Saturday, March 29, 2014

كم عدد سكان مصر؟


سؤال قد يسهل على الكثيرين الإجابة عليه ـ خاصة وقد نشرت الصحف قبل أسابيع بأن جهاز كذا أعلن أن عدد السكان في مصر قد بلغ يوم كذا تسعين مليونا، وأن الجهاز بشر بأن عدد السكان سيصل خلال سنوات معدودة الى مائة مليون، ومع ذلك يظل السؤال قاسما بدون إجابة موثوق في صحتها. فالجهاز المذكور يقيد عدد المواليد ثم يخصم منه عدد الوفيات والباقي يكون هو عدد السكان الرسمي.وطريقة الحساب هذه يفترض أنها صحيحة لو كان الجهاز بإمكانه تحديد عدد الوفيات الفعلي. فكل من يولد يتم قيده غالبا واستخراج شهادة ميلاد له للحاجة اليها لضمة إلى بطاقة التموين أو لقيده في المدرسة مستقبلا ، أما كل من يموت فلايتم استخراج شهادة وفاة له وإنما تصريح بالدفن من طبيب الصحة دون استخراج شهادة وفاة طالما لم يخلف تركة يحتاج الورثة إلى اقتسامها.

وما نعرفه أن عدد سكان مصر في الخمسينيات بلغ حوالي عشرين مليونا وفي نهاية السبعينيات قارب الأربعين مليونا ولكننا لا نعرف العدد الحقيقي اليوم ، وينتابني الشك في الأرقام المعلنة والتهويل فيها، والادعاء بأن مصر مقبلة على انفجار سكاني لاحل معه. وقد سبق تقدير عدد سكان مصر منتصف عام 2003 حوالي 72 مليون نسمة،ولو افترضنا صحة الرقم فلايعقل خلال الأوضاع الصحية المتفاقمة وما يترتب على التلوث البيئي من مشاكل صحية تتضمن الاصابة بالعقم وضعف الخصوبة أن يرتفع العدد في بداية 2014 إلى 90 مليونا.

وتقول جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 6 يناير 2014 تحت عنوان :
"مصر‏160‏ مليون نسمة في‏2050‏..الانفجار السكاني يدخل دائرة الخطر" مايلي:
"خطر داهم يتهدد مستقبل المصريين‏..‏ حيث تشير الدراسات والإحصائيات الحكومية إلي أن تعداد السكان في مصر سيتجاوز‏160‏ مليون نسمة في عام‏2050
ورغم محاولات الحكومات المتعاقبة في مصر تحجيم معدلات نمو السكان فإن معدل النمو السكاني ارتفع إلي2.6 مليون مولود سنويا في الفترة ما بين عامي2006 و2012 طبقا لمؤتمر السكان والتنمية في مصر..تحديات متوقعة وفرص متاحة الذي أقيم في نوفمبر الماضي, ومن بين التحذيرات التي أطلقها المؤتمر في بيانه الختامي إن مصر في ظل معدلات النمو السكاني الحالية ستحتاج إلي90 الف فصل دراسي بكثافة43 طفلا بالفصل الواحد.  .
ويحذر الخبراء من أن استمرار معدلات النمو السكاني علي الوتيرة نفسها ستؤدي إلي تعميق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في مصر, وتعثر عملية التنمية وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر ما يترتب عليه زيادة معدلات الجريمة في المجتمع وأطفال الشوارع وتراجع جودة الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين."وينتهي المقال إلى القول :
"إن السبب الرئيسي لتردي معيشة المواطن وعجز الدولة عن توفير الاحتياجات الاساسية للمواطنين هو عدم كفاية موارد الدولة لمتطلبات السكان في مصر."
ولا يوجد توزيع متوازن للسكان في مصر ، فمصر تبلغ مساحتها الكلية 990 ألف كيلومترمربع يمثل المأهول منها 5%.

وتضم منطقة  القاهرة الكبرى والجيزة والمدن الجديدة التي تطوقهما  حوالي 23% من اجمالي عدد السكان، أي ما يعادل ربع السكان، بينما نجد في المحافظات الصحراوية مثل البحر الأحمر وسيناء والوادي الجديد نسبة 1% من سكان جمهورية مصر. ولايتمتع سكان المناطق النائية بنفس الخدمات التي يتمتع بها سكان شمال الوادي.
وقد أقيمت المدن الجديدة مثل الرحاب و6 أكتوبر وغيرها حول القاهرة الكبري بدعوى تخفيف الزحام فيها ، بينما كان يجب أعادة توزيع سكان القاهرة الكبري على باقي أنحاء القطر ، وهو ما يتطلب أيضا عدم التمسك باستمرار الحكم المركزي والتحول إلى الحكم الفيدرالي لضمان تنمية جميع مناطق البلاد وحماية أمنها القومي في ذات الوقت. وهو الأمر الذي مازال يلقى معارضة شديدة ممن بيدهم الأمر ولايعي أهميته عموم الشعب.وفي حين كانت القاهرة تضم 25% من سكان المناطق الحضرية عام 1996 صارت تضم 70% منهم عام 2008 حسبما ورد في موقع fanack.com.

وفي تقارير الأمم المتحدة السنوية عن التنمية الإنسانية سنجد أن مصر يموت ربع سكانها قبل بلوغهم  40 عاما, وتنشر أحيانا أرقاما مفزعة عن المصابين بداء الكبد والسرطان والسكر وضغط الدم ، وعدد من الأمراض المهلكة التي تعجل بوفاة المريض ، قضلا عن معلومات عن تلوث البيئة ومياه النيل والتربة والتغذية، وعندما عدت إلى مصر قبل عام ونصف وبعد غيبة طويلة استمرت عدة عقود ، كنت على اتصال مستمر بابن عم لي وكنت أعرف مرة كل أسبوع على الأقل بأنه في قريتنا فأسأله عن السبب فيخبرني بأنه كان يشارك في جنازة فلان أو فلآنة، فأسأل عن سبب موته فيخبرني أنه كان مصابا بداء الكبـد، أي أن مرضا واحد يقضي على حياة إنسان أو أكثر كل أسبوع في قرية واحدة لايزيـد عدد سكانها عن ثلاثة آلاف نسمة ، وهناك من يموتون بالتأكيد نتيجة الإصابة بأمراض أخرى.

وكان معروفا أن عددا من الدول الفاشلة التي يحكمها حكام فاسدون تزيد من عدد السكان وتقلل من حجم الناتج المحلي حتي ينقص معدل الدخل الفردي وتستطيع الدولة الحصول على قروض ومعونات دولية يستغلها أو يبددها حكامها. وكان ما لفت نظري هو تزايـد سكان كل من أثيوبيا ومصر بشكل غير منطقي وكأن الدولتان ، خلاف باقي الدول الأفريقية تتسابقان في هذا المضمار ، وكلما رفعت إحداهما عدد سكانها سارعت الأخرى بإعلان زيادة عدد سكانها هي الأخرى لكي يتساويان في عدد السكان. بينما كل المعلومات المتاحة عنهما تشكك في صحة ما يعلنانه.وكان حسني مبارك يتعلل بتلك الزيادات المزعومة لتفسير عجز حكوماته عن تحسين أوضاع الشعب أو إقامة مشروعات تنمية تستوعب اليد العاملة، وفي نفس الوقت كان يعلن عن ما يسمية بالمشروعات القومية الكبري في الزراعة مثل سهل الطينة شمال غرب سيناء أو مفيض توشكي أو شرق جبل العوينات، أو في الساحل الشمالي وملايين الأقدنة التي ستضيفها تلك المشروعات التي تكلفت مليارات الدولارات والتي ستسهم في توزيع السكان على مناطق شبه خالية منهم ، وتعزز الأمن القومي خاصة في سيناء ، ثم نفاجأ بتوزيع الأراضي على شركات مشبوهة وعلى شخصيات أجنبية ومحلية ،وحرمان الفلآخ المصري من أرضه التي يسدد أقساط وفوائد الديون التي أنفقت فيها. ولا نعرف حتى الآن من أصحاب الشركة التي تستغل منجم السكري وتلك التي تستغل منجم المنجنيز في مثلث حلايب شلاتين، وماذا يستفيده الشعب المصري من استغلال تلك الشركات لتلك الثروة المعدنية؟ ، ونعرف كيف أسند التنقيق على الغاز لشركة يملك معظم أسهمها حسين سالم صديق مبارك ، ثم يقوم الأخير ببيع أسهمه فيها لشركة أسرائيلية، وتبيع تلك الشركة الغاز لاسرائيل بأقل من الأسعار العالمية، ويستمر ذلك، وأشياء كثيرة منها ما كشف عن بعضه صدفة مثل التنازل عن مرفأ مرسى علم لشركة على رأسها مستثمر كويتي لإنشاء مشروعات سياحية خاصة فيها ومطار خاص للسائحين من الخليج ، وبما يستغل لأغراض أخرى ،ومنها بالتأكيد مازال يلفه الكتمان، وكل ذلك يتم تحت مسمى تشجيع الاستثمار الأجنبي. لعنة الله عليه إن كان على هذا النحو المريب.

نعود إلى سؤالنا : كم عدد سكان مصر؟ ، إذ أنه  بدون إجابة صحيحة ومفصلة على هذا السؤال يتعذر وضع خطة للنهوض بالبلد في المستقبل، وهو ما يتطلب إجراء تعداد رسمي ، وتعيين لجان له تزور كل منزل في مصر وتقيد سكانه وبياناتهم خاصة المتعلقة منها بدخل الأسرة وأعمار أفرادها وغير ذلك وتصحيح كافة البيانات الرسمية وفق نتائج هذا التعداد.ووضع سياسة محلية وخارجية هدفها الوحيد إدارة شؤون المجتمعات المصرية على نحو أفضل وعادل ، يسهم في رقي المجتمع وتحسين الأوضاع المعيشية لكافة أقراده.وبحيث يتم  خلق فرص عمل ومجالات استثمار لتشغيل طاقة المجتمع بكامله وبالاعتماد الكامل على استثمار الثروة البشرية المصرية وليس على رؤوس الأموال الأجنبية ، كما يتم التحرر من السياسة الحالية الخاضعة لمفهوم النيوليبرالية والذي لا تستفيد منه سوى الرأسمالية العالمية ، والرأسمالية المحلية التي تقتات على فتاتها وتقع على هامشها ،والتي لا تعنيها مصالح الشعوب .
ويحتاج استثمار الثروة البشرية المصرية إلى توفر معلومات صحيحة وميدانية عنها وليس معلومات دفترية مشكوك في صحتها ، ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان: "تؤثر الديناميات السكانية، بما في ذلك توزيع معدلات النمو، والبنية العمرية، والخصوبة والوفيات، والهجرة، وغيرهم، على كافة جوانب التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.  ومن هنا، يتعين على البلدان أن تتوافر لديها القدرة على جمع المعلومات عن السكان، لمتابعة وتحليل الاتجاهات من أجل إعداد وإدارة سياسات سليمة وتوليد الإرادة السياسية لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للسكان"
وحيث لايمكن إعداد مخططات تنمية دون توفر تلك المعلومات ، والافادة منها.

وبدون هذا ستظل مصر ضيعة منكونبة بحاكميها ومنهوبة منهم وغير معروف من يملكها، ويستغلها وينتفع منها دون غالبية الشعب. وقد جاء في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن "قلة من البشر يتمتعون بالنصيب الأكبر من الثروة والمعرفة والإنتاج، وكثرة من البشر يعانون من سوء التغذية، أو يموت بعضهم جوعاً، ومرضاً وجهلاً".وهذا الوصف ينطبق على الوضع الحالي القائم في مصر حاليا. والذي يعتبر السبب الرئيس لانتفاضة 20يناير 2011 والتي تم الالتفاف عليها وإجهاضها ، ومن المحتمل أن يكون سببا أيضا في انتفاضات مماثلة في المستقبل تعيي الذين يحاولون التغلب عليها وأبقاء الوضع على ماهو عليه دون تغيير ولصالح فئة قليلة في قمة الدولة هي المستفيدة وحدها من استمراره.

وعوض التخويف من الزيادة السكانية يجب العمل على زيادة الانتاج الزراعي والصناعي ، فلسنا أكثر عددا من الصين التي يزيد عدد سكانها عن مليار ونصف حاليا يشغلون مساحة قدرها تسعىة ملايين و500 ألف كيلومتر مربع وبصدد أن تتحول إلى أول قوة اقتصادية في العالم خلال العقد القادم ، لأنها رغم كل ما يقال عن نظامها الشيوعي تستثمر عدد سكانها كثروة بشرية منتجة للثروة المالية, الموجه لتحسين الأوضاع الاجتماعية باستمرار. والاستثمارات الأجنبية التي تتدفق على الصين هي في معظمها أموال ذوي الأصول الصينية المغتربين في ماليزيا وأندونيسيا وباق دول جنوب آسيا.ونفس الشيئ يمكن أن يقعله المغتربون المصريون الذين يتردد أن عددهم حوالي الخمسة ملايين نسمة ، إن وجدوا نظاما يمكنهم الثقة فيه ويأمنون على أموالهم ومصالحهم فيه.
ويمكن قول ذلك أيضا عن الهند التي يصل عدد سكانها حاليا الى حوالي المليار نسمة وتسير في السنوات الأخيرة بخطى ثابتة في طريق التنمية والقضاء تدريجيا على الفقر وتحسين مستوى معيشة السكان. و النمو السكاني ليس بالضرورة ظاهرة سلبية بل قد يكون إيجابيا حيث يسهم في زيادة الطلب على الانتاج والتي من شأنها أن تزيد من الانتاجية ويسهم أيضاً في تنظيم فعالية الانتاج بفضل تحسين تقسيم العمل ويؤدي النمو السكاني إلى تخفيض الأعباء العامة للمجتمع بتوزيعها على عدد أكبر من السكان. حين يتم وضع خطة تنموية علمية لاستيعابه والإفادة منه.
وحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان عن مصر فإنه:" لاتزال التنمية تشهد تفاوتاً كبيراً بين المناطق الحضرية والريفية، وبين صعيد مصر والدلتا، وبين الرجال والنساء، و كذلك داخل المحافظات والمدن.  ويتركز ما يقرب من 40 في المائة من جميع الاستثمارات في محافظة القاهرة، ولا يزال الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية منخفضا نسبيا.  وفي عام 005 ، تم إنفاق 5,1٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم,  و 1,8٪ على القطاع الصحي، غير أن الفقر لا يزال يشكل تحديا كبيرا، حيث يعيش حوالي 43٪ من السكان على أقل من 2 دولار يوميا، كما أن حوالي 30٪ من القوة العاملة تعمل بعقودٍ إما موسمية، أو غير منتظمة، أو مؤقتة". 
وهي وضعية لايمكن لوطني مصري أن يقبل استمرارها إلى ما لا نهاية.ويفترض أن يسعى جميع المصريين ،صفا واحدا، لتغييرها من أجل مستقبل أفضل لبلادهم.وأن يقدم من يرشح نفسه للرئاسة برنامجا مفصلا وتنفيذيا لتحقيق ذلك ، وليس وعود وشعارات وعبارات إنشائية أو عاطفية لاستمالة الناخبين وليس لبناء مستقبل يليق بهم ، وبحقوقهم.
ويقول التقرير أيضا: "ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر على دعم سبل التعاون مع الحكومة المصرية لضمان حصول صانعي القرارات على المعلومات السكانية المستندة إلى الأدلة، والمعرفة المتعمقة لديناميات السكان، للاسترشاد بها في عملية صنع القرار، كما يدعمها أيضاً للتأكد من أن السياسات الوطنية تحقق أهداف وغايات كل من المؤتمر الدولي للسكان والأهداف الإنمائية للألفية.  ومن جهةٍ أخرى، يساند الصندوق الحكومة في بناء القدرات المؤسسية في توفير المعلومات والبيانات الدقيقة من أجل تعزيز الحوار.
فهل يمكن لمصر أن تستفيد من ذلك وتوجه العون الفني المقدم من الصندوق بما يخدم سياسة اقتصادية جديدة تعزز التنمية الشاملة :الاقتصادية والإنسانية للمجتمع المصري؟


فوزي منصور

No comments: