياء فقط أو على فئة معينة من المجتمع دون الفئات والشرائح الأخرى، ويكون ذلك في مجالات الاستثمار والاستهلاك، ومن هنا شرعت العقود والبيوع والشركات في الفقه الإسلامي ونظمت معاملاتها، لتيسير وتسهيل حركة الأموال بين الناس.
ويدخل ضمن ذلك التكسب والاستثمار. ويراد به ما أوجبه الإسلام على الأفراد من السعي للكسب، واستثمار الأموال، فلا يعطل المال ولا يكتنز ولكن يدفع به لدوائر الأعمال لينمو ويعم خيره على المجتمع؛ فالحق تبارك وتعالى يقول: "فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة: آية 10) وهذا دليل وجوب السعي للرزق والكسب، ويقول عز وجل محذرا من اكتناز المال: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة: آية 34).
2. مقصد الوضوح: والمراد بهذا المقصد هو شفافية المعاملات والتصرفات المالية من حيث تدوينها وتوثيقها والإشهاد عليها، وذلك دفعا للضرر والغرر والغش والتدليس، وإن كانت آية الدين هي الأشهر في هذا المجال، فإن كتابة جميع المعاملات والتصرفات المالية معمول به من باب حفظ وبيان الحقوق.
3- مقصد الحفظ : ويقصد به حماية أموال الناس من الغصب وقد نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل أيّا كانت صورته، ويقول الحق تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء: آية 29).ومن التبديد ومنه قوله تعالي :"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" وقد اعتبر الإسلام التعامل بالربا فيه إضاعة للمال وليس فيه حفظ له ، قال تعالي :"يمحق الله الربا ويربي الصدقات"
4. مقصد الثبات: ويعنى بهذا المقصد الاختصاص وحرية التصرف في الملكيات والأموال الخاصة وعدم انتزاعها بغير رضا مالكها بالطرق المشروعة من بيع أو هبة أو تبرع،
5.مقصد العدل: والعدل المراد في هذا المقصد، جعل المال في نصابه الذي جعل من أجله فلا يستثمر ولا ينفق في حرام، وإنما في قنوات أمر بها الله عز وجل، تعود بالنفع على صاحبها وعلى من حوله من أفراد مجتمعه.


تحقق العدالة الاجتماعية لا يغني عن دوامها:
إن ما يجب أن تستهدفه وتلتزم به أية نظرية اقتصـادية لنظام اقتصادي للمسلمين إلى جانت تحقيق الوفرة الانتاجية والثروة الاجتماعية هو تحقيق العدالة الاجتماعية أيضا. ويجب أيضـا عدم حصـر الاهتمام في مجال العدالة الاجتماعية مجرد تحقيقها وإنما أيضـا ضمان دوامها وصمودها في مواجهة عاديات الزمن. في التاريخ الفرغوني يقول المؤرخون بأن النظام الاقتصادى ونظام الملكية للأراضي عرف عدة مرات ما يشبه النظم الاشتراكية التي تتحقق فيها العدالة الاجتماعية المنشودة منها ،ولكنه في كل مرة كان ينتكس ويتحول إلى نظام أقطاعي يتكرس فيه الظلم الاجتماعي وتهدر فيه كرامة الإنسان. وفي مصر الحديثة بدأ محمد على عملية بناء الدولة العصرية باصلاح زراعي قبل أسرة الميجي في اليابان. وسرعان ما انقلب اصلاح محمد على إلى نوع من النظام الإقطاعي بينما صمد النظام في اليابان. وشرع عبدالكريم قاسم في العراق وعبد الناصر في مصر فى نوع من الإصلاح الزراعي في وقت واحد . وكان كل منهما نزيها نقي الذمة ووطنيا مخلصـا ولكنه كان يفتقر إلى الثقافة الضرورية في السياسة والاقتصاد. لم يصمد إصلاح عبد الكريم قاسم وعجل بمقتله وسحله في شوارع بغداد بواسطة قتله جندتهم المخابرات البريطانية وبوساطة النظام الأردني وكان من بين المتآمرين على قتله :صدام حسين . ولم يجد القتلة في جيب سترته غير دينار عراقي واحد ، هو ما خلفه من وراءه في الدنيا . واتضح أن الرجل كان ينفق مرتبه على الفقراء والمساكين والمحتاجين في حياته .وحكم العراق من بعده مغامرون ولصـوص و انتهي أمره إلى ما انتهي اليه . وفي مصر استطاع عبد الناصر أن يقيم تنمية اقتصادية وكان من أمرها أنه في سنة تعرض مصـر لهزيمة ساحقة في سيناء عام 1967 كان الاقتصاد المصري من الاقتصاديات التي تحقق أكبر معدل تنمية في العالم. ومنذ وفاة عبدالناصر قبل حوالي 38 عاما بدء هدم النظام الاقتصادي الذي خلفه لبنة تلو لبنة وما زالت عملية الهدم مستمرة حتي اليوم ، وانتشر الفقر والظلم والفساد في ربوع مصـر . ليس المهم إذن تحقيق العدالة الاجتماعية في النظام الاقتصادي فقط وإنما ضمان استمرارها على طول المدى . وعلم المسقبليات والمعادلات الرياضية في تحليل الإقتصـاد الكلي لا تـساعد كثيرا في هذه الحالة وإنما الذي يمكن أن يكون مفيدا هو التحليل التاريخي لحالات العدالة الاجتماعية في التاريخ التي تعرضت لانتكاسات ومعرفة أسباب انتكاستها.

No comments: